داخل المتاهة

وصلت جماعتنا الى الكهوف مجددا، ليقف روي أمامهم قليلا ثم يختار كهفًا غير الذي دخلوه اليوم السابق واتجه نحوه

تي "هل سنجرب حظنا أن أنك تعلم ما تفعل؟ لو جلسنا ندخل كل كهف من هذه الكهوف لاحتجنا دهرا من الزمان!"

قال روي دون أن يلتفت لها "هذه متاهة سحرية، لا حل لها سوى ذلك"

دوى صوت كأنه آت من كل مكان ومن اللامكان أيضا "بل هناك طريقة روي، اتبع الهواء"

كان ذلك صوت نيروز

قال روي بعدم فهم "الهواء؟"

نيروز "الهواء روي، الهواء يكشف لك الممرات"

طالع روي الكهوف بصمت، ليجلس فجأة على الأرض وينظر للسماء مغلقا عينيه.

نظرت تي لروفر وكادت تنطق لولا أنه أشار اليها بالهدوء، لربما كان يحتاجه فهما لم يفهما ماذا يفعل وهو لم يكن ليشرح. هل كان يقرأ الهواء؟ هل هذا ممكن أصلا؟

فجأة شعرا بتيارات من الهواء تداعب ملابسهما، هواء شعرا به ساخنا اثر حرارة الشمس ثم ما لبث أن أصبح باردا منعشا.

أزاحت تي شعرها المتطاير على وجهها بسبب الهواء، ونظرت لروي الجالس هناك بتعجب. كان حقا يثير فضولها ذلك الشخص، فمن أين له بهذه القوة كلها؟ هي لم تكن جاهلة تماما بأمور السحر.
كانت تعلم عن سحرة جرڤينيا وقدراتهم، وكيف أنهم يولدون بسحر لا يكاد يرفع زجاجة من مكانها لكنهم مع مرور الوقت يدعمون هالاتهم بأحجار سحرية تسمى ال runes ومن ثم يتدرجون في مستويات القوى. وهذه الأحجار منها ما هو سهل ايجاده مثل أحجار الرؤية المضاعفة و أحجار تعزيز السمع والسرعة، ومنها ما هو صعب إيجاده ومنها ما هو مستحيل الحصول عليه... مثل قلب من عرق آخر.

أكان هذا ما يسعى اليه روي ذلك؟ الحصول على أحجار مستحيل الوصول اليها؟ أكان قلبها أول تلك الأحجار؟ أم أن معه العديد منها!
وهل كان تنينه ذلك حجرا منهم؟ لكنه كان حيا لم يكن ميتا...
فقط الكثير من الأسئلة ولا اجابات.

فجأة فتح روي عينيه واتسعت ابتسامته وقد قفز واقفا، لقد علم الاتجاه الصحيح!

التفت لريفيقيه وهو يشير الى أحد الكهوف المرتفعة "هذا هو، الهواء لا يكذب"

كان الكهف مرتفعا، فأخرج روي جهازه الطائر وأخذوا أدوارهم باستخدامه للوصول الى حيث كان الكهف.

قال روي وهو يأخذ نفسا عميقا وفي يده حهازه المضيء "هؤلاء القوم لا يمكنهم الفوز أمام قوة الإرادة"

قالت تي مبتسمة "تقصد تنينا"

روي "وهذا أيضا"

بدأوا جميعا بتحركون الى داخل الكهف، وروي يصفر لحنا ما في سعادة عارمة، أكان يعظ ذلك انتصارا له؟

قالت تي بعد برهة من الصمت "اذا... وحش الجريفين ذلك داخل هذه المتاهة المسحورة؟"

قال روي وابتسامته لا تفارق وجهه "بل شيء هو أعتى من أي جريفين"

تي "تنين آخر؟"

قال روي وهو ينظر لروفر "بل أسرار"

لم يفهم روفر مقصده فرفع حاجبه في تساؤل

روي "هيا روفر، الا تعلم حقا لم هذه الأرض محرمة؟"

روفر "لأن بها وحوشا؟"

أجابه روي بضجر "أمتأكد أنك قرصان؟ هذا ما يقال للعامة روفر بربك"

كان روفر حقا لا يشغل نفسه بأمور السياسة فقال مجيبا "الست من العامة روي؟"

وقفت الكلمة في حلق روي لتتبدل ابتسامته الى عقدة حاجبين

قال روفر وقد شعر لبعض النصر "حساسيتك مفرطة بسبب ذلك الموضوع"

روي "اصمت آسر"

ليضحك قائلا "هل مناداتك لي باسمي ستجعلني أتحسس مثلك؟ أنت مخطئ أيها الطفل الكبير"

كانت تي تسير بصمت، متعجبة من علاقتهم تلك التي لا تفهم منها أهما قريبان أم يتظاهران بالقرب أم هما عدوان

قالت مستفسرة "هل أنتما صديقان مقربان؟"

ليقاطع روي روفر الذي كان سيجيب قائلا "بيننا أعمال"

أدار روفر عيناه قائلا "أعمال منذ كنت في الخامسة؟"

لم يجب روي بل اسرع في خطواته تاركا اياهم خلفه.

نظرت تي لروي قائلة "تعرفه منذ كان في الخامسة؟"

روفر "يمكنك قول ذلك"

قالت تي متعجبة "ويعاملك بهذه الطريقة!"

ليرد روفر قائلا "أي طريقة؟ هذا هو روي ولن تصدقيني ان قلت لك انه طيب القلب اليس كذلك؟"

صرخ روي من الأمام قائلا "أسمعك آسر! لا ترغمني على رميك للوحوش بالخارج"


كانت الكهوف مظلمة باردة مع أنه كان في وضح النهار، وكان متشعبا كالمتاهة ذو أرضية خشنة تدمي الأقدام، لكن روي كان يسير بها كأنه يعلم الطريق تماما.

فجأة توقف روي متأهبا وهو يحدق بالفراغ، ثم ما لبث أن قال

روي "هناك هالات قريبة"

قال تي وهي تنظر في الظلام "هناك غيرنا هنا؟"

لتلتقط هي الأخرى الهالات السحرية القريبة ولكنها ما كان لها أن تستطيع قراءتها أبدا.

قال روي لهم وهو يخرج من حقيبته زجاجة "انهم أقزام، من الأفضل الا نخوض في معركة لا فائدة منها"

ثم أخرج زجاجة أخرى بها سائل وردي وطلب من رفيقيه أن يدلكا به وجوههما.

فعل روفر ما طلبه روي ثم تبعته تي وفي النهاية أخذ روي دوره، وما هي الا ثوان وكان دخان أزرق قد خرج من الزجاجة الأخرى وانطلق الى داخل الكهف كأنه مسير بالهواء الى مكان بعينه.

مرت دقائق بعدها التفت روي لرفيقيه قائلا "تمت المهمة، فلنذهب لنتقد المكان"

وقد كان ذلك الدخان الذي استخدمه روي دخانا ساما سرقه من مختبر أبيه.

تحركوا جميعا الى داخل الكهوف ليقفوا أمام مشهد عجيب، كان الكهف الذي دخلوه يطل على بحيرة داخلية تنتشر حولها نباتات بألوان جذابة وكانت خيام الأقزام منتشرة حولها وهناك طعام يشوى على نار ويتصاعد منه رائحة لحم زكية.

سال لعاب تي وهي تنظر الى المكان الذي بدا كأنه جنة وسط هذه الصحراء القاحلة والكهوف المظلمة. أسرعت مهرولة الى حيث كانت النار ليدير روي عينه ويتحرك نازلا يتفحص جثث الأقزام الملقاة.

روفر "أين نحن بالتحديد؟ ما هذا المكان"

روي "مخيم أقزام كما ترى"

روفر "مصنوع بالسحر؟"

نظر له روي طويلا قبل أن يجيب "ربما، لا أعلم"

بعد ان انتهى روي من تفحص الجثث والاستيلاء على ما وجده قد ينفع اتجهوا الى حيث كان الطعام، وقد كانت تي قد قامت بتقطيعه بالفعل لتقول دون أن تنظر اليهما

تي "انها أرانب لا داعي لكثر الكلام فقط كلا"

ابتسم روي قائلا "ارانب سامة من يعلم"

تي "كانوا يطهونها لأنفسهم يا أحمق، لا تأكل اذا أردت أما أنا فسآكل"

قال روي وقد جلس وتناول جزءًا من اللحم "فقط لا تموتي أيتها الأنوبيسية فقلبك ملك لي لا تنسي"

بعد ان انتهوا جميعا من الطعام تقدم روفر نحو البحيرة ليشرب منها.

بعد ان ارتاحوا جميعا قررت تي أنها تريد النوم قليلا فذهبت لداخل احدى الخيام واستلقت، بينما جلس روفر وروي عند النار يتحدثان.


لا أحد يدري كم من الوقت مر وهم كذلك، ولكنه وفجأة اتسعت عينى روي بشدة وقبل أن يقوم من مكانه كانت الدنيا قد اسودت في عينه هو وروفر.



عندما فتح روي عينه كانت رأسه تؤلمه بشدة، أمسك رأسه بيده وهو ينظر حوله، أين كان؟!

كان في قفص ما، لا أحد معه لكنه يسمع ضوضاء أحاديث قريبة لا يكاد يفهم منها شيئا. بحث عن حقيبته لكنه لم يجدها، ماذا حدث ومن هؤلاء الذين أسروه! وأين روفر وتي.

كان القفص موضوعا بين أربعة جدران، يعم الظلام المكان ورائحة العفن تملؤه.

دخل أحدهم من فتحة بالجدران، كان يرتدي زيا أبيض اللون فضفاضا يغطي جسده كله ورأسه.

قال مخاطبا روي "من أنت أيها الغريب"

نظر روي حوله ثم أشار لنفسه قائلا "أنا؟"

ليشعر بصفعة على وجهه ولم يكن أحد بالقرب منه!

الرجل "الاجابة على قدر السؤال"

قال روي وقد قطب جبينه، كان يجب أن يماطل قليلا فقط ليستطيع قراءة هالته ويقتله "ادعى روي"

الرجل "ولم أنت في الأرض المحرمة يا روي؟"

روي "تائه"

صفعة أخرى شعر بها روي على وجهه لتتسع عيناه بذعر

الرجل "غير مسموح بالكذب"

استشعر روي خده وهو يقول "من أنت.."

الرجل"أنا من يلقي الأسئلة"

كان روي قد توصل الى رمز قلبه، فحرك يده بحركة سريعة ليلغي تفعيله ويقتله، لكن لصدمته العارمة لم يقع الرجل فقط سعل سعلة ثم اعتدل مكانه.

ضحك الرجل ضحكة صفراء مخيفة ليقول بعدها "بارع في قراءة الهالات، بين غرضك أيها الغريب"

قال روي وقد بدأ يخاف قليلا من ذلك الواقف أمامه، هل كان قد تلاعب في هالته؟ هل يمتلك أحد مثل هذا العلم أصلا؟!

روي "أنا... جئت هنا بحثا عن القوة"

لم يجب الرجل بل وقف متسمرا في مكانه ثم ليقول أخيرا "لم يرسلك أحدهم؟"

روي "لا علم لي بأي أحد فقط جئت بحثا عن القوة أعدك"

قال الرجل ببرود "دخول الحدود الجنوبية محرم، كيف وجدت هذا المكان"

روي "باستخدام ممرات الهواء"

اتسعت عينا الرجل في دهشة، فالغريب لم يكن يكذب "الهواء؟"

قال روي وقد ضيق عيناه "نعم الهواء"

أومأ الرجل رأسه ببطء ثم اتجه الى الخارج، هل كان روي في عداد الأموات الآن؟

بعد برهة دخل الرجل ومعه اثنين آخرين، وقف روي مواجها اياهم

قال أحد الرجال "سمعت أنك تستطيع قراءة الهالات واستخدام الهواء، هل أنت ساحر من رتبة عالية؟"

هز روي رأسه نافيا

الرجل "اذا كيف توصلت الى تلك العلوم"

روي "مجرد حظ"

صفعة أخرى دوت على وجهه

قال من بين أسنانه والغضب يعتريه "لا شأن لكم يا هؤلاء ان اردتم قتلي أود أن أراكم تحاولون"

نظر الرجال لبعضهم ثم قال أحدهم "هل أنت ذو علم عظيم؟"

ابتسم روي وهو ينظر للأرض "نعم علم عظيم"

نظر الرجال لبعضهم مرة أخرى ثم اقترب أحدهم من باب الزنزانة وفتحه قائلا "تفضل معنا رجاء أيها الساحر"

وليقول آخر "لا تفكر حتى بمحاولة قتلنا فنحن أعلى منك علما"

نظر لهم روي دون أن يجيب وقرر أن يتبعهم، كان يجب أن يفهم أكثر من هؤلاء وكيف لا يستطيع قتلهم وأين هم رفاقه.

سار الرجال ومعهم روي داخل سراديب معدنية مكيفة وكانوا يدخلون من باب ويخرجون من آخر حتى وصلوا الى أمام باب كبير طرقه أحدهم، ثم فتح الباب وطلب من روي أن يتقدم.

دخل روي الباب ودخل وراءه أحد الرجال ثم أقفل الباب وراءهم.

كانت غرفة كبيرة مرفهة بها كل وسائل الراحة الوانها مبهجة للعين، وكان في وسطها أريكة يجلس عليها رجل وأمامه قناع أبيض مثل الذي يرتديه البيقة.

قال الرجل وهو ينظر لأعلى ويتفحص روي "تعلم يا هذا، هذه أول مرة يستطيع أحد أن يعبر خلال سحرنا للكهوف"

ابتسم روي ولم تنزح عيناه عن الأرض " هناك أول مرة لكل شيء"

الرجل "لكن لا تفخر كثيرا بنفسك، فمهما بلغت من القوة لم تكن لتستطيع مجاراتنا أبدا"

روي "ومن أنتم؟"

التقط الرجل فاكهة كانت على الطاولة أمامه ثم أرخى ظهره قائلا "ذوي علم"

قال روي وقد رفع نظره اليه في تحد " وفوق كل ذي علم عليم"

ابتسم الرجل قائلا "أحب ثقتك، قال لي رجالي أنك حاولت قتل أحدنا"

روي "ربما فشلت في المرة الأولى"

الرجل "ولن تنجح ولو في العاشرة يا صغير، فهذه هالات خادعة"

هالات خادعة؟ كانت هذه أول مرة يسمع بها روي بهذا الشيء

روي "على أي حال ماذا تريدون مني"

الرجل "عرفني باسمك أولا أيها الفتى"

روي "أدعى روي"

الرجل "وأنت يمكنك مناداتي بستيف يا روي"

أومأ روي رأسه بالايجاب، أكانوا جماعة سرية؟

روي "لكن، ماذا تفعلون في الأرض المحرمة أنتم أيضا"

قال ستيف مبتسما "مثلما تفعل أنت بالظبط، القوة يا صغير"

روي "والعلم؟"

ستيف "العلم هو أصل القوة، ومن يمتلك العلم يسد"

ابتسم روي قائلا "تقصد يختبئ في الأراضي المحرمة؟"

لينطلق الرجل ضاحكا "سرعة بديهتك هذه مثيرة"

ثم ليشير الى كرسي أمامه "تعالى اجلس"

نظر روي الى الرجل خلفه ثم تقدم حيث أشار استيف وجلس.

قال روي وهو يتناول بعضا من الفاكهة "اذا، أين رفاقي"

صدم الرجل من جرأة روي، ليسند رأسه الى الخلف ويقول وقد لمعت عيناه بفضول "تتعامل كأنك صاحب المكان ولو شئنا لقتلناك في التو واللحظة"

قال روي وهو يأكل الفاكهة مبتسما، لقد كان يعشق استفزاز من أمامه " الحياة لعبة يا ستيف، ما الذي يمكن أن أخسره"

قال ستيف وقد ازداد اعجابا بروي "لكن هناك ما يمكن أن تكسبه"

روي "وربما هذا سبب وجودي هنا"

ستيف "جئت بحثا عن الزهرة؟"

نظر له روي عاقدا حاجبيه "ما دخل الزهرة بالأرض المحرمة؟"

ليجيبه ستيف قائلا "صديقك القرصان، اليس من سرق الزهرة؟ كيف تمكنت من اجباره على اصطحابك لهنا يثير ذلك فصولي حقا'

أسند روي ظهره الى الكرسي قائلا "أما هذه فأسراري، وأما عن سؤالك فلا لست هنا لأجل الزهرة أنا هنا لأجل أحجار القوة"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي