وحوش الصحراء

كان روي يتحرك في نشاط متقدما على روفر وتي داخل صحراء الحدود الجنوبية، وقد كان روفر قد انضم إليهم على مضض بسبب طلب روي لذلك.

قالت تي وهي تتأمل الفراغ المحيط بهم "لماذا نمشي في صحراء جرداء مجددا؟"

روي ساخرا "أبحث عن عروس، ما اسمك مجددا؟"

قالت بجفاء "تي"

التفت لها وقد لمعت عيناه "أبحث عن عروس من الجريفن يا تي"

ثم قال وهو يشير الى رفيقيه "وأنتما ستساعداني"

لم تفهم تي تماما ما عناه روي بينما امتغص وجه روفر في قلق

روفر "تبحث عن وحوش أسطورية؟"

وقد كان الجريفين ذلك وحشا لم يره أحد الا في الحكايات القديمة والأساطير، وحش بجسد أسد ورأس نسر يقال أنه كان يطير فوق البلاد في فترات الحرب يحميها من الأعداء ويحرسها. لذلك كان ذلك الوحش يرسم على كل علم جيرڤيني، علامة للنصر الدائم والرخاء. بل إن مملكتهم كلها كانت باسمه، فتحولت مع الوقت من جريفين الى جرڤينيا.
وحش مقدس...

قال روي وقد عاود الالتفات الى الطريق "ليس أسطوريا روفر فتح خلايا مخك ترى الحقيقة بوضوح"

روفر "بل أنت من يحتاج رؤية الأمور بوضوح روي، لقد جبرتني على ترك سفينتي وطاقمي لتبحث لنفسك عن حيوان أليف؟"

قال روي مبتسما "وما المشكلة بحيوان أليف أضمه الى مجموعتي؟"

كانت بعض الجبال قد بدأت تلوح في الأفق، واستدار روي متجها قبالتها.

ولم تكن الحدود الجنوبية محرمة بلا سبب، فما هي الا دقائق وعلت أصوات الزئير باقترابهم من تلك الجبال.

ارتجفت تي وهي تقول "هذا صوت الجريفين ذاك؟"

قال روي ضاحكًا "بالطبع! وهو آتي للقضاء علينا الآن"

أدارت تي عينها، وأكملوا مسيرهم حتى وصلوا الى الجبال وكان بها كهوف كثيرة على مرمى البصر.
فتح روي حقيبته وأخرج منها جهازا للإنارة، ثم دخل الى أحد الكهوف ومن ورائه رفيقاه على مضض.

ساروا جميعا في صمت، روي كأنه يتجول في حديقة منزلة وتي وروفر متأهبان لكل صوت وكل حركة. فقد كان ما يسمع عن خطوره الحدود الجنوبية لا يمكن لأحد نسيانه من أناس دخلوها ولم يعودوا ومن اشاعات عن مختبرات سرية تقوم بها الحكومة ووحوش ضارية لا يقدر عليها أعتى ساحر في البلاد.

كما أن الأجواء بينهم كانت ثقيلة ثقل الجبال التي هم بداخلها. تي لا تعرف من هؤلاء سوى أنهم العدو، وأحدهما سيكون سبب موتها، بينما كان روفر منزعجا من روي كذلك بسبب استغلاله الدائم له. هل كان روي الشرير؟

قطع روي الصمت قائلا "الا تتحدثان؟ لم أشعر أني مسافر وحدي"

قالت تي "ربما لأننا لا نفهم أين نحن أو ماذا نفعل هنا؟"

روي "وهل هذا مهم؟ حدثينا قليلا عن مملكتك يا تي"

تي "ليس شأنا يخصك، أيها العدو"

تظاهر روي بالحزن وهو يقول "عدو؟ لقد ظننت أننا متفقان"

تي "ليس تماما لا تخطئ فهم الأمور"

قال روفر بحنقة "لم لا تخبرنا أنت لماذا تبحث عن الوحش روي؟"

روي "حسنا حسنا، أنتما مملان. أبحث عن الوحش لأضمه لمجموعتي بالطبع كما قلت أنت روفر"

قالت تي متعجبة "لديك مجموعة وحوش أسطورة؟"

توقف روي وقد علت وجهه ابتسامة "يمكنك قول ذلك"

ثم ما لبث أن أكمل سيره داخل الكهف المظلم، وكأنه كان يعلم تماما أين هو ذاهب.

مر اليوم كله بلا أي أحداث جديدة، وبلا أي حديث يذكر بينهم حتى اذا أنهكهم التعب من السير توقفوا وجلسوا في وسط الكهف وأشعلوا نارا.

قال روفر وقد كان كل جزء من جسده يؤلمه "اليس معك طعام؟"

ليجيب روي وقد مد يده الى حقيبته "البعض، ما قد يكفينا أياما ربما"

ثم أخرج بعد المجففات وناول روفر وتي بعضا منها.

لم يعجب أي أحد بنوعية الطعام تلك التي بلا طعم ولا معنى، لكنهم كانوا بحاجة أي شيء بعد اليوم الطويل.

قالت تي "اذا سنقضي هنا أياما؟"

روي "ربما أسابيع لا أدري"

روفر "وما خطتك لإيجاد الوحش؟"

ابتسم روي قائلا "أناديه"

قالت تي موجهة كلامها لروفر "هل هو أحمق هكذا دائما؟"

قال روفر مبتسما "هذا روي يا تي، لا يأخذ حياته نفسها على محمل الجد"

أدار روي عينيه قائلا "لا شيء في الحياة يستحق أن تخاف بسببه، الحياة لعبة يا رفيقاي"

تي "لعبة؟"

فال غامزًا "وإما أن تفوز أو تخسر"

كان روي قد أنهى طعامه فانسدح بجانب النار وذهب في النوم، بينما جلس روفر يتحدث مع تي قليلا حتى خلدا للنوم.

في الصباح استيقظ الجميع ليجدوا أنفسهم نائمين حيث تركتهم السفينة!

قالت تي محاولة استيعاب ما حدث "ألم نكن في الكهف ليلا؟"

ليقول روي بابتسامة مصطنعة "أخذنا الطريق الخاطئ"

تي "الخاطئ؟!"

روي "اها، تلك الكهوف هي متاهة في الواقع"

روفر "هل سبق لك المجيء هنا روي؟"

قال روي وهو يتفض ملابسه من الرمال استعدادا للتحرك مجددا "لا"

تي "وكيف تعلم عن الكهوف اذا..."

نظر لها روي طويلا قبل أن يجيب "لدي طرق في جلب المعلومات"

بدأ روي يمشي مجددا في نفس الطريق الذي مشاه بالأمس، متجها نحو الجبال والكهوف، لكنه وأثناء سيرهم بدأت الأجواء تنقلب منذرة بعاصفة رملية. وما هي الا برهة حتى اشتدت الرياح برمالها.

بدأت العاصفة وكانوا جميعا يتحركون بصعوبة بالغة، أياديهم على وجوههم في محاولة لحماية وجوههم من تلك الرمال العاتية.

قالت تي وهي تسعل "الهواء يشتد كيف لنا أن نكلم السير! نحن موتى ان لم نختبئ!"

ليقول روفر "نحن في وسط الصحراء يا هذه، أرض جرداء!"

كان روي قد توقف عن محاولة التقدم وأخرج حقيبته بصعوبة بالغة، وبدأ البحث فيها عن شيء.
كانت تي تسعل بشدة بسبب الرمال التي ملأت الهواء فمنعتهم عن التنفس تقريبا، كانوا بالكاد أحياء.

فجأة وبدون مقدمات رمى روي يده عاليا في الهواء كأنه يقذف شيئا، ليظهر في الهواء تنين ضخم أبيض اللون بحراشف لامعة عكست ضوء الشمس حتى وسط تلك العاصفة الرملية.

كان يمكنك سماع صوت هدير التنين ورفرفة أجنحته من على مسافة كبيرة، وبمجرد ما برز في الهواء تشكلت الرياح لتنقشع من حول الجماعة وتلتف حولهم في دوامات رملية صغيرة. وما هي الا لحظات وكان التنين قد هبط بجانبهم واتجه روي اليه.

قال روي وهو يمسح على رأس التنين "شكرا لك نيروز"

كانت تي تحاول اخراج الرمال من رئتيها وهي تسعل، حتى اذا وقعت عينها على التنين تراجعت بذعر، وكان روفر واقفا يحدق في المشهد أمامه.
تنين؟!

أخرج روي من حقيبته شيئا لم يتبيناه وأعطاه للتنين، ثم واجههم بابتسامة عريضة لم تكن تناسب الموقف أبدا.

روي "أعرفكما، نيروز صديقي"

قالت تي متعجبة "صديقك تنين؟!!"

قال نيروز بصوت عميق كأنه قديم قدم السنين "وما العيب بالتنانين"

تراجعت تي للخلف واتسعت عيناها بذعر "ا..ا..انه يتحدث!"

قال نيروز ضاحكًا وكان كأن ضحكته شفطت الهواء من المكان "أصدقاؤك مضحكون روي"

نظر له روي مبتسما "اعذرهم نيروز فليس كل يوم يرى المرء تنينًا"

قال روفر بعد صمته الطويل "هذا سر تحكمك في الهواء"

العديد من الأسئلة كانت تجول برأس روفر، لم تكن أول مرة يرى فيها تنينًا ولكنها بالطبع كانت أول مرة يسمع فيها واحدًا يتحدث بلغتهم.

قال روي مجيبا "نيروز يعيرني قواه في بعض الأحيان"

ولم يكن روي ليستقبل أسئلة أخرى فقد نظر لنيروز ثم مد يده اليه فاذا بالتنين يتقلص حتى صار بحجم اليد.

روي "شكرا لك يا صديقي أراك قريبا"

بعد ان دخل التنين الى حقيبة روي التفت لرفيقيه قائلا

روي "هيا بنا الطريق طويل"

ولم يجرؤ أحد على أن يسأل عن شيء آخر وتبعوه في صمت.
اذا كانت قوته نابعة من تنين؟ أم أن التنين كان جزءًا منها فقط؟ وكيف حصل على تنين وكيف أخضعه له بهذه الطريقة!

كانت التنانين كائنات خطيرة تعيش في مناطق نائية لا يمكن الوصول لها بسهولة، بل ان أغلب الناس يعيشون حياتهم كلها دون رؤية أحدهم حتى فقط يسمعون عنهم في الحكايات القديمة.

كانت تي متخلفة عن روي وروفر في السير، فكانت رئتاها تؤلمانها بشدة اثر الرمال فهي لم تكن معتادة على هذه الأجواء. واذ فجأة وهي تسير شعرت بأن هناك شيئا يسير خلفها بهدوء.

نظرت لرفيقيها فإذا هما يسيران دون أن يلفتهما أي شيء، هناك شيء غريب لكنها كانت لا تقوى على النظر خلفها!
هل كان وحشا؟ فهي لم تكن تستشعر أي هالات سحرية.

أخذت نفسا عميقا بعد أن قررت الالتفات، فربما كان عقلها يهذي بسبب الأتربة التي دخلته. لكنها ما ان التفتت وراءها حتى سقطت على الأرض من هول المنظر الذي رأت.

كان هناك يمشي خلفها كما شعرت تماما، مخلوق هو أبشع مخلوق قد تقع عينك عليه يوما! كان كأنه كرة ضخمة بها عيون تمشي على أربع أرجل، كثيف الشعر عيونها صفراء حادة كعيون القطط بأظافر طويلة.

انقض الكائن الغريب على تي محاولا القضاء عليها لتهرب منها صرخة مدوية لفتت نظر رفيقيها
أخرج روفر سيفه بسرعة ويتجه نحو المخلوق باندفاع محاولا طعنه، بينما وقف روي متسمرا في مكانه يحدق.

كان الكائن قد أمسك بأرجل تي وهي تحاول التخلص من قبضته بركله، وما ان اقترب روفر بسيفه تركها الوحش وتراجع للوراء مزمجرا.

وقفت تي بسرعة وأخذت جانب روفر قائلا "ليس معي أسلحة"

ليخرج هو من جيبه مسدسا ويعطيها اياه قائلا "لست متأكدا من جدوى هذا ضد ذلك الشيء، هل تستطيعين استخدامه؟"

اقترب روي منهما وهو يقول "ما ذلك الشيء.."

هجم الكائن عليهم مرة أخرى بسرعة كبيرة ليتفاداه روي بسهولة بينما وقع روفر أرضا وقد غرز سيفه فيه، لكن لا شيء! لم يخرج حتى دم من الكائن الغريب كأنه كان سرابا!

غرز أظافره في كتف روفر الذي صرخ متألما، لتمسك تي بالمسدس بذعر وتطلق على الوحش الضاري.
لكنه لم يفعل أي شيء في جسده أيضا! فقط نبهه اليها ليقوم عن روفر وينقض عليها هي.

وكل ذلك وروي كان واقفا كالمشاهدين للمباريات لم يتحرك بتاتا. قام روفر عن الأرض وهو يحاول التفكير بشيء يفعله سريعا ليخلص تي من من قبضة الوحش، لكنه وقبل أن يهتدي لشيء كان روي قد بدأ بتحريك يديه بطريقة درامية غير مفهومة، وما هي الا ثوان وكان الوحش مستلقيا على الأرض بلا حراك.

أزاحته تي عنها بقوة وقامت تلهث وأنفاسها متسارعة، ما كان هذا بحق وماذا حدث للتو!

قال روي وهو يضع يده على الكائن الملقى بحذر "ليس وحشا، هذا ليس وحشا"

اقترب روفر منهم وقد شق كتف بذلته وربطه حوله ليوقف النزيف "لا تؤثر فيه أسلحة"

كان وجه روي متجهما وهو يفحص الجسد الملقى "لا، لا يؤثر فيه شيء كأنه ليس جسدا ماديا"

تي "أهو سحر؟"

روي "لا أفهم ما هو، لكنه كان يمتلك هالة وليس للوحوش هالات"

روفر "أتقصد أنه بشري؟"

نظر روي لروفر طويلا قبل أن يقول "لا وجود لساحر لا يؤثر فيه سلاح"

أخرج روي سكينه وبحركة واحدة شق جسد الكائن نصفين، ليظهر في كل نصف قلب بلون بني داكن.

روفر "قلبين... لكن كيف قتلته روي ان لم يكن ساحرا؟"

امسك روي بأحد القلبين وشقه وهو يقول "استطعت قراءة هالته، لكنها كانت غريبة ليست كأي هالة طبيعية. وقد كان رمز قلبه بها غريبا وقد حالفني الحظ حقا"

كانت الهالات السحرية كبصمة لكل كائن عاقل، بها كل شيء عن قواه وروحه ومهاراته وكل شيء تريد معرفته لكنها كانت معقدة بقدر ما هي مليئة بالرموز والتفاصيل. وما كان ليفهمها الا شخص قد درس السحر عقودا حتى أجاد لغته ورموزه جيدا.

كان قلب الكائن مازال ينبض بين يدي روي، ليقول بعد أن شقه "لا أحجار"

روفر "بالطبع لا أحجار الم تقل بأنه ليس وحشا؟ وهو لم يعطك قلبه برضاه"

أغمض روي عينه ثم وضع القلب مكانه ونظف يده باستخدام الرمال.

روي "لا أفهم ما هذا لكن هيا بنا"

نظر روفر لتي ثم لروي "سنكمل دون أن نتأكد من ماهية ذلك الشيء؟"

روي مبتسما "ليس مهما، المهم أننا جميعا بخير"

تي "ألا...ألا يمكننا شوي لحم ذلك الشيء وأكله؟"

روي "ليس قابلا للأكل للأسف فهو ليس وحشا يا تي ولا ندري كيف سيؤثر أكله على هالاتنا أو قوانا"

ولم يسمع روي أي حديث آخر بل انطلق في طريقه نحو الكهوف مجددا وفي رأسه الف سؤال عن ذلك الشيء الذي رأوه حالا.

كانت تي تمشي بجانب روفر ويسبقهم روي بخطوات، لتقول محدثة اياه

تي "هل يؤلمك كتفك كثيرا؟"

قال روفر عاقدا حاجبيه "القيت اصابات أسوء في حياتي، على كل حال شكرا للفت انتباه ذلك الشيء عني"

قالت تي مبتسمة، وقد كانت أول مرة تبتسم من قلبها منذ حطت قدمها أرض جيرڤينيا "لا داعي للشكر، لقد كان سيقتلني أنا"

روفر "بهذه المناسبة، لم ليس لديك أسلحة؟"

نظرت له تي بطرف عينها "لأنك جردتني منهم على متن السفينة؟"

حك روفر رأسه بخجل "صحيح"

تي "على كل لست محاربة بارعة بالأساس"

روفر "وأرسلوك الى بلاد معادية؟ لست أفهم"

نظرت له تي طويلا دون أن تجيب، ثم التفتت متنهدة

تي "لست هنا بارادتي..."

كان روي يستمع لحديثهم بصمت، لكنه التفت لها بعد هذه الجملة سائلا

روي "جئتي تحت التهديد؟"

تي "يمكنك قول ذلك"

ثم لتمتنع عن الحديث ويكملوا سيرهم بصمت نحو الكهوف.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي