الفصل الثالث حب عاصم

كان عاصم يقف خلف غرفة خالته في المستشفى، لا تعلم عنبر ما الذي يفكر به في هذا الوقت، لكنها تستطيع أن ترى شروده، اقتربت منه بتردد:

-هل أنت على مايرام يا عاصم؟

نظر عاصم لها لبعض الوقت قبل أن يومأ، ترددت لكنها تابعت حديثها:

-أنا لم أكن أقصد مضايقتك أبدًا، كنت أحاول أن أهونها عليك لا أكثر.

اجابها عاصم وقد كان في مزاج سيء لا يسمح له بالحديث في أي شيء بالأخص في أمر منير:

-دعينا نؤجل هذا الحديث حتى نعود للمنزل يا عنبر، الوقت ليس مناسب، لكنني لن أنسى.

رأى جلال يقترب وقد ابتسم ما إن التقت عينيه بأعين عاصم، لم يبدي الآخر أي رد فعل بل بقى يحدق به وهو يتساءل ما الذي يريده منه وهو يعلم أنه لا يطيقه!

وقف جلال أمامه ومن ثم نظر إلى عنبر وأعاد النظر إليه:

-أتيت لأني أعرفك جيدًا وأعرف أنك لن تتأخر عن شخص يحتاج إلى مساعدتك يا عاصم، أنا أريدك أن تتحدث مع والدك وتستضيف غرام في منزلك، هي لا يوجد لديها مكان تذهب إليه الآن وكما تعلم هي مريضة.

تعجب عاصم بشده من طلبه ووقف يحدق به في حيرة، تابع جلال حديثه وهو ينظر إلى عنبر:

-تعلم أنا رجل أعزب ولا يمكنها البقاء في منزلي، بالطبع عرضت الأمر عليها وهي لم توافق، أظن أنها تستطيع أن تكون ونس لأختك أم أنني مخطأ؟!

وقف عاصم أمامه وكأنه يخشى من نظراته على عنبر، هو أكثر شخص يعرف نوايا جلال القذرة، لقد حدثت الكثير من المشاكل بسببه وبسبب مضايقته لنساء هذه القرية حتى وضع ناصر والد عاصم حد له ومن وقتها أصبح الجميع لا يحبه ولا يرغب في التعامل معه.

قاطع جلال شرود عاصم وهو يعلم كيف يجعله يوافق:

-على كل حال لا يوجد أمامها حل آخر إن لم توافق سوف تبقى الفتاة معي، اخبرتها أنني سوق أتحدث معك عندما طلبت مني هذا ما إن وقعت عينيها على عنبر والآن سوف أذهب لأصطحبها معي إلى المنزل.

استدار جلال ليغادر وهو يعلم جيدًا ما سيحدث، لن يتركها عاصم معه لتذهب إلى منزله، هو واثق من هذا كل الثقة، بالفعل لم يطول الأمر ووجد عاصم يناديه:

-انتظر يمكنك أن تخبرها أننا لا مانع لدينا، هي ستكون بأمان مع عنبر حتى تستعيد صحتها وتدبر مكان لها، المنزل كبير ولا يوجد مشكلة.

ابتسم جلال ومن ثم تدارك نفسه ليداري إبتسامته قبل أن يلتفت إلى عاصم من جديد وهو يومأ:

-حسنًا هذا جيد يا عاصم، سوف أذهب وأتحدث معها.

غادر جلال وهو يشعر بالسعادة، يتمنى أن تنتهي غرام من هذه المهمة ليخفيها عن كل شيء من بعدها ويتمكن من السيطرة على قرية آل سيوف، تخيل ما سيحدث وقد زاد الأمل أشتعالًا داخله، تخيل أنها الآن في جزيرة معه ولا أحد يعلم بطريقها سواه، لطالما عشقها، لقد وقع في حبها منذ خمس سنوات.

عشقها منذ أن كان عمرها عشرون عامًا وهي التي تمتنع عن الاقتراب منه حتى، هو يكبرها بأثنان وعشرون عامًا ويظن أن هذا هو العقبة الوحيدة بينه وبينها، دلف إلى الغرفة الخاصة بها في المستشفى، وجدها نائمة ولا تشعر بشيء حولها، اقترب ليجلس بجوارها وهو يتأمل وجهها بصمت، تحدث داخله:

-كان معي كل الحق في عشقكِ، لقد كانوا الجميع معهم كل الحق يا غرام، صاحبة أجمل وجه وأروع إبتسامة، صاحبة أعين مذهلة تكاد أن تقودني للجنون.

نظر تجاه الباب المغلق وارتسمت الإبتسامة الخبيثة على وجهه ليقترب منها بتمهل ويطبع قبلة على وجنتها، انتفض جسدها واعتدلت على الفور وهي ترمقه بغضب:

-ألم تتوقف عن أفعالك تلك؟ ألم تنضج أنت؟!

