الفصل السابع قلوب تنبض بالحب

وقفت العمة سميرة في حيرة من أمرها؛ لقد أيقنت أن فرحة ذات رؤية صائبة، وأنها رغم عمرها الذي لم يتعدي الثامنة عشر من عمرها
إلا إنها استطاعت توقع ما سوف تفعله والدة روح مع ابنتها؛ فقد أصبح وجودها في منزل نصار الجوهري ليس باللائق خاصة بعد مقتل زوجها بدر، ووجود أخيه سليم في نفس المنزل.

بعد أن استمعت العمة سميرة لكلمات روح قررت أن تجلس مع سليم وتحدثه بشكل مباشر؛ ربما يستمع لحديثها ويستجيب لرغبتها.

انتظرت العمة سميرة عودة سليم، وما إن عاد إلى المنزل حتى ذهبت إليه وحدثته قائلة:
—سليم، لدي شيء أود التحدث فيه معك، وأتمنى ان تنصت لي.

نظر سليم إلى عمته وحدثها قائلًا:
—عمتي، تفضلي كلي آذان صاغية.

دنت العمة سميرة من سليم وربتت على يده  ثم قالت:
—بني، لقد أصبحت أنت كبير عائلة نصار، ليس هذا بالكلام ولكن أفعالك جعلتك تستحق أن تكون الكبير عن جدارة.

نظر سليم إلى عمته في انتباه شديد يتطلع إلى معرفة المخزى وراء هذا الثناء، فعلق قائلًا:
—عمتي، لقد جعلتي القلق يسلك طريقه إلى قلبي، ما الذي تودين إخباري به؟!

وهنا أيقنت العمة سميرة أن خير الطرق هو الطريق المستقيم، وأن هذه المقدمات لا تجدي نفعًا مع سليم فحدثته قائلة:
—سليم، أريدك أن تتزوج من روح.

ما إن سمع سليم هذه الكلمات حتى وقف غاضبًا وعلق قائلًا:
—عمتي، هل تدركين ما الذي تتحدثين به؟! هذا الأمر من المستحيل أن يحدث، لا يمكنني أن أتزوج بهذا الفتاة.

حاولت العمة سميرة أن توضح الأمر لسليم والسبب وراء طلبها منه أن يتزوج بروح، لكن سليم لم يمنحها الفرصة وتحدث قائلًا:
—عمتي، من فضلك لا تتحدثي بهذا الشأن مرة أخرى، أنا وتلك الفتاة لن يجمعنا سقفًا واحدًا.

لم تجد العمة سميرة جدوى من الحديث مع سليم فغادرت الغرفة ولا يشغل ذهنها سوى كيفية الحفاظ على ممتلكات بدر والحرص على ألا يذهب لأحد الغرباء.

جلس سليم يفكر في حديث العمة سميرة، تذكر عندما كانت روح تطيل النظر في عينيه وتحدثه:
—"أحب أن أنظر إلى عينيك فلا أرى سواي"، تذكر عندما وعدته ألا يلمس يدها غيره ولن تكون لأحد سواي.

ظل سليم يتذكر حتى وصلت به الذكريات إلى اللحظة التي وصل فيها إلى منزل نصار الجوهري ووجد أخيه غارقًا بدماؤه وبجواره روح مرتدية ثوب الزفاف.
وقف سليم وقد اشتعل جسده غضبًا، غادر غرفته وخرج إلى حديقة المنزل، وظل جالسًا حتى غلبه النعاس.

فجأة أستيقظ سليم عندما شعر بوجود أحدًا بجواره، إلتفت بجواره فوجد روح بجواره، نظرت إليه وحدثته قائلة:
—سليم، أود أن أتحدث معك في أمرٍ هام.

أغمض سليم عينيه وأخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
—هاتي ما عندك.

تلألأت الدموع في عين روح وقالت:
—لم أكن أتوقع يومًا أن يصير الحال بنا إلى ما نحن عليه الآن.

ابتسمت سليم وعلق قائلًا:
—يا لكي من امرأة لعوب تجيدين أداء دور الفتاة الضحية المظلومة، هيا اخبريني فيما تريدين التحدث فيه ثم أرحلي فوجودك هنا غير مرغوب فيه.

انهمرت الدموع من عين روح وتحدثت قائلة:
—سليم، جاءت أمي إلى هنا وكانت تود اصطحابي معها.

نظر إليها سليم وعلق قائلًا:
—هذا الأمر جيد للغاية.

أومأت روح برأسها وعلقت قائلة:
—حسنًا، سوف أغادر في الصباح عائدة إلى منزل والدي.

غادرت روح الحديقة واتجهت لإعداد حقائبها تتمهيدًا لمغادرة المنزل في الصباح.

في صباح اليوم التالي.

استيقظت فرحة لتجد روح تمر عليها بغرفتها وتحدثها:
—روح، سوف أعود إلى منزل والدي، أردت أن أمر عليكي قبل مغادرتي؛ لأشكرك على المعاملة الحسنة التي وجدتها منك.

نظرت فرحة وقد بدى عليها التعجب وعلقت:
—روح إلى أين؟!

روح وقد بدى عليها الحزن والألم قالت:
—فرحة، لم يعد باستطاعتي البقاء هنا لا بد أن أعود لمنزل والدي.

أومأت فرحة برأسها وعلقت قائلة:
—كنت أعلم أن ذلك سيحدث، ولكن لم أكن أعلم أنه سيكون بهذه السرعة.

نظرت  روح إلى فرحة وحدثتها قائلة:
—فرحة، عاجلًا أم آجلاً لا بد لي من مغادرة المنزل.

أمسكت فرحة بيد روح وربتت على يدها ثم قالت:
—هل أخبرتي سليم بذلك؟

أومأت روح برأسها وعلقت قائلة:
—أجل أخبرته ويبدو أنه كان ينتظر اللحظة التي اغادر بها هذا المنزل، فرحة بعد مغادرتي للمنزل لدي شيء أود أن تخبري به سليم.

شعرت فرحة بالحزن لمغادرة روح المنزل،  وعلقت قائلة:
—روح،  لا أريدك أن تغادري المنزل بهذا الشكل، لا بد أن تنتظري لبعض الوقت.

ابتسمت روح وعلقت قائلة:
—فرحة، في كلا الأحوال سوف أغادر، فما الداعي إذن من أنتظاري لبعض الوقت، ولكن عليك أن تخبري سليم بأمرٍ هام، أريدك أن تقولي له: "أن المرء يضطر في بعض الأحيان إلى الموافقة على أشياء رغمًا عنه، قد تضطره الظروف إلى الموافقة عليها".

انهمرت الدموع من عيني روح، فاسرعت فرحة بمعانقتها وحدثتها قائلة:
—روح، كل شيء سوف تصلحه الأيام، أعلم ما يكنه كلًا منكما للآخر من مشاعر، ولكن سليم يحمل بين طياته قلب مجروح؛ يعود من الموت ليجد حبيبته قد تزوجت بأخيه الذي يحبه ويكن له كل احترام، ليس هذا فحسب بل يتم قتل أخيه أمام عينه.

تعجبت روح وعلقت قائلة:
—فرحة، كيف استطعتي معرفة هذا الأمر؟! هل أخبرك سليم بذلك؟!

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—لا، لم يخبرني سليم أخي بشيء ولكنني عرفت ذلك عن طريق الصدفة الباحتة، وقررت أن أساعدكما على أن تستعيدا ذلك الحب الذي كان يملأ حياتكما، ولكن هل يمكنك أن تخبريني ما هي تلك الضغوط التي مُرست عليكِ حتى تضطري للموافقة على الزواج من أخي بدر رحمة الله عليه؟!

ظلت روح تقص لفرحة كل ما تعرضت به من ضغوط بداية من خبر وفاة سليم، وحتى إجبار والدتها لها على الزواج بليث ابن عمها، ثم اضطرار بدر لطلب يدها حتى ينقذها من تلك الزيجة التي لا تريدها وإخباره لها أنها لن يتم اجبارها على فعل شيء لا تريده.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—روح، هكذا كانت أخلاق أخي بدر، كان فارسًا يتحلى بصفات النبلاء، على الرغم من معارضتي قبل ذلك لمغادرتك المنزل، إلا إنني الآن أؤيدك في قرار المغادرة ولكن سوف أخبرك بما عليكِ فعله.

غادرت روح منزل نصار الجوهري.

على مائدة الإفطار جلس سليم وفرحة والعمة سميرة يتناولون وجبة الإفطار.

نظر فرحة إلى أخيها وحدثت عمتها قائلة:
—عمتي، لقد غادرت روح المنزل منذ قليل وعادت إلى منزل والدتها.

نظرت العمة سميرة إلى فرحة وحدثتها قائلة:
—كنت أعلم أن ذلك سيحدث، لثد تصادف مروري من أمام غرفتها بالأمس وعرفت أن والدتها تريد أن تزوجها بليث ابن عمها.

نظر سليم إلى عمته وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—لا أرى عجبًا في ذلك، فهولاء القوم لا يضيعون فرصة أمامهم إلا ويقومون باستغلالها.

نظرت فرحة إلى أخيها وحدثته قائلة:
—أخي، إذا تمت تلك الزيجة فنصف ممتلكات أخي بدر ستذهب إلى شخص غريب.

نظر سليم وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—كيف يكون ذلك؟ لا أحد يمكنه أن يقترب من املاك أخي بدر.

نظرت فرحة إلى العمة سميرة وأومأت رأسها في إشارة منها للتحدث فتحدثت العمة سميرة قائلة:
—بني، لقد قام أخيك الراحل بكتابة نصف أملاكه إلى روح؛  لهذا السبب طلبت منك أن تتزوجها حتى لا تؤول ثروة أخيك إلى شخص غريب، ونصبح اضحوكة بين الناس.

صمت سليم قليلًا ثم وقف وتحدث قائلًا:
—عمتي، لا يمكن أن أتحمل أنا خطأ ارتكبه أخي.

وما إن أنهى سليم حديثه حتى غادر المنزل.

بعد أن غادر سليم وصل رعد وكلب مقابلة سليم في أمرٍ هام.

استقبلته فرحة وحدثته قائلة:
—اخي رعد، لقد غادر أخي سليم منذ قليل، ولا أعلم إلى أين توجه.

ابتسم رعد وحدثها قائلًا:
—فرحة، أود أن أستشيرك في أمر خاص بي.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—تفضل يمكنك أن تخبرني بما تشاء.

نظر رعد إلى أسفل قدميه حياءً، ثم تحدث قائلًا:
—فرحة، أشعر نحوك ببعض مشاعر الود وأرغب في التحدث إلى أخيكِ والتقدم لخطبتك، ولكنني أردت أن أعرف رأيك في هذا الأمر قبل أن اتحدث مع سليم.

شعرت فرحة بالخجل فهي الأخرى تبادله هذه المشاعر، نظرت إلى موضع قدمها وظلت صامتة.

نظر إليها رعد وعلق قائلًا:
—هل أعتبر هذا السكوت بالموفقة؟ إذن فهذا يدفعني إلى الإسراع بالتقدم لخطبتك قبل ان يسبقني أحد ويطلب يدك من أخيكِ.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—رعد، انتظر لا تتحدث معه في شيء الآن؛ فهناك ما يشغل باله ولا بد أن نعطيه الفرصة ليتخذ القرار المناسب دون أي ضغوط، لنؤجل هذا الأمر قليلًا.

نظر رعد إلى فرحة وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—فرحة، لا أريد أن أتأخر في ذلك؛ أخشى أن يتقدم لكِ من هو أفضل مني، فيوافق عليه سليم.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—رعد، وهل هناك من هو أفضل منك؟!
شعر رعد ذلك المعضال القوي بجسده يتعرق ونبضات قلبه تتزايد، كاد قلبه أن يقفز من مكانه بعد سماعه هذه الكلمات، وضع يده على قلبه وعلق قائلًا:
—فرحة، إنني أتشوق لليوم الذي تكونين فيه زوجتي، أعدك إنني سأضعك داخل قلبي وفي وجداني، ابحث عن كلمات تصف ما يحدث بداخلي فلم أجد سوى إنني "أحبك".

شعرت فرحة بتأثير شديد لهذه الكلمة، نظرت إليه وشعرت بنيران الحب تشتعل داخل قلبها، لم تستطيع تحمل النظر إلى عيناه العسليتين خوفًا من أن تنهار حصونها أمام هذا الجذاب فأسرعت بالركض إلى داخل منزلها.

تظر رعد إليها وهي تركض فعلت الابتسامة وجهه وعلق قائلًا:
—حقًا إنني أحبك أكثر من روحي، أنتي فرحتي المنتظرة.

داخل منزل حمدان الناجي.

جلست روح تتحدث مع والدتها وتقول:
—أمي، ليس معنى إنني تركت منزل نصار الجوهري كما كنتِ تريدين أنني سأوافق على الزواج بليث ابن عمي، هذا لن يحدث.

سمعت روح صوت طرق على باب المنزل ذهبت لتنظر من هذا الطارق الذي جاء في وقتِ كهذا فالساعة شارفت على العاشر مساءً.

ما إن قامت بفتح الباب حتى وجدت أمامها ليث وقد نظر إليها وعلى وجهه ابتسامة السعادة بعودتها إلى منزل والدها.

روح وقد اشتعلت غضبًا وقفت تحدثه وتقول:
—ماذا تريد؟ وكيف تجرأ على المجيء إلى هنا في هذا الوقت المتأخر، ألا تعلم إنه لا يوجد هنا رجل وأن جميع من بالمنزل نساء؟!

ابتسم ليث وعلق قائلًا:
—روح، لن يجرأ أحد أن يتحدث بشيء يسيء لكم، هذا بيت عمي وغدًا سيصبح بيتي فلا داعي للقلق.

اشتعلت نيران الغضب  في جسد روح، فلم تجد أمامها سوى أن قامت بغلق باب المنزل في وجهه.

تصدى ليث للباب وقام بدفعه بقوة ودلف إلى المنزل قائلًا:
—لا ينبغي لعروس أن تغلق الباب في وجه عريسها المنتظر هكذا.

علقت روح بصوتٍ غاضب وقالت:
—لم ولن تصبح زوجًا لي، نجوم السماء أقرب لك مني أيها الأحمق.

ابتسم ليث وعلق قائلًا:
—كلما نفرتي مني كلما زاد اصراري على الزواج منكِ.

سمعت الأم صوت روح فجاءت مستقبلة لليث وقالت:
—مرحبًا بزوج ابنتي المنتظر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي