الفصل الخامس

***
بسم الله الرحمن الرحيم
استغفروا..

أخبرها يوسف مختصراً حديثه:
_ إنها شقيقة لأحد أصدقائي

تابعت إيمان بقية أسئلتها التي تدور في عقلها وتريد إجابات واضحة لهما:
_ وماذا تفعل هنا في منزلكم؟

كز يوسف أسنانه بضيق لتدخلها فيما لا يعنيها، طالت مدة انتظار اجابته فتولى زياد مهمة الرد حيث أردف بعفوية:
_ أحضرها يوسف هي وتوأمها عندما ماتت عائلتهم

شعر رمضان بالشفقة لحالهم وسأله مستفسراً:
_ وماذا أنت بفاعل معهم يابُني؟

أخبره يوسف ما ينتظره بفروغ صبر:
_ أنتظر تواصل عمهما معي لكي أرسلهم عنده

أومأ رمضان بفهم وردد بنبرة سوية:
_ جزاك الله خيراً على ما تفعله يا يوسف

حضرت الفتاة برفقة ميمي فتوجهت تلقائياً إلى يوسف الذي تنحى جانباً تاركاً لها مساحة كافية لتشاركه الأريكة، لم ترفع إيمان بصرها من عليهما فتلك الفتاة لم تروق لها مطلقاً.

رفعت لينا رأسها ناظرة إلى يوسف وألقت سؤالها باهتمام:
_ أين "على" يا يوسف؟

أجابها بلُطف:
_ مازال غافياً

أماءت له والتزمت الصمت بينما تدخلت إيمان بعدما أصدرت شهقة قوية انتبه لها الجميع:
_ يوسف! كيف تناديه دون لقب كأبيه مثلاً؟ إنه يكبرك عمراً وعليك مناداة من هم أكبر منكِ بأبيه أم أنكِ لم تتعلميها في منزلك؟

تفاجئ يوسف بثورة إيمان التي لا داعي لها على الصغيرة ولم يستطيع منع نفسه دون أن يرد عليها يفحمها:
_ لتناديني لينة ما يروق لها وبالمناسبة لست كبيراً كفاية حتى تناديني أبيه!!

اتسعت مقلتي إيمان بصدمة حين عارضها يوسف فلم تحسب لذلك، حمحمت بحرج شديد وحاولت تغير الحوار:
_ من فضلك يا لينة هل تأتي لي بماء؟

أسرعت ميمي في النهوض فلحقتها لينا بقولها:
_ انتظري يا خالتي، أنا أعلم الطريق جيداً

قابلتها ميمي بإبتسامة عفوية ورددت بخوف:
_ حسناً عزيزتي، لكن انتبهي إلى نفسك

أسرعت لينا إلى الخارج وعادت بعد ثوانٍ قليلة حاملة لزجاجة المياه بـيُمناها وبالأخرى كوباً زجاجياً، توجهت مباشرةً ناحية إيمان وأردفت:
_ تفضلي يا أبيه

شهقت إيمان بصدمة ورددت بحنق مصحوب بالإستياء الشديد:
_ نعم! أبيه ماذا؟

شاكستها لينا قائلة:
_ ألم تخبريني منذ قليل أن علي مناداة من هم أكبر مني "أبيه"

انفجرا يوسف وزياد مقهقهين عالياً كذلك لم تستطيع ميمي منع ضحكاتها على ما اقترفته الصغيرة، تجهمت تعابير إيمان وازدادت حنقاً من خلف ضحكات الجميع الذي يتناولنها سوياً.

انتفضت من مكانها ورفعت ذراعها للأعلى قاصدة صفعها لقلة احترامها فتلقت هي الصفعة الأقوى حين أمسك يوسف بيدها قبل أن تلمس لينا، رمقها بنظرات احتقارية متوعدة فهتفت ميمي قبل أن يقع مكروهاً:
_ يوسف..

دفع يوسف بيدها بعيداً ثم جذب الفتاة من يدها وأولى الجميع ظهره وغادر دون استئذان، حمحمت ميمي وحاولت تلطيف الأجواء بخذى من تصرف ولدها الأرعن:
_ أعتذر منكم كثيراً، لكن يوسف مازال متأثراً بحادثة موت صديقه، فلقد قُتل أمام عينيه وكذلك شهد موت والدتهما حين تلقت خبر موت ولدها، وبات الصغار يتيمان بلا عائل لهما، التمسوا له العذر من فضلكما.

لم يريد رمضان إلقاء اللوم عليه بمفرده حيث قال:
_ إيمان من أخطأت أولاً ولم يكن عليها فعل ذلك، في النهاية هي فتاة صغيرة ولا يجدر بإبنتي رفع يدها عليها

تعمد رمضان النظر في عيني ابنته وهو يلقي اللوم معاتباً إياها، لاحظت هادية الأجواء المشحونة بينهما فحاولت تهوين الأمر:
_ خيراً إن شاء الله، في النهاية جميعهم أطفالنا مهما كبروا

بوجه عابس ونبرة صارمة أمر أبنته:
_ عليكِ الاعتذار من يوسف، نحن لم نأتي إلى هنا لكي نحزنه

لم يكن هناك مجالاً للرفض فهذا أمر واجب تنفيذه وإلا حتماً ستُعاقب بحرمانها من إحدى هواياتها، لم تطيل إيمان الوقوف مكانها وانسحبت من بينهم إلى الخارج بخطى مهرولة غير مستقيمة، لم تبحث عنه طويلاً فكان جالساً برفقة الفتاة في الخارج.

حمحمت لتجذب انتباهه فامتعض يوسف حين لمح طيفها يقترب منه، وقفت أمامه وبنبرة جامدة اعتذرت:
_ أعتذر منك، لم أقصد ذلك

رفع يوسف بصره عليها وبجمودٍ في ملامحه أمرها:
_ هي من يجب عليكِ الاعتذار لها

صاحت إيمان مهللة بعدم استعياب لطلبه:
_ ماذا! أعتذر لمن؟

لم يجيبها يوسف بل فضل رمقها بتحدٍ وإصرار إلى أن تجرأت إيمان هاتفة على مضضٍ:
_ أعتذر منكِ

أولاتهما ظهرها فور اعتذارها وعادت إلى عائلتها بغضب مرسوم على تقاسيمها هاتفة بنبرة آمرة:
_ هيا لنذهب

نظر إليها والدها بعتاب لنبرتها الغير ملائمة فأخفضت من حِدة صوتها معللة أسباب ذهابها:
_ لدي محاضرة غداً في الجامعة وعلي أن أنام باكراً

لم يحب رمضان أن يطيل الزيارة بعد المشادة التي حدثت وفضل المغادرة، نهض أمراً زوجته أيضاً بالرحيل فصاحت ميمي بخجل واضح:
_ ما هذا الآن، لقد جئتم للتو، لم أستطيع مضايفتكم بعد
_ نحن أصحاب المنزل يا ميمي لسنا ضيوف، لقد رأينا يوسف وأطمئننا عليه وهذا يكفينا

لم تعترض ميمي فإن كان هذا يريحهم فليكن، ودعتهم بحرج إلى الباب بينما انسحب يوسف إلى غرفته حين رأى الرد المنتظر قد وصل للتو.

تحدث مع الرجل في الهاتف وأخبره بالأحداث التي حدثت في الآونة الأخيرة ثم هدر مطالباً:
_ متى سوف ترسل إليهم ليأتوا عندك، أريد أن أطمئن على ما أوصاني به صديقي

أجابه الطرف الآخر قائلاً:
_ لكن هناك شرط أولاً..
أنا لن أستطيع تحمل مسؤولية طفلين، نقودي بالكاد تكفي ثلاثة أشخاص لدرجة أننا لا نفكر بالإنجاب ثانيةً لكي نوفر حياة طيبة لطفلي، لكن  يمكنني أن أتدبر أموري لرعاية طفل آخر لكن طفلاً فقط وليس طفلين، فهذا سيكون ظلماً لكلينا إن قبلت عرضك"

لحظة من الصمت سادت حين وقعت كلماته على آذان يوسف، طالع الفراغ أمامه محاولاً استيعاب ما يطالبه به، بائت محاولات استيعابه بالفشل الذريع فهو يرفض أطفالاً صغيرة خشية من عدم استطاعته للإنفاق عليه كأنه هو من يرزقهم!!

كادت أعصابه أن تنفلت لكنه صمد لكي يقنعه حتى وإن كلف الأمر التوسل إليه:
_ بربك ماذا تهذي أنت؟
أنا لا أقدم لك سلعة ستقبل شرائها أم تبدي رفضك، أنهما أبناء أخيك وأنت المسؤول أمامي عنهما، لا يوجد مجال لرفض أحداهما وفي النهاية من يرسل رزقهم هو الله وليس أنت كما تعتقد

قاطعه الآخر بعملية غير مقتنع بوجهة نظره:
_ أنا أتفهم ما تحاول قوله، لكن المكان هنا له حسابات أخرى غير التي اعتدنا عليها، المسألة مختلفة تماماً عن مصر، هناك من كان بحاجة إلى مساعدة فسيلقى من يمد يد العون له، هنا لا يوجد مثل تلك المواقف النبيلة، هل تستطيع أن تقول لي ما العمل إن لم أوفر لهم مآكل ومشرب ودراسه؟

أخذ يلتقط أنفاسه وتابع:
_ أنا أعمل ليل نهار حتى لا يأتي يوم لا أستطيع فيه توفير أقل الحقوق لعائلتي، نحن هنا في عالم مختلف تماماً عنكما، لا مساعدة لا دعم حتى وإن رأوك تلعق التراب، هنا تعمل تأخذ مقابل تعبك، لا يوجد غير ذلك، أرجوك حاول فهمي، إنني لم أرفضهما لكنني غير قادر على إعالة طفلين بجانب عائلتي.

بهجوم ونبرة صارمة أجابه يوسف:
_ لا أوافقك الرأي، فتلك المسائل لا تُرى من منظورك الأخرق هذا بل تُرى من منظور آخر يُسمى صِلة الرحم، أنهما من نفس عائلتك، وبالتالي كل ما يخصهم لابد أن تهتم له، عليك حماية من هم منك والتفكير جيداً في مصيرهما إن تفرقا عن بعضهما بعد أن فقدا مؤخراً عائلتهم، أنت آخر من تبقى لديهم، آخر آمالهم ألا ترى هذا؟!

صمت يوسف وحاول التحلي بالهدوء قدر المستطاع، أخفض من نبرته الحادة واسترسل متابعاً:
_ ناهيك عن كل ذلك لنفترض أنه هراء من وجهة نظرك، أنسيت أن الله هو من يرزقك، بأي حق ترفض أحدهما وكأنك من تقسم الرزق لهما؟

بلا مبالاة قاتلة أردف الآخر:
_ مازلنا لا نستطيع الوصول إلى نقطة مشتركة، وما تحدثنا به نعيد تكراره مراراً دون فائدة، أنا أعتذر منك لكنني مضطر إلى إنهاء المكالمة فلدي عمل ضروري، أرجو منك أن تتفهم وضعي وأنا سأنتظر منك مكالمة تبلغني فيها قرارك، وقبل أن أغلق أود أن أعلمك بأني متكفل بمصاريف الطفل الذي سترسله إلي

حالة من الذهول وعدم الاستيعاب تملكت يوسف وحاول إقناع عقله أن ما يتسامران فيه حقيقي، تابع الطرف الآخر حديثه قبل أن ينهي المكالمة بقوله:
_ وأرجو منك أيضاً أن ترسل لي الفتى فهناك معتقدات دينية لابد من ترسيخها منذ الصغر في نفس ولدي، حتماً لديك فكرة عما أتحدث

انتهت المكالمة، شعر يوسف بنيران تأجج داخله من خلف كلمات ذلك المختل، كيف يتحدث بإسم الدين وهو بعيد كل البعد عنه، يخشى مكوث الفتاة مع ولده ولا يخشى مكوثها مع رجل غريب عنها، ألقى يوسف الهاتف أرضاً من فرط غضبه، في تلك الأثناء اقتحمت والدته غرفته بوجه ثائر على ما تسبب به:
_ كيف تتصرف بتلك الوقاح..

توقفت عن الحديث حين رأت حالته المذرية، قطبت جبتيها بغرابة من أمره وأخفضت من نبرتها متسائلة عن سبب ثورته:
_ ماذا بك؟

لم يجيبها فكان في حالة لا تمسح له بالنقاش، ظل يحرك قدميه بضيق شديد ناهيك عن أسنانه التي تحتك ببعضما بشدة حتماً سيفتك بهم إن زاد من ضغطه عليهم لحظة أخرى، اعتلت ميمي الفراش بجواره وحاولت فهم الأمر منه:
_ أخبرني ماذا هناك، على الأقل أخبرني مع من كنت تتحدث؟

ابتلع ريقه وهو يعيد كلمات ذلك المختل في عقله، وبهدوءٍ يشوبه الغضب أخبرها:
_ إنه عم التؤامان، يقول بأنه بأنه لا يريد سوى الفتى فقط

التفت برأسه ناظراً إلى والدته والشر يتوهج من بؤبؤتيه وتابع بصدمة جلية على تعابيره ولهجته:
_ يقول إنه لن يستطيع توفير ما يلزم لكليهما، لا يهم مصير الفتاة حتى وإن تشردت من دونه، لكن الأهم عنده أن يوفر حياة مرفهة له ولعائلته!

عاد يطالع الفراغ الماثل أمامه وعقله يكاد يجن، تابع هاتفه بتجهم يشوبه الإستياء:
_ إلى أي دين ينتمون أولئك؟
خَالِهِم قد قد ألقى بهما وعاد إلى منزله دون أن يلتفت ولم يأنبه ضميره بمقدار ذرة، والآخر يعتقد أن من يرزقه المال هي وظيفته وليس من خلقه!!
بالتأكيد لا يؤمنون بكلام الله كما ترعرعنا نحن عليه
ألا يدركون بقوله تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
وفي النهاية يردون عليه بالجشع وعدم الرحمة!


تشدقت ميمي فكانت قليلة الحيلة لا تملك حتى مواسته،  فهناك أناس بقلوبٍ جاحدة وتصرفات ظالمة لا يبرر لهم غلظتهم وعدم رحمتهم على الآخرين، أخرجت ميمي تنهيدة مهمومة فكم كان قلبها يعتصر حزناً على الصغار وما أصاب رؤوسهم في عمرٍ صغير للغاية.

بعد تفكير لم يأخذ وقت طويل، حسمت أمرها فلن يكون هناك حلاً سوى ما يدور في عقلها، بكامل قواها هتفت بنبرتها الحنونة:
_ لطالما تمنيت أن أُرزق بأنثى كثيراً، لكن حكمة الله كُتبت وقُدرت وأنا رضيت بحكمته، أشعر كأن ما حدث للفتاة سبباً لأخذها إبنة لي، أريدها وبشدة يا يوسف، لينة هي من تمنيتها كثيراً لا أريد رحيلها فلتعيش هنا بيننا.

لوهلة ظل يوسف يحدق بما هو أمامه دون وعي، فكيف يتخذونها بنتاً لهم وهناك من يعولها من أقاربها؟
عاد بأنظاره إلى والدته التى ابتسمت له تستحث قلبه على القبول، فما كان منه سوى الرضوخ لطلبها، فلن يسمح لها بالتشرد في النهاية هي أمانة صديقه وسيفعل ما في وسعه حتى يُأمن لها حياة كريمة طيبة.

أستند يوسف بكفيه على ساقيه ناهضاً عن مقعده وهتف بحسم:
_ علي أن أعود إلى بلدتهم لكي أجلب أوراقهم اللازمة لإجراءات سفر "علي"، ولكي تلتحق للفتاة بالمدرسة، لا أريد أن تفوت صفاً

وافقته الرأي وهتفت وهي تربت على كتفه:
_ إذاً فالله المستعان يا بُني

تركته وغادرت المكان بينما عاد يوسف بأدراجه إلى الفراش ولازالت كلمات ذاك الرجل تتأرجح ما بين الذهاب والإياب في عقله، لا يصدق أنه بالفعل استطاع التميز بين الأخوان بتلك السهولة دون النظر إلى مشاعرهم والى حالة الذُعر التي ستنتابهم ما أن تفرقا.

حاول إفراغ عقله من اي أمور قد تضايقه فيكفي ما مر به في الآونة الأخيرة لا يريد المزيد، أخذ نفساً عميق قبل أن يعيد التفكير في كيفية إخبارهم بذلك الأمر، كيف سيواجه أعينهما وهو يخبرهم بافتراق أحدهم عن الآخر ألا يكفي من فارقهما؟!

حك يوسف مؤخرة رأسه بعصبية شديدة فلا يملك قدرة التحدث عن ذلك، عاد بجسده إلى الفراش مطالعاً السقف بحدقتاه البنية لعله يأتي بفكرةٍ ما..

بعد مرور بعض الدقائق على وضعه لم يراوده سوى حلاً واحد وعزم على تنفيذه فلا يوجد سواه من الأساس.

                               ***

استيقظ يوسف على آنين خافت على مقربة منه، يبدوا أن أحدهم يتألم، كان هناك ضوءًا ساطعاً يحجب رؤياه لما يتمثل أمامه، فرك عينيه لعله ينجح في رؤية مصدر الصوت بوضوح لكن الوضع كما هو عليه لا يرى سوى إضاءة شديدة السطوع بالكاد يستطيع فتح عينيه.

_ "لينة يا يوسف"
عقد يوسف ما بين حاجبيه فتلك اللهجة يحفظها جيداً، إنه أحمد!

حاول يوسف النهوض من مكانه لكنه يفشل لا يدري أين هو، لا يشعر بشيء يستطيع ملامسته وكأنه يحلق في الفراغ، لازال آنين صديقه يدوي في شحمتي أذنه فهتف هو بإسمه:
_ أحمد، أنت فين أنا مش شايفك
أحمد أين أنت، أنا لا أراك

أعاد يوسف تكرار ندائاته التي لم تتوقف قط ولم يبادله الآخر أي إجابه وفي ثانية اقتحم أحمد تلك الظُلمة التي تحولت إلى ملامحه مردداً أمام وجه يوسف:
_ "لينة يا صديقي"

انتفض يوسف من مكانه مشهوراً بشدة، طالع أمامه بأعين جاحظة، ارتفع تدفق الدماء في نبضات قلبه بشدة من فرط الخوف، رجفت يده التي يستند بها على الفراش فاستقام في جلوسه وطالع المكان من حوله يتأكد من غرفته.

أوصد عينيه حين استشف أنه كان حُلم، تنفس الصعداء ثم تمتم مترحماً على صديقه بحزن:
_ رحمة الله يا أحمد

نهض عن فراشه وتوجه إلى الخارج لكي يطمئن بنفسه على الصغار، كان المنزل يتمتع بسكون مخيف قاطعه صوتٍ ما صدر من غرفة "زياد".

توجه يوسف بخُطاه إليها، طرق الباب ثم ولج داخلها فتفاجئ بوجود زياد برفقة علي، اتسع ثغره بإبتسامة مطمئنة وسألهم مستفسراً:
_ ماذا تفعلون في تلك الساعة المتأخرة من الليل؟

أسرع زياد في الرد عليه بحماس يشوبه التردد من ردة فعله:
_ كنا نلعب لُعبة محاربين

قطب يوسف جبينه مستاءً منه وبهدوء عاتبه:
_ لُعب والآن!، أنسيت أن لديك مدرسة باكراً؟
أغلق حاسوبك وتوجه إلى فراشك حالاً

وجه نظريه إلى علي متابعاً استرساله:
_ وأنت أيضاً يا علي، نم ولا تلتهي باللُعب سوف نستيقظ باكراً، سترافقني إلى مكانٍ ما

أماء له بقبول فانسحب يوسف من الغرفة موصداً بابها خلفه، توجه إلى غرفة والدته وبتردد شديد في فعل ذلك طرق الباب بخفة فلا يوجد لديه حل غيره لكي يطمئن على التؤام الآخر، تنهد وأدار مقبض الباب بحذر ثم مال برأسه من خلف الباب حتى وقع نظره عليها غافية بجوار والدته، أغلق الباب وعاد إلى غرفته وصاح عالياً حين رأى إضاءة الغرفة المجاورة لازال مضئ:
_ قُلتُ إلى النوم

جائه الرد على الفور:
_ لقد غفينا بالفعل

عاد لغرفته وحاول مراراً أن يعود إلى النوم لكن النعاس قد جفى عينيه، يبدو أن هناك ليل سيطول ساعاته إلى أن يمر.

تذكر شيء ما فنهض عن كرسيه وتوجه إلى الكومود خاصته والتقط إحدى الروايات الرومانسية التي يقوم بقرأتهم باستمرار، استلقى على فراشه واضعاً ذراعه الأيسر خلف رأسه وظل يهمهم بالكلمات التي يقرأها بخفوت وغرق بين صفحات الكتاب الذي بيده غير آبِه لما يدور حوله.


                              ***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي