أنوبيسيةعلى السفينة

لحظات صمت مدوية ، تبعها في الخلفية  أصوات انفجار آتية من الخارج. قطع الكابتن الصمت باتجاهه نحو الباب ليخرج ويرى أمر الهجوم عليهم، لكن مساعده لم يتحرك من أمام الباب.

المساعد بجفاء "لماذا توجد أنوبيسية على سفينتنا يا كابتن؟"

ليرد الكابتن بنفاذ صبر " اجلس معها يا بيرل حتى أرى ما أمر الهجوم حسنا؟ أم تريد أن نقتل جميعا؟"

اكتفى المساعد بتحديقة وانزاح عن فتحة الباب ليخرج الكابتن مهرولا نحو عجلة القيادة ليرى السفينة المهاجمة، أسرع اليه أحد الطاقم يقول 

قرصان "أوامرك يا كابتن؟"

كانت الأجواء متوترة والكل متأهب للمعركة القادمة، ولولا أن الدوي كان عاليا لاستطعت سماع دقات قلوب الطاقم.

الكابتن "أنزلوا الأشرعة وارفعوا الراية الخضراء، وأخرجوا المدافع خلسة لحين آمركم بالضرب"

أومأ القرصان وصرخ قائلا "سمعتم قائدكم! هيا نفذوا!"

كانت الراية الخضراء في لغة القراصنة تعني التفاوض، وكانت تعني أن كابتني السفينتين يلتقيان في منتصف المسافة ليتناقشا، فإذا توصلا الى حل يرضي جميع الأطراف كان خيرا وحقنا للدماء. أما اذا لم يتوصلا الى حل فكان الفوز للأقوى كما هو معهود بين القراصنة.

جاء قرصان آخر مهرولا ليقول "كابتن، انها سفينة كابتن غدار"

التفت روفر له مومئا ليرحل القرصان ويأخذ بعدها نفسا عميقا، ما هذه المصائب التي ليس لها آخر؟ 

مساعده والأنوبيسية وطلب روي الغريب الذي قد يؤدي بطاقمه الى الهلاك والآن هجوم من واحد من أعتى القراصنة في جرڤينيا! كابتن غدار... وهو اسم على مسمى

صرخ أحد القراصنة ليعلن أن السفينة المعادية رفعت الراية الخضراء، ليتحرك روفر بعدها مهرولا في طريقه ليترجل عن سفينته بصحبة أحد قراصنته، وليلمح وهو في طريقه روي يقف على سطح السفينة وعلى وجهه ابتسامة خفيفة. ربما كان وجود روي معهم ورقة رابحة؟ هذا إذا وافق على مساعدتهم بالطبع.

اتجه روفر والقرصان الذي معه على متن سفينة طائرة صغيرة تعمل بالوقود الضوئي، ليجد كابتن غدار ينتظره مع أحد رجاله أيضا، وكان اللقاء التالي

قال روفر مرحبا "كابتن غدار"

ليرد غدار بابتسامة خبيثة "روفر"

روفر "لماذا تهجم على سفينتي؟"

اتسعت ابتسامة غدار "لماذا! كم  أنت مضحك روفر. بالطبع سمع الجميع عن وجود الزهرة بحوزتك، وهذه تساوي ثروة كما تعلم"

روفر عاقدا حاجبيه بتعجب "ومن قال اني سأسلمها لأي قرصان يأتي طالبا اياها"

غدار "اما الزهرة أو حياة طاقمك"

روفر "لا داعي لإراقة الدماء غدار يمكنك الالتفات والمغادرة، فالزهرة ليست على متن السفينة لا ترهق نفسك"

صمت غدار قليلا قبل أن يقول ببرود "اذا الدمار لسفينتك روفر"

قال غدار هذا والتفت مغادرا، ليقع الكلام على روفر كالسكين. انه لا يخشى مواجهته بالطبع فلديه سفينة قوية وطاقم مخلص، لكنه لم يشأ أن يضيع طاقة سفينته على قرصان آخر. فقد كان اتفاقه مع الملك أن يمسك بالخونة من الدول المجاورة لا قراصنة آخرين.

عاد روفر أدراجه وأعطى الأوامر بإعداد الأسلحة للهجوم.

صعد روي ليقف بجانب روفر في برود تام، يراقب حركة القراصنة الصاخبة على السفينة.

روي "منظر بهيج آسر، لكنه يعطلني عن مصالحي"

روفر "لا يمكنني الهرب من معركة روي، فما رأيك بالمساعدة حتى ننتهي من هذا بسرعة؟"

بدأ دوي المدافع يملؤ الأرجاء مجددا، تهتز السفينة كلما أصابتها ضربة.

قال روي بصوت عال بما يكفي ليسمعه روفر "مشاكلك لا تعنيني يا كابتن"

روفر "أنت على متن السفينة تماما مثلنا روي، إن سقطت سقطت معنا"

نظر له روي  ولم يجب، ثم لينزل بعدها ويتجه الى غرفة الكابتن، ولكنه ما ان فتح الباب حتى انطلق يضحك بصوت عال ثم ليقول صارخا والابتسامة تعلو وجهه

روي "آسرتك اختفت يا كابتن"

لكن الضوضاء كانت عالية فلم يسمع الكابتن شيئا، فاتجه روي اليه مجددا وهو يضحك.

ثم ليقول روي غامزًا "لقد هربت حبيبتك آسر"

أقطب روفر حاجبيه وهو يحدق في روي، أكان ما يقوله حق؟ وأين مساعده بيرل؟!

قال الكابتن بحنقة "كيف هربت؟"

وضع روي يداه في جيبه مجيبا "باستخدام سفينة طائرة بالطبع"

الكابتن "هل أنت أحمق روي! لا يمكن لغير قرصان قي... قيا..."

ليستوعب بعدها ما قد حدث، لقد هربت عن طريق بيرل.

كانت السفينة في وسط معركة شديدة تتلقى الضربات، ورأس الكابتن اصابته معركة من نوع آخر، ماذا كان ليحدث الآن! بل كيف يتصرف.
لا يمكنه ترك المعركة، ولا يمكنه ترك تلك الأنوبيسية تهرب! فهي دمار تام للمملكة وهي طليقة!

أدرك روي الحيرة التي أصابت روفر، فقال له بعد صمت لم يدم

روي "ارفع الراية الخضراء روفر"

نظر له روفر بغير فهم، لا يمكن أن يرفع قبطان الراية الخضراء مرتين فهذه اهانة!

روفر "لن أهين طاقمي روي اتركني في مصائبي رجاءً!"

قال روي بإصرار "ارفع الراية روفر، الم تطلب مساعدتي؟ لكن لكل شيء ثمن كما تعلم"

زفر روفر وهو ينظر الى طاقمه الذي يركض هنا وهناك يصدون المعتدين ويردون ضرباته، لقد كان يحبهم كعائلته فهم كانوا كذلك بالفعل. أناس جمعهم حب المغامرة على تلك السفينة ليقضوا عليها سنوات من أعمارهم حتى باتوا لبعضهم عائلة، وقد كان روفر ليحافظ عليهم لو أتيحت له الفرصة.

قال دون أن ينظر لروي "وما هو ثمن مساعدتك"

روي "لم أحدده بعد"

المشكلة مع روي أنه لم يكن ليطلب أبدا ثمنا زهيدًا

قال روفر بعد تفكير "تنهي المعركة وترجع الأنوبيسية؟"

قال روي مبتسما "كل بثمنه"

تنهد روفر وهو يومئ ببطئ، لقد كان هو السبب في هذه الورطة، هو فقط السبب!

صرخ في طاقمه بأن يرفعوا الراية الخضراء مجددا، ليقابله التعجب منهم فقد كانت اهانة لهم! لكنه أعاد أمره ليستجيب أحدهم على مضض ويرفع الراية وسط تحديقات من الطاقم لكابتنهم.

نزل روي الى جانبه روفر، لينتظروا رد السفينة المعادية على رايتهم.

وما هي الا دقائق حتى كان قال قرصان صارخا "لقد رفعوا الراية السوداء كابتن!"

امتغص وجه روفر، غدار هذا مصر على الدمار والدماء، بينما تحول وجه روي الى غضب لم يكن يعتريه الا نادرا.

تحرك روي نحو ساري العلم وتسلقه بخفة حتى وصل أعلاه، وما هي الا ثوان وكانت السفينة كلها محاطة بدرع من هواء عاتية، تصد كل ضربة آتية بل والأدهى أن ضرباتهم كانت ترد عليهم!

وقف الجميع في ذهول، ليس لأنهم لا يعلمون مدى قوة روي ولكن لدهشتهم من قدرته على فعل هذا. ولكن واحدا فقط كان يقف هناك يعتريه القلق العارم... روفر

دقائق مرت، وضربات العدو ترد عليهم حتى استوعبوا ما كان يحدث وتوقفت الضربات، ليروا بعدها روي ينزل عن الساري ويتجه نحو سفينة طائرة، ويشير لأحد الطاقم ليأتي ويطير بها.

نفذ الرجل الأمر على الفور وفي لحظات كان روي يقف أمام سفينة الغدار، ويترجل اليها.

قال روي وسط الحطام الذي حل على السفينة "أين الغدار؟"

ليتقدم كابتن الغدار اليه والشرر يتطاير من عينه "روي"

روي "كان من الغباء رفض السلام غدار"

غدار "كم دفعوا لك لتكون بصفهم، الزهرة؟"

ابتسم روي بخبث "أنا أختار من أكون بصفه يا كابتن غدار، أما الآن فارحل والا قتلتك أنت وطاقمك"

صمت غدار ولم يجب، ليرجع بعدها روي الى سفينة روفر لكن ويتجه اليه.

روي "لقد صنعت لنفسي عدوا ليس بسهل بسببك روفر تذكر هذا، أما الآن فالأنوبيسية"

روفر "وكيف ستجدها"

نظر روي في الأفق دون أن يجيب، ورفع احدى يديه بهدوء وما هي الا لحظات حتى ظهر أمام الجميع كرة هوائية كبيرة بالكاد يستطيع المرء رؤية الطائرة بداخلها.

تنفس روفر الصعداء وهو يرى ذلك، لم يكن متأكدا ان كان هذا فخا من روي ليجعله ينفذ طلباته أم انه انقذه فعلا لكنه كان يدرك شيئا واحدا، أنه لا يمكنك اللعب مع روي لو كنت تقدس حياتك.

أنزل روي السفينة الطائرة بجانبه وسط حيرة الجميع، كيف لأحد أن يستخدم الهواء بهذه الطريقة! فحتى متحكموا الرياح على متن السفينة فقط يتحكمون باتجاهات الرياح الموجودة بالأساس ولا يستطيعون هلق تيارات بأنفسهم. ثم لماذا كانت الرياح تلتف حول احدى طائراتهم؟

أغلق روفر عينه وأخذ نفسا عميقا، بينما قال روي مخاطبا الطاقم بحدة

روي "الى غرف السفينة الآن"

نظر الطاقم بعضهم لبعض دون فهم ليقول واحد منهم قوي البنيان

القرصان "لم نذهب الى غرفنا؟"

روي "الم تكونوا نيامًا قبل هذه المعركة؟ السنا ليلا! هيا عودوا الى مضاجعكم"

حلت همهمات بين القراصنة ليتحرك بعض منهم على مضض متجهين الى غرفهم، وما هي الا دقائيف حتى كان سطح السفينة فارغا الا من روي والكابتن وبجانبهم السفينة.

أبطل روي تيارات الهواء ليسمح لراكبي السفينة بالخروج، كان المساعد بيرل يبدو مغيبا عن الوعي بينما كانت عينا الأنوبيسية تتجول في قلق غير قادرة على الكلام.

نظر لها روفر بغضب قائلا "حاولت الهروب بعدما خاطرت بحياتي وحياة طاقمي لأعيدك لديارك! يالوقاحتك"

أقطبت حاجبيها وقالت وبالكاد خرج صوتها "لا يمكن الوثوق بجيرڤاني"

كان الغضب الذي اعترى روي قد ذهب وعاد الى استهزاءه المعتاد

قال وهو يبتسم بخبث "فزت عليك في ألعابك العقلية يا أنوبيسية"

تي "أنت... لقد... لقد خرجت في الوقت المناسب تماما بعد أن استوليت على عقل الأحمق! كيف لم أنتبه"

غمز لها روي قائلا "تعلمت من الأفضل صدقيني"

وجه نظره للكابتن بعدها ليقول "ماذا أنت فاعل بها"

كان روفر متورطا، وضع أصابعه على رأسه في تفكير

روفر "سأسلمها للسلطات، فحقًا خيرا تعمل شرا تلقى"

هزت الفتاة رأسها نافية في ذعر "لا أرجوك لا، لو كنت مكاني لحاولت الهرب أيضا! لا يمكنك لومي"

نظر لها روفر بحدة ثم استدار متجها الى غرفة القيادة دون كلمة أخرى، لترى هي ذلك وتقترب من روي قائلة

تي "أرجوك أقنعه بغير ذلك، لو مت ستكون أنت السبب الم تنقذ حياتي قبلا كما تدعي؟ والآن تسوقني لموتي؟"

قال روي وهو ينظر اليها " أخذت مقابلا منه لأنقذك تلك المرة"

تي "أرجوك.."

روي "تعلمين أيتها الأنوبيسية؟ لدي قاعدة في حياتي لا أساعد بلا مقابل، لو لديك مقابل سأساعدك"

نظرت تي وراءها لترى أن روفر قد اختفى، كانت في ورطة حقيقية.

تي "خذ ما تريد فقط أريد العودة الى وطني"

حك روي أنفه متظاهرا بالتفكير ثم ليقول بعد ثوان

روي "أريد قلبك"

وقعت الكلمة وقوع الصاعقة عليها، أكان جادا؟ لم تستطع تمالك نفسها فانطلقت تضحك بحسرة على ما هي عليه، ليقف روي محدقا بها لا يفهم ما المضحك. لقد كانت بائسة، في كل الأحوال كانت ستموت فلم لا تستغل موتها ذلك لتحقق ما يبقيها على قيد الحياة أصلا...

بعد ان انتهت من ضحكها الهيستيري صمتت لحظة لترى تحديقه بها، ذلك الشخص الواقف أمامها الذي يريد امتلاك قلبها ليمتلك قواها وما كنت لتمتلك القوة الكامنة في أي كائن عاقل بغير رضاه.

تي "اسمع يا هذا... اذا كان هذا ما تريد حقا فسأعطيك اياه لكن بشرط، تعقد الصفقات اليس كذلك؟"

أومأ روي بإيجاب، هل كانت جادة؟ لو كانت كذلك فقد كسب كثيرا بالفعل،كانت مضحية بحياتها وقلبها؟

تي "س... ستخرجني من هنا بالطبع، وأريد أن أرى أبي"

روي "أبيك؟"

تي "نعم، بعدها سأعطيك قلبي بكل رضا"

مد روي يده مصافحًا اياها بابتسامة مصطنعة "إذا اتفقنا أيتها الأنوبيسية هذا سهل، ميثاق دم؟"

أومأت على مضض، ليخرج روي من حقيبته سكينا ويجرح اصبعه ثم يناولها السكين لتجرح نفسها هي أيضا.

كان ميثاق الدم طريقة لحفظ العقود، فمن يخلف بوعده يمت، وكان يتم باستخدام دماء من المتعاقدين وكتابة العقد باستخدامه كحبر.

بعد أن أنهى روي الميثاق التفت الى تي قائلا "الآن اتركي عقل المساعد وتعالي لنتحدث مع روفر"


أسبوعان مرا والسفينة تطفو في سماء جرڤينيا حتى قاربت الوصول الى الحدود الجنوبية، الصحراء الجرداء موطن ما لا تريد رؤيته في حياتك ان كنت تخاف عليها.

في غرفة القيادة كان روي يجلس بملل بينما فاتن تناظر الخارج بعيون محتارة وروفر على مكتبه كالعادة.

دخل مساعد روفر عليهم ليخبرهم بأنهم وصلوا الى وجهتهم وأن السفينة قد توقفت ثم عاد الى حيث كان.

قال روي وقد علت وجهه ابتسامة "أهلا بالمغامرة"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي