الفصل الثالث

بعد إنتهاء الدوام، امتلأت الساحة بحشد من الطلبة، وخرجت "نورا" وهي تحمل أغراضها في يدها ووقفت أمام البوابة الرئيسية تبحث عن سيارة السائق، لكنها لم تجدها وحاولت الاتصال عدة مرات دون جدوى،همست "دينا" في أذني "نورا" قائلة:

ـ ما الأمر؟


أغلقت "نورا" هاتفها وهي تجيبها بحزن:

ـ لقد تأخر السائق،ولا يرد على هاتفه.


سكتت "دنيا" لبرهة ثم قالت في حماس:

ـ يمكنك أن تأتي معنا، سوف نوصلك.


أحست "نورا" بقليل من الحرج وهي تقول:

ـ لا شكرا، بيتي بعيد عن هنا، لا أريد أن..


قاطعت "تالين" كلامها قائلة:

ـ لا عليكى سوف نوصلك حتى لو كان في آخر العالم.


إرتاح قلب "نورا" حين سمعت هذا الكلام وقالت:

ـ شكرا لكما.



شغل "سيف" سيارته وانطلق بها إلى منزل "ملك" لأنه لم يستطع الإنتظار للغد، لذا عند انتهاء وقت الدوام وعد نفسه بالذهاب إليها،قاربت الشمس على الغروب، واستيقظت "ملك" في ذلك الوقت،وكان الإرهاق واضحا على وجهها و التقطت حقيبتها من على الأرض وفتحت هاتفها لترى من الشخص الذي اتصل بها،

فرأت إسم "سيف" واتسعت عينيها وشعرت بالسعادة التي غمرت قلبها، في تلك الأثناء
وصل "سيف" إلى منزلها وحين حاول الإتصال بها وجد أن هاتفها مشغول الآن لأنها كانت تتصل به في نفس اللحظة لهذا ظهر لديها الرقم مشغول أيضا فقالت في حزن:

ـ خسارة، كنت أود التحدث إليه.


اتجهت "ملك" إلى الشرفة وبالصدفة رأت سيارته واقفة عند باب المنزل فابتسمت بلهفة ولوحت بيدها اليمنى عاليا وحين لمحها "سيف" نزل من السيارة وقال لها بصوت عالي:

ـ أهلا بعودتك "ملك".


ثم أخرج باقة ورد من سيارته,، واقترب من المنزل ووجد أن الباب مفتوح ودخل، لم تصدق "ملك" عينيها وهي ترى "سيف" يقترب منها وهي واقفة على الشرفة وتقول له بسعادة:

ـ إشتقت إليك كثيراً.


بادلها بإبتسامة وهو يرد عليها:

ـ وأنا أيضا يا أميرتي.


وقفت "ملك" على سور الشرفة فاندهش "سيف" عندما سمعها تقول:

ـ سأستغرق وقتا أطول إذا نزلت من الدرج.


أسقط "سيف" باقة الورد ومد يديه قائلا بكل سرور:

ـ تعالي إلي إذن.


قفزت "ملك" من الشرفة إلى المكان الذي يقف به "سيف" وأمسك بها واحتضنها بحب وهو يقول:

ـ إنتظرك طويلا، "ملك".


نظرت إليه وقالت بصوت خجول:

ـ ما الذي تقوله؟ لقد غبت عنك مدة أسبوعين فقط.


رد عليها وهو يداعب خصلات شعرها:

ـ المهم أنك قد عدت.


فقام باعطائها باقة الأزهار وهو يقول:

ـ هذه هدية لك بداخلها بطاقة كتبت فيها كل ما أخذته اليوم في الجامعة، أريد أن أراك غدا.


هزت "ملك" رأسها قائلة:

ـ سآتي بالتأكيد.


في ذلك الوقت. وصلت "دينا" إلى المنزل، وهي متعبة وتوجهت مباشرة نحو غرفتها لتغيير ملابسها، ودخلت لتستحم وأحست ببعض النشاط بعد الإستحمام، وحين خرجت كانت تضع المنشفة على كتفيها وفتحت خزانة ملابسها لتختار ما ترتديه للغد وشدتها بلوزة بيضاء جميلة الشكل وحاولت أخذها وفجأة رأتها متعلقة بمسمار خارج من الخزانة فأدى إلى قطع جزء منها وقالت بإحباط:

ـ تباً،كنت أود إرتدائها غداً.


ثم نزلت إلى والدتها التي كانت تجلس في غرفة المعيشة وسألتها قائلة:

ـ أمي، أين هي الخادمة؟


أجابتها الأم بكل تعجب:

ـ ألا تعلمين بأنها قد عادت إلى بلدها هذا الصباح.


أخفضت "دينا" حاجبيها وقالت:

ـ كم هذا مؤسف!


بينما كانت "دينا" في طريقها للخروج من غرفة المعيشة سمعت والدتها تقول:

ـ ما الذي تريدينه من الخادمة؟


أدارت "دينا" ظهرها وهي تجيب على تساؤل والدتها:

ـ لقد تمزقت بلوزتي قليلا وأردت أن تصلحها لي، هذا كل مافي الأمر.



عندما عادت "دينا" إلى غرفتها أمعنت النظر إلى بلوزتها البيضاء ووجدت بأنه من المستحيل عليها إصلاح هذا القطع بيدها، ثم وجهت نظرها إلى الساعة ووجدتها قد تجاوزت السادسة والنصف مساء، فأخذتها وخرجت من المنزل وذهبت إلى أقرب مكان لإصلاحها، دخلت "دينا" إلى أحد المحلات ووجدت شابا يجلس هناك فتعجبت، لم تكن هذه المرة الأولى التي تأتي فيها إلى هذا المحل لكنها اعتادت على وجود رجل كبير في السن، فقالت بكل هدوء:

ـ مرحبا.


إلتفت الشاب إليها وقال بكل لطف:

ـ أهلا،هل يمكنني أن أخدمك بشيء.


ارتبكت "دينا" وهي تحدثه في تساؤل:

ـ أين هو الرجل الذي كان يعمل هنا؟


أجابها الشاب بإحترام:

ـ لقد ذهب إلى المنزل وأنا أعمل عوضا عنه في هذا الوقت.


اقتربت "دينا" من الطاولة ووضعت البلوزة عليها فأخذها الشاب وأمعن النظر إليها وأبتسم قائلا:

ـ يمكنني إصلاحه بسهولة.


أحست "دينا" بالسعادة وقالت:

ـ هل يمكن أن يجهز اليوم؟


هز رأسه مجيبا:

ـ نعم يمكنك العودة للمنزل وحين انتهي منه سأخبرك.


حين فتحت "دينا" الباب للخروج، سمعت الشاب يقول في تردد:

ـ هل يمكنك إعطائي رقم هاتفك؟ لا تسيء فهمي،أريده فقط لكي أتصل بك حالما أنتهي.


ترددت "دينا" في البداية، لكنها فكرت بأنه ما دام الأمر متعلقا بالعمل فلا بأس، فقامت بكتابته في ورقة ووضعتها على الطاولة من دون أن تنطق بكلمة ونظرت للشاب "مازن" وكأنها تقول له:

-إياك أن تعطيه لأحد.


فابتسم قائلا:

ـ لا تقلقي،لن أستخدمه إلا مرة واحدة فقط.



رتبت "ملك" أغراضها وأخرجتها كل من الحقيبة وأعادتها إلى الخزانة بينما كانت "تالين" تغط في النوم على سريرها،أما "دينا" فقد إستلقت على سريرها وظلت تقلب هاتفها النقال،و "نورا" تتبادل الأحاديث مع عائلتها وتحكي لهم عما حدث معها في الجامعة هذا اليوم، فتحت "هند" خزانة ملابسها وجهزت ما سترتديه ثم ذهبت للنوم.


وصلت الساعة إلى التاسعة تماما، وما زال كل من "سما" و"آدم" بالجامعة، أنهت "سما" رسم لوحتها أخيرا وقالت بسعادة:

ـ لقد أصبحت جاهزة الآن.


فرح "آدم" من أجلها ووضع كفه على كتفها قائلا:

ـ لنعد إلى المنزل الآن، لقد تأخر الوقت.


وأطفئوا الأنوار وخرجوا عائدين إلى المنزل.



أكمل "مازن" إصلاح البلوزة، ثم قام بكيها وتغليفها جيدا لكي لا تتسخ، وبحث عن الورقة التي بها الرقم لكنه لم يجدها بأي مكان فقال في حيرة:

ـ ما العمل الآن؟


ونظر إلى البلوزة متابعا:

ـ يبدو أن علي إيصالها بنفسي.


أغلق "مازن" المحل وأتجه إلى منزل "دينا" لأنه بالقرب من هناك، وسار على قدميه في ذلك الليل الهادىء وفجأة رأى سيارة ضوءها ساطع، تقف أمام المنزل حين وصل فغطى عينيه بيده وقال بانزعاج:

ـ ياله من ضوء ألا يمكنه إخفاضه قليلا؟


نزل من السيارة رجل بدا عليه الكبر، ويبدو على ملامح وجهه أنه قد تجاوز الأربعين، لم يطمئن "مازن" حين شاهده، فهو يبدوعصبيا جدا من نظراته وصوته حين سأله قائلا بجفاء:

ـ ما الذي تفعله هنا؟


عقد "مازن" حاجبيه وقال بجدية:

ـ أردت إيصال شيء لشخص يسكن هنا.


نظر الرجل إلى ما يحمله "مازن" في يده وعرف بأنها تخص "ديا" فصرخ في وجهه قائلا:

ـ يالجرأتك أيها الشاب، أتيت في هذا الليل لتقابل فتاة مدعيا بأنك توصل شيئا لها.

غضب "مازن" من كلام هذا الرجل وأسلوبه الوقح ورد عليه بكل برود:

ـ يبدو بأنك ترى الجميع مثلك أيها الرجل المحترم.


أدخل الرجل يده في جيبه وقال محاولا تغطيه غضبه:

ـ ما الذي تقصده؟


ابتسم ردا عليه ليستفزه:

ـ ما أقصده هو أنك لا تعرف معنى الإحترام وتشك بكل من حولك.


اقترب الرجل من "مازن" ببطء ورفع يده ليضربه لكنه أمسك بها وأكمل حديثه:

ـ أنا لم آتي إلى هنا لأتشاجر معك أيها السيد، لكن ما دام الأمر كذلك فقم انت بإعطاء هذه للفتاة إذا كنت تسكن معها.


وأعطاه إياها ورحل وهو في طريقه تنهد قائلا:

ـ ما أغرب هذا العالم!


دخل والد "دينا" إلى المنزل ونيران الغضب تشتعل بداخله ونادى "دينا" بكل صوته فخرجت زوجته تتسائل في حيرة:

ـ ما الأمر؟ ما الذي حدث؟


نزلت "دينا" مسرعة حين سمعت صراخ والدها وحين وقفت على الدرج ورآها والدها قال في عصبية بالغة:

ـ كيف تجرأين على مقابلة شاب دون علمنا؟


إتسعت عيني "دينا" وحاولت التركيز في سؤال والدها الغريب، وتساءلت بداخلها:

-من هو الشاب الذي قابلته دون علم والداي؟

فسألت والدها في قلق:

ـ من تقصد بهذا الكلام يا والدي؟



رفع والدها الغلاف وقال:

ـ أقصد الشخص الذي أحضر هذا.


ردت "دينا" على والدها بكل ثقة وحزم:

ـ والدي، لقد أسأت الفهم، أنا لا أعرف هذا الشاب،كل ما في الأمر أنني أردت إصلاح ثوبي ولم أجد في المحل سوى ذلك الفتى فأعطيته لكي يصلحها لي.


ثم تابعت كلامها وهي تقترب من والدها:

ـ كما أنني لا أعرف شيئا عنه سوى أنه يعمل في محل الحياكة بدلا من الرجل المسن.


لم يتمكن الأب من الرد على إبنته التي أخذت ثوبها وصعدت إلى غرفتها، فجلس على الأريكة واخذ نفسا عميقا وقال في إرهاق:

ـ يبدو أن كثرة العمل أفقدتني صوابي.


جلست الأم بجانبه وحاولت تهدئته بقولها:

ـ عليك أن تأخذ قسطا من الراحة.



أبعدت "دينا" الغلاف عن البلوزة، فرفعت حاجبيها وقالت في ذهول:

ـ لقد قام بكيها أيضا.


وقامت بتعليقها على واجهة خزانة الملابس وأطفأت الأنوار وخلدت للنوم...


طلع فجر يوم جديد، وبدأت أشعة الشمس بالشروق في السماء الزرقاء الصافية، ومازال معظم الناس يغطون في النوم، اخترقت خيوط أشعة الشمس زجاج النافذة المطلة على غرفة "نورا" ففتحت عينيها ببطء ووجهت بصرها نحو الساعة المقابلة لفراشها ورأتها لم تتجاوز السادسة فحاولت أن تكمل نومها لكنها لم تستطع ففضلت النهوض على ذلك.


بحثت "نورا" عن أحد مستيقظ، وحين أحست بالهدوء التام عرفت بأنه لم يستيقظ أحد بعد فقالت في ضجر:

ـ لماذا أستيقظت باكراً؟


أعدت "نورا" إفطارها بعدما أحست بالجوع ثم جلست على الطاولة في غرفة الطهى وظهرت في مخيلتها صورة "سيف" وهي تأكل فهزت رأسها نفيا وهي تقول:

ـ لماذا الآن؟ لماذا أفكر به؟


بعدما أنهت فطورها، قامت بوضع الأطباق على المغسلة وذهبت لتجهز نفسها للذهاب إلى الجامعة.


في تلك اللحظة، كانت "هند" تمشط شعرها أمام المرآة، وفجأة أحست بدخول شقيقها إلى الغرفة بدون سابق إنذار فوضعت فرشاة الشعر على الطاولة قائلة بجفاء:

ـ ألا تعرف كيف تطرق الباب؟


أجابها وهو يجلس على السرير بلا مبالاة:

ـ لماذا علي أن أطرق الباب؟ فأنت أختي ولست شخصا غريبا.


وقفت "هند" أمامه مباشرة وقالت:

ـ أولا أنا فتاة ومن المعيب أن تدخل حتى لو كنت أختك، ثانيا أخرج حالا لأنني أريد تغيير ملابسي.


رفع شقيقها عينيه إليها وقال بجرأة:

ـ سأخرج بعد عشر دقائق أشعر أنني غير قادر على النهوض الآن.


أمسكته "هند" من ثيابه وأوقفته على قدميه وقالت:

ـ يمكنك الخروج الآن، أليس كذلك؟


شعر شقيقها بأنه لا فائدة من الجدال فأبعد يدها وخرج قائلا:

ـ ما هذا البيت الذي لا يوجد به شخص مسلي؟


ضحكت عليه "هند" بعدما خرج وقالت:

ـ ياله من فتى يريد أن يتسلى في هذا الصباح.




لم تتمكن "ملك" من النوم طوال الليل، وعندما حان وقت النهوض أحست بالنعاس، فرمت غطاء سريرها على الأرض
وقالت بعصبية:

ـ أين كان النوم طوال الليل؟ ربما لأنه أول يوم لي بالجامعة.



أوقف "مازن" سيارته بالقرب من منزل "دينا" و انتظرها حتى خرجت، فنزل من السيارة واتجه إليها بعدما أطمأن أنها بمفردها وعندما لاحظته توقفت عن السير، وحرك شفتيه قائلا:

ـ أعتذر عما حدث بالأمس.


أتسعت شفتي "دينا" مبتسمة وقالت:

ـ أنا من يجب أن أعتذر، لقد كان والدي مرهقا من العمل لهذا أرجو أن تسامحه.


قال "مازن" ببرود شديد:

ـ لا بأس لست من الأشخاص الذين يبالون بأمور مثل هذه.


شعرت "دينا" ببعض التضايق من أسلوبه في الكلام وقالت:

ـ حسنا، سأذهب الآن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي