الفصل الثاني
تمام الحادية عشرة والنصف كنت قد استعديت للخروج وذهبت إلى مكان اللقاء وبالتأكيد كان يقف هناك منتظرًا
متكئًا على السيارة ومرتديًا بذلة رمادية كاملة بكل إضافاتها وربطة عنق مخططة مع معطف أسود يصل للركبة
كان مركزًا على هاتفه وهو يراسل شخصًا ما ويضحك أيضًا، لابد أنه يتحدث مع فتاة أخرى بالتأكيد فمن هم مثله يفعلون هذا
توجهت ناحية السيارة وأردت فتح بابي بنفسي لكن يده قد إمتدت قبلي ممسكه بمقبض الباب، ظننت أنه لم ينتبه لي لكنه كان قد أدخل هاتفه إلى جيبه وقال لي وهو يفتح الباب:
- تفضلي أنسة يونا
ركبت من دون أن أعلق كما العادة
الحادية عشرة وخمس وأربعون دقيقة وصلنا إلى مبنى الشركة ولا يزال لدي ربع ساعة حتى موعد الإجتماع فاليوم سأقابل مخرج فيلم سأقوم بتأدية دور البطولة فيه كما سأقابل معه من سيؤدي دور البطل لنتفق على بعض الأمور ولنتسلم نص الفيلم وأيضًا يبدو أننا سنشارك في إختيار بعض الممثلين
نوعًا ما أنا متحمسة لهذا الفيلم فلقد عملت مع هذا المخرج وإسمه نوبوناغا كثيرًا من قبل وقد أخرج العديد من القصص التي لا تزال محفورة في داخلي لذلك أنا أثق به وبإختياره لقصة هذا الفيلم وصلت إلى غرفة الإجتماعات التي سيقام فيها الإجتماع بعد أقل من خمسة عشر دقيقة وقد كان هو من خلفي والغريب في الأمر أنه لم يقم بإجراء أية حوارات صغيرة طوال طريقنا إلى هنا، لكني لن أتذمر بالتأكيد
وجدنا إحدى الموظفات في قسم التمثيل وهي تقوم بتجهيز بعض الأشياء هنا وهناك، إتسعت إبتسامتها عندما رأتنا، بالتأكيد ليس بسببي بل بسبب من يقف خلفي فهو مشهور للغاية في الشركة بشكل غريب من الجنسين، دائمًا دائمًا ما أجده محاطًا بالكثير من الناس
إنحنت الفتاة قائلة:
- مرحبًا بكما
نظرت إلي وقالت بسعادة:
- لقد شاهدت الحلقة الأخيرة البارحة من **** ، لقد أبدعتي كالعادة أنسة يونا.
قلت بإستغراب:
- ألا تزال تُعرض؟
- بالتأكيد، لقد إنتهت البارحة فحسب ألم تشاهديها
أجابتني ببعض إستنكار لأهز رأسي قائلة:
- أنا لا أشاهد الأعمال التي أمثلها
- أوه حقًا، كم هذا غريب
في الحقيقة أنا لا أشاهد اي شيء سواء أمثلت فيه أم لم أمثل فمنذ ذلك اليوم حينما إكتشفت كرهي للمسلسلات لم أشاهد أي شيء وإكتفيت فقط بما أمثله حولت الفتاة نظرها ناحيته وقالت وقد تغيرت نبرتها لجدية:
- سيدي، لقد إنتهت جميع الأقسام من تجهيز ميزانياتها.
كان في البداية يراقب في حوارنا بإستمتاع وعندما سألته تغيرت ملامحه ونبرته لجدية لا تشببه أبدًا ليقول بعد أن عقد يديه معًا:
- نعم لقد أُخطرت بذلك، لدي فراغ بين الثانية والثالثة مساءً سيكون الإجتماع في هذا الوقت.
قامت الفتاة بتسجيل ما قاله في جهاز لوحي ثم تابعت تسائله عن بضعة أشياء أخرى
أخذا يتحدثان لبضع دقائق عن العديد من المواضيع التي تخص إدارة الشركة لأقاطعهما فجأة قائلة:
- مهلًا، مهلًا
نظرا إلي بإستغراب للهجتي المنفعلة، قلت وأنا أشير ناحيته بسبابتي بينما أحدث الفتاة:
- لم تخبرينه بكل هذا؟ أليست هذه واجبات المدير العام! هل يعقل أنك إبن للمدير العام؟
أضفت مشككة وأنا أنظر إليه بحاجب مرفوع، ثم سرعان ما أضفت نافية:
- لكن إسمه إيوان ريوزن وأنت، مهلًا..
ما هو إسمك من جديد؟
سألت بعفوية فنظر لي كلاهما بدهشة
تراجع هو بضعة خطوات مصدومًا فأسرعت الفتاة بكرسي ووضعته خلفه ليجلس عليه واضعًا يده على جهة قلبه، قال:
- هذه كانت قاتلة
علقت الفتاة بالكثير من الإستنكار:
- أنسة يونا، هل أنت جادة بسؤالك هذا؟
أجبتها ببساطة:
- وهل يبدو لك أنني أمزح؟ منذ وقت طويل وأنا أتسأل عن ماهية عملك، أراك في كل مكان لكنني لا أعرف عملك بالتحديد
لا أدري لماذا ولكنه قد إبتسم وغطى تلك الإبتسامة بأن قضم على شفته السفلى وقد شد قبضته على جه قلبه، أجابتني الفتاة بلهجة حملت الكثير من الإنزعاج الذي لم تخفيه:
- إنه السيد كوبو ساكوراي، وهو شريك للسيد ماساشي في ملكية الشركة لذلك أحدثه بكل هذا
- أه صحيح إسمك كوبو لقد نسي.. لكن مهلًا، هل قلتي شريك!
عقدت حاجبي ناظرة إليه فهز رأسه بـنعم، قلت بنبرة مشككة:
- ولم أحد شركاء الشركة يعمل مديرًا لأعمالي؟
أجاب وكأنه أكثر شيء بديهي في العالم:
- حتى أكون قربك أكثر.
لويت شفتي هازئة وتجاهلته ثم ذهبت لأجلس على أحد الكراسي حول طاوله الإجتماع.
تبادل الإثنان بعض الحديث بعدها إلى أن دخل المخرج في تمام الثانية عشرة وقد كان معه بعض الأشخاص عرٌفهم علينا منهم المنتج وكاتب السناريو وأخرون لكن الممثل الرئيسي لم يحضر بعد ولم يبدو أن المخرج يهتم فهو قد بدأ بالحديث فورًا وهذا من ما يعجبني فيه أنه عملي للغاية
إن أحدث أي ممثل اي خطأ لثلاث مرات فإنه سيطرده من موقع التصوير فورًا وسيخصم من مرتبه على حسب عدد ساعات التأخير في التصوير بسببه كما أنه لا يتردد في فعل شيء ويفعل كل ما يراه صحيحًا حتى وإن كان رأي شخص أخر.
المهم أن كلانا قد إندمج في العمل معًا كثيرًا وأصبح هو مخرجي المفضل وأنا ممثلته المفضلة.
كم عمره وأوصافه؟
حسنًا، ليس بأمر مهم لكن لابأس بذكره فهو في الخامسة والأربعين لكن لا يبدو عليه هذا بل يبدو في بداية الثلاثين بملامحه الشابة وشعره الأسود اللامع، يحب إرتداء تلك القبعة التي يرتديها المخرجون والفنانون دائمًا لديه ذقن مدبب أعطاه مظهرًا وقورًا
المهم، وصل الجميع ما عدا الممثل الرئيسي بدأ المخرج حديثه بأن أعطى الجميع نسخة من السناريو وبدأ في الحديث عنه
" تقع أحداث الفيلم في طوكيو بعد أن إنفصل عميل سري لدى المخابرات عنهم ليبدأ عملًا خاصًا به، يقوم بأداء أي مهمة كانت ما لم تتضمن القتل وزبائنه يبدأون من رجال الأعمال وحتى عصابات الياكوزا، وحتى الحكومة لازالت تستعين به في بعض الأحيان نظرًا لقدرته المذهلة على التخفي والتسلل كان ذلك إلى أن تم إتهامه بجريمة وأصبح المطلوب الأول للعدالة لكن الإمساك به لن يكون سهلًا فلا أحد أصبح يعلم عنه شيئًا غير إسمه الحركي آش، والتواصل معه يكون دائمًا عبر بريد إلكتروني.. الجميع يعرف هذا البريد.. لكن القليلون فقط يتلقون ردًا على طلباتهم. "
إذًا الفيلم هذه المرة أكشن وغموض، منذ زمن لم أقم بواحد فجميع المسلسلات والأفلام الأخيرة التي قمت بها كانت إما كوميديا أو تراجيديا أو رومانسية أرجو فقط أن تكون شخصيتي الجديدة جيدة
أكمل قائلًا وهو يشير ناحيتي:
- أما بطلتنا فهي صحفية تعمل في جريدة إلكترونية، خصصت أغلب قصصها للتحري عن آش وحقيقته مما جعلها تلتقي به وتمر بمشاكل بسببه مع أعدائه والشرطة أيضًا، لكن هذا لم يمنع وقوعها في حبه وإستمرارها في ملاحقته رغم تحذيراته الدائمة لها بأن تبتعد عنه"
أوه حسنًا..لم أتوقع هذا!
فتاة ملاحقة!! لم أقم بدور كهذا من قبل.
جربت الحب من طرف واحد لكن كانت جميعها دراما عادية، وكما يبدو أن شخصية آش هذة مثيرة للإهتمام.
و في النهاية هل ستحظى به كالمعتاد أم سيموت أحدهما؟' سألت أنا.
هنا تدخل كاتب السيناريو قائلًا:
- هذه النقطة سندعها مجهولة بالنسبة للممثلين، ستجدون أنه حتى في السيناريو لم تكتب النهاية. - ولمَ هذا؟
أجابه:
- أريد من الممثلين إختيار النهاية بنفسهم على حسب ما سيمرون به أثناء التمثيل، ما يرون أنه يصلح لأن يكون نهاية بعد تجربتهم لمشاعر الشخصيات والأحداث، حاليًا لدي ثلاث سيناريوهات مختلفه للنهاية، وعلى حسب ما سيخطر على بالكم سننجزها وقد إتفقت مع المخرج والمنتج على ذلك فهل لديكما إعتراض؟
أجبته بسرعة:
- ليس لدي أي إعتراض، من المثير فعل هذا كما أنني تشوقت لمعرفه القصة بالتفصيل
أضاف:
- كما العادة لديك أفكار رائعة
تحدثنا بعدها عن من سيؤدي دور الشخصية السيئة في الفيلم، مع أنه ليس دقيقًاوصفه بالسيء فبطل القصة سيء أكثر منه، المهم أنني قد إقترحت من أدى معي دور البطولة في أخر دراما صورتها " تيتسو ساوادا" فهو يناسب هذا الدور جيدًا كما أن العمل معه سهل
وبينما كان النقاش مستمرًا تذكرت أنني لم أعرف بعد من سيقوم بدور البطولة فسألت عندما ساد صمت قصير:
- عفوًا لكن من سيؤدي دور آش؟ غريب أنه لم يصل حتى الأن، هل يمر بمشكلة ما؟
للمرة الثانية نظر لي جميع من في الغرفة بدهشة كبيرة كأني قلت أن الكرة الأرضية مسطحة!
تحدث المخرج:
- ظننت هذا واضحًا، كوبو ساكوراي هو من سيقوم بدور آش.
هذه المرة أنا من دهشت! ثم سرعان ما قلت وأنا أضع أطراف أصابعي على جبهتي:
- مهلًا مهلًا.. ايوان يمثل! منذ متى وهو يمثل؟
سألت المخرج ومن معه كأن ايوان غير موجود معنا في الغرفة، تكورت أفواه من حولي ما عدا ايوان الذي يبدو "ولسبب لا أدريه" يبدو عليه مقاومة الضحك!! ، قال المخرج بنفس الإستنكار الذي تحدثت به الفتاة قبل الإجتماع:
- أنسة يونا، ألا تتابعين التلفاز أبدًا؟
أجبته بإرتباك:
- آآ حسنًا، أعترف أنني لم أتابع شيئًا غير الأخبار في أخر سبع سنوات.
تدخل كاتب السيناريو:
- إذاً إشاعة أنك لا تشاهدين الدراما التي تمثلينها صحيحة!
بينما تابع بنفس نبرته:
- أتفهم أنك لا تحبين مشاهده نفسك تمثلين لكن ما ذنب بقية الاشياء التي لم تعملي فيها؟
لم أرد إخبارهم أنني أصبحت أكره الدراما والأفلام بشدة لأن هذا لن يبرر كوني أصبحت ممثلة لذلك قلت بإبتسامة واسعة:
- إعتدت على مشاهدة التلفاز قبل أن أصبح ممثلة لكنني أصبحت لا أجد الوقت لذلك الأن.
بعدم إقتناع نظروا إلي، لكن سرعان ما قال المخرج مستسلمًا:
- حسنًا، إن كان الأمر كذلك فسأُعرفك عليه مع أنه غريب تعريفك على مدير أعمالك الحالي والمدير العام للشركة التي تعملين فيها
حاولت أثناء حديثنا أن لا أنظر ناحيته لكني أضطررت الآن لأنظر إليه، عدل كوبو من جلسته وزرر بذلته وابتسامة مرحة على وجهه
قال المخرج:
- إنه السيد ايوان ساكوراي، هو واحد من الوجوه القديمة في التمثيل، بدأ العمل منذ ثلاثة عشرة عامًا أي منذ أن كان في السابعة عشرة، وفي التاسعة عشرة حصل على جائزة أفضل ممثل شاب في البلاد
بعدها بسنة ذهب إلى هوليود للمشاركة في فيلم عالمي ترشح بسبب دوره فيه لأوسكار أفضل شخصية جانبية،فكان أول من يرشح للجائزة رغم عدم فوزه بها، ومنذ وقتها وهو قد إحتل موقعًا مهمًا في خارطة التمثيل
أصبح شريكًا في هذه الشركة، عمل في الإنتاج والإخراج، حاز أحد الافلام التي أخرجها على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان، المهم أن لديه العديد من الإنجازات.
بينما كان المخرج يثرثر كنت أنا أستعيد شريط حياتي إلى ما قبل سبعة أعوام..
أذكر حينها عندما كنت في الخامسة عشرة أنني كنت من المعجبين بشخصية في مسلسل ما مشهور وقتها، وأذكر أن الممثل الذي أدى دور البطل قام بدور مهم في فيلم أخر.
أذكر أنني شاهدت لهذا الممثل العديد من الأفلام والمسلسلات، لكني طبعًا لم أكن أهتم بمعرفة إسمه الحقيقي أو ما يتعلق به. كان فقط بالنسبة لي هو ذلك الرجل الذي أدى دور فلان وعلان.
لذلك لا أعرف إسمه، وبالتأكيد لا أذكر الأن وبعد كل هذا الوقت كيف كان شكله لذلك لست ملامة لعدم تذكري له
اذًا، وبعد كل هذه السنين من الكر والفر إتضح أنني لا أعلم شيئًا عن هذا الـ" ايوان ساكوراي "!
كان نوبوناغا لا يزال " يتحدث " عنه مما جعلني أستنتج أنه من المعجبين به أيضًا بالطبع كنت قد سرحت بتفكيري في منتصف كلامه لذلك لا أعلم ماذا قال بعد.. بعد أخر شيء سمعته
إنتبهت لإيوان الذي كان ينظر لي مبتسمًا بثقة.
لا أدري، ربما ظن أنني قد أعجب به بعد أن عرفت أنه ممثل شهور
قال المخرج أخيرًا:
- كنت منذ زمن أريد أن أجمع بين أفضل ممثلين مرا بي في مسيرتي في فيلم أو دراما والأن قد حانت فرصتي لذلك أعدكم بأن أجعل هذا الفيلم يتحل المركز الأول.
أكمل بثقة ليعلق ايوان:
- بالتأكيد، سنعمل على تحقيق هذا
أختتم الإجتماع بعد ساعة ونصف من النقاش وخرج الجميع وهم يتحدثون فيما بينهم بينما أمسكت أنا بالسيناريو وأخذت أقرأ في مواصفات شخصيتي الجديدة
- في الخامسة والعشرين تماثلني في العمر.
- شعرها أسود هذا جيد، لكنه قصير للأسف، تبًا أكره أن أقص شعري ولا أحب إرتداء الشعر المستعار لذلك أنا مضطرة.
- ترتدي نظارة حمراء كبيرة، تعمل صحفية وتعيش لوحدها في شقة بغرفة واحدة
كونت فكرة عامة عن شكلها الملابس التي ترتديها وتصرفاتها عمومًا. سأقرأ السيناريو هذه الليلة حتى أستطيع الدخول في جو القصة.
وبينما أفكر جلس ايوان بقربي
تجاهلته فإذا به يخطف السيناريو من يدي لألتفت إليه بغضب قائلة:
- أعده لي.
قال:
- لا يزال لدي نصف ساعة لإجتماع التالي، لنذهب ونتناول الغداء معًا
- شكرًا، لستُ جائعة.
ثم أضفت وقد إنتبهت للأمر:
- اذًا هل أفهم أنك تستقيل من كونك مديرًا لأعمالي؟
أخذ نفسًا كأنه يحضر نفسه لما يريد قوله:' يبدو ذلك.. اليوم هو أخر يـ
لم أدعه يكمل جملته وأنا أقول مخرجة هاتفي من حقيبتي:
- جيد، لدي شخص أخر ليعمل في مكانك.
علق بأسى:
- أنتِ محترفة في تحطيم مشاعري.
قلت بلامبالاة:
- جيد، الأن اتركني لوحدي
ليبتسم بخبث قائلًا:
- لا تقلقي فلن نفترق كثيرًا، سنمثل معًا على أية حال
خطر على بالي حينها ما سنمثله معًا فأنا سأمثل دور فتاة معجبه به و تطارده! انعكست الأدوار..
تبًا سيكون ذلك صعبًا، لكن هذه أول مرة أمثل مع شخص أكرهه سيكون من الممتع تغيير شخصيتي وتحدي الظروف التي سأعمل بها معه وسأجعل هذا المتأنق المغرور يعترف بأني أفضل منه
لم أكن منتبه له فقد كان قد فتح السيناريو وأخذ يقرأ فيه. ليقول فجأة بإعجاب كبير:
- يبدو أن هنالك الكثير من المشاهد الرائعة هنا، سأستمتع كثيرًا برؤيتك تمثلين هذا الدور معي.
نظر لي بخبث، ونظرت له بغضب.
أخذت السيناريو الخاص بي منه وخرجت من غرفة الإجتماعات.
خلال الساعات القليلة القادمة إجتمعت مجددًا بمديرة أعمالي السابقة وإسمها "واتانابي" وقد كانت تعمل معي حتى قبل قرابة شهرين عندما توقفت عن العمل من أجل الإعتناء بطفلها، والأن سمعت بعودتها وطلبتها بسرعة خشية أن يعينها أحد قبلي ولحسن حظي إستقال ذلك الأحمق في الوقت المناسب.
ذهبنا إلى إستوديو التسجيل لتسجيل بعض المقاطع الصوتية الخاصة بالدراما التي أنهينا تصويرها البارحة، وقرابة الخامسة كنا قد عدنا إلى مبنى الشركة وذهبت مديرة أعمالي لمكتب الإشراف لإخبارهم برأيي عن العروض التي قدمت لي فقد قررت رفضها جميعًا والتركيز على الفيلم في هذه الفترة
سيستغرق التصوير على حسب المخرج شهرين إن سرنا حسب الجول دون تأخير، بالتالي سيكون لدي الكثير من أيام الإجازة التي أستحقها فأنا منذ سنة وبضعه أشهر لم أخذ أي إجازة وبدأت أشعر أن جسمي يخذلني لذلك لا أريد إتعابه فأسقط مريضة أثناء تصوير الفيلم وأمام ذلك الأحمق، الإحتياط واجب بعد كل شيء
ذهبت الى المطعم في الطابق الأرضي للشركة لأتناول غداءً متأخرًا وعشاءً مبكرًا، دائمًا ما يؤنبني طباخ الشركة على عاداتي الغذائية السيئة، فأحيانًا أتناول وجبة واحدة في اليوم وأحيانًا أخرى لا أنفك عن الأكل. دائمًا ما كنت أتناول الطعام على حسب مزاجي أو ما يقتضيه عملي
لكن هذه المرة وبما أن شخصيتي الجديدة يتوجب عليها أن تكون ممتلئة بعض الشيء فقد بدأت فورًا في مشروع لأزيد وزني ثلاثة كيلو جرامات
غريب أليس كذلك؟ أن أزيد وزني بنفسي. بقية الممثلات لا يخاطرن ولا يمثلن الأدوار التي يتوجب عليهن أن يكن فيها ممتلئات لكنني أفعل أي شيء لأندمج في دوري، كما أن " مينامي " فتاتي الجديدة ليست سمينة بل ممتلئة قليلًا فقط.
عمومًا تناولت غدائي/عشائي وسط إستغراب ممن في المطعم من الكمية المهولة التي أتناولها ثم عدت أدراجي إلى حيث يفترض أن ألتقي بمديرة أعمالي في لوبي الشركة
كنت قد أخرجت هاتفي أتفحص أخبار إستطلاعات الرأي حول مسلسل دبل أس الذي تم إخباري أن عرضه قد إنتهى البارحة، كان مسلسلًا كوميديًا من 10 حلقات فقط لكنه كان ممتعًا بحق.
إبتسمت عندما وجدت تقيمات عالية جدًا والكثير من التعليقات الجميلة، بعضهم كان لا يصدق كيف إستطعت تنفيذ دور ساخر كبطلة ***** والبعض الأخر لم يفاجأ لأنني -"على حد قولهم" أفضل ممثلة ولا شيء يصعب علي.
لم أتمالك نفسي وإبتسمت إبتسامة ملاءت وجهي كله، لم أنتبه وأنا أسير فإصطدمت بشيء ما.
لم يكن حائطًا بالتأكيد فرغم كون ما إصطدمت به كان قاسيًا لكن لم يكن بقساوة الحائط، كما أن لديه رائحة عطرة غزت أنفي بقوة
حككت وجهي ورفعت بصري إلى الواقف أمامي ببذلته الرمادية، واضعًا يديه في جيبي بنطاله وناظرًا إلي نظرة متفحصة
قلت - وأنا أتجاوزه - لأحد العاملين كان يمشي بالجوار فتوقف عندما شاهد إصطدامي به:
- أطلب منهم إزالة هذا الحائط رجاءً
وقبل أن أتخطاه أمسك بي من ساعدي وأعادني لأقف أمامه، عقدت حاجبي قائلة:
- ماذا تريد
قال:
- تصطدمين بي ولا تعتذرين؟ أين اللباقة يا أنسة؟
أجبته:
- بالتأكيد لن أتصرف بلباقة مع حائط!
ضحك قليلًا وإلتفت ناحية العامل طالبًا منه الذهاب فذهب وهو يكتم ضحكة ولديه خبر جديد وإشاعة أخرى حولنا لتنتشر في الشركة كالعادة، قلت بإنزعاج:
- ألا يمكنك التوقف قليلًا عن محاولة جعل الإشاعات تنتشر عنا؟
قال ببساطة:
- لا.. لا يمكنني
- لا يهم، أتركني لأذهب
قلتها وأن أبعد ساعدي عنه وأحاول تخطيه لكنه أمسكني مرة أخرى لكن من معصم يدي اليسرى وأعادني إلى مكاني أمامه بالقوة ثم إنحنى على ركبته اليسرى وأخرج تلك العلبة البيضاء قائلاً:
- تزوجيني
ضربت العلبة بأطراف أصابعي فسقطت أرضًا وتخطيته بدون قول شيء. ويال للعجب ضحك بينما إلتقط العلبة وذهب خلفي قاطعًا طريقي وهو يقول:
- أسف أسف، ليس هذا ما أردتك به
قلت بنفاذ صبر وأنا أضع يدًا فوق الأخرى:
- ماذا تريد؟
أجابني بجدية:
- أين هو مدير أعمالك الجديد؟
قلت بإستغراب:
- لماذا؟ "
أجاب بنفس الجدية:
- لأحذره أن لا يقع في حبك، لا يقترب منك بأكثر من خمسة أمتار، أن لا يدعوك لتناول الغداء، أن لا يتحدث معك في شيء غير العمل وأن لا يذهب معك للتسوق أو يحمل لك أشيائك إلى منزلك.
نظرت له نظره من نوع "أنت أحمق بالتأكيد" لأقاطعه قائلة:
- نفذ هذه الأشياء أولًا ثم أطلبها من مدير أعمالي ولا دخل لك بمدير أعمالي
قلتها بغضب فقال ببراءة:
- لكن إن لم أفعلها فلن أنجح في جعلك تغرمين بي!
تراجع خطوتين ضاحكًا و قائلًا:
- أسف، أسف
عندما نظرت له تلك النظرة
قلت له بين أسناني:
- ليس لديك دخل بي وبحياتي، هل فهمت!!"
ثم تخطيته ذاهبة لأقف فجأة وألتفت ناحيته قائلة:
- ولا تقلق لن أواعد مدير أعمالي لأني لا أواعد النساء
إبتسمت عندما رأيت تلك النظرة البلهاء على وجهه
متكئًا على السيارة ومرتديًا بذلة رمادية كاملة بكل إضافاتها وربطة عنق مخططة مع معطف أسود يصل للركبة
كان مركزًا على هاتفه وهو يراسل شخصًا ما ويضحك أيضًا، لابد أنه يتحدث مع فتاة أخرى بالتأكيد فمن هم مثله يفعلون هذا
توجهت ناحية السيارة وأردت فتح بابي بنفسي لكن يده قد إمتدت قبلي ممسكه بمقبض الباب، ظننت أنه لم ينتبه لي لكنه كان قد أدخل هاتفه إلى جيبه وقال لي وهو يفتح الباب:
- تفضلي أنسة يونا
ركبت من دون أن أعلق كما العادة
الحادية عشرة وخمس وأربعون دقيقة وصلنا إلى مبنى الشركة ولا يزال لدي ربع ساعة حتى موعد الإجتماع فاليوم سأقابل مخرج فيلم سأقوم بتأدية دور البطولة فيه كما سأقابل معه من سيؤدي دور البطل لنتفق على بعض الأمور ولنتسلم نص الفيلم وأيضًا يبدو أننا سنشارك في إختيار بعض الممثلين
نوعًا ما أنا متحمسة لهذا الفيلم فلقد عملت مع هذا المخرج وإسمه نوبوناغا كثيرًا من قبل وقد أخرج العديد من القصص التي لا تزال محفورة في داخلي لذلك أنا أثق به وبإختياره لقصة هذا الفيلم وصلت إلى غرفة الإجتماعات التي سيقام فيها الإجتماع بعد أقل من خمسة عشر دقيقة وقد كان هو من خلفي والغريب في الأمر أنه لم يقم بإجراء أية حوارات صغيرة طوال طريقنا إلى هنا، لكني لن أتذمر بالتأكيد
وجدنا إحدى الموظفات في قسم التمثيل وهي تقوم بتجهيز بعض الأشياء هنا وهناك، إتسعت إبتسامتها عندما رأتنا، بالتأكيد ليس بسببي بل بسبب من يقف خلفي فهو مشهور للغاية في الشركة بشكل غريب من الجنسين، دائمًا دائمًا ما أجده محاطًا بالكثير من الناس
إنحنت الفتاة قائلة:
- مرحبًا بكما
نظرت إلي وقالت بسعادة:
- لقد شاهدت الحلقة الأخيرة البارحة من **** ، لقد أبدعتي كالعادة أنسة يونا.
قلت بإستغراب:
- ألا تزال تُعرض؟
- بالتأكيد، لقد إنتهت البارحة فحسب ألم تشاهديها
أجابتني ببعض إستنكار لأهز رأسي قائلة:
- أنا لا أشاهد الأعمال التي أمثلها
- أوه حقًا، كم هذا غريب
في الحقيقة أنا لا أشاهد اي شيء سواء أمثلت فيه أم لم أمثل فمنذ ذلك اليوم حينما إكتشفت كرهي للمسلسلات لم أشاهد أي شيء وإكتفيت فقط بما أمثله حولت الفتاة نظرها ناحيته وقالت وقد تغيرت نبرتها لجدية:
- سيدي، لقد إنتهت جميع الأقسام من تجهيز ميزانياتها.
كان في البداية يراقب في حوارنا بإستمتاع وعندما سألته تغيرت ملامحه ونبرته لجدية لا تشببه أبدًا ليقول بعد أن عقد يديه معًا:
- نعم لقد أُخطرت بذلك، لدي فراغ بين الثانية والثالثة مساءً سيكون الإجتماع في هذا الوقت.
قامت الفتاة بتسجيل ما قاله في جهاز لوحي ثم تابعت تسائله عن بضعة أشياء أخرى
أخذا يتحدثان لبضع دقائق عن العديد من المواضيع التي تخص إدارة الشركة لأقاطعهما فجأة قائلة:
- مهلًا، مهلًا
نظرا إلي بإستغراب للهجتي المنفعلة، قلت وأنا أشير ناحيته بسبابتي بينما أحدث الفتاة:
- لم تخبرينه بكل هذا؟ أليست هذه واجبات المدير العام! هل يعقل أنك إبن للمدير العام؟
أضفت مشككة وأنا أنظر إليه بحاجب مرفوع، ثم سرعان ما أضفت نافية:
- لكن إسمه إيوان ريوزن وأنت، مهلًا..
ما هو إسمك من جديد؟
سألت بعفوية فنظر لي كلاهما بدهشة
تراجع هو بضعة خطوات مصدومًا فأسرعت الفتاة بكرسي ووضعته خلفه ليجلس عليه واضعًا يده على جهة قلبه، قال:
- هذه كانت قاتلة
علقت الفتاة بالكثير من الإستنكار:
- أنسة يونا، هل أنت جادة بسؤالك هذا؟
أجبتها ببساطة:
- وهل يبدو لك أنني أمزح؟ منذ وقت طويل وأنا أتسأل عن ماهية عملك، أراك في كل مكان لكنني لا أعرف عملك بالتحديد
لا أدري لماذا ولكنه قد إبتسم وغطى تلك الإبتسامة بأن قضم على شفته السفلى وقد شد قبضته على جه قلبه، أجابتني الفتاة بلهجة حملت الكثير من الإنزعاج الذي لم تخفيه:
- إنه السيد كوبو ساكوراي، وهو شريك للسيد ماساشي في ملكية الشركة لذلك أحدثه بكل هذا
- أه صحيح إسمك كوبو لقد نسي.. لكن مهلًا، هل قلتي شريك!
عقدت حاجبي ناظرة إليه فهز رأسه بـنعم، قلت بنبرة مشككة:
- ولم أحد شركاء الشركة يعمل مديرًا لأعمالي؟
أجاب وكأنه أكثر شيء بديهي في العالم:
- حتى أكون قربك أكثر.
لويت شفتي هازئة وتجاهلته ثم ذهبت لأجلس على أحد الكراسي حول طاوله الإجتماع.
تبادل الإثنان بعض الحديث بعدها إلى أن دخل المخرج في تمام الثانية عشرة وقد كان معه بعض الأشخاص عرٌفهم علينا منهم المنتج وكاتب السناريو وأخرون لكن الممثل الرئيسي لم يحضر بعد ولم يبدو أن المخرج يهتم فهو قد بدأ بالحديث فورًا وهذا من ما يعجبني فيه أنه عملي للغاية
إن أحدث أي ممثل اي خطأ لثلاث مرات فإنه سيطرده من موقع التصوير فورًا وسيخصم من مرتبه على حسب عدد ساعات التأخير في التصوير بسببه كما أنه لا يتردد في فعل شيء ويفعل كل ما يراه صحيحًا حتى وإن كان رأي شخص أخر.
المهم أن كلانا قد إندمج في العمل معًا كثيرًا وأصبح هو مخرجي المفضل وأنا ممثلته المفضلة.
كم عمره وأوصافه؟
حسنًا، ليس بأمر مهم لكن لابأس بذكره فهو في الخامسة والأربعين لكن لا يبدو عليه هذا بل يبدو في بداية الثلاثين بملامحه الشابة وشعره الأسود اللامع، يحب إرتداء تلك القبعة التي يرتديها المخرجون والفنانون دائمًا لديه ذقن مدبب أعطاه مظهرًا وقورًا
المهم، وصل الجميع ما عدا الممثل الرئيسي بدأ المخرج حديثه بأن أعطى الجميع نسخة من السناريو وبدأ في الحديث عنه
" تقع أحداث الفيلم في طوكيو بعد أن إنفصل عميل سري لدى المخابرات عنهم ليبدأ عملًا خاصًا به، يقوم بأداء أي مهمة كانت ما لم تتضمن القتل وزبائنه يبدأون من رجال الأعمال وحتى عصابات الياكوزا، وحتى الحكومة لازالت تستعين به في بعض الأحيان نظرًا لقدرته المذهلة على التخفي والتسلل كان ذلك إلى أن تم إتهامه بجريمة وأصبح المطلوب الأول للعدالة لكن الإمساك به لن يكون سهلًا فلا أحد أصبح يعلم عنه شيئًا غير إسمه الحركي آش، والتواصل معه يكون دائمًا عبر بريد إلكتروني.. الجميع يعرف هذا البريد.. لكن القليلون فقط يتلقون ردًا على طلباتهم. "
إذًا الفيلم هذه المرة أكشن وغموض، منذ زمن لم أقم بواحد فجميع المسلسلات والأفلام الأخيرة التي قمت بها كانت إما كوميديا أو تراجيديا أو رومانسية أرجو فقط أن تكون شخصيتي الجديدة جيدة
أكمل قائلًا وهو يشير ناحيتي:
- أما بطلتنا فهي صحفية تعمل في جريدة إلكترونية، خصصت أغلب قصصها للتحري عن آش وحقيقته مما جعلها تلتقي به وتمر بمشاكل بسببه مع أعدائه والشرطة أيضًا، لكن هذا لم يمنع وقوعها في حبه وإستمرارها في ملاحقته رغم تحذيراته الدائمة لها بأن تبتعد عنه"
أوه حسنًا..لم أتوقع هذا!
فتاة ملاحقة!! لم أقم بدور كهذا من قبل.
جربت الحب من طرف واحد لكن كانت جميعها دراما عادية، وكما يبدو أن شخصية آش هذة مثيرة للإهتمام.
و في النهاية هل ستحظى به كالمعتاد أم سيموت أحدهما؟' سألت أنا.
هنا تدخل كاتب السيناريو قائلًا:
- هذه النقطة سندعها مجهولة بالنسبة للممثلين، ستجدون أنه حتى في السيناريو لم تكتب النهاية. - ولمَ هذا؟
أجابه:
- أريد من الممثلين إختيار النهاية بنفسهم على حسب ما سيمرون به أثناء التمثيل، ما يرون أنه يصلح لأن يكون نهاية بعد تجربتهم لمشاعر الشخصيات والأحداث، حاليًا لدي ثلاث سيناريوهات مختلفه للنهاية، وعلى حسب ما سيخطر على بالكم سننجزها وقد إتفقت مع المخرج والمنتج على ذلك فهل لديكما إعتراض؟
أجبته بسرعة:
- ليس لدي أي إعتراض، من المثير فعل هذا كما أنني تشوقت لمعرفه القصة بالتفصيل
أضاف:
- كما العادة لديك أفكار رائعة
تحدثنا بعدها عن من سيؤدي دور الشخصية السيئة في الفيلم، مع أنه ليس دقيقًاوصفه بالسيء فبطل القصة سيء أكثر منه، المهم أنني قد إقترحت من أدى معي دور البطولة في أخر دراما صورتها " تيتسو ساوادا" فهو يناسب هذا الدور جيدًا كما أن العمل معه سهل
وبينما كان النقاش مستمرًا تذكرت أنني لم أعرف بعد من سيقوم بدور البطولة فسألت عندما ساد صمت قصير:
- عفوًا لكن من سيؤدي دور آش؟ غريب أنه لم يصل حتى الأن، هل يمر بمشكلة ما؟
للمرة الثانية نظر لي جميع من في الغرفة بدهشة كبيرة كأني قلت أن الكرة الأرضية مسطحة!
تحدث المخرج:
- ظننت هذا واضحًا، كوبو ساكوراي هو من سيقوم بدور آش.
هذه المرة أنا من دهشت! ثم سرعان ما قلت وأنا أضع أطراف أصابعي على جبهتي:
- مهلًا مهلًا.. ايوان يمثل! منذ متى وهو يمثل؟
سألت المخرج ومن معه كأن ايوان غير موجود معنا في الغرفة، تكورت أفواه من حولي ما عدا ايوان الذي يبدو "ولسبب لا أدريه" يبدو عليه مقاومة الضحك!! ، قال المخرج بنفس الإستنكار الذي تحدثت به الفتاة قبل الإجتماع:
- أنسة يونا، ألا تتابعين التلفاز أبدًا؟
أجبته بإرتباك:
- آآ حسنًا، أعترف أنني لم أتابع شيئًا غير الأخبار في أخر سبع سنوات.
تدخل كاتب السيناريو:
- إذاً إشاعة أنك لا تشاهدين الدراما التي تمثلينها صحيحة!
بينما تابع بنفس نبرته:
- أتفهم أنك لا تحبين مشاهده نفسك تمثلين لكن ما ذنب بقية الاشياء التي لم تعملي فيها؟
لم أرد إخبارهم أنني أصبحت أكره الدراما والأفلام بشدة لأن هذا لن يبرر كوني أصبحت ممثلة لذلك قلت بإبتسامة واسعة:
- إعتدت على مشاهدة التلفاز قبل أن أصبح ممثلة لكنني أصبحت لا أجد الوقت لذلك الأن.
بعدم إقتناع نظروا إلي، لكن سرعان ما قال المخرج مستسلمًا:
- حسنًا، إن كان الأمر كذلك فسأُعرفك عليه مع أنه غريب تعريفك على مدير أعمالك الحالي والمدير العام للشركة التي تعملين فيها
حاولت أثناء حديثنا أن لا أنظر ناحيته لكني أضطررت الآن لأنظر إليه، عدل كوبو من جلسته وزرر بذلته وابتسامة مرحة على وجهه
قال المخرج:
- إنه السيد ايوان ساكوراي، هو واحد من الوجوه القديمة في التمثيل، بدأ العمل منذ ثلاثة عشرة عامًا أي منذ أن كان في السابعة عشرة، وفي التاسعة عشرة حصل على جائزة أفضل ممثل شاب في البلاد
بعدها بسنة ذهب إلى هوليود للمشاركة في فيلم عالمي ترشح بسبب دوره فيه لأوسكار أفضل شخصية جانبية،فكان أول من يرشح للجائزة رغم عدم فوزه بها، ومنذ وقتها وهو قد إحتل موقعًا مهمًا في خارطة التمثيل
أصبح شريكًا في هذه الشركة، عمل في الإنتاج والإخراج، حاز أحد الافلام التي أخرجها على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان، المهم أن لديه العديد من الإنجازات.
بينما كان المخرج يثرثر كنت أنا أستعيد شريط حياتي إلى ما قبل سبعة أعوام..
أذكر حينها عندما كنت في الخامسة عشرة أنني كنت من المعجبين بشخصية في مسلسل ما مشهور وقتها، وأذكر أن الممثل الذي أدى دور البطل قام بدور مهم في فيلم أخر.
أذكر أنني شاهدت لهذا الممثل العديد من الأفلام والمسلسلات، لكني طبعًا لم أكن أهتم بمعرفة إسمه الحقيقي أو ما يتعلق به. كان فقط بالنسبة لي هو ذلك الرجل الذي أدى دور فلان وعلان.
لذلك لا أعرف إسمه، وبالتأكيد لا أذكر الأن وبعد كل هذا الوقت كيف كان شكله لذلك لست ملامة لعدم تذكري له
اذًا، وبعد كل هذه السنين من الكر والفر إتضح أنني لا أعلم شيئًا عن هذا الـ" ايوان ساكوراي "!
كان نوبوناغا لا يزال " يتحدث " عنه مما جعلني أستنتج أنه من المعجبين به أيضًا بالطبع كنت قد سرحت بتفكيري في منتصف كلامه لذلك لا أعلم ماذا قال بعد.. بعد أخر شيء سمعته
إنتبهت لإيوان الذي كان ينظر لي مبتسمًا بثقة.
لا أدري، ربما ظن أنني قد أعجب به بعد أن عرفت أنه ممثل شهور
قال المخرج أخيرًا:
- كنت منذ زمن أريد أن أجمع بين أفضل ممثلين مرا بي في مسيرتي في فيلم أو دراما والأن قد حانت فرصتي لذلك أعدكم بأن أجعل هذا الفيلم يتحل المركز الأول.
أكمل بثقة ليعلق ايوان:
- بالتأكيد، سنعمل على تحقيق هذا
أختتم الإجتماع بعد ساعة ونصف من النقاش وخرج الجميع وهم يتحدثون فيما بينهم بينما أمسكت أنا بالسيناريو وأخذت أقرأ في مواصفات شخصيتي الجديدة
- في الخامسة والعشرين تماثلني في العمر.
- شعرها أسود هذا جيد، لكنه قصير للأسف، تبًا أكره أن أقص شعري ولا أحب إرتداء الشعر المستعار لذلك أنا مضطرة.
- ترتدي نظارة حمراء كبيرة، تعمل صحفية وتعيش لوحدها في شقة بغرفة واحدة
كونت فكرة عامة عن شكلها الملابس التي ترتديها وتصرفاتها عمومًا. سأقرأ السيناريو هذه الليلة حتى أستطيع الدخول في جو القصة.
وبينما أفكر جلس ايوان بقربي
تجاهلته فإذا به يخطف السيناريو من يدي لألتفت إليه بغضب قائلة:
- أعده لي.
قال:
- لا يزال لدي نصف ساعة لإجتماع التالي، لنذهب ونتناول الغداء معًا
- شكرًا، لستُ جائعة.
ثم أضفت وقد إنتبهت للأمر:
- اذًا هل أفهم أنك تستقيل من كونك مديرًا لأعمالي؟
أخذ نفسًا كأنه يحضر نفسه لما يريد قوله:' يبدو ذلك.. اليوم هو أخر يـ
لم أدعه يكمل جملته وأنا أقول مخرجة هاتفي من حقيبتي:
- جيد، لدي شخص أخر ليعمل في مكانك.
علق بأسى:
- أنتِ محترفة في تحطيم مشاعري.
قلت بلامبالاة:
- جيد، الأن اتركني لوحدي
ليبتسم بخبث قائلًا:
- لا تقلقي فلن نفترق كثيرًا، سنمثل معًا على أية حال
خطر على بالي حينها ما سنمثله معًا فأنا سأمثل دور فتاة معجبه به و تطارده! انعكست الأدوار..
تبًا سيكون ذلك صعبًا، لكن هذه أول مرة أمثل مع شخص أكرهه سيكون من الممتع تغيير شخصيتي وتحدي الظروف التي سأعمل بها معه وسأجعل هذا المتأنق المغرور يعترف بأني أفضل منه
لم أكن منتبه له فقد كان قد فتح السيناريو وأخذ يقرأ فيه. ليقول فجأة بإعجاب كبير:
- يبدو أن هنالك الكثير من المشاهد الرائعة هنا، سأستمتع كثيرًا برؤيتك تمثلين هذا الدور معي.
نظر لي بخبث، ونظرت له بغضب.
أخذت السيناريو الخاص بي منه وخرجت من غرفة الإجتماعات.
خلال الساعات القليلة القادمة إجتمعت مجددًا بمديرة أعمالي السابقة وإسمها "واتانابي" وقد كانت تعمل معي حتى قبل قرابة شهرين عندما توقفت عن العمل من أجل الإعتناء بطفلها، والأن سمعت بعودتها وطلبتها بسرعة خشية أن يعينها أحد قبلي ولحسن حظي إستقال ذلك الأحمق في الوقت المناسب.
ذهبنا إلى إستوديو التسجيل لتسجيل بعض المقاطع الصوتية الخاصة بالدراما التي أنهينا تصويرها البارحة، وقرابة الخامسة كنا قد عدنا إلى مبنى الشركة وذهبت مديرة أعمالي لمكتب الإشراف لإخبارهم برأيي عن العروض التي قدمت لي فقد قررت رفضها جميعًا والتركيز على الفيلم في هذه الفترة
سيستغرق التصوير على حسب المخرج شهرين إن سرنا حسب الجول دون تأخير، بالتالي سيكون لدي الكثير من أيام الإجازة التي أستحقها فأنا منذ سنة وبضعه أشهر لم أخذ أي إجازة وبدأت أشعر أن جسمي يخذلني لذلك لا أريد إتعابه فأسقط مريضة أثناء تصوير الفيلم وأمام ذلك الأحمق، الإحتياط واجب بعد كل شيء
ذهبت الى المطعم في الطابق الأرضي للشركة لأتناول غداءً متأخرًا وعشاءً مبكرًا، دائمًا ما يؤنبني طباخ الشركة على عاداتي الغذائية السيئة، فأحيانًا أتناول وجبة واحدة في اليوم وأحيانًا أخرى لا أنفك عن الأكل. دائمًا ما كنت أتناول الطعام على حسب مزاجي أو ما يقتضيه عملي
لكن هذه المرة وبما أن شخصيتي الجديدة يتوجب عليها أن تكون ممتلئة بعض الشيء فقد بدأت فورًا في مشروع لأزيد وزني ثلاثة كيلو جرامات
غريب أليس كذلك؟ أن أزيد وزني بنفسي. بقية الممثلات لا يخاطرن ولا يمثلن الأدوار التي يتوجب عليهن أن يكن فيها ممتلئات لكنني أفعل أي شيء لأندمج في دوري، كما أن " مينامي " فتاتي الجديدة ليست سمينة بل ممتلئة قليلًا فقط.
عمومًا تناولت غدائي/عشائي وسط إستغراب ممن في المطعم من الكمية المهولة التي أتناولها ثم عدت أدراجي إلى حيث يفترض أن ألتقي بمديرة أعمالي في لوبي الشركة
كنت قد أخرجت هاتفي أتفحص أخبار إستطلاعات الرأي حول مسلسل دبل أس الذي تم إخباري أن عرضه قد إنتهى البارحة، كان مسلسلًا كوميديًا من 10 حلقات فقط لكنه كان ممتعًا بحق.
إبتسمت عندما وجدت تقيمات عالية جدًا والكثير من التعليقات الجميلة، بعضهم كان لا يصدق كيف إستطعت تنفيذ دور ساخر كبطلة ***** والبعض الأخر لم يفاجأ لأنني -"على حد قولهم" أفضل ممثلة ولا شيء يصعب علي.
لم أتمالك نفسي وإبتسمت إبتسامة ملاءت وجهي كله، لم أنتبه وأنا أسير فإصطدمت بشيء ما.
لم يكن حائطًا بالتأكيد فرغم كون ما إصطدمت به كان قاسيًا لكن لم يكن بقساوة الحائط، كما أن لديه رائحة عطرة غزت أنفي بقوة
حككت وجهي ورفعت بصري إلى الواقف أمامي ببذلته الرمادية، واضعًا يديه في جيبي بنطاله وناظرًا إلي نظرة متفحصة
قلت - وأنا أتجاوزه - لأحد العاملين كان يمشي بالجوار فتوقف عندما شاهد إصطدامي به:
- أطلب منهم إزالة هذا الحائط رجاءً
وقبل أن أتخطاه أمسك بي من ساعدي وأعادني لأقف أمامه، عقدت حاجبي قائلة:
- ماذا تريد
قال:
- تصطدمين بي ولا تعتذرين؟ أين اللباقة يا أنسة؟
أجبته:
- بالتأكيد لن أتصرف بلباقة مع حائط!
ضحك قليلًا وإلتفت ناحية العامل طالبًا منه الذهاب فذهب وهو يكتم ضحكة ولديه خبر جديد وإشاعة أخرى حولنا لتنتشر في الشركة كالعادة، قلت بإنزعاج:
- ألا يمكنك التوقف قليلًا عن محاولة جعل الإشاعات تنتشر عنا؟
قال ببساطة:
- لا.. لا يمكنني
- لا يهم، أتركني لأذهب
قلتها وأن أبعد ساعدي عنه وأحاول تخطيه لكنه أمسكني مرة أخرى لكن من معصم يدي اليسرى وأعادني إلى مكاني أمامه بالقوة ثم إنحنى على ركبته اليسرى وأخرج تلك العلبة البيضاء قائلاً:
- تزوجيني
ضربت العلبة بأطراف أصابعي فسقطت أرضًا وتخطيته بدون قول شيء. ويال للعجب ضحك بينما إلتقط العلبة وذهب خلفي قاطعًا طريقي وهو يقول:
- أسف أسف، ليس هذا ما أردتك به
قلت بنفاذ صبر وأنا أضع يدًا فوق الأخرى:
- ماذا تريد؟
أجابني بجدية:
- أين هو مدير أعمالك الجديد؟
قلت بإستغراب:
- لماذا؟ "
أجاب بنفس الجدية:
- لأحذره أن لا يقع في حبك، لا يقترب منك بأكثر من خمسة أمتار، أن لا يدعوك لتناول الغداء، أن لا يتحدث معك في شيء غير العمل وأن لا يذهب معك للتسوق أو يحمل لك أشيائك إلى منزلك.
نظرت له نظره من نوع "أنت أحمق بالتأكيد" لأقاطعه قائلة:
- نفذ هذه الأشياء أولًا ثم أطلبها من مدير أعمالي ولا دخل لك بمدير أعمالي
قلتها بغضب فقال ببراءة:
- لكن إن لم أفعلها فلن أنجح في جعلك تغرمين بي!
تراجع خطوتين ضاحكًا و قائلًا:
- أسف، أسف
عندما نظرت له تلك النظرة
قلت له بين أسناني:
- ليس لديك دخل بي وبحياتي، هل فهمت!!"
ثم تخطيته ذاهبة لأقف فجأة وألتفت ناحيته قائلة:
- ولا تقلق لن أواعد مدير أعمالي لأني لا أواعد النساء
إبتسمت عندما رأيت تلك النظرة البلهاء على وجهه