1 عودة الانتقام
الفصل الأول:
(عودة الانتقام)
ذات صباح ..
علت في أرجاء البلدة أصوات صراخ مُـفزعة، لذا بدأت الناس تركض بهلع، وتجمعوا واقتربوا قرب مصدر الصوت، ولكن كل من وصل ورأى الشيء الذي أمامه تبلد في مكانه وسط ذهول علت وجوههم!
ولم يعد يستطع أحداً منهم التحدث أو شرح الأمر، كان منظر الجثة وهي معلقة مشمئز للأنظار؛ بطريقة تعليقها وبهيئتها وهي فاقدة لعينيها اللذان قد أزيلا من مكانهما بعنف، كما أن أصابع يديها وقدميها كانت مقطوعة وتقطر دماً منها ومن جميع أنحاء جسدها لتشكل أسفلها بركة من الدماء في أرضية المكان.
فقد رأوا جثة امرأة معلقة على إحدى أعمدة الكهرباء والدماء لا زالت تسيل منها.
تحدث أحدهم:
_ يبدو أنها قد عُلقت حديثاً؟
تحدث آخر بصدمة:
_ لا! لا أظن، فلو كان كذلك لكنا رأينا من قام بهذا الأمر.
ثم نظرا لبعضهما وهم يتبادلان نظرات الخوف.
_ألهذا الحد المجرم جريء؟ ولم يهتم حتى لو عُرف؟ تساءل أحدهم
ثم آتى من بعيد صوت عمدة البلدة مقاطع لحديثهم وهو يصرخ بعد أن وصله الخبر، قائلاً:
_هل ما زلتم تنظرون للمرأة الميتة؟ هيا انزلوها لنرى من هي، لعل أحدهم يتعرف عليها، ويعرف قصتها.
صعد أحد الرجال وفك الحبل المربوط به المرأة و وقعت على الأرض لترتطم بالأرض بسرعة فوق بركة دمائها وسط ذهول وخوف المتواجدين.
تحدث العمدة مع أحد المتواجدين بجواره قائلاً:
_ ارفع رأسها، دع الجميع يراها.
تحدث الرجل بتلعثم وهو يشعر بالخوف:
_ أنا سيدي؟
قام العمدة بدفعه بيده بقوة، ثم صرخ في وجهه قائلاً: _ابتعدوا جميعكم من وجهي، يا لكم من حمقى وجبناء.
حاول العمدة إظهار الشجاعة، رغم شعوره بالخوف والهلع.
أمسك شعر المرأة بقوة وضمه بيده ورفعها ليراها عامة الناس المتواجدة.
شَهقت بعض النساء اللواتي يعرفنها
صرخت أحداهن بلاوعي:
_ يا آلهي، أنها سالي.
أجابت الأخرى بصوت مرتفع:
_أجل، أنها هي، ياآلهي، انظري ماذا حل بها؟!
تعالت أصوات الهمسات فيما بينهم، ولكن سرعان ما قاطعهم صراخ العمدة متحدثاً بصوتٍ صاخب:
_تقدمن إلى هنا أنتما الاثنتان وأخبراني عنها؟ هل من عادتها تفتعل المشاكل؛ كي تقتل بهذه الطريقة؟
ازداد لعابهما وكانت خطواتهن بطيئة، فلم تكن لديهن الرغبة للتقدم ورؤية منظر الجثة المفزعة عن قرب.
ولكن صراخ العمدة أفزعهن أكثر، لذا حاولن الإسراع إليه.
قالت الأولى:
_سيدي، أنها لا تخرج من بيتها كثيراً؛ لأنها لا تحب أحد.
أجابت الأخرى:
_يبدو أن وراءها سراً ما ونحن لا نعرفه، فمن المستحيل أن يكون أحداً بيننا ليفعل هذا بها، فهي تهتم بمحصولها لتجني الكثير من المال، وهذا أكثر مايهمها.
قالت الأولى وهي ترتجف:
_ أجل، هذا هو طبعها.
همست بأذُنها امرأة أربعينية تقف بقربها؛ لذا جعلت جسدها يرتعش للحظة، قائلة:
_هل كل شخص يحب المال سيقتل بهذا الشكل؟
فزعت المرأة عند سماعها لتلك الكلمات، فتراجعت دون أن تجيب بشيء.
صرخ العمدة وهو يحاول إخفاء خوفه بداخله:
_ إذاً من يجرؤ على فعل هذا بوسط بلدة أنا أترأسها؟
ثم بدأ ينفث وهو ينظر إلى الجميع حوله بنظرات غضب
ثم صرخ:
_هل تسخرون مني؟ هيا فليجيبني أحد.
لم يستطع أحد الرد عليه، بالطبع الجميع بصدمة! فهذه أول جريمة قتل تحدث في بلدتهم، وتُعلق بهذا الشكل المخيف كما لو أنها تنبيه وإنذار لخطر قادم للجميع.
فجأة..
انطلقت صوت ضحكات عالية، مع ضربات متتالية على الطاولة التي أمامه.
توم:
_لقد كان من أجمل المشاهد التي جرت في البلدة، آه، ليتك شاهدت نظراتهم.
صديق توم بتوتر:
_هل حقاً كنت سعيد بما جرى؟
توم:
_ولما لا؟ ليتك رأيتهم كيف تراكضوا إلى بيوتهم كَ فئران الصيد؛ خوفاً من أن يتلقى أحدهم حتفه فجأة، كان الأمر مريح للقلب، ومثير للسخرية.
ثم بدأ يهز بكرسيه الخشبي وهو يبتسم ويتخيل تلك اللحظات بجانب الموقد.
تحدث صديقه بذعر:
_ وما علاقة هذه المرأة بمقتل طفلك؟ لما قتلت تلك المسكينة؟
وسع توم عينيه بصدمة! ثم تحدث بغضب وهو يضرب الطاولة التي أمامه:
_مسكينة؟! أتظن بأن في هذه البلدة المقرفة أحد يسمى مسكين، هؤلاء وحوش مبطنة، ومليئة بالجشع والكره، ولا أحد منهم قد أحبنا منذ أن أتيت أنا وزوجتي إلى هنا، وهذه المرأة تسببت لي بالكثير من المشاكل، لذا كانت أول فأر اصطاده.
تحدث صديقه بفزع:
_ هل حقاً هذا أنت توم؟ أشك في ذلك، كنت شخص لطيف ويستحيل أن يؤذي نملة تمر في طريقه، كيف تحولت لهذا الشكل؟ ولما أصبحت وحشاً وجشعاً؟
توم وهو ينفث غيظاً:
_ لقد قتلوا طفلي، وأظنهم هم السبب بدفع زوجتي لقلب الحريق أيضاً، ولكن أعجبتني كلمة وحش وجشع، فهذا ما أردت أن أكونه، كي أتسلل بسهولة واصطادهم واحداً تلو الآخر.
ازداد توتر صديقه بسبب صراخ توم المستمر، لذا قال:
_حسناً، اهدأ قليلاً، سأعد لكَ كأس شاي، وبعدها أخبرني ما حدث معك.
دخل صديقه المطبخ وهو يرتجف ومصدوم بشكل صديقه الجديد، فقد كان مخيف كما لو أنه وحش مفترس يرد أن ينقض على أي شيء أمامه.
عاد سريعاً وهو ينظر إلى عينين توم العسليتين ووجه المليء بالشعر الأسود، لذا كان النظر المطول له مقلق.
صديقه: _تفضل، أظنك ما زلت تحب الشاي، كما في السابق؟
رفع توم يديه دون أن يملي عليه بالشكر، ثم رفع قدميه الكبيرتان فوق الطاولة المركونة أمام الموقد، بدأ صديقه ينظر إلى مخالب يديه وقدميه بذعر وقرف.
وأصبح يحادث نفسه وهو يبتلع لعابه بخوف:
_لا يجب أن أغضبه فضربه واحده بمخلبه سأتمزق لنصفين؛ لذا عليّ تحمل هذا المجنون لأرى مانهايته.
رفع توم نظره للسقف، ثم قال:
_حسناً، في عام 1982 في بداية كانون الثاني، قد تم تعيني معلم في بلدة كراوس، في إحدى مدارسها؛ لذا انتقلت أنا و وزوجتي جيسكا إلى هنا.
صديقه: لما لم تعترض؟
توم وهو يحدق به بطرف عينه:
_ لا تكن سخيفاً، لو كنت أعلم بأن حياتي ستدمر بهذه البلدة لكنت قد اعترضت، ولكن لم أكن أعلم.
صديقه: أقصد لما لم تطلب العمل في المدن؟ هناك الحياة أفضل.
توم: لا ياصديقي، أنا في البداية أحببتها؛ لأنها بعيدة عن ضجيج المدينة، وهذا كان يسعدنا حقاً لأننا استطعنا امتلاك بعض الحيوانات؛ فأحوالنا المعيشية كانت متوسطة.
صديقه: ومع هذا لم يجدر بكَ العيش في مكان لا تعرفه، أو تعرف ساكنيه، وهذا غير أن البيوت هنا متباعدة جداً عن بعضها، قد تموت ولا أحد يسمع صوت صراخك.
توم بحزن: أجل، أشعر بالندم الشديد بأن اختياراتي كانت فاشلة، فحتى زوجتي لم تحب هذه البلدة مطلقاً.
قاطعه صديقه متسائلاً:
_حسناً، إن كانوا بهذا السوء، كيف تقبلوا أستأجارك لأحد منازلهم؟
توم بسخرية: هل تظن بأنني لم أعاني للحصول على منزل؟ ولكنني تعرفت على رجل بخيل ويحب المال بطريقة لا تتصورها، وأخذ ضعف الأجر؛ لذا قَبِلَ أن أخذ منزله المهترئ.
صديقه: حسناً، يبدو أنه رجل جيد، على الأقل قِبل إعطاءكُ منزله.
ضحك توم: يا لك من أحمق! هل هذا جيد، حقاً؟! على ماذا؟ ذلك السمين البخيل سبب لي الكثير من المتاعب أيضاً، وكل يوم يدق بابي ليوصيني ببيته المهترئ، جعلني أشعر بأنه قصر.
صديقه وهو يمسح قطرات العرق من فوق جبينه:
_ لن تقتله أليس كذلك؟
أطلق توم صوت ضحكات مستفزة، مع قهقه عارمة أضفت للمكان التوتر:
_ لا، من أجلك فقط سأفرغ ما في بداخل كرشه وأعلقه منها.
ابتلع صديقه لعابه بصعوبة وهو يتخيل المنظر، وأصبح يحك رقبته.
توم: هيا اضحك، ألا تجد الأمر مسليٍ؟
كانت يدي صديقه ترتجفان، لذا حاول وضع كأسه بهدوء على الطاولة، ثم قال:
_ أجل أنه مسلي للغاية، بلى، مسليٍ.
ابتسم توم وهو ينظر لصديقه بطرف عينه:
_ اعلم بأنك مستغرب للغاية، فقد كنت لطيف وساذج وبارد الأعصاب، لذا من الصعب تصديق ما حل بي.
حاول صديقه تصنع بعض الضحكات قائلاً:
_أجل كنت لطيف جداً، على عكس زوجتك العصبية والتي تصرخ دوماً بسبب برودك، ولا مبالاتك، فأنا أتذكر دائماً كيف كانت تتحدث وهي تدور بين الغرف وأنت لا تبالي بما تقوله.
توم بصراخ: اصمت..، لما تحاول استفزازي؟
نهض صديقه مذعوراً وهو يوسع حدقة عينيه:
_ لا، لا، أنا لم أقصد شيء.
هدأ توم قليلاً وقال: هذا أكثر ما كان يغضبني؛ لقد كنت شخص غير مبالي برغباتها حقاً، وكل ما فعلته هو ملأ رأسها بالطموح والأحلام التي لم يتحقق منها شيء.
صديقه وهو يحاول تهدئته:
_ حسناً لا تظلم نفسك كثيراً، فقد كنت تحبها، وحاولت جاهداً بأن يكون لكما مستقبل جميل.
توم بحزن: ظلم؟! حب؟! أتعلم ما هو الظلم؟ أن يقتحم الموت حياتك فجأة، وغيرك يبني لكَ أحلام زائفة قد لا تتحقق، وأنت تنتظرها بكل صدق، ثم عن أي حب تتحدث.
صديقه: ولكن قد لا يكونوا هم السبب بقتلها، فأنت لم تشاهد الحادثة.
توم: أجل، لم أشاهد شيء، ولكنني أعرفهم جيداً، فمنذ مجيئنا وهم يتعاملون معنا كما لو أننا دخيلين أو متطفلين، ومهما حاولنا التودد لهم يقمعوننا.
صديقه: أنا حقاً مستغرب! بعد أن تتلقى معاملة سيئة في مكان ما، لما لم تحاول تغييره؟
توم: حسناً، كنت شخص صبور ومتأمل بما هو قادم، رغم مشاق العمل في المدرسة والأرض الزراعية خاصتي التي تحوي على الأغنام والدجاج، إضافة لبقرة كبيرة وكلب وقط أسود بعيون صفراء فاقعة.
قاطع صديقه حديثه مستفسراً: هل أردت أن تكون شبيه لقطك؟ لما لم تختار شيء أقوى؟
ضحك توم ساخراً: أنت لا تفقه شيء بالقوة، فليس هناك شيء قد يكون أقوى من بث الخوف بداخل الجميع دون أن يروك ليلاً، ثم أنني أحببت ذاك القط للغاية.
تحدث صديقه متململاً ومحاول الابتعاد عن ذكر قصته مع القط؛ لأنها باتت تخيفه:
_حسناً، لم تخبرني للآن ماذا فعلت تلك المرأة؟ ومن هي؟
توم بنبرة حادة: هذه المرأة كانت تفتعل المشاكل مع زوجتي دائماً، وتكرهها، وكانت تغار من طفلي وكان يراودني دوماً شعور بأنها تريد اختطافه.
صديقه: ولما قد تفعل هذا؟ هل هي معتوهة؟
توم: لقد كانت امرأة وحيدة وغريبة الأطوار ولا تألف للغرباء أبداً، ولم تحبنا رغم السنوات التي قضيناها ونحن بجوارها.
صديقه: الحب من الله يا أخي.
توم بسخرية: وها هو الآن أخذها، وجعلنا نرتاح منها.
صديقه: حسناً، فلتهدأ، أنا حقاً لا أحاول أستفزازك، أنا مستغرب للغاية! حتى أنني لا أعلم ما أسئلك؟ حيث إنَّ الأسئلة كثيرة التي تدور في رأسي، هيا أكمل..
توم: حسناً، لا عليك، أتذكر حينما أتيت للبلدة كانت سالي تسكن مع زوجها الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً، وتوفى بعدها بفترة قصيرة، وبقيت لوحدها لمدة طويلة.
صديقه: يبدو أن الوحدة سببت لها مرضاً نفسياً.
توم: أنها مجنونة حقاً، كان منزلها الأقرب لبيتي، لذا كنت أحاول دوماً التودد لها لتنمية العلاقات فيما بيننا، إلّا أنها لم تتقبل أي شيء أو أي نصح، لذا كانت ردودها وقحة بشكل فضيع؛ لذا طفح الكيل وقررت الانعزال عنها، ظناً مني بأنها ستعتذر يوماً ما.
ثم أردف: أتعلم؟! أنا حقاً مللت من سيرة هذه المرأة، دعني منها، فلتذهب للجحيم.
صديقه: حسناً، حدثني عن إيبرو قليلاً.
توم بحسرة: ايبرو! آه ويا وليتاه على ايبرو، وعمر ايبرو الذي ذهب ولن يعد.
صديقه: متأكد بأنه كان بمستوى ذكائك وعبقريتك.
سقطت دمعة حارقة من عين توم سهواً:
_بل وكان يشبهني بالشكل، لذا كان وسيم للغاية، وأنا لا أستحق بأن يشبهني ملاك مثله؛ لذا شكلي هذا الأنسب لي؛ لأنني تركته بأكثر وقت يحتاجه لي، تركتك للكلاب الجائعة.
صديقه: ألديك صوراً له؟
توم: بالطبع، انتظر..
ثم أنزل ساقيه ونهض بخطوات متسارعة للغرفة المجاورة، وفتح درج الخزانة وأخرج صور لإيبرو.
ثم عاد وهو ينظر إلى صوره بحسرة، بخطوات تثاقلت كلما أشتد الألم بقلبه.
توم وهو يضع الصورة أمام صديقه:
_ انظر لوجهه المدور الأبيض، وإلى شعره الأسود اللامع، كان أشبه بالملاك، كيف سأستطيع نسيانه؟ فقلبي يتمزق كلما تذكرته.
صديقه بحزن: أنه جميل حقاً، ليتكم أتيتم لبلدتي، وسكنتم بجواري، كنت لأكون الأسعد بالتعرف على إيبرو.
توم: آه، لقد ذكرتني بأمنية زوجتي، فقد كانت تود الخروج من هنا بأي شكل؛ لذا كلما أتذكر كلامها وأين أرادت أن تعيش، أتمنى حينها لو أغرز مخالبي في قلبي ليهدأ، فالشعور الذي مررت به مؤلم ولا يوصف.
ثم أردف بعد تنهد طويل..
_فذات ليلة قد أموت ولا أنساها
جلسنا أمام منزلنا على التراس الخشبي، حيث كانت جيسكا تحمل بأحضانها أيبرو وتنظر إليه بحب.
جيسكا: "عزيزي، هل سندوم طويلاً هنا؟ أنا حقاً سئمت، ولم أعد أحتمل البقاء هنا."
تحدثت معها بهدوء وأنا أتنهد، وأتأمل الخير من هذا المكان:
_أعلم بأن الوضع بات لا يُطاق ولكن تحملي عزيزتي لحين أن يَكبُر إيبرو، فالحياة في المدينة مخيفة، حيث الخطف واستدراج الأطفال بات شائعاً هناك، علينا الصبر والحفاظ على طفلنا لحين استطاعته بالدفاع عن نفسه.
جيسكا: " وكيف سيستطيع الدفاع عن نفسه في بلدة موحشة كهذه؟"
توم: لا لا، أنها ليست موحشة انظري ما أجملها و ما أجمل مزروعاتها وما أنظف هوائها، هذه الأشياء لن تجديها في المدن المكتظة بالضجيج وازدحام السيارات، وكثرة المرتزقة وأولاد الشوارع المتملقين الكاذبين.
جيسكا بامتعاض: "أووف، حسناً، أرجو بأن تمر السنوات بسرعة."
توم باستغراب: إلى أين تنوين الذهاب؟
جيسكا بتنهد عميق وهي تتأمل النجوم:
"أتمنى السفر إلى خارج هذه البلاد وأعيش بجوار أختي في بروم فهي بلدة جميلة جداً، وسكانها لطفاء، كما وصفتهم أختي، وقد يعيش ايبرو حياة أفضل هناك."
توم بحزن: نحن لا نملك المال للانتقال وتأسيس حياة جديدة هناك، فالسفر لتلك البلد يحتاج الكثير من المال، أرجو بأن يتغير حالنا لنؤمن حياة جميلة لطفلنا.
جيسكا بامتعاض: " أرجو هذا، فقد تعبت حقاً من كل شيء هنا، وباتت رعاية الحيوانات متعبة كثيراً."
توم ببرود: لا عليكِ ستمر السنوات بسهولة، وسيتغير حالنا حتماً.
جيسكا بسخرية:
_ "لا أضن أنها ستمر بسلام قبل أن أقوم بفصل رأس سالي عن جسدها، تلك الحاقدة اللئيمة لا أعلم لما تكرهني، وأنا كل ما فعلته لها أنني قد استعرت إحدى سطولها للسقاية."
ضحك توم بصوتٍ مرتفع ثم قال:
_ تلك المرأة مجنونة حقاً، لا تهتمي بها عزيزتي.
جيسكا: "حسناً، أبقى هكذا بارداً، ودعني أموت قهراً في بلدتك السخيفة، سأذهب للنوم، تصبح على خير."
وقفت منتفضة ودخلت المنزل وهي تكظم غيظها من هذه البلدة المجبرة على العيش بها.
أما أنا فقد بقيت أتأمل المكان بكل حب وراحة واستنشق الهواء العليل حيث الأشجار والمزروعات الكثيرة المجاورة التي أضفت للمكان جمالية.
توم: أليس هذا سخيفاً؟
بقيت جالساً لمدة ساعة وأنا أخطط لمستقبل طفلي،ثم تعبت ودخلت لأنام.
ولكنني صُدمت حينما وجدت جيسكا وايبرو نائمين بجانب بعضهما على السرير! كانت عقوبة جميلة منها.
تحدثت حينها بغيظ:
_لِما تفعلي هذا بي، كل يوم عليّ أن أنام على الأريكة، حسناً لن أحمله كي لايستيقظ.
ثم قبلت جبينهما وذهبت للنوم.
ومرت السنوات بصعوبة بالنسبة لجيسكا، أما أنا فقد اعتدت على الأمر.
قاطع صديقه حديثه محاولاً أن يواسيه:
_أجل الانتظار قاسياً وصعباً، ولكن أنت تعرف الجميع، وحتماً تشك بأحدهم.
توم: أجل، تعرفت على الجميع منذ أن بدأت أدرِّس بإحدى مدارس المتوسط في بلدتهم لسنين، لذا تعرفت على جميع الطلاب وأهاليهم، وقد أحببتُ الجميع بالفعل.
ثم أردف بعد صمت لثوانٍ:
_ لقد كنت الألطف على الإطلاق رغم وقاحة الجميع.
تحدث صديقه وهو يشعر بالأسى:
_أعلم جيداً كيف كنت؛ لذا أنا حزين بالفعل لما حل بك، ولكن على الأقل تأكدت بأنك توم.
صرخ توم غاضباً: لستُ توم بعد الآن، أنا الرجل القط.
(عودة الانتقام)
ذات صباح ..
علت في أرجاء البلدة أصوات صراخ مُـفزعة، لذا بدأت الناس تركض بهلع، وتجمعوا واقتربوا قرب مصدر الصوت، ولكن كل من وصل ورأى الشيء الذي أمامه تبلد في مكانه وسط ذهول علت وجوههم!
ولم يعد يستطع أحداً منهم التحدث أو شرح الأمر، كان منظر الجثة وهي معلقة مشمئز للأنظار؛ بطريقة تعليقها وبهيئتها وهي فاقدة لعينيها اللذان قد أزيلا من مكانهما بعنف، كما أن أصابع يديها وقدميها كانت مقطوعة وتقطر دماً منها ومن جميع أنحاء جسدها لتشكل أسفلها بركة من الدماء في أرضية المكان.
فقد رأوا جثة امرأة معلقة على إحدى أعمدة الكهرباء والدماء لا زالت تسيل منها.
تحدث أحدهم:
_ يبدو أنها قد عُلقت حديثاً؟
تحدث آخر بصدمة:
_ لا! لا أظن، فلو كان كذلك لكنا رأينا من قام بهذا الأمر.
ثم نظرا لبعضهما وهم يتبادلان نظرات الخوف.
_ألهذا الحد المجرم جريء؟ ولم يهتم حتى لو عُرف؟ تساءل أحدهم
ثم آتى من بعيد صوت عمدة البلدة مقاطع لحديثهم وهو يصرخ بعد أن وصله الخبر، قائلاً:
_هل ما زلتم تنظرون للمرأة الميتة؟ هيا انزلوها لنرى من هي، لعل أحدهم يتعرف عليها، ويعرف قصتها.
صعد أحد الرجال وفك الحبل المربوط به المرأة و وقعت على الأرض لترتطم بالأرض بسرعة فوق بركة دمائها وسط ذهول وخوف المتواجدين.
تحدث العمدة مع أحد المتواجدين بجواره قائلاً:
_ ارفع رأسها، دع الجميع يراها.
تحدث الرجل بتلعثم وهو يشعر بالخوف:
_ أنا سيدي؟
قام العمدة بدفعه بيده بقوة، ثم صرخ في وجهه قائلاً: _ابتعدوا جميعكم من وجهي، يا لكم من حمقى وجبناء.
حاول العمدة إظهار الشجاعة، رغم شعوره بالخوف والهلع.
أمسك شعر المرأة بقوة وضمه بيده ورفعها ليراها عامة الناس المتواجدة.
شَهقت بعض النساء اللواتي يعرفنها
صرخت أحداهن بلاوعي:
_ يا آلهي، أنها سالي.
أجابت الأخرى بصوت مرتفع:
_أجل، أنها هي، ياآلهي، انظري ماذا حل بها؟!
تعالت أصوات الهمسات فيما بينهم، ولكن سرعان ما قاطعهم صراخ العمدة متحدثاً بصوتٍ صاخب:
_تقدمن إلى هنا أنتما الاثنتان وأخبراني عنها؟ هل من عادتها تفتعل المشاكل؛ كي تقتل بهذه الطريقة؟
ازداد لعابهما وكانت خطواتهن بطيئة، فلم تكن لديهن الرغبة للتقدم ورؤية منظر الجثة المفزعة عن قرب.
ولكن صراخ العمدة أفزعهن أكثر، لذا حاولن الإسراع إليه.
قالت الأولى:
_سيدي، أنها لا تخرج من بيتها كثيراً؛ لأنها لا تحب أحد.
أجابت الأخرى:
_يبدو أن وراءها سراً ما ونحن لا نعرفه، فمن المستحيل أن يكون أحداً بيننا ليفعل هذا بها، فهي تهتم بمحصولها لتجني الكثير من المال، وهذا أكثر مايهمها.
قالت الأولى وهي ترتجف:
_ أجل، هذا هو طبعها.
همست بأذُنها امرأة أربعينية تقف بقربها؛ لذا جعلت جسدها يرتعش للحظة، قائلة:
_هل كل شخص يحب المال سيقتل بهذا الشكل؟
فزعت المرأة عند سماعها لتلك الكلمات، فتراجعت دون أن تجيب بشيء.
صرخ العمدة وهو يحاول إخفاء خوفه بداخله:
_ إذاً من يجرؤ على فعل هذا بوسط بلدة أنا أترأسها؟
ثم بدأ ينفث وهو ينظر إلى الجميع حوله بنظرات غضب
ثم صرخ:
_هل تسخرون مني؟ هيا فليجيبني أحد.
لم يستطع أحد الرد عليه، بالطبع الجميع بصدمة! فهذه أول جريمة قتل تحدث في بلدتهم، وتُعلق بهذا الشكل المخيف كما لو أنها تنبيه وإنذار لخطر قادم للجميع.
فجأة..
انطلقت صوت ضحكات عالية، مع ضربات متتالية على الطاولة التي أمامه.
توم:
_لقد كان من أجمل المشاهد التي جرت في البلدة، آه، ليتك شاهدت نظراتهم.
صديق توم بتوتر:
_هل حقاً كنت سعيد بما جرى؟
توم:
_ولما لا؟ ليتك رأيتهم كيف تراكضوا إلى بيوتهم كَ فئران الصيد؛ خوفاً من أن يتلقى أحدهم حتفه فجأة، كان الأمر مريح للقلب، ومثير للسخرية.
ثم بدأ يهز بكرسيه الخشبي وهو يبتسم ويتخيل تلك اللحظات بجانب الموقد.
تحدث صديقه بذعر:
_ وما علاقة هذه المرأة بمقتل طفلك؟ لما قتلت تلك المسكينة؟
وسع توم عينيه بصدمة! ثم تحدث بغضب وهو يضرب الطاولة التي أمامه:
_مسكينة؟! أتظن بأن في هذه البلدة المقرفة أحد يسمى مسكين، هؤلاء وحوش مبطنة، ومليئة بالجشع والكره، ولا أحد منهم قد أحبنا منذ أن أتيت أنا وزوجتي إلى هنا، وهذه المرأة تسببت لي بالكثير من المشاكل، لذا كانت أول فأر اصطاده.
تحدث صديقه بفزع:
_ هل حقاً هذا أنت توم؟ أشك في ذلك، كنت شخص لطيف ويستحيل أن يؤذي نملة تمر في طريقه، كيف تحولت لهذا الشكل؟ ولما أصبحت وحشاً وجشعاً؟
توم وهو ينفث غيظاً:
_ لقد قتلوا طفلي، وأظنهم هم السبب بدفع زوجتي لقلب الحريق أيضاً، ولكن أعجبتني كلمة وحش وجشع، فهذا ما أردت أن أكونه، كي أتسلل بسهولة واصطادهم واحداً تلو الآخر.
ازداد توتر صديقه بسبب صراخ توم المستمر، لذا قال:
_حسناً، اهدأ قليلاً، سأعد لكَ كأس شاي، وبعدها أخبرني ما حدث معك.
دخل صديقه المطبخ وهو يرتجف ومصدوم بشكل صديقه الجديد، فقد كان مخيف كما لو أنه وحش مفترس يرد أن ينقض على أي شيء أمامه.
عاد سريعاً وهو ينظر إلى عينين توم العسليتين ووجه المليء بالشعر الأسود، لذا كان النظر المطول له مقلق.
صديقه: _تفضل، أظنك ما زلت تحب الشاي، كما في السابق؟
رفع توم يديه دون أن يملي عليه بالشكر، ثم رفع قدميه الكبيرتان فوق الطاولة المركونة أمام الموقد، بدأ صديقه ينظر إلى مخالب يديه وقدميه بذعر وقرف.
وأصبح يحادث نفسه وهو يبتلع لعابه بخوف:
_لا يجب أن أغضبه فضربه واحده بمخلبه سأتمزق لنصفين؛ لذا عليّ تحمل هذا المجنون لأرى مانهايته.
رفع توم نظره للسقف، ثم قال:
_حسناً، في عام 1982 في بداية كانون الثاني، قد تم تعيني معلم في بلدة كراوس، في إحدى مدارسها؛ لذا انتقلت أنا و وزوجتي جيسكا إلى هنا.
صديقه: لما لم تعترض؟
توم وهو يحدق به بطرف عينه:
_ لا تكن سخيفاً، لو كنت أعلم بأن حياتي ستدمر بهذه البلدة لكنت قد اعترضت، ولكن لم أكن أعلم.
صديقه: أقصد لما لم تطلب العمل في المدن؟ هناك الحياة أفضل.
توم: لا ياصديقي، أنا في البداية أحببتها؛ لأنها بعيدة عن ضجيج المدينة، وهذا كان يسعدنا حقاً لأننا استطعنا امتلاك بعض الحيوانات؛ فأحوالنا المعيشية كانت متوسطة.
صديقه: ومع هذا لم يجدر بكَ العيش في مكان لا تعرفه، أو تعرف ساكنيه، وهذا غير أن البيوت هنا متباعدة جداً عن بعضها، قد تموت ولا أحد يسمع صوت صراخك.
توم بحزن: أجل، أشعر بالندم الشديد بأن اختياراتي كانت فاشلة، فحتى زوجتي لم تحب هذه البلدة مطلقاً.
قاطعه صديقه متسائلاً:
_حسناً، إن كانوا بهذا السوء، كيف تقبلوا أستأجارك لأحد منازلهم؟
توم بسخرية: هل تظن بأنني لم أعاني للحصول على منزل؟ ولكنني تعرفت على رجل بخيل ويحب المال بطريقة لا تتصورها، وأخذ ضعف الأجر؛ لذا قَبِلَ أن أخذ منزله المهترئ.
صديقه: حسناً، يبدو أنه رجل جيد، على الأقل قِبل إعطاءكُ منزله.
ضحك توم: يا لك من أحمق! هل هذا جيد، حقاً؟! على ماذا؟ ذلك السمين البخيل سبب لي الكثير من المتاعب أيضاً، وكل يوم يدق بابي ليوصيني ببيته المهترئ، جعلني أشعر بأنه قصر.
صديقه وهو يمسح قطرات العرق من فوق جبينه:
_ لن تقتله أليس كذلك؟
أطلق توم صوت ضحكات مستفزة، مع قهقه عارمة أضفت للمكان التوتر:
_ لا، من أجلك فقط سأفرغ ما في بداخل كرشه وأعلقه منها.
ابتلع صديقه لعابه بصعوبة وهو يتخيل المنظر، وأصبح يحك رقبته.
توم: هيا اضحك، ألا تجد الأمر مسليٍ؟
كانت يدي صديقه ترتجفان، لذا حاول وضع كأسه بهدوء على الطاولة، ثم قال:
_ أجل أنه مسلي للغاية، بلى، مسليٍ.
ابتسم توم وهو ينظر لصديقه بطرف عينه:
_ اعلم بأنك مستغرب للغاية، فقد كنت لطيف وساذج وبارد الأعصاب، لذا من الصعب تصديق ما حل بي.
حاول صديقه تصنع بعض الضحكات قائلاً:
_أجل كنت لطيف جداً، على عكس زوجتك العصبية والتي تصرخ دوماً بسبب برودك، ولا مبالاتك، فأنا أتذكر دائماً كيف كانت تتحدث وهي تدور بين الغرف وأنت لا تبالي بما تقوله.
توم بصراخ: اصمت..، لما تحاول استفزازي؟
نهض صديقه مذعوراً وهو يوسع حدقة عينيه:
_ لا، لا، أنا لم أقصد شيء.
هدأ توم قليلاً وقال: هذا أكثر ما كان يغضبني؛ لقد كنت شخص غير مبالي برغباتها حقاً، وكل ما فعلته هو ملأ رأسها بالطموح والأحلام التي لم يتحقق منها شيء.
صديقه وهو يحاول تهدئته:
_ حسناً لا تظلم نفسك كثيراً، فقد كنت تحبها، وحاولت جاهداً بأن يكون لكما مستقبل جميل.
توم بحزن: ظلم؟! حب؟! أتعلم ما هو الظلم؟ أن يقتحم الموت حياتك فجأة، وغيرك يبني لكَ أحلام زائفة قد لا تتحقق، وأنت تنتظرها بكل صدق، ثم عن أي حب تتحدث.
صديقه: ولكن قد لا يكونوا هم السبب بقتلها، فأنت لم تشاهد الحادثة.
توم: أجل، لم أشاهد شيء، ولكنني أعرفهم جيداً، فمنذ مجيئنا وهم يتعاملون معنا كما لو أننا دخيلين أو متطفلين، ومهما حاولنا التودد لهم يقمعوننا.
صديقه: أنا حقاً مستغرب! بعد أن تتلقى معاملة سيئة في مكان ما، لما لم تحاول تغييره؟
توم: حسناً، كنت شخص صبور ومتأمل بما هو قادم، رغم مشاق العمل في المدرسة والأرض الزراعية خاصتي التي تحوي على الأغنام والدجاج، إضافة لبقرة كبيرة وكلب وقط أسود بعيون صفراء فاقعة.
قاطع صديقه حديثه مستفسراً: هل أردت أن تكون شبيه لقطك؟ لما لم تختار شيء أقوى؟
ضحك توم ساخراً: أنت لا تفقه شيء بالقوة، فليس هناك شيء قد يكون أقوى من بث الخوف بداخل الجميع دون أن يروك ليلاً، ثم أنني أحببت ذاك القط للغاية.
تحدث صديقه متململاً ومحاول الابتعاد عن ذكر قصته مع القط؛ لأنها باتت تخيفه:
_حسناً، لم تخبرني للآن ماذا فعلت تلك المرأة؟ ومن هي؟
توم بنبرة حادة: هذه المرأة كانت تفتعل المشاكل مع زوجتي دائماً، وتكرهها، وكانت تغار من طفلي وكان يراودني دوماً شعور بأنها تريد اختطافه.
صديقه: ولما قد تفعل هذا؟ هل هي معتوهة؟
توم: لقد كانت امرأة وحيدة وغريبة الأطوار ولا تألف للغرباء أبداً، ولم تحبنا رغم السنوات التي قضيناها ونحن بجوارها.
صديقه: الحب من الله يا أخي.
توم بسخرية: وها هو الآن أخذها، وجعلنا نرتاح منها.
صديقه: حسناً، فلتهدأ، أنا حقاً لا أحاول أستفزازك، أنا مستغرب للغاية! حتى أنني لا أعلم ما أسئلك؟ حيث إنَّ الأسئلة كثيرة التي تدور في رأسي، هيا أكمل..
توم: حسناً، لا عليك، أتذكر حينما أتيت للبلدة كانت سالي تسكن مع زوجها الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً، وتوفى بعدها بفترة قصيرة، وبقيت لوحدها لمدة طويلة.
صديقه: يبدو أن الوحدة سببت لها مرضاً نفسياً.
توم: أنها مجنونة حقاً، كان منزلها الأقرب لبيتي، لذا كنت أحاول دوماً التودد لها لتنمية العلاقات فيما بيننا، إلّا أنها لم تتقبل أي شيء أو أي نصح، لذا كانت ردودها وقحة بشكل فضيع؛ لذا طفح الكيل وقررت الانعزال عنها، ظناً مني بأنها ستعتذر يوماً ما.
ثم أردف: أتعلم؟! أنا حقاً مللت من سيرة هذه المرأة، دعني منها، فلتذهب للجحيم.
صديقه: حسناً، حدثني عن إيبرو قليلاً.
توم بحسرة: ايبرو! آه ويا وليتاه على ايبرو، وعمر ايبرو الذي ذهب ولن يعد.
صديقه: متأكد بأنه كان بمستوى ذكائك وعبقريتك.
سقطت دمعة حارقة من عين توم سهواً:
_بل وكان يشبهني بالشكل، لذا كان وسيم للغاية، وأنا لا أستحق بأن يشبهني ملاك مثله؛ لذا شكلي هذا الأنسب لي؛ لأنني تركته بأكثر وقت يحتاجه لي، تركتك للكلاب الجائعة.
صديقه: ألديك صوراً له؟
توم: بالطبع، انتظر..
ثم أنزل ساقيه ونهض بخطوات متسارعة للغرفة المجاورة، وفتح درج الخزانة وأخرج صور لإيبرو.
ثم عاد وهو ينظر إلى صوره بحسرة، بخطوات تثاقلت كلما أشتد الألم بقلبه.
توم وهو يضع الصورة أمام صديقه:
_ انظر لوجهه المدور الأبيض، وإلى شعره الأسود اللامع، كان أشبه بالملاك، كيف سأستطيع نسيانه؟ فقلبي يتمزق كلما تذكرته.
صديقه بحزن: أنه جميل حقاً، ليتكم أتيتم لبلدتي، وسكنتم بجواري، كنت لأكون الأسعد بالتعرف على إيبرو.
توم: آه، لقد ذكرتني بأمنية زوجتي، فقد كانت تود الخروج من هنا بأي شكل؛ لذا كلما أتذكر كلامها وأين أرادت أن تعيش، أتمنى حينها لو أغرز مخالبي في قلبي ليهدأ، فالشعور الذي مررت به مؤلم ولا يوصف.
ثم أردف بعد تنهد طويل..
_فذات ليلة قد أموت ولا أنساها
جلسنا أمام منزلنا على التراس الخشبي، حيث كانت جيسكا تحمل بأحضانها أيبرو وتنظر إليه بحب.
جيسكا: "عزيزي، هل سندوم طويلاً هنا؟ أنا حقاً سئمت، ولم أعد أحتمل البقاء هنا."
تحدثت معها بهدوء وأنا أتنهد، وأتأمل الخير من هذا المكان:
_أعلم بأن الوضع بات لا يُطاق ولكن تحملي عزيزتي لحين أن يَكبُر إيبرو، فالحياة في المدينة مخيفة، حيث الخطف واستدراج الأطفال بات شائعاً هناك، علينا الصبر والحفاظ على طفلنا لحين استطاعته بالدفاع عن نفسه.
جيسكا: " وكيف سيستطيع الدفاع عن نفسه في بلدة موحشة كهذه؟"
توم: لا لا، أنها ليست موحشة انظري ما أجملها و ما أجمل مزروعاتها وما أنظف هوائها، هذه الأشياء لن تجديها في المدن المكتظة بالضجيج وازدحام السيارات، وكثرة المرتزقة وأولاد الشوارع المتملقين الكاذبين.
جيسكا بامتعاض: "أووف، حسناً، أرجو بأن تمر السنوات بسرعة."
توم باستغراب: إلى أين تنوين الذهاب؟
جيسكا بتنهد عميق وهي تتأمل النجوم:
"أتمنى السفر إلى خارج هذه البلاد وأعيش بجوار أختي في بروم فهي بلدة جميلة جداً، وسكانها لطفاء، كما وصفتهم أختي، وقد يعيش ايبرو حياة أفضل هناك."
توم بحزن: نحن لا نملك المال للانتقال وتأسيس حياة جديدة هناك، فالسفر لتلك البلد يحتاج الكثير من المال، أرجو بأن يتغير حالنا لنؤمن حياة جميلة لطفلنا.
جيسكا بامتعاض: " أرجو هذا، فقد تعبت حقاً من كل شيء هنا، وباتت رعاية الحيوانات متعبة كثيراً."
توم ببرود: لا عليكِ ستمر السنوات بسهولة، وسيتغير حالنا حتماً.
جيسكا بسخرية:
_ "لا أضن أنها ستمر بسلام قبل أن أقوم بفصل رأس سالي عن جسدها، تلك الحاقدة اللئيمة لا أعلم لما تكرهني، وأنا كل ما فعلته لها أنني قد استعرت إحدى سطولها للسقاية."
ضحك توم بصوتٍ مرتفع ثم قال:
_ تلك المرأة مجنونة حقاً، لا تهتمي بها عزيزتي.
جيسكا: "حسناً، أبقى هكذا بارداً، ودعني أموت قهراً في بلدتك السخيفة، سأذهب للنوم، تصبح على خير."
وقفت منتفضة ودخلت المنزل وهي تكظم غيظها من هذه البلدة المجبرة على العيش بها.
أما أنا فقد بقيت أتأمل المكان بكل حب وراحة واستنشق الهواء العليل حيث الأشجار والمزروعات الكثيرة المجاورة التي أضفت للمكان جمالية.
توم: أليس هذا سخيفاً؟
بقيت جالساً لمدة ساعة وأنا أخطط لمستقبل طفلي،ثم تعبت ودخلت لأنام.
ولكنني صُدمت حينما وجدت جيسكا وايبرو نائمين بجانب بعضهما على السرير! كانت عقوبة جميلة منها.
تحدثت حينها بغيظ:
_لِما تفعلي هذا بي، كل يوم عليّ أن أنام على الأريكة، حسناً لن أحمله كي لايستيقظ.
ثم قبلت جبينهما وذهبت للنوم.
ومرت السنوات بصعوبة بالنسبة لجيسكا، أما أنا فقد اعتدت على الأمر.
قاطع صديقه حديثه محاولاً أن يواسيه:
_أجل الانتظار قاسياً وصعباً، ولكن أنت تعرف الجميع، وحتماً تشك بأحدهم.
توم: أجل، تعرفت على الجميع منذ أن بدأت أدرِّس بإحدى مدارس المتوسط في بلدتهم لسنين، لذا تعرفت على جميع الطلاب وأهاليهم، وقد أحببتُ الجميع بالفعل.
ثم أردف بعد صمت لثوانٍ:
_ لقد كنت الألطف على الإطلاق رغم وقاحة الجميع.
تحدث صديقه وهو يشعر بالأسى:
_أعلم جيداً كيف كنت؛ لذا أنا حزين بالفعل لما حل بك، ولكن على الأقل تأكدت بأنك توم.
صرخ توم غاضباً: لستُ توم بعد الآن، أنا الرجل القط.