الفصل الثامن

في تلك الأثناء، كانت "دينا" في المستشفى، وتجلس بجانب "أدهم" وهو يتحدث إليها، ومن بين حديثهما قال في إعتذار
وهو يجلس على السرير:
ـ أنا آسف لأنني لن أتمكن من أخذك إلى السينما في الأحد المقبل.
ابتسمت "دينا" وقالت بصوت خجول:
ـ صحتك عندي أهم من الذهاب إلي أي مكان.
سعد "أدهم" بسماع هذه الكلمات الجميلة ووضع يده على خدها الأيمن وأقترب منها، وقام بتقبيلها في خدها الأيسر، أصبح وجه"دينا" محمرا جدا وهو يهمس في أذنيها:
ـ شكرا لك "دينا" بفضلك تحسنت حالتي.
ثم أبعد يده وأعاد ظهره إلى الجدار وهي على نفس الوضعية فضحك قائلا في مرح:
ـ تبدو علامات الاندهاش واضحة على وجهك.
ارتبكت "دينا" وهي تقول بكلمات متقاطعة:
ـ ماذا؟ حقاً ، لم أكن أعلم، لقد فاجأتني.
أبعد "أدهم" نظره عن "دينا" وقال بهدوء شديد:
ـ في الواقع ، لا أعلم لماذا؟ لكني أرتاح لك كثيرا يا "دينا" وأحب التحدث إليك، لذا تعالي لزيارتي يوميا.
أحست "دينا" بنبضات قلبها تخفق بشدة، وهي تضع يدها على صدرها وتقول في سعادة بداخلها:
ـ أشعر بأن العالم لا يسعني، أنا في غاية السعادة يكفي أنني أجلس بجانبه.
وقطع حبل أفكارها عندما قال وهو ينظر إلى الساعة:
ـ أعتقد بأن الوقت قد تأخر، أخشى أن يقلق والديك لتأخرك.
قالت "دينا" باستغراب:
ـ فعلاً، لقد تأخرت، علي الذهاب الآن.


إتصل "سيف" على "ملك" أكثر من مرة، لكنها لم ترد مطلقا بالرغم من أنها كانت تجلس بجانب هاتفها النقال، ثم قام
بإرسال رسالة وكتب فيها:
-"ملك" يا عزيزتي، أنا بحاجة لسماع صوتك في هذه الدقائق، لن أتمكن من النوم وأنت على هذه الحال.
بعدما قرأتها قامت بإغلاق الهاتف تماما وذهبت لتنام، وتركت "سيف" يعاني طوال الليل.


في تلك اللحظات، كانت "تالين" أمام شاشة الكمبيوتر، تقلب في صفحات النت،وبالصدفة رأت رسالة على بريدها الإلكتروني،وحين فتحتها رأت المكتوب:
-" هل يمكنني التعرف إليك؟أجيبي بسرعة"
حذفت "تالين" الرسالة من الصندوق الخاص،بعدها بـعشر دقائق قام نفس الشخص بإرسال واحدة أخرى لكن بمحتوى
مختلف وكتب فيها:
-"أنا أدرس معك بالجامعة، ومنذ أن رأيتك وأنا أفكر بك وحصلت على إيميلك بالمصادفة،وإذا كنت لا تصدقيني
فسأثبت لك صحة كلامي ".
وتابع في آخر الرسالة:
-"ألست "تالين"؟
اتسعت عينا "تالين" وشعرت بالخوف والقلق، وتسارعت نبضات قلبها وطرأ على بالها سؤال وسؤال،كيف عرف إسمها؟هل هو حقا بنفس الجامعة؟.
كادت سترد عليه إلا أن رسالته الأخيرة أوقفتها وهي:
-"أنا آسف "تالين" أردت إخافتك قليلاً،أنا شقيقك "حسن".

توترت أعصاب "تالين" وخرجت مسرعة من غرفتها، واتجهت إلى غرفة "حسن" ودخلت من دون أن تطرق الباب، فنهض من مكانه وقال ضاحكا:
ـ لقد خدعتك بسهولة.
قامت "تالين" بصفعه على وجهه وقالت بعصبية:
ـ يالك من شخص تافه وغبي أيضا.
أبعد "حسن" يده عن خده وقال بصوت مرح:
ـ تأكدي بأنني سأرد هذه الصفعه لك،لكن بطريقتي الخاصة.
ثم تابع كلامه وهو يجلس أمام الكمبيوتر:
ـ عليك أن تكوني حذرة فمن السهل خداع الفتيات عبر الإنترنت.
فكرت "تالين" في كلام شقيقها "حسن" كثيرا وتأكدت بأنه على حق فيما يقول، لكنها لا تستطيع تركه فهو وسيلتها الوحيدة في التسلية.

طرقت "نورا" باب غرفة والدها، وأذن لها بالدخول,، وحين دخلت كان وجهها شاحبا وحزينا فعرف والدها بأنها تريد قول
شيء مهم، فمد يده إليها قائلا:
ـ تعالي إلى هنا "نورا".
جلست "نورا" بجانب والدها وبقيت صامته ولا تنظر إليه حتى سألها في حيرة:
ـ ماذا هناك؟
أجابته من دون أن تضع عينها في عينه:
ـ أنا لم أعد أرغب بشراء سيارة.
سألها والدها في إنزعاج:
ـ لماذا؟ لا تقولي بأنه من أجل ذلك المغفل "احمد".
ردت عليه بصوت يملئه الحزن والإستياء:
ـ لا أريد أن أخسر أخي لسبب تافه، لذا أرجوك دعنا نؤجل هذا الموضوع لوقت لاحق.
وضع والدها يده على رأسها وقال مبتسما:
ـ كما تشائين يا "نورا"وأعلمي أنه متى ما أردت الحصول على شيء تعالي إلي ولا تترددي.
هزت رأسها قائلة:
ـ حسنا.


خرجت "هند" من الحمام بعدما استحمت واستعادت نشاطها، ثم قامت بتغيير ملابسها ونزلت لتناول العشاء مع والدتها وأخواتها، أثناء العشاء، توقفت الأم عن تناول الطعام ونظرت لأبنائها وكأن بداخلها شيء تود البوح به فسألتها "هند":
ـ ما المشكلة يا أمي؟
سكتت الأم لبرهة ثم قالت مجيبة:
ـ سوف نترك المنزل قريبا.
كانت هذه الجملة مثل الصدمة لجميع أفراد المنزل، ومن شدة دهشتهم لم ينطقوا بكلمة فتساءلت الأخت الكبرى:
ـ لكن لماذا؟ ما الذي حدث؟
أجابتها والدتها بكل أسى:
ـ لأن بيتنا معرض للهدم من قبل الحكومة، لأنه على أرض غير صالحة للسكن، لهذا علينا البحث عن منزل آخر نسكن فيه.
تأثرت "هند" كثيرا من هذا الخبر، وفقدت شهيتها في اكمال العشاء كما البقية أيضا، وقالت بحزن وألم شديدين:
ـ كيف سنتمكن من الرحيل؟ لقد اعتدنا على هذا المكان وأحببناه كثيرا، كيف سنفترق عن جيراننا؟ وهم إلى أين سيذهبون؟

عم الصمت أرجاء الغرفة، ولم يسمع سوى صوت الأم وهي تقول:
ـ المهم الآن هو أن نحصل على بيت جديد حتى لو كان خارج البلدة، لا مشكلة لدينا.
قال الإبن الأكبر ردا على والدته:
ـ حسنا سوف أبحث من الغد إذا أستطعت وسأطلب من أصدقائي أن يساعدوني في ذلك أيضاً.
عادت "هند" إلى غرفتها، والحزن يسير داخل قلبها، ثم تمعنت في سريرها وأغراضها الخاصة وقالت بحزن:
ـ هل سأتمكن من الرحيل بهذه السهولة.

بعــد مــرور أسبـوع كامل، في الصباح الباكر من أحد الأيام، استيقظت "هند" باكرا على غير العادة، وغيرت ملابسها بسرعة، وبعدما انتهت طلبت من شقيقها أن يوصلها إلى الجامعة فرد عليها قائلا في عجلة:
ـ لا يمكنني ذلك، فأنا مشغول جدا اليوم.
صرخت "هند" في وجهه قائلة في حيرة:
ـ لكن من سيأخذني إلى الجامعة؟
هز شقيقها كتفيه وقال وهو يبتعد عنها ويحرك يده:
ـ هذا ليس من شأني.
أخرجت "هند" هاتفها النقال من حقيبتها واتصلت على "ملك" طالبة منها أن تمر لها لتوصلها معها للجامعة هذا اليوم.


في الطريق، توقف "زياد" في وسط الطريق لأنه كان من سيوصل "ملك" و "هند" إلى الجامعة واضطر إلى التوقف بسبب إصطدام إثنين عرقلوا سير البقية، فقالت "ملك" متذمرة:
ـ هل هذا وقته الآن؟ سوف نتأخر.
ضرب "زياد" بيده على مقود السيارة وقال بضيق:
ـ تبا، كم أكره الإنتظار.
فضغط بقدمه على الفرامل بقوة مصدرا صوتا مزعجا، وأدار السيارة بسرعة البرق إلى الجهة اليسرى الخالية ودخل إلى أحد الشوارع الضيقة وتمسكت "ملك" بالمقعد وقالت بخوف:
ـ ما الذي تفعله؟ هل أصبت بالجنون؟
شعرت "هند" بخوف شديد لأنها أحست أن الموت قادم لا محالة، وحين خرج "زياد" من الشارع الفرعي، أخفض السرعة وتنهد قائلا بسعادة:
ـ هذا رائع، إنها أسهل طريقة للعبور.
أخذت "ملك" نفسا عميقا وقالت بإرتياح:
ـ حمدلله، في المرة القادمة التي ستفعل فيها هذا، أخبرني لكي تستعد.
قالت "هند" بداخل نفسها في صدمة:
ـ تستعد؟هذا يعني بأنها مثل شقيقها تماما.


إلتقطت "دينا" الساعة ونظرت إليها بعينين مرهقتين، وأغمضتها قائلة في تعب:
ـ لا رغبة لدي في الذهاب إلى الجامعة اليوم.
ثم رن هاتفها النقا، فردت عليه قائلة:
ـ نعم"تالين".
أجابتها "تالين" قائلة بتسائل:
ـ متى ستذهبين إلى الجامعة؟
ردت عليها بإرهاق:
ـ لا رغبة لدي.
تساءلت "تالين" في حيرة:
ـ لكن لماذا؟ هيا إنهضي فقط.
تنهدت "دينا" في ضجر ووافقت على النهوض، وأغلقت السماعة، واتجهت إلى النافذة وفتحتها وأحست بقليل من النشاط عندما استنشقت ذلك الهواء الطيب، وقامت بتغيير ملابسها وخرجت.


في تلك اللحظة، قام الطبيب بإزالة الضماد عن يد "أدهم" المصابة، وحركها بحرية وقال بإرتياح:
ـ أخيرا يمكنني الإرتياح من ذلك الضماد المزعج.
قال الطبيب وهو سعيد من أجله:
ـ يمكنك مغادرة المستشفى غدا، وبالنسبة لقدمك عليك أن تتدرب على تحريكها قليلا لأنها على وشك الشفاء.
بعد خروج الطبيب، حاول "أدهم" الوقوف بدون الإستعانة بالعكاز، لكنه وقع عند أول محاولة للسير وقال في تألم وهو
مستلق على الأرض:
ـ هذا مؤلم.
وأدار رأسه للخلف ونظر إلى قدمه المكسورة ووضع يده عليها وقال بجدية:
ـ يجب أن أحاول، لم أعد أحتمل البقاء هنا وقتا أطول.
وقال وهو يحاول النهوض بقوة:
ـ تبا لك "سيف"سوف اجعلك تندم بالتأكيد.

وضعت "دينا" رأسها على الطاولة في إحدى القاعات، وقالت موجهة كلامها لـ "تالين":
ـ ما الهدف من مجيئنا إلى هنا اليوم؟
أجابتها "تالين" قائلة وهي ترتب حقيبتها:
ـ طلبت منك القدوم لأنه آخر يوم في الإسبوع، هذا يعني بأننا لن نلتقي لمدة يومين.
رفعت "دينا" رأسها وقالت متسائلة:
ـ لماذا؟ ما رأيك ان نخرج غدا إلى السوق؟
وقطع كلامها صوت "مازن" وهو يقول:
ـ صباح الخير، كيف حالكما؟
التفتت إليه "دينا" وقالت بسعادة:
ـ أهلا "مازن".
وجلس بجانبهما وهو يقول مبتسما:
ـ سمعت بأن "أدهم" سيغادر المستشفى في مساء الغد.
قالت كلا من "دينا" و "تالين" بفرح:
ـ حقا؟ هذا رائع.

دخلت "نورا" إلى الجامعة في تلك اللحظة، وكان "سيف" في إنتظارها وحين رأته توقفت عن السير وقالت باستغراب:
ـ ما الأمر ،"سيف"؟
أجابها قائلا وهو يقف أمامها مباشرة:
ـ لا شيء أردت إخبارك فقط بأنني بدأت أحاول تنفيذ ما طلبته مني.
ابتسمت "نورا" في وجهه قائلة:
ـ هذا جيد، ابذل جهدك.
وضع يده على كتفها قائلا:
ـ شكرا لك.
وبالمصادفة، رأى "ملك" تقف خلف "نورا" تقريبا فأتسعت عينيه وأبعد يده بسرعة فأدارت "نورا" رأسها وحين رأت نظرات"ملك" الباردة اختفت إبتسامتها فقال "سيف":
ـ أهلا "ملك" لقد ..
مرت "ملك" بجانبه وقاطعت كلامه قائلة ببرود:
ـ إستمتع بوقتك مع صديقتك الجديدة.
وقبل أن تبتعد أمسك بمعصمها وقال بتمني:
ـ أرجوك إستمعي إلي.
أبعدت "ملك" يده بعنف وقالت من دون أن تلتفت إليه:
ـ لا حديث بيننا بعد الآن،هل تفهم هذا؟
وتابعت سيرها وعلى وجهها عبارات الحزن والغضب في الوقت ذاته.

إقتربت "نورا" من "سيف" وقالت في أسف:
ـ أنا السبب، أعتذر عما حدث.
نظر إليها "سيف" وقال بصوت محبط:
ـ لا داعي لذلك، فأنت لم تفعلي شيئا.
أشفقت "نورا" عليه وواصلت طريقها بعدما أبتعد، في ذلك الوقت كانت "ملك" تجلس على الدرج وتقلب الصور التي في هاتفها النقال وتوقفت عند صورتها مع "سيف" في ليلة العيد، وأخفضت حاجبيها قائلة في ضيق:
ـ ليت الزمن يعود للوراء، لتغيرت أشياء كثيرة.

وحملت حقيبتها وصعدت للأعلى، دخل "ادم" إلى قاعة المستوى الأول ولوح بيده لـ "تالين" لكي تأتي وحين وقفت عنده قال لها:
ـ سآخذك إلى مكان جميل.
وأمسك بيدها قائلا:
ـ تعالي معي.
بينما كانا يسيران، سألته "تالين" في حيرة:
ـ إلى أين سنذهب؟
أجابها قائلا في مرح:
ـ لم العجلة؟ ستعرفين قريبا.
وتوقف عند غرفة في الطابق الثالث، والتفت إليها قائلا:
ـ إقتربي أكثر.
وفتح الباب، لم يكن في الغرفة أحد غيرهما، كانت الغرفة مليئة بالألات الموسيقية لكن ما لفت نظر "تالين" هو البيانو ثم قالت بإندهاش:
ـ لماذا أحضرتني إلى هذا المكان؟
تساءل "آدم" قائلا في إستغراب:
ـ ألا تحبين الموسيقى؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي