الفصل السادس حيلة فرحة

شعرت فرحة بالصدمة، نظرت إلى أخيها المحموم وقالت:
—أخي، ما أقصى ما مررت به من صدمة! تعود من الموت لتجد حبيبتك وقد تزوجتك بأخيك، يا لها من صدمة قوية! الآن قد عرفت السر وراء انعزالك في غرفتك مدة طويلة بعد وفاة أخي بدر، كثيرًا ما تسائلت، ما السبب وراء تلك المعاملة الجافة التي تعامل بها روح؟!
أسرعت فرحة بالاتصال برعد وحدثته قائلة:
—أخي رعد، سليم مريض للغاية؛ لقد ارتفعت حرارته مرة أخرى، ولا أعلم ماذا أفعل له؟

وما إن سمع رعد ذلك حتى أسرع بإرتداء ملابسه وحدثها قائلًا:
—أختي فرحة، إنني في الطريق إلى منزلكم.

وصل رعد إلى منزل نصار الجوهري، استقبلته فرحة ورافقته إلى غرفة أخيها، وما إن دلف إلى داخل الغرفة فؤجيء بارتفاع شديد في حرارته، نظر إلى فرحة وحدثها:
—لماذا لم تعطيه خافض الحرارة؟! سيدي سليم حرارته مرتفعة للغاية وهذا يشكل خطرًا على حياته..

أمسكت فرحة بدواء خاص بخفض الحرارة وقالت:
—أخي رعد، لقد قمت بإعطائه هذا الدواء ولكن دون جدوى.

ابتسم رعد وتحدث قائلًا:
—لا داعي للقلق لقد قمت بإعطائه حقنة سوف يظهر مفعولها بعد قليل.

نظرت فرحة إلى رعد وقد شعرت بمشاعر الإعجاب تجتاح قلبها، فتحدثت قائلة:
—رعد، أشعر بالإمتنان إليك؛ لإستجابتك بشكل سريع عندما طلبت منك المساعدة.

ابتسم رعد وعلق قائلًا:
—سيدتي، لا يمكنني أن أتأخر عن سليم، فهو بمثابة أخي وأنا رجل من رجاله أدين له بالولاء.

بدأ سليم في التعافي خاصة بعد أن انخفضت حرارته.

استيقظ سليم ليجد فرحة ورعد بجواره، جلس على فراشه وتحدث قائلًا:
—ماذا حدث، ما الذي جعلكما تجلسان هكذا؟!

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—أخي، لقد كانت حرارتك مرتفعة للغاية ولم أكن أعرف ما الذي أفعله فقمت باستدعاء رعد.

ابتسم سليم ونظر إلى رعد ثم قال:
—رعد، شكرًا لك لا أعلم لولا وجودك بجواري ما الذي كان سيحدث؟!

ربت رعد على سليم وقال:
—سيدي، إنني رجل من رجالك المخلصين، متى تحتاج إلي ستجدني بجوارك.

غادر رعد منزل نصار الجوهري، نظر سليم إلى فرحة وحدثها قائلًا:
—حبيبتي، تستطيعين الذهاب إلى غرفتك لتنامي، لقد شارف الشمس على الشروق.

ابتسمت فرحة ثم وضعت قبلة حانية على جبين أخيها وغادرت إلى غرفتها.

بعد أن غادرت فرحة الغرفة، جلس سليم يفكر ويحدث نفسه ويقول:
—لا أعلم اشعر أنني رأيت روح بجواري، ربما كان حلمًا يراودني.

روح داخل غرفتها لا يفارقها صوت سليم الذي يتردد بداخلها:
—"روح لقد اشتقت اليكِ ".
كلمات سمعت هذه الكلمات تتردد بداخلها شعرت بفيض غامر من السعادة يغمر قلبها.


وقفت أمام المرآة وأطالت النظر إلى صورتها المنعكسة تذكرت الحب الذي كان يملأ قلبها وحياتها، فحدثت نفسها قائلة:
—الليلة كانت أسعد ليلة قضيتها من عدة شهور،  فلم أشعر طوال الفترة الماضية سوى بالألم والحزن والآسى، أما الليلة فقد بدأت أشعر ببصيص أمل في أن تعود علاقتنا كسابق عهدها؛ فما سمعته الليلة من سليم يؤكد أنني لا زلت متربعة على عرش قلبه.

في صباح اليوم التالي.
خرج سليم من غرفته وجلس على طاولة الطعام، نظر إلى مقعد بدر فتجدد الحزن بداخله على فقد أخيه، لا حظت العمة سميرة نظر سليم الدائم إلى مقعد أخيه، فحدثته قائلة:
—لقد شعر أخيك بالإرتياح داخل قبره؛ بعد أن قمت بالقصاص لدماؤه.

نظر سليم إلى عمته وقال:
—عمتي، لا أعتقد ذلك، كيف يشعر بالإرتياح وهو بعيد عن أهله وأحبابه.

داخل غرفة روح.

قررت روح للمرة الأولى مشاركة الأسرة على مائدة الإفطار، نزعت الملابس السواد وقامت بارتداء فستانًا أنيق، ثم اتجهت للنزول إلى الطابق الأرضي وهي تتطلع لرؤية سليم، خاصة بعد أن استمعت لفرحة وهي تخبر عمتها أنه بدأت يتماثل للشفاء.

حضرت فرحة وجلست تتناول الإفطار مع اخيها والعمة سميرة.

نظرت العمة سميرة إليها وحدثتها قائلة:
—ابنتي، هل قمتي بإخبار نرجس(الخادمة) بأن تعد الإفطار وتذهب به إلى غرفة روح كالعادة.

ابتسمت فرحة وعيناها على أخيها وعلقت قائلة:
—عمتي، لا أعلم السبب في اصرارها على الإفطار بغرفتها حتى اليوم.
نظرت العمة سميرة إليها وحدثتها:
—ابنتي، دعيها تتصرف كما تريد، لا أريد أن اجبرها على الجلوس معنا لا بد أن تأتي برغبتها.

حضرت الخادمة نرجس وهمست إلى فرحة بشيء، ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—عمتي، يبدو أن رغبة روح في الإفطار معنا قد حانت.

نظر سليم إلى فرحة باهتمام، واصلت فرحة حديثها وقالت:
—سوف تأتي روح الآن لمشاركتنا الإفطار.

ما إن سمع سليم ذلك حتى وقف عن تناول طعامه وتحدث إلى نرجس قائلًا:
—نرجس، من فضلك أحضري قهوتي في حديقة المنزل.

تعجبت العمة سميرة وقالت:
—سليم، لم تكمل افطارك بعد!

ابتسم سليم وعلق قائلًا:
—عمتي، لم يعد لي رغبة في تناول المزيد، رعد ينتظرني  بالخارج سوف نتناول القهوة سويًا قبل أن نذهب لمتابعة أعمالنا.

وقف سليم استعدادًا لمغادرة الطاولة فإذا به يرى روح في طريقها إلى المائدة وقد بدت في أجمل صورة.

شعر سليم بالغضب خاصة بعد أن رأها وقد ابدلت ملابس الحزن السوداء بملابس أخرى ملونة، فغادر وسار بجوارها دون أن يلتفت إليها أو يحدثها.

شعرت روح بالحزن والغضب لمعاملة سليم الجاقة لها، على العكس ما كانت تتوقع منه.

لا حظت فرحة ما حدث،  تحدثت في محاولة منها للتخفيف على روح فقالت:
—روح، تبدين أنيقة للغاية، كم نحن سعداء بتناولك الإفطار معنا.

حاولت روح اظاهر ابتسامة زائفة؛ حتى لا يلاحظ أحد ما بداخلها من حزن وعلقت:
—فرحة، اعتذر لكم عن عدم مشاركتي الطعام معكم طوال الفترة الماضية؛ فقد كانت حالتي النفسية سيئة للغاية.

نظرت العمة سميرة إليها وقد تغيرت ملامح وجهها؛ بعد أن رأت روح وقد قامت بتلوين ملابسها وخلعت ملابس الحداد مخالفة بذلك العادات والتقاليد المتعارف عليها بين أبناء البلدة، فحدثتها:
—روح، كيف تجرئتي على خلع ملابس الحداد على زوجك؟! لا يجب أن يراكِ أحد بهيئتك هذه.

تغيرت ملامح روح وبدى عليها الضيق والحزن فأسرعت فرحة بالتحدث وقالت:
—عمتي، دعيها تتصرف بحرية، ليس الحزن بالملابس السوداء إنما الحزن بداخل القلب.

لم يحظى الحديث على اعجاب العمة سميرة، فغادرت المائدة وهي تهمهم بكلمات غير مفهومة.

نظرت فرحة إلى روح وحدثتها:
—روح، لا تغضبي من عمتي فهي حنونة للغاية، ولكنها تحب أن نرعي العادات والتقاليد ونحافظ عليها.

اومأت روح برٱسها وعلقت:
—يبدو أن قراري بالحضور للإفطار معكم كان خاطئًا ما إن جئت حتى فرقت شملكم.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—حبيبتي، ليس الأمر كما بدى لكي، فأخي اضطر للمغادرة لإنتظار رعد  له بالخارج، وعمتي غادرت لأنها انهت إفطارها.

نظرت روح إلى فرحة وحدثتها:
—فرحة، أنتِ رقيقة للغاية، كنت أتمنى أن يكون لي أخت مثلك.

ابتسمت فرحة وعلقت قائلة:
—لا داعي للتمني فمنذ دلوفك إلى داخل المنزل وأنا أعتبرك أخت لي.

بعد انتهاء روح من إفطارها حضرت والدتها فأخذتها إلى غرفتها بينما أسرعت فرحة إلى العمة سميرة وحدثتها قائلة:
—عمتي، لقد كنتِ قاسية للغاية مع روح.

نظرت العمة سميرة إلى فرحة وقد بدى عليها الغضب والضيق وقالت:
—فرحة، هذه الفتاة كانت  فأل شؤم على عائلتنا يكفي أن المرة الأولى التي خطت بقدميها هنا تم قتل بدر، والآن لا تحتمل أن تنتظر شهرًا آخر بملابس الحداد على شاب من أروع شباب البلدة.

ربتت فرحة على يد عمتها وقالت:
—عمتي، روح كالضيف يجب إكرامها، لا بد أن نكرمها ونحسن إليها اكرامًا لأخي بدر..

نظرت العمة سميرة إلى فرحة، وقد بدى عليها القلق وحدثتها قائلة:
—ابنتي، لا أعلم أين كان عقل بدر رحمة الله عليه عندما كتب لها نصف املاكه مهرًا لها؟! ولكن هل يمكن أن تغادر هذه الفتاة بعد مرور أشهر العدة وتعود لمنزلها بنصف ما يملكه بدر؟!

ابتسمت فرحة ابتسامة ماكرة وقالت:
—عمتي، لقد جاءت والدة روح وربما تصطحبها معها ليس هذا فحسب، بل ربما بعد انتهاء فترة الحداد تزوجها لشخص آخر.

نظرت العمة سميرة نظرة حادة مقتضبة وعلقت قائلة:

—فرحة، كيف تتحدثين هذا الحديث؟! لا يمكن لهذه الفتاة أن تتزوج بشخص آخر.

شردت فرحة وحدثت نفسها قائلة:
—أخي، سوف أساعدك على الزواج بحبيبة قلبك دون أن تشعر، سوف أجعل ما بداخل قلبك من جروح تلتئم بشكل سريع؛ عندما أجمع بينك وبين حبيبتك.

خرجت فرحة من شرودها ونظرت إلى عمتها وقالت:
—عمتي، لا يمكنك أن تمنعي فرحة من الزواج بشخص آخر فهذا الأم من حقها ولا يمكننا أن نطلب منها أن تضرب عن الزواج، حتى نحافظ على ممتلكات أخي، ولكن لدي حل ربما نستطيع من خلاله المحافظة على ممتلكات أخي الراحل بدر.

نظرت العمة سميرة باهتمام شديد ودفعها الفضول فعلقت قائلة:
—فرحة، اخبريني على الفور ما هو هذا الحل؟!

دنت فرحة من العمة سميرة وهمست إليها وقالت:
—عمتي، الحل هو زواج أخي سليم من روح، بذلك نستطيع الحفاظ على ممتلكات أخي بدر.

أومأت العمة برأسها وعلقت قائلة:
—ابنتي، ولكن كما أرى، سليم لا يشعر بالإرتياح تجاه روح، كيف يمكننا أن نقنعه بأن يتزوج من امرأة لا يحبها ولا يطيق أن يجتمع معها في مكان واحد؟!

ابتسمت فرحة وامسكت بيد العمة سميرة، قامت بتقبيلها ثم قالت:
—عمتي الحبيبة، دعي هذا الأمر لي.

دلفت روح إلى غرفتها وبرفقتها والدتها، أسرعت الأم بغلق الباب وحدث ابنتها وقالت:
—روح، هل قام سليم بقتل قاتل أخيه؟

نظرت روح إلى والدتها وقد بدى عليها التعجب وقالت:
—أمي، من الذي أخبرك بذلك؟!

همست الأم لإبنتها وقالت:
—ابنتي، هل يمكنك أن تخبريني عن رفض سليم  أخذ عزاء أخيه عقب وفاته مباشرةً، واقامته للعزاء بالأمس؟! ابنتي لقد سمعت عن مقتل نادي العدوي عندما تقومي بربط الخيوط تستطيعين معرفة كل شيء.

نظرت روح إلى والدتها وعلقت قائلة:
—أمي، دعكِ من هذا الأمر واخبريني كيف حالك؟

ابتسمت الأم وعلقت قائلة:
—بخير حال، لقد جئت اليوم لأصطحبك معي.

وقفت روح وقد بدى عليها التعجب والضيق وعلقت قائلة:
—أمي، جئتي لإصطحابي إلى أين؟!

الأم وقد بدى عليها السعادة همست قائلة:
—ابنتي، لقد جدد ليث ابن عمك عرض الزواج منك.

روح وقد بنبرة يملؤها الغضب علقت قائلة:
—أمي، لا تتحدثي بهذا الشأن مرة أخرى، لن اترك منزل زوجي ولن اتزوج بهذا الرجل.

نهضت الأم ثم تحدثت بنبرة غاضبة وقالت:
—سوف أتركك لبعض الوقت ولكن في المرة القادمة لن أغادر إلا وأنتِ معي.

غادرت الأم منزل نصار الجوهري، وجلست روح تبكي وتقول:
—لا يمكنني أن أتزوج بليث مهما كلفني الأمر.

وفي هذه اللحظة صادف ذلك مرور العمة سميرة وسمعت ما تحدثت به روح.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي