الفصل الحادي عشر

في إنجلترا، عند هبوط الظلام، أضيئت الأنوار الذهبية في منزل السيدة "انعام" وأمتلأت الصالة بالضيوف، والموسيقى
الصاخبة تحيط بكافة المنزل،وكان معظم الضيوف مجتمعين حول إبن "انعام" الذي هو عم "دنيا".

كانت "دنيا" تقف أمام النافذة وهي ترتدي ثوباً أحمر اللون ولامع وبدا جميلاً مع كل تلك الإضائات لكنها رغم ذلك لم تشعر بالسعادة مطلقاً، وفجأة سمعت صوت أحدهم يهمس في أذنيها قائلاً:
ـ لماذا يبدو القمر حزيناً اليوم؟
إبتعدت "دنيا" عنه بهدوء فأمسك بيدها وقال ببرود:
ـ ألا تودين الرقص معي؟ إنك فتاة جميلة وأريد الرقص معكِ.
قالت "دنيا" بصوتٍ هادئ:
ـ أرجوا المعذرة، أنا لا أحب الرقص.
وأبعدت يده وصعدت إلى غرفتها تاركة خلفها كل أولئك الضيوف.

قامت "دنيا" بتغيير ملابسها مرتديتاً ملابس النوم، فدخلت
إليها أختها وحين رأتها قالت بإندهاش:
ـ ما الذي تفكرين به "دنيا"؟ ستحزن جدتي إذا عرفت بأنكِ تركت الحفلة.
ردت عليها "دنيا" وهي تفكك شعرها أمام المرآة:
ـ أنا متعبة، ولم أتمكن من البقاء وسط كل ذلك الإزعاج.
هزت أختها كتفيها وقالت في إستسلام:
ـ إفعلي ما يحلوا لكِ، لا تنسي سنغادر غداً صباحاً.
وخرجت من الغرفة، إستلقت "دنيا" على السرير وأخذت هاتفها واتصلت على "محمد" لكن دون جدوى،فقد كان
يغلق الخط في كل مرة.

وصل "احمد" مع "سما" إلى منزله، وأوقف السيارة قائلاً في تساؤل:
ـ هل ما زلتي مُصرةً على القدوم معي؟
أجابته بدون تردد:
ـ نعم.
وضع "اخمد" رأسه على المقود وقال:
ـ لا أعلم كيف ستكون ردة فعل والدي؟ لكنني سأنزل.
وفتح الباب ونزل وكذلك "سما".

وبعد مرورهما من ساحة المنزل, وقف "احمد" متردداً أمام الباب، لكنه تشجع قليلاً حين ابتسمت "سما" في وجهه ففتحه ودخل،لم يكن في الصالة أحدٌ سوى الخادمة فسألها "احمد" بجدية:
ـ أين والدي؟
أشارت الخادمة بإصبعها إلى غرفة المعيشة، وبدأ قلب "احمد" يخفق بشدة، وحين فتح الباب سمع والدته تقول بصوتٍ إمتزج بالحزن والغضب:
ـ ألست قلقاً على "احمد"؟ لقد مضت ثلاثة أيام على غيابه ولم نسمع عنه شيئاً.
رد عليها الأب وهو يطالع التلفاز:
ـ "احمد" لم يعد صغيراً، أنا واثقٌ بأنه سيأتي إلى هنا عندما تنفذ نقوده.
إستاء "احمد" كثيراً عندما سمع عبارة والده الأخيرة ودخل إلى الغرفة كالمهاجم وهو يقول في إستنكار:
ـ هل النقود تمثل كل شيءٍ بالنسبة لك يا والدي؟
نهض والده ببطء وعلامات الدهشة تملئ وجهه، بينما ركضت الأم إلى "احمد" وأحتضنته بحنان وهي تقول بسعادة:
ـ أهلاً بعودتك يا "احمد" لقد إشتقت إليك.
قال "احمد" موجهاً كلامه إلى والده بعصبيةٍ حادة:
ـ لقد جئت لأعتذر لك في بادئ الأمر، لكني غيرت رأيي الآن.

قامت "سما" بسحب "احمد" للخلف بعدما ابتعدت عنه والدته، وقالت له "سما" بصوتٍ خافت:
ـ سوف تهدم كل ما أتفقنا عليه بكلامك هذا.
وحين حرك شفتيه للرد على "سما" سمع والده يقول بسخرية:
ـ وأحضرت فتاةً إلى هنا أيضاً، يالك من فتى.

لم تسمح "سما" لـ "احمد" بالرد على والده، وبالمقابل تقدمت خطوتين للأمام وقالت بصوتٍ جاد:
ـ المعذرة يا سيدي، أنا "يما" إلتقيت بـ "احمد" مصادفة وقد أخبرني بما حدث بينكما لهذا جئت معه بعدما أقنعته بأن يعتذر لك.
سكت الأب لبرهة ثم ابتسم قائلاً بلطف:
ـ يبدو بأنكِ فتاةٌ لطيفة، لكنك لا تعرفين "اخمد".
إنحنت "سما" أمام الأب وقالت بإحترام:
ـ على أيه حال، لقد قمتُ بواجبي، وداعاً.

ومرت من عند "احمد" خارجةً من الغرفة،بعدها أخفض رأسه وقال محرجاً:
ـ أنا آسف.
إقتربت والدته منه وقالت بطيبة:
ـ المهم هو أنك بخير يا صغيري.
ظل "احمد" يفكر بأمر "سما" وأراد أن يشكرها لكنه لم يحظى بفرصةٍ لفعل ذلك.


تناثرت الغيوم البيضاء في سماء صباح اليوم التالي، وبدأت والدة "أدهم" بالترتيب للحفلة وتشرف على كل ما يقوم به
الخدم، وجعلتهم يفرغون غرفة الضيوف ويضعون فيها طاولاتٍ بيضاء بها شريطٌ زهري في المنتصف، وحين دخل
"أدهم" انبهر كثيراً وقال:
ـ ما كل هذا يا والدتي؟
إلتفتت الأم إليه وأجابته بسعادة:
ـ هذا كله من أجل حفلة اليوم، سيأتي الكثير من الأشخاص من أجلك.
إبتسم "أدهم" وهو يخفض حاجبيه ويقول:
ـ لا أعتقد بأن هناك داعٍ لكل هذا.
صرخت والدته في وجهه قائلةً بعصبية:
ـ ما الذي تقوله؟ يجب ان نقيم هذه الحفلة بمناسبة شفاؤك وكل ما عليك فعله هو البقاء في غرفتك.
وقامت بإخراجه من الغرفة وأغلقت الباب، فهز كتفيه قائلاً:
ـ لا أرى داعٍ لهذه الحفلة.


أوقف "سيف" سيارته عند أحد المحلات، ووقف عند نافذة المحل الزجاجية من الخارج، ولفت نظره خاتمٌ جميل، وتذكر
المرة الأولى التي أتى فيها مع "ملك" إلى هنا وطلبت منه قائلة وهي تحمل ذلك الخاتم:
ـ ستقوم بشراء هذا لي عندما تأتي لخطبتي، أليس كذلك؟
ظل "سيف" واقفاً لبعض الوقت، ثم عاد متراجعاً للخلف، وركب سيارته وغادر.


قامت "تالين" بالإتصال على "آدم" وحين رفع السماعة قالت:
ـ مرحباَ.
رد عليها "آدم" بالمثل، فارتبكت وهي تقول:
ـ هل أنت مشغولٌ اليوم؟
أجابها "آدم" وهو في المطار مع والديه و"سما":
ـ نعم، أنا في طريقي للسفر الآن لعلاج والدي،هل تريدين شيئاً؟
أخفضت "تالين" رأسها وقالت بإحباط:
ـ لا، أتمنى لك رحلةً موفقة، مع السلامة.
ورمت هاتفها وثنت ركبتيها وهي جالسةٌ على السرير وقالت بحزن:
ـ لماذا لم يخبرني "آدم" بأنه سيسافر اليوم؟
أدخل "آدم" هاتفه في جيبه وتنهد قائلاً :
ـ لقد نسيت إخبار "تالين" يالي من فتى أحمق.


فرشت "دينا" فستانها على السرير، ثم وقفت أمام المرآة وقالت في حيرة:
ـ ماذا أفعل بشعري؟
ورن هاتفها المحمول وحين ردت قالت بسعادة:
ـ "أدهم" أهلاً.
رد عليها "أدهم" قائلاً :
ـ أريد منكِ مرافقتي في حفلة الليلة،هل توافقين؟
ابتسمت "دينا" وهي تجيب:
ـ بالتأكيد.
إتكئ "أدهم" على باب الغرفة وقال مبتسماً:
ـ إذن عليكِ ان تأتي قبل الجميع.
هزت "دينا" رأسها موافقة،وأغلقت هاتفها وقالت بسعادة:
ـ سأكون أول الواصلين، وأرافق "أدهم".
بدأت الغيوم السوداء تنتشر في السماء، وغطت على أشعة الشمس، وقفت "دينا" عند النافذة وقالت وهي تنظر للسماء:
ـ يبدو بأنه ستمطر اليوم.


إلتقطت "ملك" صورة "سيف" من مكتبها، واتسعت شفتيها مبتسمة وأحتضنت الصورة وهي تقول:
ـ لا يمكنني منع قلبي من حبك يا "سيف".
وتابعت وهي تعيد الصورة:
ـ لكن لا أدري لماذا تغيرت وأصبحت هكذا.


إرتدت "دينا" ثوبها عندما شارف الليل على الهبوط ومشطت شعرها وارتدت إكسسواراتها وخرجت مع السائق، وبدأ المطر بالهطول بغزارة وتطلعت "دينا" من نافذة السيارة وقالت متسائلة:
ـ سأتأخر بسبب هذا المطر.
وفجأة توقفت السيارة، فسألت السائق في حيرة:
ـ ما الأمر؟ لماذا توقفت؟
رد عليها وهو يحاول تشغيل السيارة بقوة:
ـ لا أعلم، لكن السيارة لا تعمل، ربما بسبب المطر.
نظرت "دينا" إلى الساعة في هاتفها ووجدتها السابعة والنصف وعضت شفتيها وحملت حقيبتها وهي تقول:
ـ يجب أن أصل بسرعة إلى منزل "أدهم".
وفتحت الباب ونزلت من السيارة وغطت نفسها وشعرها بالمعطف الأسود وركضت تحت ذلك المطر وبدأ "أدهم"
يضرب بقدمه على الأرض ويقول بإستياء:
ـ لماذا تأخرت هكذا؟

بدأ الضيوف بالقدوم واحداً تلو الآخر، و"دينا" لم تصل بعد وحين وصلت "تالين" إلى الحفلة إتصلت على "دينا"
لكنها لم ترد على هاتفها وبالأحرى لم تتمكن من سماع رنينه وسط ذلك المطر، لم يخرج "أدهم" من غرفته مطلقاً رغم محاولات والدته فرد عليها بعصبية:
ـ لن أخرج إلا عند وصول "دينا" إلى هنا.

إختبئت "دينا" تحت أشجار الحديقة، وأخرجت هاتفها واتصلت على "أدهم" فرد عليها قائلاً في سرعة وصوته يملئه القلق:
ـ "دينا" أين أنتِ؟
أجابته وهي تتنفس بصعوبة:
ـ أنا في الحديقة العامة، تعطلت السيارة، أنا آسفة لن أتمكن من..
قاطعها قائلاً في عجلة:
ـ إبقي مكانكِ سآتي حالاً.

إلتمع البرق في السماء وخرج "أدهم" من المنزل وشغل سيارته وأنطلق مسرعاً، لم تكن الحديقة بعيدةً عن منزله لهذا وصل بسرعة وفتح المظلة وبدأ يبحث عن "دينا" ورآها عندما جاء البرق فركض بإتجاهها ورفعت رأسها ونظرت إليه وأمتلئت عينيها بالدموع وهي تقول:
ـ أنا آسفة لأنني لم أفي بوعدي لك.

أسقط "أدهم" المظلة، وأمسك "دينا" وأحتضنها وهو يقول:
ـ هذا لا يهم، سندخل إلى الحفلة معاً.
عقدت "دينا" حاجبيها وقالت وهي في حضنه:
ـ لكن، ملابسي تلطخت وشعري أصبح مبللاً.
أمسك "أدهم" بيدها وأخذها إلى السيارة وركب هو أيضاً وقال وهو يشغلها:
ـ سآخذك إلى مشغل أختي وهي ستتكفل بأمرك.

وفعلاً، حين وصلا إلى محل المشغل رحبت أخته به وبـ "دينا" وحين رأتها "دينا" قالت بإحراج:
ـ مرحباً.
إبتسمت أخت "أدهم" في وجهها وقالت لها:
ـ تفضلي معي إذا سمحتي.
وأشارت إلى "أدهم" قائلة:
ـ انت إنتظرنا هنا.

كانت أخته على علمٍ بأمر الحفلة لهذا فهمت ما يريده منها "أدهم" لذلك أخذت "دينا" وقامت بتغيير ملابسها وإلباسها بثوب جميل بالرغم من أنه قصير إلا أنه بدا رائعاً عليها، ثم وضعت لها المساحيق وسرحت شعرها، هذا كله في ساعةٍ واحدة.

من جهةٍ أخرى بدأ الحاضرون إلى الحفلة يملون من الإنتظار ويضعون اللوم كله على الأم التي لم يكن بوسعها فعل شيء سوى الإعتذار، خرجت "دينا" لـ "أدهم" بالشكل
الجديد، فاتسعت عينيه ونهض ببطء وهو يقول منبهراً:
ـ كم أنتِ جميلة يا عزيزتي.
إحمر وجه "دينا" خجلاً، فقالت له أخته مبتسمة:
ـ هيا إذهب وإلا ستتأخر عن الحفلة.

كانت "دينا" ترتدي ثوباً زهرياً ومزخرفاً بعدة ألوان وقصير يصل إلى ركبتيها مع الكثير من القصات في أطرافه، وقف "أدهم" بجانبها وقام بثني يده اليمنى فأمسكته "دينا" وسارا معاً وكان من الجيد لهما أن المطر قد توقف في تلك الساعة.

عندما وصل "أدهم" إلى المنزل أمر جميع الخدم بإطفاء الأنوار في غرفة الضيوف، وحين قاموا بإطفائها هب الذعر في قلوب الحاضرين وفُتح باب الغرفة بهدوء من قِبل الخدم فتوجهت أنظار الجميع إلى تلك الجهة وأنبهروا جميعاً عندما رأوا "دينا" و"أدهم"يدخلان إلى الغرفة وسارا من بين الضيوف بكل ثقة وتوقفوا في وسط الغرفة عندها أضيئت الأنوار الذهبية من جديد.

صفق الجميع لهما وتجمعوا حولهما وبدأوا يوزعون التهاني لـ "أدهم" بمناسبة شفائه وعلت صوت الموسيقى وملئت أرجاء المكان، إقتربت"تالين" من "دينا" وسألتها بصوتٍ خافت:
ـ أين كنتِ طوال هذا الوقت؟
أجابتها "دينا" بنفس النبرة:
ـ إنها قصةٌ طويلة، سأقولها لكِ في وقتٍ لاحق.



وقف "سيف" خلف "ملك" وقال بكل لطف:
ـ هل تودين الرقص معي يا "ملك"؟
نظرت إليه "ملك" بطرف عينها ثم تحاشته واتجهت إلى "مروان" وقالت له:
ـ أود الرقص معك يا "مروان".
فعلت "ملك" هذا متعمدة لتكيد "سيف" فوضع "مروان" كأس العصير على الطاولة ومد يده إليها قائلاً بكل سرور:
ـ لا بأس في ذلك"ملك".

تضايق "سيف" كثيراً من هذا الأمر وبالمقابل اتجه إلى "نورا" التي كانت تجلس مع "تالين" والبقية وقال لها
متسائلاً:
ـ هل تودين الرقص؟
هزت "نورا" رأسها موافقة وهي تقول:
ـ إذا لم يكن لديك مانع.
ونهضت من على الكرسي وأمسكت بيده الممدودة لها، ورقصت معه، ورقص "أدهم " مع "دينا".

كان "سيف" يرقص ويقترب تدريجياً من مكان "ملك" ويقول لـ "نورا":
ـ هل أنتِ مرتاحةٌ هكذا؟
سألته "نورا" بإستغراب:
ـ ما الذي تقصده؟
أجابها بكل جدية:
ـ أقصد بأنك سعيدةٌ بالرقص معي، أليس كذلك؟
صمتت "نورا" قليلاً ثم قالت:
ـ بالطبع، كيف لا اكون سعيدة؟
إقترب "سيف" من "مروان" وتعمد الإصطدام به وركل قدمه وكاد يسقط لولا أنه أمسك بكتفي "ملك" وقال متألمـاً:
ـ تباً له.
إبتعد "سيف" ونظرت إليه "ملك" بإحتقار وحقد وقالت في غضبٍ شديد:
ـ يالك من شخصٍ وقح.
توقف "سيف" في مكانه وقال رداً عليها:
ـ أنا لا أحب هذه التصرفات يا "ملك".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي