قصة حقيقية

Magnona Chan`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-18ضع على الرف
  • 11.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

البارت الأول

مضت طفولتي في الشجار بين والديَ، كانت أمي دائما ما تصرخ وتتذمر من حياتنا، كانت دائما ما تهدد أبي بتركنا والذهاب بعيدًا حيث لا أحد يعرفها وتبدأ حياة جديدة بعيدة عنا، كنت انا وأختي ننظر إليهما ونحن نبكي فيلاحظ أبي وجودنا ويسمع صوت بكاؤنا فيلين قليلًا ويتوسل إلي أمي بأن لا تتركنا وتذهب بعيدًا.

كنت أعلم في هذه اللحظة أنه قد تخلي عن كرامته وعن الغضب الذي بداخله وتخلي عن قول الكلمات التي يود قولها فقط كي لا نمضي انا وأختي بقية حياتنا بدون أم.

لكن تصرفات أبي وضعفه أمامها كان يزيد أمي قوة وجبروتًا وتزيد في تهديداتها حتي أنها كانت ترغم أبي علي فعل أشياء لا يقوي عليها في مقابل إستمرار بقائها معنا، كان أبي علي الرغم من بساطة مرتبه إلا أنه كان يحاول التصرف في بعض النقود ويشتري لها ما تريد كهاتف محمول جديد مثلًا أو أثاث جديد.

كان يعتقد بأن طلباتها ستنتهي بمجرد أن يلبيها لكنها كانت تزيد وتزيد في هذه الطلبات حتي أنه كان يضطر للعمل لوقت إضافي.

كان أبي مغتربًا حتي قبل زواجه من أمي وكان ذلك يريح أمي بعض الشئ فعلي الأقل ليست مضطرة علي تحمله سوي شهرين في كل عام، كان يعمل في الغربة ليل نهار كي يرضيها ثم يبعث لها مرتبه كاملًا بعد أن يترك بعض القروش لنفسه لدفع الإيجار والطعام.

كبرت وانا مفتقدة للحب والإهتمام، كبرت بين الشجارات المستمرة بين والديَ، كانت أمي دائمًا ما تشعرني بأنني لا أستحق أن يحبني أحد ولا أستحق الإهتمام، كانت دائمًا تشعرني بأنني نكرة لا يوجد معني لوجودها في الدنيا ولكنني لا ألومها علي ذلك فهي لم تفعل سوي ما رأته من أهلها في الماضي.

لكن رغم ذلك كان عليها أن تعلم بأن كل جيل يختلف عن الآخر وأنها لا تستطيع تربيتنا كما ربتها أمها لكن أعتقد أنها لم تستطع معرفة ذلك، وربما كانت تعلم ذلك وحاولت تغيير طريقتها لكنها لم تفلح.

لا أتذكر أن أمي قامت بإحتضاني في حياتي ولو لمرة واحدة، حتي عندما كنت أبكي كانت تجلس أمامي وتوبخني وهي تسألني عن سبب بكائي وتخبرني بأنني ناكرة للنعم.

كانت تري أنني يجب أن أكون سعيدة بما أنني أعيش حياة جيدة وأشتري ما أريد وآكل الطعام الذي أريده لكنها نسيت أن الحياة لا تتلخص في الماديات، كنت بحاجة إلي الحب والحنية أكثر من ذلك الطعام الذي لا يفيد بشئ بعد تناوله بعدة ساعات وأكثر من ذلك الفستان الذي أفرح لساعات محدودة عند شرائه ثم لا يلبث أن يصبح عاديًا بالنسبة لي.

كانت الحنية ستترك أثرًا طيبًا في قلبي يستمر لآخر حياتي، أصبحت خائفة من ألا أستطيع أن أقدم لأولادي ما لم تقدمه لي أمي، كنت دائما أخاف من مقولة 'فاقد الشئ لا يعطيه' لم أكن لأريد إنجاب أطفال ثم تربيتهم بنفس الطريقة التي تم تربيتي عليها، لا يستحق أي طفل في هذا العالم أن يكبر كما كبرت، ولا يستحق أن طفل في هذا العالم أن يذهب إلي المدرسة كل يوم وعيناه مملوئتان بالدموع.

عندما كنت في المدرسة كنت أذهب إلي المدرسة بحثًا عن شخص يهتم بي، حتي أنني وقتها وافقت علي صداقة فتاة كانت تريد إستغلالي، كانت تلك الفتاة لا تحبني بل كانت تتدعي صداقتي فقط لأنها تريد أن تغش مني الأسئلة في الإمتحانات.

مازلت أتذكر توبيخ المعلمة لي عندما علمت بأن تلك الفتاة تغش مني الإمتحان كما لو أنني كنت المخطئة في هذا، أقسم أنني حاولت أن أمنعها أن تغش مني الإمتحان لكنها كانت كل مرة تغش مني بأساليب عجيبة.

كانت تقوم بجميع أنواع الحيل فقط كي تقوم بالغش مني، كأن تسألني عن تاريخ اليوم فأبعد يدي عن الورقة كي أنظر إلي ذلك التاريخ الذي كتبته وأخبره بها.

كانت تستغل سذاجتي وتنجح دائمًا في الغش مني حتي أن تلك المعلمة أخبرتني أن أوراق الإمتحان الخاصة بنا تشبه بعضها وكأنها ورقة واحدة، حتي أنها لم تكلف نفسها بتغيير بعض الكلمات أو تغيير تنظيم الورقة، لقد كانت تغش مني كل كلمة كما كتبتها وحتي إذا قمت بكتابة كلمة خاطئة ثم قمت بشطبها كانت تفعل مثلي وكأنها تنسخ ورقتي كما تفعل الآت التصوير.

في ذلك اليوم الذي تعرضت فيه للتوبيخ بكيت كثيرًا لكنني لم أستطع الشكاية لأي حد، إكتفيت بالبكاء في الفصل بعيدًا عن زميلاتي، كنت أعلم أنني إذا أخبرت أمي بما حدث فإنها ستقوم بتوبيخي ونعتي بضعيفة الشخصية التي لا تستطيع أن تمنع فتاة من أن تستغلها وتغش منها.

رغم أن كل ما كنت أحتاجه في ذلك الوقت هو حضن يقوم بطمأنتي وتهدأتي بعد ذلك التوبيخ الذي تعرضت له، لم أكن لأتحمل تعرضي للتوبيخ مرة أخري لذلك صمت وإكتفيت بالإبتعاد عن تلك الفتاة وقطع علاقتي معها.

كنت أدرس طوال الوقت في المرحلة الإبتدائية والإعدادية ثم ألعب مع أختي بالدمي في يوم الخميس من كل أسبوع بعد إنتهائي من حفظ دروسي.

كنت دائمًا أشعر بالغيرة من تلك الفتاة الموجودة معي في الفصل منذ الصف الأول الإبتدائي والتي كانت تتعرض لمعاملة خاصة من المعلمات ومن زميلاتي، كانت تلك الفتاة تحظي بتلك المكانة لأن والديها لديهما مكانة مرموقة في المجتمع فهما يقومان بتدريس الطلاب في جامعة الطب.

كنت صغيرة في ذلك الوقت، وكنت أتمني لو أحظي بربع ذلك الإهتمام والحب اللذين تحظي بهما تلك الفتاة، وطبعًا والدتي كانت دائمًا تزيد من كراهيتي وغيرتي تجاه تلك الفتاة خاصةً إذا حصلت تلك الفتاة علي نتائج أفضل مني في الإمتحانات.

أتذكر أنني في كل مرة أري فيها نتيجتي في المدرسة كانت أمي تسألني عن نتيجة تلك الفتاة، إذا حصلت تلك الفتاة علي درجة أقل مني كانت تقوم بتشجيعي وإذا حصلت أنا علي درجة أقل من تلك الفتاة كانت تقوم بتوبيخي ومنعي من اللعب.

أعلم أن أغلب الأمهات يتبعون تلك السياسة لتربية طفلهم عندما يحصل علي درجات قليلة في الإمتحان لكنني كنت حقًا قد بذلت وقتها كل ما في وسعي ولم أكن أستحق العقاب، كنت فقط بحاجة إلي التشجيع حتي وإن حصلت علي درجة أقل منها.

كنت بحاجة إلي أن يتقبلني أهلي كما أنا حتي عند حصولي علي المركز الثاني بدلًا من المركز الأول، كانت أمي تعتقد بأن كلامها ذلك سيجعلني أذاكر أكثر وأكثر لكنه كان يحبطني ويقلل ثقتي من نفسي.

طوال سنوات كانت أمي تقلل من ثقتي بنفسي حتي إنعدمت ثقتي بنفسي، بل وأصبحت تحت الصفر، كنت وقتها عبارة عن آلة تذاكر طوال الوقت فقط كي لا تتعرض للتوبيخ، كنت فاقدة لثقتي في نفسي ومفتقدة لإحساس الحب لدرجة أنني كنت أذاكر فقط كي أسمع منها كلمة واحدة وهي 'أحسنتي'، رغم أنها قد تبدو كلمة تافهة لكم إلا أنها كانت تشعرني بالرضا لبعض الوقت.

عندما كنت في الصف الرابع الإبتدائي كانت مدرستي لا تعطينا جدول الإمتحانات في ورقة مطبوعة، بل كانو يعلقون الجدول في الفصل وكنا نقوم بكتابته في كراساتنا، كان ذلك الجدول هو جدول اللغة الإنجليزية الإضافية والقرآن الكريم وكنا دائمًا ما نقوم بإمتحان هاتين المادتين قبل باقي المواد الأساسية، في ذلك اليوم كنت مريضة فذهبت إلي المدرسة كي أرَ الجدول في اليوم التالي، لكنني فوجئت عندما لم أره معلقًا علي الحائط، سألت إحدي زميلاتي في ذلك الوقت وأخبرتني أن الإمتحان سيكون في اليوم الثاني والعشرين من هذا الشهر، عندما ذهبت إلي البيت أخبرت أمي بموعد الإمتحان وبدأنا في التجهيز لذلك الإمتحان.

جاء يوم الإمتحان وذهبت إلي المدرسة لتأديته، ولكنني كنت مندهشة من عدم وجود أي من زملائي في المدرسة، صعدت إلي الطابق العلوي وسألت المعلمة عن الفصل الذي سأمتحن فيه لكنها كانت مندهشة للغاية.

أردفت المعلمة بدهشة:
_ألست في الصف الرابع الإبتدائي يا ندي؟ ما الذي أحضرك اليوم؟ لقد كان إمتحانك في البارحة!

نظرت إلي المعلمة بدهشة ولكني طبعًا لم أصدق كلامها فكيف لي أن أفوت يوم الإمتحان، مررت بكل الفصول الواحد تلو الآخر وإكتشفت بأنها كانت محقة، وأنني حقًا قد قمت بتفويت يوم الإمتحان، ذهبت إلي البيت وأنا أجر خيبات أملي ورائي وكنت خائفة للغاية من ردة فعل أمي.

كنت أعلم أنها ستوبخني كثيرًا كما أن ذلك التوبيخ لن يستمر ليوم واحد بل سيستمر لأيام طويلة لكنني كنت مضطرة إلي العودة إلي المنزل وإخبارها ربما تحاول إصلاح ما حدث.

وصلت إلي البيت وقامت أمي بفتح الباب لي وكان يبدو علي وجهها الدهشة الشديدة نظرًا لأني عدت مبكرًا، كانت أمي تعلم أن إمتحان اللغة الإنجليزية يستغرق ساعتين، بينما يستغرق إمتحان القرآن الكريم ساعة واحدة؛ لذلك أصابتها الدهشة من عودتي إلي البيت بعد ساعة واحدة من مغادرتي إياه.

أردفت أمي بخوف:
_ما الذي عاد بك إلي المنزل في ذلك الوقت!

كنت خائفة للغاية لكنني أضطررت إلي إستجماع شجاعتي وإخبارها بما حدث، أردفت بتوتر وبصوت منخفض:
_لقد أخبروني بأن إمتحاني قد تم عقده في اليوم السابق، لم يسمحوا لي بأداء الأمتحان اليوم وأصروا علي منع دخولي من الإمتحان.

أردفت أمي بغضب:
_ألستِ أنتِ من قال لي أن الإمتحان سينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر! كيف يمكنك إرتكاب مثل هذا الخطأ!

نظرت إلي الأرض ولم أعلم ما الذي يجب علي قوله، لكنني رأيت أمي تدخل إلي البيت فدخلت ورائها لأعلم ما ستفعله، كانت أمي تقوم بكي ثيابها كي تذهب معي إلي المدرسة وتحاول إقناعهم بأن يقوموا بإدخالي إلي الإمتحان.

عندما إنتهت أمي من إرتداء ملابسها ذهبنا معًا إلي المدرسة، دخلت أمي إلي غرفة مدير المدرسة وخرجت من تلك الغرفة وهي تبكي، لم يسبق لي أن رأيت أمي وهي تبكي سوي مرات معدودة، كنت ألعن نفسي لأنني السبب في تلك الدموع التي كانت في عين أمي.

أخذتني أمي بعدها وذهبنا إلي إحدي المعلمات وكانت أمي تتحدث معها وتبحث عن حل، لكن المعلمة أخبرت أمي بأنها هي أيضًا حاولت إقناع المديرة لكن المديرة رفضت رفضًا قاطعًا، ظلت أمي تدخل وتخرج من غرفة المديرة لمرات عديدة، ولكن ذلك كان بلا فائدة تذكر فقد كانت المديرة مصرة علي جعلي أؤدي ذلك الإمتحان في الدور الثاني.

عدنا بعدها إلي البيت ولم تقم أمي بتوبيخي، ذهبت إلي سريري ونمت عليه وانا نادمة للغاية علي ما حدث، رغم أنه لم يكن خطأي إلا أنني كنت أشعر بالذنب، كما أنني كنت أعلم أنني سأضطر إلي الإمتحان علي المنهج الخاص بالفصلين معًا وليس فقط الفصل الثاني.

غرقت في النوم من التعب وعشت أيامًا سيئة مليئة بالتوبيخ، كنت أذهب في إجازتي إلي المعلمة كي تقوم بالمراجعة علي منهج الفصلين معاً، في الوقت الذي كان زملائي يلعبون فيه كنت انا أدرس وأذهب إلي المعلمة، دخلت إلي الإمتحان بعدها بشهرين وحصلت علي الدرجة النهائية لكن ذلك لم يسرني ولم يسر أمي أيضًا.

في اليوم الخاص بتكريم اوائل المدرسة كانت المدرسة تقوم بتكريم اوائل المرحلة الإبتدائية كلها في يوم واحد، وكانت أختي التي تصغرني بعام واحد من الأوائل فذهبنا إلي الحفل كي ندعمها، عندما ذهبت مع أختي وأهلي إلي ذلك الحفل رأيت أصدقائي الذين أخذوا المراكز الأولي وقد إندهشوا عند رؤيتي.

أردفت إحداهم بدهشة:
_ما الذي تفعلينه هنا يا ندي؟ لا أتذكر أنني قد رأيتك في قائمة الأوائل.

أردفت الأخري بخبث:
_هل أتيتي كي ترينا ونحن نتسلم الهدايا الخاصة بنا؟ كنا نتمني رؤيتك معنا يا ندي، لكن للأسف لست من الأوائل هذا العام، حظًا أوفر في المرة القادمة يا صديقتي.

ثم ذهبوا بعيدًا عني وهم يضحكون، لم أستطع وقتها التحكم في نفسي وذهبت إلي الحمام ولبثت في البكاء، كان يجب أن أكون معهم حتي أنه كان يجب أن أحصل علي المركز الأول لو لم يحدث ذلك معي، فقد حصلت علي الدرجات النهائية في جميع المواد، ولكن نظرًا لأنني قمت بإمتحان هاتين المادتين في الدور الثاني لم أتمكن من أن أكون من ضمن الأوائل.

مسحت دموعي وعدت إلي أهلي كي لا تحزن أختي عندما تكتشف أنني لست موجودة بجانبها لتشجيعها، فقد كان يكفي أن أمي قد أتت إلي ذلك الحفل مرغمة.

كانت أختي قد حصلت علي المركز الخامس وكانت أمي تخجل من حضور ذلك الحفل الذي حصلت فيه إبنتها علي المركز الخامس بدلًا من الأول.

كنت أريد أن أثبت لأختي بأنني فخورة بها وبالنتيجة التي حصلت عليها بمجهودها، كنت أريد تشجيعها والوقوف بجانبها بدلًا من جعلها تشعر بعدم التقدير وأن ما فعلته ليس كافيًا.

لم أكن أرغب أن تشعر أختي بما تجعلني أمي أشعر به دائمًا لذلك نسيت حزني وسعدت لفرحتها.

منذ تلك الأزمة التي تعرضت لها في الصف الرابع الإبتدائي عزمت علي أن أكون أكثر إجتهاداً، عزمت علي أن أكون أكثر تفوقًا وأن أجعل تلك المديرة التي رفضت دخولي إلي الإمتحان تندم للغاية.

أحياناً أفكر إذا ما كان ما حدث معي في الصف الرابع الإبتدائي سببًا في بقائي متفوقة طوال حياتي، أحيانًا أشعر بالإمتنان تجاه ذلك الموقف الذي جعلني أكثر إصرارًا علي التفوق.

ولكن أحيانًا أخري أشعر بالغضب مما فعلته المديرة بي في ذلك اليوم والذي ترك أثرًا عميقًا في قلبي لا أعتقد بأنه سيزول حتي مماتي.

كانت هذه الإجازة هي الأسوأ علي الإطلاق فقد تعرضت فيها لجريمة أخري بشعة مازلت أتذكرها حتي الآن، جريمة ختان الإناث.

مازلت أتذكر عندما أخذتني جدتي معها إلي محلات الملابس؛ لشراء بعض الملابس المناسبة لهذه العملية، أي الملابس التي يجب إرتدائها بعد العملية، فقد كان من المحظور بعد العملية أن أرتدي البناطيل، وكان يجب أن أرتدي الجلابيب الفضفاضة.

مازلت أتذكر بكائي وتوسلي إليهم بأن يتراجعوا عن قرارهم رغم أنني لم أكن أعلم في ذلك الوقت أن تلك العملية حرام وليس لها أساس من الصحة، لقد كنت فتاة صغيرة خائفة من العملية التي لم أكن أري لها أي داعي.

ربما كان تعرضي لهذه التجربة سببًا قويًا في حرصي علي منع حدوث تلك الجريمة لفتيات أخري عندما أصبحت راشدة، كنت أشارك في كثير من حملات التوعية التي تنادي بمنع ختان الإناث وتحدث الناس عن أضرارها ومساوئها.

أشعر بالسعادة الشديدة عندما أتمكن من إقناع الأبوين بعدم إجراء تلك الجريمة لإبنتهم، لم أكن أريد لأي فتاة أن تتعرض لتلك الجريمة مثلي.

مازلت أتذكر حتي الآن تفاصيل يوم العملية، فقد تم إجرائها في مشفي صغير وكان هناك الكثير من الصراخ في ذلك المشفي، كنت أمسك عبائة جدتي وأبكي بشدة ولكنهم لم يشفقوا عليَ.

لا أعلم إذا ما كان يجب أن ألومهم علي ما فعلوه لي أم عليَ أن أعذرهم علي جهلهم، فقد كانوا يعتقدون أن تلك الجريمة من عادات الإسلام التي يجب إجرائها لجميع فتيات المسلمين خوفًا عليهم من الفتنة.

عندما أصبحت راشدة علمت بأن تلك العملية لا تفيد بأي شيء ولا تحد من الشهوة كما يزعم الناس، إنها فقط تقوم بتشويه جسد الفتاة بدون أي فائدة تعود عليها.

كما أن الشهوة نابعة من العقل نفسه أي أن العقل فقط هو من يستطيع منعها وليس أعضاء الجسد أي أنهم يحتاجون إلي تربية إبنتهم جيدًا حتي يحموها من الفتنة بدلًا من سرقة أجزاء من جسدها بحجة الحفاظ علي شرفها.

أخبرتنا الأستاذة في الجامعة عن أضرار تلك الجريمة وأنها تقوم بتسبيب الكثير من المشاكل للفتيات خاصةً بعد الزواج.

ربما لن تصدقوا الأمر ولكن عندما أخبرت أحد الآباء الذي كان مصرًا علي إجراء هذه العملية لابنته الصغيرة عن أضرار العملية والتي كان يعاني منها شخصيًا مع زوجته التي كانت قد تعرضت للختان في طفولتها.

كان رد الأب علي كلامي' لماذا أنا الوحيد الذي سأتعذب مع زوجتي؟ أريد لزوج ابنتي المستقبلي أن يتعذب مثلي أيضًا'.

كان رده نابعًا عن جهل شديد وكأنه يريد الإنتقام مما حدث معه، لكن ما ذنب تلك الفتاة الصغيرة! ما ذنبها أن تخضع لتلك العملية لأجل إنتقامك وجشعك!

لن أتحدث كثيرًا عن موضوع الختان معكم وسأعود إلي ذكريات ذلك اليوم الذي تعرضت فيه لتلك الجريمة.

مازلت أتذكر دخولي إلي غرفة العمليات الملعونة وجلوسي علي ذلك السرير، كنت أبكي بحرقة خوفًا من الحقنة التي كان الطبيب يقوم بتجهيزها، كنت أمسك بيد جدتي عندما شعرت بالدوار وكانت الغرفة تهتز أمامي ثم غبت عن الوعي.

فتحت عينيَ بصعوبة عندما كنا في الطريق إلي المنزل، لا أعلم كيف زال مفعول البنج بهذه السرعة لكنني أتذكر حملهم لي إلي غرفتي، مازلت أتذكر رؤيتي لطريق عودتنا.

لكن كل ذلك كان مشوشًا وكأنني لم أكن مستيقظة حقًا، وكأنني كنت نصف واعية، عندما إستيقظت في اليوم التالي كنت أشعر بألم شديد.

حتي أنني لبثت في البكاء ساعة كاملة لأنني لم أستطع الحراك، كنت أشعر بالألم الشديد في كل حركة أتحركها.

مرت الأيام حتي شفيت، لكنني مازلت أتذكر صدمتي عندما رأيت ذلك الإعلان المتعلق بختان الإناث علي التلفاز، لكنني رغم ذلك حاولت إقناع نفسي بأن والديَ لن يفعلوا لي جريمة.

كنت أحاول إقناع نفسي بأنهم يعلمون الصواب وأنهم ما كانوا ليجروا ليَ ختان الإناث لو كان الأمر سيئًا كما تزعم وسائل الإعلام.

لم أعلم بحقيقة تلك الجريمة إلا عندما إلتحقت بالجامعة، ربما أحاول حتي الآن الإستشفاء من ذلك الأثر الذي تركته تلك الجريمة في نفسيتي.

كانت إحدي السنوات التي أحدثت فرقًا كبيرًا في حياتي هي السنة التي كنت فيها في الصف السادس الإبتدائي، كانت تلك السنة مميزة بالنسبة لي لأنني وقعت فيها في الحب.

دائمًا ما يقولون بأن المرة الأولي التي تقع فيها في الحب تكون مميزة، إن الحب الأول لا يُنسي مهما حاولت، ربما ستنشغل مع الحياة وتنساه لبعض الوقت لكن سيأتي الوقت الذي تتذكره فيه مرة أخري ويتجدد حبك له وكأنه وُلد البارحة وهذا ما حدث معي.

لقد رأيت كريم لأول مرة عندما أخذتني أمي إلي معلمة تقوم بشرح جميع المواد في بيتها، كان لديها مجموعة من الطلاب ولم يكن درسًا خاصًا كما إعتدت.

فقد كنت معتادة علي الدروس الخاصة التي يأتي فيها المعلمون إلي بيتي ويقومون بتدريسي بمفردي ولكن هذه المرة كنت في درس به مجموعة من الطلاب الآخرين رغم أن تلك كانت رغبتي منذ البداية، فقد كنت متحمسة لتجربة الدروس التي يكون فيها مجموعة من الطلاب.

كنت في البداية أشعر بالغرابة الشديدة كما أنني كنت خجولة فلم أكن كثيرة الكلام، كنت قد تعرفت إلي كريم في اليوم الأول الذي أحضرتني فيه أمي إلي ذلك الدرس.

أردفت المعلمة بحماس:
_ستنضم ندي إلينا في الفصل الدراسي الثاني، إن ندي طالبة مجتهدة وقد حصلت علي المركز الأول في الفصل الدراسي الأول.

ثم نظرت إلي كريم وأردفت:
_مثلك يا كريم، ستكون المنافسة شديدة بينكما.

شعر كريم بالغضب مني في ذلك اليوم خاصةً أنني قمت بسرقة الأضواء منه فقد كان جميع الطلاب في المجموعة معجبين بحصوله علي المركز الأول لكن بعد أن أتيت أنا إلي المجموعة أصبحت محل إهتمامهم بدلًا منه.

كان التنافس شديد بيننا كما قالت المعلمة في أول يوم ولكن لا أعلم ماذا حدث لي في ذلك الوقت، كنت أتحمس للذهاب إلي الدرس؛ فقط لرؤية كريم والتنافس معه، أعتقد أن ذلك التنافس تحول إلي حب في النهاية.

بعد إمتحان الرياضيات كنت أبكي بشدة لأنني نسيت كتابة ناتج مسألة ما مما كان سيعرضني إلي التراجع عن المركز الأول، كان لدينا إمتحان علوم في اليوم التالي لذلك ذهبت إلي المعلمة مباشرةً بعد الإمتحان حتي تراجع لنا مادة العلوم.

عندما رآني كريم وانا أبكي حاول بكل جهده أن يجعلني أضحك، لم يكن يريد أن أستمر في البكاء.

أردفت كريم بلطف:
_لا تبكي يا ندي، لقد فعلتِ ما في وسعك وهذا هو المهم كما أنني أيضًا أخطئت في مادة أخري وكنت حزينًا مثلك في البداية لكنني لست حزينًا الآن.

لكنني كنت أستمر بالبكاء مما إضطره إلي محاولة إضحاكي، قام بإلقاء بعض النكات التي كانت تبدو سخيفة لكنها كانت تضحكني.

هل تعتقدون أنه ربما إزداد حبي لكريم في ذلك اليوم؟ هل تعتقدون بأنني أحببته لأنه إهتم بي وبحزني في حين أنني كنت أفتقد إلي الإهتمام والحب؟ مازلت لا أعلم إجابة تلك الاسئلة حتي الآن، لكن ما أعلمه هو أنني وقعت في حبه بقوة.

في أخر يوم في تلك السنة كنت حزينة للغاية لأنني كنت أعلم بأنني لن أتمكن من رؤيته مجددًا، كنت أعتقد بأن طريقنا لن يتقاطع مرة أخري ولن أراه مجددًا، لم أكن أعلم أن للقدر رأي آخر في قصتنا.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي