الفصل الخامس

وضع "سمير" يده على كتف "مروان" وقال مبتسما:
ـ سأساعدك في عمل ذلك.
وفقاً للخطة التي وضعها "مروان" ابتعد الجميع عن النافذة, عندما هبط الظلام ، قام "سمير" بحمل الكرسي ورماه إلى النافذة وعندما كسر الزجاج دخل هواء قوي من الخارج وتناثرت قطع الزجاج في أرجاء الغرفة.

وقف "مروان" على حافة النافذة والتفت للخلف قائلا:
ـ "سمير"،"سيف"،"أدهم" اهتموا بالبقية.

ونزل مستعيناً بالأجزاء البارزة من الجدار المقابل، ومشى ببطء حتى وصل إلى الأرض ولوح لهم وذهب،عم الهدوء أرجاء المكان ولم يسمع سوى صوت حشرات الليل، قالت "ملك" في قلق:
ـ أنا قلقة، سيقلق والداي لأنني تأخرت.
قال لها "سيف" بهدوء:
ـ لا داعي للقلق ما دمت معك، أخبريني هل تريدين العودة إلى المنزل الآن؟
قالت "ملك" في تعجب:
ـ كيف ذلك؟ علينا أن ننتظر عودة "مروان".
أخفض "سيف" صوته وقال:
ـ أنا لا أثق بذلك الشاب.
قاطعت "ملك" كلامه وقالت بغضب:
ـ لن أخرج إلا مع الجميع.




وصل "مروان" إلى منزله وبحث عن حبل طويل ووجد واحدا في غرفته بعد عناء البحث،في تلك اللحظة وقف "سيف" قائلا:
ـ أنا لم أعد أحتمل الإنتظار،سآخذ "ملك" وأخرج من هنا.
وضع "أدهم" يده على خده وهو يتكئ على الطاولة وقال:
ـ أناني كعادتك، لكن كيف ستخرج أيها الذكي؟
إقترب "سيف" منه قائلا بعصبية:
ـ سأخرج بالطريقة التي تعجبني،هذا ليس من إختصاصك.

شعر "أدهم" بالغضب من تصرفاته فنهض قائلا:
ـ أناني وحقير أيضا،لا تفكر إلا بنفسك.
قام "سيف" بلكم "أدهم" بقوة أسقطته أرضا، فنهض بسرعة ليردها له لكن صوت "ملك" أوقفهما وقالت وهي تقف وسطهما:
ـ أنتما،ألا تقدران الحالة التي نحن بها؟
التفتت إلى "سيف" وقالت بحزن:
ـ لقد خيبة أملي يا "سيف".
وعادت إلى مكانها ولم ينطق أحد بكلمة حتى سمعوا صوت "مروان" وهو يقول بسعادة:
ـ لقد عدت،هيا استعدوا للنزول.

قام "مروان" برمي الحبل فالتقطه "سمير" وربطه في إحدى زوايا الغرفة،مد "سيف" يده إلى "ملك" فتجاهلته ونهضت مبتعدة عنه،ونزلوا واحدا تلو الآخر،وكان "سيف" قبل "أدهم" فأخرج سكينة صغيرة من جيبه وقطع جزء من الحبل بدون أن يلاحظه أحد وحين نزل "أدهم" وتعدى المكان قطع الحبل وهو ما زال في نصف الطابق الثاني وسقط على ظهره في الأرض، تعالت صرخات الجميع وركضت "دينا" بإتجاهه وقالت:
ـ "أدهم" هل أنت بخير؟

فتح "أدهم" عينيه بصعوبة وقال بصوت متقطع:
ـ أنا، أنا.
ولم يشعر بنفسه بعد ذلك الحادث ونقل إلى المستشفى،في اللحظة التي سقط فيها "أدهم" اتسعت شفتي "سيف" مبتسما بوقاحة.


عادت "دينا" إلى المنزل في وقت متأخر، وكان والديها قلقان جدا عليها وحين أقترب منها سألتها والدتها عن سبب تأخرها
فأجابتها بجفاء:
ـ لقد حدثت أمور كثيرة لا رغبة لدي في قولها الآن.
احتضنتها والدتها بعطف وقالت بحنان:
ـ المهم أنك بخير.
دخلت "دينا" إلى غرفتها وتذكرت ذلك الحادث عندما وضعت حقيبتها على السرير، ثم استلقت وفرد شعرها الطويل على الوسادة ورفعت عينيها للأعلى وهي تقول:
ـ كيف؟ كيف حدث هذا؟
وأغمضت عينيها ونامت حتى صباح اليوم التالي.

في صباح اليوم التالي، تجمع الطلبة أمام ملصق في الجدار، وحين قرأت "سما" ما كتب فيه اتسعت عينيها وقالت باندهاش:
ـ "مروان" مستحيل.
وانطلقت مسرعة إلى القاعة،واتجهت إلى "تالين" و "دينا" وقالت لهما وهي تتنفس بصعوبة:
ـ هل قرأتم المكتوب في الملصق؟
استغربت "تالين" من طريقة "سما" في الكلام وسألتها:
ـ ما المكتوب فيه؟
أجابتها في سرعة وعيناها تشتعل غضبا:
ـ لقد تم حرمان "مروان" من الحضور إلى الجامعة لمدة أسبوع لأنه قام بإيذاء "أدهم".
شعرتا كلا من "دينا" و"تالين" بهالة من الخوف،وعقدت "تالين" حاجبيها وقالت وهي تقف بجدية:
ـ يجب أن نناقش الإدارة في هذا الأمر.

واتجهوا الثلاثة إلى عميد الجامعة،وأخبروه بكل ما حدث في الليلة الماضية، وأنه من الظلم حرمان "مروان" بدون دليل
يثبت أنه من فعل هذا، بل على العكس كان هو الشخص الوحيد الذي اهتم بأمر "أدهم" ورافقه إلى المستشفى.

وبعدما أنهوا كلامهم، عقد العميد يديه على المكتب وقال بنبرة حزينة:
ـ لكن ما لا تعلمونه هو أن "مروان" جاء إلي هذا الصباح وقال بأنه سيتحمل كامل المسؤولية بشرط ألا يعاقب البقية،لذلك تم حرمانه من دخول الجامعة لمدة أسبوع وهذا كله من أجلكم.

بعد هذه العبارة التزموا الصمت جميعا وغادروا الغرفة وهم يحملون في قلوبهم ألما كبيرا على "مروان" الذي أنقذهم من العقاب.

في ذلك الوقت،كان "مروان" حابسا نفسه في غرفته، ومتكئ بظهره على السرير، وقام بثني ركبتيه وبدا شاحبا للغاية
ولم يتمكن من النوم طوال الليل، ثم أغمض عينيه مسترجعا ذكريات ما حدث وما قاله الطبيب عن حالة "ادهم".

بعدما خرج الطبيب من غرفة "أدهم" سأله "مروان" عن حالته فأجابه قائلا:
ـ لقد كسرت ذراعه اليمنى وقدمه اليسرى مع بعض الجروح في بقية جسده وسيبقى هنا لمدة أسبوعين أوحتى تتحسن حالته.
قال "مروان" في ترجي:
ـ هل يمكنني رؤيته الآن؟
بينما كان الطبيب على وشك الرد سمعا صوت والدة "أدهم" تقول بصوت باكي:
ـ لن أسمح لأحد بالدخول إلى هنا، ارحل أيها الشاب ولا تريني وجهك مرة أخرى.
عض "مروان" شفتيه حين سمع هذه العبارة وهي ما جعلته يقوم بطلب ذلك من العميد، وفكر بأنه من المحتمل أن يكون
"أدم" بخير خلال أسبوع.

دقت والدة "مروان" باب غرفته وحاولت فتحه لكنها وجدته مغلقا من الداخل وسمعت "مروان" يقول بجفاء:
ـ هذا يكفي، كم مرة قلت لك لا أود رؤية أحد؟ دعيني وشأني.
قالت له والدته وهي تحمل الفطور :
ـ لكن يجب أن تأكل.
ووضعتها على الأرض، ثم غادرت.

جلست "هتد" بجانب "تالين" و "سما" ثم تبعها البقية وكانوا يتبادلون الأحاديث، وبقيت "دينا" في صمت غير طبيعي فوجهت"نورا" عينيها إليها وسألتها:
ـ "دينا" لماذا أنت صامتة؟
أجابتها بصوت جاف:
ـ لاشيء لكني لا أشعر برغبة في الكلام مطلقا.
لوح "مروان" بيده إليهم قائلا في مرح:
ـ مرحبا يا فتيات، كيف حالكم اليوم؟
ردت عليه "هند" قائلة:
ـ "مازن"نريد زيارة "أدهم".
أجابها في سرعة:
ـ لا يمكن ذلك.
ثم قالت متابعة كلامها:
ـ إذن "مروان".
قاطعها قائلا بنفس النبرة:
ـ لا يمكن أيضا.
سألته "ملك" مستغربة:
ـ لكن لماذا كل هذا؟
أجابها قائلا في ضيق شديد:
ـ والدة "أدهم" منعت عنه الزيارة، أما "مروان" فحبس نفسه في غرفته ولا يرغب برؤية أحد.
إمتلئت وجوه الجميع بالحزن، وظلوا صامتين لبعض الوقت، وقطعت "دينا" هذا الهدوء بقولها:
ـ سأذهب لزيارة "أدهم" بعد إنتهاء الدوام، من سيأتي معي؟
أجابها الجميع بصوت واحد:
ـ كلنا سنذهب معك.
ثم نظرت إلى "مازن" بجدية فهز كتفيه قائلا في استسلام:
ـ لا مفر من ذلك، سأوصلكم بنفسي.

خرجت "ملك" من القاعة بعدما اتفقت مع الجميع على الإلتقاء عند بوابة الجامعة عند إنتهاء الدوام، وبينما كانت تسير وقف "سيف" أمامها فرفعت بصرها ورمقته بنظرات غاضبة فقال لها في أسى:
ـ أريد التحدث معك .
قاطعته قائلة بجفاء:
ـ لا أريد، اعتذر عما فعلته أولا.
ومرت بجانبه من دون النظر إليه فقال بعصبية:
ـ أنا لم أفعل شيئا لكي أعامل منك بهذه الطريقة.
ابتسمت "ملك" في سخرية وقالت:
ـ بعد كل ما حدث، تقول لم أفعل شيئا.
إلتفت إليها "سيف" وقال بصوت بريء:
ـ أرجوك سأفعل أي شيء لإرضائك.
قالت له في سرعة:
ـ طلبي الوحيد هو أن تتصالح مع "أدهم".
سكت "سيف" وعقد حاجبيه قائلا:
ـ لا يمكنني ذلك.
أدارت "ملك" ظهرها إليه وابتعدت من دون أن تناقشه، فضرب بيده على الحائط بقوة وقال في داخل نفسه وهو يشتعل غضبا:
ـ "ادهم" لن أسامحك أبدا.

في تلك اللحظة، فتح "أدهم" عينيه وهو على السرير في المستشفى وتلفت حوله ببطء ولم يجد أحدا بجواره، فأخذ نفسا عميقا، ودخلت إليه والدته وركضت بإتجاهه قائلة بسعادة:
ـ "ادهم" حمدلله على سلامتك كيف تشعر الآن؟
إبتسم في وجه والدته وقال بإرتياح:
ـ أنا بخير، لكن ما الذي حدث؟
أجابته قائلة في إنزعاج:
ـ لقد سقطت من الطابق الثاني في الجامعة.
إرتسمت في مخيلة "أدهم" عدة أشياء، عندما قطع الحبل وسقط، وتذكر وجه "دينا" القلق عليه، فهمس بداخل نفسه قائلا:
ـ "دينا"ليتها كانت بجانبي الآن.

في تلك الأثناء، كان "محمد" منهمكا في ترتيب المحل، وحين أخذ ثوبا من الأرض سقطت منه ورقة فألتقطها واتسعت عينيه قائلا:
ـ هذا،إنه الرقم الذي أعطتني إياه تلك الفتاة.
فحاول التخلص منه، لكنه تردد وأدخلها إلى جيبه وأكمل عمله.

إلتقى "آدم" بـ "تالين" في حديقة الجامعة، فأتجه نحوها ورحب بها قائلا:
ـ أهلا لم أرك منذ فترة.
قالت "تالين" في سعادة:
ـ كيف حالك "آدم"؟
أجابها بكل مرح:
ـ أنا بخير، لكني أشعر بالملل، هل تمشين معي قليلا؟
قالت "تالين" وهي تشعر بالخجل:
ـ لا بأس.
وفي وسط حديثهما، حكت "تالين" له عما حدث في الليلة الماضي، وبعدما انتهت قال "آدم" بإستغراب:
ـ كل هذا حدث وأنا لا أعلم، وكيف حال "أدهم" الآن؟
أخفضت "تالين" رأسها وأجابته بحزن:
ـ أعتقد بأن حالته ليست جيدة، سنذهب لزيارته عند إنتهاء الدوام.


من جهة أخرى،كانت "نورا" تسير بمحاذاة ملعب كرة القدم، فقام أحد اللاعبين بركل الكرة بكل قوته وأتجهت إلى "نورا" فتسمرت في مكانها وجاء "سيف" راكضا وأبعدها عن الكرة ففتحت عينيها وهي في حضنه ورفعت رأسها ورأته يقول بعصبية:
ـ أنظر إلى أين ترمي الكرة يا هذا؟
بدا وجه "سيف" غاضبا جدا، فأبعدت "نورا" نفسها وحاول الإبتسام وهو يقول:
ـ هل أنت بخير؟
هزت رأسها مجيبة في خجل:
ـ نعم، شكراً لك "سيف".
ثم مر من عندها ووضع يده على كتفها وقال بهدوء:
ـ إنتبهي في المرة القادمة.
خجلت "نورا" كثيرا من هذا الموقف وظلت واقفة في مكانها بعض الوقت.


فتحت "ملك" خزانة كتبها في الجامعة، وبينما كانت تبحث تذكرت "سيف" وأشفقت عليه لكنها هزت رأسها نفيا وقالت بجدية:
ـ كلا، يجب أن يتغير "سيف" ويصفي قلبه من الحقد.
وأغلقت باب الخزانة بعدما أخرجت ما تريده، وعادت.


جلست "تالين" مع "آدم" تحت الشجرة وأجزاء من خيوط أشعة الشمس تغطي أجسادهم، قال "آدم" بصوت لطيف:
ـ كنت أتمنى إصطحابك معي اليوم.
سألته "تالين" بإستغراب:
ـ إلى أين؟
إتكئ "آدم" بظهره على جدع الشجرة ورفع رأسه قائلا:
ـ إلى أي مكان ترغبين برؤيته،هل تحبين البحر؟
هزت رأسها قائلة بسعادة:
ـ نعم، كثيرا انا أحب اللعب برمل الشاطئ وإغراق قدمي في..
وتوقفت عن الكلام حين رأت "آدم" يحدق بها بإبتسامة واسعة على شفتيه فأخفضت رأسها خجلا فقال لها في تعجب:
ـ لماذا توقفتي؟ أحب سماع المزيد منك.
أغمضت "تالين" عينيها وابتسمت قائلة:
ـ حسنا سأكمل.

إنتهى الدوام الجامعي، فعلى حسب الإتفاق تجمع الجميع عند البوابة، فقال "مازن" في إندهاش:
ـ هل ستذهبون جميعا؟
كان المتواجدين كلهم فتيات "تالين" و"دينا" و"نورا"و "سما" و"ملك" و"هند".
حاول "مازن" أن يكون جادا وقال:
ـ أنا آسف، لكني لا أستطيع أخذكم جميعاً إختاروا إثنتين فقط.
قالت "هند" في عصبية:
ـ لكننا أتفقنا على الذهاب جميعا.
رد "مازم" عليها بكل ثقة:
ـ أعلم هذا، لكن كما تعلمون والدة "ادهم" لن تسمح لنا بالدخول جميعا.
قالت "سما" بصوت هادئ:
ـ إذن ستذهب "دينا" فقط.
إتسعت عينا "دينا" وقالت بإندهاش:
ـ لماذا أنا؟
إبتسمت "سما" في مرح وهي تقول:
ـ أعتقد بأن "أدهم" يود رؤيتك أكثر منا.
ارتبكت "دينا" وسط عيون صديقاتها ثم استسلمت وقالت:
ـ حسنا، سوف أذهب.
تجمعوا جميعا حولها وقالت لها "ملك" بجدية:
ـ إياك ان تخبريه عما حدث مع "مروان".
وتابعت "نورا" عنها وهي تعقد ساعديها:
ـ نعم، لأن حالته لا تتحمل الصدمات.
صرخت "دينا" عليهم قائلة بصوت غاضب:
ـ بالطبع لن أخبره،هل أنا غبية؟
ركب "مازن" في سيارته وشغلها وركبت معه "دينا" وفتحت النافذة وقالت:
ـ سأخبركم بكل شيء لاحقا.

وفي الطريق،كانت "دينا" تشعر بقليل من التوتر، ثم طمئنها "مازن" قائلا:
ـ لا تقلقي،أعدك بأنك سترين "ادهم".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي