الفصل السادس عشر
كان في وجه "احمد" الكثير من الإصابات، ثم فتح عينيه ببطء وقال بإرهاق:
ـ آه، "سما" لقد جئتِ.
جعلته "سما" يتكئ على كتفها وهي تقول:
ـ لا تتكلم الآن.
وأخذته معها إلى المنزل، وألقته على سريرها، فأخذ نفساً عميقاً ثم نظر إلى "سما" وهو مستلقٍِ على السرير وقال معتذراً:
ـ أنا آسف "سما".
بللت "سما" منشفةً بيضاء صغيرة بالماء، وظلت تمسح الجروح التي على وجهه وهو يتألم، فقالت له:
ـ عليك أن تتحمل قليلاً يا "احمد".
وبعدما أنتهت ووضعت اللصقات الطبية على أماكن الجروح، قال "احمد" شاكراً:
ـ شكراً جزيلاً لكِ.
جلست "سما" بجانبه وسألته:
ـ والآن أخبرني، ما الذي حدث؟
رفع "احمد" عينيه ناظراً للأعلى وبدأ يحكي لها ما حدث قبل ساعةٍ من الآن.
كان "احمد" يسير في أحد الشوارع وجاء إليه أربعة فتيان من نفس مدرسته وقال أحدهم وهو يضع يديه في جيبه:
ـ أين النقود التي طلبنا منك إحضارها؟
عقد "احمد" حاجبيه وهو يجيب:
ـ لم أحضر أية نقودٍ معي، كما أنني لست مجبراً على تنفيذ طلباتكم.
ومر "احمد" من عندهم فأمسك أحدهم بيده وقال ببرود:
ـ توقف عن الكذب، نحن نعلم أنها معك.
وحاول الفتى إدخال يده في جيب "احمد" فابتعد عنهم هارباً فلحقوا به الأربعة، وأكمل "احمد" كلامه قائلاً:
ـ وقاموا بالإمساك بي وضربي، ثم سرقوا كل النقود التي كانت معي.
وجلس "احمد" متابعاً وعيناه تمتلئ بالدموع:
ـ لقد أردت شراء هديةٍ لكِ بتلك النقود، لكني لم أتمكن من ذلك.
وارتجف كتفيه وهو يبكي، فأشفقت عليه "سما" وقامت بإحتضانه وهي تقول:
ـ لا داعي للإعتذار، المهم هو أنك بخيرٍ الآن.
ونظرت إليه متابعةً كلامها:
ـ عليك أن ترجع للبيت الآن.
مسح "احمد" دموعه ثم أبتسم قائلاً:
ـ حاضر، شكراً لكِ "سما".
وبهذا إنتهى ذلك اليوم على خير.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، اقتربت الإمتحانات النهائية، وبدأ الطلبة يشعرون بالتوتر، رتبت "تالين" مذكراتها وأدخلتها في حقيبتها، وقالت لـ "دينا":
ـ أنا قلقةٌ جداً من إمتحان الأسبوع القادم.
ردت عليها "دينا" وهي تقلب المذكرة:
ـ صحيح إنها مادةٌ صعبة للغاية.
ثم أغلقتها وتابعت كلامها قائلة:
ـ سأراجع مع "أدهم" هذه المادة.
أخفضت "تالين" حاجبيها قائلة:
ـ ياللأسف، ليت "آدم" في نفس المستوى.
أدخلت "ملك" جميع أغراضها في الحقيبة، ثم نظرت إلى الخاتم بيدها وقالت:
ـ أخشى أن يتسخ في إمتحان الرسم.
فوضعته في علبته وأدخلتها في الحقيبة وذهبت لإمتحان الرسم، تجمعوا كل طالبات المستوى الأول في غرفة الرسم الكبيرة، ووقفت المعلمة أمامهم وقالت موجهةً كلامها
للجميع:
ـ أريد من كل واحدةٍ منكم أن ترسم أفضل منظرٍ شاهدته في حياتها من خلال الخبرات التي مررتم بها في الأربع اشهر الماضية.
حركت "ملك" فرشاة الألوان على اللوحة وهي تقول:
ـ أفضل منظرٍ رأيته كان.
وتذكرت منظر المدينة الجميل في الليل، حين رأته من العربات المعلقة وهي مع "سيف".
بدأت "دينا" برسم منظر النجوم في السماء وهي وسط البحر مع "أدهم"أما "تالين" فرسمت مدينة الملاهي والألعاب النارية، و"نورا" رسمت شكل أمواج البحر على الشاطئ، و"دنيا" رسمت الحديقة المقابلة لمنزلهم، و"هند" قامت برسم منزلها.
بعد مرور ثلاث ساعات من العمل المتواصل،جلست "دينا" على الأرض وهي تقول:
ـ أنا متعبة، ما هذا الإمتحان؟
إلتفتت إليها "تالين" وهي تلون قائلة:
ـ إرتاحي قليلاً فأمامنا الغد أيضاً.
إجتمع جميع الطلاب، في صالة السباحة الخاصة بإختبار المستوى الأول، وارتدوا جميعاً ملابس السباحة وقاموا بتغطية رؤوسهم ولبس النظارات الخاصة بذلك، ثم قال لهم المدرب بينما كان كل واحدٍ منهم يقف في مكانه:
ـ إسمعوني جيداً من تصل نقاطه إلى نقاط النجاح وهي السبعون يمكنه الخروج ولا مانع لدي إذا كان هناك أشخاص يودون الحصول على نقاطٍ أكثر جاهزون.
وعد حتى الثلاثة وأطلق صافرة البدء، وقفز الجميع في نفس الوقت، وبدأوا يسبحون، كان "مروان" في المقدمة وحين وصل إلى الجهة الأخرى عاد من جديد وتبعه "مازن"، وصلا "سيف" و "أدهم" في نفس اللحظة وعادا مجدداً، ومع مرور الوقت بدأ عددهم يتناقص.
وكان الغريب في هذا الإمتحان أن "أدهم" و "سيف" لم يتجاوز أيٌ منهما الآخر، أحرز "مروان" تسعون نقطة وخرج، وكذلك "مازن"،وصلت نقاط "أدهم" و "سيف" إلى المائة وعشرة ولم يتوقفا، ويضعان يديهما معاً في الجهة الأخرى ويعودان.
وضع المدرب يده على رأسه وقال بانزعاج:
ـ متى سيكملون السباق؟ ما أعندهما.
وبدأ الطلاب بالتشجيع حتى وصل "أدهم" إلى خط النهاية قبل "سيف" بثانيتين، وخرجا وهما يتنفسان بصعوبة وأحرز "أدهم" مائة وثلاثون نقطة أما "سيف" مائة وتسعة وعشرون نقطة، وانتهى امتحان هذا اليوم.
جلست "ملك" عند حقيبتها وأخرجت الخاتم ووضعته في إصبعها وسمعت "سيف" يقول:
ـ يبدو رائعاً عليكِ.
التفتت إليه "ملك" وهي تقول مبتسمة:
ـ شكراً على إطرائك.
ونهضت من على الأرض، وأمسكت بيده وسارا معاً.
عادت "هند" للمنزل ورأت كل عائلتها مجتمعين في الصالة، فجلست على الأريكة بجانب والدتها وتسائلت قائلة:
ـ ما سبب هذا التجمع؟
رد عليها شقيقها الأكبر بحماس:
ـ لقد حصلنا على منزلٍ جديد، إنه أصغر من هذا لكنه يفي بالغرض.
وقفت الأم وهي تقول:
ـ إذن علينا أن نجهز أنفسنا للرحيل، سنرحل مساء الغد.
أخفضت "هند" رأسها وهي تقول:
ـ إذن سنترك هذا المنزل الذي قضينا في أفضل أوقاتنا.
حدق الجميع بوجه "هند" الحزين، ثم نهضت ودخلت إلى غرفتها.
عندما وصلت "نورا" إلى المنزل، رأت سيارةً فخمه تقف عند الباب، فقالت بذهول:
ـ واو يبدو بأن لدينا ضيفٌ غني هنا.
ثم سمعت ضحكات والدها وهو يقول:
ـ هذا غير صحيح.
حدقت "نورا" بوالدها باستغراب، ثم تابع قائلاً:
ـ هذه سيارتك الجديدة يا "نورا"!
وبحركةٍ لا شعورية، قامت "نورا" بمعانقة والدها وهي تقول بسعادة:
ـ شكراً لك يا والدي.
وضع الأب يده على رأس "نورا" وقال مبتسماً:
ـ اعتبرتها هديةً لعيد ميلادك.
نظرت "نورا" إلى السيارة من الداخل,، وقالت لوالدها:
ـ لكن عيد ميلادي بعد ثلاثة أسابيع من الآن.
وفجأةً سمعوا "احمد" وهو يقول:
ـ حسناً إذن أنا سأقوم بتعليم "نورا" على القيادة.
إلتفتت "نورا" إليه بسرعة ثم سألته بذهول:
ـ متى أتيت إلى هنا؟
إقترب "احمد" وهو يحمل حقيبته المدرسية بيده ويقول:
ـ لقد سمعت كل الحوار الذي دار بينكما، وأنا مستعدٌ لتعليمك.
إبتسمت "تورا" في وجهه وهي تقول:
ـ أشكرك يا "احمد".
هبط الظلام، وعاد "مروان" إلى المنزل وهو مرهق، فجاءت إليه أخته الصغرى وعانقته بسعادة وهي تقول:
ـ مرحباً "مروان"
ونظرت إلى وجهه وسألته ببراءة:
ـ هل إشتريت لي الحلوى؟
أخفض "مروان" حاجبيه وقال معتذراً:
ـ لقد نسيت آسف.
وأبتعدت عنه، وأدارت ظهرها إليه وهي تقول بحزن:
ـ كنت أعلم أنت لا تحبني.
ثم سمعته يقول بمرح:
ـ أنظري يا "مريم".
ورأت في يده الحلوى التي طلبتها، فألتقطتها بسرعة وأبتسمت قائلة:
ـ شكراً لك "مروان" أنا أحبك يا أخي.
في ذلك الحين بينما كانت "هدى" تدرس في غرفتها سمعت صوت أحدهم يطرق الباب، وحين فتحت رأت والدها واقفاً أمامها
فسألته ببرود:
ـ ما الأمر؟
رد عليها والدها متسائلاً بجفاء:
ـ كيف هي دراستك؟
إتكأت "هدى" برأسها على الباب وهي تجيب بضجر:
ـ إنها جيدة، هل تريد مني شيئاً؟
قال لها وهي يبتعد عنها:
ـ هيا إنزلي لتناول العشاء.
أغلقت "هدى" باب غرفتها ولحقت بوالدها إلى الأسفل.
جلس والد "سما" و "آدم" معهم على مائدة العشاء، وقال بارتياح وهو يأكل:
ـ لم أجلس معكم على الطاولة منذ فترةٍ طويلة.
ردت عليه "سما" قائلة بسعادة:
ـ أنا سعيدةٌ من أجلك يا والدي.
ثم سمعوا صوت فتاةٍ قادم من عند باب غرفة الطعام تقول:
ـ لقد عدتُ إليكم.
إلتفتوا جميعاً إلى مصدر الصوت، وشاهدوا "مريم" إبنة عمهم الصغرى وهي تحمل المعطف بيدها وتقوم بسحب الحقيبة من الخلف، فاتسعت عينا "آدم" وهو يقول:
ـ "مريم"متى عدتِ؟
أبعدت "مريم" يدها عن الحقيبة وأقتربت من عمها وأبنائه وهي تقول:
ـ لقد طردت من منزل والدي وجئت إلى هنا.
ظهرت علامات الذهول على الجميع، فقال الأب بعصبيةٍ حادة:
ـ لماذا قام بطردك؟ أنتِ...
ووضع يده على رأسه فصرخ "آدم" في وجه "مريم" قائلاً بغضب:
ـ لماذا قلتِ هذا الكلام أمام والدي؟ ألا تعلمين بأنه متعب ولا يتحمل سماع الأخبار السيئة.
ركضت "مريم" إلى عمها وعانقته وهي تقول في أسف:
ـ المعذرة يا عمي لم أكن أعلم بأنك متعب إلى هذا الحد.
داعبها عمها في شعرها وهو يقول:
ـ المهم أنكِ بخير.
بعدها، دخلت "مريم" إلى غرفتها وتبعتها "سما"وحين أغلقت الباب، قالت "سما":
ـ هل قام عمي بطردكِ حقاً؟
أجابتها "مريم" وهي تغير ملابسها:
ـ في الحقيقة، هو لم يقم بطردي، لكنه تزوج إمرأةً أخرى وطرد زوجته التي هي أمي، لذلك قررت العودة إلى هنا.
ثم أستلقت على سريرها وهي تقول:
ـ أشعر بالنعاس وأريد أن أنام.
أطفئت "سما" الأنوار وخرجت من الغرفة، عندها نهضت "مريم" عندما اطمأنت أن "سما" قد إبتعدت وفتحت حقيبتها وأخرجت منها حاسباً محمولاً وفتحته فأنعكس ضوء الشاشة على وجهها، وأرسلت رسالة لأحدهم كتبت فيها:
" أنا في نفس مدينتك الآن، يمكننا أن نلتقي أخيراً يا عزيزي "حسن"
وصلت الرسالة إلى بريد "حسن" بينما كان يدرس، وحين سمع صوتاً من الكمبيوتر الخاص به، ونهض وفتح الرسالة وقرأها ورفع حاجبيه ذهولاً ثم أبتسم ورفع يديه قائلاً بسعادة:
ـ أخيراً هل أنا في حلم؟
وأرسل لها رسالةً ليرد على رسالتها وكتب فيها:
" لا يمكنني تصديق ذلك، متى يمكنني رؤيتك "مريم"؟"
ضحكت "مرين" وهي تكتب وتقول بعدما قرأت رسالته:
ـ حدد المكان وستجدني بإنتظارك.
قفز "حسن" من مكانه من شدة الفرح، وقرر أن ينام باكراً لكي يأتي الغد بسرعة.
وفي صباح اليوم التالي، تغيبت "هند" عن الجامعة، لأنها كانت مشغولة طوال الليل في تجهيز أغراضها ولم تتمكن من النوم إلا عند شروق الشمس.
وقف "مح" عند منزل "دنيا" لأنه وعدها بإيصالها إلى الجامعة كل يوم، وبالمصادفة رآه والدها فقال "محمد" في ضجر:
ـ يال الحظ السيء.
تراجع "محمد" بسيارته للوراء، لكي لا ينتبه له، لكن بدون فائدة فقد أشار له الأب بالنزول، أوقف "محمد" سيارته
ونزل منها ووقف أمام الأب مباشرة وهو يقول متسائلاً:
ـ نعم، هل طلبتني؟
رمقه الأب بنظراتٍ باردة من الأعلى إلى الأسفل وقال ساخراً:
ـ هل أتيت لتوصل شيئاً آخر إلى هنا؟
إبتسم "محمد" وهو يجيب بكل ثقة:
ـ كلا أنا صديق "دنيا" وجئت إلى هنا لأوصلها إلى الجامعة.
عقد الأب حاجبيه، وصفع "محمد" في وجهه بسرعة،وقال غاضباً:
ـ هل تعتقد بأنني سأوافق على مصادقتك لـ "دنيا" بهذه السهولة؟
ثم سمع "دنيا" تقول بجدية:
ـ وما المشكلة في ذلك؟
حرك "محمد" عينيه ناظراً إلى "دنيا" وهي تخاطب والدها بشجاعة:
ـ والدي، من حقي أن أختار أصدقائي بنفسي،أليس كذلك؟
رد عليها والدها بإنزعاجٍ وضيق:
ـ أعرف الكثير من الأشخاص الذين يودون مصادقتك، ما عليكِ إلا أن تختاري منهم.
أمسكت "دنيا" بيد "محمد" وهي تقول:
ـ لقد إخترت وأنتهى الأمر يا والدي.
أشار والدها إلى الجهة الأخرى وهو يقول بعصبية:
ـ إذن إرحلي معه ولا تعودي إلى هنا، لا أريد أن أرى وجهكِ مرةً اخرى.
إنحنت "دنيا" أمام والدها وقالت:
ـ أنا آسفة يا والدي.
وركبت السيارة مع "محمد" وذهبا، عندها سقط والدها على الأرض مغمياً عليه من الصدمة بعدما ذهبت، سقط من
شدة قلقه على إبنته، وبالصدفة خرجت زوجته في ذلك الوقت ورأته فركضت بإتجاهه وهي تقول:
ـ عزيزي، ما الذي أصابك؟
ورفعت رأسه ووجدته مغماً عليه، فأتصلت بالإسعاف وتم نقله إلى المستشفى.
ـ آه، "سما" لقد جئتِ.
جعلته "سما" يتكئ على كتفها وهي تقول:
ـ لا تتكلم الآن.
وأخذته معها إلى المنزل، وألقته على سريرها، فأخذ نفساً عميقاً ثم نظر إلى "سما" وهو مستلقٍِ على السرير وقال معتذراً:
ـ أنا آسف "سما".
بللت "سما" منشفةً بيضاء صغيرة بالماء، وظلت تمسح الجروح التي على وجهه وهو يتألم، فقالت له:
ـ عليك أن تتحمل قليلاً يا "احمد".
وبعدما أنتهت ووضعت اللصقات الطبية على أماكن الجروح، قال "احمد" شاكراً:
ـ شكراً جزيلاً لكِ.
جلست "سما" بجانبه وسألته:
ـ والآن أخبرني، ما الذي حدث؟
رفع "احمد" عينيه ناظراً للأعلى وبدأ يحكي لها ما حدث قبل ساعةٍ من الآن.
كان "احمد" يسير في أحد الشوارع وجاء إليه أربعة فتيان من نفس مدرسته وقال أحدهم وهو يضع يديه في جيبه:
ـ أين النقود التي طلبنا منك إحضارها؟
عقد "احمد" حاجبيه وهو يجيب:
ـ لم أحضر أية نقودٍ معي، كما أنني لست مجبراً على تنفيذ طلباتكم.
ومر "احمد" من عندهم فأمسك أحدهم بيده وقال ببرود:
ـ توقف عن الكذب، نحن نعلم أنها معك.
وحاول الفتى إدخال يده في جيب "احمد" فابتعد عنهم هارباً فلحقوا به الأربعة، وأكمل "احمد" كلامه قائلاً:
ـ وقاموا بالإمساك بي وضربي، ثم سرقوا كل النقود التي كانت معي.
وجلس "احمد" متابعاً وعيناه تمتلئ بالدموع:
ـ لقد أردت شراء هديةٍ لكِ بتلك النقود، لكني لم أتمكن من ذلك.
وارتجف كتفيه وهو يبكي، فأشفقت عليه "سما" وقامت بإحتضانه وهي تقول:
ـ لا داعي للإعتذار، المهم هو أنك بخيرٍ الآن.
ونظرت إليه متابعةً كلامها:
ـ عليك أن ترجع للبيت الآن.
مسح "احمد" دموعه ثم أبتسم قائلاً:
ـ حاضر، شكراً لكِ "سما".
وبهذا إنتهى ذلك اليوم على خير.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، اقتربت الإمتحانات النهائية، وبدأ الطلبة يشعرون بالتوتر، رتبت "تالين" مذكراتها وأدخلتها في حقيبتها، وقالت لـ "دينا":
ـ أنا قلقةٌ جداً من إمتحان الأسبوع القادم.
ردت عليها "دينا" وهي تقلب المذكرة:
ـ صحيح إنها مادةٌ صعبة للغاية.
ثم أغلقتها وتابعت كلامها قائلة:
ـ سأراجع مع "أدهم" هذه المادة.
أخفضت "تالين" حاجبيها قائلة:
ـ ياللأسف، ليت "آدم" في نفس المستوى.
أدخلت "ملك" جميع أغراضها في الحقيبة، ثم نظرت إلى الخاتم بيدها وقالت:
ـ أخشى أن يتسخ في إمتحان الرسم.
فوضعته في علبته وأدخلتها في الحقيبة وذهبت لإمتحان الرسم، تجمعوا كل طالبات المستوى الأول في غرفة الرسم الكبيرة، ووقفت المعلمة أمامهم وقالت موجهةً كلامها
للجميع:
ـ أريد من كل واحدةٍ منكم أن ترسم أفضل منظرٍ شاهدته في حياتها من خلال الخبرات التي مررتم بها في الأربع اشهر الماضية.
حركت "ملك" فرشاة الألوان على اللوحة وهي تقول:
ـ أفضل منظرٍ رأيته كان.
وتذكرت منظر المدينة الجميل في الليل، حين رأته من العربات المعلقة وهي مع "سيف".
بدأت "دينا" برسم منظر النجوم في السماء وهي وسط البحر مع "أدهم"أما "تالين" فرسمت مدينة الملاهي والألعاب النارية، و"نورا" رسمت شكل أمواج البحر على الشاطئ، و"دنيا" رسمت الحديقة المقابلة لمنزلهم، و"هند" قامت برسم منزلها.
بعد مرور ثلاث ساعات من العمل المتواصل،جلست "دينا" على الأرض وهي تقول:
ـ أنا متعبة، ما هذا الإمتحان؟
إلتفتت إليها "تالين" وهي تلون قائلة:
ـ إرتاحي قليلاً فأمامنا الغد أيضاً.
إجتمع جميع الطلاب، في صالة السباحة الخاصة بإختبار المستوى الأول، وارتدوا جميعاً ملابس السباحة وقاموا بتغطية رؤوسهم ولبس النظارات الخاصة بذلك، ثم قال لهم المدرب بينما كان كل واحدٍ منهم يقف في مكانه:
ـ إسمعوني جيداً من تصل نقاطه إلى نقاط النجاح وهي السبعون يمكنه الخروج ولا مانع لدي إذا كان هناك أشخاص يودون الحصول على نقاطٍ أكثر جاهزون.
وعد حتى الثلاثة وأطلق صافرة البدء، وقفز الجميع في نفس الوقت، وبدأوا يسبحون، كان "مروان" في المقدمة وحين وصل إلى الجهة الأخرى عاد من جديد وتبعه "مازن"، وصلا "سيف" و "أدهم" في نفس اللحظة وعادا مجدداً، ومع مرور الوقت بدأ عددهم يتناقص.
وكان الغريب في هذا الإمتحان أن "أدهم" و "سيف" لم يتجاوز أيٌ منهما الآخر، أحرز "مروان" تسعون نقطة وخرج، وكذلك "مازن"،وصلت نقاط "أدهم" و "سيف" إلى المائة وعشرة ولم يتوقفا، ويضعان يديهما معاً في الجهة الأخرى ويعودان.
وضع المدرب يده على رأسه وقال بانزعاج:
ـ متى سيكملون السباق؟ ما أعندهما.
وبدأ الطلاب بالتشجيع حتى وصل "أدهم" إلى خط النهاية قبل "سيف" بثانيتين، وخرجا وهما يتنفسان بصعوبة وأحرز "أدهم" مائة وثلاثون نقطة أما "سيف" مائة وتسعة وعشرون نقطة، وانتهى امتحان هذا اليوم.
جلست "ملك" عند حقيبتها وأخرجت الخاتم ووضعته في إصبعها وسمعت "سيف" يقول:
ـ يبدو رائعاً عليكِ.
التفتت إليه "ملك" وهي تقول مبتسمة:
ـ شكراً على إطرائك.
ونهضت من على الأرض، وأمسكت بيده وسارا معاً.
عادت "هند" للمنزل ورأت كل عائلتها مجتمعين في الصالة، فجلست على الأريكة بجانب والدتها وتسائلت قائلة:
ـ ما سبب هذا التجمع؟
رد عليها شقيقها الأكبر بحماس:
ـ لقد حصلنا على منزلٍ جديد، إنه أصغر من هذا لكنه يفي بالغرض.
وقفت الأم وهي تقول:
ـ إذن علينا أن نجهز أنفسنا للرحيل، سنرحل مساء الغد.
أخفضت "هند" رأسها وهي تقول:
ـ إذن سنترك هذا المنزل الذي قضينا في أفضل أوقاتنا.
حدق الجميع بوجه "هند" الحزين، ثم نهضت ودخلت إلى غرفتها.
عندما وصلت "نورا" إلى المنزل، رأت سيارةً فخمه تقف عند الباب، فقالت بذهول:
ـ واو يبدو بأن لدينا ضيفٌ غني هنا.
ثم سمعت ضحكات والدها وهو يقول:
ـ هذا غير صحيح.
حدقت "نورا" بوالدها باستغراب، ثم تابع قائلاً:
ـ هذه سيارتك الجديدة يا "نورا"!
وبحركةٍ لا شعورية، قامت "نورا" بمعانقة والدها وهي تقول بسعادة:
ـ شكراً لك يا والدي.
وضع الأب يده على رأس "نورا" وقال مبتسماً:
ـ اعتبرتها هديةً لعيد ميلادك.
نظرت "نورا" إلى السيارة من الداخل,، وقالت لوالدها:
ـ لكن عيد ميلادي بعد ثلاثة أسابيع من الآن.
وفجأةً سمعوا "احمد" وهو يقول:
ـ حسناً إذن أنا سأقوم بتعليم "نورا" على القيادة.
إلتفتت "نورا" إليه بسرعة ثم سألته بذهول:
ـ متى أتيت إلى هنا؟
إقترب "احمد" وهو يحمل حقيبته المدرسية بيده ويقول:
ـ لقد سمعت كل الحوار الذي دار بينكما، وأنا مستعدٌ لتعليمك.
إبتسمت "تورا" في وجهه وهي تقول:
ـ أشكرك يا "احمد".
هبط الظلام، وعاد "مروان" إلى المنزل وهو مرهق، فجاءت إليه أخته الصغرى وعانقته بسعادة وهي تقول:
ـ مرحباً "مروان"
ونظرت إلى وجهه وسألته ببراءة:
ـ هل إشتريت لي الحلوى؟
أخفض "مروان" حاجبيه وقال معتذراً:
ـ لقد نسيت آسف.
وأبتعدت عنه، وأدارت ظهرها إليه وهي تقول بحزن:
ـ كنت أعلم أنت لا تحبني.
ثم سمعته يقول بمرح:
ـ أنظري يا "مريم".
ورأت في يده الحلوى التي طلبتها، فألتقطتها بسرعة وأبتسمت قائلة:
ـ شكراً لك "مروان" أنا أحبك يا أخي.
في ذلك الحين بينما كانت "هدى" تدرس في غرفتها سمعت صوت أحدهم يطرق الباب، وحين فتحت رأت والدها واقفاً أمامها
فسألته ببرود:
ـ ما الأمر؟
رد عليها والدها متسائلاً بجفاء:
ـ كيف هي دراستك؟
إتكأت "هدى" برأسها على الباب وهي تجيب بضجر:
ـ إنها جيدة، هل تريد مني شيئاً؟
قال لها وهي يبتعد عنها:
ـ هيا إنزلي لتناول العشاء.
أغلقت "هدى" باب غرفتها ولحقت بوالدها إلى الأسفل.
جلس والد "سما" و "آدم" معهم على مائدة العشاء، وقال بارتياح وهو يأكل:
ـ لم أجلس معكم على الطاولة منذ فترةٍ طويلة.
ردت عليه "سما" قائلة بسعادة:
ـ أنا سعيدةٌ من أجلك يا والدي.
ثم سمعوا صوت فتاةٍ قادم من عند باب غرفة الطعام تقول:
ـ لقد عدتُ إليكم.
إلتفتوا جميعاً إلى مصدر الصوت، وشاهدوا "مريم" إبنة عمهم الصغرى وهي تحمل المعطف بيدها وتقوم بسحب الحقيبة من الخلف، فاتسعت عينا "آدم" وهو يقول:
ـ "مريم"متى عدتِ؟
أبعدت "مريم" يدها عن الحقيبة وأقتربت من عمها وأبنائه وهي تقول:
ـ لقد طردت من منزل والدي وجئت إلى هنا.
ظهرت علامات الذهول على الجميع، فقال الأب بعصبيةٍ حادة:
ـ لماذا قام بطردك؟ أنتِ...
ووضع يده على رأسه فصرخ "آدم" في وجه "مريم" قائلاً بغضب:
ـ لماذا قلتِ هذا الكلام أمام والدي؟ ألا تعلمين بأنه متعب ولا يتحمل سماع الأخبار السيئة.
ركضت "مريم" إلى عمها وعانقته وهي تقول في أسف:
ـ المعذرة يا عمي لم أكن أعلم بأنك متعب إلى هذا الحد.
داعبها عمها في شعرها وهو يقول:
ـ المهم أنكِ بخير.
بعدها، دخلت "مريم" إلى غرفتها وتبعتها "سما"وحين أغلقت الباب، قالت "سما":
ـ هل قام عمي بطردكِ حقاً؟
أجابتها "مريم" وهي تغير ملابسها:
ـ في الحقيقة، هو لم يقم بطردي، لكنه تزوج إمرأةً أخرى وطرد زوجته التي هي أمي، لذلك قررت العودة إلى هنا.
ثم أستلقت على سريرها وهي تقول:
ـ أشعر بالنعاس وأريد أن أنام.
أطفئت "سما" الأنوار وخرجت من الغرفة، عندها نهضت "مريم" عندما اطمأنت أن "سما" قد إبتعدت وفتحت حقيبتها وأخرجت منها حاسباً محمولاً وفتحته فأنعكس ضوء الشاشة على وجهها، وأرسلت رسالة لأحدهم كتبت فيها:
" أنا في نفس مدينتك الآن، يمكننا أن نلتقي أخيراً يا عزيزي "حسن"
وصلت الرسالة إلى بريد "حسن" بينما كان يدرس، وحين سمع صوتاً من الكمبيوتر الخاص به، ونهض وفتح الرسالة وقرأها ورفع حاجبيه ذهولاً ثم أبتسم ورفع يديه قائلاً بسعادة:
ـ أخيراً هل أنا في حلم؟
وأرسل لها رسالةً ليرد على رسالتها وكتب فيها:
" لا يمكنني تصديق ذلك، متى يمكنني رؤيتك "مريم"؟"
ضحكت "مرين" وهي تكتب وتقول بعدما قرأت رسالته:
ـ حدد المكان وستجدني بإنتظارك.
قفز "حسن" من مكانه من شدة الفرح، وقرر أن ينام باكراً لكي يأتي الغد بسرعة.
وفي صباح اليوم التالي، تغيبت "هند" عن الجامعة، لأنها كانت مشغولة طوال الليل في تجهيز أغراضها ولم تتمكن من النوم إلا عند شروق الشمس.
وقف "مح" عند منزل "دنيا" لأنه وعدها بإيصالها إلى الجامعة كل يوم، وبالمصادفة رآه والدها فقال "محمد" في ضجر:
ـ يال الحظ السيء.
تراجع "محمد" بسيارته للوراء، لكي لا ينتبه له، لكن بدون فائدة فقد أشار له الأب بالنزول، أوقف "محمد" سيارته
ونزل منها ووقف أمام الأب مباشرة وهو يقول متسائلاً:
ـ نعم، هل طلبتني؟
رمقه الأب بنظراتٍ باردة من الأعلى إلى الأسفل وقال ساخراً:
ـ هل أتيت لتوصل شيئاً آخر إلى هنا؟
إبتسم "محمد" وهو يجيب بكل ثقة:
ـ كلا أنا صديق "دنيا" وجئت إلى هنا لأوصلها إلى الجامعة.
عقد الأب حاجبيه، وصفع "محمد" في وجهه بسرعة،وقال غاضباً:
ـ هل تعتقد بأنني سأوافق على مصادقتك لـ "دنيا" بهذه السهولة؟
ثم سمع "دنيا" تقول بجدية:
ـ وما المشكلة في ذلك؟
حرك "محمد" عينيه ناظراً إلى "دنيا" وهي تخاطب والدها بشجاعة:
ـ والدي، من حقي أن أختار أصدقائي بنفسي،أليس كذلك؟
رد عليها والدها بإنزعاجٍ وضيق:
ـ أعرف الكثير من الأشخاص الذين يودون مصادقتك، ما عليكِ إلا أن تختاري منهم.
أمسكت "دنيا" بيد "محمد" وهي تقول:
ـ لقد إخترت وأنتهى الأمر يا والدي.
أشار والدها إلى الجهة الأخرى وهو يقول بعصبية:
ـ إذن إرحلي معه ولا تعودي إلى هنا، لا أريد أن أرى وجهكِ مرةً اخرى.
إنحنت "دنيا" أمام والدها وقالت:
ـ أنا آسفة يا والدي.
وركبت السيارة مع "محمد" وذهبا، عندها سقط والدها على الأرض مغمياً عليه من الصدمة بعدما ذهبت، سقط من
شدة قلقه على إبنته، وبالصدفة خرجت زوجته في ذلك الوقت ورأته فركضت بإتجاهه وهي تقول:
ـ عزيزي، ما الذي أصابك؟
ورفعت رأسه ووجدته مغماً عليه، فأتصلت بالإسعاف وتم نقله إلى المستشفى.