الفصل السابع عشر
رتبت "مريم" أوراقها ووضعتها في حقيبةٍ صغيرة، وذهبت إلى المدرسة الثانوية التي انتقلت إليها وسجلت بها عن طريق الإنترنت، بعد نصف ساعة وصلت إلى المدرسة واتجهت مباشرة إلى الإدارة، وبعدما أنهت كل الأمورالمهمة خرجت إلى الساحة الكبيرة وقالت وهي تنظر إلى الطلبة:
ـ سأدرس مع هؤلاء الأشخاص إذاً.
وفجأةً اصطدم بها "حسن" وهو يركض وقال معتذراً من دون أن يتوقف:
ـ آسف.
رمقته "مريم" بنظراتٍ حادة وهو يبتعد وقالت بإشمئزاز:
ـ ياله من فتى أحمق!
لم تكن "مريم" تعرف شكل "حسن" لأنها تعرفت عليه عبر الإنترنت وهو كذلك لا يعرف شيئاً عنها سوى إسمها.
في المستشفى، عندما خرج الطبيب من غرفة والد "دنيا" سألته الأم في قلق:
ـ كيف حاله أيها الطبيب؟
إبتسم الطبيب رداً عليها:
ـ إنه بخير، لقد تأثر من الصدمة فقط، ومن الجيد أن ضغطه لم يرتفع ويصل إلى مرحلة خطرة، لذاعليك الإنتباه له.
إنحنت الأم له وقالت:
ـ أشكرك أيها الطبيب.
ودخلت إلى الغرفة ورأت زوجها جالساً على السرير، فأقتربت منه وسألته:
ـ ما الذي حدث لك يا عزيزي؟
أجابها الزوج بهدوء:
ـ لم يحدث شيء، لنعد إلى البيت.
وعندما كان على وشك النهوض، أمسكت زوجته بكلتا كتفيه وقالت بتمني:
ـ إرتح قليلاً، ما زلت متعباً.
هز رأسه نفياً وهو يبعد يديها قائلاً:
ـ لا أريد،هيا بنا.
تنهدت الزوجة في يأس ولحقت به.
أكملت "تالين" رسم لوحتها أخيراً، واتسعت شفتيها قائلة:
ـ لقد إنتهيت.
إقتربت المعلمة من اللوحة ودققتها جيداً ثم هزت رأسها وقالت بإعجاب:
ـ لقد نجحتِ يا "تالين".
رفعت "تالين" يديها عالياً وهي تصرخ قائلةً بسعادة:
ـ لقد نجحت.
وعانقت "دينا" فقالت لها:
ـ مبروك "تالين".
قامت "دنيـا" بمناداتها وجعلتها تنظر للوحتها، ثم سألتها:
ـ ما هو اللون المناسب الذي علي وضعه هنا؟
أشارت "تالين" بإصبعها إلى مكانٍ معين وردت عليها قائلة:
ـ أضيفي اللون الأخضر الفاتح هنا وستصبح رائعة.
وقفت "ملك" بجانب "دنيا نا" وقالت متسائلة بلطف:
ـ "دنيا" هل يمكنكِ مرافقتي إلى دورة المياه؟
وضعت "دنيا" ألوانها على المنضدة وأجابتها قائلة:
ـ حسناً، هيا بنا.
عندما دخلتا دورة المياه، فتحت "ملك" شعرها ثم اعادت ترتيبه أمام المرآة وهي تسأل:
ـ هل بقي لديك الكثير من العمل على اللوحة؟
أجابتها وهي تغسل يديها:
ـ كلا، بقي علي وضع اللمسات الأخيرة.
بينما كانتا في طريقهما للخروج، وقفت أمام "ملك" فتاة من المستوى الثاني، وقالت لها بتوسل:
ـ هل يمكنكِ أن تعيريني هاتفك المحمول؟
أخفضت "ملك" حاجبيها وقالت بحيرة:
ـ لكني في إمتحانٍ الآن ولا يمكنني التأخر.
عقدت الفتاة أصابع يديها وهي تقول في ترجي:
ـ أتوسل إليكِ أنا بحاجةٍ ماسة إليه.
أخرجت "ملك" هاتفها من جيبها وأعطتها للفتاة، فانحنت قائلة وهي تأخذه:
ـ شكراً جزيلاً لكِ.
عادت "ملك" مع "دنيا" إلى قاعة الرسم، وأحست "ملك" بقلقِ شديد على هاتفها.
خرجت "تالين" من قاعة الإختبار، وذهبت لتغسل يديها، ومن المرآة رأت "آدم" يقف خلفها فالتفتت إليه وقالت بإندهاش:
ـ "أدم " ما الذي تفعله هنا؟
رد عليها وهو يبتسم:
ـ لا شيء، جئت لرؤيتكِ فقط، لأن هذه الإمتحانات جعلتنا نبتعد عن بعضنا.
ثم سألته "تالين":
ـ ما هو إمتحانك اليوم؟
أدار ظهره إليها وهو يجيب بجفاء:
ـ إنها مباراة كرة القدم مع طلاب المستوى الأول.
رفعت "تالين" حاجبيها وتساءلت:
ـ ماذا يحدث للفريق الخاسر؟
أخفض "آدم" رأسه وهو يرد عليها:
ـ لا شيء إن النقاط تحسب على طريقة اللعب،لا على النتيجة.
ورفع يده متابعاً:
ـ حسناً الآن، أراكِ لاحقاً "تالين"
عندما عادت "تالين" إلى القاعة سمعت المعلمة تقول بغضبٍ وإنزعاج:
ـ لماذا تغيبت اليوم؟ ألا تعلم أنه إمتحان
وقفت "تالين" بجانب "دينا" وسألتها بصوتٍ خافت:
ـ ما الذي يحدث هنا؟
غطت "دينا" على شفتيها وهي تخاطبها بصوتٍ منخفض:
ـ إنه بسبب "هند" لم تقم بإنهاء لوحتها وتغيبت اليوم بدون عذرٍ مسبق.
ردت "دنيا" على المعلمة قائلة بجدية:
ـ ربما حصل لها ظرفٌ طارئ أجبرها على التغيب اليوم، خاصة وأن بيتهم سيهدم قريباً.
همست "نورا" بداخل نفسها بإستغراب:
ـ يُهدم؟ آه صحيح.
ثم رفعت حاجبيها وقالت موجهةً كلامها للجميع ومتظاهرةٌ بالجدية:
ـ صحيح، لقد إتصلت علي "هند" مساء الأمس، وطلبت مني أن أكمل رسم لوحتها، فلم يتبقى منها إلا القليل.
إقتربت المعلمة من "نورا" وعقدت ساعديها وهي تسألها قائلة:
ـ ولماذا طلبت منكِ ذلك؟
فكرت "نورا" بحلٍ سريع وأجابت:
ـ لأنها بقيت مستيقظة طوال الليل، تجهز أغراضها للرحيل مع عائلتها.
تنهدت المعلمة قائلة في ضجر:
ـ هكذا إذن"نورا" قومي بإنهاء اللوحة وأخبري "هند" بأنها لن تحصل على درجةٍ كاملة في هذا الاختبار.
هزت "نورا" رأسها موافقة والإبتسامة تعلو شفتيها وحين إبتعدت المعلمة، أخرجت "نورا" نفساً عميقاً وهي تضع يدها على قلبها الذي كاد يتوقف من شدة ارتباكها،ثم قالت بإرتياح:
ـ حمد لله، لقد نجوت.
اقتربت "هند" من "نورا" وسألتها في حيرة:
ـ هل سيتم هدم منزل "هند" حقاً؟
ردت عليها "دنيا" التي وقفت بجانبهم:
ـ نعم لقد أخبرتني "هند" بذلك منذ مدة.
ثم ابتسمت في وجه "نورا" وتابعت:
ـ لقد أنقذتي "هند" إنكِ رائعة.
قالت "نورا" في خجل:
ـ لقد خفتُ أن تكشفني المعلمة، لأن كل ما قلته كان كذباً.
قالت "تالين" في ذهول:
ـ ماذا؟ إذن "هند" لم تتصل بكِ مساء الأمس.
هزت "نورا" رأسها نفياً وهي تقول:
ـ كلا لقد قمت بتأليف هذه القصة من مخيلتي.
قالت "دينا" ضاحكة:
ـ كلنا نعلم هذا ما عدا "تالين".
وضحكوا جميعاً، بعدها عادت كل واحدة منهم لتكمل عملها.
في ذلك الوقت، بدأت المباراة بين المستوى الأول والثاني، وكان كلا الفريقين أقوياء، بينما كان "مازن" يركض بالكرة، رأى "أدهم" يركض بجانبه فمررها إليه وقطعها "سيف" من المنتصف، فأتسعت عينيهما ولحق "أدهم" بـ "سيف" وهو يقول بغضب:
ـ هذا ليس لعباً، نحن فريقٌ واحد ويجب أن نتعاون.
رد عليه "سيف" بسخرية وهو يلتفت إليه:
ـ وفر نصائحك لنفسك يا هذا.
وبحركةٍ سريعة، أخذ "آدم" الكرة من "أدهم" فوقع على الأرض، فقال له "آدم" ضاحكاً:
ـ أنظر أمامك وأنت تلعب.
وسجل "آدم" هدفاً في مرمى المستوى الأول، فنظر للخلف وابتسم وهو ينظر لوجه "أدهم" الغاضب،فقال له:
ـ لن تحصلوا على النقاط وأنتم هكذا.
عقد "أدهم" حاجبيه وقال مستنكراً:
ـ هذا غير صحيح، وسنريك من الأقوى.
بعد مرور ساعة من اللعب، لم يستطع أي الفريقين تسجيل هدف، وعندما وصلت نقاطهم إلى مرحلة عالية، أطلق المدرب صافرته معلناً إنتهاء الوقت، وعندما عاد الطلاب إلى غرفة الخزائن لتغيير ملابسهم، دخل إليهم المدرب وقال بصوتٍ عال:
ـ "سيف" "ادهم".
إلتفتا الإثنان إليه فتابع كلامه قائلاً:
ـ أنتما لا تدركان معنى التعاون، أليس كذلك؟
ظهرت على وجه "سيف" علامات الغضب وعقد حاجبيه قائلاً:
ـ ماذا؟ لقد بذلت قصارى جهدي في هذه المباراة.
حرك المدرب شفتيه وقال ببرود:
ـ أعلم هذا، لكنك لا تتعاون مع أصدقائك.
انحنى "أدهم" أمام المدرب وقال بإحترام:
ـ أعدك بأن أقوم بتصحيح هذا الخطأ في المرة القادمة.
إبتسم المدرب وهو يقول:
ـ هذا ما أردت سماعه منك، على أيه حال لقد نجحتم جميعاً.
علت الإبتسامة وجوه الجميع، وشعروا بالسعادة بعد ذلك خرج المدرب من هناك، غير "سيف" ملابسه بسرعة وغادر المكان ونار الغضب تشتعل خلفه.
خرجت "ملك" راكضةً من غرفة الرسم، لأنها كانت قلقة جداً على هاتفها ولم تتحمل الإنتظار، بحثت عن تلك الفتاة في كل مكان، صعدت الأدوار الثلاثة، وبعد نصف ساعة من البحث المستمر، عادت "ملك" إلى الطابق الأول وتوقفت عن السير وهي تتنفس بصعوبة وتقول بقلق:
ـ ما الذي علي فعله الآن؟ أين يمكن أن أجد تلك الفتاة؟
طرأت في بال "ملك" فكرة وهي أن تذهب إلى الساحة الخلفية للجامعة، لأن ذلك المكان يوجد به القليل من الطلبة ويمكن لأي أحد أن يأخذ راحته في الكلام، كانت "ملك" تسير إلى هناك وتقول مبتسمة:
ـ مستحيل، من المستحيل أن تكون هناك.
وفجأةً توقفت عن السير لأنها سمعت ضحكات الفتاة وهي تقول بصوتٍ رقيق:
ـ آه، أنت لطيفٌ يا حبيبي.
تسمرت "ملك" في مكانها عندما انتقلت هذه الكلمات إلى أذنيها، ارتجفت شفتيها وهمست بداخل نفسها:
ـ إنها تتكلم مع شاب من هاتفي، هذا لا يمكن.
وحركت عينيها عندما قالت الفتاة:
ـ حسناً يا عزيزي، علي إعادة الهاتف إلى صاحبته، أراك مساء اليوم ، إلى اللقاء.
وأغلقت الخط، وحين استدارت رأت "ملك" تقف خلفها، فقالت الفتاة بإرتباك عندما رأت نظراتها الباردة:
ـ المعذرة، كنت على وشك إعادته لكِ.
مدت "ملك" يدها وأخذت الهاتف، وأبتعدت عن تلك الفتاة بدون أن تنطق بكلمة.
هزت الفتاة كتفيها قائلة بإستغراب:
ـ إنها غريبة الأطوار.
كانت خطوات "ملك" تتسارع أثناء السير وعينيها مركزةٌ على الأرض، فاصطدمت برأسها في"ادهم" وقالت وهي ترفع عينيها إليه:
ـ المعذرة "أدهم".
إبتسم "أدهم" قائلاً بلطف:
ـ لا بأس، تبدين منشغلة.
هزت "ملك" رأسها بنعم، وهي تحاول الإبتسام وتقول:
ـ نعم هذا صحيح.
وأنحنت متابعة كلامها:
ـ علي الذهاب الآن.
ومرت من عنده راكضة، فالتفت إليها وتابع طريقه.
قامت "هند" بإغلاق حقائبها وهي في الغرفة، ثم نظرت لوجهها من خلال المرآة، وبدا عليها التعب والإرهاق الشديدين، فأخذت معطفها وذهبت لزيارة جارتهم، وحين وصلت، رحبت بها الجارة كتيراً وعانقتها وهي ما زالت واقفة عند الباب، وطلبت منها أن تتفضل بالدخول، دخلت "هند" إلى الصالة وجلست على الأريكة وهي صامتة، فجلست الجارة بجانبها وسألتها في حيرة بعدما لاحظت الحزن على ملامحها:
ـ ما الأمر يا "هند"؟ لا تبدين بخير.
إنهمرت الدموع من عيني "هند" وارتجف جسدها وهي تجيب بنبرةٍ باكية:
ـ لا أريد الرحيل من هنا، لا أريد.
قامت المرأة بوضع رأس "هند" على صدرها وبدأت تمسح على شعرها وتقول بإشفاق:
ـ لا عليكِ يا "هند" إنه القدر.
غطت "هند" عينيها بكفها وبدأت بالبكاء وهي تحرك رأسها نفياً وتقول:
ـ لا يمكنني تحمل ذلك.
وتركتها الجارة تفرغ من بداخلها حتى هدأت من تلقاء نفسها، عندها نهضت من على الأريكة ومسحت دموعها وهي تقول:
ـ سآتي لوداعكِ هذا المساء.
وغادرت المنزل، عندها رفعت المرأة عينيها ونظرت لصورة "هند " المعلقة على الحائط وهي ما تزال في الثانية عشر من عمرها، فتنهدت قائلة:
ـ يالها من فتاةٍ مسكينة.
غطت "نورا" على لوحة "هند" وأخذت ورقةً صغيرة، دونت فيها الإسم، وثبتتها على اللوحة، ثم اتسعت شفتيها وقالت بإرتياح:
ـ رائع، أخيراً إنتهينا.
ونظرت عبر النافذة، وبدأ لون السماء يتحول إلى اللون البرتقالي، وأشعة الشمس على وشك الغروب، فأخذت "نورا"
أغراضها وغادرت الغرفة.
عندما هبط الظلام، عم الهدوء أرجاء المدينة ولم يسمع سوى صوت حشرات الليل من بين الأشجار، في ذلك الحين قام
شقيق "هند" الأكبر يتجميع الأغراض في سيارة نقل بمساعدة الجيران، ثم بدأوا يودعون بعضهم، مع آهات من البكاء،
وأمطارٍ من الدموع، وأكثر شخصٍ أجهش بالبكاء في ذلك اليوم كان "هند".
بعد ذلك ركبوا جميعاً في السيارة، وفتحت "هند" النافذة ولوحت بيدها للمنزل وهي تبتسم باكية وتحركت السيارة
مبتعدةً عن ذلك المنزل، وطول الطريق و"هند" تردد قائلة في داخل نفسها بتمني:
ـ أتمنى أن أعود بالزمن للوراء.
في أحد المطاعم، قام النادل بوضع اطباق الطعام على طاولة "نورا" و "مروان" وانحنى أمامهما وذهب، تساءلت "نورا" وهي تحدق بـ "مروان":
ـ ما سبب هذه الدعوة يا "مروان"؟
إلتقط "مروان" الشوكة والسكين وهو يقول:
ـ لا سبب معين، أردت رؤيتك، هل يزعجكِ هذا؟
هزت "نورا" رأسها نفياً بسرعة وهي تقول:
ـ كلا.
وقبل أن تبدأ بالأكل أخفضت عينيها قائلة:
ـ عيد ميلادي سيكون بعد ثلاثة أسابيع.
ظهرت ضحكةٌ على وجه "مروان" وهو يقول بحماس:
ـ حقاً؟ هذا رائع.
بعدها، بدأت "نورا" بتناول العشاء مع "مروان".
ـ سأدرس مع هؤلاء الأشخاص إذاً.
وفجأةً اصطدم بها "حسن" وهو يركض وقال معتذراً من دون أن يتوقف:
ـ آسف.
رمقته "مريم" بنظراتٍ حادة وهو يبتعد وقالت بإشمئزاز:
ـ ياله من فتى أحمق!
لم تكن "مريم" تعرف شكل "حسن" لأنها تعرفت عليه عبر الإنترنت وهو كذلك لا يعرف شيئاً عنها سوى إسمها.
في المستشفى، عندما خرج الطبيب من غرفة والد "دنيا" سألته الأم في قلق:
ـ كيف حاله أيها الطبيب؟
إبتسم الطبيب رداً عليها:
ـ إنه بخير، لقد تأثر من الصدمة فقط، ومن الجيد أن ضغطه لم يرتفع ويصل إلى مرحلة خطرة، لذاعليك الإنتباه له.
إنحنت الأم له وقالت:
ـ أشكرك أيها الطبيب.
ودخلت إلى الغرفة ورأت زوجها جالساً على السرير، فأقتربت منه وسألته:
ـ ما الذي حدث لك يا عزيزي؟
أجابها الزوج بهدوء:
ـ لم يحدث شيء، لنعد إلى البيت.
وعندما كان على وشك النهوض، أمسكت زوجته بكلتا كتفيه وقالت بتمني:
ـ إرتح قليلاً، ما زلت متعباً.
هز رأسه نفياً وهو يبعد يديها قائلاً:
ـ لا أريد،هيا بنا.
تنهدت الزوجة في يأس ولحقت به.
أكملت "تالين" رسم لوحتها أخيراً، واتسعت شفتيها قائلة:
ـ لقد إنتهيت.
إقتربت المعلمة من اللوحة ودققتها جيداً ثم هزت رأسها وقالت بإعجاب:
ـ لقد نجحتِ يا "تالين".
رفعت "تالين" يديها عالياً وهي تصرخ قائلةً بسعادة:
ـ لقد نجحت.
وعانقت "دينا" فقالت لها:
ـ مبروك "تالين".
قامت "دنيـا" بمناداتها وجعلتها تنظر للوحتها، ثم سألتها:
ـ ما هو اللون المناسب الذي علي وضعه هنا؟
أشارت "تالين" بإصبعها إلى مكانٍ معين وردت عليها قائلة:
ـ أضيفي اللون الأخضر الفاتح هنا وستصبح رائعة.
وقفت "ملك" بجانب "دنيا نا" وقالت متسائلة بلطف:
ـ "دنيا" هل يمكنكِ مرافقتي إلى دورة المياه؟
وضعت "دنيا" ألوانها على المنضدة وأجابتها قائلة:
ـ حسناً، هيا بنا.
عندما دخلتا دورة المياه، فتحت "ملك" شعرها ثم اعادت ترتيبه أمام المرآة وهي تسأل:
ـ هل بقي لديك الكثير من العمل على اللوحة؟
أجابتها وهي تغسل يديها:
ـ كلا، بقي علي وضع اللمسات الأخيرة.
بينما كانتا في طريقهما للخروج، وقفت أمام "ملك" فتاة من المستوى الثاني، وقالت لها بتوسل:
ـ هل يمكنكِ أن تعيريني هاتفك المحمول؟
أخفضت "ملك" حاجبيها وقالت بحيرة:
ـ لكني في إمتحانٍ الآن ولا يمكنني التأخر.
عقدت الفتاة أصابع يديها وهي تقول في ترجي:
ـ أتوسل إليكِ أنا بحاجةٍ ماسة إليه.
أخرجت "ملك" هاتفها من جيبها وأعطتها للفتاة، فانحنت قائلة وهي تأخذه:
ـ شكراً جزيلاً لكِ.
عادت "ملك" مع "دنيا" إلى قاعة الرسم، وأحست "ملك" بقلقِ شديد على هاتفها.
خرجت "تالين" من قاعة الإختبار، وذهبت لتغسل يديها، ومن المرآة رأت "آدم" يقف خلفها فالتفتت إليه وقالت بإندهاش:
ـ "أدم " ما الذي تفعله هنا؟
رد عليها وهو يبتسم:
ـ لا شيء، جئت لرؤيتكِ فقط، لأن هذه الإمتحانات جعلتنا نبتعد عن بعضنا.
ثم سألته "تالين":
ـ ما هو إمتحانك اليوم؟
أدار ظهره إليها وهو يجيب بجفاء:
ـ إنها مباراة كرة القدم مع طلاب المستوى الأول.
رفعت "تالين" حاجبيها وتساءلت:
ـ ماذا يحدث للفريق الخاسر؟
أخفض "آدم" رأسه وهو يرد عليها:
ـ لا شيء إن النقاط تحسب على طريقة اللعب،لا على النتيجة.
ورفع يده متابعاً:
ـ حسناً الآن، أراكِ لاحقاً "تالين"
عندما عادت "تالين" إلى القاعة سمعت المعلمة تقول بغضبٍ وإنزعاج:
ـ لماذا تغيبت اليوم؟ ألا تعلم أنه إمتحان
وقفت "تالين" بجانب "دينا" وسألتها بصوتٍ خافت:
ـ ما الذي يحدث هنا؟
غطت "دينا" على شفتيها وهي تخاطبها بصوتٍ منخفض:
ـ إنه بسبب "هند" لم تقم بإنهاء لوحتها وتغيبت اليوم بدون عذرٍ مسبق.
ردت "دنيا" على المعلمة قائلة بجدية:
ـ ربما حصل لها ظرفٌ طارئ أجبرها على التغيب اليوم، خاصة وأن بيتهم سيهدم قريباً.
همست "نورا" بداخل نفسها بإستغراب:
ـ يُهدم؟ آه صحيح.
ثم رفعت حاجبيها وقالت موجهةً كلامها للجميع ومتظاهرةٌ بالجدية:
ـ صحيح، لقد إتصلت علي "هند" مساء الأمس، وطلبت مني أن أكمل رسم لوحتها، فلم يتبقى منها إلا القليل.
إقتربت المعلمة من "نورا" وعقدت ساعديها وهي تسألها قائلة:
ـ ولماذا طلبت منكِ ذلك؟
فكرت "نورا" بحلٍ سريع وأجابت:
ـ لأنها بقيت مستيقظة طوال الليل، تجهز أغراضها للرحيل مع عائلتها.
تنهدت المعلمة قائلة في ضجر:
ـ هكذا إذن"نورا" قومي بإنهاء اللوحة وأخبري "هند" بأنها لن تحصل على درجةٍ كاملة في هذا الاختبار.
هزت "نورا" رأسها موافقة والإبتسامة تعلو شفتيها وحين إبتعدت المعلمة، أخرجت "نورا" نفساً عميقاً وهي تضع يدها على قلبها الذي كاد يتوقف من شدة ارتباكها،ثم قالت بإرتياح:
ـ حمد لله، لقد نجوت.
اقتربت "هند" من "نورا" وسألتها في حيرة:
ـ هل سيتم هدم منزل "هند" حقاً؟
ردت عليها "دنيا" التي وقفت بجانبهم:
ـ نعم لقد أخبرتني "هند" بذلك منذ مدة.
ثم ابتسمت في وجه "نورا" وتابعت:
ـ لقد أنقذتي "هند" إنكِ رائعة.
قالت "نورا" في خجل:
ـ لقد خفتُ أن تكشفني المعلمة، لأن كل ما قلته كان كذباً.
قالت "تالين" في ذهول:
ـ ماذا؟ إذن "هند" لم تتصل بكِ مساء الأمس.
هزت "نورا" رأسها نفياً وهي تقول:
ـ كلا لقد قمت بتأليف هذه القصة من مخيلتي.
قالت "دينا" ضاحكة:
ـ كلنا نعلم هذا ما عدا "تالين".
وضحكوا جميعاً، بعدها عادت كل واحدة منهم لتكمل عملها.
في ذلك الوقت، بدأت المباراة بين المستوى الأول والثاني، وكان كلا الفريقين أقوياء، بينما كان "مازن" يركض بالكرة، رأى "أدهم" يركض بجانبه فمررها إليه وقطعها "سيف" من المنتصف، فأتسعت عينيهما ولحق "أدهم" بـ "سيف" وهو يقول بغضب:
ـ هذا ليس لعباً، نحن فريقٌ واحد ويجب أن نتعاون.
رد عليه "سيف" بسخرية وهو يلتفت إليه:
ـ وفر نصائحك لنفسك يا هذا.
وبحركةٍ سريعة، أخذ "آدم" الكرة من "أدهم" فوقع على الأرض، فقال له "آدم" ضاحكاً:
ـ أنظر أمامك وأنت تلعب.
وسجل "آدم" هدفاً في مرمى المستوى الأول، فنظر للخلف وابتسم وهو ينظر لوجه "أدهم" الغاضب،فقال له:
ـ لن تحصلوا على النقاط وأنتم هكذا.
عقد "أدهم" حاجبيه وقال مستنكراً:
ـ هذا غير صحيح، وسنريك من الأقوى.
بعد مرور ساعة من اللعب، لم يستطع أي الفريقين تسجيل هدف، وعندما وصلت نقاطهم إلى مرحلة عالية، أطلق المدرب صافرته معلناً إنتهاء الوقت، وعندما عاد الطلاب إلى غرفة الخزائن لتغيير ملابسهم، دخل إليهم المدرب وقال بصوتٍ عال:
ـ "سيف" "ادهم".
إلتفتا الإثنان إليه فتابع كلامه قائلاً:
ـ أنتما لا تدركان معنى التعاون، أليس كذلك؟
ظهرت على وجه "سيف" علامات الغضب وعقد حاجبيه قائلاً:
ـ ماذا؟ لقد بذلت قصارى جهدي في هذه المباراة.
حرك المدرب شفتيه وقال ببرود:
ـ أعلم هذا، لكنك لا تتعاون مع أصدقائك.
انحنى "أدهم" أمام المدرب وقال بإحترام:
ـ أعدك بأن أقوم بتصحيح هذا الخطأ في المرة القادمة.
إبتسم المدرب وهو يقول:
ـ هذا ما أردت سماعه منك، على أيه حال لقد نجحتم جميعاً.
علت الإبتسامة وجوه الجميع، وشعروا بالسعادة بعد ذلك خرج المدرب من هناك، غير "سيف" ملابسه بسرعة وغادر المكان ونار الغضب تشتعل خلفه.
خرجت "ملك" راكضةً من غرفة الرسم، لأنها كانت قلقة جداً على هاتفها ولم تتحمل الإنتظار، بحثت عن تلك الفتاة في كل مكان، صعدت الأدوار الثلاثة، وبعد نصف ساعة من البحث المستمر، عادت "ملك" إلى الطابق الأول وتوقفت عن السير وهي تتنفس بصعوبة وتقول بقلق:
ـ ما الذي علي فعله الآن؟ أين يمكن أن أجد تلك الفتاة؟
طرأت في بال "ملك" فكرة وهي أن تذهب إلى الساحة الخلفية للجامعة، لأن ذلك المكان يوجد به القليل من الطلبة ويمكن لأي أحد أن يأخذ راحته في الكلام، كانت "ملك" تسير إلى هناك وتقول مبتسمة:
ـ مستحيل، من المستحيل أن تكون هناك.
وفجأةً توقفت عن السير لأنها سمعت ضحكات الفتاة وهي تقول بصوتٍ رقيق:
ـ آه، أنت لطيفٌ يا حبيبي.
تسمرت "ملك" في مكانها عندما انتقلت هذه الكلمات إلى أذنيها، ارتجفت شفتيها وهمست بداخل نفسها:
ـ إنها تتكلم مع شاب من هاتفي، هذا لا يمكن.
وحركت عينيها عندما قالت الفتاة:
ـ حسناً يا عزيزي، علي إعادة الهاتف إلى صاحبته، أراك مساء اليوم ، إلى اللقاء.
وأغلقت الخط، وحين استدارت رأت "ملك" تقف خلفها، فقالت الفتاة بإرتباك عندما رأت نظراتها الباردة:
ـ المعذرة، كنت على وشك إعادته لكِ.
مدت "ملك" يدها وأخذت الهاتف، وأبتعدت عن تلك الفتاة بدون أن تنطق بكلمة.
هزت الفتاة كتفيها قائلة بإستغراب:
ـ إنها غريبة الأطوار.
كانت خطوات "ملك" تتسارع أثناء السير وعينيها مركزةٌ على الأرض، فاصطدمت برأسها في"ادهم" وقالت وهي ترفع عينيها إليه:
ـ المعذرة "أدهم".
إبتسم "أدهم" قائلاً بلطف:
ـ لا بأس، تبدين منشغلة.
هزت "ملك" رأسها بنعم، وهي تحاول الإبتسام وتقول:
ـ نعم هذا صحيح.
وأنحنت متابعة كلامها:
ـ علي الذهاب الآن.
ومرت من عنده راكضة، فالتفت إليها وتابع طريقه.
قامت "هند" بإغلاق حقائبها وهي في الغرفة، ثم نظرت لوجهها من خلال المرآة، وبدا عليها التعب والإرهاق الشديدين، فأخذت معطفها وذهبت لزيارة جارتهم، وحين وصلت، رحبت بها الجارة كتيراً وعانقتها وهي ما زالت واقفة عند الباب، وطلبت منها أن تتفضل بالدخول، دخلت "هند" إلى الصالة وجلست على الأريكة وهي صامتة، فجلست الجارة بجانبها وسألتها في حيرة بعدما لاحظت الحزن على ملامحها:
ـ ما الأمر يا "هند"؟ لا تبدين بخير.
إنهمرت الدموع من عيني "هند" وارتجف جسدها وهي تجيب بنبرةٍ باكية:
ـ لا أريد الرحيل من هنا، لا أريد.
قامت المرأة بوضع رأس "هند" على صدرها وبدأت تمسح على شعرها وتقول بإشفاق:
ـ لا عليكِ يا "هند" إنه القدر.
غطت "هند" عينيها بكفها وبدأت بالبكاء وهي تحرك رأسها نفياً وتقول:
ـ لا يمكنني تحمل ذلك.
وتركتها الجارة تفرغ من بداخلها حتى هدأت من تلقاء نفسها، عندها نهضت من على الأريكة ومسحت دموعها وهي تقول:
ـ سآتي لوداعكِ هذا المساء.
وغادرت المنزل، عندها رفعت المرأة عينيها ونظرت لصورة "هند " المعلقة على الحائط وهي ما تزال في الثانية عشر من عمرها، فتنهدت قائلة:
ـ يالها من فتاةٍ مسكينة.
غطت "نورا" على لوحة "هند" وأخذت ورقةً صغيرة، دونت فيها الإسم، وثبتتها على اللوحة، ثم اتسعت شفتيها وقالت بإرتياح:
ـ رائع، أخيراً إنتهينا.
ونظرت عبر النافذة، وبدأ لون السماء يتحول إلى اللون البرتقالي، وأشعة الشمس على وشك الغروب، فأخذت "نورا"
أغراضها وغادرت الغرفة.
عندما هبط الظلام، عم الهدوء أرجاء المدينة ولم يسمع سوى صوت حشرات الليل من بين الأشجار، في ذلك الحين قام
شقيق "هند" الأكبر يتجميع الأغراض في سيارة نقل بمساعدة الجيران، ثم بدأوا يودعون بعضهم، مع آهات من البكاء،
وأمطارٍ من الدموع، وأكثر شخصٍ أجهش بالبكاء في ذلك اليوم كان "هند".
بعد ذلك ركبوا جميعاً في السيارة، وفتحت "هند" النافذة ولوحت بيدها للمنزل وهي تبتسم باكية وتحركت السيارة
مبتعدةً عن ذلك المنزل، وطول الطريق و"هند" تردد قائلة في داخل نفسها بتمني:
ـ أتمنى أن أعود بالزمن للوراء.
في أحد المطاعم، قام النادل بوضع اطباق الطعام على طاولة "نورا" و "مروان" وانحنى أمامهما وذهب، تساءلت "نورا" وهي تحدق بـ "مروان":
ـ ما سبب هذه الدعوة يا "مروان"؟
إلتقط "مروان" الشوكة والسكين وهو يقول:
ـ لا سبب معين، أردت رؤيتك، هل يزعجكِ هذا؟
هزت "نورا" رأسها نفياً بسرعة وهي تقول:
ـ كلا.
وقبل أن تبدأ بالأكل أخفضت عينيها قائلة:
ـ عيد ميلادي سيكون بعد ثلاثة أسابيع.
ظهرت ضحكةٌ على وجه "مروان" وهو يقول بحماس:
ـ حقاً؟ هذا رائع.
بعدها، بدأت "نورا" بتناول العشاء مع "مروان".