الفصل الأول البداية
كان منير في هذا الوقت يسير بين المارة، ينظر يمينًا ويسارًا، لا يعلم لماذا تأخرت وهو الذي لم يتأخر يومًا عن موعد لهم، لا يعلم ما الذي يحدث له وفي كل مرة يخفق قلبه بشدة وهو يتطوق لرؤيتها، ابتسم وهو يخرج هاتفه ويرى اسمها ينير شاشته:
-أين أنتِ؟ لقد انتظرتكِ طويلًا على الطريق ولم أجدكي.
اجابته الأخرى بصوتها الذي يسحره أكثر من أي شيء آخر:
-اعتذر لك يا منير، لقد شعرت بالارهاق وها أنا أجلس في أحد الشوارع الجانبية، إذا سمحت تعالى لي، سوف أرسل لك الموقع، لكن ما إن تصل ضع هاتفك في السلة المجاورة وانتظرني.
ابتسم منير بتعجب وهو لا يعلم ما الذي تريد أن تفعله، لكن على كل حال هو يثق بها أكثر من أي شيء في حياته:
-حسنًا يا حبيبتي أنا أنتظركي ولدي خبر جيد لكِ، لقد تحدثت مع أمي وهي ترغب في مقابلتكِ، لا يمكنني أن أتخيل حتى أنني سوف أعيش معكِ باقي حياتي دون قيود.
اغلقت الهاتف وهو تعجب ولكنه وجدها ترسل له رسالة بالموقع، رأى أنه قريب منه للغاية وسار حتى وصل إليه، عقد حاجبيه بحيرة:
-هذا المكان مقطوع! كيف تكون هنا وحدها، أتمنى أن تكون على مايرام ولم يحدث شيء لها.
سار ووجد السلة ليلقي هاتفه به رغم تعجبه الشديد، لكنه لم يفكر ولم يندم للحظة أنه يستمع لها في أي شيء، لم يمر الكثير من الوقت لتخترق رصاصة رأسه لا يعلم من أين أتت، سقط أرضًا على الفور وقد غادر الحياة بأكملها.
-------
كانت الأجواء الصيفية رائعة، استمتع بليلة هادئة ليستيقظ من نومه فجأة بسبب طرقات قوية على باب منزله، نظر في الساعة ووجدها العاشرة صباحًا، هم بالركض وما إن انفتح الباب حتى سمع صراخ والدته الباكية:
-لقد فعلوها يا عاصم، لقد قاموا بقتل ابن خالتك في وسط الكثير من الأشخاص عن طريق قناصة، لم يهابوا أحد يا عاصم.
اقترب عاصم ليضمها وقد تحولت عينيه للون الأحمر، تحدث بغضب شديد:
-لن أرحمهم يا أمي، أعدكي سوف أخد حقه، أنا لن أتهاون أبدًا.
أردف عاصم، هذا الرجل الذي لم يتجاوز السابعة وعشرون عامًا، مسح على شعره الأسود وهو يحاول أن ينظم أنفاسه، لا يعلم ما الذي يحدث لعائلته وهذه الحادثة الثانية في نفس الشهر، بدأت مع ابن خاله الأكبر ومن بعده ابن خالته، لا يعلم ما الذي يحدث ومن الذي سيتعمد قتل أفراد عائلته؟!
تحدثت والدته من جديد وقد امتلأت عينيها البندقية بالدموع:
-لا يمكنني أن أرتاح يا عاصم، ربما سوف يأتي الدور عليك فيما بعد وأنا لا يمكنني أن أتخلى عنك.
حرك عاصم رأسه بنفي وهو يقترب ليحاوط وجهها بحنان:
-لن يحدث شيء يا أمي، كل شيء سوف يكون على مايرام، لكن اخبريني ألم يتواصل منير مع أحد؟ لم تقل خالتي شيء لكِ بخصوصه؟!
حركت والدته رأسها بنفي، امسكت بيده وهي تتحدث إليه:
-كانت تخبرني أنه سعيد للغاية، تعرف على فتاة وعلى وشك أن يقوم بخطبتها، كان يخبرها أنه يحبها وأنها سوف تحبها لأنها رائعة و..
قطع عاصم حديثها وهو يشعر بالحيرة، يتساءل لماذا لم يخبره منير بشيء كهذا من قبل:
-من تكون هذه الفتاة؟
حركت والدته رأسها بنفي وهي تتذكر حديث شقيقتها:
-لم يخبرها يا عاصم، هي ارادت أن تعرف من تكون لكنه كان يخفي الأمر كما لو كان مفاجأة!
تحدث عاصم وهو يتجه للطابق الثاني في منزله حيث غرفته:
-الغريب في الأمر أن هذا كان حديث ماجد قبل أن يُقتل يا أمي.
-------
في مكان آخر دلفت هذه الفتاة، التي ترتدي فستان من الجلد الأسود، وضعت غطاء رأس أسود ونظارة شمسية، تحمل على ظهرها حقيبة أحد الألات الموسيقية، صفق الرجل الذي نال الشيب من رأسه:
-مرحبًا بغرام، مرحبًا بحبيبتي، لقد احسنتي ككل مرة يا أميرتي.
ابتسمت وهي تزيل نظارتها الشمسية وتجلس مقابلة له، ازالت غطاء رأسها لتحرر شعرها الأسود:
-لقد انتهى أمره ككل مرة تأمرني بها، لكن لا تنسى أنني لن أتنازل عن رقبة عاصم السيوفي، لا يمكنني أن أتجاهل هذا أبدًا وأنت وعدتني تذكر؟
ابتسم لها وهو يقترب ليجلس بجوارها على الأريكة، فتحت هي الحقيبة لتخرج القناصة التي استعملتها في قتل ماجد، ابتسمت بفخر وسعادة بينما هو رفع حاجبيه باعجاب واضح:
-دائمًا ما تبهريني يا غرام، لكن كيف تأتي إلى الشركة هنا؟ ألا تخافي من انتشار الشكوك بشأننا؟
وقفت غرام وهي تقترب من مرآة مكتبه وتقوم بضبط شعرها:
-صحيح جلال مجدي رجل الأعمال المعروف لا يريد لأحد أن يعرف بحقيقته، لكن لا تقلق الجميع هنا يظنك عمي ألم تخبر السكرتيرة والعمال بهذا؟
اقترب جلال وقد لمعت عينيه وهو يقوم بضمها دافنًا رأسه بعنقها:
-لا يهمني أحد سواكِ يا غرام، لا أعلم لماذا تصرين على الابتعاد عني، لا أريد أن أكون عمكِ، أريد أن أكون حبيبكِ، اعطيني الفرصة ووقتها لن تندمي أبدًا.
ضحكت غرام وهي تبتعد عنه، لطالما كانت ترى محولاته، لكنها لم تستطيع أن تعطيه الفرصة، شعر بالغضب من هروبها منه كالمعتاد، سحب زراعها وهو يتحدث بانفعال واضح:
-اخبريني ما الذي أفعله؟ أنا حاولت مرارًا فعل أي شيء من أجلكِ، مع ذلك تبعديني بطريقة ما!
ابتسمت له وهي تبعد زراعها عنه، تحدثت ببرود شديد ومراوغة اعتاد عليها منها:
-أنظر كم سنك أنت، أنا أعتبرك والدي وليس عمي، نحن مصلحتنا واحدة وهي عائلة السيوفي جميعهم، كبارهم وصغارهم، لقد دمرنا أثنان والآن أصبح عاصم هدفنا، مؤكد قد اصابته حالة من الضعف وهذا هو الوقت المناسب، لقد أخذ ماجد مني بعض الوقت ومنير لم يأخذ أي وقت وكان ملك يدي أما..
قاطعها جلال وهو يرفع سبابته لها محذرًا:
-عاصم ليس سهل أبدًا، هذا هو الوريث لقرية آل سيوف من بعد والده، لن تكون مهمتكِ سهلة أن تقتربي منه وتعرفي تحركاته لتقضي عليه وأصبح أنا..
تابعت غرام وهي تقترب من غطاء رأسها لتمسك به:
-وتصبح أنت المسؤول من بعده، اخبرني لماذا تشعر بهذا الحقد تجاههم يا ترى؟ لانك تريد ان تسيطر على هذه القرية المليئة بالأغبياء أمثال منير وغيره أم هناك سبب آخر يا ترى؟
ابتسم جلال وهو يقترب ليحيط بخصرها، همس في أذنها لتغمض عينيها باشمأزاز شديد:
-لا تشغلي بالكِ بشيء غيري يا غرام، يكفي أن تكوني معي يا حبيبتي.
ابعدت غرام يده وهي تزفر بضيق شديد، حركت رأسها بفقدان أمل به، قررت أنها لن تنتظر أكثر من هذا في مكتبه، وقفت أمام المرآة وهي ترتدي غطاء الرأس:
-بعد أن ينتهي من أخذ عزاء ابن خالته سوف تدبر لي موعد معه كما اعتدت أن تفعل حسنًا؟
تحدث جلال وهو يتجه إلى مكتبه ويجلس على الكرسي الخاص به:
-برغم أنني لا أطيق التحدث معه لكنني سوف أفعل، سوف أجعلكي تدخلين إلى منزله، لأنه ليس كمنير ولا توجد علاقة بينه وبين النساء.
عقدت غرام حاجبيها بتعجب وهي تلتفت لتنظر له بحيرة، ضحك وهو يومأ لها بتفهم:
-لم يمر عليكِ شخص كهذا، لكنني حاولت كثيرًا أن أرسل له فتاة وأثنان وثلاثة ولم يعير لأي منهم إهتمام، في النهاية سوف يسقط لكنه يحتاج لطريقة خاصة.
رفعت غرام كتفها غير مبالية وعادت لتنظر إلى المرآة وتحاول أن تقوم بضبط حجابها:
-أنت ارسلت أحد إلى مسرح الجريمة ليأخذ الهاتف من السلة أليس كذلك؟
ابتسم لها جلال بثقة:
-وهل لديكِ شك بمهارتي يا فتاة؟ لا تقلقي يا غرام، لن يتمكن أحد من العثور عليكِ، هو كان يعلم أن اسمكِ حور أليس كذلك؟
اومأت غرام وقد كان وجهها مرهق كثيرًا:
-نعم، لا أحد يعلم باسمي الحقيقي سواك أنت.
وقف جلال وهو يلاحظ شحوبها، ابتسم ومن ثم أمسك بزراعيها:
-هذا الشيء الذي يجعلني أكثر راحة يا فتاتي، من الجيد أن أعرف شيء لا يعرفه أحد عنكِ.
انفعلت غرام وهي تبتعد عنه لتأخذ النظارة الشمسية، تحدثت إليه بغضب شديد:
-توقف عن هذه الأفعال يا جلال أنا لا أطيق ما تفعله أنت، دعنا لا نلتقي هذه الفترة، سوف أتي لك بعد أسبوع لترى ما الذي يجب علينا أن نفعله.
رحلت بينما جلال كان يرمقها بغضب، اقترب من باب المكتب ليقم بصفعه بقوة:
-لا أعلم إلى متى سوف تتعامل بتلك الطريقة، إلى متى سوف تسير بعقلها تلك الفتاة، أجل هي تفعل الكثير من أجلي، لكن الشيء الوحيد الذي أريده أنا هي ولا أحد غيرها.
جلس في مكانه وعينيه تائهه لا يعرف ما الذي يجب أن يفعله، بينما غرام كانت تسرع بالذهاب، استطاعت أن تتنفس ما إن ابتعدت عن الشركة، شعرت بمعدتها تعتصر والألم ينال منها، كانت تحاول أن تجعل قلبها يطمئن:
-كل شيء سوف يكون على مايرام يا غرام، سوف ننجوا، لا تشعري بالألم، لا ترهقي نفسكِ.
تأكدت أن جلال لا يتبعها لتذهب إلى مكانها السري حيث تختفي به ولا تظهر إلا بعد مرور أسبوع بعد كل عملية، صعدت إلى أحد العمائر في الطابق السادس والأخير، القت بنفسها على السرير وبجوارها القناصة الخاصة بها، تذكرت اقتراب منير منها وغزله بها.
ابتسمت ساخرة وهي تحرك رأسها نافية:
-ليس عليكِ أن تشعري بالذنب، لا تفعلي هذا بنفسكِ يا غرام اهدئي، هو كان يجب أن يموت وهذا قدره انتهينا.
وقفت وهي تصفف شعرها وتضع أحد الوصفات الطبيعية على بشرتها:
-يجب أن نهتم بجمالنا قبل أن نفقده، الشيء الوحيد الذي سأستفاد منه عندما أفقد جمالي هو ابتعاد جلال عني وجعله يتركني وشأني، هذا الرجل لا يتوقف عن التقرب مهما اعترضت لا يهتم أبدًا، من الجيد أنه لا يلاحقني هنا أيضًا هذه مميزات الحارات الشعبية.
------
في فيلا السيوفي كان يجلس ناصر والد عاصم وهو ينظر له بحزن شديد:
-عاصم هل أنت بخير؟
نظر عاصم له وقد كانت عينيه حمراء اللون، يعلم والده أن ما يسيطر عليه الآن الألم أكثر من الغضب الذي يحاول أن يخفيه:
-أنا بخير، لقد رحل منير أيضًا، رحل صديق آخر لي ويجب عليّ أن أتقبل ما يحدث بصدر رحب، يجب أن أتقبل كل شيء دون كلمة أليس كذلك؟
رحل من أمامهم ليصعد في سيارته، لا يعلم ما الذي عليه أن يفعله، لكنه قرر أن يذهب إلى المرسم الخاص بمنير لعله يجد أي شيء يرشده إلى القاتل، لقد تعمدوا قتله ولم يكن المقصود إصابته وحسب:
-لن يضيع حقك يا منير، أعدك يا صديقي سوف أخذ بحقك مهما كانت الخسائر.
-أين أنتِ؟ لقد انتظرتكِ طويلًا على الطريق ولم أجدكي.
اجابته الأخرى بصوتها الذي يسحره أكثر من أي شيء آخر:
-اعتذر لك يا منير، لقد شعرت بالارهاق وها أنا أجلس في أحد الشوارع الجانبية، إذا سمحت تعالى لي، سوف أرسل لك الموقع، لكن ما إن تصل ضع هاتفك في السلة المجاورة وانتظرني.
ابتسم منير بتعجب وهو لا يعلم ما الذي تريد أن تفعله، لكن على كل حال هو يثق بها أكثر من أي شيء في حياته:
-حسنًا يا حبيبتي أنا أنتظركي ولدي خبر جيد لكِ، لقد تحدثت مع أمي وهي ترغب في مقابلتكِ، لا يمكنني أن أتخيل حتى أنني سوف أعيش معكِ باقي حياتي دون قيود.
اغلقت الهاتف وهو تعجب ولكنه وجدها ترسل له رسالة بالموقع، رأى أنه قريب منه للغاية وسار حتى وصل إليه، عقد حاجبيه بحيرة:
-هذا المكان مقطوع! كيف تكون هنا وحدها، أتمنى أن تكون على مايرام ولم يحدث شيء لها.
سار ووجد السلة ليلقي هاتفه به رغم تعجبه الشديد، لكنه لم يفكر ولم يندم للحظة أنه يستمع لها في أي شيء، لم يمر الكثير من الوقت لتخترق رصاصة رأسه لا يعلم من أين أتت، سقط أرضًا على الفور وقد غادر الحياة بأكملها.
-------
كانت الأجواء الصيفية رائعة، استمتع بليلة هادئة ليستيقظ من نومه فجأة بسبب طرقات قوية على باب منزله، نظر في الساعة ووجدها العاشرة صباحًا، هم بالركض وما إن انفتح الباب حتى سمع صراخ والدته الباكية:
-لقد فعلوها يا عاصم، لقد قاموا بقتل ابن خالتك في وسط الكثير من الأشخاص عن طريق قناصة، لم يهابوا أحد يا عاصم.
اقترب عاصم ليضمها وقد تحولت عينيه للون الأحمر، تحدث بغضب شديد:
-لن أرحمهم يا أمي، أعدكي سوف أخد حقه، أنا لن أتهاون أبدًا.
أردف عاصم، هذا الرجل الذي لم يتجاوز السابعة وعشرون عامًا، مسح على شعره الأسود وهو يحاول أن ينظم أنفاسه، لا يعلم ما الذي يحدث لعائلته وهذه الحادثة الثانية في نفس الشهر، بدأت مع ابن خاله الأكبر ومن بعده ابن خالته، لا يعلم ما الذي يحدث ومن الذي سيتعمد قتل أفراد عائلته؟!
تحدثت والدته من جديد وقد امتلأت عينيها البندقية بالدموع:
-لا يمكنني أن أرتاح يا عاصم، ربما سوف يأتي الدور عليك فيما بعد وأنا لا يمكنني أن أتخلى عنك.
حرك عاصم رأسه بنفي وهو يقترب ليحاوط وجهها بحنان:
-لن يحدث شيء يا أمي، كل شيء سوف يكون على مايرام، لكن اخبريني ألم يتواصل منير مع أحد؟ لم تقل خالتي شيء لكِ بخصوصه؟!
حركت والدته رأسها بنفي، امسكت بيده وهي تتحدث إليه:
-كانت تخبرني أنه سعيد للغاية، تعرف على فتاة وعلى وشك أن يقوم بخطبتها، كان يخبرها أنه يحبها وأنها سوف تحبها لأنها رائعة و..
قطع عاصم حديثها وهو يشعر بالحيرة، يتساءل لماذا لم يخبره منير بشيء كهذا من قبل:
-من تكون هذه الفتاة؟
حركت والدته رأسها بنفي وهي تتذكر حديث شقيقتها:
-لم يخبرها يا عاصم، هي ارادت أن تعرف من تكون لكنه كان يخفي الأمر كما لو كان مفاجأة!
تحدث عاصم وهو يتجه للطابق الثاني في منزله حيث غرفته:
-الغريب في الأمر أن هذا كان حديث ماجد قبل أن يُقتل يا أمي.
-------
في مكان آخر دلفت هذه الفتاة، التي ترتدي فستان من الجلد الأسود، وضعت غطاء رأس أسود ونظارة شمسية، تحمل على ظهرها حقيبة أحد الألات الموسيقية، صفق الرجل الذي نال الشيب من رأسه:
-مرحبًا بغرام، مرحبًا بحبيبتي، لقد احسنتي ككل مرة يا أميرتي.
ابتسمت وهي تزيل نظارتها الشمسية وتجلس مقابلة له، ازالت غطاء رأسها لتحرر شعرها الأسود:
-لقد انتهى أمره ككل مرة تأمرني بها، لكن لا تنسى أنني لن أتنازل عن رقبة عاصم السيوفي، لا يمكنني أن أتجاهل هذا أبدًا وأنت وعدتني تذكر؟
ابتسم لها وهو يقترب ليجلس بجوارها على الأريكة، فتحت هي الحقيبة لتخرج القناصة التي استعملتها في قتل ماجد، ابتسمت بفخر وسعادة بينما هو رفع حاجبيه باعجاب واضح:
-دائمًا ما تبهريني يا غرام، لكن كيف تأتي إلى الشركة هنا؟ ألا تخافي من انتشار الشكوك بشأننا؟
وقفت غرام وهي تقترب من مرآة مكتبه وتقوم بضبط شعرها:
-صحيح جلال مجدي رجل الأعمال المعروف لا يريد لأحد أن يعرف بحقيقته، لكن لا تقلق الجميع هنا يظنك عمي ألم تخبر السكرتيرة والعمال بهذا؟
اقترب جلال وقد لمعت عينيه وهو يقوم بضمها دافنًا رأسه بعنقها:
-لا يهمني أحد سواكِ يا غرام، لا أعلم لماذا تصرين على الابتعاد عني، لا أريد أن أكون عمكِ، أريد أن أكون حبيبكِ، اعطيني الفرصة ووقتها لن تندمي أبدًا.
ضحكت غرام وهي تبتعد عنه، لطالما كانت ترى محولاته، لكنها لم تستطيع أن تعطيه الفرصة، شعر بالغضب من هروبها منه كالمعتاد، سحب زراعها وهو يتحدث بانفعال واضح:
-اخبريني ما الذي أفعله؟ أنا حاولت مرارًا فعل أي شيء من أجلكِ، مع ذلك تبعديني بطريقة ما!
ابتسمت له وهي تبعد زراعها عنه، تحدثت ببرود شديد ومراوغة اعتاد عليها منها:
-أنظر كم سنك أنت، أنا أعتبرك والدي وليس عمي، نحن مصلحتنا واحدة وهي عائلة السيوفي جميعهم، كبارهم وصغارهم، لقد دمرنا أثنان والآن أصبح عاصم هدفنا، مؤكد قد اصابته حالة من الضعف وهذا هو الوقت المناسب، لقد أخذ ماجد مني بعض الوقت ومنير لم يأخذ أي وقت وكان ملك يدي أما..
قاطعها جلال وهو يرفع سبابته لها محذرًا:
-عاصم ليس سهل أبدًا، هذا هو الوريث لقرية آل سيوف من بعد والده، لن تكون مهمتكِ سهلة أن تقتربي منه وتعرفي تحركاته لتقضي عليه وأصبح أنا..
تابعت غرام وهي تقترب من غطاء رأسها لتمسك به:
-وتصبح أنت المسؤول من بعده، اخبرني لماذا تشعر بهذا الحقد تجاههم يا ترى؟ لانك تريد ان تسيطر على هذه القرية المليئة بالأغبياء أمثال منير وغيره أم هناك سبب آخر يا ترى؟
ابتسم جلال وهو يقترب ليحيط بخصرها، همس في أذنها لتغمض عينيها باشمأزاز شديد:
-لا تشغلي بالكِ بشيء غيري يا غرام، يكفي أن تكوني معي يا حبيبتي.
ابعدت غرام يده وهي تزفر بضيق شديد، حركت رأسها بفقدان أمل به، قررت أنها لن تنتظر أكثر من هذا في مكتبه، وقفت أمام المرآة وهي ترتدي غطاء الرأس:
-بعد أن ينتهي من أخذ عزاء ابن خالته سوف تدبر لي موعد معه كما اعتدت أن تفعل حسنًا؟
تحدث جلال وهو يتجه إلى مكتبه ويجلس على الكرسي الخاص به:
-برغم أنني لا أطيق التحدث معه لكنني سوف أفعل، سوف أجعلكي تدخلين إلى منزله، لأنه ليس كمنير ولا توجد علاقة بينه وبين النساء.
عقدت غرام حاجبيها بتعجب وهي تلتفت لتنظر له بحيرة، ضحك وهو يومأ لها بتفهم:
-لم يمر عليكِ شخص كهذا، لكنني حاولت كثيرًا أن أرسل له فتاة وأثنان وثلاثة ولم يعير لأي منهم إهتمام، في النهاية سوف يسقط لكنه يحتاج لطريقة خاصة.
رفعت غرام كتفها غير مبالية وعادت لتنظر إلى المرآة وتحاول أن تقوم بضبط حجابها:
-أنت ارسلت أحد إلى مسرح الجريمة ليأخذ الهاتف من السلة أليس كذلك؟
ابتسم لها جلال بثقة:
-وهل لديكِ شك بمهارتي يا فتاة؟ لا تقلقي يا غرام، لن يتمكن أحد من العثور عليكِ، هو كان يعلم أن اسمكِ حور أليس كذلك؟
اومأت غرام وقد كان وجهها مرهق كثيرًا:
-نعم، لا أحد يعلم باسمي الحقيقي سواك أنت.
وقف جلال وهو يلاحظ شحوبها، ابتسم ومن ثم أمسك بزراعيها:
-هذا الشيء الذي يجعلني أكثر راحة يا فتاتي، من الجيد أن أعرف شيء لا يعرفه أحد عنكِ.
انفعلت غرام وهي تبتعد عنه لتأخذ النظارة الشمسية، تحدثت إليه بغضب شديد:
-توقف عن هذه الأفعال يا جلال أنا لا أطيق ما تفعله أنت، دعنا لا نلتقي هذه الفترة، سوف أتي لك بعد أسبوع لترى ما الذي يجب علينا أن نفعله.
رحلت بينما جلال كان يرمقها بغضب، اقترب من باب المكتب ليقم بصفعه بقوة:
-لا أعلم إلى متى سوف تتعامل بتلك الطريقة، إلى متى سوف تسير بعقلها تلك الفتاة، أجل هي تفعل الكثير من أجلي، لكن الشيء الوحيد الذي أريده أنا هي ولا أحد غيرها.
جلس في مكانه وعينيه تائهه لا يعرف ما الذي يجب أن يفعله، بينما غرام كانت تسرع بالذهاب، استطاعت أن تتنفس ما إن ابتعدت عن الشركة، شعرت بمعدتها تعتصر والألم ينال منها، كانت تحاول أن تجعل قلبها يطمئن:
-كل شيء سوف يكون على مايرام يا غرام، سوف ننجوا، لا تشعري بالألم، لا ترهقي نفسكِ.
تأكدت أن جلال لا يتبعها لتذهب إلى مكانها السري حيث تختفي به ولا تظهر إلا بعد مرور أسبوع بعد كل عملية، صعدت إلى أحد العمائر في الطابق السادس والأخير، القت بنفسها على السرير وبجوارها القناصة الخاصة بها، تذكرت اقتراب منير منها وغزله بها.
ابتسمت ساخرة وهي تحرك رأسها نافية:
-ليس عليكِ أن تشعري بالذنب، لا تفعلي هذا بنفسكِ يا غرام اهدئي، هو كان يجب أن يموت وهذا قدره انتهينا.
وقفت وهي تصفف شعرها وتضع أحد الوصفات الطبيعية على بشرتها:
-يجب أن نهتم بجمالنا قبل أن نفقده، الشيء الوحيد الذي سأستفاد منه عندما أفقد جمالي هو ابتعاد جلال عني وجعله يتركني وشأني، هذا الرجل لا يتوقف عن التقرب مهما اعترضت لا يهتم أبدًا، من الجيد أنه لا يلاحقني هنا أيضًا هذه مميزات الحارات الشعبية.
------
في فيلا السيوفي كان يجلس ناصر والد عاصم وهو ينظر له بحزن شديد:
-عاصم هل أنت بخير؟
نظر عاصم له وقد كانت عينيه حمراء اللون، يعلم والده أن ما يسيطر عليه الآن الألم أكثر من الغضب الذي يحاول أن يخفيه:
-أنا بخير، لقد رحل منير أيضًا، رحل صديق آخر لي ويجب عليّ أن أتقبل ما يحدث بصدر رحب، يجب أن أتقبل كل شيء دون كلمة أليس كذلك؟
رحل من أمامهم ليصعد في سيارته، لا يعلم ما الذي عليه أن يفعله، لكنه قرر أن يذهب إلى المرسم الخاص بمنير لعله يجد أي شيء يرشده إلى القاتل، لقد تعمدوا قتله ولم يكن المقصود إصابته وحسب:
-لن يضيع حقك يا منير، أعدك يا صديقي سوف أخذ بحقك مهما كانت الخسائر.