أرض الجنوب المحرمة

كان روي وروفر يجلسان على طاولة طعام فخمة وكان عليها أصناف لا تعد ولا تحصى مما لذ وطاب، ومان ستيف يجلس قبالتهما.

قال استيف مادا يديه "تفضلا يا رفيقاي، فليس كل يوم يأتينا زوار هنا"

قال روي وهو يمد يده الى بعض أصناف الطعام ورأسه يعمل كالآلة يفكر "لم تخبرني يا روفر كيف تعرفت على ستيف"

قال روفر وقد بدأ بالأكل على مضض هو الآخر "كان بيننا أعمال فيما مضى"

ضحك ستيف قائلا "لا تخجل يا كابتن، أخبره من أكون"

ابتسم روفر ابتسامة مصطنعة قائلا "ستيف هو اليد اليمنى للملك روي"

توقف الطعام بحلق روي وتراجع في دهشة "مساعد الملك؟ وماذا يفعل مساعد الملك في أرض حرم دخولها الملك!"

غمز له ستيف قائلا "حرمها الملك لسبب يا صغير"

روي "بسبب الزهرة؟"

ستيف "بل بسبب خطورة الأبحاث العلمية"

روفر "لكنك لم تقل لي سابقا أنك تقوم بأبحاثك هنا ستيف"

ستيف "لأنها شديدة السرية بالطبع"

قال روي وهو يتناول طعاما "أي أبحاث هذه التي تقصدها، مثل تلك التي ابتكرتم بها الهالات المخادعة؟"

ستيف "هذا هو تماما، ندرس السحر هنا"


روي "ومن بالتحديد المتاح لهم الدراسة"

ستيف "أصحاب الرؤية والشغف، أمثالك يا صغير"

روفر "ستأخذه ليساعدك في أبحاثك ستيف؟"

ستيف "أفكر بذلك، لكن لننتهي أولا من مشكلة الأنوبيسية تلك"

تابعوا أكلهم بصمت وروي لم يتوقف عن التفكير، لقد ألقوا القبض على تي وبالطبع لم يكونوا ليفرجوا عنها أبدا فهي العدو. وقد كذب روفر قائلا بأنه كان قد أمسكها في الصحراء وأخذها معه وهو يساعدني في مهمتي لأنني ساعدته في أحد أعماله.

وقد أرسلوا رسالة للملك يخبرونه بها عن الأنوبيسية وهم في منتهى السعادة أن خطتهم البلهاء قد نجحت.
كان يجب أن يجد تي ويخرجوا من ذلك المكان بأسرع وقت ممكن، لكنهم كانوا أكثر منه قوة... لكن ليس ذكاء.

ابتسم روي وهو يقول "الى أن تنتهوا من أمر الأنوبيسية هل لي بشيء أقرأه فأزداد علما؟"

لمعت عين ستيف وهو يقول "شغوف بالعلم، كم يسعدني رؤية ذلك"

نادى ستيف أحد رجاله قائلا "عندما ينهي الصغير طعامه دله على المكتبة رجاء"

وقف روي مبتسما "لقد أنهيت طعامي بالفعل شكرا لإستضافتك الرائعة هذه"

ليقول هذا وتقع عينه في عين روفر وهو يتبع الرجل الى مكان المكتبة.

كان الممر المؤدي الي المكتبة غريبا، فقد كانت هناك أقفاص عن يمين ويسار الممر كلها مليئة بكائنات غريبة المظهر ذات هالات خافتة تماما مثل ذلك الكائن الذي قتله روي في الصحراء، هل كان من صنعهم؟ وما هي أفعال هؤلاء القوم بالتحديد.

دخل روي الى المكتبة فاذا هي فسيحة مليئة بالكتب عن آخرها، كان بعدها خرائط عديدة معلقة على الحوائط ورجال هنا يقرأون ورجال هناك يبحثون عن شيء وسط الكتب الغفيرة.

خرج الرجل الذي كان مع روي وأقفل الباب وراءه ليتجه روي الى رفوف الكتب ويتجول نظره عليها.
وقعت عينه على رف كامل تعلوه كلمة أنوبيسيين، جيد.

اتجه نحوه وبدأ يفر في الكتب
تاريخ الأنوبيسيين، أرض الأنوبيسيين، حكام أنوبيس، ما هو الأنوبيس، قوى الأنوبيسيين.

نعم! أمسك روي بالكتاب وذهب ليجلس على احدى الأرائك وبدأ يقلب صفحات الكتاب، لقد كان على علم بقوى الأنوبيسيين وكان يستطيع حماية عقله من هجماتهم، لكنه كان يحتاج الى معرفة شيء آخر، كيف يتواصل الأنوبيسيون سويا! لربما استطاع بطريقة ما الحديث مع تي ومعرفة مكانها. قد كان هؤلاء القوم حقا أذكياء فهو حاول الوصول الى هالتها دون أي جدوى، أم أنهم قتلوها بالفعل؟ لم يكن هذا منطقيا فبالطبع سيحاولون الحصول على قلبها فهم مولعون بالقوة مثله تماما.

بينما كان روي يتصفح الكتاب اذا بأحد يجلس بجانبه.

روفر "ماذا تفعل روي"

رفع روي عينه لروفر ثم همس له قائلا "أريد حقيبتي"

نظر روفر أمامه دون أن يجيب، ثم قام من جانب روي مجددا.

فجأة لمعت عينا روي بعد أن قرأ شيئا في الكتاب وقام بسرعة نحو الباب ليخرج، لربما استطاع استغلال ذلك لصالحه.

طلب روي من أحد الرجال المنتشرين أخذه الى ستيف، وقد كان فعلا.

قال ستيف وهو يرى روي داخلا عليه بابتسامة خبيثة، ليردها هو أيضا بابتسامة مماثلة. كان يرى في روي نسخة مصغرة منه، كأنه هو تماما في شبابه باندفاعه وطيشه وطموحاته العالية.

ستيف "هل أعجبتك المكتبة؟"

روي "بها كتب لم أرها بحياتي، وأنا الذي لم يترك كتابا في العاصمة الا وقرأه"

طالعه ستيف بدهاء "حتى كتب مكتبة القصر؟"

ليهز روي كتفيه ثم يقول "لدي طرقي"

اقترب روي من مجلس ستيف وجلس قباله قائلا "لقد كنت أفكر في شيء في الحقيقة، وأردت أن آخذ رأيك به"

قال ستيف وهو يحتسي مشروبا بيده "وما هو"

قرب روي جسده منه وقال هامسا "هل أستطيع الوثوق بك؟"

ستيف "لقد تعرفنا منذ أقل من يوم لكن لك كلمتي"

روي هامسا "في الحقيقة... تلك الأنوبيسية، كنت أنوي اختطافها من روفر"

هز ستيف رأسه متفهما "كنت لأفعل الشيء نفسه، لكن كيف كنت لتقنعها بأن تعطيك قلبها"

ابتسم روي واسترخى الى الوراء "سأوقعها بحبي بالطبع، تعلم كم هم حمقى"

اتسعت ابتسامة ستيف حتى تحولت لضحكة "تعجبني كثيرا أيها الشاب"

روي "في الحقيقة، أرى أن اعطائها للملك اهدار لما يمكن فعله بها"

تجهمت ملامح ستيف وهو يقول "أنت تنطق بالخيانة يا صغير انتبه"

روي "لا لا، ليست خيانة صدقني، فقط تخيل ما يمكن التوصل اليه ان أجريت عليها الأبحاث"

ظل ستيف ينظر اليه وفي يده شرابه دون أن ينطق، هل كان يقلب الفكرة في رأسه؟

قال روي في محاولة أخرى لاقناعه "يمكننا استخدامها لملئ كتب أخرى عن قواهم، اليس ذلك في مصلحة الملك والحكم؟ أن نفهم أعداءنا أكثر؟"

فجأة تأهب جسد روي، لقد كان أحدهم يحاول الوصول الى عقله، تي؟
أنزل الحواحز الحامية عن عقله وأسند ظهره للخلف وهو ينظر لستيف

(روي... روي أخيرا استطعت الوصول اليك حمدا للرب)

قال روي مبتسما "بهذه المناسبة ستيف، لقد كنت أريد أن أسألك عن حقيبتي"

ستيف "اه نعم، لقد كان معك حقيبة عندما أمسكك رجالي"

أومأ روي بالايجاب

تي (روي آمل أنك تتذكر هالتي، لو تستطيع التركيز على الرمز المشابه لحبات التوت المعلقة، حاول تفعيله)

المشكلة أنه لم يكن يستشعر هالتها بالأساس

ستيف "تلك الحقيبة، ما بها؟"

روي "لا شيء مهم فقط أغراض تخصني أحضرتها معي لرحلتي"

ستيف "لكن رجال مختبري أخبروني بأنها ينبعث منها طاقة هائلة، ولم يستطيعوا فتحها"

تي (روي هل تسمعني؟ حاول تفعيل الرمز أرجوك)

روي "ربما لأنها مسحورة، لكن لا شيء يذكر بداخلها"

أومأ ستيف رأسه بالايجاب وأكمل مشروبه.

قال روي مستفسرا "هل تعلم عن معنى رمز التوت المعلق في الهالات؟"

لم يجب ستيف مباشرة لكنه في النهاية قال "انه رمز تدمير لا يولد به الا قليل من الناس ولا يمكن الحصول عليه"

أومأ روي رأسه علامة الفهم ثم استأذن في الرحيل. كان رأسه يكاد أن ينفجر، ما هو فاعل الآن؟ لقد حاول اقناع ستيف بابقاء تي هنا ولا يعلم ان كان قد نجح أو لا، ثم تي التي لا يستطيع ايجادها، ولم كانت تطلب منه تفعيل رمز تدمير؟ ما هو رمز التدمير أصلا!

سمع روي صوتا يناديه من خلفه ليلتفت فاذا هو روفر

روي "أين كنت روفر"

روفر "أتجول في المكان"

روي "هل وجدت حقيبتي؟ أشك ان ستيف ذاك سيعطيني اياها بل أظن أنه يشك فينا"

أومأ روفر رأسه بالنفي "لم أجدها للأسف، هذا المكان كبير كالمتاهة"

لتلمع عين روي ويبتسم، كالمتاهة..
تماما هذه هي!

افترش روي الأرض وأغمض عينيه مبتسما، الهواء.
الهواء لا يكذب أبدا.
وما هي الا ثواني وكان قد حدد مكان حقيبته، ليس حقيبته بالتحديد ولكن مكان نيروز.

وقف روي واقترب من روفر وهو يبتسم ثم قال هامسا "يجب أن نخرج من هنا روفر"

أغمض روفر عينه وهو يقول "بالطبع يجب أن نخرج، أنت لا تعلم من هو ستيف"

هز روي رأسه "بل علمت ما يكفي عن ماهيته"

تحرك روي وبجانبه روفر متجهان الى حيث استشعر روي تنينه، كان يوقفهم بعض الرجال ليسألوهم عن هويتهم ولم هما لا يرتديان الزي الأبيض الموحد لكنهما كانا يجيبان بأنهما فقط زائران من طرف الملك.

وقف الاثنين أمام باب كبير، ليقول روي وهو يأخذ نفسا عميقا

روي "آمل أنك مستعد للثوان القادمة روفر"

ليعقد روفر حاجبية قائلا "نحن أموات على أي حال"

فجأة دوى الباب وفتح على مصراعية واشتدت الرياح في الغرفة بينما ركض روي الى حيث كانت الحقيبة، ليفتحها بسرعة ويخرج نيروز منها صارخا بقوة هزت أرجاء المكان.

ولك أن تتخيل كيف هي قوة الرياح التي دخلت الى تلك المباني وقتها، وكيف أن كل شيء كان ينهار حرفيا بسبب قوة الرياح التي انتزعت كل شيء من مكانه

قال روي لنيروز وهو يخبئ عينيه من الهواء "أيمكنك ايجاد تي يا نيروز؟"

لينظر له نيروز ويحرك جناحيه بقوة ثم يستدير محطما الحوائط المعدنية

نيروز "اصعد انت وصديقك على ظهري روي"

ليشعرا كلاهما بالهواء يرفعهما ويضعهما على ظهر نيروز، ثم يطير التنين خارجا من الكهف المدمر.

قال روي صارخا "تي يا نيروز!"

نيروز "لا تقلق يا صديق، انه الهواء آت بها الينا"

وما هي الا لحظات وكانت بالفعل تي قد هبطت بها الرياح على ظهر نيروز الذي طار بهم بعيدا في هواء الصحراء.

نظر روي لأسفل ورأى الجبل الذي أصبح من مستوى الأرض، ليس هذا مبشرا بالخير أبدا

قال نيروز بصوته العميق "كيف تورطتم هناك يا روي"

تنهد روي قائلا "سوء حظ، لقد صنعت عداوة مع الأشخاص الخاطئين هذه المرة"

روفر "لا روي، لقد صنعنا عداوة مع جيرڤينيا كلها"

كانت أجنحه نيروز العملاقة تضرب الهواء بقوة مرتفعا في السماء

نيروز "الى أين الآن يل روي"

روي "سنتخطى الحدود نيروز، الى الدولة المجاورة"

نيروز "أرض الرحالة"

روي "لا حل آخر، وروفر هلا أرسلت اشارة لطاقمك بمكاننا؟ فلن نستطيع التنقل هناك بدون سفينة"

أومأ له روفر بالايجاب

التفت روي الى تي التي كانت صامتة "هل أنت بخير تي؟"

تي "أظن ذلك... وأنتما؟"

ابتسم روي وهو يقول "جميعنا أحياء"

روفر "أحياء الآن، والمملكة كلها ستكون في أثرنا خلال ساعات"

قال روي ضاحكا "ابتسم روفر، ليس كل يوم تصبح مطلوبا للعدالة. ثم ان الشعب لو علم بوجود ذلك المكان والتجارب التي تقام فيه لهدموا القصر على الملك على جميع أعوانه"

هز روفر رأسه قائلا "أنت حالم روي، لا أحد يعترض الملك"

عقد روي حاجبيه وهو يقول "ليس ان علموا أنه يقيم التجارب على بشر"

شهقت تي وهي تقول "بشر؟!"

ليجيب روي قائلة "ذلك الوحش الذي قتلناه... لو تتذكران لم أكن أعلم ما هو بالتحديد لكنني الآن فهمت، انه بشري أقاموا عليه تجاربهم فتحول الى ذلك المسخ"

روفر "لكن ذلك... شيطاني"

روي " بل الأدهى من ذلك أنك لا تعلم أعداد من ماتوا اثر تجاربهم تلك، ولا يمكنك معرفة ذلك أبدا"

قالت تي بعد صمت لم يدم "لم لا نتجه الى أنوبيس؟ الم تعدني برؤية أبي؟"

نظر لها روي قليلا قبل أن يجيب "نهبط في أرض الرحالة نستجمع شتات أفكارنا ثم نرى ماذا نحن فاعلون"

وفي الحقيقة هو لم يكن يريد أن يذهب الى أنوبيس بهذه السرعة، فربما هو استمتع قليلا بصحبة روفر وتي. لو كانت المغامرة التي خاضها لوحده كانت ستكون مملة كجميع مغامراته الأخرى

قال نيروز قاطعا الصمت "وماذا تظن سيحل بوالك روي"

عقد روي حاجبيه قائلا "صحيح أبي..."

مر الوقت صامتا وكان الليل قد بدأ يهبط وتتبدل الأنوار بالظلام، كانوا يطيرون في صحاري تحيط بهم من كل جانب وقد كانت أرض الرحالة أيضا أغلبها صحاري.

قال نيروز "لقد تخطينا الحدود يا روي، هل تريد الهبوط الآن؟"

روي "اهبط بنا"

وما هي الا دقائيق وكانوا جميعا على الأرض، وعاد نيروز الى حقيبة روي بعد أن قلص حجمه.

أشعل الجماعة نارا وجلسوا حولها، وأرسل روفر رسالة الى طاقمه بمكانهم باستخدام جهاز تحديد مواقع وجلسوا في صمت يحدقون جميعا بالنار.

ماذا كان سيحل بهم جميعا بعد ذلك؟ بعد أن عادوا الملك وحاشيته شخصيا! روفر كان يفكر بطاقمه وبأهليهم، فهو لا أحد لديه ليخاف عليه، أما طاقمه؟
فهم كانوا سبب تورطه في كل هذا من الأساس!

بينما كان روي يفكر بوالده وما الذي سيفعله به الملك ان علم أن ابنه كان سببا في ضياع كل ذلك العلم...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي