الفصل السابع

لم يستطع "سيف" أن ينطق بكلمة واحدة في تلك اللحظة، بل ظل واقفا في مكانه ويستمع إلى كلمات "ملك" التي إخترقت قلبه،وحين أنهت كلامها قال لها بحزن وهو ينظر إلى الجهة الأخرى:

ـ أتعلمين لماذا أخبرتك بالحقيقة؟

وصمت لبرهة ثم تابع وهو ينظر إليها:

ـ لأنني أحبك، نعم أحبك كثيرا يا "ملك".

إبتعدت "ملك" عنه بعدما قال كلمته الأخيرة، ولم تستطع منع نفسها من البكاء،ولم تتحمل هذه الحقيقة مطلقا،وعادت "ملك" إلى القاعة بوجه شاحب، وجلست بجانب "تالين" من دون أن تنطق بكلمة، فقالت لها "تالين" متسائلة:


ـ هل ستبحثين عن الفاعل معنا؟


أجابتها "ملك" بكل هدوء:


ـ لا داعي لذلك بعد الآن.

إستغربت "تالين" مما قالته فسألتها:

ـ ما الذي تقصدينه؟هل عرفتي الفاعل؟


إرتجفت "ملك" وهي تقول بصوت حزين:
ـ نعم لقد عرفته.

حدقت "تالين" بوجه "ملك" وعرفت هي الآخرى من الذي تقصده، فنهضت من عندها وقامت بمناداة الجميع، وحين أجتمعوا قالت لهم "تالين":
ـ سنتوقف عن البحث الآن.
تكلم الجميع بصوت واحد متسائلين:
ـ لماذا؟
حركت "تالين" عينيها باتجاه "ملك" التي لم تتحرك من مكانها، وحين نظر إليها الجميع، قالت "دينا" بإستغراب:
ـ هل يمكن أن يكون؟
هزت "تالين" رأسها مجيبة:
ـ نعم، إنه إبن عم "ادهم" وصديق "ملك" إنه "سيف".

ظهرت على وجه الجميع علامات الصدمة والإندهاش، فقال "مازن":
ـ لكن لماذا فعل هذا؟
أجابته "دينا" في حقد:
ـ لأنه قذر وحقير.
ردت عليها "هند" بصوت حاد:
ـ هذا صحيح،لا أصدق بأنه صديق "ملك".

ضربت "ملك" بيدها على الطاولة لأنها لم تحتمل سماع كلماتهم الموجهة نحو "ملك" فمهما فعل، فإنه يظل شخصا مهما في حياتها،وغادرت القاعة من دون أن تقول شيئا، وأنظار الجميع موجهة نحوها.

أشفقت "نورا" على حالة "ملك" وأنها متأثرة جدا بما حدث، وكانت ستتبعها لكنها فضلت البقاء حتى تهدأ قليلا.

أما "سيف" فقد أرجع ظهره للجدار ورفع رأسه ناظرا إلى السماء الزرقاء الصافية، وقال في حزن:
ـ ســامحيني "ملك".
واتسعت شفتيه مبتسما:
ـ لو كان الأمر بهذه السهولة، لما كان هناك داع للرجال الأمن.

رأت "سما" ملصقا على الجدار، واقتربت منه لتقرأه ثم اتسعت عينيها ذهولا لأنه كتب بأنها قد فازت بالمركز الثاني في مسابقة أفضل لوحة، ارتجفت شفتيها وقالت:
ـ هل أنا في حلم؟ لا أصدق.

تذكرت بأن هذه الجائزة ستساعدها في عمل الكثير من الأشياء، كمساعدة والدها على إجراء العملية في أذنه المصابة بالرغم من أن النتيجة غيرمضمونة، ظلت "سما" واقفة في مكانها لبعض الوقت ثم انطلقت إلى القاعة وفجأة رأت "آدم" يقف على السور فقالت وهي تتنفس بصعوبة:
ـ "آدم".
أدار "آدم" رأسه إليها قائلا بحيرة وتسائل:
ـ ماذا هناك؟
أجابته وهي مرتبكة:
ـ لقد فزت في المسابقة.
أدرك "آدم" الأمر أخيرا، وركض بإتجاهها وأحتضنها بسعادة وقال لها:
ـ مبروك يا عزيزتي.
أغمضت "سما" عينيها وهي تقول:
ـ شكرا على كل ما قدمته لي.
وقفت "نورا" بجانب "ملك" على السور، وبقيت صامتة لبرهة، ثم قالت:
ـ لا تتضايقي من كلامهم، إنهم يعبرون عن غضبهم فقط.
كانت عينا "ملك" موجهة للطابق الأسفل وهي تجيب متظاهرة بعدم المبالاة:
ـ أنا لست متضايقة فهذا الأمر لا يهمني.
هب عليهما نسيم خفيف، واستنشقت "نورا" ذلك الهواء وهي تقول:
ـ ما تقولينه مختلف عما تقوله تعابير وجهك الحزينة.
اتسعت عينا "ملك" وهي تلتفت للمكان الذي تقف فيه "نورا" وقالت وعيناها تمتلئ بالدموع:
ـ هذا غير صحيح، أنا فقط أريد البقاء لوحدي.
وابتعدت عنها، ثم همست "نورا" في إشفاق:
ـ إنها ترفض الإعتراف بالحقيقة.


وضع "أدهم" رأسه على الوسادة بالمستشفى وهو مغمض العينين، وتنهد قائلا بارتياح:
ـ وأخيرا، حلت المشكلة.
وفتح عينيه متابعا في ضيق:
ـ تبا لك يا "سيف" وجودك في الجامعة سبب لي الكثير من المتاعب.
دق أحدهم باب غرفة "أدهم" فأذن له بالدخول، وكانت المفاجأة أن هذا الشخص هو "مازن" فقال "أدهم" مرحبا به:
ـ أهلا "مروان".

إقترب "مروان" وجلس بجانبه قائلا في تساؤل:
ـ لماذا ذهبت إلى الجامعة؟ومن أخبرك عنى؟
عدل "أدهم" جلسته وأتكئ بظهره على الجدار وهو يقول مبتسما:
ـ لقد أخبرني بذلك أحد الأشخاص الأوفياء.
رد عليه "مروان" في سرعة:
ـ "دينا" أليس كذلك؟
أجابه "أدهم" بثقة كبيرة:
ـ كلا"دينا" أكثر شخص يعلم بحالتي هذه ومن المستحيل أن تخبرني.

إحتار "مروان" كثيرا، ولكنه شعر بالارتياح عندما وضع "أدهم" كفه على كتفه وقال:
ـ المهم الآن، هو أنك تستطيع العودة إلى الجامعة إبتداء من الغد.
قام "مروان" بمصافحة "أدهم" بكلتا يديه وقال بارتياح:
ـ شكرا جزيلا لك.

في تلك الأثناء، كانت "نورا" تجلس مع "دينا" على طاولة مقابلة للكافتيريا، ويتبادلان الأحاديث، وفجأة وقف "سيف" بجانب"نورا" فحدقت به "دينا" بكراهية وأشارت لـ "نورا" بعينيها وحين التفتت إليه قالت بحنان:
ـ أهلا "سيف".
إستغربت "دينا" من تصرف "نورا" وقالت بصوت غاضب:
ـ كيف ترحبين بشخص خائن مثل هذا؟
أجاب "سيف" ردا على "نورا" متجاهلا كلام "دينا":
ـ هل يمكنني التحدث معك قليلا؟
أخذت "دينا" عصيرها وقالت لـ "نورا" في ضيق:
ـ سأذهب الآن.

بعد ذهابها جلس "سيف" على الكرس المقابل لها وبقي صامتا، حتى بدأت "نورا" سؤالها:
ـ ما الأمر الذي تريد التحدث به معي؟
عقد "سيف" أصابع يده على الطاولة وقال بصوت متألم:
ـ لا بد بأنك قد علمتي بما حدث.
هزت "نورا" رأسها مجيبة:
ـ نعم أعلم.

لم يستطع "سيف" رفع عينيه في عيني "نورا" وكان يتحدث وهو خافض رأسه:
ـ لم أتوقع أن "ملك" ستتضايق هكذا، نحن نعرف بعضنا منذ كنا في الإعدادية لكني لم أشاهدها كاليوم من قبل.
قالت له "نورا" بجدية:
ـ هذا ليس تصرف "ملك" فقط، أي فتاة في مكانها ستفعل هذا، خاصة مع الشخص الذي تحبه.
سألها "سيف" في حيرة:
ـ ما الذي علي فعله الآن؟ أشعر بأني أسير بلا هدف من دونها.
صمتت "نورا" بعض الوقت وظلت تفكر ثم قالت:
ـ سأساعدك،لكن على شرط، وهو أن تحاول تغيير نفسك وإلا فإنك ستخسر جميع أصدقائك بهذه الطريقة.

عند إنتهاء الدوام، عادت "سما" مع "آدم" إلى المنزل، وهما في غاية السعادة، وعندما دخلا إلى البيت ، رأت "سما" والدتها تحمل طبقا به ماء بارد فسألتها في حيرة:
ـ ما الذي تفعلينه يا أمي؟
أجابتها بوجه شاحب:
ـ والدكما متعب جدا، وحرارته بدأت ترتفع.

أسقطت "سما" حقيبتها وصعدا هي و"آدم" إلى غرفة والدها وحين دخلا، وجدا والدهما مستلقيا على السرير ومغطا ببطانية بيضاء، فأقتربت منه "سما"وأمسكت بيده وقالت بصوت باكي:
ـ سوف تشفى يا والدي بإذن الله، لقد بذلت جهدي وحصلت على الجائزة المالية وسنتمكن من دفع تكاليف العلاج.

وضع "آدم" يده على كتف "سما" وهي تبكي وقال بإشفاق:
ـ إهدئي قليلا يا "سما" وإلا ...
وتوقف عن الكلام حين رأى والده يفتح عينيه وينظر إليهما بسعادة ويقول:
ـ هل عدتم؟ أنا مسرور لأنكما بجانبي.
قال له "آدم" في قلق:
ـ لا ترهق نفسك يا والدي، يمكنك أن تنام الآن.

وأخذ "سما" وخرجا من الغرفة، همس "آدم" قائلا بصوت منخفض:
ـ ألا يمكنك حبس دموعك أمام والدي؟
أجابته بعصبية:
ـ كلا، فقلبي لا يتحمل رؤيته بهذه الحال.
قال "آدم" مجادلا:
ـ أعلم، إذا أستمريتي هكذا لن أسمح لك بالدخول مجددا.
لم تقم "سما" بالرد على "آدم" هذه المرة، وعادت إلى غرفتها.

في تلك اللحظة، دخلت "دنيا" إلى المحل الذي يعمل به "محمد" ولم تجد سوى الرجل العجوز وحين سألته عنه أجابها قائلا:
ـ لقد ذهب إلى النادي قبل قليل.
تسائلت "دنيا" في داخل نفسها:
ـ إلى أي نادي يذهب يا ترى؟
بالمصادفة، كانت "دنيا" تنوي الذهاب إلى النادي أيضا، وأرادت إصطحاب "محمد" معها لهذا أضطرت للذهاب لوحدها.

في النادي، كان "محمد" ماهرا في لعب كرة السلة ويتدرب دائما هناك، وبعد إنتهاء التدريب طلب منه المدرب إعادة الكرات إلى المخزن، كانت"دنيا" في نفس ذلك النادي،ودخلت إلى غرفة تغيير الملابس المجاورة لمخزن الكرات، بعدما أنهى "محمد" ترتيب المكان أغلق الباب وسار قليلا،ثم إتكئ بظهره على باب غرفة "دنيا" وتنهد قائلا في إرهاق:
ـ كم أنا متعب!

نسيت "دنياا" أن تغلق الباب عند دخولها، وهو من الأبواب الذي يفتح بسهولة، لذا عندما أتكئ "محمد" عليه وقع إلى الداخل،وفتح عينيه ليرى"دنيا" التي لم تكن ترتدي سوى ملابسها الداخلية فأتسعت عينيه وخرج بسرعة وأغلق الباب وهو يتنفس بصعوبة بالغة ووضع يده على قلبه وقال بإندهاش:
ـ ما هذا الذي فعلته؟ هل كانت تلك "دنيا"؟

إحمر وجه "دنيا" خجلا وذهولا، فهي لم تتوقع حدوث أمر كهذا و ارتدت ملابسها بسرعة، وخرجت من الغرفة ورأت "محمد" منحنيا أمامها وهو يقول في أسف:
ـ أعتذر بشدة عما بدر مني، لم أكن أقصد فعل ذلك.
إقتربت منه "دنيا" وقالت بإبتسامة صافية:
ـ لا داعي للإعتذار فهو لم يكن خطئك، أنا من نسي أن يغلق الباب.
رفع "محمد" رأسه وقال بخجل:
ـ حقا؟ لست غاضبة مني.
هزت رأسها نفيا وهي تجيب:
ـ بالطبع لا إنه خطئي أنا.
بعد هذا الموقف، عرف "محمد" أن "دنيا" من النوع المتفهم الذي يعجبه، لهذا أعتذر لها مجددا،وذهبا للتدرب معا وبقيا حتى المساء.

في طريق عودتهما للمنزل، وهما بالسيارة قال "محمد" وهو يقود:
ـ لم أكن أعلم أنك تأتين إلي هذا النادي.
ردت عليه "دنيا" مبتسمة:
ـ لقد سجلت فيه منذ الأسبوع الماضي، وأذهب يومان في الأسبوع، ماذا عنك؟
أجابها قائلا بلطف:
ـ أنا أذهب يوميا، فلا يوجد لدي عمل أقوم به سوى مساعدة ذلك الرجل في المحل، لقد تخرجت من الجامعة ولم أتمكن من الحصول على عمل في أي شركة بسبب سمعة والدي السيئة بالرغم من أنه قد مات إلا أن الناس لم ينسوا ما فعله.

ظلت "دنيا" تستمع إلى قصة "محمد" ولم تشأ أن تسأله عن شيء، بعدما لاحظت الحزن في بريق عينيه، وتوقفت السيارة امام منزلها فقالت له:
ـ شكرا لك على إيصالي إلى هنا.
رد عليها بصوت رقيق:
ـ لا داعي للشكر، ألسنا صديقين؟
أخفضت "دنيا" رأسها وقالت في خجل:
ـ صحيح، نحن صديقين.
وفتحت الباب ونزلت، وحين أقتربت من المنزل لوحت بيدها قائلة:
ـ أراك غدا.
رد عليها بنفس الطريقة ثم رحل.
رمت "دنيا" حقيبتها على السرير في غرفتها، وضحكت عندما تذكرت ذلك الموقف، ودخلت لتستحم لأنها تعرقت كثيرا أثناء التدريب.


كانت "نورا" تتناول العشاء مع عائلتها على الطاولة، فوضع والدها الشوكة الفضية على الطبق وقال موجهاً كلامه للجميع:
ـ إسمعوا جميعا، غدا سوف أشتري لـ "نورا" سيارة جديدة على ذوقها.
تضايق "احمد" وسحب كرسيه ونهض قائلاً في إعتراض:
ـ أنا لن أسمح بحدوث هذا.
رد عليه الأب في سخرية:
ـ إذن ما رأيك أن تجلس مكاني وتتحمل مسؤولية الأسرة؟
ثم صرخ في وجه الأب قائلا بوقاحة:
ـ أنا لم أقصد هذا، سأخبركم منذ الآن، أنا لن أعترف بـ "نورا" إذا قادت السيارة.
إقترب الأب منه وصفعه على وجهه بقوة أسقطته أرضا وقال بعصبية:
ـ أخرج من هنا، لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى.
حدق "احمد" في وجه والده ونهض من على الأرض وغادر الغرفة، لم تتوقع "نورا" بأن الأمور ستتعقد هكذا من أجل
قيادتها للسيارة، لذلك فكرت بالتراجع لكنها لم تستطع أن تخبر والدها بهذا القرار وهو غاضب هكذا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي