الفصل الثاني
الفصل الثاني
الملكة شفق تبحث عن طفلها الذي كان على متن القارب وفجأة إختفى، الجميع يتحدث بأن الأمير سقط فالنهر دون أن يشعر به أحد.
الملكة تضع يدها على قلبها من شدة الخوف، نظرت الملكة إلى النهر وتلألأت الدموع بعينيها وتحدثت قائلة:
—أيها النهر رحماك بقلبي، فعزالدين هو روحي وفلذة كبدي.
جميع من على القارب من رجال الحاشية الملكية قاموا بالقفز إلى النهر بحثًا عن الأمير عز الدين، وفجأة ينزل الأمير عز الدين من على شراع المركب فقد قام بتسلق الحبال دون أن يشعر به أحد ولم ينظر أحد لأعلى فالجميع إنشغل بالنظر لأسفل حيث النهر ظنًا منهم أنه وقع في النهر.
اسرعت الملكة إلى ابنها تحتضنه وتحاول منع دموعها التى لم تستطيع السيطرة عليها فإنطلقت في طريقها عبر خديها.
نظر الأمير عز الدين إلى أمه وقام بمسح دموعها المنهمرة على خديها ثم علق قائلًا:
—أمي ما الأمر؟!
الملكة شفق تخبره قائلة:
— لم أجدك حيث تركت وبحثت عنك على المركب بلا جدوى، حمدًا لله على سلامتك يابني، ثم أمرت أن يصعد الجميع على متن المركب فنادى منادي قائلًا:
— على جميع من بالنهر الصعود إلى المركب فالأمير عز الدين بخير.
صعد الجميع إلى المركب وقاموا بتهنئة الملكة على سلامة ابنها الأمير الصغير، فأمرت الملكة الأمير الصغير بان يلزم الجلوس إلى جوارها وطلبت منه عدم التحرك.
شعر الأمير بالضيق والملل فطلب العودة إلى قصر النيروز، فأمرت الملكة المركب أن تعود إلى المملكة.
وبعد عودة الأمير من الرحلة ساءت حالته، فشعر الملك بالحزن الشديد لما ألت إليه حالة الأمير الصغير.
ذهب الملك إلى غرفة الملكة وهو ثائر من الغضب فدلف إلى الغرفة وتحدث معها قائلاً:
—شفق لن أصمت على أفعالك حتى يصاب ابني بالجنون أريدك أن تكفي يدك عن الأمير واتركي له كامل الحرية يتصرف كما يشاء.
الملكة تعلق قائلة:
_هل تطلب مني أن أترك عزالدين يواجه مصيره من عقبات ومكائد بمفرده؟!
مولاي لا يمكنني أن أجعله عرضة للمكائد التي تدبر له، هو الٱن صغير لا يفهم ما أفعله من أجله، وغدًا سيدرك حقيقة الأمر وإنني أقوم بحمايته مما ينتظره.
شعر الملك بأن الملكة لايجدي معها الحديث وأنها على إقتناع تام بما تفعله مع الأمير عزالدين.
قرر الملك التوجه إلى غرفة ابنه الأمير عزالدين والتحدث معه فجلس يتحدثه قائلاً:
— بني لا أريد منك أن تغضب من تصرفات الملكة شفق فهي تحبك حبًا جمًا وطريقتها في التعامل معك نابع من خوفها الشديد عليك،كل ما أريده منك هو تفهم خوف والدتك عليك النابع من حبها لك.
الأمير عزالدين يمسك يد الملك سليمان والده ويقبلها ويقول:
—حسنًا يا والدي لن أغضب وسافعل ما تطلبه مني.
الأمير منصور شعر بالغضب الشديد بعد أن فشلت المكيدة التي كان يدبرها للقضاء على الأمير الصغير وذلك بسبب رفض الملكة شفق السماح له بالذهاب مع أبناء عمه إلى الغابة بحجة الصيد.
يفكر منصور في مكيدة أخرى تجعله يتخلص من الأمير عز الدين حتى يؤول إليه حكم المملكة ولأبنائه من بعده، تدخل عليه زوجته فتجده شاردًا مشغول البال، تقترب منه وتحدثه قائلة:
—هل لازال امر هذا الفتى الصغير يشغل عقلك وتفكيرك؟
نظر إليها الأمير منصور وعلق قائلًا:
—نعم يا ميسون فكلما دبرت له شيء للتخلص منه يخرج منها سالمًا.
ابتسمت ميسون إبتسامة يملؤها الدهاء وعلقت قائلة:
— لا عليك إنني أنتظر اللحظة التي يخرج فيها الأمير الصغير للعب بحديقة القصر، وحينها فلدي من سيساعدنا فالتخلص منه دون أن يشك أحد أن لك دخل بذلك.
