دقة قلب

RadwaAshraf`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-20ضع على الرف
  • 2.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

أسرعت الأقدام في خطواتها مهرولةً بإتجاه غرفة الطوارئ يجرون فيما بينهم سرير متحرك يحمل جسداً متهالكاً هربت منه الدماء لتتركه شاحباً كالموتى لا يظهر ما قد يؤكد حياة هذا الجسد سوى رفرفة جفونها ببطئ، أصوات متعالية ورؤية ضبابيه مشوشه لا تستطيع تحديد ما يحدث معها هل هذه النهاية يصل إليها صراخ الممرضين بالناس من حولهم لإفساح الطريق حتى يصلوا بها إلى تلك الغرفة التي اعتادت التواجد بها أكثر من منزلها الأم وهناك قد يستطيع الطبيب المعالج لها إنقاذها تلك المره أيضاً ولكن يبدو أن تلك هي النهاية

وصلوا بها إلى وجهتهم ليجدوا الطبيب بإنتظارهم بالغرفه والذي فور رؤيتهم صرخ بهم بلهفة وهو يسرع بخطواته نحو المتمدده على السرير يفحص نبضها ومؤشراتها الحيويه بقلق واضح:

- هيا أسرعوا ليس هناك متسع من الوقت، أرسلي في طلب الطبيبة "نغم" الآن هيااا.

صرخ بوجه الممرضة التي أمامه لتسرع بتلبية طلبه بينما تم نقل الفتاه المريضه لتمدد جسدها المتهالك على الفراش والطبيب ومعاونيه يقومون بتوصيل الأجهزة الطبيه لمراقبة مؤشراتها الصحيه أستمر الطبيب المدعو "هشام" بفحصها وعيناه غائمة بالألم والرعب واحتقن وجهه بشده وكأنه يختنق ويفقد أنفاسه كلما تلاشت خفقاتها وتوقف قلبها عن العمل قبض على معصمها الأيسر يتابع ضربات خافقها بطريقة معينه بينما ينظر بساعة يده، رفع عينيه ينظر إليها بصمت وعينان محتقنتان بالدموع فبالرغم من أنه طبيب وهو دائم التعرض لتلك المواقف ويقابل هكذا حالات كل يوم ولكنه لم يكن يعلم أنه سيأتي يوم ويرى معشوقة قلبه وروحه صغيرته الحبيبه في تلك الحاله

خارت قواه وفقد قدرته على تحمل الوضع فجلس أرضاً بجوار الفراش قابضاً على يدها بين يديه يستند بجبينه عليهما وانسابت دموعه على وجهه بغزارة غير قادراً على إيقافها وصور من الماضي تندفع بعقله لتمر تلك الذكريات أمام عينيه وكأنه حاضراً يعيشه الآن لتتشكل إبتسامة تلقائيه على ثغره وهو يتذكر كم كانت حبيبته مرحه تحب الحياه تملئ الدنيا بالسعاده والأمل بإبتسامتها المشرقه ونظرتها الحالمه لكل ما يدور من حولها كانت إسم على مسمى أسماها والدها "حياه" وبالنسبة لمن حولها هي الحياة، هشام ليس مجرد طبيب معالج ومتابع لحالة "حياه" ولكنه ابن صديق والدها المقرب ومعلمها فهي كانت تدرس بكلية الطب بالفرقة الثانية والأهم من كل تلك الروابط هو الرابط الأكثر أهمية بينهما "القلب" أبتسم ببهوت عندما لاح بذاكرته لمحات من أجمل يوم جمع بينهما بالسابق قبل اكتشافهم لذلك المرض وتدهور صحتها.

~~•~~

منذ عدة أشهر في إحدى الحواري المصريه المعروفة بإتساع مساحتها وزحام شوارعها وصخبها، أمام إحدى مبانيها كانت تقف فتاة شديدة الجمال ليست فقط بالشكل الخارجي ولكن قلبها النقي وروحها المرحه هي من تزيد من جاذبيتها، ابتسامتها المشرقه تنير عالم من تقع أنظاره عليها، بها سحر غريب وكأن ملامحها وابتسامتها تعويذة تقيد من يراها لتطوف بذاكرته ويكون غير قادراً على تخطيها ونسيانها هذه هي "حياه" ذات الحادي والعشرون عاماً

نفخت بضيق وهي تعدل من وضع حجابها حول رأسها للمرة التي لا تعلم عددها وهي تنظر إلى الأعلى حيث تسكن مع والديها وشقيقها الأكبر، شعرت بأصابع تربت على كتفها برفق فالتفتت وعلى وجهها ترتسم ملامح طفولية عابسه زادت من جمالها، ازداد عبوس وجهها فور رؤيتها لمن يقف أمامها يبتسم بسماجة وكأنه غير مسؤول عن غضبها ولم يتعمد تأخيرها بهكذا يوم فاصل بحياتهما، هتفت بغيظ وهي تضرب صدره بقبضتها الصغيره بعبوس:

- هل أنت جاد؟ ألديك الجرأة للوقوف أمامي والإبتسام بتلك الطريقة المستفزه؟!

- ولما لا، ما الذي يمنعني من الإبتسام؟ جميلتي اليوم أمامي بأبهى طلة رأتها بها عيناي يحق لي ذلك

- حقاً!! أخبرتك أن لا تكون مستفز "هشام"؟ ألم يسبق لك ورأيتني جميلة إلا اليوم، حقاً؟!!

أبتسم "هشام" واتسعت شفتيه مغيظً إياها أكثر لتزفر بضجر وتضرب الأرض بقدمها حنقاً منه ثم توليه ظهرها معبرة عن غضبها منه بطريقة طفوليه محببة إلى قلبه، أقترب منها قائلاً برفق معتذراً عندما لاحظ حزنها وعبوس ملامحها:

- حسناً "حياه" أنا آسف لا داعي لعبوس ملامح وجهكِ الجميل لا تحزنِ أعتذر حقاً، اليوم هو يوم طال انتظارنا له هل سنبدأه بالحزن والغضب، أم نمسك بيد بعضنا ونفرح لأن اليوم وأخيراً تحقق حلمنا؟

رفعت عيناها له تنظر له بخجل محرجة هي منه تشعر أنها بالغت برد فعلها ما كان عليها أن تتصرف بتلك الطريقة الطفولية لا داعي لذلك فلقد تأخر عليها عشر دقائق ليس أكثر، لكن هي معذورة فاليوم ستكون له أمام العالم أجمع سعادتها العارمة بهذا توترها وتفقدها السيطره على اعصابها، أخيراً تحقق حلمها بالزواج من من ملك قلبها منذ نعومة أظافرها الرجل الوحيد بحياتها بخلاف والدها وشقيقها أحبته بصدق هامت بكل تفاصيله الصغيره قبل الكبيره وبادلها هو مشاعرها وعشقها دون حدود، تشعر وكأن العشق خلق لأجلهما فقط ولا يستطيع أحد على وجه الأرض مجابهة عشقهما وعلاقتهما ببعضهما، ليس هناك من هو يستطيع الوصول لدرجة تعلقهما ببعضهما ليس هناك ما يمكنه تفرقتهما سوى الموت الموت فقط.

انفرجت شفتيها وتسارعت أنفاسها بصورة ملحوظة وأخذت تفرك بيديها بإرتباك، كادت أن تهتف بما يشيج بدواخلها معتذرة منه على تصرفها الأحمق كما وصفته، هو محق طال انتظارهما لهذا اليوم وهي الآن بكل غباء وطفولة تفسده بغضبها الغير مبرر لكنه قاطعها عندما قبض على يدها يضغط عليها برفق ينظر بداخل عينيها يأسرهما هامساً برفق أطاح بقلبها وتضخم بعشقه أكثر وأكثر:

- لا داعي للإعتذار أنا أعلم، لست طفلاً مراهقاً حتى لا أفهم ما تمر به صغيرتي، متوتره أليس كذلك ولكن يا حياتي اليوم هو يوم إعلان ملكيتي لكِ اليوم العالم بأكمله سيعلم أنكِ ملكٌ لي وأنا ملكٌ لكِ ولن يستطيع أحد أن ينظر إليكِ ويتمنى أن تكونِ له لأنني لن أسمح بذلك حسناً، لذلك اهدئي وإلا تلك السعادة ستقضي على قلبك الصغير

اتسعت ابتسامتها حتى تصاعدت ضحكاتها وبدأت بالقهقهة عندما نظر إليها بضجر وكأنه يخبرها أنها ستظل طفلة مهما تقدم بها العمر

~~•~~

بالرواق المؤدي لغرفة الطوارئ كانت تركض بقلب ملتاع تشعر بقدميها أصبحت كالهلام لا يقدران على حملها، تهرول للوصول إلى الغرفة التي تشعر وكأنها أصبحت بعيدة جداً رغم اقترابها من باب المشفى الرئيسي لكن قلقها وخوفها على القابعة بداخلها هو من يصور لها ذلك، دفعت الباب بقوة ليرتطم بالحائط وهي تهرع بخطواتها بإتجاه الفراش للإطمئنان على حالة صديقتها المقربة وابنتها الصغيره كما تصفها دائماً، صدمت لرؤيتها حالة شقيقها الذي يجلس أرضاً يمسك بيدها وجسده يهتز بقوة دلالة على بكائه الشديد انحصرت الأرض تحت قدميها لتفقد قدرتها على الصمود فانهارت على الأرض تنهمر دموعها بغزارة وصدمة وقد فسرت حالة شقيقها وضعفه الذي لا يليق بطبيب ورجل قوى على أنها فقدت صديقتها وروح شقيقها، خرجت منها صرخة مدوية هزت أرجاء الغرفه وارتعب لها قلب ذلك العاشق الجالس تحت اقدام معشوقته:

- حياااااه

انتفض جسدها وهي تستمع إلى صوت صديقتها بتلك النبرة الممزقه لتتسارع دموعها تلقائياً وتخرج من عينيها لتغرق وجهها بغزارة وعادت للتفكير في حالة احبائها بعد مغادرتها هذا العالم، منذ أن علمت بمرضها هذا لم تدعي الله يوماً بأن يشفيها بل كانت دائماً تدعوه بأن يربت على قلوبهم ويلهمهم الصبر والسلوان إذا حدث وكان مقدراً لها مفارقة الحياه قلبها يتمزق مع كل دمعة تشعر بها تبلل راحة يدها وهي تعلم مصدرها فحبيبها ورجلها الأوحد فقد سيطرته وقدرته على التماسك وأنهار يبكي كطفل صغير يخشى فراق والدته بكت وهي تهمس بداخلها داعية له بالصبر:

- يا إلهي رفقاً بعبدك الضعيف، ألهمه الصبر والقوة ليمضي قدماً بحياته من بعدي فإن كان قدري الموت فأجعل له من الصبر ما يعادل عشقه لي حتى يستطيع مواصلة حياته بعد فراقي، أشعر بقلبي المريض يزداد وجعاً وقهراً كلما رأيته أعلم أنه يحاول أن لا يظهر خوفه وضعفه أمامي حتى لا أضعف وافقد الأمل بالشفاء ولكني أعلم أيضاً أنها النهاية لقد حان الوقت أنا أشعر بذلك
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي