حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنَا

Tasneem Elmorshdy`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-03ضع على الرف
  • 13.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

« حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنَا »
          «الفصل الأول»
                             ***
                بسم الله الرحمن الرحيم
«صلِ على الرسول»
في أحد الأحياء الهادئة، يقف أمام مرآته يضبط من ربطة عنقه ما تُسمى (الكرافتة) بقامة منتصبة شامخة، انتهى من عقد نهايتها عِند حلقه فبات وسيم المظهر أكثر جاذبية عن ثيابه المعتادة

رفع أنامله وتخلل بها خصلات شعره السوداء الناعمة ليعيد انتصابها من جديد، مد يده والتقط قنينة عِطره، دعس على جزء منها فتناثر العطر على أشلاء متفرقة على حُلته

أعاد وضعها على "التسريحة" ثم اختلس النظر إلى مظهره للمرة الأخيرة قبل خروجه من الغرفة، أخرج تنهيدة قبل أن يولي صورته فى المرآة ظهره وتوجه نحو الباب، أدار مقبضه على مهلٍ فشيء ما يمنعه من الخروج وكأنه مقيد بالأصفاد

حرر أصفاده بفتحه للباب الذي أصدر صريراً عالياً فانتبهت له والدته وبخطوات راكضة توجهت ناحيته، اتسعت شفتيها مُشكلة ابتسامة عذبة حين رأته يطل عليها بتلك الجاذبية المبالغة

رفعت ذراعها وملست على كتفه بكف يدها مبدية إعجابها الشديد به:
_ بسم الله ما شاءالله، أسأل الله أن لا تصيبك العين يا بُني

تشدق فظهرت ابتسامته الهادئة التي أسرت قلب والدته من فرط جمالها، أراد مشاكستها فهتف:
_ لا تطيلي الأمر سوف يزيد غروري الآن

بنبرة سريعة عفوية ردت على كلماته بحُب:
_ يليق بك الغرور ويكون معك كل الحق فيه، أنت لا ترى طلتك، تشبه القمر في تمامه، أسأل الله السعادة الدائمة لقلبك

انحنى على يدها التي تناولها وطبع قُبلة عليها ثم عاد لفرد قامته، جاب المكان من حوله وعاد بأنظاره على والدته المنحنية لكِبر عمرها وبفضولٍ قام بسؤالها:
_ أين العريس؟

أشارت بعينيها إلى بابٍ ما وأردفت:
_ لم يخرج بعد، أتريد أن أحثه على التعجل؟

أبدى رفضه بإيماءة من رأسه كما أوضح عِلته:
_ لا اتركيه على راحته، لم يحضر المأذون بعد

أولاها ظهره وصوب بصره على باب غرفةٍ أخرى، حرك قدميه ناحيتها بخُطى مُتريثة، وقف أمام الباب ثم كور أصابعه فاختفت في كفه وبهدوءٍ طرقه ووقف في إنتظار فتحه.

تقوس ثغره بإبتسامة عذبة حين رآها تهطل من خلف باب غرفتها بفستانها الأبيض، اتسع ثغرها فور رؤيته وبحماس شديد إستدارت بجسدها حول نفسها لتريه معالم الفستان كاملاً متسائلة بتلهف لسماع رأيه:
_ ما رأُيك؟

وقف يتابع تصرفها وكأنه يراها بالتصوير البطيء، لمعت عيناه بوميض مختلف فـطلتها كانت مُزهرة تليق بكونها عروس.

حدجها بنظراته التي يشع منهما السعادة العارمة قبل أن يهتف بنبرته الرخيمة:
_ لم يكن لدي علم بزيارة القمر لمنزلنا اليوم!

عضت هي على شفاها السُفلى بحياء كما أخفضت رأسها راسمة بسمة لا تتعدى شفاها فجذب هو انتباهها بسؤاله:
_ مستعدة؟

رفعت بصرها عليه وكأنه أسقط أعلاها حجارة هائلة الحجم، أخرجت زفيراً قبل أن تجيبه:
_ لا أعلم..

غمز إليها مع حركة سريعه من رأسه وهو يردد بعدم فِهم:
_ المأذون على وشك الوصول

خفق قلبها بتوجس، لم تشعر بذاك الخوف الذي اجتاحها من قبل فهي على حافة العزوبية، سوف تبدل حياتها السابقة كاملةً بحياة أخرى وهي حياة الزوجية!!

شعرت بغصة مريرة في حلقها فابتلعت لعابها لعلها تتخلص منها، انتبهت على صوت من خلفها يهتف بحميمية:
_ كيف حالك؟

غض بصره عنها ثم استأذن بلطافة وغادر بينما استدارت هي بجسدها ورمقت صديقتها بنظرات مشتعله وبإقتضاب هدرت بها:
_ لماذا تعمدتِ إخجاله؟ ما شأنك أنتِ بالرجُل؟

انفجرت الآخرى ضاحكة بميوعة وأجابتها مازحة:
_ يروق لي ذلك وخصيصاً حين آرى إحمرار وجهه الخجول

احتقن وجهها بغيظ ولم تسمح لها بفعل المزيد من السخافات حيث صاحت بها مندفعة:
_ لا تتدخلي به مرة أخرى، مفهوم؟!

تشدقت الأخرى بفمها قبل أن تردف مستاءة:
_ ماذا هناك، لم أخطئ في البخاري، إنه مجرد...

قاطعتها محذرة إياها:
_ هااا

وضعت صديقتها راحة يدها على فمها مانعة لسانها من استرسال الحديث الذي يسلب رونقها فتوجهت الأخرى إلى مرآتها تتفحص فستانها ووجها الذي إزداد جمالاً بتلك الزينة التى لا تعتاد وضعها إلا لو استحق الأمر.

في الخارج،
رحب بالمأذون بحفاوة وكذلك بعض الحضور الذي قام بدعوتهم، دعا المأذون لإريكة ما تتوسط الردهة، أشار لوالدته على باب إحدى الغرف فتفهمت ما يشير إليه وبخُطى متعرقلة سارت إليها، طرقت الباب قبل أن تدلف للغرفة لتخبره بحضور المأذون:
_ لقد حضر المأذون يابُني، أسرع من فضلك لا نريده أن ينتظر كثيراً.

استدار بجسده ليظهر مظهره الحسِن الذي خفق قلب والدته إثره، اقتربت منه وعينيها تلمع بمزيج من المشاعر المختلفة في تلك الأثناء، قامت بتقبيله وهي تردد بشجن:
_ حماك الله يابُني، انتظر سوف أقرأ عليك الرؤية قبل أن تخرج

وضعت كف يدها على رأسه وبدأت تتلوا الرؤية الشرعية أسفل ضحكاته التي لا تتوقف على تصرفها، انتهت من تلاوة الآيات ثم تراجعت للخلف سامحه له بالذهاب:
_ والآن تستطيع الخروج

حرك رأسه بإستنكار، ثم أخذ بيدها لترافقه للخارج، اقترب منه الجميع فور ظهوره حيث تلقى التهنيئات من الأصدقاء والأقارب وكذلك الجيران، نهض شقيقه عن مقعده سامحاً له بالجلوس بينما توجه هو إلى باب غرفة العروس وطرقه فظهرت هي بعد ثوانٍ قليلة فأخبرها قائلاً:
_ هيا نحن في انتظارك!

بوجهٍ جامد خالي من المشاعر أماءت له بقبول ثم إستدارت بجسدها مولياه ظهرها وأخذت شهيقاً أزفرته على مهلٍ، دنت منها صديقتها وربتت على يدها داعمة لها:
_ لا تخافي، أنا هنا بجانبك

تبادلا نظرات الإمتنان ثم خرجن كلتاهن برفقة بعضهن البعض، جلست هي إلى يسار المأذون تاركة مساحة بينهم بينما جلس الآخر على يمينهما وعيناه لم تُرفع من عليها كما أن ابتسامته لم تختفي من على محياه منذ ظهورها

لم يشعر أحدهم بالعيون التي تراقب ما يحدث على بُعد، شعور مقيت يليه شعور بالفقد وكأنهم يسلبون روحٍ من جسدها، العيون تبكي في صمت فلا لهما الحق في إظهار آلامهم وليس من حقهم فعل أي شيء سوى مراقبة الأجواء في صمت..

                              ***

في ظُلمة الليل الحالك لا يضيء المكان سوى ضوء القمر ونجوم السماء بالإضافة إلى النيران المتقدة من صُنع هذان العسكريان، يتوسطون صحراء سيناء الحبيبة يحاولون تدفئة أيديهم الممدودة بقُرب الحطب المشتعل يعلوا أكتافهم أغطية ثقيلة.

تحدث أحدهم بتلعثم من بين أسنانه التي تحتك ببعضهم مُصدرة سيمفونية قوية تدل على حرارة جسده المنعدمة لشدة برودة الطقس:
_ أخيراً، سوف نتخلص من ذلك العناء غداً

تجلى الحزن معالم وجه الآخر كما أنه أبدى ندمه بكلماته:
_ لقد أنهينا الخدمة ولم نفعل شيء نفتخر به، سأخرج من هنا تماماً مثلما دخلت، لم يحدث ما تمنيته.

قطب صديقه جبينه بغرابة فما الذي يمكنه فعله بجانب تأدية خدمة وطنه، سأله مباشرةً حين لم يصل إلى ما يعنيه:
_ ماذا تريد أن تفعل أكثر من المعاناة التي واجهتنا؟

رفع نظريه إلى الأعلى رامقاً السماء بأمنية لطالما 
كانت حُلمه ودافعه الأساسي لتأدية واجبه الوطني:
_ أستشهد!، لطالما تمنيت أن أحظى بها، أنال الشهادة قبل أن أنهي خدمتي

فغر فاهه وطالعه بأعين جاحظة، لم يستوعب أمنيته لقد تفاجئ حقاً بها، حرك رأسه مستنكراً تلك الأمنية الغريبة وعاتبه بإزدراء:
_ أحمد، أنت مختل صحيح؟ أتتمنى الموت؟

عدل "أحمد" على كلمة "موت" وشرح له اعتقاده:
_ أريد الشهادة هناك فرق، وفارق كبير أيضاً، مثل الفارق الذي بين السماء والأرض، على الأقل كنت سأضمن دخول الجنة بدلاً من العيش في حياة ترغمنا على السير في طريق الفِتن، وكأنها تجبرني على دخول سباق معها وإما أن أكِل وأشعر بالتعب وإما أن تدهسني هي دون رحمة ونظل هكذا في سباق إسمه الحياة، صراع لا ينتهي، أنا لا أريد كل تلك المعاناة فقط تمنيت أن أقابل الله وأنا شهيد لكي يسامحني على ما بدر مني، هل يكره أحداً أن ينال الشهادة؟

رمق "أحمد" صديقه بطرف عينيه وسأله مواصلاً:
_ يبدوا أنك من يكره نيل الشهادة يا يوسف؟

أسرع "يوسف" في نفي سؤاله معللاً أسبابه:
_ بالطبع لا، المسألة ومافيها هي عائلتي، كلما خطر في ذهني الموت أخشاه، وادعوا الله أن يبارك في عمري من أجلهما، أتسائل كيف يستطيعون العيش بدوني، والدتي وأخي الصغير الذي لم يبلغ الثلاثة عشر عاماً بعد، هل يستطيع تولي مكاني إن مُت؟!
_ هل سيتحمل مسؤليتهم كاملة في ذلك العمر الصغير؟
أخشى شقائهم إن لم أكون موجوداً بينهما، لذلك أهاب الموت كثيراً.

تفهم "أحمد" سبب "يوسف" في عدم توافقه مع أعتقاده لكنه لن يقتنع وعارضه برزانة:
_ أنا أيضاً لدي عائلة، والدتي وأشقائي التوأمان، يبلغان من العمر عشر سنوات، لكن الله هناك دائماً، لن ينساهم وهما في أمانه إن كُنت حياً أو ميتاً.
 
لوى "يوسف" شفتيه للجانب ساخراً على حديثهما:
_ أتعلم أنك أحزنتني واليوم عيد مولدي!

اتسعت حدقتاي "أحمد" بذهول، شكل إبتسامة نادمة وطلب منه السماح:
_ اعتذر كثيراً يا "جو" لم يكن لدي علم، كل عام وأنت بخير وإلى طاعة الله أقرب، أتممت كم اليوم؟

أجابه صديقه وهو يحرك العصا التي بيده في الرمال مدوناً عليها عُمره:
_ وأنت بخير يا أبو حميد، أتممت الثالث والعشرون

كاد "أحمد" أن يتابع حوراهما إلا أن "يوسف" قد مد ذراعه له موحياً إليه بإشارة تحثه على الإمتناع عن الحديث، صمت أحمد حين شعر بشيء مريب يحدث، صغى كليهما إلى صوت أقدام على بعد مسافة قريبة منهم.

أشار يوسف بعينيه إلى كتيبة الخدمة التي يقومون بحراستها، فاستشف الآخر ما يريد فعله، عادا كليهما إلى الكتيبة زاحفين لكي لا يراهم الدخلاء، تابع "يوسف" زحفه بخفة وكذلك فعل "أحمد" الذي تبعه في هدوء.

اتسعت حدقتاي أحمد حين شعر بشيء صلب قد لامس كعب قدمه، ابتلع ريقه وتجرأ على الإلتفاف ليرى من هذا، جحظت عينيه بصدمة حين رآى رجلاً عريض المنكبين له لحية طويلة وشارب يغطي فمه، يطالعه بسودتاه بتقزز مرسوم على تقاسيمه.

_ "أحمد"
هتف "يوسف" بإسمه حين لم يجد صديقه خلفه، تفاجئ بتلك العربة الربع نقل التي تستقل على مقربة منهما ناهيك عن ذاك الرجل الذي يقف أمام صديقه المستلقي أرضاً حتماً إنهما من يتحدثون بإسم الدين وهم لا يفقهون عنه شيئاً.

وجه "يوسف" سلاحه نحو ذلك الرجل لكن هيهات لسرعة بنيته فلقد سحب سلاحه من على كتفه وصوبه نحوه يوسف، ثوانٍ قليلة كادت أن تُنهي بحياته إلا أن "أحمد" قد ركل الرجل بقدمه فسقط السلاح من يده.

وقف بقامة منتصبة وداهم الرجل، قيد حركته بوضعه لذراعيه خلف ظهره، عاد برأسه للخلف قليلاً ثم بعزم ما يملك من قوة لكمه برأسه، أوسعه ضرباً فسألت الدماء من فم الرجل، اقترب منهم "يوسف" لكنه فوجئ بتحرك السيارة نحو صديقه فصاح محذراً:
_ أحمد، انتبه

التفت أحمد لينظر إلى السيارة فاستطاع الرجل فك قيده ثم تنحى مهرولاً إلى الجانب فتابع شريكه قيادته للسيارة بأقصى سرعة لديه ولم يؤثر به الطلقات النارية التي يطلقها يوسف على سيارته.

صدر صوت يقشعر له الأبدان حين دعست الإطارات على جسد "أحمد"، لم يتوقف السائق عن القيادة بل فر هارباً ومن معه الذي قفز في صندوق السيارة الخلفي محتمياً بجدارها.


لم يتوقف "يوسف" عن إطلاق النيران حتى نفذت ذخيرته، ألقى ما معه أرضاً حين تأكد من هروبهم وصوب بصره على تلك البقعة الحمراء التي حاوطت صديقه، انتزع قلبه في تلك الأثناء ورجف جسده بشدة.

ضعفت ساقيه ولم يقدر على الوقوف فانحنى ببدنه حتى عانق رمال الأرض وعينيه مازالت على صديقه، يريد الوصول إليه لكنه لا يعلم كيف؟!
يسمع صدى أنفاسه المتهدجة وكأنها تتردد في المكان بسبب هدوئه وفرط قوة أنفاسه، جمع جزءً من قوته ورفع جسده عن الأرض قليلاً باستناده على كفوف يده وركبيته، تابع حبوه حتى وصل إلى صديقه الذي ينازع الموت.

حمد الله أنه لازال على قيد الحياة، فقد ازدهر أملاً داخله حين استمع لوتيرة أنفاسه، انحنى عليه بخوف شديد لتلك الحالة التي كان عليها وهمس بنبرة تكاد تُسمع:
_ أحمد، هل أنت على ما يُرام؟

يشعر بالألم الشديد في كل أنش وثغره بجسده، روحه تسلب منه بتهمل، يشعر بالإنزعاج المفرط فهو يريد أن يقابل خالقه سريعاً حتى يشكره على تحقيقه لأمنتيه الوحيدة.

_ "عائلتي"
كانت تلك آخر كلماته وكأنه يوصي صديقه بعائلته، عادت الروح إلى بارئها فصرخ يوسف بألم الفراق:
_ لا لا، الوقت مازال باكراً للغاية، لا ترحل أتوسل إليك، انهض أرجوك، عائلتك في انتظار عودتك إليهم غداً، لا يجدر بك الرحيل وترك هذا الألم المفجع لهم
حسناً كيف سأخبرهم بذلك؟
كيف سأقول لهم أن من ينتظرون عودته قد مات!
انهض يا رفيقي انهض.

                             ***
_ "يوسف ذكريا الراوي"
_ " أناديك أيها العسكري"

أنتبه يوسف على مناداة أحد الظباط له، وقف بقامة منحنية وعبوس مشكلاً على تعابيره ورد عليه:
_ "تفضل"

بعملية وحزم أمره الظابط:
_ قائد الجيش يريد محادثتك

أماء له "يوسف" بقبول ثم ولج الظابط إلى غرفة القائد، تبعه "يوسف" إلى الداخل ولم يستطيع النظر في عيني من بالغرفة، فكان الحزن يعم قلبه وينعكس على وجهه.

سمح له القائد بالجلوس بهدوء فلا يريد أن يزيد من همه:
_ تفضل بالجلوس يا يوسف

جلس "يوسف" ولازال منكس الرأس، وزع القائد نظريه على الظابط الكائن معهم وبين "يوسف" ووجه حديثه إليه:
_ البقاء لله، بالتأكيد رفيقك في منزِلة أفضل بكثير

فرك "يوسف" أصابعه بإرتباك وأجاب على تعزية القائد بآسى:
_ ما يهون فراقه أنها كانت أمنيته وها قد نالها، لكن الفراق ليس هين علي أبداً

فرت دمعة على مقلتيه أسرع يوسف في مسحها قبل أن يراها أحد لكن لم يستطيع النجاح فكان قد رأه القائد وحاول التخفيف من عليه:
_ لا تخفي دموعك يابُني، في النهاية نحن بشر ولدينا فيض من المشاعر لابد أن نخرجه، وما تعلمته هنا انتهى مع انتهاء تأديتك للواجب الوطني، أتمنى لك التوفيق في حياتك القادمة.

باختصار قال:
_ أشكرك كثيراً

استأذن منه حين تأكد أنه ليس بحاجة إليه، عاد إلى عنبره ولملم أشيائه في حقيبة ظهره ثم وجه بصره على فراش صديقه الذي بات فارغاً، تقوس ثغره بإبتسامة متحسرة على ما قضاه سوياً.

حضر زملائه حين علموا بعودته، اقتربوا منه وقاموا بتعزيته ودعوا الله أن يصبر قلبه ويلهمه الصبر والسلوان، ودعهم جميعاً ثم غادر الكتيبة مع صديقه "الشهيد" في سيارة أُحضِرت خصيصاً لنقله إلى بلدته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي