الفصل الأول ألم الموت
علمت منذ لحظة رؤيته للمرة الأولى أنه الشخص الذي سوف يجلب إلى حياتي الهادية أمواج التعاسة البائسة.
لذا حاولت الهروب من هذه الأمواج الهائج بكل ما أمتلك من قوة وإصرار، ولكني شعرت أنه يصبح تدريجياً هدف وجودي في هذه الحياة المؤلمة.
كل ما أتذكره أن معاناة حياتي بدأت حين رأيت هذه العيون الغاضبة، كانت تلك المرة الأولى التي شعرت به بالفضول تجاه شخص معين.
هذا الشاب الذي يطلق من عينياه أشاعه ليزر كالرصاص القاتل، عينه ممتلئة غضب وبؤس لم أواجه من قبل في حياتي.
هذا الغضب الكبير الذي يظهر داخل حدقة عينيه الساحرة المسحوبة كالصقر الجارح يقتل كل من اقترب منه.
ولكني حينها أدركت شيء واحد وهو أني لم أشعر من هذا الشاب بالخوف أو الغربة رغم ذلك، كل ما شعرت به حينها هو قلب مجروح يبكي قهراً دون صوت.
يستغيث بأحد حتى يداوي جروحه، هذا الشخص يحتاج إلى حضن يحتويه بحب واهتمام ويعطيه الأمان دون مقابل.
ولكن لماذا هذا الليل الحالك الكئيب جعلني أتذكر ماضيا المؤلم، الذي أريد أن أمحوه من مخيلتي، ماضي محفور داخل قلبي بعمق.
حينها جلست أتذكر ماضيّ؛ أتذكر ما حدث في هذا اليوم المشؤوم عندما كنت مستقرة داخل حضن والدي العزيز الغالي الذي كان يدندن لي أغنيتي المفضلة.
ولكن فجأة تحولت هذه الأغنية إلى مصدر الألم، بدون تنبيه توقف الزمن عندما توقف والدي عن التنفس فجأةً واختفى حديثه وغناه للأبد.
عندها علمت للأمرة الأولى ماذا تعني كلمة موت، كانت توقف والدي عن التنفس جعل الوقت يتوقف، وكل ما استطعت سماعه هو الأصوات الصادرة من الشارع التي تعبر فتحات النافذة المغلقة وتحتل أذني.
حينها استمرت في الصياح أنادي على والدي الحبيب الذي لم يجاوبني أو يتحرك أسأله:
- والدي أكمل الأغنية فأنا أحبها بشدة أحب سماعها منك أكثر من المغني الرئيسي؟
سحب والدي شهيق وأخرج تنهيد مكتومة وأخبرنا بهدوء:
- حقا هل تظني هذا يا حلوتي؟!
ضحكت بطفولية بريئة وأجابته:
- بالطبع يا والدي أنت الأفضل في كل الكون وأنا أحبك أكثر وأكثر من الكثير.
أبتسم والدي بإرهاق مصاحب ضحكة هادئة وأجاب:
- وأنا أحبك أيضاً حلوتي الصغيرة كثيراً وأكثر من الكثير.
بعد ذلك توقف والدي عن التحدث؛ لذا حاولت بكل الطرق جعله يتحدث ولكن لم استطع تحقيق هذا، لذا رفعت وجهي الصغير تجاه وجه اتامله بسعادة.
أرعبتني عينيه المغلقة بأحكام التي لا تتحرك، جلست أتأمله بهدوء وبدون صوت لدقائق معدودة حتى أبصرت ما يحدث لذلك تسألته بخوف:
- لماذا أنت يا والدي صامت دون حركة هكذا؟!
عندما استطعت أخيراً استوعب الوضع رغم صغر سني كنت أبلغ الخامسة أعوام، ولكن حينها استطاعت استوعبت ما يحدث وما فقدت للتو.
كان أغلي شيء ملكته في الحياة وهو والدي العزيز الغالي على قلب دون أن تتسنى لي الفرصة حتى أودعك الوداع الأخير.
عندها انكمشت داخل حضن والدي الميت ودخلت في نوم عميق حتى عادت والدها من العمل.
حينها دخلت والدتي وجدت أمامها هذا المنظر المخيف الذي لم تستطع محيه من مخيلتها أبداً.
ذلك المنظر المؤلم عندما وجدت زوجها المحب ميتا ويقفل بذراعه على ابنته الحبيبة داخل بحضه بشدة،وكأنه يعلن للعالم عن مدى تعلقه وقلقه وخوفه على هذه الطفلة ابنتها الصغيرة الوحيدة والغالية على قلبه.
اقتربت والدتي من والدي تحاول استكشاف أنفاسه وقياس نبضه، حتى تجده منقطع الأنفاس فاقد الروح.
حينها لم تستطع أن تحزن كثيراَ، لأنها كانت تعلم أن حياته كانت لمجرد أيام معدودة يملأها العذاب والألم من هذا المرض اللعين.
لذا بهدوء سحبتني من بين ذراعه بالقوة وحملتني إلى غرفتي ووضعتني على السرير حتى أكمل نومي بهدوء
بعد ذلك ذهبت إلى والدي حتى تختلي به للمرة الأخرة، كانت تلك اللحظة الأخيرة بينهم في هذه الحياة حتى تقوم بتودعه هذه المرة للأبد.
كانت هذه بداية ذكرياتي الأليمة في الحياة التي استمرت تؤلمني حتى الآن، ولكن كل ذلك سوف يتغير عندما أقابل "ثائر" الشاب الثائر والغاضب دائماً.
حين استكشف ما هو الحب وما تعنى كلمة عذاب القلب، عندها سوف تبدأ حياتي في النزول إلى الحضيض بسبب ذلك الحب الملعون.
ذلك الحب الذي يحتل كياني ويسكن جسدي ويصير "خلايا ملعونة" ذلك الحب الذي يكون سبب تعاستي وإرهاقي النفسي والفكري لفترة طويلة.
ذلك الحب الذي أصبح عقابي وليس سعادتي وجعلني أتساءل:
- ولكن لماذا يتم عقابي؟ ما الذي فعلته حتى يتم عقابها هكذا!
منذ الطفولة وأنا أعاني حتى الآن؛ وأصبحت أعاني من الطفولة بحياة قاسية ممتلئة بالحرمان والإهمال والاضطهاد والتنمر من الجميع.
عندما كنا نجلس بهدوء على الطاولة نتناول الطعام دون إصدار نفس والنطق بكلمة واحدة حتى قاطعت والدتي هذا الصمت الطويل وأخبرتني:
- لمياء ما أخبار دراستك؟!
تنهدت وأثناء لعبي بالملعقة في الطبق بإحباط أفكر في مادة الرياضيات التي ترهقني عقلياً وأجابها:
- كالعادة.
وضعت والدتي الملعقة بجانب الطبق بهدوء وتوتر، ونظرت إلي بقلق وأخبرتني:
- لمياء سوف أتزوج.
عندها وقعت الملعقة من يدي شهوة داخل الطبق الذي أتناول منه الطعام، ورفعت عيني تجاه والدتها وسألتها بذهول:
- ماذا! أنتِ تمزحين؟
حدقت في والدتي بتوتر وأجابتني:
- أنا أتحدث بجدية الآن.
ضحكت باستهزاء وسألتها:
- من هو الذي سوف يتزوج بامرأة عجوز مثلك! وأيضاً تملك ابنة مرهقة مثلي في الثامن عشر؟
جوبتني بغضب:
- هذا ليس من شأنك! سوف تجهزين أشياءك الهامة وملابسك من أجل النقل في أقرب وقت؟
غضبت وأخبرتها:
- هل فقدتي الذكرة! لدى امتحانات بعد ست أشهر لم أفعل ذلك؟.
تركتني دون أن تجب عن حديثي، وتحركت من الطاولة وذهبت إلى غرفتي أشتط غضباً.
دخلت والدتها خلفي حتى تحاول التفاهم معي وإقناعها وسألت:
- لماذا لا تريدِ النقل من هنا! هل تكرهين فكرة زواجي لهذه الدرجة؟
كنت أعلم أن والدتي أذا أخبرتها إني حزينة ولم أريدها أن تتزوج من رجل آخر غير والدي سوف تنفيذ طلبي.
ولكني حين أطلقت نظرة أتفحص بها والدتي المسكينة التي أهلكها العمل وسنين الشقاء والتعب والفقر.
أراها عانت الكثير من أجل تربيتي بمفردها بدون مساعدة من الأهل الذين رفع أيديهم حين توفي والدي حتى لا يساعد أحد في مصاريف تربيتي أو دراستي أو حتى تقديم مساعدة بسيطة.
ومنذ ذلك الحين كانت تعاني والدتي الكثير من أجل توفير حياة راغدة إلي.
لذا نظرت إلى والدتي أحاول إخفاء دموعي بالقوة وأخبرها بضحكه مزيفه:
- لم أعترض على زواجك ولكني أشعر بالخوف.
فوجئت والدتي من إجابتي وسألتني:
- من ماذا تشعرين بالخوف؟!
أجابتها بفكرة مزيفة:
- منزلنا، لا أريد أن يأخذه صاحب المنزل وذلك المنزل إيجاد قديم أن ذهبنا من هنا سوف نخسره.
ضحكت والدتي وأخبرتني:
- لا تقلقي ذلك الرجل يمتلك شقة كبيرة ولم نحتاج العودة إلى هذا المنزل المتهالك مرة أخري.
حزنت وحدقت بها بإحباط وسألتها بحزن:
- هل تكرهين هذا المنزل بشدة؟!
أجابت بدون تفكير:
- نعم أكره هذا المنزل المتهالك القديم بشدة كبيرة.
سألتها بحزن:
- لماذا ذلك المنزل كل ركن به لديه ذكره لوالدي الغالي.
أجابت بحزن:
- لذلك أكره هذا المكان الذي يذكرني بوالدك في كل ركن، يذكرني بأيامنا الحلوة وأيام مرض والدك اللعين الذي استمر فترة طويل يبتلعه ويعاني منه بصمت.
بكيت وفكرت في حديثها وعندها وأدركت أنها محقة في هذا، لأن هذا المكان الذي أمتلك عنه فقط الذكريات الجيدة لأني حينها كنت طفلة صغيرة لم أعي بشيء أو ماذا يعنى المرض والألم.
لكن كان بالنسبة إلى والدتي تلك الذكريات حرب نفسية تخزنها بداخل قلبها وتحاربها بكل قوتها من أجل تربيتي لذا أظن أن تلك الذكريات كانت بالتأكيد تؤلمها بشدة.
ابتسمت إلى والدتي مع نزول دموعي الطفولية دون أن أستطيع التحكم بها ومنعها من النزول، لذا أخبرتها بابتسامة مزيفة:
- حسنا والدتي لنخرج من هذا المنزل ونذهب إلى الأبد.
أجابت الوالدة بابتسامة:
- حسنا حلوتي الغالية هيا لنذهب.
لذا حاولت الهروب من هذه الأمواج الهائج بكل ما أمتلك من قوة وإصرار، ولكني شعرت أنه يصبح تدريجياً هدف وجودي في هذه الحياة المؤلمة.
كل ما أتذكره أن معاناة حياتي بدأت حين رأيت هذه العيون الغاضبة، كانت تلك المرة الأولى التي شعرت به بالفضول تجاه شخص معين.
هذا الشاب الذي يطلق من عينياه أشاعه ليزر كالرصاص القاتل، عينه ممتلئة غضب وبؤس لم أواجه من قبل في حياتي.
هذا الغضب الكبير الذي يظهر داخل حدقة عينيه الساحرة المسحوبة كالصقر الجارح يقتل كل من اقترب منه.
ولكني حينها أدركت شيء واحد وهو أني لم أشعر من هذا الشاب بالخوف أو الغربة رغم ذلك، كل ما شعرت به حينها هو قلب مجروح يبكي قهراً دون صوت.
يستغيث بأحد حتى يداوي جروحه، هذا الشخص يحتاج إلى حضن يحتويه بحب واهتمام ويعطيه الأمان دون مقابل.
ولكن لماذا هذا الليل الحالك الكئيب جعلني أتذكر ماضيا المؤلم، الذي أريد أن أمحوه من مخيلتي، ماضي محفور داخل قلبي بعمق.
حينها جلست أتذكر ماضيّ؛ أتذكر ما حدث في هذا اليوم المشؤوم عندما كنت مستقرة داخل حضن والدي العزيز الغالي الذي كان يدندن لي أغنيتي المفضلة.
ولكن فجأة تحولت هذه الأغنية إلى مصدر الألم، بدون تنبيه توقف الزمن عندما توقف والدي عن التنفس فجأةً واختفى حديثه وغناه للأبد.
عندها علمت للأمرة الأولى ماذا تعني كلمة موت، كانت توقف والدي عن التنفس جعل الوقت يتوقف، وكل ما استطعت سماعه هو الأصوات الصادرة من الشارع التي تعبر فتحات النافذة المغلقة وتحتل أذني.
حينها استمرت في الصياح أنادي على والدي الحبيب الذي لم يجاوبني أو يتحرك أسأله:
- والدي أكمل الأغنية فأنا أحبها بشدة أحب سماعها منك أكثر من المغني الرئيسي؟
سحب والدي شهيق وأخرج تنهيد مكتومة وأخبرنا بهدوء:
- حقا هل تظني هذا يا حلوتي؟!
ضحكت بطفولية بريئة وأجابته:
- بالطبع يا والدي أنت الأفضل في كل الكون وأنا أحبك أكثر وأكثر من الكثير.
أبتسم والدي بإرهاق مصاحب ضحكة هادئة وأجاب:
- وأنا أحبك أيضاً حلوتي الصغيرة كثيراً وأكثر من الكثير.
بعد ذلك توقف والدي عن التحدث؛ لذا حاولت بكل الطرق جعله يتحدث ولكن لم استطع تحقيق هذا، لذا رفعت وجهي الصغير تجاه وجه اتامله بسعادة.
أرعبتني عينيه المغلقة بأحكام التي لا تتحرك، جلست أتأمله بهدوء وبدون صوت لدقائق معدودة حتى أبصرت ما يحدث لذلك تسألته بخوف:
- لماذا أنت يا والدي صامت دون حركة هكذا؟!
عندما استطعت أخيراً استوعب الوضع رغم صغر سني كنت أبلغ الخامسة أعوام، ولكن حينها استطاعت استوعبت ما يحدث وما فقدت للتو.
كان أغلي شيء ملكته في الحياة وهو والدي العزيز الغالي على قلب دون أن تتسنى لي الفرصة حتى أودعك الوداع الأخير.
عندها انكمشت داخل حضن والدي الميت ودخلت في نوم عميق حتى عادت والدها من العمل.
حينها دخلت والدتي وجدت أمامها هذا المنظر المخيف الذي لم تستطع محيه من مخيلتها أبداً.
ذلك المنظر المؤلم عندما وجدت زوجها المحب ميتا ويقفل بذراعه على ابنته الحبيبة داخل بحضه بشدة،وكأنه يعلن للعالم عن مدى تعلقه وقلقه وخوفه على هذه الطفلة ابنتها الصغيرة الوحيدة والغالية على قلبه.
اقتربت والدتي من والدي تحاول استكشاف أنفاسه وقياس نبضه، حتى تجده منقطع الأنفاس فاقد الروح.
حينها لم تستطع أن تحزن كثيراَ، لأنها كانت تعلم أن حياته كانت لمجرد أيام معدودة يملأها العذاب والألم من هذا المرض اللعين.
لذا بهدوء سحبتني من بين ذراعه بالقوة وحملتني إلى غرفتي ووضعتني على السرير حتى أكمل نومي بهدوء
بعد ذلك ذهبت إلى والدي حتى تختلي به للمرة الأخرة، كانت تلك اللحظة الأخيرة بينهم في هذه الحياة حتى تقوم بتودعه هذه المرة للأبد.
كانت هذه بداية ذكرياتي الأليمة في الحياة التي استمرت تؤلمني حتى الآن، ولكن كل ذلك سوف يتغير عندما أقابل "ثائر" الشاب الثائر والغاضب دائماً.
حين استكشف ما هو الحب وما تعنى كلمة عذاب القلب، عندها سوف تبدأ حياتي في النزول إلى الحضيض بسبب ذلك الحب الملعون.
ذلك الحب الذي يحتل كياني ويسكن جسدي ويصير "خلايا ملعونة" ذلك الحب الذي يكون سبب تعاستي وإرهاقي النفسي والفكري لفترة طويلة.
ذلك الحب الذي أصبح عقابي وليس سعادتي وجعلني أتساءل:
- ولكن لماذا يتم عقابي؟ ما الذي فعلته حتى يتم عقابها هكذا!
منذ الطفولة وأنا أعاني حتى الآن؛ وأصبحت أعاني من الطفولة بحياة قاسية ممتلئة بالحرمان والإهمال والاضطهاد والتنمر من الجميع.
عندما كنا نجلس بهدوء على الطاولة نتناول الطعام دون إصدار نفس والنطق بكلمة واحدة حتى قاطعت والدتي هذا الصمت الطويل وأخبرتني:
- لمياء ما أخبار دراستك؟!
تنهدت وأثناء لعبي بالملعقة في الطبق بإحباط أفكر في مادة الرياضيات التي ترهقني عقلياً وأجابها:
- كالعادة.
وضعت والدتي الملعقة بجانب الطبق بهدوء وتوتر، ونظرت إلي بقلق وأخبرتني:
- لمياء سوف أتزوج.
عندها وقعت الملعقة من يدي شهوة داخل الطبق الذي أتناول منه الطعام، ورفعت عيني تجاه والدتها وسألتها بذهول:
- ماذا! أنتِ تمزحين؟
حدقت في والدتي بتوتر وأجابتني:
- أنا أتحدث بجدية الآن.
ضحكت باستهزاء وسألتها:
- من هو الذي سوف يتزوج بامرأة عجوز مثلك! وأيضاً تملك ابنة مرهقة مثلي في الثامن عشر؟
جوبتني بغضب:
- هذا ليس من شأنك! سوف تجهزين أشياءك الهامة وملابسك من أجل النقل في أقرب وقت؟
غضبت وأخبرتها:
- هل فقدتي الذكرة! لدى امتحانات بعد ست أشهر لم أفعل ذلك؟.
تركتني دون أن تجب عن حديثي، وتحركت من الطاولة وذهبت إلى غرفتي أشتط غضباً.
دخلت والدتها خلفي حتى تحاول التفاهم معي وإقناعها وسألت:
- لماذا لا تريدِ النقل من هنا! هل تكرهين فكرة زواجي لهذه الدرجة؟
كنت أعلم أن والدتي أذا أخبرتها إني حزينة ولم أريدها أن تتزوج من رجل آخر غير والدي سوف تنفيذ طلبي.
ولكني حين أطلقت نظرة أتفحص بها والدتي المسكينة التي أهلكها العمل وسنين الشقاء والتعب والفقر.
أراها عانت الكثير من أجل تربيتي بمفردها بدون مساعدة من الأهل الذين رفع أيديهم حين توفي والدي حتى لا يساعد أحد في مصاريف تربيتي أو دراستي أو حتى تقديم مساعدة بسيطة.
ومنذ ذلك الحين كانت تعاني والدتي الكثير من أجل توفير حياة راغدة إلي.
لذا نظرت إلى والدتي أحاول إخفاء دموعي بالقوة وأخبرها بضحكه مزيفه:
- لم أعترض على زواجك ولكني أشعر بالخوف.
فوجئت والدتي من إجابتي وسألتني:
- من ماذا تشعرين بالخوف؟!
أجابتها بفكرة مزيفة:
- منزلنا، لا أريد أن يأخذه صاحب المنزل وذلك المنزل إيجاد قديم أن ذهبنا من هنا سوف نخسره.
ضحكت والدتي وأخبرتني:
- لا تقلقي ذلك الرجل يمتلك شقة كبيرة ولم نحتاج العودة إلى هذا المنزل المتهالك مرة أخري.
حزنت وحدقت بها بإحباط وسألتها بحزن:
- هل تكرهين هذا المنزل بشدة؟!
أجابت بدون تفكير:
- نعم أكره هذا المنزل المتهالك القديم بشدة كبيرة.
سألتها بحزن:
- لماذا ذلك المنزل كل ركن به لديه ذكره لوالدي الغالي.
أجابت بحزن:
- لذلك أكره هذا المكان الذي يذكرني بوالدك في كل ركن، يذكرني بأيامنا الحلوة وأيام مرض والدك اللعين الذي استمر فترة طويل يبتلعه ويعاني منه بصمت.
بكيت وفكرت في حديثها وعندها وأدركت أنها محقة في هذا، لأن هذا المكان الذي أمتلك عنه فقط الذكريات الجيدة لأني حينها كنت طفلة صغيرة لم أعي بشيء أو ماذا يعنى المرض والألم.
لكن كان بالنسبة إلى والدتي تلك الذكريات حرب نفسية تخزنها بداخل قلبها وتحاربها بكل قوتها من أجل تربيتي لذا أظن أن تلك الذكريات كانت بالتأكيد تؤلمها بشدة.
ابتسمت إلى والدتي مع نزول دموعي الطفولية دون أن أستطيع التحكم بها ومنعها من النزول، لذا أخبرتها بابتسامة مزيفة:
- حسنا والدتي لنخرج من هذا المنزل ونذهب إلى الأبد.
أجابت الوالدة بابتسامة:
- حسنا حلوتي الغالية هيا لنذهب.