الفصل الرابع عشر مواجهة

حركت غرام رأسها بنفي وهي تتحدث إلى عاصم بثقة:

-أنا أعرفك جيدًا يا عاصم، لن أسيء فهمك، لا تقلق من هذا الشيء، كن مطمئن أنني لن أعطي لحديث شمس أي إهتمام.

ابتسم  عاصم واقترب ليقوم بتقبيل وجنتها، بادلته الإبتسامة وودعها هو قائلًا:

-سوف أذهب مع أبي لنمر على أهل القرية ونرى حالهم.

اومأت له وهي تفكر في كل شيء سوف تفعله، لا تعلم ما الذي سوف يفعله عاصم إن علم بغيابها دون علمه، لكنها سوف تفكر في حجة ما؛ فآخر شيء تريده هو مجيئ جلال إلى هنا وإفساد كل شيء.

رحل عاصم بالفعل ولم يمر الكثير من الوقت حتى خرجت غرام، كانت تشعر بالقلق من مقابلتها مع جلال، تمنت أن لا ترى عاصم بالقرب من هناك، طرقت الباب بقوة وهي تشعر بالضيق الشديد منه، فتح لها الباب وما إن رأها حتى ابتسم، دلفت إلى منزله بإنفعال واضح:

-ما الذي تريده يا جلال؟ الأمور لم تعد على مايرام، لقد جعلت عاصم يشك بك وأنك من قتلت ماجد ومنير.

اقترب جلال منها لتقرب حاجبيها بإشمازاز:

-ما هذه الرائحة؟ أنت تشرب خمر اليس كذلك؟

ضحك جلال ساخرًا وقد بدى أنه ثمل وليس بكامل وعيه:

-كل هذا بسببكِ أنتِ يا غرام، لماذا فعلتِ هذا بي؟ لماذا لم تبقي معي وحتى عندما أردتِ الزواج تزوجتي بعاصم، هذا الشاب أنا أكرهه وأكره والده كثيرًا، أنا لا أحبهم أبدًا، أخذ والده السيدة التي احببتها بصدق، بينما عاصم أخذ فتاتي التي أويتها.

نظرت له بعدم استيعاب وهي لا تصدق أنه كان يحب والدة عاصم، تابع هو حديثه ولم يكن في وعيه بسبب تناوله للكحول:

-لقد أخذها مني والده قبل أن أتقدم لها، هو جعلها تتعلق به ولم تعير لمشاعري أي إهتمام، لقد كذبت عليكِ يا غرام، لم يفعلوا شيء لعائلتكِ، عائلتكِ كانت تساندني ولم يكونوا جيدين، هم قاموا بحرق أرض ناصر من أجل أن تهتز ثقة أهل القرية به وبعدم قدرته على حمايتهم، لكن..

صمت وهو يضحك ويرى الصدمة ظاهرة على وجهها:

-أنت خدعتني! كيف فعلت هذا بس، كيف جعلتني أقتل بتلك السهولة؟!

اقترب جلال وهو يقوم بمحاوطة وجهها والنظر إلى عينيها:

-عينيكِ بريئة جدًا يا غرام، يستطيع أي رجل أن يدوب بهم، تمتلكين غضب جحيمي ساندني كثيرًا، أنتِ فتاة مثالية تمامًا يا غرام.

دفعت يده بقوة ودموعها تتساقط:

-أنت من قتلت عائلتي؟

حرك جلال رأسه بنفي:

-بالطبع لا، لقد تم طردهم بعد حرق الأرض وظهور أنهم هم من فعلوها، كان موتهم حادث، تركوكي معي يا حبيبتي وذهبوا لإيجاد مكان صالح للعيش، لكنهم لم يعودوا لقد توفوا، لا يوجد لكِ غيري ولا يوجد لديّ غيركِ.

لاحظت اقترابه، دفعته بقوة وهي تصرخ به:

-كيف فعلت هذا بي؟ كيف استطعت أن تخدعني وتلعب بمشاعري هكذا؟ لماذا فعلت هذا بي يا جلال؟ ألا يوجد لديك شعور؟ ألا يوجد لديك أي إحساس يا جلال؟ حرام عليك، لقد دمرتني، أنت بالفعل دمرت كل شيء بي، أنا لن أسامحك مهما حدث، لن أغفر لك.

سحبها جلال بغضب وهو يقبض على زراعيها:

-فعلت هذا من أجلكِ، من أجل ان تكوني سيدة هذه القرية، هم لا يستحقون الشفقة يا غرام افهمي هذا، عليكِ أن تفهمي أنهم لا يستحقون أي شيء جيد.

كانت دموعها تتساقط وهي لا تصدق أنه تلاعب بها وهي التي تظن نفسها ذكية كانت تسير على خطته طوال الوقت:

-أنا أكرهك يا جلال، صدقني أكرهك أكثر من أي شيء في حياتي.

أتت لتذهب لكنه لم يتركها، حاولت سحب زراعها لكنه لم يترك لها الفرصة، قام بضمها بقوة:

-أنا أحبكِ يا غرام أكثر من أي شيء في حياتي صدقيني.

تساقطت دموعها بألم وهي تقوم بدفعه:

-اتركني يا جلال، دعني وشأني، لقد دمرت حياتي، لقد دمرت كل شيء جيد بي.

دفن جلال وجهه بعنقها وهو يتحدث بجدية:

-لن أترككي يا غرام، أنتِ لي، لقد عزمت أنني لن أترككي تذهبين، سوف يكون كل شيء جيد إن بقيتِ هنا، لن أسمح لكِ بالذهاب إلى عاصم، مستعد لفعل أي شيء.

كانت غرام تفكر في عاصم وماذا سوف يحدث في علاقتها معه، هو لن يغفر لها أي شيء، لن يغفر لها ألمه، بالأخص إن علم الحقيقة من جلال، لكن لا تصدق أن يخبره جلال بالحقيقة كاملة، مؤكد غضبه منها سوف يعميه، دفعته بقوة ودموعها تتساقط:

-لا تقترب مني، لم أعد أطيقك يا جلال، اكرهك كثيرًا، سوف أحاول أن أصلح كل شيء، لقد قومت بتوريطي أيها القذر.

دفعته بغضب عدة مرات وهي تشعر بالضيق الشديد، جلست على الأريكة بعد أن فشلت في تمالك أعصابها، جلست تبكي بألم، وقف جلال أمامها وهو يتحدث صارخًا:

-لا تبكي يا غرام، لا أحب رؤيتكِ تبكين، أنا أسف.

رمقته بغضب شديد، تعلم انه ليس بوعيه، كان هذا من نصيبها، لقد اخبرها بكل شيء في حالة ثمله تلك، وقفت أمامه ومن ثم قامت بصفعه بقوة للمرة الأولى واسرعت بالخروج، لا تعلم إلى أين تذهب، تمنت لو هناك مكان آخر يمكنها الذهاب إليه.

تذكرت أن بالقرب أرض زراعية لن يكون بجوارها أحد في هذا الوقت، قررت أن تذهب وتجلس هناك لبعض الوقت حتى تهدأ وتفكر ماذا سوف تفعل، بقيت هناك للكثير من الوقت، وجدت هاتفها يرن ورقم غريب ينير شاشة هاتفها، اجابت بعد أن خمنت أنه عاصم وقد أصاب تخمينها عندما اجابته:

-أين أنتِ يا غرام؟ كيف تخرجي دون علمي؟ أنا كدت اموت من القلق عليكِ، من الجيد أن رقم هاتفكِ كان معي، اخبريني أين أنتِ؟

اجابته بصوت جاهدت ليخرج عادي ولا يظهر به بكاؤها:

-لا يوجد داعي للقلق يا عاصم، خرجت للتمشي سوف أعود، أنا أعرف طريق المنزل ولست طفلة لتقلق.

اغلقت الهاتف من بعدها بينما هو كان يشعر بالحيرة وهو يتساءل عن سبب تصرفها معه بتلك الطريقة:

-لا أعلم ما الذي اصابها، أظن أن هناك ما يضايقها.

لم يرتاح قلبه وخرج للڤرندا وعينيه مثبتة على الطريق، لم يمر الكثير من الوقت ووجدها تقترب، هبط والضيق يسيطر عليه، قابلها أمام الباب وهي تنظر له:

-لقد شعرت أنني بحاجة لاستنشاق الهواء فقط.

اقترب عاصم وعينيه مازالت مثبتة عليها والضيق يسيطر عليه:

-ولماذا لم تخبريني يا غرام؟ ماذا لو تعرض لكِ جلال وحدث شيء دون أن أعرف أنا؟!

انفعلت غرام وهي لا تحتمل المزيد من الحديث:

-يكفي يا عاصم، أنا لست طفلة، أستطيع التعامل مع نفسي، عاصم أنا لا أريد التحدث الآن في أي شيء، مهما كانت أهميته لا أريد التحدث.

تركته واسرعت في الذهاب إلى غرفتها، كانت تحاول أن تنسى ما قاله جلال، لكن حديثه كالخنجر السام يطعن قلبها دون رحمة، لحق بها عاصم ومن ثم قام بسحبها بغضب شديد:

-اخبريني ما الذي يحدث لكِ؟ أنا لم أفعل شيء يستحق غضبكِ، لماذا ذهبتي بتلك الطريقة وما الذي حدث ليبدل حالكِ بتلك الطريقة؟

تساقطت دموعها وهي تنظر له، رأى داخل عينيها الكثير من الكلمات، حاولت أن تسيطر على نفسها، لكنها فشلت كما حدث معها مؤخرًا، انهارت في البكاء وهي لا تقوى على الوقوف، جلست في مكانها على الأرض، صدم عاصم من حالتها وجلس أمامها في محاولة منه لجعلها تهدأ:

-اخبريني يا غرام ماذا اصابكِ، أنا أشعر بالخوف عليكِ، أنا معكِ، لا يوجد شيء يمكنه أن يؤذيكِ.

اومأت غرام له وتحدثت بألم من بين دموعها:

-معك حق يا عاصم، لا أحد يمكنه أن يؤذيني؛ لأنني أؤذي نفسي، لا أنتظر أحد ليفعل هذا يا عاصم، أنا أسوء شخص في حياتي، ليتني مت قبل اليوم، ليتني لم أعيش إلى تلك اللحظة.

كان عاصم لا يصدق أنها تتحدث بتلك الطريقة، لطالما كان يعلم أنها تخفي شيء ما يؤلمها، لكنه الآن واثق أن هناك ما سيجعله يتألم معها، قام بمحاوطة وجهها وهو يتأمل عينيها:

-انظري لي، لا تفعلي هذا، أنا معكِ يا غرام، أحبكِ يا فتاة، سوف يكون كل شيء بخير، عليكِ أن تتماسكِ يا غرام إذا سمحتِ لا تفعلي هذا.

نظرت غرام له وهي تمسك بيده برجاء:

-سوف أخبرك بكل شيء يا عاصم، لكن عدني أن تتفهمني وتتفهم حالتي، أنا أعترف انني كنت مخطأة في كل شيء، لكنني كنت غبية، استغلني جلال ولم أكن تلك العاقلة، أرجوك تفهمني لأنني أتألم كثيرًا، أنا أتألم أكثر من المعتاد.

مسح دموعها وهو يومأ وقد انقبض قلبه وهو مستعد لسماعها، ظن أنه على استعداد لسماع كل شيء سوف تقوله، لكن كانت الحقيقة عكس هذا تمامًا.

نظرت غرام له وبدأت في الحديث وهي تعلم أن نهايتها قد اقتربت في جميع الأحوال:

-أعلم أنني احببتك حقًا يا عاصم، لكن ما حدث قبل هذا أنني عندما علمت ما هي الحياة كنت مع جلال، كان يوجهني لفعل كل شيء يريده، كنت أعيش في منزله خارج هذه القرية، لم أكن أعلم لماذا ولكنه كان يخبرني أن لا أسأل عن شيء، اخبرني أن أهلي تم طردهم من هنا عن طريق عائلتك.

تساقطت دموعها بألم وهي تتابع:

-قاموا بحادث وتوفوا وأنا مع جلال، قال لي أنكم السبب في موت عائلتي، والدك وخالك ووالدتك وخالتك قاموا بضرب أمي حتى اوشكت على الموت، قال الكثير من هذا الحديث لي، كلما كبرت سنة كنت أحرق صوركم واحد تلو الآخر، اخبرني أن أجعلكم تندمون حتى ترتاح روح أمي وكذلك روح أبي، قال هذا لي منذ الصغر.

كانت تقبض على يده بشكل أقوى، عينيها تخبره أنها تموت ألمًا، كان يعلم أن الأسوء قادم، تعابير وجهها تخبره أن هذا لا شيء، بالفعل تابعت الحديث:

-كان يقوم بتدريبي على ضرب النار، كان يعلمني الكثير من فنون القتال عن طريق الكثير من الأشخاص، حتى بدأت استعمل القناصة واصبحت ماهرة في التصويب، وقتها هو وجد أنني اصبحت مناسبة لفعل ما يريد.

ربط عاصم ما حدث إلى ماجد ومنير على الفور في عقله، سحب يده منها بصدمة وهو ينظر لها بأعين متسعة:

-مستحيل أن تكوني أنتِ يا غرام، أنتِ لم تقتلي أصدقائي أليس كذلك؟ لم تقتلي أخوتي يا غرام.

لم يجد إجابة تريح قلبه، هو فقط وجد البكاء، حرك رأيه بنفي وصرخ بها بشكل مفاجئ وهو يقبض على كتفيها:

-غرام انظري لي وقولي الحقيقة، أنتِ لم تفعليها أليس كذلك؟!

نظرت له بألم وهي تترجاه بعينيها:

-أرجوك دعني أكمل يا عاصم، ماذا تريد من فتاة تربت على كرهكم جميعًا، ماذا تريد من فتاة تربت أنكم قتلتم عائلتها، لم يكن في حياتي شخص سوا جلال، لا مفر من تصديقه يا عاصم، أرجوك تفهمني.

انفعل عاصم وهو ينظر لها بعدم استيعاب:

-مؤكد أنتِ لستِ إنسانة، جلال! هذا الحقير الذي حاول الأعتداء عليكِ أثناء عجزكِ في المستشفى هذا هو الشخص الذي نال ثقتكِ؟ منكل عقلكِ يا غرام؟!

تساقطت دموعها بألم وهي تمسك يده بيدها المرتجفة:

-لم يكن لي غيره صدقني يا عاصم، أرجوك لا تكن قاسي، كل هذا كان دون إرادتي، كنت مضطرة لفعل كل هذا.

دفعها عاصم وهو يخرج بها ومن ثم وقف:

-زوجتي هي قاتلة عائلتي؟ هي من خربت حياتي وحياة أمي وأختي وخالتي والباقي من العائلة! لا يمكنني أن أصدق هذا، أشعر أنني بكابوس صعب الاستيقاظ منه، مستحيل أن تكوني إنسانة، مستحيل أن تكوني شخص لديه مشاعر، أنا أشعر أنني على وشك فقدان الوعي لا يمكن أن تكوني بهذا السوء.

وقفت وقد كانت الدموع تغرق وجهها:

-لا تكن قاسي في الحكم عليّ يا عاصم، الألم الذي في قلبي لا يمكنك أن تتخيله، هو أكبر من هذا بكثير، أنا لا أعلم ما الذي أفعله، لا أشعر أنني بخير، لقد هددني جلال إن لم أذهب للتحدث معه سوف يأتي إلى هنا وسوف تسوء الأمور، لقد ذهبت له وكان ثمل يا عاصم، اعترف لي أنه استغلني.

تابعت حديثها من بين شهقاتها:

-قال انه كذب عليّ وأنه يريد أن يلغي كل شيء لأكون معه، جن جنونه من فكرة زواجي بك، قال الكثير من الحديث هو ولا أعلم ماذا أفعل، شعرت أنني سوف أفقد الوعي حتى أنني جلست على الأريكة لبعض الوقت حتى استطعت السير والخروح من منزله، أشعر أنني أموت ألمًا.

نظر عاصم لها، للمرة الأولى يرى دموعها ولا يحرك ساكنًا، اقترب ليقف أمامها وهي تنظر له برجاء أن يسامحها، تعلم أن هذا صعب لكنها تتمنى أن يقدر اعترافها بالحقيقة، قام بصفعها بقوة لتنزف شفتيها وأنفها، صرخت بألم وهو رمقها بغضب شديد:

-لا أستطيع النظر في وجهكِ، لا أعلم كيف لعينيكِ ولوجهكِ ان يمتلك هذه البراءة، اخبريني كيف تكونين بهذا السوء أنتِ؟ أنا لم أبغض في حياتي كلها شخص مثل شعوري الآن.

نظرت له وقد اصابها الخوف وهي تلمس وجهها وترى الدماء بيدها، ابتعدت عنه فورًا وهي لا تصدق أنه قام بضربها، لاحظ ما يحدث، علم أن هذه الفتاة ليست طبيعية، بل اصيبت بنوبة فزع:

-لم أكن أريد هذا، أتعلم لماذا ذهبت أنا للمستشفى؟ لأنني شعرت بالذنب، كان قلبي يؤلمني كثيرًا بينما هو كان يسكن هذا الألم عن طريق تذكيري بعائلتي، هو كان يفعل هذا دائمًا يا عاصم.

جلس عاصم على السرير وهو يحيط برأسه، فكر في الأتصال بالشرطة وتسليمها، لكن ماذا لو قام جلال بتسليمها وانكار ما قالته؟ ماذا لو استطاع أن يخرج ويخرجها من تلك القضية؟!

وضعت يدها على كتفه ليقم بدفعها بقوة وقد تحول الحب التي كانت تراه داخل عينيه لبغض وغضب شديد، تحدثت هي بإرتجاف:

-كان منير يضايقني، كان يحاول التلاعب بي والتقرب مني، كان ماجد يفعل هذا أيضًا، لقد خدع الكثير من الفتيات ولهذا لم أشعر بالذنب وقتها، لكنني أتألم أنني قتلت، هذا يؤلمني كثيرًا، أرجوك ساعدني يا عاصم.

ابتسم ساخرًا وهو لا يصدق أنها تطلب منه هو المساعدة! فكر ماذا سيفعل ومن ثم وقف وعينيه مسلطة على عينيها:

-سوف تفعلين كل شيء أقوله وإلا سوف تندمين أكثر يا غرام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي