الفصل الأول أوريلا
سارت أوريلا بسرعة عبر الشارع المزدحم بالمارة، ولم يكن بوسعها أن ترى أمامها، وكان حذاؤها يطرق على الرصيف بصوت مسموع، حيث كانت تشعر بالغضب الشديد في هذه اللحظة، ولم يكن هناك حقًا سبب يدعوها إلى الإسراع بهذه الطريقة.
لكن البركان الموجود بداخلها جعلها تفقد السيطرة على نفسها، فهي عادة ما تكون هادئة معظم الوقت، لكن هذا الموقف وما ستفعله يجعلها متوترة، فهي قررت إنهاء خطبتها، أرادت إنهاء هذه العِلاقة بسرعة.
التي أصبحت بعد مدّة من الزمن عِلاقة تعيسة، وتجعلها تشعر بالتوتر والحزن والألم، فهي فتاة يتيمة تتمتع بدرجة عالية من الجمال، لم تبالي بنظرات الإعجاب من قبل بعض الشباب عندما مرت بجوارهم، فهي اعتادت دومًا هذه النظرات.
ضربتها أشعة الشمس الدافئة بالسهام لتظهر توهجًا جميلًا على بشرتها البيضاء النقية، كانت ترتدي حلة رمادية تعبر عن حالتها النفسية، وشعرها النحاسي يزداد إشراقًا؛ بسبب أثر ضوء الشمس على شعرها.
يبدو أن شكلها وجسدها الطويل والممتلئ في بعض الأماكن، وخطواتها وهي تمشي، تؤكد أنها تمتلك الشكل الأنثوي المثالي، رغبة كل رجل.
أخذت تفكر وذهبت ذكرياتها إلى عدة شهور ماضية، وهي تمشي، وكانت الأفكار تتشابك بعضها البعض، بطريقة فوضوية في عقلها.
كم كانت سعيدة للغاية عندما غادرت الميتم، وسافرت بعيدًا إلى بلد أخرى لكي تبدأ حياة جديدة.
فهي صممت على إنهاء تعليمها، ونيل شهادة تعينها على قسوة الحياة، لكي تعتمد على نفسها في هذه الدنيا، أنهت دراستها في كُلْيَة التمريض.
نجحت في اجتيازها النهائي بمرتبة الشرف، وفي خلال مدّة دراستها تعرفت به، ونشأت بينهم عِلاقة حب، كللت في النهاية بأنه تقدم لخطبتها على الرغم من علمه أنها يتيمة وحيدة، ولكن هذا لم يمنعه من التقدم لها، وقوله لها أنه يريدها زوجة له في السراء والضراء، وأنها الفتاة الوحيدة التي أحبها.
هي أيضًا أحبته، وشعرت في قراره نفسها بالسعادة، بأن هناك رجل يريدها بغض النظر عن انعدام أصولها.
نظرت أمامها بشرود، وهي تتذكر أسعد يوم في حياتها، ذكريات هذا اليوم سوف تظل محفورة في طيات عقلها إلى الأبد.
ابتسم في وجهها، وهو يقول بنبرة رقيقة:
أريد أن أخبرك بموضوع مهم حبيبتي، أريد قول شيء مهم لا يحتمل التأخير يوم واحد.
بادلته الابتسامة ثم أردفت قائلة:
ما هذا الأمر المهم الذي لا يتحمل التأخير يوم واحد؟
قال جون بابتسامة:
أنا أتكلم بجدية.
صمتت قبل أن تقول بلهجة مرحة:
هل يحتمل التأخير يوم أو دقيقة أم ثانية؟ أم لا.
رد عليها جون:
كان يجب أن أقول منذ البداية أن هذا الموضوع، لا يتحمل التأخير ثانية واحدة.
نظر في عينيها، وهو يقول لها بحب:
أخيرًا يا حبيبتي، سنكون معًا.
نظرت إليه صامتة، ثم اتسعت عيونها، عندما استوعبت ما يقول من كلام، هتفت بنبرة غير مصدقة:
هل ما أفكر به صحيح يا جون؟ هيا تكلم ولا تجعلني أنتظر كثيرًا.
أومأ برأسه، وقال بابتسامة رقيقة ناعمة:
نعم، صحيح يا أوريلا، البارحة وأنا مع أمي، وفي لحظة صفاء بيننا، أخبرتها بأن هناك فتاة أحبها، وأريد الزواج منها.
انقبض قلبها قبل أن تتحدث بلهجة خافتة:
أخبرتها عن كل شيء بشأني يا جون، هل تعلم من أنا؟ هل تعلم الحقيقة؟ وأنني فتاة نشأت في دار للأيتام.
تناول كلتا يديها، وضغط عليهم برقة، وهو ينظر إليها، رأى في عينيها خوف مما جعله يردف قائلا على الفور:
أمي الآن تعرف كل شيء عنك، وأخذت مباركتها على الزواج منك.
وجدت نفسها تلقائياً تهتف بسعادة:
أخيرًا، متى سألتقي بأمك العزيزة؟
أردف قائلا على الفور:
الآن.
وفي ثانية تتحول السعادة إلى خوف وتوتر، هي لم تكن مستعدة في هذه اللحظة، قالت له:
تقصد الآن أم ماذا؟
كان يزال يمسك يديها، ضغط عليها برقة، وهو يقول بلهجة مطمئنة:
ما بك حبيبتي؟ أراك متوترة.
تلمست ملابسها، وهي تقول له:
أريد تبديل ملابسي بزي مناسب لمناسبة مثل هذه، لا أريد الذهاب الآن، أريد أعداد نفسي أولاً.
نظر إليها برقة، وهو يقول:
حبيبتي أنتِ جميلة، وأرى لا داعي للتأجيل.
-لا أعتقد ذلك، أريد أن يكون أول لقاء بيني وبين والدتك، أن يكون على أكمل وجه، لا يشوبه أي شيء، وأيضًا عزيزي الانطباع الأول يدوم، وأنا أريد ترك انطباع جيد في أول لقاء بيننا.
قال لها فرقة:
هل عندك ثقة في كلامي؟
هزت رأسها وهي تقول:
نعم أثق بك عزيزي جون.
ابتسم في وجهها، وهو يكمل قائلا:
لا داعي للتوتر أذًا، وهيا بنا الآن.
ثم أمسك راحة يدها، وشبك أصابعها الخمسة بأصابعه، وتشابكت الأصابع بعضها مع البعض، ثم شد كف يديها برقة وقال:
هيا بنا حبيبتي.
ردت عليه بلهجة مستسلمة:
ما تريد، سوف أفعل ما تريد.
رحبت بها والدة جون بأذرع مفتوحة، شعرت أوريلا بالسرور، لقد توقعت أن تكون معاملة الأم جافة خالية من الترحيب، والاستياء من أن جون قد التقى وخطط للزواج من فتاة يتيمة غير معروفة النسب، لكن السيدة مريان استقبلتها بحماس شديد.
قالت مريان بابتسامة:
مرحباً ابنتي أوريلا، أنا سعيدة جدًا بلقائك.
ردت عليها أوريلا بابتسامة خجولة:
أنا أسعد سيدتي مريان.
-لا تقول سيدتي مرة أخرى، ولكن قولي أمي مثل جون، فأنتِ مثل ابنتي.
قالت أوريلا:
حسنًا أمي.
قالت لها مريان وهي تبتسم:
هيا بنا لكي نتناول غداءنا سويًا، لقد أعددت جميع أصناف الطعام الذي تحبين تناولها.
ألقت أوريلا نظرة متسائلة تجاه جون، رأت مريان هذه النظرات الموجهة تجاه ابنها، فقالت على الفور:
أرى دهشتك، وكيف لي بعلم ما تحبين من طعام، جون أخبرني كل شيء عنك وما تحبين وما تكرهين.
وأريد أن أخبرك أنني مسرورة جدًا بلقائك، وأرى الآن أن جون قد اختار جيدًا، هيا نذهب إلى الطاولة، قبل أن يصبح الغذاء باردًا.
وعند الانتهاء من تناول الطعام، قالت أوريلا:
لم أذق في حياتي أشهى من هذه المأكولات، سلمت يداك سيدتي.
قاطعتها مريان قائلة:
أمي وليس سيدتي، حبيبتي أوريلا.
أومأت برأسها وأردفت بوجه بشوش:
معذرة، لكن لساني لم يعتد كلمة أمي، فخرجت مني كلمة سيدتي رغمًا عني، أشكرك أمي على هذا الطعام اللذيذ.
ردت عليها بابتسامة بشوشة:
لا داعي للشكر ابنتي أوريلا، سأذهب إلى إحضار الحلويات، دقيقة وسوف أحضر على الفور.
قامت السيدة مريان من مكانها متجهة إلى المطبخ، وبمجرد خروجه أردف جون برقة:
ما رأيك في الطعام؟
-لم أذق في طوال سنوات عمري، أشهى من هذا حبيبي.
-أمي طباخة ماهرة، وتمتلك حسًا رهيبًا في الطعام، كانت تريد أن تصبح طاهية، ولكن والدي عارض هذا، وقال لها طفلك أحق بوقتك واهتمامك، واكتفت فقط بشهادتها في الطبخ، والتزمت المنزل من أجلي وأجل والدي.
تلاعبت أوريلا بالشوكة الموجودة بجوار الطبق الموضوع أمامها قبل أن تقول:
فعلًا السيدة مريان طاهية ممتازة، لكنني أعلم أن والدك توفي منذ سنوات عدّة، فلماذا لم تمارس المهنة التي تحبها يا جون؟
نظر إليها بشرود قبل أن يردف قائلاً:
لا أعلم، ولكن أعتقد أنها تعودت أعمال المنزل، فهي تقوم بشغل وقت فراغها بالعديد من الهوايات.
شعرت بالفضول ثم سألت قائلة:
وما هي هذه الهوايات؟
ابتسم وهو يقول:
في هذه الفترة تمارس أمي هواية الحياكة، وبالأخص ملابس الأطفال الصغار.
ضمت شفتيها وهي تزن ما يقول من كلام داخل ثنايا عقلها، تزن الكلام مع بعضه، وعندما استخلصت المعنى، قالت له بهدوء:
ملابس أطفال ولماذا لا تحيك لك أنتَ عزيزي؟
غمز لها وهو يقول:
تحسبًا للمستقبل، فهي تحلم بهذا اليوم، اليوم الذي سوف ترى فيه أطفالي، وقريبا حلمها هذا سيصبح حقيقة.
شعرت بالضيق، ولكنها استطاعت بسهولة إخفاء امتعاضها مما سمعت، وحدثت نفسها أنها لا ترد إنجاب أطفال في بداية زواجها، فهي تريد الانتظار على الأقل سنتين بعد الزواج، وقررت أنها ستقول له إنها ترغب في تأجيل الإنجاب.
وعندما طال صمتها، ردد جون كلامه:
أين ذهبت أفكارك حبيبتي؟
تنهدت ثم قالت في محاولة لتغيير مجرى الحديث:
سأخبرك، صاحب البناية التي أعيش فيها، أخبرني أنه سيزيد الإيجار من الشهر المقبل، والزيادة ستكون ضعف المبلغ، ثم أكملت بنبرة عالية، تخيل يا جون يريد زيادة الإيجار الضعف.
أومأ برأسه وقال:
فعلًا وماذا ستفعلين؟
دلفت مريان وهي تحمل صينية، موضوع فوقها أطباق التحلية، ابتسمت وهي تقول:
أنا لدي الحل لمشكلتك ابنتي.
أردف جون على الفور:
وما هو الحل الذي لديك أمي؟
ردت بلهجة هادئة رصينة:
الملحق الجانبي للبيت فارغ، ولا أحد يعيش فيه، وسوف يكون حل مثالي لك.
عبست ملامح جون وهو يقول:
لكن أمي الملحق ظل فارغًا لسنوات، ويحتاج تنظيف وأعداد لكي يصلح للعيش بداخله.
ابتسمت وهي تقول بثقة:
يومين بالكثير ويصبح الملحق جديدًا، ما رأيك ابنتي مريان في اقتراحي لك؟
نظرت أوريلا إلى جون، ولكنه التزم الصمت، قضمت شفتيها، وهي ترد قائلة:
لكن لا أريد أن أحملك ما فوق طاقتك أمي.
جلست مريان بجانب أوريلا، وفي محاولة لإقناعها قالت:
لا يوجد تعب ابنتي، أنت في مقام ابنتي وزوجة ابني المستقبلية، وبالعيش بالقرب مني سوف أطمئن عليك، أرجوك اقبلي عرضي بالعيش في ملحق البيت، أرجوك.
تمتمت ثم قالت بلهجة مستسلمة:
أنا موافقة، المهم أيضًا آخذ موافقة جون.
أردفت مريان قائلة بسرعة:
طبعًا جون موافق، ثم نظرت إلى ابنها، وهي تؤكد على كلامها موافقًا، أجلْ موافق.
أومأ برأسه وقال:
نعم يا أمي، أنا أشعر بالسعادة من انتقال أوريلا بالقرب مني، فاليوم الذي سوف تنتقل فيه هنا، هذا اليوم سيكون أسعد يوم في حياتي.
قالت أوريلا:
انتقالي للعيش هنا سيكون لفترة مؤقتة، عندما أجد شقة مناسبة سوف أغادر.
أردفت مريان على الفور:
بالطبع ابنتي.
شعرت أوريلا بأنها وقعت أسيرة في المصيدة، لا تعلم لماذا تملكها هذا الإحساس، كان المفترض أن تشعر بالسعادة، فقد وجدت مكانًا آخر تنتقل إليه، وفي منطقة هادئة وراقية، ظلت صامتة تفكر هل هي سعيدة بهذا الاقتراح أم لا؟
قطع تواصل أفكارها صوت جون قائلًا:
حبيبتي أوريلا، بماذا تفكرين؟
رسمت على وجهها ابتسامة وهي ترد:
أفكر في الوقت الذي سوف أنتقل فيه هنا.
ثم نظرت إلى ساعتها، وقالت بنبرة خافتة لكي يسمعها جون فقط:
لقد تأخرت، وأنت تعلم جيدًا أن صاحب المبنى الذي أسكن فيه، لديه وقت محدد للدخول، ومن يتأخر يمنع من الدخول، وبالطبع لا ترد أن تضعني في هذا الموقف المحرج.
قال جون لها بخفوت:
حسنًا، سوف نغادر الآن عزيزتي.
قالت مريان بفضول:
ماذا تقول جون، ولماذا صوتكم أصبح خافتًا؟ هل هناك سر لا تريدان أن أعرفه؟
قال لها جون:
لا يا أمي، ليس هناك أسرار، ولكن أوريلا تريد الانصراف قبل أن يقفل صاحب البناية البوابة الرئيسية، فهو يمنع أي مستأجر من دخول البناية، عندما يتأخر في الخارج.
ثم انصرف جون ومعه أوريلا، وفي الداخل السيارة قال لها:
ما بك حبيبتي؟ أراك شاردة طوال الطريق، أهناك شيء أصابك بالضيق عند أمي؟ هل قالت أمي أي كلمة أزعجتك؟
هزت رأسها نافية ثم قالت:
لا، أمك طيبة، أنا شعرت بسعادة غامرة تجاه دفء استقبال أمك، وسعدت بإتاحة الفرصة لي لكي أتعرف على الوالدة عن كثب.
قال لها وهو ينظر إليها بتمعن:
إذًا ما بك؟ وما سر هذه النظرة التي أراه في عينيك؟
تنهدت بعمق، وأخرجت زفيرًا قويًا، وهي تقول بشرود:
لا أعلم يا جون، المفروض أن أكون سعيدة ولكن.
ثم التزمت الصمت، ولم تكمل باقي حديثها.
قال لها جون بإصرار:
ولكن ماذا يا أوريلا؟ ولكن ماذا؟
تمتمت قائلة:
ولكن تعودت دائمًا أن اعتمد على نفسي، وما حدث اليوم اعتبرته تدخل في حياتي.
قال لها جون بصوت مطمئن:
ولماذا لا يكون حبًا، وليس تدخلاً، أمي أحبتك من أول لقاء بينكم.
-وأنا أيضًا يا جون أحببتها.
عادت أوريلا من ذكرياتها، ونظرت إلى مبنى الشركة الذي يعمل فيه جون بشرود، وتنهدت بعمق ثم قالت بخفوت:
أنتِ السبب فيما حدث، انتقالك إلى منزل السيدة مريان كانت غلطة فادحة.
ثم شردت مرة أخرى وهي تتذكر ما حدث لاحقًا.
وقفت أوريلا تنظر بإعجاب إلى الغرفة التي تقف في منتصفها.
سألت مريان:
ما رأيك في ذوقي؟ في ألوان الحائط؟
ردت عليها أوريلا بلهجة ممتنة:
ذوقك رائع، مثل الطعام الذي تناولته من يديك.
أردفت قائلة بابتسامة، وهي تشير بيديها على الأثاث القديم:
كل هذا سوف يتم تبديله بأثاث جديد.
قاطعتها أوريلا قائلة:
لا داعي لكل هذا، مكوثي بعض أسابيع لا يستدعي كل هذه التكاليف والمصاريف الباهظة، فعلًا يكفيني هذا الأثاث، فهو رائع.
قالت مريان:
هناك داعي حقًّا ولابد أن يكون كل هذا الأثاث جديدًا.
قاطعته أوريلا:
أرى أمي لا داعي لهذه الأموال التي سوف يتم إنفاقها على شراء أثاث جديد، أنا لن أستقر هنا كثيرًا.
نظرت مريان إلى جون وقالت:
لم تخبرها باتفاقنا بعد يا ابني، بأن هذا الملحق سيكون بعد الانتهاء منها بمنزلة شَقَّة صغيرة لكم.
نظر إليها جون بحدة، وقال بصوت خافت يكاد يكون غير مسموع سوى للشخص الواقف جواره:
لا أمي لم أخبرها، لم أفتح هذه المحادثة معها حتى الآن، وكنت أنتظر الوقت المناسب.
ثم أكمل بلهجة يشوبها اللوم:
شكرًا أمي على التدخل، أرجوك هذا ليس الوقت المناسب.
همست الأم بصوت مكتوم:
متى؟ قل لي متى؟
رد عليها بخفوت:
لاحقاً، أريد تمهيد الموضوع أولًا، أنا أعرف طبيعية أوريلا وشخصيتها المعقدة، سوف أمهد لها الحديث أولًا، لكي تتقبل السكن في منزل أم زوجها.
وعندما انصرفت الأم، قالت أوريلا:
أمك ماذا كانت تقصد بكلامها هذا يا جون؟
قال لها وهو يشعر بالتوتر:
لاحقًا حبيبتي، سوف أخبرك بكل شيء، دعينا نتحدث الآن في الكلام المهم.
قال آخر جملة بنبرة صوت، تعلمها جيدًا عندما يريد قول شيء يعلم أنها لن يعجبها.
-وما هو الحديث المهم، دعني أبتهج بحديثك الذي أشك فيه أن يجعلني سعيدة.
قال لها جون:
أسمع في صوتك نبرة ساخرة.
مطت شفتيها وهي تقول:
هذا بسبب شعوري السيئ فيما سوف تقوله، لا يوجد مرة استخدمت هذه النبرة، إلا لو قلت شيئًا لم يعجبني.
أردف قائلا بنبرة ناعمة:
أنتِ دائمًا تشكِ في كل كلمة أقولها حبيبتي، أنا أريد المصلحة العامة.
نظرت إليه بتمعن ثم زمت شفتيها وهي تقول:
تكلم يا جون في الموضوع مباشرة، دون الالتفاف في الحديث، قل لي ما هذا الموضوع المهم.
أجلى صوته وهو يقول بنبرة رقيقة ناعمة:
ما رأيك أن يتم الزواج بعد شهرين من يومنا هذا؟
ابتسمت وهي تسمع كلامه ثم اختفت ابتسامتها بالتدريج؛ وهي تتذكر خطتها لإكمال دراستها العليا في كلية توجد في مدينة أخرى بعيدة.
نظرت إليه بصمت ثم قالت بلهجة مصدومة:
شهرين! جون أنت تعلم سعادتي بسماع هذا الخبر، ولكنك تعلم برغبتي في التقدم برسالة الماجستير في بداية الدراسة، ولكن تحديدك وقت زواجنا في هذا التوقيت صعب عليَّ.
لكن البركان الموجود بداخلها جعلها تفقد السيطرة على نفسها، فهي عادة ما تكون هادئة معظم الوقت، لكن هذا الموقف وما ستفعله يجعلها متوترة، فهي قررت إنهاء خطبتها، أرادت إنهاء هذه العِلاقة بسرعة.
التي أصبحت بعد مدّة من الزمن عِلاقة تعيسة، وتجعلها تشعر بالتوتر والحزن والألم، فهي فتاة يتيمة تتمتع بدرجة عالية من الجمال، لم تبالي بنظرات الإعجاب من قبل بعض الشباب عندما مرت بجوارهم، فهي اعتادت دومًا هذه النظرات.
ضربتها أشعة الشمس الدافئة بالسهام لتظهر توهجًا جميلًا على بشرتها البيضاء النقية، كانت ترتدي حلة رمادية تعبر عن حالتها النفسية، وشعرها النحاسي يزداد إشراقًا؛ بسبب أثر ضوء الشمس على شعرها.
يبدو أن شكلها وجسدها الطويل والممتلئ في بعض الأماكن، وخطواتها وهي تمشي، تؤكد أنها تمتلك الشكل الأنثوي المثالي، رغبة كل رجل.
أخذت تفكر وذهبت ذكرياتها إلى عدة شهور ماضية، وهي تمشي، وكانت الأفكار تتشابك بعضها البعض، بطريقة فوضوية في عقلها.
كم كانت سعيدة للغاية عندما غادرت الميتم، وسافرت بعيدًا إلى بلد أخرى لكي تبدأ حياة جديدة.
فهي صممت على إنهاء تعليمها، ونيل شهادة تعينها على قسوة الحياة، لكي تعتمد على نفسها في هذه الدنيا، أنهت دراستها في كُلْيَة التمريض.
نجحت في اجتيازها النهائي بمرتبة الشرف، وفي خلال مدّة دراستها تعرفت به، ونشأت بينهم عِلاقة حب، كللت في النهاية بأنه تقدم لخطبتها على الرغم من علمه أنها يتيمة وحيدة، ولكن هذا لم يمنعه من التقدم لها، وقوله لها أنه يريدها زوجة له في السراء والضراء، وأنها الفتاة الوحيدة التي أحبها.
هي أيضًا أحبته، وشعرت في قراره نفسها بالسعادة، بأن هناك رجل يريدها بغض النظر عن انعدام أصولها.
نظرت أمامها بشرود، وهي تتذكر أسعد يوم في حياتها، ذكريات هذا اليوم سوف تظل محفورة في طيات عقلها إلى الأبد.
ابتسم في وجهها، وهو يقول بنبرة رقيقة:
أريد أن أخبرك بموضوع مهم حبيبتي، أريد قول شيء مهم لا يحتمل التأخير يوم واحد.
بادلته الابتسامة ثم أردفت قائلة:
ما هذا الأمر المهم الذي لا يتحمل التأخير يوم واحد؟
قال جون بابتسامة:
أنا أتكلم بجدية.
صمتت قبل أن تقول بلهجة مرحة:
هل يحتمل التأخير يوم أو دقيقة أم ثانية؟ أم لا.
رد عليها جون:
كان يجب أن أقول منذ البداية أن هذا الموضوع، لا يتحمل التأخير ثانية واحدة.
نظر في عينيها، وهو يقول لها بحب:
أخيرًا يا حبيبتي، سنكون معًا.
نظرت إليه صامتة، ثم اتسعت عيونها، عندما استوعبت ما يقول من كلام، هتفت بنبرة غير مصدقة:
هل ما أفكر به صحيح يا جون؟ هيا تكلم ولا تجعلني أنتظر كثيرًا.
أومأ برأسه، وقال بابتسامة رقيقة ناعمة:
نعم، صحيح يا أوريلا، البارحة وأنا مع أمي، وفي لحظة صفاء بيننا، أخبرتها بأن هناك فتاة أحبها، وأريد الزواج منها.
انقبض قلبها قبل أن تتحدث بلهجة خافتة:
أخبرتها عن كل شيء بشأني يا جون، هل تعلم من أنا؟ هل تعلم الحقيقة؟ وأنني فتاة نشأت في دار للأيتام.
تناول كلتا يديها، وضغط عليهم برقة، وهو ينظر إليها، رأى في عينيها خوف مما جعله يردف قائلا على الفور:
أمي الآن تعرف كل شيء عنك، وأخذت مباركتها على الزواج منك.
وجدت نفسها تلقائياً تهتف بسعادة:
أخيرًا، متى سألتقي بأمك العزيزة؟
أردف قائلا على الفور:
الآن.
وفي ثانية تتحول السعادة إلى خوف وتوتر، هي لم تكن مستعدة في هذه اللحظة، قالت له:
تقصد الآن أم ماذا؟
كان يزال يمسك يديها، ضغط عليها برقة، وهو يقول بلهجة مطمئنة:
ما بك حبيبتي؟ أراك متوترة.
تلمست ملابسها، وهي تقول له:
أريد تبديل ملابسي بزي مناسب لمناسبة مثل هذه، لا أريد الذهاب الآن، أريد أعداد نفسي أولاً.
نظر إليها برقة، وهو يقول:
حبيبتي أنتِ جميلة، وأرى لا داعي للتأجيل.
-لا أعتقد ذلك، أريد أن يكون أول لقاء بيني وبين والدتك، أن يكون على أكمل وجه، لا يشوبه أي شيء، وأيضًا عزيزي الانطباع الأول يدوم، وأنا أريد ترك انطباع جيد في أول لقاء بيننا.
قال لها فرقة:
هل عندك ثقة في كلامي؟
هزت رأسها وهي تقول:
نعم أثق بك عزيزي جون.
ابتسم في وجهها، وهو يكمل قائلا:
لا داعي للتوتر أذًا، وهيا بنا الآن.
ثم أمسك راحة يدها، وشبك أصابعها الخمسة بأصابعه، وتشابكت الأصابع بعضها مع البعض، ثم شد كف يديها برقة وقال:
هيا بنا حبيبتي.
ردت عليه بلهجة مستسلمة:
ما تريد، سوف أفعل ما تريد.
رحبت بها والدة جون بأذرع مفتوحة، شعرت أوريلا بالسرور، لقد توقعت أن تكون معاملة الأم جافة خالية من الترحيب، والاستياء من أن جون قد التقى وخطط للزواج من فتاة يتيمة غير معروفة النسب، لكن السيدة مريان استقبلتها بحماس شديد.
قالت مريان بابتسامة:
مرحباً ابنتي أوريلا، أنا سعيدة جدًا بلقائك.
ردت عليها أوريلا بابتسامة خجولة:
أنا أسعد سيدتي مريان.
-لا تقول سيدتي مرة أخرى، ولكن قولي أمي مثل جون، فأنتِ مثل ابنتي.
قالت أوريلا:
حسنًا أمي.
قالت لها مريان وهي تبتسم:
هيا بنا لكي نتناول غداءنا سويًا، لقد أعددت جميع أصناف الطعام الذي تحبين تناولها.
ألقت أوريلا نظرة متسائلة تجاه جون، رأت مريان هذه النظرات الموجهة تجاه ابنها، فقالت على الفور:
أرى دهشتك، وكيف لي بعلم ما تحبين من طعام، جون أخبرني كل شيء عنك وما تحبين وما تكرهين.
وأريد أن أخبرك أنني مسرورة جدًا بلقائك، وأرى الآن أن جون قد اختار جيدًا، هيا نذهب إلى الطاولة، قبل أن يصبح الغذاء باردًا.
وعند الانتهاء من تناول الطعام، قالت أوريلا:
لم أذق في حياتي أشهى من هذه المأكولات، سلمت يداك سيدتي.
قاطعتها مريان قائلة:
أمي وليس سيدتي، حبيبتي أوريلا.
أومأت برأسها وأردفت بوجه بشوش:
معذرة، لكن لساني لم يعتد كلمة أمي، فخرجت مني كلمة سيدتي رغمًا عني، أشكرك أمي على هذا الطعام اللذيذ.
ردت عليها بابتسامة بشوشة:
لا داعي للشكر ابنتي أوريلا، سأذهب إلى إحضار الحلويات، دقيقة وسوف أحضر على الفور.
قامت السيدة مريان من مكانها متجهة إلى المطبخ، وبمجرد خروجه أردف جون برقة:
ما رأيك في الطعام؟
-لم أذق في طوال سنوات عمري، أشهى من هذا حبيبي.
-أمي طباخة ماهرة، وتمتلك حسًا رهيبًا في الطعام، كانت تريد أن تصبح طاهية، ولكن والدي عارض هذا، وقال لها طفلك أحق بوقتك واهتمامك، واكتفت فقط بشهادتها في الطبخ، والتزمت المنزل من أجلي وأجل والدي.
تلاعبت أوريلا بالشوكة الموجودة بجوار الطبق الموضوع أمامها قبل أن تقول:
فعلًا السيدة مريان طاهية ممتازة، لكنني أعلم أن والدك توفي منذ سنوات عدّة، فلماذا لم تمارس المهنة التي تحبها يا جون؟
نظر إليها بشرود قبل أن يردف قائلاً:
لا أعلم، ولكن أعتقد أنها تعودت أعمال المنزل، فهي تقوم بشغل وقت فراغها بالعديد من الهوايات.
شعرت بالفضول ثم سألت قائلة:
وما هي هذه الهوايات؟
ابتسم وهو يقول:
في هذه الفترة تمارس أمي هواية الحياكة، وبالأخص ملابس الأطفال الصغار.
ضمت شفتيها وهي تزن ما يقول من كلام داخل ثنايا عقلها، تزن الكلام مع بعضه، وعندما استخلصت المعنى، قالت له بهدوء:
ملابس أطفال ولماذا لا تحيك لك أنتَ عزيزي؟
غمز لها وهو يقول:
تحسبًا للمستقبل، فهي تحلم بهذا اليوم، اليوم الذي سوف ترى فيه أطفالي، وقريبا حلمها هذا سيصبح حقيقة.
شعرت بالضيق، ولكنها استطاعت بسهولة إخفاء امتعاضها مما سمعت، وحدثت نفسها أنها لا ترد إنجاب أطفال في بداية زواجها، فهي تريد الانتظار على الأقل سنتين بعد الزواج، وقررت أنها ستقول له إنها ترغب في تأجيل الإنجاب.
وعندما طال صمتها، ردد جون كلامه:
أين ذهبت أفكارك حبيبتي؟
تنهدت ثم قالت في محاولة لتغيير مجرى الحديث:
سأخبرك، صاحب البناية التي أعيش فيها، أخبرني أنه سيزيد الإيجار من الشهر المقبل، والزيادة ستكون ضعف المبلغ، ثم أكملت بنبرة عالية، تخيل يا جون يريد زيادة الإيجار الضعف.
أومأ برأسه وقال:
فعلًا وماذا ستفعلين؟
دلفت مريان وهي تحمل صينية، موضوع فوقها أطباق التحلية، ابتسمت وهي تقول:
أنا لدي الحل لمشكلتك ابنتي.
أردف جون على الفور:
وما هو الحل الذي لديك أمي؟
ردت بلهجة هادئة رصينة:
الملحق الجانبي للبيت فارغ، ولا أحد يعيش فيه، وسوف يكون حل مثالي لك.
عبست ملامح جون وهو يقول:
لكن أمي الملحق ظل فارغًا لسنوات، ويحتاج تنظيف وأعداد لكي يصلح للعيش بداخله.
ابتسمت وهي تقول بثقة:
يومين بالكثير ويصبح الملحق جديدًا، ما رأيك ابنتي مريان في اقتراحي لك؟
نظرت أوريلا إلى جون، ولكنه التزم الصمت، قضمت شفتيها، وهي ترد قائلة:
لكن لا أريد أن أحملك ما فوق طاقتك أمي.
جلست مريان بجانب أوريلا، وفي محاولة لإقناعها قالت:
لا يوجد تعب ابنتي، أنت في مقام ابنتي وزوجة ابني المستقبلية، وبالعيش بالقرب مني سوف أطمئن عليك، أرجوك اقبلي عرضي بالعيش في ملحق البيت، أرجوك.
تمتمت ثم قالت بلهجة مستسلمة:
أنا موافقة، المهم أيضًا آخذ موافقة جون.
أردفت مريان قائلة بسرعة:
طبعًا جون موافق، ثم نظرت إلى ابنها، وهي تؤكد على كلامها موافقًا، أجلْ موافق.
أومأ برأسه وقال:
نعم يا أمي، أنا أشعر بالسعادة من انتقال أوريلا بالقرب مني، فاليوم الذي سوف تنتقل فيه هنا، هذا اليوم سيكون أسعد يوم في حياتي.
قالت أوريلا:
انتقالي للعيش هنا سيكون لفترة مؤقتة، عندما أجد شقة مناسبة سوف أغادر.
أردفت مريان على الفور:
بالطبع ابنتي.
شعرت أوريلا بأنها وقعت أسيرة في المصيدة، لا تعلم لماذا تملكها هذا الإحساس، كان المفترض أن تشعر بالسعادة، فقد وجدت مكانًا آخر تنتقل إليه، وفي منطقة هادئة وراقية، ظلت صامتة تفكر هل هي سعيدة بهذا الاقتراح أم لا؟
قطع تواصل أفكارها صوت جون قائلًا:
حبيبتي أوريلا، بماذا تفكرين؟
رسمت على وجهها ابتسامة وهي ترد:
أفكر في الوقت الذي سوف أنتقل فيه هنا.
ثم نظرت إلى ساعتها، وقالت بنبرة خافتة لكي يسمعها جون فقط:
لقد تأخرت، وأنت تعلم جيدًا أن صاحب المبنى الذي أسكن فيه، لديه وقت محدد للدخول، ومن يتأخر يمنع من الدخول، وبالطبع لا ترد أن تضعني في هذا الموقف المحرج.
قال جون لها بخفوت:
حسنًا، سوف نغادر الآن عزيزتي.
قالت مريان بفضول:
ماذا تقول جون، ولماذا صوتكم أصبح خافتًا؟ هل هناك سر لا تريدان أن أعرفه؟
قال لها جون:
لا يا أمي، ليس هناك أسرار، ولكن أوريلا تريد الانصراف قبل أن يقفل صاحب البناية البوابة الرئيسية، فهو يمنع أي مستأجر من دخول البناية، عندما يتأخر في الخارج.
ثم انصرف جون ومعه أوريلا، وفي الداخل السيارة قال لها:
ما بك حبيبتي؟ أراك شاردة طوال الطريق، أهناك شيء أصابك بالضيق عند أمي؟ هل قالت أمي أي كلمة أزعجتك؟
هزت رأسها نافية ثم قالت:
لا، أمك طيبة، أنا شعرت بسعادة غامرة تجاه دفء استقبال أمك، وسعدت بإتاحة الفرصة لي لكي أتعرف على الوالدة عن كثب.
قال لها وهو ينظر إليها بتمعن:
إذًا ما بك؟ وما سر هذه النظرة التي أراه في عينيك؟
تنهدت بعمق، وأخرجت زفيرًا قويًا، وهي تقول بشرود:
لا أعلم يا جون، المفروض أن أكون سعيدة ولكن.
ثم التزمت الصمت، ولم تكمل باقي حديثها.
قال لها جون بإصرار:
ولكن ماذا يا أوريلا؟ ولكن ماذا؟
تمتمت قائلة:
ولكن تعودت دائمًا أن اعتمد على نفسي، وما حدث اليوم اعتبرته تدخل في حياتي.
قال لها جون بصوت مطمئن:
ولماذا لا يكون حبًا، وليس تدخلاً، أمي أحبتك من أول لقاء بينكم.
-وأنا أيضًا يا جون أحببتها.
عادت أوريلا من ذكرياتها، ونظرت إلى مبنى الشركة الذي يعمل فيه جون بشرود، وتنهدت بعمق ثم قالت بخفوت:
أنتِ السبب فيما حدث، انتقالك إلى منزل السيدة مريان كانت غلطة فادحة.
ثم شردت مرة أخرى وهي تتذكر ما حدث لاحقًا.
وقفت أوريلا تنظر بإعجاب إلى الغرفة التي تقف في منتصفها.
سألت مريان:
ما رأيك في ذوقي؟ في ألوان الحائط؟
ردت عليها أوريلا بلهجة ممتنة:
ذوقك رائع، مثل الطعام الذي تناولته من يديك.
أردفت قائلة بابتسامة، وهي تشير بيديها على الأثاث القديم:
كل هذا سوف يتم تبديله بأثاث جديد.
قاطعتها أوريلا قائلة:
لا داعي لكل هذا، مكوثي بعض أسابيع لا يستدعي كل هذه التكاليف والمصاريف الباهظة، فعلًا يكفيني هذا الأثاث، فهو رائع.
قالت مريان:
هناك داعي حقًّا ولابد أن يكون كل هذا الأثاث جديدًا.
قاطعته أوريلا:
أرى أمي لا داعي لهذه الأموال التي سوف يتم إنفاقها على شراء أثاث جديد، أنا لن أستقر هنا كثيرًا.
نظرت مريان إلى جون وقالت:
لم تخبرها باتفاقنا بعد يا ابني، بأن هذا الملحق سيكون بعد الانتهاء منها بمنزلة شَقَّة صغيرة لكم.
نظر إليها جون بحدة، وقال بصوت خافت يكاد يكون غير مسموع سوى للشخص الواقف جواره:
لا أمي لم أخبرها، لم أفتح هذه المحادثة معها حتى الآن، وكنت أنتظر الوقت المناسب.
ثم أكمل بلهجة يشوبها اللوم:
شكرًا أمي على التدخل، أرجوك هذا ليس الوقت المناسب.
همست الأم بصوت مكتوم:
متى؟ قل لي متى؟
رد عليها بخفوت:
لاحقاً، أريد تمهيد الموضوع أولًا، أنا أعرف طبيعية أوريلا وشخصيتها المعقدة، سوف أمهد لها الحديث أولًا، لكي تتقبل السكن في منزل أم زوجها.
وعندما انصرفت الأم، قالت أوريلا:
أمك ماذا كانت تقصد بكلامها هذا يا جون؟
قال لها وهو يشعر بالتوتر:
لاحقًا حبيبتي، سوف أخبرك بكل شيء، دعينا نتحدث الآن في الكلام المهم.
قال آخر جملة بنبرة صوت، تعلمها جيدًا عندما يريد قول شيء يعلم أنها لن يعجبها.
-وما هو الحديث المهم، دعني أبتهج بحديثك الذي أشك فيه أن يجعلني سعيدة.
قال لها جون:
أسمع في صوتك نبرة ساخرة.
مطت شفتيها وهي تقول:
هذا بسبب شعوري السيئ فيما سوف تقوله، لا يوجد مرة استخدمت هذه النبرة، إلا لو قلت شيئًا لم يعجبني.
أردف قائلا بنبرة ناعمة:
أنتِ دائمًا تشكِ في كل كلمة أقولها حبيبتي، أنا أريد المصلحة العامة.
نظرت إليه بتمعن ثم زمت شفتيها وهي تقول:
تكلم يا جون في الموضوع مباشرة، دون الالتفاف في الحديث، قل لي ما هذا الموضوع المهم.
أجلى صوته وهو يقول بنبرة رقيقة ناعمة:
ما رأيك أن يتم الزواج بعد شهرين من يومنا هذا؟
ابتسمت وهي تسمع كلامه ثم اختفت ابتسامتها بالتدريج؛ وهي تتذكر خطتها لإكمال دراستها العليا في كلية توجد في مدينة أخرى بعيدة.
نظرت إليه بصمت ثم قالت بلهجة مصدومة:
شهرين! جون أنت تعلم سعادتي بسماع هذا الخبر، ولكنك تعلم برغبتي في التقدم برسالة الماجستير في بداية الدراسة، ولكن تحديدك وقت زواجنا في هذا التوقيت صعب عليَّ.