الفصل الثامن اللقاء المنتظر

الفصل الثامن "اللقاء المنتظر"


يحدث أن ترتاب نفسك من شخص ما، هكذا دون سابق لقاء، تتنكر له روحك وتضطرب، يحدثك قلبك بخطب ما فيه، بلوثة في روحه، وسواد يملأ صدره، يخبرك بزيف تدليسه، فاحذره لكن دون استجابة منك. تتوالى المواقف والأحداث، وتصادق هذا الشخص، يخدعك ويتلون بقناعًا أخر لتظن أنك قد أخطئت بالحكم عليه.

انتفضت "سيرين" من نومها مفزعة، فقد راودتها بعض الكوابيس المزعجة واقلقت مضجعها، فتحت عينيها وتذكر ملامح "جونجان" وهي تخبرها بصوت فحيح الأفاعي " لا تدعيه يقرأ أفكارك"

ظلت تلك الجملة تتردد على مسامعها، وشعرت بالضيق يتسلل لقلبها تخشي تلك اللقاء المنتظز الذي يجمعها بذلك" ال سادم"
فاقت من شرودها على أصوات ضوضاء تحدث بالمشفى، حالة من الهرج والمرج والفزع أصابت الجميع عندما عثرت الشرطة الفيدرالية على جثمان فتاة أخرى وأتت بها لهنا ليتم تشريح الجثة ومحاولة للبحث عن ثغرة تصلهم للقاتل المتسلسل الذي يزهق أرواح هؤلاء الفتيات الأبرياء

شهقت بصدمة عندما استمعت لحديث المحقق عن الجريمة التي حدثت لتلك الزهرة البريئة ووضعت كفيها على فاها بعدم تصديق بما سمعته أذنها.
دلف "سادم" في ذلك الوقت المشفى واوقفه المحقق الذي يتولى امر التحقيق ليخبره بما حدث وقد ارتكب القاتل جريمة أخرى وعليه أن يصلهم التشريح لشيء يخبرهم عن هوية القاتل المجنون ذاك.

هز رأسه بإيماءة خفيفة ثم سار بخطوات واثقة لمتابعة عمله، لم تسعها الفرصة برؤيته بوضوح فقد كانت تزرف الدموع بسبب ما حدث لتلك المسكينة وتسالت داخلها اذا كانت أحدي صديقتيها مكان هذه الفتاة او هي نفسها، موقف لا تتمناه لألد أعدائها.

توجها إلى غرفة مكتبه أولا نزع عن كتفه المعطف الشتوي ثم دلف داخل المرحاض ليبدل ملابسه ببذلة المشفى الزرقاء ثم ارتدى المعطف الأبيض
ليستمع لطرقات أعلى باب مكتبه ثم دلف مساعده
"جاك" قائلا بتلهف:

-علمت بما حدث أستاذي، هنا ضحية أخرى لذلك المجرم اللعين، عجبًا من الشرطة التي لم تقبض على القاتل حتى الآن
زفر بحنك وقال:
-لا أحد يعمل بجهد مثلنًا جاك، هيا اتبعني لغرفة التشريح
تنحنح جاك وقرر اخباره بالفتاة التي أتت أمس وتريد أن تعمل تحت أشرافه

-ماذا بك جاك؟
- تعلم أستاذي بخبر زفافي اخر الشهر الجاري وحضرت فتاة بالأمس تتسال عنك وتريد ان تنال شرف مساعدتك والتعلم من خبرتك الماهرة و عدتها بأن تلتقي بك اليوم، فهي مصابة إصابة طفيفة في كاحلها وهنا بالمشفى
-حسنًا جاك احضرها معك واتبعني لحيث المشرحة
-حسناً أستاذي

غادر جاك بحثًا عن سيرين، وجدها تبكي داخل غرفتها، اقترب منها بقلق وهتف قائلا:
- ماذا بكِ؟ هل قدمك تؤلمك؟
هزت راسها نافية وقالت بصوت حزين:
-ما ذنبها ليحدث معها ذلك؟
ضيق حاجبيه بعدم فهم ثم قال مندهشًا:
-ماذا تقصدين أنا لم افهمكِ؟
- الفتاة بأي ذنب قُتلت؟

فهم سبب دموعها ثم جلس بجوارها وقص عليها ما حدث الآونة الأخيرة وكم فتاة كانت ضحية لقاتل متسلسل وإلى الآن لم تعثر الشرطة الفيدراليه عليه لازال حر طليق وأرواح الفتيات مُهددة..

بعدما علمت كل شيء عن الضحايا واليوم ستلتقي ب" سادم" وتكون مساعدته الخاصة، ارتجف قلبها بخوف وذعر، وهي أيضا لن تتحمل رؤية فتاة بذلك الوضع المؤسف والمُحزن.

لعنت حظها الذي اوقعها في قبضة تلك المشعوذة الشريرة وقدرها الذي ساقها إلى هنا، كم تمنت أن تعود إلى أحضان والديها ثانيًا فهي بحاجة ماسة إليهما.
نهضت بهدوء وحاولت أستجماع شتاتها وسارت بخطوات متبطئة بجانب "جاك" كانت تقدم ساق وتأخر الأخرى خوفًا من مصيرها المحتم.

طرق جاك باب المشرحة ثم دلف وهو ينظر خلفه يدعها للقدوم:
- تفضلي سيرو
خطت بأولى خطواتها ذلك هذا المكان المُهيب وعندما رفعت مقلتيها ألتقت بالطبيب "سادم" بهيئته الجادة وجسده القوي فقد كان يفوقها طولا وملامحه مميزة بوجه ابيض وشعر بني يصل لاسفل عنقه كم يمتلك مقلتيه ساحرتين بلون الموج الثائر وحاجبين بنيين كثيفين وجبهة عريضة وانف مستقم وشفتيه واسعة وعلامة الحُسن تُزين ذقنه النامية.

جف حلقها بتوتر وهي تطالعه بريبة فرغم وسامته وجمال طلته الساحرة لأي فتاة مثلها إلا أنها لم تشعر إلا بالخوف
تقدم هو بخطواته الواثقة ثم مد يده يصافحها بلباقة:
- مرحبًا بكِ أيتها الطبيبة المصرية
صافحته بتوتر وهي تؤمي راسها بخفة:
- مرحباً بك سررت بمقابلتك
- حدثني جاك عنكِ، وسعدت بقرارك هذا ولكن هل انتِ مستعدة على خوض تلك التجربة معي من الآن وصاعد؟
ثم استطرد قائلا:
- مشاهدتك لشخص متوفي ليس بهين على الإطلاق، عملنا يحتاج لقلب شُجعاع قوي يتحمل قسوة ما تراه أعيننا ويشعر به وجداننا

تبسم لها عندما علم بخوفها وترددها وأراد أن تكون لعبته في الوقت الراهن، فهو شخص غامض وكثير العلم والمعرفة ويظل يبحث عن كل ما يثير فضوله، وتلك الفتاة الشرقية أثارت فضوله وأراد التقرب منها
عندما لم يأتيه اجابتها، نظر لجاك وقال بمرح:

- هيا جاك دورك ك مساعد انتهى من اليوم، هيا يا صاح مازال لديك الكثير من تحضيرات العُرس، وهذه الشرقية الحسناء تتولى مكانك
شكره جاك بامتنان ونظر لسيرين مودعا اياها :
- سررت بمقابلتك سيرو، حظًا موفقًا، إلى اللقاء
-إلى اللقاء جاك

غادر جاك المشرحة وهتف سادم متسألا عن أسمها:
- لم تخبرني الحسناء الجميلة بأسمها؟
-"سيرين"
- اسم رائع
- اشكرك
أعطاها المعطف الطبي لترتديه ثم اقترب من الفراش الذي يوجد أعلاه الفتاة التي سيتولى أمر تشريحها ومعرفة سبب وفاتها.

ارتدت سيرين المعطف ورفعت خصلاتها البنيه لأعلى ثم تقدمت منه، عندما رفع سادم الغطاء عن الفتاة لم تتحمل رؤية ذلك المشهد فخارت قواها وفقدت وعيها
قبل أن تسقط أرضًا التقفتها ذراعيه يحولها من السقوط وحملها برفق ثم غادر بها غرفة المشرحة وتوجها بها إلى حيث مكتبه، أراح جسدها أعلى الاريكة الموضوعة داخل غرفة مكتبه، ثم اقترب من درج مكتبه فتحه وأخرج من داخله زجاجة عطره وعاد بها إلى سيرين

فك الوشاح الذي كان محاوط عنقها وفك اول ازرار سترتها ثم نثر عطره بجانبي عنقها، ونثر القليل على كفيه ثم قربهما من وجنتيها ربت بهما بنعومة وقرب كفه من انفها الصغير لتشتم رائحته وتسترد وعيها.

قرر تلك الفعلة لتفتح بركتي العسل خاصتها تطالعه بوهن، حاولت قراءة أفكاره ولكنها لم تنجح، ابتعد عنها بهدوء وهو يبتر كلماته بحنق :
-إذا كنتِ بخير، من الأفضل لكِ العودة من حيث اتيتي، هذا المكان لا يليق بكِ يا شرقية

نهضت غاضبًا فقد شعرت باستهزاءه المبطن وهي لن تتقبله وقررت تحدي نفسها كما أنها لن نستطيع العودة إلي"جونجان" بدونه
ردت بجدية:
-شعرت بدوخة فقط من أجل عندم تناولي الطعام ليس إلا

رفع حاجبيه وهو يطالعها بمراوغة ثم قال بتحدي:
- حسنًا نتناول الإفطار معًا ثم نعود لاكمال عملنا، تفضلي
أشار بيده لكي تغادر معه مكتبة ثم توجها سويا إلى حيث المطعم الخاص بالمشفى وطلب طعام الإفطار لهما، وكلما حاول النظر إليها داخل مقلتيها تبتعد هي خوفًا من قراءة أفكارها هي الأخرى وينكشف أمرها.

تنهد هو بضيق عندما لم ينجح في اختراق عقلها، كأنها وضعت جدارًا من الحديد صعب أختراقه
نهض عن مقعده ثم قال بجدية:
- هل أنتِ مُستعدة الأن لخوض أول تدريب عملي؟
نهضت هي الأخرى عن مقعدها وقالت:
-بالطبع مُستعدة
-حسناً اتبعيني

سار هو بخطوات واسعة وهي خلفه تحاول الالحاق به بسبب أصابة قدمها فهي تسير ببطء
ثم وقف أمام المشرحة يتطلع لها وهي تتقدم منه بخطوات ثقيلة فتح الباب ووقف على اعتابه ينتظرها ثم أشار لها بالدخول وبعد أن ولجت للداخل أوصد الباب خلفه بالمزلاج

لوهلة رفعت أنظارها تلتقي بملامحه الصارمة الأن فهو يتبدل من حين لآخر
هتف هو بمكر وتلاعب:
- لا تخافين يا صغيرة لن اتحرش بكِ، كل ما في الأمر لم اسمح بالازعاج وأنا أباشر عملي

وقعت كلماته عليها بمشاعر متوترة خجلة وتوردت وجنتيها بحمرة قانية، هو يتلاعب بها ويتفنن في قراءة لغة الجسد واذا لم يستطع قراءة أفكارها وما يحوم داخل عقلها فهو سعيد الان وهو يقراء لغة جسدها

فتاة شرقية حسناء تمتلك من القوام ما يكفي للاطاحة باي شاب ولكن هو ليس كمثله أحد، وجدها خجلة وتتصنع القوة ولكن لغتها فضحتها فلديها من التوتر والخوف الرهبة ومشاعر مشتتة في حضوره ولكن لم يرا بعينيها لغة الإعجاب بشخصه ووسامته.

ظل يجوب ببحور عينيه ذهابا وايابا على ملامح وجهها بدقة يحاول أختراق حصون أفكارها ولكن نجحت سيرين في وضع حاجزًا بينهما وقالت بصوت جاد:
-تفضل أستاذي لبدء أولى خطوات الدرس الأول

ارتدى "سادم" القفازات الطبية وفعلت "سيرين" مثله وكشف عن وجه الفتاة، رجفة قوية أحتاجت جسدها ولكنها تمالكت تلك المرة من السقوط والاستسلام

أرد اللعب على مشاعرها كفتاة وازاح الغطاء بأكمله ليبرز جسد الفتاة وصدرها المشقوق حيث مكان القلب فارغًا و أثر تعذيبًا وكدمات متفرقة بانحاء جسدها النض كما يوجد دماء مجمدة مُلطخة على فخديها، لم تتحمل أكثر من ذلك انهمرت دموعها وهتفت بذعر :
-لماذا...؟ لماذا يفعل بهن ذلك ويتركهن بهذه الحالة التي فوق أستعاب وتحمل البشر؟
ثم اردفت قائلة هذا ليس بشري على الإطلاق

لم يكترث لصرختها المكلومة، أدار جسد الفتاة على وجهها ليظهر الوشم الذي تركه القاتل
هتف سادم قائلا:
- كفى عن البكاء وانظري لذاك الوشم
رفعت مقلتيها تدقق النظر لتتسع دهشتها وهي تردد:
-هذه زهرة الزنبق ولكنها ترمز للنقاء والعفة
عادت تنظر لسادم ثم قالت بحماس :
- القاتل يريد قول شيء بها ولذلك رمز لتلك الزهرة تحديدا، تُرا ماذا يقصد؟ تلك الزهرة ستصلنا للفاعل

قهقه بصوت عالٍ ثم صفق بكفيه اعجابًا بحماسها الذي أطاح به عرض الحائط وقال بإجار:
- يا له من تحليل عميق حقا ايها الشرقية الحسناء ولكنكِ تتحدثين بحماقة عفوا ولكن لن تستخدمي ذكاءك هذا بعد ذلك، دعيني أباشر عملي بصمت تام.

شعرت بالاحراج بسبب حديثه الفج معها السخرية المبطنة وكل همسة تهفوا بها، كأنه يبغضها ولا يريدها ولكن لماذا أراد أن تعمل تحت يده؟ لما وافق على تدريبها؟ هل يريد أن يسخر منها على هذا النحو؟
فهي علمت بشخصيته القيادية التي لا يسمح لاحد بتجاوزها.

في دُنيا الناس مواقف ملهمة، مغبونٌ من تجاهلها، ومحروم ذاك الذي لا ينصُت لقلب عقله، ويهتدي بقوته الروحية المخلوقة داخله!
فلكلّ منّا ميزان، وفي داخل كل إنسان صوت يعرف من خلاله ماهو الصواب والخطأ.
وأن القلب بئر تختزنُ فيه كل أسرار النفس والحياة، فأنصت له ما استطعت، واستمع لنبض حديثه، ودقات ما يخبرك به.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي