الفصل١
الانعدام يتطلب الوجود، ولكنك لم تكن موجود من البداية لتنعدم!
تلك جملة قد قرأها المحقق (تشارلي) بيد الجثة الهامدة أمامه، هذا المحقق الذي بالكاد قد وصل إلى نهاية عقده الثالث، إرتفع تشارلي بجسده الممشوق ليقف مستقيمًا بهيبته، لينظر إلى الضابط بجانبه بتلك العينان التي تشبه سماء يوم طقس معتدل، ليبتعد عن تلك الجثة الملقاه أرضًا لسبب غامض!
تلك الجريمة التي جاء للتحقيق بها تعد من أكثر الجرائم غرابة؛ فجريمة كتلك القاتل يضع تذكار بموقع الحادثة لفعلته، يبدو من أكثر الأمور غرابة.
ليتحدث إلى الضابط (جاك) بجانبه بعد قراءته لها:
_اتتذكر تلك الرسالة التي قمنا بالعثور عليها بالجريمة السابقة؟
حرك الضابط جاك رأسه متذكرًا، فهو كمساعد له، لا يفارقه بأي جريمة، يعد في منتصف عقده الثالث، عقد حاجبيه البنية كخصلاته متحدثًا:
_قضية الإنتحار تلك!
حرك تشارلي رأسه مؤكدًا لحديثه:
_نعم، إنها نفس الرسالة، بل وقام بالإنتحار أيضًا! هذا مؤكد لم يكن إنتحار، القضية لا يمكنها أن تقفل كسابقها، الأمر أصبح واضحًا الأن، ليست صدفة أن يكتب الجملة ذاتها قبل إنتحاره، وبنفس طريقة كتابة المنتحر السابق! الأمر لا يحتمل الصمود الأن.
لم يبعد جاك عيناه التي تتمثل جمال الجزر بلونهما عن تشارلي، ليتحدث سائلً:
_تقصد أنه القاتل نفسه؟!
عاود تشارلي عيناه إلى تلك الجثة الهامدة أمامه مجاوبًا له:
_وهل توجد اجابة غير هذه؟
تحدث جاك وقد عقد حاجبيه؛ فهو لا يوافقه بحديثه:
_لا اعتقد هذا؛ فما علاقتهم بالقاتل؟ أقصد أن الجريمتان لا يتعلقان ببعضهم إذن كيف سيكون نفسه القاتل ولماذا سيفعل؟
تشارلي:
_هذا ماعلينا إكشافه جاك، لم تقفل القضية ويمر الأمر هبائًا كسابقها، لأنني وبكل تأكيد سأجد القاتل، إن لم يكن اليوم فغدًا، هل ابلغتم عائلة المقتول؟
حرك الضابط رأسه نافيًا:
_ليس له عائلة، هذا ما اخبرونا به جيرانه.
نظر تشارلي له ليعاود نظره إلى الجثة، ويبدو أن هناك أمر ما يدور بعقله:
_السابق لم يكن لديه عائلة كذلك!
في بيت بأحد المناطق الخالية من السكان، يظهر عليه مرور الزمن، فقط يسكنها ظلام الليل ويعلوها صوت الذئاب، لا منازل حولها فقط تلك الأشجار المتساقطة أوراقها، ذات الجذوع الذَبُلة، فهي تشبه أحد المناطق بأحد أفلام الرعب!
تهب الرياح سامحة لأوراق الأشجار بالتنقل حول المنزل بعشوائية، صوت ضحكات عالية صادرة من خلف جدران المنزل، ضحكات مجهولة، ليست عادية.
تعود تلك الضحكات لهذا الشاب الذي يبدو وكأنه في منتصف العقد الثالث من عمره، فيبدو وكأنه قد حقق هدفًا ما!
تحدث جستين صاحب الضحكات العالية، لينظر إلى ديفيد بعينان لا تختلف كثيرًا عن سواد الليل المأخوذ منه لونهما:
_اتعلم أنني فخور بك؟ لقد استطعت القضاء على حثالة أخر قد أساء لك، أنت مثالًا للقوة ديفيد.
يعلق ديفيد نظراته بتلك اللوحة أمامه، لوحة تغمرها الكثير من الألوان المتداخلة، كلون عيناه الحادتان، وكأنها بقعة مياه متداخلة الألوان وسط أرض من الطين، والتي تمثلها تلك الهالات حول عيناه، فاللوحة تمثله بشكل كبير، بالكاد معقدة كحال صاحبها!
أكمل جستين حديثه ليقف خلف مقعد ديفد:
_الأن ديفيد، وصلنا إلى الخطوة الثانية، مؤكد تعلم ماهي.
حرك ديفيد رأسه بهدوء:
_لأكمل اللوحة أولًا.
تبسم جستين ببهجة، وكأن مقتل الأخرين يحيه، لم يمانع ما قاله هذا النحيف صاحب الرداء الذي يلتزم به، وكأن اخفاء نصف وجهه بتلك القبعة الملتزقة بردائه تريحه، فهو دائمًا يخفي خصلاته السوداء، بل وبشرته الحليبية الذَبولة.
فجستن ليس بغريب عنه، يعلم بحبه لرسم لوحة لا تمثل أي شيء من الجريمة، فور مقتله لشخص أو لأخر، لوحات لا علاقة لها بمقتله للأخرين، ولكنه لم يجادله بشيء فهو يريحه قدر الإمكان لا يريد أن يكون متطفل يريد تفسير لكل تصرف يقوم به.
•• في مخفر الشرطة ••
أعطت المحققة أميليا (والتي تبدو في منتصف العقد الثالث من عمرها) أعطت تلك الورقة بداخلها تلك الجُملة المعتادة اليوم!
تحدثت أميليا صاحبة تلك العينان الجاذبتان المأخوذ لونهما من لون البِحار صافية مياهها:
_جريمة أخرى، إنتحار لشخص قد أتضح أمر وفاته الذي حدث قبل يومان!
أخذ تشارلي الورقة ليقم بقرائتها متحدثًا، وقد بدا عليه السخرية:
_القاتل نفسه إذن! ليست جريمة إنتحارية أميليا، إنها جريمة قتل.
نظرت أميليا له متعجبة:
_كيف؟! كيف علمت هذا؟!
قام تشارلي بإمداد تلك الورقة التي وجدها بموقع الجريمة:
_لأن نفسه صاحب الجريمة أميليا، كيف إنتحار وتلك الجملة تتكرر بجرايم مختلفة؟!
حركت أميليا رأسها وقد بدت بإرجاع خصلاتها الذهبية إلى الخلف، وقد بدا عليها التشتت:
_معك حق ولكن لماذا سيفعل القاتل هذا الشيء الغريب؟!
تحدث تشارلي موضحًا:
_هو يريد أن نعلم بأنه الفاعل.
اجابته أميليا بتعجب ظاهر:
_ومن هذا المختل الذي سيريد تسليم نفسه؟!
نظر تشارلي لها:
_هذا ما سنعلمه أميليا، ولأن قضيتنا واحدة عليكِ الإنصات لي وبلا شك سنعلم ما وراه، فلا شيء يُخفى على محقق أميليا.
اعادت أميليا نظراتها إلى تلك الورقة، تحاول إستشفاف مايقصده، لتردد بصوت مسموع:
_الانعدام يتطلب الوجود، ولكنك لم تكن موجود من البداية لتنعدم! ماذا يعني هذا برأيك؟!
حرك تشارلي رأسه بجهل:
_ليس لدي علم بهذا.
مر الوقت ولم يغفى المحقق تشارلي لوهلة عن التعمق بالأمر، لا دليل لقاتل يعلمه، ولكنه يحاول إيجاد أي شيء، البحث المستمر مؤكد سيوصلهم لشيء، ولكن كيف ولا يوجد دليل يوصله إليه؟!
ومع كل هذا، لم يفقد تشارلي أمله، بل ظل بداخله هذا الضوء الذي سيوصله إلى القاتل، وهذا ما تواعد به.
•• في منزل ديفيد ••
أعطى جستين صورة المقتول لديفيد:
_هيا، فالتبداء بالعمل عزيزي ديفيد.
حرك ديفيد رأسه ليأخذ الصورة من يده، ليبداء بقراءة التعويذة عليها، تعويذة (باربانوس) والتي تعود للكتاب الكبير (شمس المعارف) فهو يعد من أكبر كُتب السحر، كما أنه نادر الوجود؛ فليس من السهل العثور عليه؛ وهذا لخطورة ما به.
حل الصباح ليعلن عن يوم جديد، قد أشرقت الشمس ببهجة وهناك أعيون ارهقها السهر ليلًا.
ذهب تشارلي إلى مخفر الشرطة ليقم بالدخول إلى مكتبه، تابعته أميليا إلى هناك لتقم بقرع الباب.
تحدث تشارلي ناظرًا إلى الباب وقد طلب قهوته المعتادة عبر الهاتف الخاص بالمكتب، ليسمح لها بالدخول.
نظرت أميليا له لتتحدث ببسمة طريفة:
_صباح الخير.
تبسم تشارلي بهدوء متحدثًا:
_صباح الخير.
اقتربت أميليا لتجلس فوق المقعد أمامه، تحدثت وقد بدا عليها التسائل:
_أهناك أي شيء جديد، أقصد القضية؟
حرك تشارلي رأسه نافيًا:
_لقد راجعت أمر الفحوصات الخاصة بالمقتول، وأيضًا الفحوصات التي قمتي بإرسالها لي، ووجدت أن السم الذي أستخدمه، قد قام بتسميم المقتولان به، كما أنني بحثت كثيرًا عن هذا النوع من السُم، ووجدت أنه من أكثر السموم بطئً، ومؤكد المنتحر لم يرد تعذيب نفسه قبل موته! وإن كان أحدهم يفعل، فالاخر لا.
حركت أميليا رأسها وقد تقبل عقلها ما قال، فهو قد ايقظها عن شيء مهم قد توصل له:
_معك حق، الأمر ليس إنتحار، ولكن الأن تعلم أن لا دليلًا لدينا، وما نملكه هو الصمود.
حرك تشارلي رأسه وقد تملكه الأسف:
_أعلم أميليا، ولكن لا يمكنني الوقوف مكتوف الأيدي، ولهذا أعمل على ربط كل شيء ببعضه، لكي استطيع إثبات ما أقول.
حركت أميليا رأسها لتطمئنه:
_حسنًا وأنا معك تشارلي، وسأظل بجانبك حتى نبحث عن القاتل.
تبسم تشارلي بهدوء ليقم الساعي بتقديم القهوة له، حرك تشارلي رأسه مجيبًا:
_حسنًا شكرًا لك.
ذهب لتقف أميليا هامة بالخروج:
_سأذهب لعملي، إن احتجت شيء اخبرني.
حرك تشارلي رأسه مجيبًا:
_شكرًا لكِ أميليا.
ذهبت ليرتشف تشارلي رشفة من قهوته وعقله أصبح مشغولً، قاطع شروده صوت طرقات فوق الباب يعقبها دخول جاك.
اقترب جاك ليقف بالقرب منه:
_هل سمعت عن تلك الحادثة اليوم؟
حرك تشارلي رأسه نافيًا:
_لم أنهي قهوتي بعد حتى استمع لحوادث اليوم، اخبرني ما الأمر؟
اعطاه جاك الهاتف والذي به فيديو مصور بالحادثة:
_أنظر.
أمسك تشارلي الهاتف ليشاهد ما به، لم تمر دقيقة لتتبدل ملامح وجه تشارلي، توسعت حدقتاه منتبهًا، وكأنه قد رأه شيء أثار إنتباهه!
تحدثت تشارلي غير مصدقًا لما تراه عيناه:
_ما هذا؟ كيف! كيف هذا الشخص هنا؟!
نظر جاك له وقد بدا عليه التعجب، فرد فعله غريبًا بعض الشيء!
اقترب جاك ليره ما أفاد تعجبه لتلك الدرجة، متحدثًا بغرابة:
_ماذا هناك؟
أعاد تشارلي الفيديو من البداية، لينظر له مشيرًا إلى شخص قد ظهر به، ليدهشه:
_أنظر من هذا؟
نظر جاك إلى الشخص ليحرك رأسه في جهل متعجبًا:
_من؟!
تحدث تشارلي منفعل، فكيف لاحظ هو الأمر ولم يفعل جاك؟!
تشارلي:
_إنه المقتول أمس، المقتول أمس ظهر بحادثة اليوم!! كيف؟!
نظر جاك له ليتحدث بقلق:
_تشارلي أنت بخير؟! حديثك مروع يا صاح!
وقف تشارلي منفعل ليتحدث غاضبًا، فهو الأن يشكك بصحة عقله!
تشارلي:
_أنت تراني مجنون إذن؟ إنه هو ها هو بالفيديو كيف لا تراه؟! كيف رأيته أنا إن لم يكن غير موجود؟!
تنهد جاك بعمق ليتحدث بهدوء، فهو يره أن تهويل الأمر بعقل تشارلي أصبح لا يحتمل:
_حسنًا حسنًا تشارلي، إذن المقتول قد عاد إلى الحياة أليس كذلك؟
نظر تشارلي له ليكمل بهدوء:
_إن كنت تره أنه فعل فهو مخالف للطبيعة كما أن لم يذكر عودة المقتول إلى الحياة بالكتب السماوية تشارلي، وهذا لا يصدقه عقل.
تحدث تشارلي منفعل:
_أعلم، أعلم أنه أمر لا يصدق أعلم لكن اخبرني ما تفسير هذا؟ أخبرني.
تحدث جاك منفعل:
_لا تفسير لشيء غير موجود تشارلي، أنت تتخيله بعقلك، تتخيل وجوده من كثرة تفكيرك به وبأمر موته، لكن هو ليس موجود وليس على قيد الحياة وهذا مؤكد، لم يعجبك حديثي حسنًا فالتخبر أميليا بهذا إذن، أخبر أميليا أنك رأيت المقتول بالفيديو.
نظر تشارلي له ليذهب من مكتبه، نظر تشارلي إلى الفيديو ليعاود مشاهدته أكثر، هذا لا يصدق إنه بالفعل يراه!
تلك جملة قد قرأها المحقق (تشارلي) بيد الجثة الهامدة أمامه، هذا المحقق الذي بالكاد قد وصل إلى نهاية عقده الثالث، إرتفع تشارلي بجسده الممشوق ليقف مستقيمًا بهيبته، لينظر إلى الضابط بجانبه بتلك العينان التي تشبه سماء يوم طقس معتدل، ليبتعد عن تلك الجثة الملقاه أرضًا لسبب غامض!
تلك الجريمة التي جاء للتحقيق بها تعد من أكثر الجرائم غرابة؛ فجريمة كتلك القاتل يضع تذكار بموقع الحادثة لفعلته، يبدو من أكثر الأمور غرابة.
ليتحدث إلى الضابط (جاك) بجانبه بعد قراءته لها:
_اتتذكر تلك الرسالة التي قمنا بالعثور عليها بالجريمة السابقة؟
حرك الضابط جاك رأسه متذكرًا، فهو كمساعد له، لا يفارقه بأي جريمة، يعد في منتصف عقده الثالث، عقد حاجبيه البنية كخصلاته متحدثًا:
_قضية الإنتحار تلك!
حرك تشارلي رأسه مؤكدًا لحديثه:
_نعم، إنها نفس الرسالة، بل وقام بالإنتحار أيضًا! هذا مؤكد لم يكن إنتحار، القضية لا يمكنها أن تقفل كسابقها، الأمر أصبح واضحًا الأن، ليست صدفة أن يكتب الجملة ذاتها قبل إنتحاره، وبنفس طريقة كتابة المنتحر السابق! الأمر لا يحتمل الصمود الأن.
لم يبعد جاك عيناه التي تتمثل جمال الجزر بلونهما عن تشارلي، ليتحدث سائلً:
_تقصد أنه القاتل نفسه؟!
عاود تشارلي عيناه إلى تلك الجثة الهامدة أمامه مجاوبًا له:
_وهل توجد اجابة غير هذه؟
تحدث جاك وقد عقد حاجبيه؛ فهو لا يوافقه بحديثه:
_لا اعتقد هذا؛ فما علاقتهم بالقاتل؟ أقصد أن الجريمتان لا يتعلقان ببعضهم إذن كيف سيكون نفسه القاتل ولماذا سيفعل؟
تشارلي:
_هذا ماعلينا إكشافه جاك، لم تقفل القضية ويمر الأمر هبائًا كسابقها، لأنني وبكل تأكيد سأجد القاتل، إن لم يكن اليوم فغدًا، هل ابلغتم عائلة المقتول؟
حرك الضابط رأسه نافيًا:
_ليس له عائلة، هذا ما اخبرونا به جيرانه.
نظر تشارلي له ليعاود نظره إلى الجثة، ويبدو أن هناك أمر ما يدور بعقله:
_السابق لم يكن لديه عائلة كذلك!
في بيت بأحد المناطق الخالية من السكان، يظهر عليه مرور الزمن، فقط يسكنها ظلام الليل ويعلوها صوت الذئاب، لا منازل حولها فقط تلك الأشجار المتساقطة أوراقها، ذات الجذوع الذَبُلة، فهي تشبه أحد المناطق بأحد أفلام الرعب!
تهب الرياح سامحة لأوراق الأشجار بالتنقل حول المنزل بعشوائية، صوت ضحكات عالية صادرة من خلف جدران المنزل، ضحكات مجهولة، ليست عادية.
تعود تلك الضحكات لهذا الشاب الذي يبدو وكأنه في منتصف العقد الثالث من عمره، فيبدو وكأنه قد حقق هدفًا ما!
تحدث جستين صاحب الضحكات العالية، لينظر إلى ديفيد بعينان لا تختلف كثيرًا عن سواد الليل المأخوذ منه لونهما:
_اتعلم أنني فخور بك؟ لقد استطعت القضاء على حثالة أخر قد أساء لك، أنت مثالًا للقوة ديفيد.
يعلق ديفيد نظراته بتلك اللوحة أمامه، لوحة تغمرها الكثير من الألوان المتداخلة، كلون عيناه الحادتان، وكأنها بقعة مياه متداخلة الألوان وسط أرض من الطين، والتي تمثلها تلك الهالات حول عيناه، فاللوحة تمثله بشكل كبير، بالكاد معقدة كحال صاحبها!
أكمل جستين حديثه ليقف خلف مقعد ديفد:
_الأن ديفيد، وصلنا إلى الخطوة الثانية، مؤكد تعلم ماهي.
حرك ديفيد رأسه بهدوء:
_لأكمل اللوحة أولًا.
تبسم جستين ببهجة، وكأن مقتل الأخرين يحيه، لم يمانع ما قاله هذا النحيف صاحب الرداء الذي يلتزم به، وكأن اخفاء نصف وجهه بتلك القبعة الملتزقة بردائه تريحه، فهو دائمًا يخفي خصلاته السوداء، بل وبشرته الحليبية الذَبولة.
فجستن ليس بغريب عنه، يعلم بحبه لرسم لوحة لا تمثل أي شيء من الجريمة، فور مقتله لشخص أو لأخر، لوحات لا علاقة لها بمقتله للأخرين، ولكنه لم يجادله بشيء فهو يريحه قدر الإمكان لا يريد أن يكون متطفل يريد تفسير لكل تصرف يقوم به.
•• في مخفر الشرطة ••
أعطت المحققة أميليا (والتي تبدو في منتصف العقد الثالث من عمرها) أعطت تلك الورقة بداخلها تلك الجُملة المعتادة اليوم!
تحدثت أميليا صاحبة تلك العينان الجاذبتان المأخوذ لونهما من لون البِحار صافية مياهها:
_جريمة أخرى، إنتحار لشخص قد أتضح أمر وفاته الذي حدث قبل يومان!
أخذ تشارلي الورقة ليقم بقرائتها متحدثًا، وقد بدا عليه السخرية:
_القاتل نفسه إذن! ليست جريمة إنتحارية أميليا، إنها جريمة قتل.
نظرت أميليا له متعجبة:
_كيف؟! كيف علمت هذا؟!
قام تشارلي بإمداد تلك الورقة التي وجدها بموقع الجريمة:
_لأن نفسه صاحب الجريمة أميليا، كيف إنتحار وتلك الجملة تتكرر بجرايم مختلفة؟!
حركت أميليا رأسها وقد بدت بإرجاع خصلاتها الذهبية إلى الخلف، وقد بدا عليها التشتت:
_معك حق ولكن لماذا سيفعل القاتل هذا الشيء الغريب؟!
تحدث تشارلي موضحًا:
_هو يريد أن نعلم بأنه الفاعل.
اجابته أميليا بتعجب ظاهر:
_ومن هذا المختل الذي سيريد تسليم نفسه؟!
نظر تشارلي لها:
_هذا ما سنعلمه أميليا، ولأن قضيتنا واحدة عليكِ الإنصات لي وبلا شك سنعلم ما وراه، فلا شيء يُخفى على محقق أميليا.
اعادت أميليا نظراتها إلى تلك الورقة، تحاول إستشفاف مايقصده، لتردد بصوت مسموع:
_الانعدام يتطلب الوجود، ولكنك لم تكن موجود من البداية لتنعدم! ماذا يعني هذا برأيك؟!
حرك تشارلي رأسه بجهل:
_ليس لدي علم بهذا.
مر الوقت ولم يغفى المحقق تشارلي لوهلة عن التعمق بالأمر، لا دليل لقاتل يعلمه، ولكنه يحاول إيجاد أي شيء، البحث المستمر مؤكد سيوصلهم لشيء، ولكن كيف ولا يوجد دليل يوصله إليه؟!
ومع كل هذا، لم يفقد تشارلي أمله، بل ظل بداخله هذا الضوء الذي سيوصله إلى القاتل، وهذا ما تواعد به.
•• في منزل ديفيد ••
أعطى جستين صورة المقتول لديفيد:
_هيا، فالتبداء بالعمل عزيزي ديفيد.
حرك ديفيد رأسه ليأخذ الصورة من يده، ليبداء بقراءة التعويذة عليها، تعويذة (باربانوس) والتي تعود للكتاب الكبير (شمس المعارف) فهو يعد من أكبر كُتب السحر، كما أنه نادر الوجود؛ فليس من السهل العثور عليه؛ وهذا لخطورة ما به.
حل الصباح ليعلن عن يوم جديد، قد أشرقت الشمس ببهجة وهناك أعيون ارهقها السهر ليلًا.
ذهب تشارلي إلى مخفر الشرطة ليقم بالدخول إلى مكتبه، تابعته أميليا إلى هناك لتقم بقرع الباب.
تحدث تشارلي ناظرًا إلى الباب وقد طلب قهوته المعتادة عبر الهاتف الخاص بالمكتب، ليسمح لها بالدخول.
نظرت أميليا له لتتحدث ببسمة طريفة:
_صباح الخير.
تبسم تشارلي بهدوء متحدثًا:
_صباح الخير.
اقتربت أميليا لتجلس فوق المقعد أمامه، تحدثت وقد بدا عليها التسائل:
_أهناك أي شيء جديد، أقصد القضية؟
حرك تشارلي رأسه نافيًا:
_لقد راجعت أمر الفحوصات الخاصة بالمقتول، وأيضًا الفحوصات التي قمتي بإرسالها لي، ووجدت أن السم الذي أستخدمه، قد قام بتسميم المقتولان به، كما أنني بحثت كثيرًا عن هذا النوع من السُم، ووجدت أنه من أكثر السموم بطئً، ومؤكد المنتحر لم يرد تعذيب نفسه قبل موته! وإن كان أحدهم يفعل، فالاخر لا.
حركت أميليا رأسها وقد تقبل عقلها ما قال، فهو قد ايقظها عن شيء مهم قد توصل له:
_معك حق، الأمر ليس إنتحار، ولكن الأن تعلم أن لا دليلًا لدينا، وما نملكه هو الصمود.
حرك تشارلي رأسه وقد تملكه الأسف:
_أعلم أميليا، ولكن لا يمكنني الوقوف مكتوف الأيدي، ولهذا أعمل على ربط كل شيء ببعضه، لكي استطيع إثبات ما أقول.
حركت أميليا رأسها لتطمئنه:
_حسنًا وأنا معك تشارلي، وسأظل بجانبك حتى نبحث عن القاتل.
تبسم تشارلي بهدوء ليقم الساعي بتقديم القهوة له، حرك تشارلي رأسه مجيبًا:
_حسنًا شكرًا لك.
ذهب لتقف أميليا هامة بالخروج:
_سأذهب لعملي، إن احتجت شيء اخبرني.
حرك تشارلي رأسه مجيبًا:
_شكرًا لكِ أميليا.
ذهبت ليرتشف تشارلي رشفة من قهوته وعقله أصبح مشغولً، قاطع شروده صوت طرقات فوق الباب يعقبها دخول جاك.
اقترب جاك ليقف بالقرب منه:
_هل سمعت عن تلك الحادثة اليوم؟
حرك تشارلي رأسه نافيًا:
_لم أنهي قهوتي بعد حتى استمع لحوادث اليوم، اخبرني ما الأمر؟
اعطاه جاك الهاتف والذي به فيديو مصور بالحادثة:
_أنظر.
أمسك تشارلي الهاتف ليشاهد ما به، لم تمر دقيقة لتتبدل ملامح وجه تشارلي، توسعت حدقتاه منتبهًا، وكأنه قد رأه شيء أثار إنتباهه!
تحدثت تشارلي غير مصدقًا لما تراه عيناه:
_ما هذا؟ كيف! كيف هذا الشخص هنا؟!
نظر جاك له وقد بدا عليه التعجب، فرد فعله غريبًا بعض الشيء!
اقترب جاك ليره ما أفاد تعجبه لتلك الدرجة، متحدثًا بغرابة:
_ماذا هناك؟
أعاد تشارلي الفيديو من البداية، لينظر له مشيرًا إلى شخص قد ظهر به، ليدهشه:
_أنظر من هذا؟
نظر جاك إلى الشخص ليحرك رأسه في جهل متعجبًا:
_من؟!
تحدث تشارلي منفعل، فكيف لاحظ هو الأمر ولم يفعل جاك؟!
تشارلي:
_إنه المقتول أمس، المقتول أمس ظهر بحادثة اليوم!! كيف؟!
نظر جاك له ليتحدث بقلق:
_تشارلي أنت بخير؟! حديثك مروع يا صاح!
وقف تشارلي منفعل ليتحدث غاضبًا، فهو الأن يشكك بصحة عقله!
تشارلي:
_أنت تراني مجنون إذن؟ إنه هو ها هو بالفيديو كيف لا تراه؟! كيف رأيته أنا إن لم يكن غير موجود؟!
تنهد جاك بعمق ليتحدث بهدوء، فهو يره أن تهويل الأمر بعقل تشارلي أصبح لا يحتمل:
_حسنًا حسنًا تشارلي، إذن المقتول قد عاد إلى الحياة أليس كذلك؟
نظر تشارلي له ليكمل بهدوء:
_إن كنت تره أنه فعل فهو مخالف للطبيعة كما أن لم يذكر عودة المقتول إلى الحياة بالكتب السماوية تشارلي، وهذا لا يصدقه عقل.
تحدث تشارلي منفعل:
_أعلم، أعلم أنه أمر لا يصدق أعلم لكن اخبرني ما تفسير هذا؟ أخبرني.
تحدث جاك منفعل:
_لا تفسير لشيء غير موجود تشارلي، أنت تتخيله بعقلك، تتخيل وجوده من كثرة تفكيرك به وبأمر موته، لكن هو ليس موجود وليس على قيد الحياة وهذا مؤكد، لم يعجبك حديثي حسنًا فالتخبر أميليا بهذا إذن، أخبر أميليا أنك رأيت المقتول بالفيديو.
نظر تشارلي له ليذهب من مكتبه، نظر تشارلي إلى الفيديو ليعاود مشاهدته أكثر، هذا لا يصدق إنه بالفعل يراه!