ابتسم جلال ببرود شديد وهو يحرك رأسه نافيًا:

-هذه القبلة مكافأة لي، هذا يعني أنها من حقي، لقد وافق عاصم أن تأتي معه عندما اخبرته أن لا مكان لكِ، قولت له أنكِ لا تريدي البقاء مع رجل أعزب مثلي وطلبتي مني أن أخبره بهذا عندما رأيتي معه عنبر، لقد كان التوقيت مناسب وتعبكِ أتى بفائدة لنا يا غرام.

نظرت له غرام للحظات وهي تحاول أن تدرك ما يحدث حولها بعد أن استيقظت فجأة على اقترابه:

-حسنًا يا جلال، لقد فهمت أنك فعلت الشيء ببساطة، أنا أشعر بالألم وأحتاج للنوم، هل سأنام هنا أم سأذهب إلى منزله الآن؟

فكر جلال قليلًا ومن ثم تحدث بحيرة شديدة:

-لا أعلم، هو لم يخبرني متى سوف يذهب، أظن أنه وافق على مضض، لطالما كان عاصم شاب مسؤول أكثر من أي شخص آخر، لذلك روح المسؤولية دفعته أن يوافق وبالطبع تعلمين خبث حبيبكِ وما يستطيع أن يفعله.

اومأت غرام وهي تبتسم وتفكر في مصائب جلال الذي تعرفها جيدًا، شعرت به يمسك بيدها وهو يتحدث برجاء:

-اعتني بنفسكِ يا غرام جيدًا، لا تجعليني أشعر بالقلق عليكِ أرجوكِ، لا أتحمل أن يحدث شيء لكِ.

نظرت إلى يده ومن ثم إلى عينيه التي شعرت بصدق حديثه من خلالهم، ابعدت يدها ليزفر بضيق شديد، تحدث بانفعال:

-لماذا تخافين من مسك يدي ليدكِ ما الذي سيصيبكِ إن قومتي بالتحدث معي بلين كما أفعل هل ستفقدين حياتكِ وقتها؟

ابعدت غرام عينيها وهي تشعر بالضيق الشديد:

-أنت تعلم أنني أشعر بالضيق من هذه الأفعال ولم اعتاد عليها معك أو مع غيرك.

حاوط جلال وجهها وهو يقترب منها بتمهل:

-أعرف هذا يا حبيبتي، ربما هذا ما يميزكِ عن الكثير، دعينا ننسى كل شيء ونبدأ معًا من جديد، أنا سوف أظل أحبكي بدون سبب وأنتِ ظلي تتمني لأحقق.

دفعته غرام بنفور شديد، لا تستطيع أن تتقبله وهذه الفكرة تبدو لها مستحيلة وليست صعبة وحسب، وجدته يصر على قربها منه ومازالت يديه تحيط بوجهها، أوشك على لمس شفتيها وقد ازداد ألم معدتها لتمتلأ عينيها بالدموع وهي تدفعه بغضب شديد:

-دعني يا جلال أرجوك، أشعر بالألم، لا تقترب أنت تغصبني.

انفعل جلال وهو يسحبها إليه وفي كل مرة ترفضه يجن جنونه:

-لن أترككي يا غرام، يكفي أنكِ سوف تبتعدين عني للكثير من الوقت، لا يهمني أي شيء بقدركِ أنتِ.

دفعت غرام وجهه وهي لا تطيق قربه منها، لكن في هذا الوقت وجدت جلال يبتعد عنها على الفور، اتسعت عينيها بعدم استيعاب عندما وجدت عاصم قد قام بسحبه وهو يدفعه تجاه الحائط وزراعه على رقبة جلال:

-يبدو أنك قد فقدت عقلك، قذارتك لن يمحيها تقدمك بالعمر أبدًا، ستظل حقير يا جلال، اخبرني كيف تفعل شيء كهذا؟ كيف تقترب من فتاة بعمر ابنتك، لم أتعجب عندما تخبرني أنها لا ترغب في البقاء معك وأنت من المفترض في عمر والدها.

انفعل جلال وهو يدفع عاصم بعيد عنه، يحاول أن يبرر ما حدث:

-أنا لم أتعمد شيء لقد كنت أحاول تهدأتها.

ابتسم عاصم ساخرًا وهو يرمقه باشمازاز، تحدث بانفعال ووعيد:

-سوف تأتي الفتاة معنا وأنت إن كنت رجل تجرأ واقترب منها مجددًا يا جلال، لا أعلم ما الذي تفكر به أنت كما لو كنت فاقد لعقلك، الحيوان يشعر عنك.

دفعه بقوة لتصطدم رأس جلال في الحائط، اقترب عاصم من غرام التي تجلس فوق السرير وقد مسحت دموع ألمها، تحدث عاصم بهدوء:

-مرحبًا يا غرام اسمي هو عاصم، يمكنكي أن تأتي معي الآن، سوف أوصلكي أنتِ وأختِ إلى المنزل ويمكنكي أن تثقي بي أنا لست مثله.

نظرت غرام إلى جلال بغضب شديد ومن ثم نظرت إلى عاصم، وقفت فجأة وقد شعرت بالدوار يداهمها، كادت أن تسقط فامسكت بزراع عاصم وهو ثابتًا في مكانه:

-انتبهي ويبدو أنكِ مازلتي تشعرين بالإعياء.

اومأت غرام وهي تسير معه، مرت بجوار جلال ولم يتجرأ على التلفظ بكلمة، ابتسمت ساخرة وهي تحرك رأسها بنفي وتتحدث سرًا:

-تستحق ما حدث يا جلال، تبدو مضحك في هيئتك تلك، من الجيد أن عاصم كان هنا لتتراجع عن أفعالك القذرة، سوف يجعل ما حدث مهمتي أسرع.

وصلت معه تجاه عائلته ولم يتحدث بكلمة معها، أشار لأخته عنبر أن تقترب وما إن اقتربت حتى تحدث إلى غرام:

-يمكنكي أن تمسكي بيدها.

نظرت غرام له بتعجب ووجدته ينظر إلى يدها الممسكة بزراعه، ابعدت يدها بتعجب وهي لا تصدق أنه لا يطيق مسكها له، تحدثت غرام وهي تومأ:

-أنا اصبحت على مايرام، لا داعي لهذا.

ابتمست عنبر وهي تقترب لترحب بها:

-كيف حالكِ؟ أنا أشعر بالسعادة أنكِ سوف تبقين معنا.

ابتسمت غرام ولم تستطيع أن تمنع نبرة السخرية بصوتها:

-كأنكِ تعرفيني!

نظرت عنبر لها وإلى عاصم الذي تعجب من طريقتها، تداركت غرام نفسها لتبتسم باصطناع:

-أشعر بالألفة تجاهكِ ويبدو أنكِ تشعرين بالشيء نفسه ألست محقة؟

اومأت عنبر لها، اقترب عاصم ودلف إلى أحد الغرف بعد أن قام بطرق الباب، كانت نظرات عنبر الحزينة تصاحبه، تعجبت غرام من هذا وقررت أن تسألها:

-هل كل شيء على مايرام يا ترى؟

اومأت لها عنبر وعينيها قد لمعت بفعل الدموع:

-لقد قُتل ابن خالي وتبدلت الكثير من الأمور والآن قُتل ابن خالتي وتبدل كل شيء من بعدها، خالتي الآن في غرفة العناية تعاني من ازمة قلبية وحالتها غير مستقرة، نشعر بالقلق عليها ولا أحد يستطيع فعل شيء.

اومات غرام لها بتفهم، تحدثت بشرود قد اعتادت عليه مؤخرًا:

-بعض الابناء يدفعون الثمن يا عنبر.

تعجبت عنبر من حديثها لتسألها بحيرة:

-لا أفهم ما الذي تقصديه؟

حركت غرام رأسها بنفي وهي تتحدث بهدوء شديد وإبتسامة مصطنعة جاهدت لرسمها على وجهها:

-لم أقصد شيء أقول ربما يكون فعل شيء خاطئ ولذلك قُتل في النهاية هي التربية.

حركت عنبر رأسها بنفي وهي لا تفهم حديث غرام المبعثر، تابعت غرام وهي تحاول أن تنتبه على نفسها أكثر:

-لا تدعي بالًا لحديثي، مازلت أشعر بالتعب الشديد والتشتت يصيبني في هذه الحالة يا عنبر، بالمناسبة لدينا الحرف الأول مشترك.

ابتسمت عنبر وهي تراها تحاول أن تخفف من حدة الأجواء فيما بينهم، شردت غرام ولم تستفيق إلا عندما استمعت صوت باب الغرفة الذي دلف إليها عاصم ولم يخرج سوى الآن قائلًا:

-دعونا نذهب للمنزل، أمي سوف تلحق بنا هي وأبي ما إن يطمئنوا على حالة خالتي.

اومأت عنبر له وسارت بجوار غرام التي كانت تسير بجوار عاصم، كان يتقدم ليسبقهم بخطوات، رأت غرام جلال في أحد الممرات، ابتسم بثقة وهذا ازعجها كثيرًا، ابتسمت هي الأخرى ببعض السخرية هامسة لنفسها:

-يتعمد ازعاجي دائمًا ولا يضع بالًا لغضبي الجحيمي، سوف تندم كثيرًا يا جلال إن استمريت في حالتك تلك، أنا لست فريسة سهلة وأظنك تعرف هذا جيدًا، مع ذلك تستخف بي وتستغل حاجتي لك والآن كما توقعت وكما قلقت تستغل مرضي.

خرجوا من مبنى المستشفى، فتح عاصم الباب الخلفي من سيارته لتصعد عنبر، تحدثت غرام إليه ببعض الهدوء:

-من الجيد أنك كنت موجود اليوم، سامحني إن كنت سخيفة وسوف أزعجكم بوجودي.

لم يكن عاصم في حال جيد للمجاملة، اجابها ومازالت ملامحه جامدة:

-لا يوجد داعي لهذا الحديث، لا أظنه سوف يفيد، هذا الوضع وجدنا نفسنا به ولا يوجد مجال للرفض.

اتسعت أعين غرام وإن كان مكانها فتاة تحتاج حقًا للمساعدة سوف تتركه وتذهب من أجل كرامتها الذي لا يهتم بها هذا الرجل، صعدت غرام إلى السيارة بصمت، تحدثت إليها عنبر فورًا رغم أن غرام لم تظهر أي نوع من أنواع الضيق:

-لا تشعري بالغضب من عاصم، هو حزين وغاضب في ذات الوقت ولهذا السبب حديثه يكون صعب قليلًا.

صعد عاصم إلى السيارة في هذا الوقت، اجابتها غرام بصوت تعمدت أن تُسمعه إياه وهي تنظر له في المرآة:

-لا بأس يا عنبر لهذا التبرير، أنا لست غاضبة من حديثه، على كل حال أنا فتاة اعتادت على القسوة في كل شيء حولها، لم أدقق النظر في حديث أحدهم الآن.

نظر عاصم لهم في المرآة ليتفاجأ بتقابل عينيه مع عينيها، لقد كانت جميلة بحق كل شيء جميل قد رآه، أبعد عينيه وبدأ في القيادة، لم يتحدث بكلمة حتى سألته عنبر:

-أشعر بالجوع يا عاصم، هل لنا أن نتناول بعض الطعام؟ لا تنسى أن غرام تحتاج أيضًا لهذا، هل قالت الطبيبة لكِ على طعام بعينه؟

حركت غرام رأسها بنفي وهي تنظر تجاه النافذة الموجودة بجوارها، ترتب أفكارها وتخطط لكل شيء سوف يحدث، راق لها كثيرًا وهي تتخيل حب عاصم الشديد لها وتعلقه بها لتزفر به من بعدها وتنهي حياته كما حدث مع الأثنان الآخرين من أقاربه.

وصل عاصم إلى أحد المطاعم ولا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعله:

-هل تحبون أن نهبط لنتناول الطعام بالداخل أم نأخذه لنتناوله في المنزل؟

سألته عنبر وقد بدت لغرام أن هذه الفتاة محبة لأخيها كثيرًا؛ فهي تنظر له في كل دقيقة كأنها تطمئن عليه:

-ما الذي تفضله أنت يا عاصم؟ أفعل ما تريد وأنا معك ليس لدي مشكلة في شيء، ماذا عنكِ يا غرام؟

ابتسمت غرام باصطناع وهي تحرك رأسها بنفي:

-شكرًا انا لست جائعة، لا أتناول الطعام في حالات تعبي هذه.

حركت عنبر رأسها باستنكار:

-كيف هذا يا فتاة؟ من الضروري أن تتناولي الطعام لتشفي سريعًا.

هبط عاصم وأغلق باب السيارة من بعده، ابتسمت غرام ساخرة وهي لم ترى شخص بهذا البرود من قبل بالأخص معها هي، بررت عنبر لها على الفور:

-اعذري عاصم يا غرام؛ فحالته لا تسمح بأي شيء حتى أنني ترددت في طلب الطعام منه وإن لم تكوني هنا لم أكن لأفعل أبدًا.

حركت غرام رأسها بعدم إهتمام:

-لا يوجد داعي للتبرير يا عنبر، لا أنتبه لتلك الأمور؛ فلا داعي للقلق.

صمتت عنبر وهي تشعر بغرابة هذه الفتاة، تارة تراها بريئة وتارة أخرى تشعر أنها تقصد شيء آخر من حديثها، نظرت غرام إلى عنبر بعد قليل وهي تشعر بالتردد لكنها قررت السؤال:

-هل سبق وأحب عاصم من قبل؟

اتاها الرد من عاصم الذي صعد إلى السيارة بشكل مفاجئ:

-وما الذي سيهمكي من حب عاصم يا ترى؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي