الفصل الرابع

إن الحكم الذي أصدر بحق الكونت، حكم قاسي بالنسبة لنبيل فالأسوأ من العامة هم النبيل الساقط، حيث يحدث ذلك في العادة عند إفلاس الأسرة النبيلة بسبب سوء الإدارة، بعد ذلك يعملوا خدم للعائلة الملكية أو النبلاء الآخرون، ولكن أن يتم تجريدهم من اللقب! سيتم نبذهم من قبل الجميع.


ولكن الذي يفكر به الكونت هو ابنته التي ستواجه مصير بائس، بالأخص رؤية ذلك الفتى يُقتل أمامها بتلك الطريقة الشنيعة، عندما قرر أن يجعلها تسافر بالخارج كان يعرف هو وعائلته المخاطرة التي ستواجههم، ولكن لم يكن هناك حل غير ذلك كي لا يشاهدوها تقتل نفسها، يا لأنانية ابنته فبسبب حب تافه دمرتهم.

المهم الآن أن يتوسل جلالته من أجل ابنته كي لا يجد أنهم خسروا كل شيء من أجل لا شيء يهم ، لأنها لو شاهدت ذلك ستموت لا محالة.

ركع الكونت إلى جلالة الملك يتوسل له أن يعفو عن ابنته:

فلتغفر لها جلالتك ألم نعاقب وأصبحنا من العامة، أرجوك اعفو عن ذلك الشاب وابنتي، ستقتل نفسها اذا حدث ما أمرت به، أتوسل إليك إنها ابنتي.

صرخ به الملك غير آبه بتوسلاته:

اصمت الآن وإلا أمرت بقطع لسانك، اذا عفوت عنهم ماذا سيحدث بعدها؟ يجب أن يكونوا عبرة للجميع، فعلى ما يبدو أن هناك مازال من لا يحترم القانون الملكي.

وينادي على الحرس أن يأخذوا الكونت ويذهبوا معه كي يطردوا الجميع من قصرهم، ولم ينسى أمرهم أن يحضروا معهم ابنته كي تشاهد تنفيذ الحكم فجر الغد.

لا يصدق إيفان ما يحدث أمامه! يا لقسوة والده، لما لم يعفو عنهم من أجل الكونت، الذي طالما المملكة و الأسرة الحاكمة بكل إخلاص، لو حدث و انتحرت ابنته، سيصبح عدو له يتربص به كي ينتقم، انصدم أكثر عندما سمع ما قاله أخيه بعد أن غادر الكونت!


نادى ألكسندر فارس الظل، وهذا الاسم يطلق على الفرسان الذين يقومون بالمهام التي لا يجب تظهر في النور ليقول له ما ان حضر على الفور، كيف بهذه السرعة وأين كان يوجد، هذا ما لا يعرفه إيفان!

إنحنى الفارس لجلالة الملك ثم الأمراء منتظراً الأوامر، ليقول ألكسندر دون أن يرف له جفن:

غداً إذا قتلت الفتاة نفسها، اذهب حينها للقضاء عليها وعلى عائلتها، لا تترك أي ناجي هناك سواء كان صغيراً أم كبيراً.


تحدث إيفان بصوت عالي في وجه أخيه:

كيف أمكنك أن تقول ذلك؟ ما ذنبهم ألا يكفيهم حينها موت ابنتهم

قاطعه والده وهو يعنفه بشدة:

فلتخفض صوتك أيها الأمير، لو تركناهم أحياء سيكون مثل الذي يربي ثعبان في وكر بيته!

ردّ عليه إيفان والعرق يتصبب من وجهه بسبب شدة توتره وحزنه على تلك العائلة حيث يوجد بها أطفال ونساء:


ولكن يا والدي هذا حكم قاسي، لما لم تكتفوا بتجريد وحرمانهم من كل شيء! ذلك القانون من القوانين التي يجب أن تتغير لقد أصبح هذا الزمن يطالب بالتحرر الطبقي، أنا لا أقول أن نلغيه ولكن ألا تستطيع أن تجعل من يريد الزواج بالعامة هو مغادرة المملكة وتجريده من لقبه وأموالهم.


كان يستمع ألكسندر الى هراء أخيه ووجهه محمر من شدة غضبه، فكيف هو ضعيف القلب هكذا! في حين أنه يجب عليه تعلم السيطرة على الشعب، وذلك عن طريق القسوة والقوة.

فيردف قائلاً له:

ضعفك هذا يجب أن تقتله في المهد، قبل أن تكبر جزوره وتتوغل، فتفقد بذلك قدرتك على التحكم بشعبك.

ساد الصمت في أرجاء الغرفة بعد أن أنهى حديثه، وعلى ما يبدو أن سبب صمتهم هو انتظار لرؤية رد فعل إيفان بعد هذا الكلام، ولا ما لن يفهموا ما الذي يحدث معه من مشاعر متضاربة بداخله.

لا يعرف ما الذي يجب فعله، أو ممكن قوله الآن، طم يتمني أنه لم يحضر معهم تلك المحاكمة، أو لم يعرف كم هم قساة القلب، فتتلألأ الدموع في عينيه الخضراء الجميلة المحيطة برموش سوداء كثيفة، انصدم كلاً من والده وأخيه ما ان شاهدوه بذلك المنظر، أول مرة يبدو إيفان بذلك الضعف.

بعد برهة قال إيفان ما إن تمالك نفسه:

إذا كانت السلطة عن طريق أذية الأبرياء و إرهابهم، إذن فأنا لا أريدها، ماذا ستفعلون الآن، هل سيتم إعدامي كعمي والآخرون؟

يجيبه والده سريعاً ما إن ذهب إليه:

لن أجرأ على أذيتك أنت أو إخوتك

يقاطعه إيفان وهو يبتعد عنه كأن تم لمسه من قِبَّل جمر من النار لا والده:

لكن ألكسندر قد يقتلني إذا شعر بأني أهدده، كما فعلت أنت

تدخل أخيه ما إن فهم مخاوفه ليردف قائلاً:

كيف تعتقد ذلك عني، إذا اعتقدت أنني قد أقتلك من أجل العرش، فأنت لا تعرفني، سأتنازل عنه لك إن أردت بكل حب.

ما إن سمع كلام أخيه حتى ضحك بأعلى صوته، ولكنها لم تكن ضحكة فرح أو شيء من هذا القبيل،

بل ضحكة مريرة مليئة بالحزن والخزي من الذي اعتقده مثله الأعلى، بعد أن توقف عن الضحك حتى قال له:
العرش!
يا لها من كلمة بسيطة، لكنها مليئة بدماء الأبرياء،
أتعرف أخي، لطالما أردت أن أكون السيف الذي يحميك من الأعداء، لم أطمع بالعرش يوماً، واليوم لم أعد أريده أكثر.

غادر ما إن أنهى كلامه، دون النظر لهم، تاركاً خلفه شرخ لا يعرفوا كيف يصلحونه

أردف الملك بعد برهة، والخوف بدأ يتوغل به:

بني لا تحزن من أخيك، ولا تعتقد أنه قد يخونك يوماً، قال هذا الكلام بسبب حضوره الأول إلى المحكمة اليوم

نظر إلى والده لا يستطيع تصديق ما يتفوه به والده من كلام!

أتقصد بكلامك هذا، خوفك أن أقتل أخي الوحيد العزيز إلى قلبي

أجابه والده بحزن:

أنت لا تعرف كم الصراع عن العرش يغير النفوس، ويجعلك تظن أن كل من حولك أعداء لك

توقف عن كلامه وهو يراقب إبنه تتغير عيناه من الغضب إلى الحزن ، يكمل حديثه مواسياً إياه:

لا تحزن بني من حديثي لك، كم تمنيت من والدي أن يقول لي هذا الكلام، ربما جعلني صبوراً ولم أقتل أخي

قاطعه ألكسندر وهو يقول:

لكنك قتلته بسبب خيانته، فقد أخذ أخي رهينة له، وكان من الممكن أن يقتله، إن لم تصل الى مكانه بأقصى سرعة لك

أجابه بعد صمت طويل:

تساءلت دوماً، هل كان أخي سيؤذي ابني حقاً، كانت الإجابة الوحيدة التي أحصل عليها هي لا!

لم يجد رد من إبنه بعد أن قال ما قاله، كل ما يبدو في وجه إبنه هي الدهشة والصدمة، ليقول له:

أعرف أنك ليس هناك ما تخبرني به، أو أسئلة تخشى سؤالي عنها، سأخبرك ذنبي الذي لا يغتفر.

توقف عن الكلام، برهة من الوقت، يحاول ترتيب ما سيغتفر، أكمل ما بدأه بعد أن بلع ريقه بصعوبة، مردفاً:

والدي لم يكن ولي العهد بل أخيه، الذي لم يذكر في شجرة العائلة، بسبب أن جدي قد شك في نوايا إبنه، وهذا أمر خطر إذا شك في أحد الأمراء بالتمرد والخيانة، كما قلت لك منذ قليل، أن العرش يجعل المرء يفعل أمور لا يريد فعلها، تم قتل عمي بواسطة والده!

بذلك أصبح والدي هو ولي العهد، الوريث الشرعي للمملكة، وبذلك أصبحت أنا خليفته، بحكم أني أكبر أبنائه، لن تعرف كم هو شعوري منذ صغري، بأني قد أُقْتَل على يد أبي، وعندما توفى وتم تتويجي أخيراً، ذلك الخوف لم يختفي، بل انتقل من شعوري بالخوف من أبي إلى إخوتي

ما إن حاول قطع ألكسندر مقاطعته حتى قال له:
دعني أنهي حديثي أولاً، ثم قل كل ما تريده قوله

أكمل حديثه من حيث توقف وهو يشعر بكل تلك الأحاسيس التي دفنها بداخله تخرج إلى السطح:

كان أخي عطوف والجميع يحبه بينما يخشوني، لذا كلما زاد حبهم له، كلما زاد شعوري بالخوف

حتى جاء لي الماركيز يخبرني عن الإشاعات المتداولة هذه الأيام، ألا وهي أن هناك تمرد و يحاولون ضم أخي إليهم!
لم أصدق أنه قد يخونني، ولكن صدمت حينما حدث بيننا أول مشادة كلامية

عاد إلى الماضي متذكراً أول مناقشة حادة بينه وبين أخيه

ما هذا الحكم التعسفي يا أخي؟
صرخ ويليام بشدة في وجه أخيه الأكبر، غير آبه بأن الذي أمامه ليس أخيه فقط بل جلالة الملك!

أجابه بكل هدوء الملوك وهيبتها:
لا تنسى الى من أنت تتحدث، هذا أولا
ثانياً لا شأن لك بأي قرار أتخذه، هل فهمت ما أقوله، ويليام؟

كان يجب عليه التوقف هنا، لا أن يتحدى أخيه، أجابه بغضب شديد:
ما هو الذي لا شأن لي به، إنهم أيضاً شعبي، ولي الحق بالتدخل إذا وجدتك تتحول إلى طاغية

لم يكمل حديثه بسبب صرخة أخيه به:
اصمت الآن! وإلا جعلتك تندم على كل كلمة تفوهت بها، اغرب عن وجهي الآن، وهذا من الأفضل لي ولك.

عاد الى حاضره على نداء إبنه له، وهو يقول له هل أنت بخير، والدي؟

أجل بني، أنا بخير وقال له السبب الذي جعل الشيطان يتمكن منه، مع إنه اعتقد نفسه أفضل من الملوك السابقة، ولكن ما إن قرر قتل أخيه حتى عَلِمَ بأنه مثل الجميع!

استأذن الأمير والده كي يغادر، أعطاه إذن المغادرة بعد أن قال له:
أريدك أن تعلم شيء واحد، من المستحيل أن أفكر في أذيتك أنت ولا إخوتك.

يومئ برأسه وهو يقول:
أعلم ذلك أبي


لا يغادر إلى أين يذهب بعد أن غادر من عند والده؟ فلقد شعر بالخوف الشديد ليس على حياته بل على اخوته من نفسه، هل سيصبح مثل والده ويقتل أخيه من أجل الحكم، لا لن يفعل ذلك ولو أراد أخيه أن يحكم سيتنازل عن حقه الشرعي بالوراثة من أجله،
ولكن مهلاً، ما الذي يقوله الآن!

هل بداخله يشك بأخيه؟ لا يجب أن يثق به، وأن لا يتحول إلى وحش كاسر، يقتل أعز الأشخاص إلى قلبه.

قرر أن يتوجه إلى أخته فهو لم يقابلها منذ فترة، إنه اشتاق لها كثيراً، أو كي يكون صادقاً مع نفسه، هو يحتاج إلى رؤيتها كثيراً، لطالما أخبرته أنه مثلها الأعلى وتحبه، يريد أن يشعر بأن هناك من يثق به كي يثق بنفسه، فلقد توغل القلق إلى صدره

لكن لسوء حظه عندما ذهب إليها، لم يجدها بغرفتها، بل أخبروه بأن سمو الأميرة عند جلالة الملكة، يبدو أن أحدهم في مزاج متعكر، حيث يعرف جيداً كيفية الضغوطات النفسية التي تتركها والدتهم لإليزابيث.

عكس توقعاته كانت إليزابيث والملكة يجلسون بالشرقة يحتسون الشاي ويتناولون بسكوت الميكرون.

فتحت الملكة الحديث وهي تمسك بيد ابنتها تقول:
أعتذر لك عزيزتي

تفاجئت باعتذار والدتها لها، أردفت قائلة:
ما الداعي لذلك الاعتذار أمي، مهما فعلت لا يجب أن تعتذري لي أنا، إبنتك!

تتلألأ الدمع في عيني الملكة، وهي تقول:
حبيبتي متى كبرتي وتعلمتي تواسي والدتك العجوز؟

ابتسمت إليزابيث وهي تقول بشقاوة لذيذة:
من هي العجوز! لا أريد أخبرك شيء تعلميه، ولكن سأقول لك أن كل من بالمملكة معجب بجمالك الباهر أمي.

ضحكت على كلام ابنتها، وقالت:
قال لي والدك بأنك تشبهيني، ولكن على ما يبدو أنكِ تشبيه أكثر.

ما أن سمعت والدتها تقول ذلك حتى فهمت سبب اعتذارها، فقالت:
والدتي أنا لم اغضب منك، أعلم كم أنتي تتمني رؤيتي الأميرة المثالية.

قاطعتها والدتها فور سماعها جملة ابنتها تلك، قائلة:
لم أرغب يوماً جعلك الأميرة المثالية، بل أردت ابنتي تكون جميلة ومثالية وتبعد عن كل شيئ يمكن أذيتك في المستقبل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي