0200

"تفضل هذه كأس قهوة ساخنة ولذيذة من أجلك"

كان يمسك بصينية القهوة والمنشفة متدلية على رسغ يده، هو ذلك الشاب الوسيم المتأنق ذو الدرجات المثالية، انت تفهم قصدى، هو من أولائك الذين يعانون من المثالية المفرطة، مثاليون لدرجة أنك ستشك بمدى إنسانيتهم، ستخالهم آلات بطلا عن كونهم بشرا، مثاليون للدرجة التى تجعلك تشك أن أحدهم قد زرع أجهزة ذكاء إصطناعي بينكم خلسة، مثاليون لتلك الدرجة المقززة التى ستجعلك وبلا سبب تمقت كل مثالى آخر على وجه هذه الأرض، مثاليون لدرجة لا يمكن لأحدهم قياسها على الإطلاق.

نحن بشر وبطبيعتنا البشرية نحن لا نقترب أبداً من الأشياء المثالية، أعنى تلك التى تعانى من المثالية المفرطة، اُنْظُر معى، إن أفضل الكؤوس التى ستجدها بمنزلك والدتك ستضعها فى "النيش". إنها تلك الخزانة الغامضة التى ولسبب ما لايمكن لأحد المساس بها أو حتى النظر إليها بالطبع عدا أولئك الذين يمتلكون شجاعة خارقة تمكنهم من خرق تلك القاعدة وفعل ما يشاؤون، أنت تفهم ما أعنى، أتحدث عن لماذا تحوى منازلنا شيئا لا قيمة له على الإطلاق وفقط مهمته المثول بمنازلنا بلا أدنى هدف؟ لا أحد يعلم.

حدثتني وسأخبرك عن رهاب ربما سمعت عنه وربما لم تفعل، لا أتحدث عن رهاب الإجتماعات أو المرتفعات أو الأماكن الضيقة أو المزدحمة...أتحدث عن ذلك الرهاب، رهاب المهرجين!

أولم تسأل ذاتك يوما عن سبب منطقى واحد يجعل أحدهم يخشى أداة مثيرة للسخرية أو ربما الضحك؟ دعنى أجيب عنك، لأن أولائك المهرجين هم تماما بلا أدنى مشاعر، لا يشعرون بالضيق أو الحزن أو الغضب أو اللامشاعر أو حتى تلك الإبتسامة العابرة، يضحكون طوال الوقت يضحكون دائما، هم يمتلكون تلك المشاعر المثالية تماما ولا يمكن لهذا أن يكون طبيعيا.

كان المدعو كوك يقف ببذلته الرسمية وبوجهه المثالى الخالى من العيوب ناظراً ليونغى وهو يدعو بداخله أن يكون قد أحسن إعداد القهوة وإلا فعلى الأرجح سيقتله يونغى، ولن ينقذه أحدهم عندها.

يونغى هو ذاك الشاب البارد المخيف الذى وبمجرد النظر لعينيه الجافتين الخاليتين من الحياة ستدرك كم إن عينيه مخيفتان بلا أى سبب منطقى لذلك، إنه يملك تلك الهالة المميزة الغامضة التى تعنى أن هذا هو يونغى ولا تسأل عن خفايا ذلك الشخص لأن لا أحد يعلم ومن ضمنهم أنا كذلك.


لا تلعب بالنار، وخاصة تلك التى قد لا تخالها نارا، إحذر من لا يبدى غضبا عندما تحين اللحظة لذلك، إحذر يونغى، إحذر ذلك البركان الذى يثور ببطء.

"إنها باردة"

ترك يونغى الكأس من يده بتتقزز بعد أن خيب آمال كوك بقهوته، كما قلت لك كوك هو مثالى حد التقزز وقهوته تلك كانت وبلا شك مثالية مثله لكن يونغى لن يمنحه أبداً شعور الرضى عن نفسه.

إن كان يونغى غير راض عن نفسه فكيف له أن يسمح لشخص آخر أن يكون كذلك؟! أحيانا قد لا تتوافق تصوراتنا عن شخص ما عن ما هو حقا، تذكر كل من يحتاج لإظهار قوته هو ضعيف وكل من يخفيها عنوة هو ضعيف يخال نفسه قويا.

"فقط كأس قهوة لذيذ"

تحمحم كوك محاولاً قول الجملة المثالية التالية التى ستليق بالموقف، هى الآن صارت كأس قهوة لذيذة فقط وهى غير ساخنة كما قال فى البداية.

"إع طعمها مريع، ماذا وضعت بها؟ سما؟ هل تحاول قتلى؟! "

بصق يونغى القهوة من فمه متمتماً بما قاله ومحطماً مثالية جونغكوك ووجهه البارد جامد كما هو رغم جدية موقفه.

"إذن كأس قهوة"

قالها كوك بنبرته المتوسطة الواثقة المثالية بينما كان يونغى ينظر إليه بتحد.

"أشك أنها قهوة رائحتها غريبة للغاية ولونها كذلك"

زفر كوك مستسلماً فى تلك المعركة الكلامية ومعترفاً بفوز يونغى فلا أحد يمكنه الفوز بجدال كيونغى الذى خاض الآلاف متلك الجدالات، أو حتى أكثر من ذلك.

"هى كأس يا يونغى ، فقط كأس"

حاول أن يهدأ من روعه قليلاً إثر ما حدث للتو، تاى وجيمين قد خدعاه توا، تاى وجيمين خدعاه، نامجون تعرض للخداع من أحمقان و إنطلى عليه ذلك، تبا!

"تاي جيميناه، لن أقوم بإبتلاعكما، أعدكما"

كان يبحث ويبحث عنهما بلا أى جدوى، هما قد إندثرا من المكان تماماً ولم يعد لهما وجود، هما قد إختفيا وكأن الدود قد إبتلعهما دون أن يترك حتى الفتات، لا أثر لأى منهما بأى مكان، لا أثر لأى منهما حتى فى غرفة نومهما.

خرج نامجون من الغرفة قلقاً عليهما ومتناسياً أمر اللعبة مؤقتاً، بالنهاية هو صديقهما، ولا يمكنه أن يدعهما ينغمسان بكارثة جديدة بدونه، صحيح أنه فقط فى ذات سنهما، لكنه كذلك كأخ كبير لهم جميعا، فلا أحد يخرجهما من مشاكلهما التى لا تنتهى عداه، ولن يتوقف كلاهما عن إحداث المشاكل أبدا.

كان شاردا يفكر بهما عندما إقتلع باب الغرفة خطأً، لو كان أحدهما هنا الآن لجعلا منه حديث الساعة فى المدرسة كلها، فقط لو كانا هنا الأن... فقط لو كانا هنا..

"أيها المشاكسان إقتلعت الباب بسببكما"

بنبرة عالية قلقة قالها نامجون لتملأ أصداءه كل شبر بالمدرسة وليدرك الجميع أن خطبا ما حدث فى ذلك المكان، لكن أيا منه لم يرد أبدا.

نهض تاى و نفض عنه الغبار ليدرك بعد وقوفه أن ملابسه إمتزجت بخضرة الحشائش التى غطت الأرضية بالكامل.

"المكان فارغ من كل شئ عدا ذلك المحل هناك، ألقى نظرة"

كان جيمين يشير بإصبعه لمحل صغير يتوسط الحشائش القصيرة فى ذلك المكان الفارغ المخيف الذى يعطى إنطباعا غريبا متناقضا مبهجا ومخيفا بذات اللحظة.

سار كلاهما حتى وصلا إليه وإذا به محل صغير مخصص للأسلحة والسيوف وبعض الأغراض الآخرى.

"إختارا ما تشاءان"

قالها و مشاعر الملل المقيت بادية على كل حرف منا، كانت أسلحة ذلك المكان غريبة، أخذ تايهيونغ بندقية قوية و فتاكة نوعاً ما بينما أخذ جيمين مسدس ماء لطيف وردى اللون.

وقع تايهيونغ على الأرض ضحكاً من إختيار جيمين المثير للشفقة، حقا؟ مسدس ماء؟ ما نوع الهراء الذى يفكر به ذلك الشاب؟!

جيمين هو شاب نحيل طويل نوعاً ما لكنه الأقصر بين أصدقاءه الأربعة، هو لطيف و ودود و يسمع مشاكل الجميع دوماً، أحياناً يكون غريباً و غامضاً للغاية، لكن تلك ليست عادته، وهو ليس من النوع السهل توقعه، ليس إجتماعية وليس منعزلا وليس بين ذلك، ليس غامضا بتلك الصورة التى تتخيلها وليس منفتحا كذلك.

عبارة مرعبة كتبت على زجاج ذلك المحل لتشعر كليهما بمدى الورطة أخيرا:
المهمة التالية قتل وحش ظل.. عند إنتهاء المهمة سيخرج جميع اللاعبين من اللعبة.

خرج كلاهما من المحل أخيراً بعد إنتهاء تاى من نوبة سخريته المتوقعة ليجدا المحل قد إختفى تماماً وذاب تماما كما يذوب الجليد.


كتب فى الهواء ما لم ينسونه أبدا حتى نهاية ذلك المكان وتلك اللعبة...

"على جميع اللاعبين توخى الحذر، لن يخرج أحد من هنا حيا"

تبددت تلك العبارة فور قراءتها و ظهرت عبارة آخرى كانت بمثابة البداية لكل شئ سئ آخر...

إسم اللعبة هو "الظل" ...
المرحلة الأولى على وشك البدء..
١
٢
٣

ألآلاف الأشجار الضخمة المتشابكة تحيط بهم ، أعشاب طويلة بنفسجية وكائنات غريبة تحوم فى الأرجاء.

كل شئ بدا عجيباً من غصن الشجرة المتحرك ذو الوجه المبتسم إلى العناكب العملاقة ذات اللون الأسود الممزوج بالأحمر المتوهج.

كان هناك بشر فى المكان يقطعون الأشجار ويبدو أنهم سيبنون بها منازلهم أو ربما سيستعملونها كوقود أو أى شى آخر مشابه.

لكن على عكس البشر العاديين كل بشرى هنا لديه قوى غريبة من قوى الطبيعة يستطيع إستخدامها.

بعضهم يمتلكون قدرة على ثنى الأشجار وبعضهم يمكنه حمل أى شئ مهما كان ثقيلاً، بعضهم تنمو أغصان صغيرة صلبة من يده.

بشرى واحد كان أغرب من كل هؤلاء البشر مجتمعين ، كان الأسود يتصاعد من جلده بينما كان يصرخ هو ألماً مستنجداً بأى من أصدقاءه و صارخاً بقوة مؤلمة:

"فلينقذنى أحدكم من أيدى تلك الظِلَالٌ!"

ملامح النبل كانت بادية عليه و رغم ذلك لم ينقذه أحد أبدا و تذكر مجددا أن أحدا لن بحبك فوق نفسه و من سيفعل سيكون أجبن من أن يفعل لك شيئا مفيدا، لا تنتظر أحدا ولا تلق بالا لأحد، إنفرد بنفسك عندما تحين اللحظة لذلك.

ظلال سوداء جامحة كانت تحوم حول ذلك البشرى البائس الذى سيخر صريعاً بأى حال من الأحوال، كان يعلم أنه سيموت على أى حال، وعلى أى حال كان يحاول إنتشال نفسه لكنه فشل.

أمسك تاى بندقيته بقلق شخص أمسكها للمرة الأولى و حاول قتل أحدهم كأنه لم يحاول ذلك قط قبلا، مشاعر التوتر و الخوف و رائحة الدماء كانت تحوم حوله رغم أنه لم يطلق العنان للزناد، لم يرد فعلها لكنه فعل، نجح تاى! قتل تاى وحش الظل وخلص ذلك النبيل!

"إجتمعو لقد تجرأ أحدهم على قتل أحد أفراد جيوش الزعيم! سيدفع غالياً الثمن"

ما لا يعرفه على أن ظلال الزعيم تلك لا تقهر أبدا وأنه أصلا لم يقتل أحدا فقط جعل تركيزه منصبا على الشخص الجديد الذى خالف أوامر الزعيم، و للمرة الثانية أخطأ تاى.

دخل أحدهم جسده و خرج مجدداً بينما أمسك آخران جيميناه و لم يشعر بنفسه إلا وقد صرخ متألما ليسمع صداه أرجاء الغابة و ليسقط مغشيا عليه.

فى ظل غموض ما يحدث مع ذلك الفتى، تبددت الغابة وإختفى كل شئ حولهما، وآخر ما شعر به تاى هو سقوطه بفوهة عميقة يبدو أن لا قعر لها ولا نهاية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي