الفصل الثاني عشر
إلتفتت "دينا" إليهما وتوقفت عن الرقص وهي تقول بقلق:
ـ يبدو أن الأمور سوف تسوء هناك.
رفع "أدهم" حاجبيه وقال مستغرباً:
ـ معقول"ملك" و "سيف".
أدخل "سيف" يده في جيبه وقال مستفزاً:
ـ لماذا لا تعترفين أمام الجميع؟ أنا أعلم بأنك تحاولين أن تجعليهم يظنون بأنكِ تكرهينني لكن الواقع مختلفٌ تماماً.
حرك "أدهم" شفتيه قائلاً:
ـ إنه على حق بالتأكيد.
قالت "دينا" بإندهاش:
ـ ماذا تقصد؟
تنهد "أدهم" وهو ينظر إليهما قائلاً:
ـ لاشيء، دعينا نرى ما سيحدث.
قام "سيف" بالإقتراب من "ملك" فعقدت حاجبيها وقالت:
ـ أنا...
توقف "سيف" عن السير وتابعت "ملك" بكل ثقة:
ـ أنا أعترف بأنني أحبك لكن...
وصمتت، فأتسعت شفتي "سيف" وهو يقول متسائلاً:
ـ لكن ماذا؟
تكلمت "ملك" رداً عليه في عجلة:
ـ لكني أريدك ان تتغير وتعود "سيف" الذي أعرفه والذي أحبه.
إتسعت عينا "سيف" ولم ينطق بكلمة بينما ابتعدت عنه "ملك" وحين حاول اللحاق بها شعر بأحدهم يمسكه من الخلف
فالتفت ورأى "نورا" تمسك بيده والحزن يملئ عينيها وهي تقول بتوسل:
ـ توقف عن اللحاق بها، أرجوك.
أخفض "سيف" عينيه وقال مستغرباً:
ـ "نورا"؟
ضغطت "نورا" على يده وهي تقول بجدية:
ـ إبقى مع من يحبك أكثر من أي شخصٍ في هذا العالم.
إنصطدم "سيف" حين سمعها تقول هذا، فهو لم يرغب أن تصل الأمور إلى هذا الحد، وتسمر في مكانه حائراً لا يعرف
ما يفعل.
جلست "ملك" بجانب "مروان" وسألته قائلة:
ـ هل أنت بخير؟
أجابها ببرود:
ـ نعم، لقد توقعت حدوث ذلك.
أخفض "سيف" رأسه وقال لـ "نورا" معتذراً:
ـ آسف، لا أستطيع.
وأبعد يده عن يدها، في الوقت الذي ارتدت فيه "ملك" معطفها وغادرت الحفلة.
لحق بها "سيف" إلى الخارج وقال منادياً عليها:
ـ إنتظري لحظة"ملك".
توقفت "ملك" عن السير بدون أن تلتفت إليه، وسمعته يقول في أسف وبصوتٍ يائس:
ـ أنا أعتذر، لم أكن أعلم بأن هذا سيضايقك.
وسار ببطء حتى وقف خلفها تماماً وأحتضنها من الخلف وهو يقول:
ـ أعدكِ بأني سوف أتغيرمن أجلكِ فقط.
إمتلئت عيني "نورا" بالدموع عندما رأت "سيف" يحتضن "ملك" وكان "مروان" يراقبها وحين رآها تبكي أغمض عينيه
وهو يخفض رأسه ويقول:
ـ لقد فهمت من كانت تقصد.
وأتجه نحوها ووضع يده على كتفها فالتفتت إليه وهي تذرف دموعها ووضعت رأسها على كتفه واستمرت بالبكاء وقام بالتخفيف عنها وهو يقول:
ـ لا تلوثي عينيك بهذه الدموع يا "نورا" لا تبكي فأنا بجانبك.
رفعت "نورا" حاجبيها وقالت بإستغراب وهي تنظر إليه:
ـ "مروان" أنت.
أمسكت "ملك" بيد "سيف" وأبعدتها ببطء، واستدارت بإتجاهه وهي تقول مترددة:
ـ حسناً.
وأبتسمت متابعة:
ـ في الواقع، كل تلك الأيام الماضية لم أكن مرتاحةً فيها وهذا كله بسببك.
أمسك "سيف" بيدها قائلاً:
ـ هيا لنرجع إلى المنزل معاً.
عادت "دنيا" من السفر في تلك اللحظة، وحين وصلوا إلى المنزل ونزلوا جميعاً، وأطمأنت "دنيا" بأنهم قد دخلوا، إستغلت الفرصة وذهبت إلى الشارع العام، وأوقفت سيارة أجرة وانطلقت ذاهبة إلى منزل "محمد"، توقفت سيارة الأجرة أمام ذلك المنزل البسيط ونزلت "دنيا" وسارت بهدوء بإتجاهه ومدت يدها إلى الجرس وهي مترددة لكنها استجمعت قوتها ودقته.
فتحت الباب إمرأةٌ بدا عليها الكبر وسألت قائلة:
ـ من أنتِ يا فتاة؟
ابتسمت "دنيا" في وجهها وهي تقول:
ـ مرحباً أنا "دنيا"هل "محمد" هنا؟ أود رؤيته.
ردت عليها العجوز بصوتٍ خافت:
ـ إن "محمد" ليس هنا، لقد ذهب إلى النادي ولم يعد بعد.
انحنت "دنيا" أمام المرأة وقالت شاكرة:
ـ شكراً جزيلاً لكِ.
في تلك الأثناء، كان "مح" منهمكاً في التدريب على كرة السلة، وحين شعر بالتعب وبدأ العرق يتصبب من جبينه،قام
برمي الكرة وأخذ منشفةً بيضاء ليمسح وجهه، ثم جلس على الأرض وقال وهو ينظر للساعة:
ـ لقد تأخرت عن البيت.
وحين نهض لتغيير ملابسه، لفت إنتباهه وجود "دنيا" عند باب الملعب، وتنظر إليه بنظرات الندم،عقد "محمد"حاجبيه وأشاح بوجهه وأعتبرها غير موجودة، وتابع إرتداء ملابسه، ثم قالت "دنيا" بتوسل:
ـ أنا آسفة "محمد".
وضع "محمد" حقيبته الرياضية على كتفه ونظر إليها قائلاً في سخرية:
ـ وفري إعتذاراتكِ يا آنسة.
ردت عليه قائلة وهي تضع يدها على صدرها:
ـ لكنك تعلم أن ما حدث في ذلك اليوم كان رغماً عني.
صرخ "محمد" في وجهها قائلاً بعصبية:
ـ لا تعبثي معي، لقد عرفت جيداً من أي نوعٍ أنتِ.
إرتجفت شفتي "دنيا" وهي تقول معتذرة:
ـ أعلم بأن كل الخطأ يقع علي، لكني حاولت الإتصال بك ولم ترد علي في كل مرة.
قال لها ببرود وبصوتٍ جاف:
ـ لأنني أكره الأشخاص الذي يخلفون وعودهم.
إلتمعت عينا "دنيا" بالدموع وهي تقول بصوتٍ حزين:
ـ عليك أن تفهم شعوري يا "محمد"، لقد أجبرتُ على الرحيل في ذلك اليوم، صدقني لو كان بيدي لكنتُ..
هز رأسه نفياً وهو يقول متحاشياً النظر إليها:
ـ آسف، لا يمكنني تصديقك.
وأخفض رأسه وسار من عندها، وهي أستمرت بالنظر إلى جهةٍ واحدة وحين سمعت صوت إغلاق الباب جثمت بركبتيها على الأرض وذرفت دمعةً من عينيها وهي تقول:
ـ كم مرةً علي أن أعتذر له.
بقي "محمد" واقفاً خلف الباب ويستمع إليها، محاولاً إقناع نفسه بتصديقها، لكن عناده منعه من ذلك وذهب تاركاً خلفه "دنيا" الباكية.
في الحفلة، كانت "تالين" تجلس على الطاولة بجانب "هند" ويتناولان طعام العشاء، وبدون قصد سقطت قطعة صغيرة
من الطعام على ثوب "تالين" فنهضت بسرعة وقالت صارخة:
ـ ما العمل الآن؟ لقد تلطخ ثوبي الجميل.
وأمسكت بثوب "هند" وحاولت أن تمسح به فأخذته "هند" بقوة وهي تقول:
ـ إبتعدي عني أيتها الحمقاء.
قالت "تالين" في حيرة:
ـ أنا لا أحمل منديلاً معي.
أشاحت "هند" بوجهها وهي تقول:
ـ هذا ليس من شأني.
وظلت "تالين" حائرة، ورأت أحدهم يمد منديلاً إليها، وحين إلتفتت رأت "مازن" يقف خلفها وقامت بأخذ المنديل وهي تقول:
ـ شكراً لك "مازن".
إبتسم "مازن" في وجه "هتد" ورفع يده قائلاً:
ـ مرحباً "هند"من الجميل رؤيتك هنا.
نظرت إليه "هند" بطرف عينها وردت عليه كأنها مُجبرة:
ـ أهلاً "مازن".
جلست "تالين" وهمست في أذني "هند" قائلة:
ـ ما هذا التصرف؟ عليكِ أن تردي عليه بشكلٍ أفضل.
وفجأة قال "مازن" بصوتٍ لطيف:
ـ أعتقد بأن وجودي هنا يزعجها، عن إذنكما.
أمسكت "تالين" بيده وأجلسته على الكرسي وهي تقول:
ـ لا تبالي بأمر هذه المغفلة، وأستمتع معنا بالطعام.
حركت "تالين" حاجبيها لتكيد "هند" لكنها لم تبالي وقالت:
ـ لا نعلم من منا المغفل يا "تالين".
حاولت "تالين" تجاهلها وبقيت تتحدث عن أمورٍ كثيرة،وبدون أن تشعر "هند" أحست بنفسها تتبادل الأحاديث معهما وضحكاتهم تملئ المكان.
أشارت "دينا" بيدها لـ "أدهم" حيث يجلسون وقالت:
ـ ما رأيك أن نجلس معهم؟
رد عليها بإهتمام:
ـ يبدو الأمر ممتعاً هيا بنا.
وجلست "دينا" مع "أدهم" على نفس الطاولة وقالت موجهةً كلامها إلى "تالين":
ـ أعيدي ما كنتِ تقولينه يا "تالين".
إبتسمت "تالين" قائلة بلا مبالاة:
ـ كلا ، لم أعيد ما قلته.
قالت لها "دينا" بنفس الأسلوب:
ـ حسناً، لكنكِ ستندمين فيما بعد، لقد حصلت اليوم على شيءٍ رائع في الإنترنت ولن أخبرك عنه.
حركت "تالين" يديها بلا إهتمام وهي تشرب الماء:
ـ هذا الأمر لم يعد يهمني بعد الآن.
وضحكوا الجميع على جدالهما المتواصل، بعدما انهوا طعامهم قامت الخادمة بتنظيف الطاولة ووضعت كعكة بيضاء ومزينة بشكل مشوق في وسط الطاولة، وحين رأتها "تالين" قالت بسعادة:
ـ تبدو لذيذة.
قال لهم "أدهم" بهدوء:
ـ لقد إشترت والدتي هذه الكعكة خصيصاً لكم، لذا إستمتعوا بوقتكم.
قامت "دينا" بتذوقها وقالت:
ـ شكراً لك ولوالدتك، إنها حفلةٌ رائعة.
إتسعت شفتيه وهو يقول:
ـ وأصبحت أروع بوجودكِ هنا.
إحمر وجه "دينا" خجلاً من كلامه وأبعدت عينيها عن عينيه واستمرت بالأكل.
بعدها، قام أحدهم بتشغيل موسيقى صاخبة للرقص الفردي، فقال "أدهم" موجهاً كلامه لـ "دينا":
ـ هل تعرفين كيف ترقصين على هذه الموسيقى؟
هزت رأسها قائلة:ـ
ـ نعم.
وسأل الجميع نفس السؤال، وكلهم أجابوا بنعم، وقاموا واستمتعوا بتلك الليلة طوال المساء، ونسيوا الوقت ولم تعد "دينا" للمنزل إلا في الساعة الثانية عشر مساءً وغطت في نومٍ عميق، ولم تقم "تالين" بتغييرملابسها بل نامت على ذلك الوضع.
وقف "آدم" أمام مكينة تبريد العصير، وأدخل نقداً في الفتحة وأختار المشروب الغازي، وكان وقتها بالقرب من المستشفى، وحين ألتقط المشروب وفتحه تذكر كلام الطبيب عن حالة والده حيث قال رداً على سؤال "آدم" عن حاله والده:
ـ في الواقع، علاج والدك سيأخذ وقتاً طويلاً، وعليكم مساعدته على تخطي هذه المرحلة، سأصف لك علاج
عليك أن تعطيه له كل مساء.
أكمل "آدم" شرب العصير ثم قال في يأس:
ـ يبدو بأن سفرنا لم يكن له داعٍ أبداً
أوقف "سيف" سيارته أمام منزل "ملك" ثم قال متسائلاً:
ـ هل ما زلتي غاضبةً مني؟
أجابته "ملك" وهي تبتسم:
ـ تقريباً.
وضع "سيف" رأسه على المقود وقال محبطاً:
ـ هكذا إذن.
أمسكت "ملك" بيده ووضعتها على قلبها فنظر إليها بإستغراب ثم قالت بصوتٍ لطيف:
ـ هل تشعر بأن قلبي ما زال حزيناً؟
صمت "سيف" لبرهة ثم أقترب منها وقبلها في خدها وقال هامساً:
ـ أنا أحبك.
ردت عليه "ملك" بنفس النبرة:
ـ أنا أيضاً أحبك، لا تتركني بعد الآن.
وضع يده خلف ظهرها وأحتضنها قائلاً:
ـ أعدك بذلك يا اميرتي.
بعدها، نزلت من السيارة ولوحت له قائلة:
ـ أراك لاحقاً إلى اللقاء.
وعاد المطر بغزارة أقل من السابق، كان "مروان" يجلس مع "نورا" في أحد المطاعم وجلست تشرب العصير، فسألها "مروان":
ـ هل تشعرين بالراحة الآن؟
وضعت الكوب على الطاولة وهزت رأسها قائلة:
ـ نعم، شكراً لك.
سألها "مروان" متردداً:
ـ لماذا أحببتِ "سيف" بالرغم من أنكِ تعلمين بأنه يحب "ملك"؟
أخفضت "نوا" عينيها وأجابته:
ـ ربما بسبب مواقفه معي، لا أعلم، أشعر بأنني أغار من "ملك".
أرجع "مروان" ظهره للخلف وقال:
ـ إنسي أمر "سيف" و "ملك" وأبدأي حياةً جديدة، وقومي بالبحث عن الشخص الذي يحبك، وأنا سأساعدك.
إمتلئت عينا "نورا" بالدموع وهمست بداخل نفسها:
ـ أتمنى ذلك فعلاً.
نهض "مروان" من مكانه، ووقف بجانبها ومد يده قائلاً:
ـ سأوصلكِ إلى المنزل، الوقت متأخر.
وقفت "نورا" ومرت من عنده، ولحق بها إلى السيارة، وهما في الطريق، نامت "نورا" بدون أن تشعر بنفسها من شدة التعب، فنظر إليها "مروان" وأبتسم قائلاً:
ـ إنها فتاةٌ طيبة، أعدك يا "نورا" بأنني سأبقى بجانبكِ دائماً.
سمعت "نورا" هذه العبارة وتخيلت بأن "سيف" هو من قال لها ذلك، وسعدت كثيراً لكن الواقع مختلف فـ "سيف"
لا يكنُ أية مشاعر لـ "نورا".
في اليوم التالي، بينما كانوا بالجامعة، تجمع طلبة المستوى الأول في القاعة، وفجأةً دخل معلم جديد إلى قاعة المحاضرات، وبدا عليه أنه قد تجاوز الثلاثين من عمره، اتسعت عينا "هتد" ذهولاً وأرتجفت شفتيها وهي تقول:
ـ مستحيل هذا، مستحيل!
إستغرب "مازن" من حالة "هند" لكنه لم يسألها خوفاً أن يراه المعلم، وضع المعلم "سليم" كتابه على الطاولة وقال مخاطباً الجميع:
ـ مرحباً، أنا معلمكم الجديد,،وأدعى "سليم" سعدت بلقائكم.
كانت جميع الأنظار موجهةً إلى هذا المعلم، وأستغل "مازن" فرصة تحدث المعلم مع بعض الطلبة، فسأل "هند" في حيرة:
ـ ما الأمر؟لا تبدين طبيعية.
ردت عليه "هند" وهي تقلب كتابها:
ـ لا شيء، كل ما في الأمر أنه يشبه والدي.
لقد مات والد "هند" عندما كانت في المرحلة الإعدادية، بسبب مرضه واستمرت "هند" بالتطلع إلى "سليم" والإصغاء
إليه وعندما أنتهى قال مبتسماً:
ـ هل فهمتم؟
أجابه الجميع بصوتٍ واحد:
ـ نعم.
لحقت " هند" بـ "سليم" عندما خرج ونادت عليه قائلة:
ـ إنتظر لحظة يا معلم.
توقف "سليم" عن السير والتفت إليها قائلاً في تساؤل:
ـ ما الأمر يا فتاة؟
إقتربت منه "هند" وحين توقفت أمامه مباشرة قالت بإرتباك:
ـ من أين يمكن أن أحصل على الكتا
ـ يبدو أن الأمور سوف تسوء هناك.
رفع "أدهم" حاجبيه وقال مستغرباً:
ـ معقول"ملك" و "سيف".
أدخل "سيف" يده في جيبه وقال مستفزاً:
ـ لماذا لا تعترفين أمام الجميع؟ أنا أعلم بأنك تحاولين أن تجعليهم يظنون بأنكِ تكرهينني لكن الواقع مختلفٌ تماماً.
حرك "أدهم" شفتيه قائلاً:
ـ إنه على حق بالتأكيد.
قالت "دينا" بإندهاش:
ـ ماذا تقصد؟
تنهد "أدهم" وهو ينظر إليهما قائلاً:
ـ لاشيء، دعينا نرى ما سيحدث.
قام "سيف" بالإقتراب من "ملك" فعقدت حاجبيها وقالت:
ـ أنا...
توقف "سيف" عن السير وتابعت "ملك" بكل ثقة:
ـ أنا أعترف بأنني أحبك لكن...
وصمتت، فأتسعت شفتي "سيف" وهو يقول متسائلاً:
ـ لكن ماذا؟
تكلمت "ملك" رداً عليه في عجلة:
ـ لكني أريدك ان تتغير وتعود "سيف" الذي أعرفه والذي أحبه.
إتسعت عينا "سيف" ولم ينطق بكلمة بينما ابتعدت عنه "ملك" وحين حاول اللحاق بها شعر بأحدهم يمسكه من الخلف
فالتفت ورأى "نورا" تمسك بيده والحزن يملئ عينيها وهي تقول بتوسل:
ـ توقف عن اللحاق بها، أرجوك.
أخفض "سيف" عينيه وقال مستغرباً:
ـ "نورا"؟
ضغطت "نورا" على يده وهي تقول بجدية:
ـ إبقى مع من يحبك أكثر من أي شخصٍ في هذا العالم.
إنصطدم "سيف" حين سمعها تقول هذا، فهو لم يرغب أن تصل الأمور إلى هذا الحد، وتسمر في مكانه حائراً لا يعرف
ما يفعل.
جلست "ملك" بجانب "مروان" وسألته قائلة:
ـ هل أنت بخير؟
أجابها ببرود:
ـ نعم، لقد توقعت حدوث ذلك.
أخفض "سيف" رأسه وقال لـ "نورا" معتذراً:
ـ آسف، لا أستطيع.
وأبعد يده عن يدها، في الوقت الذي ارتدت فيه "ملك" معطفها وغادرت الحفلة.
لحق بها "سيف" إلى الخارج وقال منادياً عليها:
ـ إنتظري لحظة"ملك".
توقفت "ملك" عن السير بدون أن تلتفت إليه، وسمعته يقول في أسف وبصوتٍ يائس:
ـ أنا أعتذر، لم أكن أعلم بأن هذا سيضايقك.
وسار ببطء حتى وقف خلفها تماماً وأحتضنها من الخلف وهو يقول:
ـ أعدكِ بأني سوف أتغيرمن أجلكِ فقط.
إمتلئت عيني "نورا" بالدموع عندما رأت "سيف" يحتضن "ملك" وكان "مروان" يراقبها وحين رآها تبكي أغمض عينيه
وهو يخفض رأسه ويقول:
ـ لقد فهمت من كانت تقصد.
وأتجه نحوها ووضع يده على كتفها فالتفتت إليه وهي تذرف دموعها ووضعت رأسها على كتفه واستمرت بالبكاء وقام بالتخفيف عنها وهو يقول:
ـ لا تلوثي عينيك بهذه الدموع يا "نورا" لا تبكي فأنا بجانبك.
رفعت "نورا" حاجبيها وقالت بإستغراب وهي تنظر إليه:
ـ "مروان" أنت.
أمسكت "ملك" بيد "سيف" وأبعدتها ببطء، واستدارت بإتجاهه وهي تقول مترددة:
ـ حسناً.
وأبتسمت متابعة:
ـ في الواقع، كل تلك الأيام الماضية لم أكن مرتاحةً فيها وهذا كله بسببك.
أمسك "سيف" بيدها قائلاً:
ـ هيا لنرجع إلى المنزل معاً.
عادت "دنيا" من السفر في تلك اللحظة، وحين وصلوا إلى المنزل ونزلوا جميعاً، وأطمأنت "دنيا" بأنهم قد دخلوا، إستغلت الفرصة وذهبت إلى الشارع العام، وأوقفت سيارة أجرة وانطلقت ذاهبة إلى منزل "محمد"، توقفت سيارة الأجرة أمام ذلك المنزل البسيط ونزلت "دنيا" وسارت بهدوء بإتجاهه ومدت يدها إلى الجرس وهي مترددة لكنها استجمعت قوتها ودقته.
فتحت الباب إمرأةٌ بدا عليها الكبر وسألت قائلة:
ـ من أنتِ يا فتاة؟
ابتسمت "دنيا" في وجهها وهي تقول:
ـ مرحباً أنا "دنيا"هل "محمد" هنا؟ أود رؤيته.
ردت عليها العجوز بصوتٍ خافت:
ـ إن "محمد" ليس هنا، لقد ذهب إلى النادي ولم يعد بعد.
انحنت "دنيا" أمام المرأة وقالت شاكرة:
ـ شكراً جزيلاً لكِ.
في تلك الأثناء، كان "مح" منهمكاً في التدريب على كرة السلة، وحين شعر بالتعب وبدأ العرق يتصبب من جبينه،قام
برمي الكرة وأخذ منشفةً بيضاء ليمسح وجهه، ثم جلس على الأرض وقال وهو ينظر للساعة:
ـ لقد تأخرت عن البيت.
وحين نهض لتغيير ملابسه، لفت إنتباهه وجود "دنيا" عند باب الملعب، وتنظر إليه بنظرات الندم،عقد "محمد"حاجبيه وأشاح بوجهه وأعتبرها غير موجودة، وتابع إرتداء ملابسه، ثم قالت "دنيا" بتوسل:
ـ أنا آسفة "محمد".
وضع "محمد" حقيبته الرياضية على كتفه ونظر إليها قائلاً في سخرية:
ـ وفري إعتذاراتكِ يا آنسة.
ردت عليه قائلة وهي تضع يدها على صدرها:
ـ لكنك تعلم أن ما حدث في ذلك اليوم كان رغماً عني.
صرخ "محمد" في وجهها قائلاً بعصبية:
ـ لا تعبثي معي، لقد عرفت جيداً من أي نوعٍ أنتِ.
إرتجفت شفتي "دنيا" وهي تقول معتذرة:
ـ أعلم بأن كل الخطأ يقع علي، لكني حاولت الإتصال بك ولم ترد علي في كل مرة.
قال لها ببرود وبصوتٍ جاف:
ـ لأنني أكره الأشخاص الذي يخلفون وعودهم.
إلتمعت عينا "دنيا" بالدموع وهي تقول بصوتٍ حزين:
ـ عليك أن تفهم شعوري يا "محمد"، لقد أجبرتُ على الرحيل في ذلك اليوم، صدقني لو كان بيدي لكنتُ..
هز رأسه نفياً وهو يقول متحاشياً النظر إليها:
ـ آسف، لا يمكنني تصديقك.
وأخفض رأسه وسار من عندها، وهي أستمرت بالنظر إلى جهةٍ واحدة وحين سمعت صوت إغلاق الباب جثمت بركبتيها على الأرض وذرفت دمعةً من عينيها وهي تقول:
ـ كم مرةً علي أن أعتذر له.
بقي "محمد" واقفاً خلف الباب ويستمع إليها، محاولاً إقناع نفسه بتصديقها، لكن عناده منعه من ذلك وذهب تاركاً خلفه "دنيا" الباكية.
في الحفلة، كانت "تالين" تجلس على الطاولة بجانب "هند" ويتناولان طعام العشاء، وبدون قصد سقطت قطعة صغيرة
من الطعام على ثوب "تالين" فنهضت بسرعة وقالت صارخة:
ـ ما العمل الآن؟ لقد تلطخ ثوبي الجميل.
وأمسكت بثوب "هند" وحاولت أن تمسح به فأخذته "هند" بقوة وهي تقول:
ـ إبتعدي عني أيتها الحمقاء.
قالت "تالين" في حيرة:
ـ أنا لا أحمل منديلاً معي.
أشاحت "هند" بوجهها وهي تقول:
ـ هذا ليس من شأني.
وظلت "تالين" حائرة، ورأت أحدهم يمد منديلاً إليها، وحين إلتفتت رأت "مازن" يقف خلفها وقامت بأخذ المنديل وهي تقول:
ـ شكراً لك "مازن".
إبتسم "مازن" في وجه "هتد" ورفع يده قائلاً:
ـ مرحباً "هند"من الجميل رؤيتك هنا.
نظرت إليه "هند" بطرف عينها وردت عليه كأنها مُجبرة:
ـ أهلاً "مازن".
جلست "تالين" وهمست في أذني "هند" قائلة:
ـ ما هذا التصرف؟ عليكِ أن تردي عليه بشكلٍ أفضل.
وفجأة قال "مازن" بصوتٍ لطيف:
ـ أعتقد بأن وجودي هنا يزعجها، عن إذنكما.
أمسكت "تالين" بيده وأجلسته على الكرسي وهي تقول:
ـ لا تبالي بأمر هذه المغفلة، وأستمتع معنا بالطعام.
حركت "تالين" حاجبيها لتكيد "هند" لكنها لم تبالي وقالت:
ـ لا نعلم من منا المغفل يا "تالين".
حاولت "تالين" تجاهلها وبقيت تتحدث عن أمورٍ كثيرة،وبدون أن تشعر "هند" أحست بنفسها تتبادل الأحاديث معهما وضحكاتهم تملئ المكان.
أشارت "دينا" بيدها لـ "أدهم" حيث يجلسون وقالت:
ـ ما رأيك أن نجلس معهم؟
رد عليها بإهتمام:
ـ يبدو الأمر ممتعاً هيا بنا.
وجلست "دينا" مع "أدهم" على نفس الطاولة وقالت موجهةً كلامها إلى "تالين":
ـ أعيدي ما كنتِ تقولينه يا "تالين".
إبتسمت "تالين" قائلة بلا مبالاة:
ـ كلا ، لم أعيد ما قلته.
قالت لها "دينا" بنفس الأسلوب:
ـ حسناً، لكنكِ ستندمين فيما بعد، لقد حصلت اليوم على شيءٍ رائع في الإنترنت ولن أخبرك عنه.
حركت "تالين" يديها بلا إهتمام وهي تشرب الماء:
ـ هذا الأمر لم يعد يهمني بعد الآن.
وضحكوا الجميع على جدالهما المتواصل، بعدما انهوا طعامهم قامت الخادمة بتنظيف الطاولة ووضعت كعكة بيضاء ومزينة بشكل مشوق في وسط الطاولة، وحين رأتها "تالين" قالت بسعادة:
ـ تبدو لذيذة.
قال لهم "أدهم" بهدوء:
ـ لقد إشترت والدتي هذه الكعكة خصيصاً لكم، لذا إستمتعوا بوقتكم.
قامت "دينا" بتذوقها وقالت:
ـ شكراً لك ولوالدتك، إنها حفلةٌ رائعة.
إتسعت شفتيه وهو يقول:
ـ وأصبحت أروع بوجودكِ هنا.
إحمر وجه "دينا" خجلاً من كلامه وأبعدت عينيها عن عينيه واستمرت بالأكل.
بعدها، قام أحدهم بتشغيل موسيقى صاخبة للرقص الفردي، فقال "أدهم" موجهاً كلامه لـ "دينا":
ـ هل تعرفين كيف ترقصين على هذه الموسيقى؟
هزت رأسها قائلة:ـ
ـ نعم.
وسأل الجميع نفس السؤال، وكلهم أجابوا بنعم، وقاموا واستمتعوا بتلك الليلة طوال المساء، ونسيوا الوقت ولم تعد "دينا" للمنزل إلا في الساعة الثانية عشر مساءً وغطت في نومٍ عميق، ولم تقم "تالين" بتغييرملابسها بل نامت على ذلك الوضع.
وقف "آدم" أمام مكينة تبريد العصير، وأدخل نقداً في الفتحة وأختار المشروب الغازي، وكان وقتها بالقرب من المستشفى، وحين ألتقط المشروب وفتحه تذكر كلام الطبيب عن حالة والده حيث قال رداً على سؤال "آدم" عن حاله والده:
ـ في الواقع، علاج والدك سيأخذ وقتاً طويلاً، وعليكم مساعدته على تخطي هذه المرحلة، سأصف لك علاج
عليك أن تعطيه له كل مساء.
أكمل "آدم" شرب العصير ثم قال في يأس:
ـ يبدو بأن سفرنا لم يكن له داعٍ أبداً
أوقف "سيف" سيارته أمام منزل "ملك" ثم قال متسائلاً:
ـ هل ما زلتي غاضبةً مني؟
أجابته "ملك" وهي تبتسم:
ـ تقريباً.
وضع "سيف" رأسه على المقود وقال محبطاً:
ـ هكذا إذن.
أمسكت "ملك" بيده ووضعتها على قلبها فنظر إليها بإستغراب ثم قالت بصوتٍ لطيف:
ـ هل تشعر بأن قلبي ما زال حزيناً؟
صمت "سيف" لبرهة ثم أقترب منها وقبلها في خدها وقال هامساً:
ـ أنا أحبك.
ردت عليه "ملك" بنفس النبرة:
ـ أنا أيضاً أحبك، لا تتركني بعد الآن.
وضع يده خلف ظهرها وأحتضنها قائلاً:
ـ أعدك بذلك يا اميرتي.
بعدها، نزلت من السيارة ولوحت له قائلة:
ـ أراك لاحقاً إلى اللقاء.
وعاد المطر بغزارة أقل من السابق، كان "مروان" يجلس مع "نورا" في أحد المطاعم وجلست تشرب العصير، فسألها "مروان":
ـ هل تشعرين بالراحة الآن؟
وضعت الكوب على الطاولة وهزت رأسها قائلة:
ـ نعم، شكراً لك.
سألها "مروان" متردداً:
ـ لماذا أحببتِ "سيف" بالرغم من أنكِ تعلمين بأنه يحب "ملك"؟
أخفضت "نوا" عينيها وأجابته:
ـ ربما بسبب مواقفه معي، لا أعلم، أشعر بأنني أغار من "ملك".
أرجع "مروان" ظهره للخلف وقال:
ـ إنسي أمر "سيف" و "ملك" وأبدأي حياةً جديدة، وقومي بالبحث عن الشخص الذي يحبك، وأنا سأساعدك.
إمتلئت عينا "نورا" بالدموع وهمست بداخل نفسها:
ـ أتمنى ذلك فعلاً.
نهض "مروان" من مكانه، ووقف بجانبها ومد يده قائلاً:
ـ سأوصلكِ إلى المنزل، الوقت متأخر.
وقفت "نورا" ومرت من عنده، ولحق بها إلى السيارة، وهما في الطريق، نامت "نورا" بدون أن تشعر بنفسها من شدة التعب، فنظر إليها "مروان" وأبتسم قائلاً:
ـ إنها فتاةٌ طيبة، أعدك يا "نورا" بأنني سأبقى بجانبكِ دائماً.
سمعت "نورا" هذه العبارة وتخيلت بأن "سيف" هو من قال لها ذلك، وسعدت كثيراً لكن الواقع مختلف فـ "سيف"
لا يكنُ أية مشاعر لـ "نورا".
في اليوم التالي، بينما كانوا بالجامعة، تجمع طلبة المستوى الأول في القاعة، وفجأةً دخل معلم جديد إلى قاعة المحاضرات، وبدا عليه أنه قد تجاوز الثلاثين من عمره، اتسعت عينا "هتد" ذهولاً وأرتجفت شفتيها وهي تقول:
ـ مستحيل هذا، مستحيل!
إستغرب "مازن" من حالة "هند" لكنه لم يسألها خوفاً أن يراه المعلم، وضع المعلم "سليم" كتابه على الطاولة وقال مخاطباً الجميع:
ـ مرحباً، أنا معلمكم الجديد,،وأدعى "سليم" سعدت بلقائكم.
كانت جميع الأنظار موجهةً إلى هذا المعلم، وأستغل "مازن" فرصة تحدث المعلم مع بعض الطلبة، فسأل "هند" في حيرة:
ـ ما الأمر؟لا تبدين طبيعية.
ردت عليه "هند" وهي تقلب كتابها:
ـ لا شيء، كل ما في الأمر أنه يشبه والدي.
لقد مات والد "هند" عندما كانت في المرحلة الإعدادية، بسبب مرضه واستمرت "هند" بالتطلع إلى "سليم" والإصغاء
إليه وعندما أنتهى قال مبتسماً:
ـ هل فهمتم؟
أجابه الجميع بصوتٍ واحد:
ـ نعم.
لحقت " هند" بـ "سليم" عندما خرج ونادت عليه قائلة:
ـ إنتظر لحظة يا معلم.
توقف "سليم" عن السير والتفت إليها قائلاً في تساؤل:
ـ ما الأمر يا فتاة؟
إقتربت منه "هند" وحين توقفت أمامه مباشرة قالت بإرتباك:
ـ من أين يمكن أن أحصل على الكتا