ابتسم منصور بسعادة وأومأ برأسه ثم علق قائلًا:
—ميسون حينها ستكونين أنتِ ملكة مملكة النيروز، وسأكون أنا ملكها وحاكمها الوحيد.
سرحت ميسون وتخيلت نفسها الملكة وأن الملكة شفق خادمة لديها فإنتابها الكبر والغرور وشعرت بالسعادة لذلك.
في مجلس الحكم يجلس الملك سليمان والملكة شفق وبجوارهما الأمير عزالدين، شعر الأمير عزالدين بالملل وطلب من والدته الخروج لحديقة القصر للعب بها، ابتسم الملك سليمان وعلق قائلًا:
—حسنًا يا بني أذهب وأنتبه لنفسك.
واثناء توجه الأمير للخروج إلى حديقة القصر نظرت الملكة شفق إلى زوجها وعلقت قائلة:
—موالي إلى أين يذهب عزالدين؟
الملك يخبرها قائلًا:
—لا تقلقي فهذا الطفل الصغير ذهب للعب بحديقة القصر المحاطة بالحراس في كل مكان.
شعرت الملكة شفق بالقلق ولكنها حاولت السيطرة على هذا الشعور السيء الذي ينتابها، فقامت بالإستأذان من الملك سليمان وغادرت مجلس الحكم وذهبت إلى غرفتها تراقب ابنها الأمير أثناء لعبه، ثم حدثت نفسها قائلة:
—رغم قلقي الشديد عليك يا بني إلا إنني سأدعك تلعب وتستمتع خاصة بعد هذه الأبتسامة التي تملأ وجهك.
وبعد لحظات تشاهد الملكة شفق أحد الرجال الملثمين يأتي من خلف إحدى الأشجار ومعه صندوق يقوم بفتحه فيخرج منه ثعبان.
الثعبان يسير في طريقه إلى الأمير الصغير بينما يلوذ الملثم بالفرار.
أسرعت الملكة شفق إلى حديقة القصر وهي تصيح قائلة:
—أيها الحراس يوجد بحديقة القصر ثعبان يتجه نحو الأمير عزالدين أسرعوا واقتلوه.
الملك سمع صوت الملكة وهي تصرخ منفعلة فسأل وزيره حمدان ما الأمر أيها الوزير؟!
الوزير حمدان يعلق قائلًا:
—ساتي إليك بالخبر يا مولاي.
أسرع حمدان إلى أحد الحراس الذين يهرولون بإتجاه حديقة القصر وسأله قائلًا:
—ما الأمر أيها الحارس؟
الحارس يخبره قائلًا:
—سيدي الوزير الملكة شفق رآت من شرفتها ثعبان في حديقة القصر يقترب من الأمير عز الدين أسرع الوزير حمدان إلى الحديقة.
الجميع يسرع نحو الحديقة والملكة شفق تصل إلى هناك وتسرع بالنداء بصوتٍ عاليٍ على الأمير وتخبره قائلة:
—عزالدين أسرع إلى هنا.
عزالدين والثعبان اصبح خلفه تمامًا، نظر إلى والدته وتعجب من صياحها المبالغ فيه وطلبها منه الإسراع إليها فيسرع بالعدو ناحيتها وخلفه الثعبان يتحرك للحاق به كالمأمور بأذية شخص.
نظر الوزير حمدان فرأى الثعبان يقترب نحو الأمير الصغير فأسرع إلى الثعبان وقام بطعنه بخنجره وقضى عليه.
رأى الأمير عزالدين ما حدث فشعر بالخوف الشديد وظل جسده يرتجف من الخوف فنظرت إليه والدته الملكة شفق وقامت بضمه إلى حضنها ثم قالت:
—تتلومون علي عندما أخفي ابني عن الناس وامنعه من اللعب، وها هو عندما سمح له الملك باللعب دبرت له المكائد.
وصل الأمر إلى الملك فأسرع صوب حديقة القصر فرأى الثعبان وقد قضى عليه الوزير حمدان، فنظرت إليه الملكة شفق وعلقت قائلة:
—إرتابني القلق الشدي على الأمير فظللت أراقبه وهو يلعب فإذا بشخص ملثم يختفي خلف الشجر وبيده صندون فتحه وخرج منه الثعبان واتجه صوب الأمير.
شعر الملك بالغضب ونظر إلى وزيره الذي أسرع قائلًا:
—مولاي الملك هذه حية شديدة الخطورة تسمى المامبا السوداء وهي شديدة الخطورة يمكنها بقطرتين من سمها قتل الشخص على الفور.
الملك الغاضب يكلف وزيره بإحضار هذا الملثم بأي طريقة قائلًا:
—حمدان هذا الملثم يكون عندي باسرع وقت ممكن، فلابد ان أعرف من يريد التخلص من ابني عزالدين.
أخذت الملكة شفق صغيرها إلى غرفتها وتحدثت إليه قائلة:
—والدك يتحدث كأنه لا يعلم من يريد التخلص منك!
نظر إليها الأمير وعلق قائلًا:
—وهل هناك من يود التخلص مني يا أمي؟!
إقتربت الملكة من ابنها وعلقت قائلة:
—نعم يا بني فعمك منصور لا يكف عن كيد المكائد حتى ينفرد بحكم المملكة.
شعر الأمير بالدهشة مما اخبرته به والدته فعلق قائلًا:
—كيف يفعل هذا؟ هل يعقل أن يقتل العم ابن أخاه بسبب هذا الحكم؟
أسرعت الملكة شفق وعلقت قائلة:
—بني لا تقلق فوالدتك لن تجعل أي شخص يقترب منك أو يصيبك بأذى.
دخل الملك سليمان إلى جناح الملكة ليطمئن على ابنه فاخبرته الملكة شفق قائلة:
—لا تقلق فقلبي يحرثه أكثر من حراسك، وعيني لا تغيب عنه وسأظل أحميه مهما وجدت من تناقضات منك.
شعر الملك بالضبق من تلميحات الملكة فغادر غرفتها وهو يفكر ويحدث نفسه قائلًا:
—لا أعلم يا شفق هل أنتِ على حق فيما تقولينه، فقد نجحت طريقتك في حماية ابني من الموت اليوم رغم إنتقادي الشديد لها، ولكن من هذا المجرم الذي يريد أن يحرمني من ابني الوحيد؟
ظل الملك يفكر حتى هداه تفكيره إلى الأمير منصور أخاه فهو الشخص الوحيد الذي يستفيد من موت عزالدين فأسرع بإستدعائه.
وعلى الفور وصل الأمر للأمير منصور بأن الأمير نجا من الموت، فأسرع بالتوجه إلى الملك سليمان وتظاهر بالحزن الشديد وعلق قائلًا:
—مولاي الملك حمدًا لله على سلامة مولاي الأمير عزالدين.
نظر الملك بغضب إلى اخيه الأمير منصور وعلق قائلًا:
—منصور لو ثبت لي أنك من تقف خلف هذا الأمر فلن ارحمك.
نظر إليه الأمير منصور بدهاء ومكر وتظاهر بالبكاء ثم علق قائلًا:
—كيف أفعل شيئًا كهذا بابن أخي وولي العهد؟
أومأ الملك برأسه وعلق قائلًا:
—أقسم لك يا منصور لن تأخذني بك شفقة ولا رحمة لو ثبت لي تورطك في هذا الأمر أنت أو أحد اعوانك.
الأمير منصور يخبره قائلًا:
—أقسم لك يا مولاي الملك لوثبت تورط أحد من ابنائي سأحضره إليك وأذبحه بيدي.
انصرف الأمير منصور ونظر إليه الملك وهو يقول:
—كم أتمنى يا منصور أن تكون بعيدًا كل البعد عما حدث ولكن إن لم تكن أنت فمن غيرك؟
وفي المساء والجميع نيام عدا حراس القصر تهب الرياح بشكل مخيف وكأنها تنذر بحدوث شيئًا ما، الملكة يراودها كابوسًا فترى خلاله ظهور حفرة كبيرة تبتلع عز الدين تنهض الملكة على الفور وتحاول أن تتنفس ولكن بصعوبة بالغة، تجلس الملكة شفق على فراشها تستعيذ ربها من سيء الأقدار.
وفي الصباح أسرعت الملكة للإطمئنان على عزالدين فتجده بغرفته يلعب مع هرة صغيرة فتبتسم وتعلق قائلة:
—بني من أين جئت بهذه الهرة؟!
إبتسم الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
—أمي لقد سمعت صوت طرق على باب غرفتي، وما إن فتحت حتى وجدتها لقد جاءت إلى هنا بمفردها!
ابتسمت الأم وعلقت قائلة:
—ولكن كيف دخلت إلى القصر؟!
جاءت الخادمة إلى غرفة الأمير وبديها كوبًا من الحليب وما إن رآت الملكة شفق أمامها حتى إرتجفت نظرت إليها الملكة وعلقت قائلة:—ماذا بكِ أيتها الفتاة؟
الخادمة بتوتر وصوتٍ متقطع تتحدث قائلة:
—مولاتي الملكة لقد جئت بكوبٍ من الحليب للأمير عزالدين.
نظر إليها الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
—ولكنني لم اطلب منك هذا الحليب.
نظرت الملكة شفق إلى ابنها ثم قالت:
—بني الحليب شيء ضروري حتى تقوى عظامك وتصبح شابًا قويًا.
أخذت الملكة كوب الحليب ووضعته على الطاولة وقالت:
—هيا يا بني لابد أن تشرب هذا الكوب بأكمله.
ابتسم الأمير عزالدين ثم قال:
—أمي أريد أن أتعلم فقد اصبحت فالسابعة من عمري ولم أتعلم القراءة والكتابة إلى الآن.
ابتسمت الملكة شفق وعلقت قائلة:
—هذا شيء جيد وضروري فسأحضر لك أمهر المعلمين حتى تتعلم كل شيء عن القراءة والكتابة والعلوم الأخرى.
شعر الأمير عزالدين بالسعادة وعانق والدته، ثم علق قائلًا:
— أشكرك يا أمي الحبيبة.
ابتسمت الملكة شفق ثم علقت قائلة:
— بالنسبة للمعلمين سأطلب من الملك سليمان توفيرهم لك، أما الآن فعليك أن تشرب كوب الحليب الخاص بك يا بني.
ابتسم الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
—حسنًا يا أمي كما تعلمين فأنا لا أحب الحليب ولكن سأشربه من اجلك.
التفت عزالدين ليأخذ الحليب من على الطاولة فوجد الهرة تقوم بشرب الحليب فابتسمت وعلقت قائلة:
—سبحان الرزاق وكأن كوب الحليب هذا الذي لم تطلبه جاء من أجل هذه الهرة، دعها يابني فإنه رزقها.
انتهت الهرة من شرب الحليب ثم ظلت تتألم وتتقيأ، حتى فارقت الحياة.
الملكة استدعت الملك سليمان الذي جاء مسرعًا إلى غرفة ابنه الأمير عزالدين ليجد هرة داخل غرفة ابنه مفارثة للحياة، تعجب الملك ثم علق قائلًا:
—ماذا حدث؟
ومن الذي جاء بهذه الهرة؟!
قصت له الملكة شفق ما حدث فتعجب وأمر رجاله بإحضار الخادمة، ذهب الحراس لإحضار الخادمة، وبعد قليل يعود الوزير ليبلغ الملك أن الحراس عثروا على الخادمة مقتولة في حديقة القصر.
ثار الملك وغضب غضبًا شديدًا ثم طلب من الوزير إقالة جميع الحراس.
نظرت الملكة إلى زوجها الثائر ثم قالت:
—هناك من يدبر المكائد لعز الدين من فضلك يا مولاي الملك أفعل أي شيء لحماية ابني، أنا على أتم الإستعداد لأخذه والرحيل إلى أي مكان آمن غير هذه المملكة.
زادت ثورة الملك لما تلفظت به الملكة من ألفاظ وكلامات فعلق قائلًا:
—هل معنى حديثك هذا أن الملك سليمان عجز عن حماية ابنه؟
وعندما يعجز الملك عن حماية ابنه فهو لا يستحق أن يكون ملك للمملكة أليس كذلك يا شفق؟
الملكة شفق تعلق قائلة:
—مولاي من يفعل كل هذه الأفعال هو من يريد أن يظهر للجميع عجزك في حماية أقرب الناس إليك ابنك الأمير عزالدين، اريد أن أعرف كيف دخل الرجل الملثم إلى حديقة القصر أين كانوا الحراس؟
وكيف دخلت هذه الهرة المسكينة التي جاءت إلى هنا لتلقى حتفها؟
تواصل الملكة حديثها قائلة:
—مولاي هناك من يتواطأ ويساعد أخيك منصور للتخلص من ابني عزالدين، أو بمعني آخر يوجد بالقصر بعض الخونة ولابد من الكشف عنهم بأسرع وقت ممكن حفاظًا على حياة ابني.
الملك سليمان بخبر وزيره حمدان قائلًا:
—حمدان أمامك أربعة وعشرون ساعة إما أن تقدم لي الخائن أو تقدم إستقالتك.
وما إن أنهى الملك حديثه مع الوزير حمدان حتى أسرع حمدان وإجتمع بقائد الحرس، وقام بوضع خطة لكشف الخائن الذي يعمل بالقصر ويساعد الأمير منصور في التخلص من الأمير عزالدين.
إقترح قائد الحرس على الوزير حمدان أن يقوموا بإلقاء القبض على الأمير منصور ووضعه في السجن حتى يتم التخلص من مكائده وحينها سيصبح من السهل الكشف عن الخائن الذي يعمل لحسابه.
الوزير حمدان يخبره قائلًا:
—لا أستطيع إتخاذ قرار كهذا بدون الرجوع للملك سليمان، سأخبره بذلك ثم أبلغك بالاوامر التي سيصدرها مولاي الملك.
ذهب الوزير حمدان إلى الملك سليمان واخبره بإقتراح قائد الحرس فأمر الملك بإلقاء القبض على الأمير منصور وإيداعه في سجن الامراء.
الملكة شفق تبحث عن طفلها الذي كان على متن القارب وفجأة إختفى، الجميع يتحدث بأن الأمير سقط فالنهر دون أن يشعر به أحد.
الملكة تضع يدها على قلبها من شدة الخوف، نظرت الملكة إلى النهر وتلألأت الدموع بعينيها وتحدثت قائلة:
—أيها النهر رحماك بقلبي، فعزالدين هو روحي وفلذة كبدي.
جميع من على القارب من رجال الحاشية الملكية قاموا بالقفز إلى النهر بحثًا عن الأمير عز الدين، وفجأة ينزل الأمير عز الدين من على شراع المركب فقد قام بتسلق الحبال دون أن يشعر به أحد ولم ينظر أحد لأعلى فالجميع إنشغل بالنظر لأسفل حيث النهر ظنًا منهم أنه وقع في النهر.
اسرعت الملكة إلى ابنها تحتضنه وتحاول منع دموعها التى لم تستطيع السيطرة عليها فإنطلقت في طريقها عبر خديها.
نظر الأمير عز الدين إلى أمه وقام بمسح دموعها المنهمرة على خديها ثم علق قائلًا:
—أمي ما الأمر؟!
الملكة شفق تخبره قائلة:
— لم أجدك حيث تركت وبحثت عنك على المركب بلا جدوى، حمدًا لله على سلامتك يابني، ثم أمرت أن يصعد الجميع على متن المركب فنادى منادي قائلًا:
— على جميع من بالنهر الصعود إلى المركب فالأمير عز الدين بخير.
صعد الجميع إلى المركب وقاموا بتهنئة الملكة على سلامة ابنها الأمير الصغير، فأمرت الملكة الأمير الصغير بان يلزم الجلوس إلى جوارها وطلبت منه عدم التحرك.
شعر الأمير بالضيق والملل فطلب العودة إلى قصر النيروز، فأمرت الملكة المركب أن تعود إلى المملكة.
وبعد عودة الأمير من الرحلة ساءت حالته، فشعر الملك بالحزن الشديد لما ألت إليه حالة الأمير الصغير.
ذهب الملك إلى غرفة الملكة وهو ثائر من الغضب فدلف إلى الغرفة وتحدث معها قائلاً:
—شفق لن أصمت على أفعالك حتى يصاب ابني بالجنون أريدك أن تكفي يدك عن الأمير واتركي له كامل الحرية يتصرف كما يشاء.
الملكة تعلق قائلة:
_هل تطلب مني أن أترك عزالدين يواجه مصيره من عقبات ومكائد بمفرده؟!
مولاي لا يمكنني أن أجعله عرضة للمكائد التي تدبر له، هو الٱن صغير لا يفهم ما أفعله من أجله، وغدًا سيدرك حقيقة الأمر وإنني أقوم بحمايته مما ينتظره.
شعر الملك بأن الملكة لايجدي معها الحديث وأنها على إقتناع تام بما تفعله مع الأمير عزالدين.
قرر الملك التوجه إلى غرفة ابنه الأمير عزالدين والتحدث معه فجلس يتحدثه قائلاً:
— بني لا أريد منك أن تغضب من تصرفات الملكة شفق فهي تحبك حبًا جمًا وطريقتها في التعامل معك نابع من خوفها الشديد عليك،كل ما أريده منك هو تفهم خوف والدتك عليك النابع من حبها لك.
الأمير عزالدين يمسك يد الملك سليمان والده ويقبلها ويقول:
—حسنًا يا والدي لن أغضب وسافعل ما تطلبه مني.
الأمير منصور شعر بالغضب الشديد بعد أن فشلت المكيدة التي كان يدبرها للقضاء على الأمير الصغير وذلك بسبب رفض الملكة شفق السماح له بالذهاب مع أبناء عمه إلى الغابة بحجة الصيد.
يفكر منصور في مكيدة أخرى تجعله يتخلص من الأمير عز الدين حتى يؤول إليه حكم المملكة ولأبنائه من بعده، تدخل عليه زوجته فتجده شاردًا مشغول البال، تقترب منه وتحدثه قائلة:
—هل لازال امر هذا الفتى الصغير يشغل عقلك وتفكيرك؟
نظر إليها الأمير منصور وعلق قائلًا:
—نعم يا ميسون فكلما دبرت له شيء للتخلص منه يخرج منها سالمًا.
ابتسمت ميسون إبتسامة يملؤها الدهاء وعلقت قائلة:
— لا عليك إنني أنتظر اللحظة التي يخرج فيها الأمير الصغير للعب بحديقة القصر، وحينها فلدي من سيساعدنا فالتخلص منه دون أن يشك أحد أن لك دخل بذلك.
ابتسم منصور بسعادة وأومأ برأسه ثم علق قائلًا:
—ميسون حينها ستكونين أنتِ ملكة مملكة النيروز، وسأكون أنا ملكها وحاكمها الوحيد.
سرحت ميسون وتخيلت نفسها الملكة وأن الملكة شفق خادمة لديها فإنتابها الكبر والغرور وشعرت بالسعادة لذلك.
في مجلس الحكم يجلس الملك سليمان والملكة شفق وبجوارهما الأمير عزالدين، شعر الأمير عزالدين بالملل وطلب من والدته الخروج لحديقة القصر للعب بها، ابتسم الملك سليمان وعلق قائلًا:
—حسنًا يا بني أذهب وأنتبه لنفسك.
واثناء توجه الأمير للخروج إلى حديقة القصر نظرت الملكة شفق إلى زوجها وعلقت قائلة:
—موالي إلى أين يذهب عزالدين؟
الملك يخبرها قائلًا:
—لا تقلقي فهذا الطفل الصغير ذهب للعب بحديقة القصر المحاطة بالحراس في كل مكان.
شعرت الملكة شفق بالقلق ولكنها حاولت السيطرة على هذا الشعور السيء الذي ينتابها، فقامت بالإستأذان من الملك سليمان وغادرت مجلس الحكم وذهبت إلى غرفتها تراقب ابنها الأمير أثناء لعبه، ثم حدثت نفسها قائلة:
—رغم قلقي الشديد عليك يا بني إلا إنني سأدعك تلعب وتستمتع خاصة بعد هذه الأبتسامة التي تملأ وجهك.
وبعد لحظات تشاهد الملكة شفق أحد الرجال الملثمين يأتي من خلف إحدى الأشجار ومعه صندوق يقوم بفتحه فيخرج منه ثعبان.
الثعبان يسير في طريقه إلى الأمير الصغير بينما يلوذ الملثم بالفرار.
أسرعت الملكة شفق إلى حديقة القصر وهي تصيح قائلة:
—أيها الحراس يوجد بحديقة القصر ثعبان يتجه نحو الأمير عزالدين أسرعوا واقتلوه.
الملك سمع صوت الملكة وهي تصرخ منفعلة فسأل وزيره حمدان ما الأمر أيها الوزير؟!
الوزير حمدان يعلق قائلًا:
—ساتي إليك بالخبر يا مولاي.
أسرع حمدان إلى أحد الحراس الذين يهرولون بإتجاه حديقة القصر وسأله قائلًا:
—ما الأمر أيها الحارس؟
الحارس يخبره قائلًا:
—سيدي الوزير الملكة شفق رآت من شرفتها ثعبان في حديقة القصر يقترب من الأمير عز الدين أسرع الوزير حمدان إلى الحديقة.
الجميع يسرع نحو الحديقة والملكة شفق تصل إلى هناك وتسرع بالنداء بصوتٍ عاليٍ على الأمير وتخبره قائلة:
—عزالدين أسرع إلى هنا.
عزالدين والثعبان اصبح خلفه تمامًا، نظر إلى والدته وتعجب من صياحها المبالغ فيه وطلبها منه الإسراع إليها فيسرع بالعدو ناحيتها وخلفه الثعبان يتحرك للحاق به كالمأمور بأذية شخص.
نظر الوزير حمدان فرأى الثعبان يقترب نحو الأمير الصغير فأسرع إلى الثعبان وقام بطعنه بخنجره وقضى عليه.
رأى الأمير عزالدين ما حدث فشعر بالخوف الشديد وظل جسده يرتجف من الخوف فنظرت إليه والدته الملكة شفق وقامت بضمه إلى حضنها ثم قالت:
—تتلومون علي عندما أخفي ابني عن الناس وامنعه من اللعب، وها هو عندما سمح له الملك باللعب دبرت له المكائد.
وصل الأمر إلى الملك فأسرع صوب حديقة القصر فرأى الثعبان وقد قضى عليه الوزير حمدان، فنظرت إليه الملكة شفق وعلقت قائلة:
—إرتابني القلق الشدي على الأمير فظللت أراقبه وهو يلعب فإذا بشخص ملثم يختفي خلف الشجر وبيده صندون فتحه وخرج منه الثعبان واتجه صوب الأمير.
شعر الملك بالغضب ونظر إلى وزيره الذي أسرع قائلًا:
—مولاي الملك هذه حية شديدة الخطورة تسمى المامبا السوداء وهي شديدة الخطورة يمكنها بقطرتين من سمها قتل الشخص على الفور.
الملك الغاضب يكلف وزيره بإحضار هذا الملثم بأي طريقة قائلًا:
—حمدان هذا الملثم يكون عندي باسرع وقت ممكن، فلابد ان أعرف من يريد التخلص من ابني عزالدين.
أخذت الملكة شفق صغيرها إلى غرفتها وتحدثت إليه قائلة:
—والدك يتحدث كأنه لا يعلم من يريد التخلص منك!
نظر إليها الأمير وعلق قائلًا:
—وهل هناك من يود التخلص مني يا أمي؟!
إقتربت الملكة من ابنها وعلقت قائلة:
—نعم يا بني فعمك منصور لا يكف عن كيد المكائد حتى ينفرد بحكم المملكة.
شعر الأمير بالدهشة مما اخبرته به والدته فعلق قائلًا:
—كيف يفعل هذا؟ هل يعقل أن يقتل العم ابن أخاه بسبب هذا الحكم؟
أسرعت الملكة شفق وعلقت قائلة:
—بني لا تقلق فوالدتك لن تجعل أي شخص يقترب منك أو يصيبك بأذى.
دخل الملك سليمان إلى جناح الملكة ليطمئن على ابنه فاخبرته الملكة شفق قائلة:
—لا تقلق فقلبي يحرثه أكثر من حراسك، وعيني لا تغيب عنه وسأظل أحميه مهما وجدت من تناقضات منك.
شعر الملك بالضبق من تلميحات الملكة فغادر غرفتها وهو يفكر ويحدث نفسه قائلًا:
—لا أعلم يا شفق هل أنتِ على حق فيما تقولينه، فقد نجحت طريقتك في حماية ابني من الموت اليوم رغم إنتقادي الشديد لها، ولكن من هذا المجرم الذي يريد أن يحرمني من ابني الوحيد؟
ظل الملك يفكر حتى هداه تفكيره إلى الأمير منصور أخاه فهو الشخص الوحيد الذي يستفيد من موت عزالدين فأسرع بإستدعائه.
وعلى الفور وصل الأمر للأمير منصور بأن الأمير نجا من الموت، فأسرع بالتوجه إلى الملك سليمان وتظاهر بالحزن الشديد وعلق قائلًا:
—مولاي الملك حمدًا لله على سلامة مولاي الأمير عزالدين.
نظر الملك بغضب إلى اخيه الأمير منصور وعلق قائلًا:
—منصور لو ثبت لي أنك من تقف خلف هذا الأمر فلن ارحمك.
نظر إليه الأمير منصور بدهاء ومكر وتظاهر بالبكاء ثم علق قائلًا:
—كيف أفعل شيئًا كهذا بابن أخي وولي العهد؟
أومأ الملك برأسه وعلق قائلًا:
—أقسم لك يا منصور لن تأخذني بك شفقة ولا رحمة لو ثبت لي تورطك في هذا الأمر أنت أو أحد اعوانك.
الأمير منصور يخبره قائلًا:
—أقسم لك يا مولاي الملك لوثبت تورط أحد من ابنائي سأحضره إليك وأذبحه بيدي.
انصرف الأمير منصور ونظر إليه الملك وهو يقول:
—كم أتمنى يا منصور أن تكون بعيدًا كل البعد عما حدث ولكن إن لم تكن أنت فمن غيرك؟
وفي المساء والجميع نيام عدا حراس القصر تهب الرياح بشكل مخيف وكأنها تنذر بحدوث شيئًا ما، الملكة يراودها كابوسًا فترى خلاله ظهور حفرة كبيرة تبتلع عز الدين تنهض الملكة على الفور وتحاول أن تتنفس ولكن بصعوبة بالغة، تجلس الملكة شفق على فراشها تستعيذ ربها من سيء الأقدار.
وفي الصباح أسرعت الملكة للإطمئنان على عزالدين فتجده بغرفته يلعب مع هرة صغيرة فتبتسم وتعلق قائلة:
—بني من أين جئت بهذه الهرة؟!
إبتسم الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
—أمي لقد سمعت صوت طرق على باب غرفتي، وما إن فتحت حتى وجدتها لقد جاءت إلى هنا بمفردها!
ابتسمت الأم وعلقت قائلة:
—ولكن كيف دخلت إلى القصر؟!
جاءت الخادمة إلى غرفة الأمير وبديها كوبًا من الحليب وما إن رآت الملكة شفق أمامها حتى إرتجفت نظرت إليها الملكة وعلقت قائلة:—ماذا بكِ أيتها الفتاة؟
الخادمة بتوتر وصوتٍ متقطع تتحدث قائلة:
—مولاتي الملكة لقد جئت بكوبٍ من الحليب للأمير عزالدين.
نظر إليها الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
—ولكنني لم اطلب منك هذا الحليب.
نظرت الملكة شفق إلى ابنها ثم قالت:
—بني الحليب شيء ضروري حتى تقوى عظامك وتصبح شابًا قويًا.
أخذت الملكة كوب الحليب ووضعته على الطاولة وقالت:
—هيا يا بني لابد أن تشرب هذا الكوب بأكمله.
ابتسم الأمير عزالدين ثم قال:
—أمي أريد أن أتعلم فقد اصبحت فالسابعة من عمري ولم أتعلم القراءة والكتابة إلى الآن.
ابتسمت الملكة شفق وعلقت قائلة:
—هذا شيء جيد وضروري فسأحضر لك أمهر المعلمين حتى تتعلم كل شيء عن القراءة والكتابة والعلوم الأخرى.
شعر الأمير عزالدين بالسعادة وعانق والدته، ثم علق قائلًا:
— أشكرك يا أمي الحبيبة.
ابتسمت الملكة شفق ثم علقت قائلة:
— بالنسبة للمعلمين سأطلب من الملك سليمان توفيرهم لك، أما الآن فعليك أن تشرب كوب الحليب الخاص بك يا بني.
ابتسم الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
—حسنًا يا أمي كما تعلمين فأنا لا أحب الحليب ولكن سأشربه من اجلك.
التفت عزالدين ليأخذ الحليب من على الطاولة فوجد الهرة تقوم بشرب الحليب فابتسمت وعلقت قائلة:
—سبحان الرزاق وكأن كوب الحليب هذا الذي لم تطلبه جاء من أجل هذه الهرة، دعها يابني فإنه رزقها.
انتهت الهرة من شرب الحليب ثم ظلت تتألم وتتقيأ، حتى فارقت الحياة.
الملكة استدعت الملك سليمان الذي جاء مسرعًا إلى غرفة ابنه الأمير عزالدين ليجد هرة داخل غرفة ابنه مفارثة للحياة، تعجب الملك ثم علق قائلًا:
—ماذا حدث؟
ومن الذي جاء بهذه الهرة؟!
قصت له الملكة شفق ما حدث فتعجب وأمر رجاله بإحضار الخادمة، ذهب الحراس لإحضار الخادمة، وبعد قليل يعود الوزير ليبلغ الملك أن الحراس عثروا على الخادمة مقتولة في حديقة القصر.
ثار الملك وغضب غضبًا شديدًا ثم طلب من الوزير إقالة جميع الحراس.
نظرت الملكة إلى زوجها الثائر ثم قالت:
—هناك من يدبر المكائد لعز الدين من فضلك يا مولاي الملك أفعل أي شيء لحماية ابني، أنا على أتم الإستعداد لأخذه والرحيل إلى أي مكان آمن غير هذه المملكة.
زادت ثورة الملك لما تلفظت به الملكة من ألفاظ وكلامات فعلق قائلًا:
—هل معنى حديثك هذا أن الملك سليمان عجز عن حماية ابنه؟
وعندما يعجز الملك عن حماية ابنه فهو لا يستحق أن يكون ملك للمملكة أليس كذلك يا شفق؟
الملكة شفق تعلق قائلة:
—مولاي من يفعل كل هذه الأفعال هو من يريد أن يظهر للجميع عجزك في حماية أقرب الناس إليك ابنك الأمير عزالدين، اريد أن أعرف كيف دخل الرجل الملثم إلى حديقة القصر أين كانوا الحراس؟
وكيف دخلت هذه الهرة المسكينة التي جاءت إلى هنا لتلقى حتفها؟
تواصل الملكة حديثها قائلة:
—مولاي هناك من يتواطأ ويساعد أخيك منصور للتخلص من ابني عزالدين، أو بمعني آخر يوجد بالقصر بعض الخونة ولابد من الكشف عنهم بأسرع وقت ممكن حفاظًا على حياة ابني.
الملك سليمان بخبر وزيره حمدان قائلًا:
—حمدان أمامك أربعة وعشرون ساعة إما أن تقدم لي الخائن أو تقدم إستقالتك.
وما إن أنهى الملك حديثه مع الوزير حمدان حتى أسرع حمدان وإجتمع بقائد الحرس، وقام بوضع خطة لكشف الخائن الذي يعمل بالقصر ويساعد الأمير منصور في التخلص من الأمير عزالدين.
إقترح قائد الحرس على الوزير حمدان أن يقوموا بإلقاء القبض على الأمير منصور ووضعه في السجن حتى يتم التخلص من مكائده وحينها سيصبح من السهل الكشف عن الخائن الذي يعمل لحسابه.
الوزير حمدان يخبره قائلًا:
—لا أستطيع إتخاذ قرار كهذا بدون الرجوع للملك سليمان، سأخبره بذلك ثم أبلغك بالاوامر التي سيصدرها مولاي الملك.
ذهب الوزير حمدان إلى الملك سليمان واخبره بإقتراح قائد الحرس فأمر الملك بإلقاء القبض على الأمير منصور وإيداعه في سجن الامراء.