الفصل السادس
حين وصلا إلى المستشفى،دخلا إلى المصعد واتجها إلى الطابق الثاني، وسارا في الممر وفجأة توقف "مازن" عند الغرفة رقم مائة وتسعة عشر وقال مشيرا إليها:
ـ هذه هي غرفته.
ثم قام بدق الباب، ففتحت له والدة "أدهم" وقالت بتسائل:
ـ ما الذي تريده؟
أجابها "مازن" بطيبة:
ـ نريد رؤية "أدهم" نحن أصدقائه من الجامعة.
أُغلقت الباب في وجه "مازن" فغضب كثيرا ودق الباب مجددا،ففتحت الباب وخرجت إليهما وهي تقول:
ـ "أدهم" نائم ولا يرغب برؤية أحد.
ثم سمعت صوتاً خلفها يقول بجفاء:
ـ أنت مخطئة.
فالتفتت للوراء،ورأت "أدهم" يقف مستعينا بالعكاز، وساعده الأيمن مثني على صدره ومغطى بالضماد، فقالت الأم في قلق شديد:
ـ لماذا نهضت يا "أدهم"؟
رد عليها ببرود:
ـ لأنك كذبت علي وأخبرتني أنه لم يأتي أحد لزيارتي، سأسمح لهما بالدخول.
صرخت والدته في وجهه قائلة:
ـ كلا سأسمح لشخص واحد فقط.
وجه "ادهم" عينيه نحو "دينا" وهي تحدق به في حزن، فقال لها:
ـ تعالي إلى هنا "دينا".
إقتربت "دينا" بخطوات مرتبكة،حتى وصلت إليه ثم قال لوالدته:
ـ دعينا لوحدنا رجاء.
دخل وقام بإغلاق الباب، وضع "مازن " يده على رأسه وقال:
ـ لقد نسيا بأني موجود هنا.
قامت "دينا" بمساعدة "أدم" على الجلوس على سريره وهي تقول:
ـ ما كان عليك أن ترهق نفسك.
قال لها بصوت منخفض:
ـ أردت رؤيتك في أقرب وقت.
شكت "دينا" في الجملة التي قالها لأنها لم تستطع سماعها بوضوح فقالت:
ـ ماذا؟
وضع "أدهم" رأسه على الوساده وهو يقول:
ـ لا شئ مهم.
ثم تابع كلامه قائلا بتسائل:
ـ ما آخر التطورات في الجامعة؟
ارتبكت "دينا" من سؤاله فلم تكن تتوقع أن يسألها بهذه السرعة، فقالت في تردد:
ـ لم يحدث شئ مطلقا.
أدار رأسه إليها قائلا بتسائل:
ـ حقا؟
لم تتمكن "دينا" من إجابته هذه المرة، وفضلت تغيير الموضوع بقولها:
ـ الجميع ينتظرون خروجك من هنا.
أغمض "أدهم" عينيه وقال بصوت مرهق:
ـ أنا سعيد لأنك هنا.
ووضع يده على كفها، واتسعت شفتيه قائلا:
ـ أتعلمين؟ يدك باردة جداً.
وفتح عينيه متابعا كلامه:
ـ عندما أستيقظت، إرتسمت صورتك في مخيلتي عندما سقطت على الأرض.
شعرت "دينا" بتعب "أدهم" وقالت في قلق وتوسل:
ـ أرجوك توقف عن الكلام، تبدو متعبا جدا.
بدأ العرق يتصبب من جبينه ويتنفس بصعوبة،فمدت ينا" يدها ووضعتها على جبهته وارتجفت قائلة:
ـ لقد أصبت بالحمة.
وحين نهضت لتستدعي الطبيب، أمسك بمعصمها وقال:
ـ لا تذهبي.
عقدت "دينا" حاجبيها وقالت في غضب:
ـ ما الذي تقوله؟ حالتك سيئة.
وأبعدت يده على معصمها وخرجت من الغرفة، فقال في ضيق:
ـ تبا، لماذا الآن؟
في ذلك الوقت، دخلت "نورا" إلى غرفة المعيشة في بيتهم، حيث يتجمع كل أفراد الأسرة هناك، فجلست على الأريكة وسط حوارات عائلتها ،ثم قالت موجهتا كلامها للجميع:
ـ هل يمكنكم الإصغاء إلي لبعض الوقت؟
قالت لها والدتها بعدما سكت الجميع:
ـ ما الأمر يا "نورا"؟
صمتت "نورا" قليلاً لأنها كانت مترددة، لكنها إستجمعت قوتها وقالت:
ـ أريد شراء سيارة خاصة بي.
ظهرت علامات الذهول على كل الجالسين هناك، ثم أطلق شقيقها "احمد" ضحكة ساخرة وقال:
ـ تريدين سيارة؟ لا بد أنك تمزحين.
وضحك الجميع عليها وصرخ الأب قائلا:
ـ إصمتوا جميعاً.
رفعت "نورا" رأسها ونظرت إلى والدها بإستغراب وهو يقول بجدية:
ـ من حق "نورا" أن تطلب ما تريده، هي لم تعد صغيرة، إذا كانت تريد سيارة فسأشتري لها.
نهض "احمد" وقال بغضب وضيق:
ـ لماذا؟هي لديها سائق يوصلها إلى المكان الذي تريده.
ردت عليه "نورا":
ـ إنه ليس سائقي الخاص، كما أنه يتأخر علي أحيانا وأنا بالجامعة وأضطر إلى العودة مع زميلاتي.
إقترب الأب منها وقال بحنان وهو يضع كفه على كتفها:
ـ لا داعي للقلق، سأعلمك كيف تقودين السيارة ثم أشتري لك أي نوع تريدينه.
عندما يتكلم والدها لا يستطيع أحد مناقشته لذلك تضايق "احمد" وكان الشخص الوحيد الذي يعارض هذا الأمر.
رن هاتف "سما" في تلك اللحظة، فنظرت إلى الرقم وقالت بإستغراب:
ـ رقم غريب؟
وعندما قامت بالضغط على زر الإجابة، أغلق "محمد" الهاتف لأنه هو من كان يتصل ، كان يجلس على الأريكة في غرفته وعندما أغلق الخط قال في ضيق:
ـ لماذا أتصل عليها؟
ورمى بالهاتف ووقف أمام النافدة ونظر إلى القمر ،وقال:
ـ إذا أردت التحدث إليها،سأذهب بنفسي.
كانت "سما" تقرأ قصة في هاتفها النقال،ثم أغلقته ووضعته على الطاولة وفكرت من كان يتصل وتنهدت قائلة:
ـ لا يهـم.
وسمعت صوت رنة وصول رسالة جديدة،وفتحتها واتسعت شفتيها من شدة الضيق لأن المكتوب في الرسالة كان:
" ادهم ليس على ما يرام، قد يبقى لمدة أسبوعين في المستشفى،إدعوا له بالشفاء العاجل".
أخفضت "سما" رأسها وقالت بحزن:
ـ كم هذا مؤسف، أتمنى له الشفاء.
اتجه "سيف" إلى المستشفى وحين وصل سأل أحد الأطباء عن غرفة "أدهم" فأخبروه ،وقف عند الباب ودخل ، شعر بدخول أحد فجلس متكئا بظهره على السرير وتغيرت ملامح وجهه عندما رأى "سيف" يقترب منه فقال في ضيق :
ـ ما الذي تفعله هنا يا هذا؟
أجابه بسخريه مبتسما :
ـ جئت لأطمئن على ابن عمي العزيز .
ثم أزال "سيف" ابتسامته وعقد حاجبيه قائلا :
ـ وجودك هنا في المستشفى سبب لغيرك الكثير من المتاعب .
سأله "أدهم" في استغراب :
ـ ما الذي تقصده ؟
جلس "سيف" على السرير بجانبه واجابه قائلا :
ـ يالك من فتى ! تتظاهر بأنك لا تعرف .
صرخ "أدهم" في وجهه قائلا:
ـ قلت لك اخبرني .
إلتفت إليه " سيف" وقال له بعصبية بالغة :
ـ لقد تم حرمان "مروان" من الحضور إلى الجامعة لمدة أسبوع كامل بسببك انت .
إتسعت عيني "أدهم" وقال في ذهول :
ـ ماذا ؟ مستحيل .
نهض "سيف" من على السرير وأدخل يده في جيب بنطاله وقال :
ـ عليك أن تحل هذه المشكلة بسرعة أيها الأحمق .
بعدما خرج "سيف" بدا وجه "أدهم" شاحبا للغاية وارتجفت شفتيه وهو يقول :
ـ لا أصدق ذلك .
في صباح اليوم التالي , التقط "أدهم" عكازه بعد ما أحس أن صحته قد تحسنت ، وغير ملابسه بصعوبة، وأستغل عدم وجود أحد عنده وخرج من المستشفى، وأوقف سيارة أجرة ليتجه إلى الجامعة،وحين وصوله إلى هناك،كان يسير في ساحة الجامعة والجميع ينظرون إليه،وبالمصادفة رآه "مازن" وركض نحوه ثم قال في إندهاش:
ـ لماذا أتيت إلى هنا؟
أجابه "أدهم" بجفاء:
ـ لكي أصحح الخطأ الذي أرتكبته.
إستغرب "مازم" ولم يفهم ما قصده وسأله قائلاً:
ـ أي خطأ؟
مر "أدهم" من عنده وهو يقول:
ـ سأخبرك لاحقا.
في تلك اللحظة، عند المنزل فتحت "سما" باب السيارة للركوب فسمعت شخصا يقول لها:
ـ يا آنسة؟
التفتت "سما" ورأت "محمد" يقف بجانب السيارة فسألته قائلة:
ـ ما الذي تريده؟
مد يده إليها وهو يحمل ورقة بيضاء صغيرة وقال:
ـ جئت لأعيد لك هذا.
حدقت "سما" بالورقة فابتسمت قائلة وهي تنظر إليه:
ـ يمكنك الإحتفاظ به.
سكت "محمد" لبعض الوقت ثم قال:
ـ لكن لماذا؟
إقتربت "سما" منه بعدما قامت بإغلاق باب السيارة ثم قالت بلطف:
ـ لأنني أريد أن نصبح أصدقاء،ما رأيك؟
تفاجئ "محمد" من هذه الجملة وقال بارتباك:
ـ لا بأس بذلك، لكن...
قاطعته قائلة بكل سرور:
ـ بدون لكن، أخبرني ما أسمك؟
أجابها بهدوء:
ـ "محمد" وأنت؟
قالت له بإبتسامة متفائلة:
ـ "سما".
ثم نظرت إلى الساعة وقالت في قلق شديد:
ـ يا إلهي سأتأخر عن الجامعة.
ورفعت يدها ملوحة لها وهي تتابع كلامها:
ـ أراك لاحقا"محمد".
وفي السيارة، قلبت "سما" هاتفها وتوقفت عند الرقم الذي اتصل بها في الليلة الماضية وقالت:
ـ لا بد بأنه كان هو "محمد" لا أعلم لماذا؟ لكني أشعر بأنه شاب طيب ووحيد.
وقف "أدهم" أمام عميد الجامعة وقال بصوت جاد:
ـ أريد منك أن تلغي قرار حرمان "مروان" من الحضور إلى الجامعة.
إرتدى العميد نظارته وقال وهو ينظر إليه:
ـ ألا تعلم بأن "مروان" هو من طلب مني ذلك؟
عض "أدهم" شفتيه وصرخ في وجه العميد قائلا في غضب:
ـ ألم يكن من المفروض أن تمنعه من فعل ذلك؟ يالك من عميد مهمل.
ضرب العميد بيده على المكتب وقال متضايقا:
ـ حسن ألفاظك يا هذا، وإلا قمت بفصلك.
ابتسم "أدهم" قائلا في سخرية:
ـ إذا فعلت هذا، سوف أشتكي إلى من هم أكبر منك منصبا، وعندها ستتعلم بالتأكيد.
أدار "أدهم" ظهره إليه فسمع العميد يقول له:
ـ سأكلم عائلة "مروان" وأسمح له بالعودة إلى الجامعة إبتداء من الغد.
بعد هذا، تأكد "أدهم" بأن العميد ذا شخصية ضعيفة وباردة، لذلك إنحنى أمامه ورحل عائدا إلى المستشفى.
نهضت "دينا" من على الكرسي بسرعة وقالت في قلق:
ـ "ادهم" كان هنا.
أخبرها "مازن" بقدومه وأنه قد عرف بأن "مروان" قام بتحمل كامل المسؤولية وظن الجميع بأن "دينا" هي من أخبرته بذلك.
إلتفوا الجميع حول "دينا" لمعرفة حقيقة هذا الأمر، فقالت "تالين" مدافعة عنها:
ـ من المستحيل أن تكون "دينا" قد اخبرته، فكما تعلمون هي أكثر شخص يعلم بحالته.
ردت عليها "هند":
ـ لكن "دينا" هي الوحيدة التي قامت بزيارته.
في وسط هذا الجدال، قالت "دينا" وعيناها تمتلئ غضبا:
ـ لا يهمني سواء صدقتم أو لم تصدقوا،كل ما اريد قوله الآن هو شيء واحد.
وصمتت قليلا ثم قالت متابعة كلامها:
ـ يمكنكم إتهامي إذا كان لديكم دليل واضح على أنني من فعل هذا.
إبتسمت "ملك" في وجه "دينا" قائلة بطيبة:
ـ أنا أصدقك "دينا".
تراجعوا جميعا عن ما قالوا، وردت "نورا" قائلة:
ـ أنا أيضا أثق بـ "دينا".
وضعت "سما" كفها على خدها وقالت بإنزعاج:
ـ إذن يتوجب علينا إيجاد الفاعل بأسرع وقت.
وقفت "تالين" بجانب "دينا" وهي تضع يدها على كتفها وقالت:
ـ أرأيتي؟ الجميع هنا وضع ثقته بك، لذا علينا أن نتعاون على إيجاد ذلك الشخص.
في تلك الأثناء، خرج "مازن" من غرفته،واتجه إلى الأسفل، وبالمصادفة كانت والدته على وشك الصعود إليه، لذا عندما رأته،قالت بسعادة:
ـ "مازم" لقد إتصل عميد الجامعة بي، وأخبرني بأنك تستطيع العودة إلى الجامعة إبتداء من الغد.
رفع "مازن" حاجبيه وقال متعجبا:
ـ ماذا؟ هل أنت جادة؟
هزت الأم رأسها وقالت وهي تقف أمامه مباشرة:
ـ نعم، قال بأن هناك شابا يدعى "أدهم" جاء إليه اليوم وطلب منه إلغاء هذا القرار نهائيا.
اتسعت عيني "مازن" وهو يقول:
ـ "أدهم" لكن كيف عرف ذلك؟
وقف "سيف" أمام حوض للزهور بالجامعة، وجلس أمامه، وبالمصادفة رأته "ملك" وهو يخرج سكينا من جيبه ويقطف الزهرة، فتسمرت في مكانها وتذكرت ذلك اليوم، حين رأت مع البقية أن الحبل قد قطع بسكين فأقتربت منه ووقفت بجانبه وقالت متسائلة:
ـ ما الذي تفعله هنا؟
نهض "سيف" من على الأرض ومد يده حاملا الزهرة وهو يقول مبتسما:
ـ لقد قطفت هذه لك أعلم بأنك تحبين هذا النوع كثيرا لذا..
قاطعته قائلة بجفاء:
ـ لا يمكنني أن أقبل هدية من شخص حقير.
حرك "سيف" شفتيه قائلا بإستغراب:
ـ ماذا؟
نظرت إليه "ملك" ونار الغضب تشتعل في عينيها وردت عليه قائلة:
ـ أنت من أسقط "أدهم" من الطابق الثاني، ولابد بأنك الشخص الذي أخبره عن "مازن" أليس كذلك؟
أبعد "سيف" يده وأخفض رأسه قائلا ببرود:
ـ لن أكذب عليك، صحيح،أنا من فعل هذا.
لم تتمالك "ملك" أعصابها وقامت بصفعه على وجهه وعيناها ممتلئتان بالدموع،وصرخت في وجهه قائلة:
ـ وتعترف أيضا،لقد خيبت ظني بك كثيرا.
وسقطت دمعة على خدها وهي تقول بصوت باكي:
ـ إعتبر أن علاقتنا إنتهت منذ هذه اللحظة.
ـ هذه هي غرفته.
ثم قام بدق الباب، ففتحت له والدة "أدهم" وقالت بتسائل:
ـ ما الذي تريده؟
أجابها "مازن" بطيبة:
ـ نريد رؤية "أدهم" نحن أصدقائه من الجامعة.
أُغلقت الباب في وجه "مازن" فغضب كثيرا ودق الباب مجددا،ففتحت الباب وخرجت إليهما وهي تقول:
ـ "أدهم" نائم ولا يرغب برؤية أحد.
ثم سمعت صوتاً خلفها يقول بجفاء:
ـ أنت مخطئة.
فالتفتت للوراء،ورأت "أدهم" يقف مستعينا بالعكاز، وساعده الأيمن مثني على صدره ومغطى بالضماد، فقالت الأم في قلق شديد:
ـ لماذا نهضت يا "أدهم"؟
رد عليها ببرود:
ـ لأنك كذبت علي وأخبرتني أنه لم يأتي أحد لزيارتي، سأسمح لهما بالدخول.
صرخت والدته في وجهه قائلة:
ـ كلا سأسمح لشخص واحد فقط.
وجه "ادهم" عينيه نحو "دينا" وهي تحدق به في حزن، فقال لها:
ـ تعالي إلى هنا "دينا".
إقتربت "دينا" بخطوات مرتبكة،حتى وصلت إليه ثم قال لوالدته:
ـ دعينا لوحدنا رجاء.
دخل وقام بإغلاق الباب، وضع "مازن " يده على رأسه وقال:
ـ لقد نسيا بأني موجود هنا.
قامت "دينا" بمساعدة "أدم" على الجلوس على سريره وهي تقول:
ـ ما كان عليك أن ترهق نفسك.
قال لها بصوت منخفض:
ـ أردت رؤيتك في أقرب وقت.
شكت "دينا" في الجملة التي قالها لأنها لم تستطع سماعها بوضوح فقالت:
ـ ماذا؟
وضع "أدهم" رأسه على الوساده وهو يقول:
ـ لا شئ مهم.
ثم تابع كلامه قائلا بتسائل:
ـ ما آخر التطورات في الجامعة؟
ارتبكت "دينا" من سؤاله فلم تكن تتوقع أن يسألها بهذه السرعة، فقالت في تردد:
ـ لم يحدث شئ مطلقا.
أدار رأسه إليها قائلا بتسائل:
ـ حقا؟
لم تتمكن "دينا" من إجابته هذه المرة، وفضلت تغيير الموضوع بقولها:
ـ الجميع ينتظرون خروجك من هنا.
أغمض "أدهم" عينيه وقال بصوت مرهق:
ـ أنا سعيد لأنك هنا.
ووضع يده على كفها، واتسعت شفتيه قائلا:
ـ أتعلمين؟ يدك باردة جداً.
وفتح عينيه متابعا كلامه:
ـ عندما أستيقظت، إرتسمت صورتك في مخيلتي عندما سقطت على الأرض.
شعرت "دينا" بتعب "أدهم" وقالت في قلق وتوسل:
ـ أرجوك توقف عن الكلام، تبدو متعبا جدا.
بدأ العرق يتصبب من جبينه ويتنفس بصعوبة،فمدت ينا" يدها ووضعتها على جبهته وارتجفت قائلة:
ـ لقد أصبت بالحمة.
وحين نهضت لتستدعي الطبيب، أمسك بمعصمها وقال:
ـ لا تذهبي.
عقدت "دينا" حاجبيها وقالت في غضب:
ـ ما الذي تقوله؟ حالتك سيئة.
وأبعدت يده على معصمها وخرجت من الغرفة، فقال في ضيق:
ـ تبا، لماذا الآن؟
في ذلك الوقت، دخلت "نورا" إلى غرفة المعيشة في بيتهم، حيث يتجمع كل أفراد الأسرة هناك، فجلست على الأريكة وسط حوارات عائلتها ،ثم قالت موجهتا كلامها للجميع:
ـ هل يمكنكم الإصغاء إلي لبعض الوقت؟
قالت لها والدتها بعدما سكت الجميع:
ـ ما الأمر يا "نورا"؟
صمتت "نورا" قليلاً لأنها كانت مترددة، لكنها إستجمعت قوتها وقالت:
ـ أريد شراء سيارة خاصة بي.
ظهرت علامات الذهول على كل الجالسين هناك، ثم أطلق شقيقها "احمد" ضحكة ساخرة وقال:
ـ تريدين سيارة؟ لا بد أنك تمزحين.
وضحك الجميع عليها وصرخ الأب قائلا:
ـ إصمتوا جميعاً.
رفعت "نورا" رأسها ونظرت إلى والدها بإستغراب وهو يقول بجدية:
ـ من حق "نورا" أن تطلب ما تريده، هي لم تعد صغيرة، إذا كانت تريد سيارة فسأشتري لها.
نهض "احمد" وقال بغضب وضيق:
ـ لماذا؟هي لديها سائق يوصلها إلى المكان الذي تريده.
ردت عليه "نورا":
ـ إنه ليس سائقي الخاص، كما أنه يتأخر علي أحيانا وأنا بالجامعة وأضطر إلى العودة مع زميلاتي.
إقترب الأب منها وقال بحنان وهو يضع كفه على كتفها:
ـ لا داعي للقلق، سأعلمك كيف تقودين السيارة ثم أشتري لك أي نوع تريدينه.
عندما يتكلم والدها لا يستطيع أحد مناقشته لذلك تضايق "احمد" وكان الشخص الوحيد الذي يعارض هذا الأمر.
رن هاتف "سما" في تلك اللحظة، فنظرت إلى الرقم وقالت بإستغراب:
ـ رقم غريب؟
وعندما قامت بالضغط على زر الإجابة، أغلق "محمد" الهاتف لأنه هو من كان يتصل ، كان يجلس على الأريكة في غرفته وعندما أغلق الخط قال في ضيق:
ـ لماذا أتصل عليها؟
ورمى بالهاتف ووقف أمام النافدة ونظر إلى القمر ،وقال:
ـ إذا أردت التحدث إليها،سأذهب بنفسي.
كانت "سما" تقرأ قصة في هاتفها النقال،ثم أغلقته ووضعته على الطاولة وفكرت من كان يتصل وتنهدت قائلة:
ـ لا يهـم.
وسمعت صوت رنة وصول رسالة جديدة،وفتحتها واتسعت شفتيها من شدة الضيق لأن المكتوب في الرسالة كان:
" ادهم ليس على ما يرام، قد يبقى لمدة أسبوعين في المستشفى،إدعوا له بالشفاء العاجل".
أخفضت "سما" رأسها وقالت بحزن:
ـ كم هذا مؤسف، أتمنى له الشفاء.
اتجه "سيف" إلى المستشفى وحين وصل سأل أحد الأطباء عن غرفة "أدهم" فأخبروه ،وقف عند الباب ودخل ، شعر بدخول أحد فجلس متكئا بظهره على السرير وتغيرت ملامح وجهه عندما رأى "سيف" يقترب منه فقال في ضيق :
ـ ما الذي تفعله هنا يا هذا؟
أجابه بسخريه مبتسما :
ـ جئت لأطمئن على ابن عمي العزيز .
ثم أزال "سيف" ابتسامته وعقد حاجبيه قائلا :
ـ وجودك هنا في المستشفى سبب لغيرك الكثير من المتاعب .
سأله "أدهم" في استغراب :
ـ ما الذي تقصده ؟
جلس "سيف" على السرير بجانبه واجابه قائلا :
ـ يالك من فتى ! تتظاهر بأنك لا تعرف .
صرخ "أدهم" في وجهه قائلا:
ـ قلت لك اخبرني .
إلتفت إليه " سيف" وقال له بعصبية بالغة :
ـ لقد تم حرمان "مروان" من الحضور إلى الجامعة لمدة أسبوع كامل بسببك انت .
إتسعت عيني "أدهم" وقال في ذهول :
ـ ماذا ؟ مستحيل .
نهض "سيف" من على السرير وأدخل يده في جيب بنطاله وقال :
ـ عليك أن تحل هذه المشكلة بسرعة أيها الأحمق .
بعدما خرج "سيف" بدا وجه "أدهم" شاحبا للغاية وارتجفت شفتيه وهو يقول :
ـ لا أصدق ذلك .
في صباح اليوم التالي , التقط "أدهم" عكازه بعد ما أحس أن صحته قد تحسنت ، وغير ملابسه بصعوبة، وأستغل عدم وجود أحد عنده وخرج من المستشفى، وأوقف سيارة أجرة ليتجه إلى الجامعة،وحين وصوله إلى هناك،كان يسير في ساحة الجامعة والجميع ينظرون إليه،وبالمصادفة رآه "مازن" وركض نحوه ثم قال في إندهاش:
ـ لماذا أتيت إلى هنا؟
أجابه "أدهم" بجفاء:
ـ لكي أصحح الخطأ الذي أرتكبته.
إستغرب "مازم" ولم يفهم ما قصده وسأله قائلاً:
ـ أي خطأ؟
مر "أدهم" من عنده وهو يقول:
ـ سأخبرك لاحقا.
في تلك اللحظة، عند المنزل فتحت "سما" باب السيارة للركوب فسمعت شخصا يقول لها:
ـ يا آنسة؟
التفتت "سما" ورأت "محمد" يقف بجانب السيارة فسألته قائلة:
ـ ما الذي تريده؟
مد يده إليها وهو يحمل ورقة بيضاء صغيرة وقال:
ـ جئت لأعيد لك هذا.
حدقت "سما" بالورقة فابتسمت قائلة وهي تنظر إليه:
ـ يمكنك الإحتفاظ به.
سكت "محمد" لبعض الوقت ثم قال:
ـ لكن لماذا؟
إقتربت "سما" منه بعدما قامت بإغلاق باب السيارة ثم قالت بلطف:
ـ لأنني أريد أن نصبح أصدقاء،ما رأيك؟
تفاجئ "محمد" من هذه الجملة وقال بارتباك:
ـ لا بأس بذلك، لكن...
قاطعته قائلة بكل سرور:
ـ بدون لكن، أخبرني ما أسمك؟
أجابها بهدوء:
ـ "محمد" وأنت؟
قالت له بإبتسامة متفائلة:
ـ "سما".
ثم نظرت إلى الساعة وقالت في قلق شديد:
ـ يا إلهي سأتأخر عن الجامعة.
ورفعت يدها ملوحة لها وهي تتابع كلامها:
ـ أراك لاحقا"محمد".
وفي السيارة، قلبت "سما" هاتفها وتوقفت عند الرقم الذي اتصل بها في الليلة الماضية وقالت:
ـ لا بد بأنه كان هو "محمد" لا أعلم لماذا؟ لكني أشعر بأنه شاب طيب ووحيد.
وقف "أدهم" أمام عميد الجامعة وقال بصوت جاد:
ـ أريد منك أن تلغي قرار حرمان "مروان" من الحضور إلى الجامعة.
إرتدى العميد نظارته وقال وهو ينظر إليه:
ـ ألا تعلم بأن "مروان" هو من طلب مني ذلك؟
عض "أدهم" شفتيه وصرخ في وجه العميد قائلا في غضب:
ـ ألم يكن من المفروض أن تمنعه من فعل ذلك؟ يالك من عميد مهمل.
ضرب العميد بيده على المكتب وقال متضايقا:
ـ حسن ألفاظك يا هذا، وإلا قمت بفصلك.
ابتسم "أدهم" قائلا في سخرية:
ـ إذا فعلت هذا، سوف أشتكي إلى من هم أكبر منك منصبا، وعندها ستتعلم بالتأكيد.
أدار "أدهم" ظهره إليه فسمع العميد يقول له:
ـ سأكلم عائلة "مروان" وأسمح له بالعودة إلى الجامعة إبتداء من الغد.
بعد هذا، تأكد "أدهم" بأن العميد ذا شخصية ضعيفة وباردة، لذلك إنحنى أمامه ورحل عائدا إلى المستشفى.
نهضت "دينا" من على الكرسي بسرعة وقالت في قلق:
ـ "ادهم" كان هنا.
أخبرها "مازن" بقدومه وأنه قد عرف بأن "مروان" قام بتحمل كامل المسؤولية وظن الجميع بأن "دينا" هي من أخبرته بذلك.
إلتفوا الجميع حول "دينا" لمعرفة حقيقة هذا الأمر، فقالت "تالين" مدافعة عنها:
ـ من المستحيل أن تكون "دينا" قد اخبرته، فكما تعلمون هي أكثر شخص يعلم بحالته.
ردت عليها "هند":
ـ لكن "دينا" هي الوحيدة التي قامت بزيارته.
في وسط هذا الجدال، قالت "دينا" وعيناها تمتلئ غضبا:
ـ لا يهمني سواء صدقتم أو لم تصدقوا،كل ما اريد قوله الآن هو شيء واحد.
وصمتت قليلا ثم قالت متابعة كلامها:
ـ يمكنكم إتهامي إذا كان لديكم دليل واضح على أنني من فعل هذا.
إبتسمت "ملك" في وجه "دينا" قائلة بطيبة:
ـ أنا أصدقك "دينا".
تراجعوا جميعا عن ما قالوا، وردت "نورا" قائلة:
ـ أنا أيضا أثق بـ "دينا".
وضعت "سما" كفها على خدها وقالت بإنزعاج:
ـ إذن يتوجب علينا إيجاد الفاعل بأسرع وقت.
وقفت "تالين" بجانب "دينا" وهي تضع يدها على كتفها وقالت:
ـ أرأيتي؟ الجميع هنا وضع ثقته بك، لذا علينا أن نتعاون على إيجاد ذلك الشخص.
في تلك الأثناء، خرج "مازن" من غرفته،واتجه إلى الأسفل، وبالمصادفة كانت والدته على وشك الصعود إليه، لذا عندما رأته،قالت بسعادة:
ـ "مازم" لقد إتصل عميد الجامعة بي، وأخبرني بأنك تستطيع العودة إلى الجامعة إبتداء من الغد.
رفع "مازن" حاجبيه وقال متعجبا:
ـ ماذا؟ هل أنت جادة؟
هزت الأم رأسها وقالت وهي تقف أمامه مباشرة:
ـ نعم، قال بأن هناك شابا يدعى "أدهم" جاء إليه اليوم وطلب منه إلغاء هذا القرار نهائيا.
اتسعت عيني "مازن" وهو يقول:
ـ "أدهم" لكن كيف عرف ذلك؟
وقف "سيف" أمام حوض للزهور بالجامعة، وجلس أمامه، وبالمصادفة رأته "ملك" وهو يخرج سكينا من جيبه ويقطف الزهرة، فتسمرت في مكانها وتذكرت ذلك اليوم، حين رأت مع البقية أن الحبل قد قطع بسكين فأقتربت منه ووقفت بجانبه وقالت متسائلة:
ـ ما الذي تفعله هنا؟
نهض "سيف" من على الأرض ومد يده حاملا الزهرة وهو يقول مبتسما:
ـ لقد قطفت هذه لك أعلم بأنك تحبين هذا النوع كثيرا لذا..
قاطعته قائلة بجفاء:
ـ لا يمكنني أن أقبل هدية من شخص حقير.
حرك "سيف" شفتيه قائلا بإستغراب:
ـ ماذا؟
نظرت إليه "ملك" ونار الغضب تشتعل في عينيها وردت عليه قائلة:
ـ أنت من أسقط "أدهم" من الطابق الثاني، ولابد بأنك الشخص الذي أخبره عن "مازن" أليس كذلك؟
أبعد "سيف" يده وأخفض رأسه قائلا ببرود:
ـ لن أكذب عليك، صحيح،أنا من فعل هذا.
لم تتمالك "ملك" أعصابها وقامت بصفعه على وجهه وعيناها ممتلئتان بالدموع،وصرخت في وجهه قائلة:
ـ وتعترف أيضا،لقد خيبت ظني بك كثيرا.
وسقطت دمعة على خدها وهي تقول بصوت باكي:
ـ إعتبر أن علاقتنا إنتهت منذ هذه اللحظة.