قلب رجل و 99 أنثى البارت الرابع
*"قلب رجل و99 أنثى" "البارت الرابع"*
إنتفضوا جميعا حينما صوت أحدهم حتى أن حليمة كادت أن تفقد الوعي من شدة الخوف، كانت جويرية ثابتة لم تخرك ساكنا فقط أخرجت من جعبتها سلاح أبيض وكانت تنوي أن تصوّب نحو ذلك المتكلم ولكن بشار سارع وأمسك يدها وأشار لها بلا،
تنهد بشار ونظر نحو الصوت ونظرت أيضا جويرية وبقيت حليمة تتسارع اضطرابات قلبها من شدة الخوف، فوجئوا جويرية وبشار عندما رأوا صاحب الصوت، إنه عمار صديقهم الذي يبلغ من العمر عشرون عاما،
تبسم بشار وتنفس الصعداء وقال:
_يا رجل كدت أن أفقد صوابي ما الذي أتى بك إلى هنا في مثل هذا الوقت؟.
تحدث عمار بعدما ضحك بشدة لأنه تعمد إخافتهم،
فقال موجّها حديثه لبشار بينما كان ينظر إلى جويرية:
_عندما رأيتك في الصباح يا صديقي تتسلل إلى بيت جويرية ومن ثَم خرجتما سويا وذهبتما إلى بيت حليمة علمت أنه هناك خطب ما، لقد أثرتم فضولي ليس إلا، ماذا تنوون؟! ألن تخبروني؟!.
تجاهلت جويرية حديث عمار واتجهت نحو حليمة وتظاهرت أنها لم تنتبه لحديثه وصارت تُطمئن حليمة لأنها كانت لا تزال خائفة، فهم عمار أن جويرية لا تريد أن تتبادل معه أطراف الحديث،
فقال كي يثير اهتمامها:
_لا يمكنكم السير من هذا الطريق، عليكم أن تتبعوني سآخذكم من طريق آخر حتى تفلتوا من الجلادين فهناك الكثير منهم، تنهدت جويرية بضيق وساروا جميعا.
تبسم عمار بسعادة وبعدما ساروا قليلا قال بجدية:
_فلتأتِ معي يا جويرية علينا أن نؤمن الطريق ونتأكد من أنه خالي.
تحدث بشار سريعا وقال بينما كان الشرار يتطاير من عينيه:
_ سآتي أنا معك، لمَ تريد جويرية؟! هل تود تعريض حياتها للخطر؟!.
فقال عمار سريعا وكأنه كان يعرف ردة فعل بشار هذه:
_وهل تود أنت تعريض حياة حليمة وجويرية سويا للخطر؟! لا بد أن تبقى مع حليمة، أما أنا فسأسير أولا لأنني أعلم الطريق جيدا على خلافكم وسآخذ جويرية برفقتي حتى كي لا تثيرون فضول من يراكم ثلاثتكم سويا، أتمنى أن تكون فهمت الآن،
تبسمت جويرية بجانب شفتيها من تحت البيشة وقالت وهي تضم حاجبيها باستفهام:
_ألم تخبرنا قبل قليل أن ذلك الطريق خالٍ تماما من الجلادين والمارة؟!.
ابتسم عمار بينما كان يطيل النظر إلى عيني جويرية وقال بابتسامة:
_علينا أخذ الإحتياطات اللازمة أليس كذلك عزيزتي؟!.
تركته جويرية وسارت للأمان دون أن تتفوه بكلمة واحدة، بينما كان بشار يستشيط غضبا خلفهم ببضعة أمتار.
كانت جويرية تسير في صمت لم تتفوه بأي كلمة مما أثار غضب عمار،
فقال بعدما حاول كثيرا ألا يتحدث:
_ما الخطب!.
ضمت جويرية حاجبيها ببلاهة مصطنعة وقالت باستفهام:
_معذرة!! ماذا تقصد بما الخطب!؟.
ابتسم عمار بخبث قائلا:
_لماذا هذا الصمت!؟.
قالت جويرية بنفاذ صبر:
_ما الذي سنتحدث فيه؟!.
توقف عمار ونظر إليها قائلا:
_أي شيء، تحدثي في أي شيء لكن لا تبقي صامتة هكذا، إن صمتك يقتلني.
تابعت جويرية السير وقالت بجدية:
_لنتابع طريقنا يا عمار، ولا تنسى أننا على مشارف فعلة من الممكن أن تودي بنا وتوردنا إلى مورد الهلاك،
فإذا سمحت إجعل تركيزك ينصب على الطريقة خشية من أن تضيعنا، الوقت يداهمنا وأنت تتحدث في أمور غير هامة بالمرة.
كانت كلمات جويرية قاسية جدا بالنسبة لعمار،
اضطر عمار لأن يصمت ولكنه لن يمل ولا يكل حتى يتحدث في الموضوع عينه ثانية فهو لم يكمل حديثه بعد وسيكمله بأي طريقة كانت.
كان بشار يراقبهم من خلفهم، كان يشعر أنه سيصاب بتجلط دماءه في عروقه من شدة غصبه.
لاحظت حليمة ما ببشار فقالت:
_لمَ كل هذا الغضب؟! هل تغار عليها!! أخبرني هيا لا تستحي.
نظر إليها بشار بغضب فتابعت حليمة بقولها:
_لا تقلق لن تسنح لي الفرصة بإخبار أي أحد حتى جويرية لن أتمكن من إخبارها بسرك العظيم، لذا أخبرني ما الأمر؟!.
تنهد بشار وقال وهو ينظر نحو عمار بغل:
_نعم، ما تظنينه حقيقي بالفعل، أنا متيّم بها، لم أجد سبيلا لقلبها فصرت مجرد صديق ليس إلا، أنا أطمح لأن أتزوج منها، ليس لأنها جميلة وتذيب الروح والعقل وتفتق قلبي بطلتها الساحرة،
وإنما لأنني أحببت قلبها، لقد عشقته بكل ما أوتي العشق من معاني، أريد أن آخذ كل أحزانها وهمومها وأقدم لها السعادة على طبق من ذهب، بالرغم من كل الأمور السيئة التي حدثت معها إلا أنها ما زالت بصفاء قلبها كما خُلقت به لم يلوثه شيء بعد،
أريد أن أحتضن فؤادها وأخبره أنني لن أسمح بأن يمسها أي مكروه أنا حقا أحبها،
إغرورقت عيني حليمة وقالت بابتسامة كي تخفي حزنها:
_لا تعلم ما الذي يخبئه لنا القدر، أتعلم!! إن كان في القرية شخص يهيم بي مثل هيامك بجويرية لم أكن لأفكر في الفرار أبدا،
على النقيض تماما حينها كنت سأبقى كي أنعم بجانبه ولو بقطرات من بحر حبه لا أريد أكثر فذلك يكفيني،
صمتت حليمة وشردت بأفكارها، كانت تتحدث دون أن تتفوه بكلمة قائلة:
_"لم أصاب بهذا الحزن من قبل،
أكل هذا يفعله الحب؟! هل لأنني أحبتتك صرت هكذا!؟ لقد انطفأ شيء بداخلي كان يشع نورا كلما رأيتك ولكنه انطفأ، لم يكن قرار مغادرتي للقرية عن طيب نفس، فوالله إني لا أريد ذلك، ولكن إن مكثت أكثر من ذلك سأُجبر على الزواج من رجل آخر وأنا لا أريد سواك يا بشار،
كم آمل أن أتشجع وأخبرك بذلك ولكن لا أستطيع لن أجرؤ على ذلك.
عشقي لك يشبه ذلك الذي تكنه أنت تجاه جويرية، ألا ينعم المرء بالحب المتبادل؟! ألن يحدث ذلك!؟".
كانت حليمة شاردة تماما حتى أنها لم تلاحظ وصولهم إلى حدود القرية،
همس بشار في أذنها وقال بمزاح:
_من هذا الذي يجعلك شاردة إلى هذا الحد؟! هل هو الشخص الذي تحبينه؟! هيا أخبريني من هو لا تستحي؟!.
أجابته حليمة دون أن تنتبه لما تقول:
_أنت يا بشار،
انتفض بشار وقال وهو يضم حاجبيه بعدم تصديق:
_ماذا!!!!،
أدركت حليمة ما قالته للتو فقالت سريعا:
_ كنت أمزح فقط، أتعلمون سأشتاق إليكم كثيرا، لا أعلم إن كان سيقدّر لي رؤيتكم ثانية أم لا ولكنني سأشتاق إليكم كثيرا أكثر مما تتخيلون،
تبسم بشار وقام باحتضانها وأصبح يمسد على رأسها بحنان قائلا:
_اعتنِ بنفسكِ جيدا، كوني بخير وكوني أيضا حذرة، ها أنتِ ستحصلين على الحرية، انتبهي جيدا ومرة أخرى كوني حذرة.
كان فؤاد حليمة يرفرف في صدرها من شدة الفرح، كم تمنت لو تخبره أنها حقا تحبه ولا تود الذهاب وتركه ولكن هذا قدرها بأن يكون هو متيم بصديقتها.
قامت حليمة بتوديعهم جميعا ومن ثَم ظلت تركض بكل ما أوتيت من قوة حتى تبتعد عن القرية بقدر الإمكان.
عادوا ثلاثتهم عند بيت جويرية، كانت ستدلف إلى الببت لولا أن أمسك عمار بيدها قائلا بلهفة:
_جويرية إنتظري، أريد أن أتحدث معكِ في أمر هام.
نظرت جويرية إليه ومن ثَم إلى يده الممسكة بها، إنتبه عمار وترك يدها وقال:
_أعتذر لم أكن أقصد،
توقفت جويرية بانتظار ما لدى عمار ليقوله ولكنه لم يتفوه بكلمة، تعجبت جويرية وقالت:
_هل هذا ما لديك؟!.
تنهد عمار وقال وهو ينظر بطرف عينه اليمنى نحو بشار:
_أود أن نتحدث بمفردنا.
كادت جويرية أن تخبره أن يتحدث في وجود بشار فلا داعي للحديث بمفردهما ولكن بشار أدرك ما يرمي إليه عمار وذهب دون أن يتفوه بكلمة واحدة.
سارت جويرية برفقة عمار نحو البحيرة التي تبعد بضعة أمتار عن بيت جويرية،
جلسا بالقرب من البحيرة، بادر عمار بالحديث قائلا:
_هل تظنين أن حليمة ستستطيع أن تتدبر أمورها؟!،
فقالت جويرية دون أن تلتفت إليه:
_ بالتأكيد، حليمة فتاة قوية وشجاعة أيضا إنها تُحسن التصرف في مثل هذه الأمور.
تنهد عمار قائلا:
_اليوم أتممتِ ستة عشر عاما وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما يا جويرية، لم يتبقى الكثير حتى تُتمي سن السابعة عشر، أجهل ما الذي سيحدث حينها.
تبسمت جويرية بنفاذ صبر وقالت:
_ما الذي ترمي إليه يا عمار؟! بماذا تفكر!!.
لمعت عيني عمار وقالت بنبرة عشق لم تشهدها جويرية من قبل:
_أنا أطمح لأن أكون زوجا لكِ يا جويرية، ربما لم تنتبهي لذلك من قبل ولكني حقا أحبك كما لم أحب أحداً من قبل،
جويرية أنتِ الفتاة التي أود أن أكون بجانبها طوال العمر، لا أتحمل مجرد التفكير في أمر أنكِ تكونين ملكاً لرجل غيري، لن أتحمل ذلك، أتعلمين سراً!! إن كان بحوزتي قدرا من السعادة وقيل لي لمن أعطيه ستكونين أنتِ يا جويرية، أريد حقا أن أكون سندا وعونا لكِ.
تنهدت جويرية وقالت:
_أنا أقدّر مشاعرك تلك التي تكنها بقلبك لي ولكنني لا أستطيع أن أحب، إنه الشعور الوحيد والأوحد الذي أفتقره، أنا أحارب من أجل حريتنا، أريد أن أتنفس الصعداء دون خوف أو وجل من أحد،
أنا أسعى خلف حريتي، ولن أخاطر بها كي أكون تحت طوع رجل يتحكم بي وبتفاصيل حياتي.
إنطفأ البريق الذي كان يشع من عيني عمار وقال بحزن قابع من باطن قلبه:
_أنا أحبك يا جويرية أليس هذا يكفي لتكونين سعيدة مدى الحياة؟!
أنا أتمنى لو أن نكون سويا اليوم بدلا من الغد، لمَ لا تسمحي لي بأن أُعلمك الحب كما ينبغي أن يكون، أريد فرصة واحدة فقط.
قال جويرية بحزم وهي تنهض من جلستها:
_لا أريد، إن كنت تود الحفاظ على علاقتنا كأصدقاء فلا تتحدث في ذلك الأمر ثانية.
لم تنتظر جويرية حتى يرد عليها عمار فقد تركته ورحلت إلى بيتها فقد اشتعلت رأسها بالغضب لذلك فضّلت أن تتركه وترحل حتى لا تنتهي صداقتها على إثر شجار لا جدوى منه.
وما إن اختفت جويرية عن أنظار عمار الذي بالكاد اغرورقت عيناه حتى فوجيء ببشار الذي خرج من خلف الشجرة الرابضة بجانبه، تحدث بشار وقد بدا في نبرة صوته شيئا من الشماته:
_ألم تقبل بك!! لقد أحزنني ذلك حقا،
لمَ أنت عاطفي لهذا القدر، أتعلم شيئا!! أنت لا تستحق جويرية.
تطاير الشرار من عيني عمار وقال بنبرة تهديد وبصوت مدقع:
_ألن تكف عن العبث معي؟! ماذا تريد! لماذا تلاحقني دائما كلما وجدتني أتحدث إلى جويرية ما الذي يَحزُنك في ذلك.
تبدلت ملامح بشار الضاحكة إلى أخرى غاية في الحزن، ابتعد بشار عن عمار وأطال النظر إلى البحيرة وهو يقول:
_إنها صديقة طفولتي، لا أتحمل أن يصيبها أي مكروه فيصيبني أضعافا مضاعفة منه، أنا أحبها،
ليس لي على قلبي حكم، لا يمكنني أن أتجاهل كل ذلك الحب الذي يكمن في قلبي لا يمكنني.
قال عمار وهو يحاول أن لا يُظهر ابتسامته الخبيثة:
_جويرية فتاة شجاعة ومحاربة أتظن أنها من الممكن أن تنظر إليك!!،
هذا النوع من الفتيات يحببن الرجل الشجاع الذي لا يُخبيء شعورا لامس قلبه أبدا، ولكن الجُبن اتخذ موضعه في قلبك ولن تتمكن من إخبارها بشيء مهما حدث، أنت خاسر يا بشار.
نظر إليه بشار وقال بابتسامة خبيثة:
_وهل أنت الرابح!؟.
تعالت قهقهات عمار وقال:
_بالطبع لا، ولكنني اجتزت الجزء الأكثر صعوبةً بالنسبة لك، لا أظن أنك ستسطتيع إخبارها بما تضمر بداخلك،
ولكن أتعلم!! جُبنك يجعلني أشعر بأنني الرابح، ربما تفكر جويرية في الأمر وتجد أنني أستحق أن أكون بجانبها.
غضب بشار وصاح في وجه عمار قائلا:
_هل جننت!؟،
إن جويرية إذا أحبت ستحب رجلا يُكرّس لها روحه وجسده وعقله وفؤاده، لا رجلا يقضي وقته برفقة فتيات الليل وما شابه، أنا أعلم حقيقتك جيدا أنت لست جدير بها، ذهب بشار وترك عمار يستشيط غضبا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تستطع جويرية أن تنم في هذه الليل، كان حديث بشار وعمار يتردد في ذهنها طوال الليل، لوهلة تذكرت ذاك الذي أحبته قبل عام ونصف، كان شاب تحلم به فتيات القرية من شدة جماله، ولكنها فقط أحبت أن تكون بجانبه،
أرادت أن تكون العصا التي يتكيء عليها حينما تخور قواه، أرادك فقط أن تحظي ببعض عشقه ولكنه لم يكترث لها أو لعشقها.
ذات يوم إلتقت به جويرية عند البحيرة،
أرادت أن تظل حتى تحظي ولو بالقليل من تبادل أطراف الحديث ولكنها عزيزة النفس لا تركض خلف من يرفضها، لذلك همّت بالرحيل، ولكنه اعترض طريقها وطلب منها أن تظل قليلا كي يتحدثا سويا، كانت السعادة تدق فؤاد جويرية بقوة حينها،
على حين غرة هُيّيء لها أن كل ما حلمت به سيتحقق في غضون دقائق بعدما يتحدثا، ولكن خابت كل آمالها وأحلامها الوردية وأصبحت أنقاضا تذروها الرياح، لقد انطفأت حينما علمت نواياه فقد أراد أن يتقرب منها ويتخطى حدوده في سبيل عشقه لها،
ولكنها أدركت حينها أن كل شيء زائف لا يدوم بريقه كثيرا، لقد حطم قلبها وليس ذلك فقط ولكن حينما رفضت ما يريد بشدة نعتها بيتيمة الوالدين وأنه لن تجد من يحبها بصدق وأخبرها أيضا أنها ستندم بشدة لأنها أبت تلبية طلبه،
ولم يكف عن محاولة التقرب منها ولكنها ليست تلك الفتاة التي بلا حول ولا قوة، فعلى النقيض تماما هي تتمتع بذكاء لم يورد على أحد في القرية أبدا، فلم تتهاون معه وأصابته بشدة بركلة واحدة أصبح مسجيا على الثرى يتأوه،
ومنذ ذلك الحين أصبحت تكره الرجال ولا تطيق فكرة الزواج، وإن لم يكونا بشار وعمار صديقيها فلم تكن لتنظر إليهم بتاتا.
حاولت كثيرا أن تغفو ولكن رغبتها في البكاء لم تتركها وشأنها،
حاولت أن تنهمك في عمل أي شيء ولكن لا محيص من البكاء، فهو دائما ما يأتي يهون علينا ما نكابده منذ زمن، سرعان ما اغرورقت عيناها وأصبحت حشرجاتها تتزايد مع ازدياد نحيبها.
#صغيرة_الكُتَّاب
إنتفضوا جميعا حينما صوت أحدهم حتى أن حليمة كادت أن تفقد الوعي من شدة الخوف، كانت جويرية ثابتة لم تخرك ساكنا فقط أخرجت من جعبتها سلاح أبيض وكانت تنوي أن تصوّب نحو ذلك المتكلم ولكن بشار سارع وأمسك يدها وأشار لها بلا،
تنهد بشار ونظر نحو الصوت ونظرت أيضا جويرية وبقيت حليمة تتسارع اضطرابات قلبها من شدة الخوف، فوجئوا جويرية وبشار عندما رأوا صاحب الصوت، إنه عمار صديقهم الذي يبلغ من العمر عشرون عاما،
تبسم بشار وتنفس الصعداء وقال:
_يا رجل كدت أن أفقد صوابي ما الذي أتى بك إلى هنا في مثل هذا الوقت؟.
تحدث عمار بعدما ضحك بشدة لأنه تعمد إخافتهم،
فقال موجّها حديثه لبشار بينما كان ينظر إلى جويرية:
_عندما رأيتك في الصباح يا صديقي تتسلل إلى بيت جويرية ومن ثَم خرجتما سويا وذهبتما إلى بيت حليمة علمت أنه هناك خطب ما، لقد أثرتم فضولي ليس إلا، ماذا تنوون؟! ألن تخبروني؟!.
تجاهلت جويرية حديث عمار واتجهت نحو حليمة وتظاهرت أنها لم تنتبه لحديثه وصارت تُطمئن حليمة لأنها كانت لا تزال خائفة، فهم عمار أن جويرية لا تريد أن تتبادل معه أطراف الحديث،
فقال كي يثير اهتمامها:
_لا يمكنكم السير من هذا الطريق، عليكم أن تتبعوني سآخذكم من طريق آخر حتى تفلتوا من الجلادين فهناك الكثير منهم، تنهدت جويرية بضيق وساروا جميعا.
تبسم عمار بسعادة وبعدما ساروا قليلا قال بجدية:
_فلتأتِ معي يا جويرية علينا أن نؤمن الطريق ونتأكد من أنه خالي.
تحدث بشار سريعا وقال بينما كان الشرار يتطاير من عينيه:
_ سآتي أنا معك، لمَ تريد جويرية؟! هل تود تعريض حياتها للخطر؟!.
فقال عمار سريعا وكأنه كان يعرف ردة فعل بشار هذه:
_وهل تود أنت تعريض حياة حليمة وجويرية سويا للخطر؟! لا بد أن تبقى مع حليمة، أما أنا فسأسير أولا لأنني أعلم الطريق جيدا على خلافكم وسآخذ جويرية برفقتي حتى كي لا تثيرون فضول من يراكم ثلاثتكم سويا، أتمنى أن تكون فهمت الآن،
تبسمت جويرية بجانب شفتيها من تحت البيشة وقالت وهي تضم حاجبيها باستفهام:
_ألم تخبرنا قبل قليل أن ذلك الطريق خالٍ تماما من الجلادين والمارة؟!.
ابتسم عمار بينما كان يطيل النظر إلى عيني جويرية وقال بابتسامة:
_علينا أخذ الإحتياطات اللازمة أليس كذلك عزيزتي؟!.
تركته جويرية وسارت للأمان دون أن تتفوه بكلمة واحدة، بينما كان بشار يستشيط غضبا خلفهم ببضعة أمتار.
كانت جويرية تسير في صمت لم تتفوه بأي كلمة مما أثار غضب عمار،
فقال بعدما حاول كثيرا ألا يتحدث:
_ما الخطب!.
ضمت جويرية حاجبيها ببلاهة مصطنعة وقالت باستفهام:
_معذرة!! ماذا تقصد بما الخطب!؟.
ابتسم عمار بخبث قائلا:
_لماذا هذا الصمت!؟.
قالت جويرية بنفاذ صبر:
_ما الذي سنتحدث فيه؟!.
توقف عمار ونظر إليها قائلا:
_أي شيء، تحدثي في أي شيء لكن لا تبقي صامتة هكذا، إن صمتك يقتلني.
تابعت جويرية السير وقالت بجدية:
_لنتابع طريقنا يا عمار، ولا تنسى أننا على مشارف فعلة من الممكن أن تودي بنا وتوردنا إلى مورد الهلاك،
فإذا سمحت إجعل تركيزك ينصب على الطريقة خشية من أن تضيعنا، الوقت يداهمنا وأنت تتحدث في أمور غير هامة بالمرة.
كانت كلمات جويرية قاسية جدا بالنسبة لعمار،
اضطر عمار لأن يصمت ولكنه لن يمل ولا يكل حتى يتحدث في الموضوع عينه ثانية فهو لم يكمل حديثه بعد وسيكمله بأي طريقة كانت.
كان بشار يراقبهم من خلفهم، كان يشعر أنه سيصاب بتجلط دماءه في عروقه من شدة غصبه.
لاحظت حليمة ما ببشار فقالت:
_لمَ كل هذا الغضب؟! هل تغار عليها!! أخبرني هيا لا تستحي.
نظر إليها بشار بغضب فتابعت حليمة بقولها:
_لا تقلق لن تسنح لي الفرصة بإخبار أي أحد حتى جويرية لن أتمكن من إخبارها بسرك العظيم، لذا أخبرني ما الأمر؟!.
تنهد بشار وقال وهو ينظر نحو عمار بغل:
_نعم، ما تظنينه حقيقي بالفعل، أنا متيّم بها، لم أجد سبيلا لقلبها فصرت مجرد صديق ليس إلا، أنا أطمح لأن أتزوج منها، ليس لأنها جميلة وتذيب الروح والعقل وتفتق قلبي بطلتها الساحرة،
وإنما لأنني أحببت قلبها، لقد عشقته بكل ما أوتي العشق من معاني، أريد أن آخذ كل أحزانها وهمومها وأقدم لها السعادة على طبق من ذهب، بالرغم من كل الأمور السيئة التي حدثت معها إلا أنها ما زالت بصفاء قلبها كما خُلقت به لم يلوثه شيء بعد،
أريد أن أحتضن فؤادها وأخبره أنني لن أسمح بأن يمسها أي مكروه أنا حقا أحبها،
إغرورقت عيني حليمة وقالت بابتسامة كي تخفي حزنها:
_لا تعلم ما الذي يخبئه لنا القدر، أتعلم!! إن كان في القرية شخص يهيم بي مثل هيامك بجويرية لم أكن لأفكر في الفرار أبدا،
على النقيض تماما حينها كنت سأبقى كي أنعم بجانبه ولو بقطرات من بحر حبه لا أريد أكثر فذلك يكفيني،
صمتت حليمة وشردت بأفكارها، كانت تتحدث دون أن تتفوه بكلمة قائلة:
_"لم أصاب بهذا الحزن من قبل،
أكل هذا يفعله الحب؟! هل لأنني أحبتتك صرت هكذا!؟ لقد انطفأ شيء بداخلي كان يشع نورا كلما رأيتك ولكنه انطفأ، لم يكن قرار مغادرتي للقرية عن طيب نفس، فوالله إني لا أريد ذلك، ولكن إن مكثت أكثر من ذلك سأُجبر على الزواج من رجل آخر وأنا لا أريد سواك يا بشار،
كم آمل أن أتشجع وأخبرك بذلك ولكن لا أستطيع لن أجرؤ على ذلك.
عشقي لك يشبه ذلك الذي تكنه أنت تجاه جويرية، ألا ينعم المرء بالحب المتبادل؟! ألن يحدث ذلك!؟".
كانت حليمة شاردة تماما حتى أنها لم تلاحظ وصولهم إلى حدود القرية،
همس بشار في أذنها وقال بمزاح:
_من هذا الذي يجعلك شاردة إلى هذا الحد؟! هل هو الشخص الذي تحبينه؟! هيا أخبريني من هو لا تستحي؟!.
أجابته حليمة دون أن تنتبه لما تقول:
_أنت يا بشار،
انتفض بشار وقال وهو يضم حاجبيه بعدم تصديق:
_ماذا!!!!،
أدركت حليمة ما قالته للتو فقالت سريعا:
_ كنت أمزح فقط، أتعلمون سأشتاق إليكم كثيرا، لا أعلم إن كان سيقدّر لي رؤيتكم ثانية أم لا ولكنني سأشتاق إليكم كثيرا أكثر مما تتخيلون،
تبسم بشار وقام باحتضانها وأصبح يمسد على رأسها بحنان قائلا:
_اعتنِ بنفسكِ جيدا، كوني بخير وكوني أيضا حذرة، ها أنتِ ستحصلين على الحرية، انتبهي جيدا ومرة أخرى كوني حذرة.
كان فؤاد حليمة يرفرف في صدرها من شدة الفرح، كم تمنت لو تخبره أنها حقا تحبه ولا تود الذهاب وتركه ولكن هذا قدرها بأن يكون هو متيم بصديقتها.
قامت حليمة بتوديعهم جميعا ومن ثَم ظلت تركض بكل ما أوتيت من قوة حتى تبتعد عن القرية بقدر الإمكان.
عادوا ثلاثتهم عند بيت جويرية، كانت ستدلف إلى الببت لولا أن أمسك عمار بيدها قائلا بلهفة:
_جويرية إنتظري، أريد أن أتحدث معكِ في أمر هام.
نظرت جويرية إليه ومن ثَم إلى يده الممسكة بها، إنتبه عمار وترك يدها وقال:
_أعتذر لم أكن أقصد،
توقفت جويرية بانتظار ما لدى عمار ليقوله ولكنه لم يتفوه بكلمة، تعجبت جويرية وقالت:
_هل هذا ما لديك؟!.
تنهد عمار وقال وهو ينظر بطرف عينه اليمنى نحو بشار:
_أود أن نتحدث بمفردنا.
كادت جويرية أن تخبره أن يتحدث في وجود بشار فلا داعي للحديث بمفردهما ولكن بشار أدرك ما يرمي إليه عمار وذهب دون أن يتفوه بكلمة واحدة.
سارت جويرية برفقة عمار نحو البحيرة التي تبعد بضعة أمتار عن بيت جويرية،
جلسا بالقرب من البحيرة، بادر عمار بالحديث قائلا:
_هل تظنين أن حليمة ستستطيع أن تتدبر أمورها؟!،
فقالت جويرية دون أن تلتفت إليه:
_ بالتأكيد، حليمة فتاة قوية وشجاعة أيضا إنها تُحسن التصرف في مثل هذه الأمور.
تنهد عمار قائلا:
_اليوم أتممتِ ستة عشر عاما وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما يا جويرية، لم يتبقى الكثير حتى تُتمي سن السابعة عشر، أجهل ما الذي سيحدث حينها.
تبسمت جويرية بنفاذ صبر وقالت:
_ما الذي ترمي إليه يا عمار؟! بماذا تفكر!!.
لمعت عيني عمار وقالت بنبرة عشق لم تشهدها جويرية من قبل:
_أنا أطمح لأن أكون زوجا لكِ يا جويرية، ربما لم تنتبهي لذلك من قبل ولكني حقا أحبك كما لم أحب أحداً من قبل،
جويرية أنتِ الفتاة التي أود أن أكون بجانبها طوال العمر، لا أتحمل مجرد التفكير في أمر أنكِ تكونين ملكاً لرجل غيري، لن أتحمل ذلك، أتعلمين سراً!! إن كان بحوزتي قدرا من السعادة وقيل لي لمن أعطيه ستكونين أنتِ يا جويرية، أريد حقا أن أكون سندا وعونا لكِ.
تنهدت جويرية وقالت:
_أنا أقدّر مشاعرك تلك التي تكنها بقلبك لي ولكنني لا أستطيع أن أحب، إنه الشعور الوحيد والأوحد الذي أفتقره، أنا أحارب من أجل حريتنا، أريد أن أتنفس الصعداء دون خوف أو وجل من أحد،
أنا أسعى خلف حريتي، ولن أخاطر بها كي أكون تحت طوع رجل يتحكم بي وبتفاصيل حياتي.
إنطفأ البريق الذي كان يشع من عيني عمار وقال بحزن قابع من باطن قلبه:
_أنا أحبك يا جويرية أليس هذا يكفي لتكونين سعيدة مدى الحياة؟!
أنا أتمنى لو أن نكون سويا اليوم بدلا من الغد، لمَ لا تسمحي لي بأن أُعلمك الحب كما ينبغي أن يكون، أريد فرصة واحدة فقط.
قال جويرية بحزم وهي تنهض من جلستها:
_لا أريد، إن كنت تود الحفاظ على علاقتنا كأصدقاء فلا تتحدث في ذلك الأمر ثانية.
لم تنتظر جويرية حتى يرد عليها عمار فقد تركته ورحلت إلى بيتها فقد اشتعلت رأسها بالغضب لذلك فضّلت أن تتركه وترحل حتى لا تنتهي صداقتها على إثر شجار لا جدوى منه.
وما إن اختفت جويرية عن أنظار عمار الذي بالكاد اغرورقت عيناه حتى فوجيء ببشار الذي خرج من خلف الشجرة الرابضة بجانبه، تحدث بشار وقد بدا في نبرة صوته شيئا من الشماته:
_ألم تقبل بك!! لقد أحزنني ذلك حقا،
لمَ أنت عاطفي لهذا القدر، أتعلم شيئا!! أنت لا تستحق جويرية.
تطاير الشرار من عيني عمار وقال بنبرة تهديد وبصوت مدقع:
_ألن تكف عن العبث معي؟! ماذا تريد! لماذا تلاحقني دائما كلما وجدتني أتحدث إلى جويرية ما الذي يَحزُنك في ذلك.
تبدلت ملامح بشار الضاحكة إلى أخرى غاية في الحزن، ابتعد بشار عن عمار وأطال النظر إلى البحيرة وهو يقول:
_إنها صديقة طفولتي، لا أتحمل أن يصيبها أي مكروه فيصيبني أضعافا مضاعفة منه، أنا أحبها،
ليس لي على قلبي حكم، لا يمكنني أن أتجاهل كل ذلك الحب الذي يكمن في قلبي لا يمكنني.
قال عمار وهو يحاول أن لا يُظهر ابتسامته الخبيثة:
_جويرية فتاة شجاعة ومحاربة أتظن أنها من الممكن أن تنظر إليك!!،
هذا النوع من الفتيات يحببن الرجل الشجاع الذي لا يُخبيء شعورا لامس قلبه أبدا، ولكن الجُبن اتخذ موضعه في قلبك ولن تتمكن من إخبارها بشيء مهما حدث، أنت خاسر يا بشار.
نظر إليه بشار وقال بابتسامة خبيثة:
_وهل أنت الرابح!؟.
تعالت قهقهات عمار وقال:
_بالطبع لا، ولكنني اجتزت الجزء الأكثر صعوبةً بالنسبة لك، لا أظن أنك ستسطتيع إخبارها بما تضمر بداخلك،
ولكن أتعلم!! جُبنك يجعلني أشعر بأنني الرابح، ربما تفكر جويرية في الأمر وتجد أنني أستحق أن أكون بجانبها.
غضب بشار وصاح في وجه عمار قائلا:
_هل جننت!؟،
إن جويرية إذا أحبت ستحب رجلا يُكرّس لها روحه وجسده وعقله وفؤاده، لا رجلا يقضي وقته برفقة فتيات الليل وما شابه، أنا أعلم حقيقتك جيدا أنت لست جدير بها، ذهب بشار وترك عمار يستشيط غضبا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تستطع جويرية أن تنم في هذه الليل، كان حديث بشار وعمار يتردد في ذهنها طوال الليل، لوهلة تذكرت ذاك الذي أحبته قبل عام ونصف، كان شاب تحلم به فتيات القرية من شدة جماله، ولكنها فقط أحبت أن تكون بجانبه،
أرادت أن تكون العصا التي يتكيء عليها حينما تخور قواه، أرادك فقط أن تحظي ببعض عشقه ولكنه لم يكترث لها أو لعشقها.
ذات يوم إلتقت به جويرية عند البحيرة،
أرادت أن تظل حتى تحظي ولو بالقليل من تبادل أطراف الحديث ولكنها عزيزة النفس لا تركض خلف من يرفضها، لذلك همّت بالرحيل، ولكنه اعترض طريقها وطلب منها أن تظل قليلا كي يتحدثا سويا، كانت السعادة تدق فؤاد جويرية بقوة حينها،
على حين غرة هُيّيء لها أن كل ما حلمت به سيتحقق في غضون دقائق بعدما يتحدثا، ولكن خابت كل آمالها وأحلامها الوردية وأصبحت أنقاضا تذروها الرياح، لقد انطفأت حينما علمت نواياه فقد أراد أن يتقرب منها ويتخطى حدوده في سبيل عشقه لها،
ولكنها أدركت حينها أن كل شيء زائف لا يدوم بريقه كثيرا، لقد حطم قلبها وليس ذلك فقط ولكن حينما رفضت ما يريد بشدة نعتها بيتيمة الوالدين وأنه لن تجد من يحبها بصدق وأخبرها أيضا أنها ستندم بشدة لأنها أبت تلبية طلبه،
ولم يكف عن محاولة التقرب منها ولكنها ليست تلك الفتاة التي بلا حول ولا قوة، فعلى النقيض تماما هي تتمتع بذكاء لم يورد على أحد في القرية أبدا، فلم تتهاون معه وأصابته بشدة بركلة واحدة أصبح مسجيا على الثرى يتأوه،
ومنذ ذلك الحين أصبحت تكره الرجال ولا تطيق فكرة الزواج، وإن لم يكونا بشار وعمار صديقيها فلم تكن لتنظر إليهم بتاتا.
حاولت كثيرا أن تغفو ولكن رغبتها في البكاء لم تتركها وشأنها،
حاولت أن تنهمك في عمل أي شيء ولكن لا محيص من البكاء، فهو دائما ما يأتي يهون علينا ما نكابده منذ زمن، سرعان ما اغرورقت عيناها وأصبحت حشرجاتها تتزايد مع ازدياد نحيبها.
#صغيرة_الكُتَّاب