البارت الخامس

أخفيت نتيجتي عن أهلي، ومازالوا لا يعلمون عنها شيئًا حتى الآن، أخبرتهم بأن الجامعة لم تقم بالتصحيح بناءً على التقديرات الدراسية، وإنما أرادت من الجميع النجاح فقط، وأعلنت عن النتائج في صورة ناجح أو غير ناجح.

كانت تلك ذريعة سيئة للغاية، ولكنها إنطلت عليهم، رغم أن أمي ذكية ولا تصدق ما يقال لها بسهولة، إلا أنها قامت بتصديق تلك الذريعة.

لعلكم تتسائلون عن سبب قيامي بهذا الأمر وإخفائي تقديري عنهم، سأخبركم بالإجابة.

لم أرد أن يقوم أهلي بالضغط عليَ وخاصةً أمي؛ فقد كانت ستأخذ هاتفي في السنة المقبلة وكانت ستجبرني على الدراسة طوال الوقت، كما كان يحدث عندما كنت في المدرسة، وبالطبع لم أكن أرغب في العودة إلى الأيام القديمة.

حتى أنها لم تكن لتكتفي بجعل حياتي سوداء؛ بل كانت ستخبر كل الناس بأنني فاشلة، وأنني لن أتمكن من أن أصبح طبيبة ناجحة أبداً، لم أكن جاهزة لذلك الضغط النفسي في تلك الفترة؛ فقد كنت أصعد سلم التغير، ولم يكن لدي الوقت للإنشغال بإحباطها لي.

لذلك قررت خداعها في ذلك الوقت، لا أخفي عنكم بأنني كنت أود إخبارها بالحقيقة فيما بعد، ولكنني تراجعت عن رغبتي؛ فقد شعرت بالخوف من أن تنعتني بالكاذبة.

بعد مرور عام كامل

أصبح الجميع يحترمني ويأخذ رأيي في الملابس، كما أنهم كانوا يتسائلون عن روتين بشرتي، وكيف تمكنت من جعلها بشرة زجاجية.

رأي الجميع إنجازاتي ولكنهم لم يروا تلك الليالي التي كنت أنام فيها بعد أن تتعب عيناي من البكاء، رأوا إنجازاتي وظنوا بأنني قد تمكنت من تحقيقها بسهولة.

لكن لم يكن يهمني ما يظنونه فالمهم هو أنني وصلت إلى هدفي، كما أنني وصلت إلى الوزن الذي أردته، وحصلت علي تقدير إمتياز.

كانت كل أحلامي قد تحققت في غضون عام، كنت سعيدة للغاية وراضيةً عن حياتي، لم يكن هناك ما ينقص حياتي سوى شيء واحد، أن يحبني كريم كما أحبه.

لكنني كنت مستعدة للمحاولة، كنت أعلم بأنني لن أحصل على حب كريم بهذه السهولة.

رغم أنني حصلت على تقدير إمتياز إلا أن نتيجة صديقتي المفضلة نيرة كانت سيئة للغاية؛ فقد كان يجب عليها إعادة إمتحان إحدي المواد مرة أخرى؛ حتى تتمكن من الإنتقال إلى السنة التي تليها.

ساندت صديقتي في أوقاتها الصعبة، حتى أنني كنت أذهب إلي بيتها وأدرس معها، وكأنني سأدخل إلى الإمتحان مثلها، كل ما كان يدور في ذهني في هذا الوقت رغبتي في ألا تشعر بالوحشة أو الحزن.

أردفت نيرة عندما كنا ندرس:
_أتعلمين يا ندي، لقد أخبرتني أمنية أنها تريدني أن أذهب معها إلى المشفى في الغد.

أردفت بدهشة:
_هل تمزحين يا نيرة؟ لقد تشاجرت معها في البارحة بسبب ذلك الموضوع، فقد عرضت عليَ هذا الأمر ولكنني رفضت وأخبرتها بأنني لا أريد الذهاب إلى المشفى بدونك، ثم قامت بإتهامي بأنني لا أحبها كما أحبك وأنهت الحوار بذكر أنها لن تذهب إلى المشفى في الغد.

أردفت نيرة بمرح:
_لا تقومي بتكبير الموضوع، لابد أنها لم تتعمد الكذب عليكِ.

أردفت بضيق:
_انا لست حزينة، فقط شعرت بقلة التقدير، لكن أنتِ لن تذهبي معها أليس كذلك؟

أردفت نيرة بمرح:
_سأضطر إلى الذهاب معها كي لا تحزن، لكن أمنية فتاة طيبة يا ندي، فقط أحياناً تقوم ببعض التصرفات الشنيعة، ولكنها تندم على قيامها بتلك التصرفات بعد فترة.

أردفت بإبتسامة:
_لا بأس يمكنك الذهاب معها طالما أنكِ تريدين ذلك.

كنت مغفلة في ذلك الوقت وأخبرت نيرة بأنه لا بأس بالذهاب مع تلك الساحرة الشريرة المدعوة أمنية، لكنني إستفدت من ذهابها معها أيضاً.

في اليوم التالي
ذهبت إلى نيرة لأدرس معها كالعادة، ولكن نيرة كانت شاردة على غير عادتها.

أردفت بقلق:
_هل هناك خطب ما يا نيرة؟ لماذا أنتِ شاردة؟

أردفت نيرة بحزن:
_لقد حدث شيء ما في المشفى يا ندى، فقد تحدثت أمنية عنكِ بطريقة سيئة، بالطبع لم أسمح لها بالتحدث عنكِ بهذه الطريقة لذلك غادرت بمفردي.

أردفت بتساؤل:
_ماذا قالت أمنية؟ ما هو ذلك الكلام السييء الذي تحدثت به بحقي.

أردفت نيرة بضيق:
_لقد قالت بأنكِ فتاة باردة، وأنكِ مستعدة للموت فقط كي يحبك كريم، كما أنها قالت بأن كريم لن ينظر إليكي ولن يحبك مهما فعلتي، وأنك تعيشين في أوهام.

نظرت لنيرة بإبتسامة وانا أنتظر منها أن تقوم بإخباري بأن ما قالته ليس صحيحًا، فليس من المعقول أن تقول أمنية عني هذا الكلام؛ فكيف يمكنها التحدث عن صديقتها بتلك الطريقة؟

لكن نيرة أردفت بضيق:
_أعلم بأن تصديق ما قلته صعب يا ندى، ولكن حقًا هذه هي الحقيقة، هل تتذكرين عندما كانت تخبر جميع الفتيات في دفعتنا بأنكِ تحبين كريم؟ مازالت تتحدث في نفس الموضوع حتى الآن يا ندى.

شعرت بالضيق الشديد عند سماع ما قالته نيرة، كما أن صدري قد ضاق بشدة، كانت كلمات نيرة تتردد في أذني بإستمرار، هل أنا فتاة باردة؟ هل أمنية تري حقاً بأنني لا أستحق حب كريم؟ كيف يمكنها القول بأنني مستعدة للموت كي يحبني؟ كيف يمكنها أن تتفوه بهذا الكلام وتقوم بإهانتي بهذا الشكل؟

قررت في ذلك الوقت قطع علاقتي بأمنية نهائيًا، تعاملت معها ببرود لمدة شهر كامل، حتى أنها كانت تتساءل عن سبب تعاملي بهذه الطريقة وتجاهلي لها.

ثم قررت أمنية مصالحتي في يوم من الأيام، إتصلت بي، لم أكن أعلم هل كان من الصواب الرد علي مكالمتها أم لا، لكنني أردت معرفة ما تريد قوله لذلك أجبت على مكالمتها.

أردفت أمنية بإعتذار:
_انا حقاً آسفة يا ندى، لا أدري ما الذي فعلته وأودي بصداقتنا إلى هذه النقطة لكنني حقًا آسفة، أتمني أن تسامحيني على ما فعلته، أريد إستعادة صديقتي.

لقد كنت ساذجة للغاية وسامحتها بسرعة، حتى أنني كنت سعيدة بعودة صداقتنا كما كانت، فقد كنت أحب الأوقات التي نمضيها ثلاثتنا معًا.

لكن رغم مسامحتي لها لم أتمكن من نسيان ما قالته بشأن كريم، لم أتمكن من نسيان إهانتها لي في هذا الموضوع.

أردفت بلطف:
_لا بأس يا أمنية، المهم هو أن تخبريني بأي شيء صراحةً في وجهي، بدلًا من سماعه من شخص آخر.

أردفت أمنية بسعادة:
_أعدك أنني سأقوم بفعل ذلك!

لكن أمنية كانت تكذب، حتى وعدها لي كان خداعًا.

بعد أن إعتذرت مني عدنا كما كنا، أو لنقل أنني كنت أحاول نسيان كلامها والعودة إلى ما كنا عليه، ولكن بعد فترة وجيزة، جاءتني إحدي صديقاتي وصرخت في وجهي بغضب.

أردفت حبيبة بغضب:
_كيف أمكنكِ إخبار الجميع بسري الذي أخبرتك به؟! هل تريدين تدمير سمعتي!

كانت حبيبة صديقة مقربة لي، كانت ناضجة للغاية ولم يكن من السهل خداعها أبدًا، ولكن أمنية نجحت في خداعها بدموعها الكاذبة.

أردفت بتساؤل:
_ماذا تقصدين يا حبيبة؟ أنا لم أخبر أي أحد بسرك، أخبرتك بأن السر يبقي سرًا حتى مماتي.

أردفت حبيبة بصراخ:
_لا تكذبي عليَ يا ندى! لقد أخبرتني أمنية بأنكِ أخبرتي زميلاتنا في الدفعة عن سري، حتى أنها بكت كثيرًا لأنها شعرت بالحزن لأجلي بعدما فعلته بي.

أردفت بضيق:
_كيف يمكنك التصديق بأنني قد أفعل شيئًا كهذا؟ أنا لا أتحدث مع بنات دفعتنا حتى فكيف لي أن أخبرهم بسرك وانا لا أتحدث معهم؟

هدأت حبيبة قليلًا عندما علمت من خلال ملامح وجهي بأنني أقول الصدق، جلست بجانبي وهي تشعر بالحيرة الشديدة.

أردفت بضيق:
_هل أمنية هي من أخبرتكِ بهذا؟

أومات حبيبة رأسها بالإيجاب وأردفت بحيرة:
_هل أمنية تكذب عليَ؟ هل كانت تمثل البكاء؟ كيف يمكن لشخص ما أن يفعل هذا الأمر، كيف أمكنها خداعي بالدموع الكاذبة.

صمت ولم أعرف ماذا أقول لكن حبيبة أردفت بإعتذار:
_أنا حقًا آسفة علي ما أخبرتك به يا ندى، لقد خدعتني أمنية وقمت بتصديق كلامها رغم أنني أعرفك جيدًا وأثق بكِ.

أردفت بلطف:
_لا بأس يا حبيبة.

أردفت حبيبة بضيق:
_عليكي بالإبتعاد عن أمنية وفعل شيء ما، إن أمنية كونت مجموعة كبيرة من زميلاتنا في الدفعة وأخبرتهم عن حبك لكريم وعدم إهتمامه بك، حتى أنها قامت بإختلاق بعض الكلام الذي ليس له أساس من الصحة، فمثلًا أخبرتهم بأنكِ تحاولين التحدث إليه.

شهقت بفزع عند سماع ما قالته حبيبة، وأردفت بغضب:
_كيف أمكنها فعل هذا الشيء الشنيع لصديقتها! ما الذي ستستفيده من تخريب سمعتي!

أردفت حبيبة بضيق:
_لقد تمكنت من خداع الجميع يا ندى حتى أنا، إنها شخص خطير للغاية ويمكنها تدمير سمعتك للأبد، عليكِ إيقافها عند حدها، إنها تشعر بالغيرة منكِ خاصةً بعد تغيرك، لهذا تقوم بفعل هذا.

أردفت بغضب:
_سأقوم بالإتصال بأمها وأقوم بإخبارها بما تفعله ابنتها في السر!

كانت أمنية ابنه سيئة، فقد كانت أمها تعتقد بأنها ملاك وأنها فتاة مهذبة لكن الحقيقة هي العكس، فقد كانت أمنية تختلق الذرائع وتتحدث مع شاب في دفعتنا يدعي عمر، كما أنها كانت تتحدث إلى شاب في الدفعة الأكبر منا بعام ويدعي ربيع.

كانت تتحدث إلى الإثنين معاً، وكانت تقول بأنها تحب كليهما، ولكن رغم فعلتها تلك التي يجب عليها أن تقوم بإخفاءها إلا أنها كانت مغفلة؛ فقد كانت تفضح نفسها في دفعتنا وتخبر الجميع عن تحدثها مع عمر.

ربما أرادت أن تلطخ سمعتي كما تلطخت سمعتها، لذلك قامت بإختلاق هذه الكذبات عني، لم تكن تريد أن أكون أفضل منها.

لكنني حقًا لم أتحدث إلى كريم ولو لمرة واحدة، كنت طوال العامين الماضيين أنظر إليه من بعيد وأكتفي بالدعاء،؛ كنت أعلم بأنه سيراني فتاة غير مهذبة إن قمت بالتحدث إليه، لذلك لم أفكر حتى في فعل ذلك الأمر.

أردفت بضيق:
_عليك الحذر يا حبيبة؛ فقد تقوم بفضح سرك أيضًا وتخريب سمعتك في الجامعة، كل ما أخبرتها به هو أنني فقط أحب كريم، لم أقم بإخبارها شيئًا آخر وها هي تتحدث عن ذلك الموضوع منذ قمت بإخبارها.

أردفت حبيبة بقلق شديد:
_انا حقاً خائفة من أن تقوم بفعل ذلك لي أيضًا، كيف يمكنني تجنب شرها يا ندي؟ كما أنه لا يجب عليكِ القلق بما أنكِ بريئة ولا تفعلين ما قالته، لا تفكري فيما فعلته، فستعلم الفتيات قريبًا بأنها كانت تفتري عليكِ.

أردفت بضيق:
_لن أسامحها أبدًا على ما قالته في حقي، وعلى ذلك الإفتراء الذي نشرته في الدفعة بأكملها، انا فقط خائفة من أن يكون كريم قد سمع بما تقوله عني.

أردفت حبيبة بقلق:
_لقد كانت تتحدث في شارع المشرحة بصوت عالٍ؛ كما لو أنها كانت تريد أن يسمع الجميع ما تقوله، أنتِ تعلمين بأن هذا الشارع يكون مليء بالفتيان والفتيات، لذلك من الممكن أن يكون كريم قد سمع ما قالته، أو من الممكن أن يكون أحد الفتيان قد سمع ما قالته وقام بنقل الكلام إلى كريم.

جلست علي الكرسي وانا علي وشك البكاء؛ لا يمكنني تخيل الأمر إذا ما علم الفتيان بهذا الأمر وقاموا بإخبار كريم، لماذا تم تدمير سمعتي رغم أنني بريئة؟ ماذا فعلت لها كي تقوم بفعل هذا السوء لي؟

لكنني قررت تجاهل ما حدث؛ ففي النهاية انا لم أفعل شيئًا خاطئًا، لماذا يجب علىَ الخوف وتعكير مزاجي؟

ولعلكم تتساءلون عن سر حبيبة، كانت حبيبة تتحدث إلى شاب منذ عام، كانا يحبان بعضهما وكان ينتظر الوقت المناسب للتقدم لخطبتها.

لذلك كانت حبيبة خائفة من إنتشار سرها في الجامعة؛ لأنها لن تستطيع تكذيب تلك الإشاعات التي ستقال عنها؛ لأنها ستكون حقيقية وليست إفتراء.

أردفت حبيبة بضيق:
_أنا أفكر أيضًا في التحدث إلى أمها وإخبارها بما تفعله ابنتها، إن نيرة علي وشك الوصول إلى الجامعة، لننتظرها وبعد ذلك نقرر ما سنفعله.

أومأت برأسي بالإيجاب وجلسنا ننتظر نيرة، لم تتأخر نيرة في الوصول.

أردفت نيرة بغضب بعد أن أخبرتها بما حدث:
_كيف أمكنها فعل ذلك!! حسنًا يبدو بأن الحل الوحيد هو إخبار والدتها بفضائح ابنتها وما تفعله في الجامعة.

أردفت حبيبة بتفكير:
_أعتقد بأنه لا يجب علينا فعل ذلك؛ فقد بعثت لي تسجيل صوتي في البارحة وهي تبكي؛ فقد كانت تبكي خوفًا من أن تقومي يا نيرة بإخبار والدتها بما تفعله في السر.

وأضافت بهدوء:
_فهي تعلم بأن ندى طيبة للغاية ولن تقوم بالتحدث إلى والدتها وفضحها، لذلك كانت خائفة منكِ انتِ فقط يا نيرة.

أردفت بحيرة:
_لماذا تعتقدين بأنه لا يجب علينا إخبار والدتها؟

أردفت حبيبة بهدوء:
_لأنه عند إخبار والدتها، لن يكون لديها أي شيء تخسره؛ بما أن والدتها علمت بكل شيء، مما سيزيدها سوءًا وستزداد في نشر الإفتراءات، كما أنها في ذلك الوقت ستكون غاضبة وحاقدة علينا، مما سيجعلنا تخترع إفتراءات أسوء.

أردفت نيرة:
_أنتِ محقة يا حبيبة، يجب علينا فقط الإكتفاء بتهديدها، كما أنها ستخاف بشدة عندما نقوم بتهديدها، مما سيجعلها تتوقف عما تفعله.

أومأت رأسي بالإيجاب وانا أتفق مع كل كلمة قالتها نيرة، فقد إقتنعت أيضًا بوجهه نظر حبيبة؛ لذلك قررنا عدم التحدث إلى والدتها.

أرسلت نيرة فقط رسالة إلى أمنية على تطبيق الواتساب، وأخبرتها بأنها ستخبر والدتها بما تفعله في السر إذا لم تتوقف عما تفعله.

لم أنتظر معرفة رد أمنية على الرسالة ولم أسأل نيرة قط عن ردها؛ لأنني كنت أعلم الرد مسبقًا، كانت ستتوسل إلى نيرة وتعدها بأنها لن تقول شيئًا آخر، ولكنني لن أثق في وعود تلك الساحرة الشريرة، وسأقوم بفضحها في نفس اللحظة التي أعلم بإستمرارها في تدمير سمعتي ونشر الإفتراءات.

في اليوم التالي، كنت ذاهبة مع خالتي إلى الطبيب؛ فقد كان زوجها رجلًا سيئًا يرفض الذهاب معها إلى الطبيب، لذلك كنت دائمًا ما أساندها وأذهب معها.

لم أكن من النوع الذي يتذكر السوء دائمًا؛ لذلك نسيت ذلك السوء الذي فعلته لي خالاتي في الماضي وفتحت معهن صفحة جديدة.

تلقيت عدة رسائل أثناء إنتظاري لطبيب خالتي، كانت تلك الرسائل من أمنية.

'لا أعلم لماذا تقوم حبيبة بتجاهلي يا ندى'
'أخبريها بأنني لا أريد خسارتها'
'يمكنني خسارة أي شخص إلا حبيبة'
'انا حتى لا أعلم لماذا تفعل حبيبة ذلك'
'من فضلك أخبريها أن تقوم بالرد عليَ'

رأيت تلك الرسائل وقمت بتجاهلها تمامًا كما لو أنني لم أرها، عندما إكتشفت أمنية أنني رأيت تلك الرسائل ولم أقم بالرد عليها، أصيبت بالجنون والغضب وكانت تتصل بي بإستمرار.

انا حقاً لا أفهم كيف يمكن لشخص طعنن في ظهري وإفترى عليَ، أن يتحدث معي وكأن شيئًا لم يحدث؟! وأيضاً بكل حقارة تقوم بسؤالي عن حبيبة، وكأنها لم تحاول التفريق بيننا في البارحة! وكأنها لم تقم بنشر الفتنة بيننا!

عند عودتي إلى المنزل قمت بحظرها من على جميع وسائل التواصل الإجتماعي، وحتى أنني قمت بحظرها على تطبيق الواتس آب.

كانت والدتها تحبني كثيرًا، وظلت فترة طويلة تحاول معرفة سبب هذا الخصام الذي نشأ بيننا، ولكنني متأكدة بأن ابنتها الساحرة الشريرة قامت بالإفتراء عليَ وإخبارها بقصة كاذبة.

كانت تلك الأحداث قد حدثت في إجازة السنة الثانية من الجامعة، بعضها حدث في آخر أيام إمتحانات الفصل الدراسي الثاني مثل تحدث أمنية في شارع المشرحة بصوت عالٍ ومحاولة الإيقاع بيني وبين حبيبة.

في السنة الثالثة من الجامعة كنت أشعر بالراحة؛ فلأول مرة لن أنشغل بالتراهات، ولن يكون بجانبي أصدقاء مزيفون.

في تلك السنة قررت الإلتحاق بالجمعية العلمية الخاصة بكليتي، كانت تلك الجمعية العلمية عالمية موجودة في جميع بلدان العالم؛ لذلك كنت متحمسة لهذه التجربة.

كما أنني لن أخفي عنكم السبب الأكبر لإلتحاقي بتلك الجمعية العلمية، فقد قمت بالإلتحاق بها لأجل كريم، فقد كان كريم عضوًا فيها وكان يحبها كثيرًا.

كنت أرغب في الإلتحاق بتلك الجمعية العلمية منذ بداية السنة الثانية من الجامعة، ولكنني قررت الإلتحاق بها عندما أصل إلى هدفي وأغير كل تلك الإشياء التي تضايقني في حياتي.

لكنني الآن أصبحت جاهزة للإلتحاق بها، أصبحت أرتدي ملابس جميلة وأنيقة للغاية، حتى أن الجميع كانوا يلقبونني بلقب 'فاشونستا الجامعة'، كما أنني أصبحت جميلة؛ فقد أصبحت بشرتي أفضل بكثير من السابق كما أن ملامحي تغيرت، بالإضافة إلي أنني وصلت إلي الوزن المناسب، أعتقد بأن سبب تغير شكلي لهذا الحد هو ذلك الدعاء الذي أقوم بدعاءه كل ليلة قبل أن أنام.

كنت أستمتع حقًا برؤية الدهشة على وجوه زميلاتي في المدرسة؛ فقد كن يتساءلن عن كيفية تغيري لهذا الحد، كانوا قد أصيبوا بالصدمة الشديدة عند رؤيتي، وكأنني أصبحت شخصًا آخر مختلف كل الإختلاف عن تلك الفتاة في المدرسة.

لم أكن أفهم الكثير من الأشياء في تلك الجمعية العلمية في ذلك اليوم، ولكنهم كانوا يقومون في تلك الفترة بإختيار أعضاء الفرق الأساسية.

فقد كانت تلك الجميعة مقسمة إلى عدة فرق، فريق يهتم بحقوق الإنسان التي تتعلق بالطب، وفريق يهتم بالمواضيع العلمية الطبية البحته، وفريق آخر يهتم بالصحة الإنجابية.

يوجد العديد من الفرق أيضًا، ولكنني أخبرتكم عن أهم ثلاثة فرق، كان كريم مساعدًا للفتاة المسئولة عن فريق الصحة الإنجابية والتي تدعي لورا، لم يكن لورا هو اسم الفتاة وانما لقب يطلق على الفتاة المسئولة عن فرقة الصحة الإنجابية.

لذلك كنت أرى بأن أفضل فريق يمكنني الإلتحاق به هو فريق كريم، ولكنني لم أكن أعلم بأن تلك المواضيع التي يهتم بها ذلك الفريق ستكون المحببة لقلبي، كما أنها المواضيع الوحيدة التي تحظي على إهتمامي وتثير فضولي.

أعتقد بأن سبب حبي لكريم منذ البداية هو تشابه أرواحنا؛ فنحن نشبه بعضنا إلى حد كبير في كثير من الأشياء، حتى أنني كنت قادرة على توقع الخطوة القادمة التي سيقوم بفعلها، فمثلًا هل سيذهب إلى الرحلة كذا؟ هل سيترشح للمنصب كذا؟.

تحدثت إلى اللورا وكانت سعيدة برغبتي في أن أكون جزءً من فريقها، حتى أنها قامت بتعليمي كيفية كتابة السيرة الذاتية التي كانت تطلب من كل شخص يرغب في الإنضمام إلى أي فريق.

قمت بإعداد تلك السيرة الذاتية بشغف، كما أنني كنت متحمسة للإنضمام لذلك الفريق؛ فقد كنت أشعر بأنه سيساعدني على إتاحة الفرصة لي للتعامل مع كريم.

عندما تلقيت خبر موافقة اللورا على إنضمامي لفريقها، شعرت بالسعادة الشديدة والحماس في نفس الوقت، فقد وضعت بصمتي الأولى في تلك الجمعية العلمية.

كانت أول مهمة لنا في هذا الفريق هي حملة عن صحة الرجال، كان هناك مسابقة عن تلك الحملة في جميع فروع الجمعية العلمية في مصر، لذلك كانت المنافسة شديدة؛ فقد كنا نرغب في الفوز رغم وجود العديد من المنافسين.

بدأنا علي الفور في العمل على تلك الحملة، كنا في البداية نفكر في الأفكار التي يجب علينا تقديمها في تلك الحملة.

كان يجب علينا التحدث عما سنقوم به، لذلك قمنا بعمل أكثر من إجتماع أونلاين، كنا قد اتفقنا على كتابة قصة قصيرة تتعلق بموضوع الذكورة السامة.

ذلك الموضوع يتعلق بمفاهيم خاطئة للذكورة والرجولة، مثلًا الرجال لا يحق لهم البكاء، الرجل يجب أن يكون قاسيًا، الرجل يجب أن يتصرف بعنف، والمشاكل الأخري التي تحكم على الرجال مثلًا القمع العاطفي.

قررنا القيام بتصوير فيديو يخص ذلك الموضوع، سنقوم في ذلك الفيديو بسؤال أشخاص عشوائيين في الجمعية العلمية بضعة اسئلة.

ولكن كان علينا أولًا التحدث عن السرطانات التي تصيب الرجال، بما فيهم سرطان البروستاتا الذي يشغل حيزًا كبيرًا من الأهمية.

أثناء إتفاقنا على الطريقة المناسبة للتحدث عن سرطان البروستاتا أردف كريم:
_أرى أن الطريقة المناسبة لعرض هذا الموضوع هي عرضه في شكل قصة قصيرة، يمكننا التحدث إلى دنيا كي تقوم بكتابة تلك القصة لنا.

كنت قد إشتعلت من الغيرة عندما أتي بذكر دنيا، فالدفعة دائمًا ما تقارن بيني وبين دنيا؛ لأن كلينا لديه ذوق رفيع في الملابس وكل شيء، لذلك لم أشعر بالراحة عندما قام بذكر إسمها.

كما أنه كان يجب عليه السؤال إذا ما كان أحدنا يجيد كتابة القصص، ولكنني قررت التدخل فأردفت بجدية:
_أنا سأقوم بكتابة تلك القصة لكم، لسنا مضطرين لطلب المساعدة من شخص خارج الفريق.

أردف كريم بجدية:
_لكن دنيا ستقوم بكتابتها بشكل أفضل؛ فهي معروفة بكتابة القصص الجميلة.

أردفت بجدية وانا أحاول إخفاء حنقي وغيرتي:
_ستعلم براعتي في كتابة القصص عندما تقوم برؤية قصتي.

أردفت تسنيم (اللورا):
_لنرَ قصة ندى، كما أن ندى محقة فنحن لا نريد طلب المساعدة من شخص لا ينتمي إلى فريقنا.

إبتسمت لثقة تسنيم فيَ، وفورًا ذهبت لكتابة القصة بعد إنتهاء الإجتماع، كنت أريد أن أكتب قصة قوية تجعل كريم يشعر بالخجل نتيجة حكمه المسبق عليَ.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي