الفصل التاسع

عندما كادت ستجيبه سمعا صوت عزف قادم من الجهة اليسرى للغرفة، فالتفتا إلى مصدر الصوت ووجدا فتاة تعزف على البيانو بشكل جميل، وتصدر ألحانا رائعة وحين توقفت قالت لهما:
ـ هل تفاجأتما؟ يمكنني أن أعزف لكما أي مقطوعة تريدانها.
سألها "آدم" قائلا:
ـ من أنت؟
نهضت الفتاة من مكانها، و انحنت أمامهما قائلة في إحترام:
ـ أنا أدعى"رغد"من المستوى الأول ورئيسة لقسم الموسيقى.
قال لها "آدم"وهو ينظر إلى البيانو:
ـ إنك عازفة رائعة، هل يمكنك أن تعزفي لنا واحدة أخرى؟
هزت رأسها قائلة بسعادة:
ـ بالتأكيد.
همست "تالين" في أذنيه قائلة بخجل:
ـ ما الذي تنوي فعله؟
إبتسم "آدم" في وجهها من دون ان يرد عليها،وبدأت "رغد" بالعزف،وقف "آدم" أمام "تالين" منحنيا ومد يده قائلا:
ـ هل ترقصين معي "تالين"؟
تسارعت نبضات قلب "تالين" وحركت شفتيها قائلة في إحراج:
ـ حسناً.
وأمسكت بيده،واستمتعت "رغد" بالعزف لهما،وكانت "تالين" تشعر بخجل شديد لكنها أحست بالمتعة في نفس الوقت واستمرت.

بعد ذلك،حين خرجا من الغرفة قال "آدم" في أسى:
ـ أنا آسف، هناك أمر أردت نسيانه لهذا أردت الرقص معك والإستمتاع بوقتنا.
ردت عليه "تالين" بحنان:
ـ من الجيد أن يقوم الإنسان بالترفيه عن نفسه في مثل هذه الظروف.
سكت "آدم" ثم نظر إلى "تالين" وقال بجدية:
ـ "تالين" أنا أريد أن أكون رفيقك من الآن فصاعداً.
حاولت "تالين" إخفاء ابتسامتها لكنها لم تستطع وتراجعت للخلف قليلاً وقالت:
ـ أنا موافقة، في الواقع أنا أرتاح لك كثيراً وأحب التحدث معك.
قال "آدم" في سرعة:
ـ وأنا أيضاً، ولأكون صادقا، أنا أحبك.

اتسعت عينا "تالين" واحمر وجهها خجلاً، ثم أبعدت عينيها عن نظراته وقالت هامسة لنفسها:
ـ هل أنا في حلم؟ إذا كان حلماً فلا أريد أن أستيقظ منه أبداً.
وقطع تفكيرها صوت "آدم" عندما قال:
ـ علي الذهاب الآن أراك لاحقاً.
وحين ذهب همست "تالين" في سعادة بالغة:
ـ لقد أصبحت غارقة في بحر الحب،حب "آدم".

في تلك اللحظة، كان تفكير "هند" غارقاً في أمر المنزل، وبدا التعب على وجهها فسألتها "دنيا" التي كانت تجلس بجانبها:
ـ بماذا تفكرين "هتد"؟
أرجعت "عند" ظهرها للخلف وأجابتها بهدوء:
ـ أفكر بموضوع المنزل، إن منزلنا معرضٌ للهدم من قِبل الحكومة لأن الأرض التي عليها أصبحت غير صالحة للسكن
وستنهار في أي لحظة، ونحن الآن نبحث عن منزل آخر نقيم فيه، ومن المحتمل أن يكون بعيداً عن هنا.
قالت "دنيا" في إشفاق:
ـ إنه لأمرٌ مزعج بالفعل، لكن عليك ألا تفكري كثيراً بهذا الأمر.
هزت "هند" كتفيها وهي تتنهد قائلة:
ـ سأحاول فعل ذلك.


جلست "نورا" بجانب "ملك" وقالت بإرتباك:
ـ "ملك"هل يمكنني التحدث معكِ؟
أجابتها "ملك" بجفاء:
ـ لا أعتقد بأن هناك حديثٌ بيننا.
صمتت "نورا" لبرهة ثم قالت:
ـ صدقيني، لا يوجد شيءٌ بيني وبين "سيف".
صرخت "ملك" في وجه "نورا" قائلةً بعصبية:
ـ لا يهمني هذا، دعيني وشأني فقط.
نهضت "نورا" من ذلك المكان وخرجت من القاعة، بعد ذلك بوقت رآها "مروان" تجلس تحت ظل الشجرة في الساحة
فتوجه نحوها وقال حين وقف أمامها:
ـ لماذا تجلسين لوحدك "نورا"؟
رفعت "نورا" عينيها وقالت بإندهاش:
ـ "مروان"؟


في أحدى المدارس وبالتحديد المدرسة التي بها "جاسر" كان يركض بالكرة في الملعب مع أصدقائه،والفتيات يقومون
بمراقبتهم، وأحرز "جاسر" هدفاً ولوح لأصدقائه مغادراً الملعب، رمت إحدى الفتيات منشفةً على وجهه فقال وهو يتنفس بصعوبة:
ـ أنا متعب شكراً لكِ.
ثم أعاد إليها المنشفة وتابع قائلاً:
ـ ما رأيكِ ان نشرب شيئاً بارداً؟
ردت عليه الفتاة "ميار" قائلة:
ـ حسناً كما تشاء.
وذهبا إلى كافتيريا بالقرب من المدرسة،وتناولا إفطارهما، بعدها قال "جاسر":
ـ إلى اين تريدين الذهاب في هذه العطلة؟
وضعت "ميار" العصير على الطاولة وقالت بصوتها الهادىء:
ـ لا أعلم، هل نذهب إلى السينما؟
فكر "جاسر" قليلاً ثم قال:
ـ حسناً سأشتري التذاكر ونذهب هذا المساء.


إتصل "محمد" على هاتف "دنيا" لكنها لم تستطع الرد لأنها كانت بالمحاضرة، فأرسل لها رسالة يقول فيها:
ـ هل أنتِ مشغولة اليوم؟ إذا لم تكوني مشغولة تعالي إلى ضفة النهر في الساعة الخامسة مساءً، سأكون بإنتظاركِ هناك.
إبتسمت "دنيا" بسعادة وأرسلت له قائلة:
ـ سآتي بالتأكيد.
رفع "محمد" يده اليسرى لينظر إلى الساعة، ورآها قد تجاوزت الواحدة ظهراً فقال بإهتمام:
ـ ما زال الوقت باكراً سأذهب لآخذ غفوةً بسيطة.

إنتهى الدوام الجامعي في الساعة الثالثة تماماً، وركبت "دنيا" السيارة مع شقيقها عائدةً إلى المنزل وهناك استحمت وبدأت
تجهز نفسها للموعد الذي مع "محمد" وفجأةً سمعت صوت طرق الباب فقالت:
ـ إدخل.
دخلت أختها التي تصغرها بسنةٍ واحدة وقالت في عجلة:
ـ ألم تجهزي بعد؟
إستغربت "دنيا" من سؤال أختها فقالت متسائلة:
ـ أجهز نفسي؟ لماذا؟
وضعت أختها يدها على رأسها وقالت بضيق:
ـ لقد نسيت إخبارك.
ثم تابعت بجدية:
ـ إتصلت جدتي بالأمس وطلبت من والدي أن يسافر إليها ويأخذنا معه لأن إبنها قد عاد من الخارج وتريد أن تقيم حفلةُ لقدومه ونحن متواجدين.
قالت "دنيا" في توتر:
ـ لكن أنا لدي موعد و .
قاطعتها أختها قائلة بعصبية:
ـ هل الموعد أهم من زيارة جدتي؟ هيا جهزي حقيبتك بسرعة، سيأتي والدي لإصطحابنا بعد قليل.
وغادرت الغرفة، جلست "دنيا" على السرير وعقدت حاجبيها قائلة:
ـ تباً لماذا اليوم بالذات؟
وعندما حاولت الإتصال بـ "محمد" وجدت أن رصيدها قد نفذ كلياً من آخر رسالة أرسلتها فقالت مصدومة:
ـ ما العمل الآن؟ لا وقت لدي لشراء بطاقة.
ثم أخرجت حقيبتها من الخزانة ووضعت ملابس تكفيها ليومين، وغيرت ملابسها وارتدت معطفها وخرجت، جاء والدها في الساعة الرابعة والنصف وركبوا معه السيارة متوجهين إلى المطار، وازداد توتر "دنيا" أكثر فهمست لأختها في السيارة:
ـ هل لديك رصيدٍ كافٍ في هاتفك؟
هزت أختها رأسها نفياً وهي تجيب:
ـ كلا لقد إنتهى منذ أسبوع.
استسلمت "دنيا" نهائياً في تلك اللحظة ونظرت من خلال النافذة وهمست لنفسها قائلة:
ـ أنا آسفة "محمد".

في ذلك الوقت، وصل "محمد" إلى ضفة النهر في الساعة الخامسة الا عشر دقائق وجلس على أحد المقاعد هناك وقال:
ـ لقد أتيت قبل الموعد بعشر دقائق.
ومرت العشر دقائق بسرعة ووصلت "دنبا" مع عائلتها إلى المطار وظلت صامته طوال الوقت، وتفكر بـ "محمد" الذي ينتظرها بشوق.

مضى من الوقت عشرين دقيقة تقريباً وبدأ "محمد" يشعر بالملل من الإنتظار فاتصل على هاتفها ووجده مغلقا، ثم أخرج من جيبه تذكرتان لدخول المسرحية، وكانت "دنبا" قد صعدت إلى الطائرة وأغلقت هاتفها.

بدأت الشمس بالغروب وظل "محمد" يحدق بالتذاكر وينظر إلى الساعة في كل دقيقة، هبط الظلام أخيراً ونهض "محمد" من مكانه، ومزق التذاكر ورماها في النهر وقال بإشمئزاز:
ـ يبدو بأنه لا يوجد معنى للوفاء عند تلك الفتاة.
وعاد إلى المنزل متضايقاً جداً من تصرف "دنيا".


إشترت "دينا" باقة أزهار من محلٍ قريب من المستشفى، لتقدمها لـ "أدهم" وحين وصلت إلى غرفته ودخلت لم تجده هناك، فشعرت بالقلق وسألت الممرضة فأجابتها قائلة:
ـ لقد تم نقله إلى غرفة رقم ماىة واثنان في الطابق الأول.
اتجهت "دينا" إلى تلك الغرفة وطرقت الباب ودخلت، سُعد "أدهم" كثيراً برؤيتها وفوجئت حين رأته يقف على قدميه بدون الإستعانة بالعكاز فقالت متسائلة:
ـ هل تستطيع السير؟
أجابها قائلاً والإبتسامة تملئ وجهه:
ـ قليلاً لن أتمكن من السير بسهولة.
ثم جلس على السرير ومد يده قائلاً:
ـ تعالي إلى هنا.
جلست "دينا" بجانبه وأعطته باقة الأزهار فأخذها وهو يقول بسعادة:
ـ أهذه لي؟ أشكرك "دينا".
ابتسمت "دينا" قائلة:
ـ هذه بمناسبة شفائك، وسأحضر لك هديةً أفضل عندما تخرج من المستشفى.
ظهرت على ملامح "ادهم" كمن تذكر شيئاً وقال:
ـ صحيح والدتي ستقيم حفلةً يوم الأحد بمناسبة خروجي من المستشفى، أريدكِ أن تقومي بدعوة الجميع للحضور.
أخفضت "دينا" حاجبيها وقالت متسائلة في حيرة:
ـ الجميع؟
هز رأسه بنعم، فأعادت السؤال مجدداً:
ـ بدون إستثناء؟
إستغرب "أدهم" من سؤالها فقال بحيرة:
ـ ما بكِ يا "دينا"؟ أنا أقصد جميع أصدقائنا، وقومي بدعوة "سيف" أيضاً.
رفعت "دينا" حاجبيها وقالت باعتراض:
ـ لماذا تقوم بدعوته؟ هل نسيت ما الذي فعله؟
رد عليها "أدهم" بجدية:
ـ قومي بدعوته فقط، هل هذا واضح؟
أخذت "دينا" حقيبتها وأنصرفت بدون أن تنطق بكلمة، وكانت تتسائل في داخلها:
ـ هل فقد "ادهم" عقله أم ماذا؟


في نفس الوقت، توقفت سيارة بيضاء أمام منزلٍ فخم في مدينة إنجلترا ونزل من السيارة والد "دنيا" وعائلتها، ودق الأب الجرس ففتح له الخادم قائلاً بإحترام:
ـ تفضلوا بالدخول، السيدة بانتظاركم.
رحبت السيدة "انعام" بهم عندما دخلوا إلى الفيلا وقالت بسعادة:
ـ لقد إشتقت إليكم كثيراً.
قام الأب بالاقتراب من أمه وقبلها في جبهتها قائلاً:
ـ أنا مسرورٌ برؤيتك.
وبعدها جلسوا وتناولوا العشاء، وتبادلوا الأحاديث، ووسط كل هذا كانت "دنيا" في عالمٍ منعزل عن البقية، واستمرت بالنظر
إلى النافدة بالرغم من شدة الظلام ثم سمعت جدتها "انعام" تناديها قائلة:
ـ "دنيا"ما بكِ يا صغيرتي؟ تبدين متعبة.
عدلت "دنيا" جلستها وأجابت جدتها قائلة بصوتٍ خافت:
ـ نعم أنا متعبة قليلاً من السفر.
وانحنت برأسها متابعة:
ـ عن إذنكم سأذهب لأنام.
وصعدت إلى الطابق الثاني، ودخلت إلى الغرفة التي جهزتها لها "انعام" كانت الغرفة في قمة الفخامة وشكلها يبعث السرور، لكن هذا لم يغير شيئاً من حالة "دنيا" لذلك استلقت على سريرها بعدما أطفأت الأنوار وظلت تفكر حتى نامت.


عاد "محمد" وهو مستاء للغاية، وجلس على الأريكة في الصالة وعقد أصابع يده مع بعضها ثم قال بصوتٍ غاضب:
ـ اللعنة، لماذا"دنيا"؟


كانت "دينا" خارجةً من المستشفى، وبالصدفة رأت "سيف" يقف أمامها فقالت له بضيق شديد:
ـ سأخبرك بأمرٍ يا هذا.
سألها "سيف" بوقاحة:
ـ وما هو هذا الأمر، أيتها الجميلة؟
تمالكت "دينا" أعصابها وهي تجيبه بخشونة:
ـ "أدهم" يريدك أن تحضر إلى حفلة خروجه من هنا يوم الأحد المقبل.
أبعد "سيف" عينيه عن "دينا" وقال بغضب:
ـ لن أحضر بالتأكيد.
تابعت "دينا" سيرها وعندما مرت من عنده قالت بهدوء:
ـ "ملك" ستكون هناك.
عض "سيف" شفتيه وتظاهر بعدم المبالاة وهو يقول:
ـ هذا لا يهمني على الإطلاق.
بعدها أرسلت "دينا" للجميع لحضور الحفلة.

اتجه "سيف" إلى منزل "ملك" بسرعةٍ خارقة، وحين وصل نزل من السيارة وأقترب من المنزل، والتقط بعض الحصى الصغير من الأرض، ورمى واحدة نحو نافذة غرفتها، كانت في ذلك الوقت تقرأ كتاباً وأغلقته حين سمعت صوتاً من النافذة، فاتجهت نحوها وأزاحت قليلاً من الستار، ورأت "سيف" يطلب منها النزول فقالت بإشمئزاز:
ـ ما الذي يريده الآن في هذا الوقت المتأخر؟

لم ترغب "ملك" بالنزول إليه، لكن في الوقت ذاته أرادت أن تعرف ما هو السبب الذي جعله يأتي إلى هنا وارتدت معطفها ونزلت إليه، وصلت "ملك" عند الباب الحديدي الذي يفصلها عنه لكنها لم تقم بفتحه بل سألته:
ـ ما الذي تريده الآن؟

رد عليها "سيف" في شوق:
ـ وأخيراً تمكنت من سماع صوتك يا أميرتي.
صرخت "ملك" قائلة بعصبية:
ـ هل جئت لتقول هذا الكلام؟
أجابها في عجلة ملحوظة:
ـ كلا لقد أتيت لكي.
وصمت لبرهة، فقربت "ملك" أذنيها من الباب وسمعته يهمس بصوتٍ يائس وحزين:
ـ أرجوكِ لا تذهبي إلى حفلة "أدهم".

اتسعت شفتي "ملك" في ضيق ثم قالت معارضة:
ـ هذا الأمر ليس من شأنك، أنا من يقرر ما إذا كنت سأذهب أو لا.
أخفض "سيف" حاجبيه وقال متضايقاً وبصوتٍ خافت:
ـ لقد تغيرتي كثيراً يا "ملك" لكني أعلم ج
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي