البارت الثالث

عندما دخلت إلى الجامعة، كنت أشعر بالحماس في البداية، ولكن حماسي تحول إلى ضيق؛ فقد تحولت أمي من شخص يعاتبني على درجاتي إلى شخص ينعتني بالقبيحة طوال الوقت.

لم يكن بوسعي تجاهل كلامها، فأصعب شعور يمكن أن تشعر به أي فتاة في العالم هو شعور أنها أقل قدراً من باقي الفتيات، كنت أشعر دائمًا بأن جميع الفتيات يتمتعن بقدرٍ عالٍ من الجمال، بينما كنت أنا الفتاة الوحيدة التي تتسم بالقبح.

أمضيت السنة الأولى في الجامعة في البكاء والإكتئاب، حتى أنني لم أكن أرغب في مغادرة سريري، كنت فقط أدعو الله بأن أكون جميلة مثل باقي الفتيات، كانت تلك أمنيتي الوحيدة في تلك الفترة.

لم تكتفِ أمي بمعايرتي بقبحي فقط، بل كانت تعايرني بذوقي السييء في إختيار الملابس، كانت تخبرني بأنني قبيحة عديمة الذوق، وأنها كانت حريصة منذ البداية على دخولي كلية الطب؛ فقط حتي تضمن لي الحصول على زوج جيد.

مازلت أتذكر قولها 'أنتِ قبيحة ولم تكوني لتجدي زوجاً جيداً إذا لم تدخلي كلية الطب، فعلى الأقل سيتزوجك شخص يريد الزواج من طبيبة؛ مما يجعله يتقبل مظهركِ القبيح'.

لا تعلمون كيف قام كلامها بأذيتي، ولا تستطيعون تخيل كم الأذي الذي لحق بي بعد سماعه، فحتى الآن يتردد كلامها في ذهني كل يوم.

لم تكن أمي تثق بي في إختيار الملابس؛ نظرًا لأنها كانت ترى أن ذوقي في إختيار الملابس سيئ للغاية؛ لذلك كنت أخرج لشراء الثياب برفقة خالاتي، وكن يخترن لي ملابس جميلة؛ نظرًا أنهن كن يتمتعن بذوق راقٍ.

كما أنه لم يكفي كوني قبيحة المنظر وكوني أمتلك ذوقًا سيئًا، بل كنت أيضًا أمتلك جسدًا نحيفًا للغاية، حتى أنهم كانوا يخبرونني بأن أفضل الملابس في العالم ستبدو عادية عندما أقوم بإرتدائها، كانوا دائمًا ما يقومون بذم جسدي وحثي على تناول الطعام.

كنت أشعر بأن حياتي لن تكون أفضل مهما حاولت؛ فهذا العالم يهتم بالجمال أكثر من أي شيء، فهم يقومون بالتعامل جيدًا مع الجميلات، بينما يتعاملون بشكل سييء مع القبيحات.

فقدت الأمل في حياتي في تلك الفترة، وكنت أذهب إلى الجامعة كالجثة وأعود منها كالجثة، حتي أنني لم أكن أذاكر؛ فقد كانت الالامي النفسية أكبر من أهمية المذاكرة.

كنت أنام باكيةً كل يوم، وأستيقظ وانا أبكي أيضًا، كنت أريد التغير إلى شخص أفضل، لكنني لم أعرف من أين يجب أن أبدأ رحلتي، هل كان عليَ البدء بتصليح شكلي القبيح؟ أم عليَ البدء بإصلاح ذوقي في الملابس؟ أم عليَ البدء في حل مشكلة النحافة التي أعاني منها؟

لكن حياتي تغيرت فجأة في يوم من الأيام، تغيرت عندما شاهدت حب طفولتي مجدداً.

كنا في السكشن في الجامعة، كنت جالسة بإستياء كالعادة، ولكن فجأة نادت المعيدة بإسم 'كريم'، كانت تريد منه أن يجيب على سؤالٍ ما.

نظرت إلى ذلك الشخص الذي تقوم المعيدة بمناداته، وكانت تلك صدمة لي؛ فقد كان كريم الذي تناديه، هو كريم الذي كان معي في الدرس عندما كنت في الصف السادس الإبتدائي.

شعرت بالسعادة الشديدة عندما رأيته، صحيح أن شكله قد تغير، ولكن قلبي كان يخبرني بأنه نفس الشخص، كان قد إزداد وسامة، وأصبح مثل أبطال الروايات.

عندما إنتهي السكشن، لاحظت صديقتاي تلك الإبتسامة التي كانت تعلو وجهي، لم تكونا معتادتين علي رؤيتي أبتسم، بل إعتادوا على تلك التكشيرة التي كانت تعلو وجهي على الدوام.

أردفت أمنية بتساؤل:
_ماذا حدث يا ندي؟ لماذا تبدين سعيدة؟

لكنني كنت شاردة ولم أسمع ما قالته.

أردفت نيرة بخبث:
_حتى أنها شردت يا أمنية، ولم تسمع ذلك السؤال الذي قمتِ بسؤاله لها منذ قليل.

قامت أمنية بضربي بمزاح على كتفي، فعدت إلى الواقع.

أردفت بتساؤل:
_هل كنتم تقولون شيئًا ما منذ قليل؟

أردفت أمنية بخبث:
_كنا نحاول التفكير في سبب تغيرك اليوم، وتلك الإبتسامة الغريبة التى تعلو وجهك.

أردفت بإبتسامة:
_لا شيء؛ فقط رأيت صديقًا قديمًا كنت أعرفه منذ سنوات.

أردفت نيرة بتساؤل:
_من هو هذا الصديق؟ ومن أين كنتي تعرفينه؟ لقد كنا في مدرسة خاصة بالفتيات منذ الحضانة وحتى تخرجنا منها، إذاً متي تعرفتي على ذلك الشاب؟

أردفت بضيق:
_لم أقصد التعرف عليه بالمعنى الحرفي، كنت أقصد فقط أنني كنت أعرفه في أحد الدروس، عندما كنت في الصف السادس الإبتدائي.

أردفت أمنية بخبث:
_من هو ذلك الصديق إذاً؟ كيف تمكنتي من تذكره بعد كل تلك السنوات؟ كما أنني أراهن بأنه تغير كثيراً منذ آخر مرة قمتِ برؤيته فيها.

أردفت ببرائة وأنا أنظر إلى السماء بإبتسامة:
_لم يتغير كثيرًا، مازال محتفظاً بملامحه الوسيمة.

أردفت نيرة بغمز:
_أوه يبدو بأنكِ وقعتِ في الحب أيتها الشقية.

لم أكن أعلم بأن مشاعري واضحة إلى هذا الحد، كما أنني إنزعجت كثيرًا من علمهم بمشاعري؛ فقد تعرفت علي نيرة وأمنية في الجامعة، أي أنه لم يمض وقت كاف يجعلني أتعرف إليهم جيدًا؛ لذلك لم أكن أريد أن يعرفوا ذلك السر.

كانت نيرة زميلتي في المدرسة لسنوات عديدة، ولكننا أصبحنا أصدقاء في الجامعة، بينما تعرفت علي أمنية لأول مرة في إمتحانات الصف الثالث الثانوي.

كانت أمي توصلني إلى مقر الإمتحان في الصف الثالث الثانوي، وفي إحدى المرات عرضت عليها أمنية أن تأتي معها؛ لشراء عصير من بقالة قريبة من مقر الإمتحان؛ نظرًا لأن أمنية لم تكن تعرف تلك المنطقة جيدًا.

قامت أمي بتوبيخها في ذلك اليوم؛ فكيف لها أن تثق في إمرأة غريبة لا تعرفها، وتطلب منها الذهاب معها إلى البقالة؟ كانت ذلك الموقف هو أول موقف تعرفت فيه على أمنية.

نظرت إليهم بضيق وأردفت:
_هل مشاعري واضحة إلى هذا الحد؟ كنت أظن بأنني أجيد إخفاء مشاعري.

أردفت أمنية بخبث:
_نعم واضحة للغاية، أخبرينا من هو ذلك الشخص؟ أنا متحمسة لمعرفة هويته.

أردفت بخجل:
_كريم، ذلك الفتي الذي كانت المعيدة تقوم بسؤاله في السكشن.

أردف أمنية بدهشة:
_نحن نعرف كريم جيدًا؛ فالجامعة كلها تعرفه، كما أنهم يلقبونه بالوسيم؛ لذلك أنصحك بنسيانه يا ندى؛ سيكون من الصعب أن يلتفت شخص مثله إليكِ.

لم ألتفت لكلام أمنية أبدًا، ولم أشعر بالحزن عند سماعه؛ فقد كانت سعادتي برؤية كريم بعد كل تلك السنوات قادرة على التغلب على أي كلام سييء.

عدت إلى البيت في ذلك اليوم، ونمت علي سريري كالعادة، ثم قمت بفتح الفيسبوك الخاص بي، وبدأت في البحث عن حسابه؛ أردت أن اتأكد إذا ما كان هو كريم الذي كنت أعرفه منذ سنوات، أم أن الأمر قد إختلط عليَ.

عندما نجحت في العثور على صفحته الشخصية علي فيسبوك، تأكدت من أنه كريم الذي كنت أعرفه، فقد كان متخرجًا من نفس المدرسة، كما أنه كانت توجد العديد من الصور له على حسابه، صور له عندما كان صغيرًا.

أغلقت هاتفي وأنا أشعر بالسعادة، لا أخفي عليكم أن سبب سعادتي أيضًا هو شعوري بأن القدر جمعنا مرة أخري؛ لو لم يكن الأمر خيرًا لي لم أكن لأتعرف عليه بعد كل تلك السنوات أليس كذلك؟ كان من الممكن أن أمضي سنوات الجامعة كلها بدون أن أتمكن من التعرف عليه، ولكن ها هو القدر قد جعلني أتعرف عليه منذ السنة الأولي.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي