الفصل الاول
الفصل الأول
عادت إلى شقتها متأففة وحانقة، أزاحت بعصبية خُصلاتِ شعرها البنيّ المُحمر الطويل من أمام وجهها لتعود الخصلة مرة أخرى وتغطي بعض جبينها وعينها اليسرى المُحمرة من كثرة البكاء، أخذت تردد من بين أسنانها بعد أن دخلت سور مبنى شقتها وأصبحت بعيدة عن الأعين في الشارع:
- غبي غبي غبي وكاذب أيضًا
ركلّت حافةِ السلم بباطن حذائها الأسود ذو الكعب العالي فإرتج إصبعها داخله وتأوَّهَت ألمًا نادمة على فعلتها ثم إتخذت طريقها ناحية الطابق الثاني حيث شقتها.. ضمت معطفها الأسود إليها مخفية بذلك فستانها الرمادي المُصمم من أحدث دور الأزياء بجواربه الطويلة وإكسسوارته التي طلبتها له خصيصًا لتشعر بأنها أغبى إنسانة بعد كل هذا المجهود الذي قامت به لمقابله حبيبها، قد ظنت أنه أخيرًا وبعد سنتين من المواعده والمشاكل العصيبة التي واجهت علاقتهما وإنتهت بأن جعلتها أقوى وأمتن؛ ظنَت أنهُ سيطلُب يدها للزواج في هذا الموعد لذلكَ تأنقت كما لم تفعَل من قبل، فإذا بها تفاجأت بعد إنتظار دام لمدة ربع ساعة بـ"رسالة هاتفية" منه أخبرها فيها أنه لن يستطيع القدوم لأن لديه حالة طارئة في العمل!
هي تفهم أحوال عمله وليس لديها إعتراض لكن ذنبها الوحيد أنها قد رفعت من أمالها عاليًا لذلك كان تحطمها قويًا، تنهدت بحسرة عندما وصلت إلى طابقها وقد شدت قبضتيها على يد حقيبتها الغالية، توجهت مطأطئة رأسها إلى شقتها ومع إقترابها لاحظت إلى وجود حذاء شخص يقف أمام باب شقتها، رفعت بصرها ببطء ليظهر هو أمامها
وبأبهى حالة كان إرتدى بذله سوداء غالية وربطة عنق رمادية ماثلة فستانها، كان يحمل في يده اليسرى باقة من زهور حمراء فاقعة اللون مربوطه بشريط أحمر أيضًا، وقف متكئًا على باب شقتها ثم إلتفت ناحيتها مخرجًا يده اليمنى من جيبه ومبتسمًا تلك الإبتسامة التي طالما أذابت قلبها، قال لها:
- لقد تأخرتي، ظننتُ أنكِ لن تأتي أبدًا.
قالت وهي تُحارب دموع سعادتها لكي لا تسقط:
- أيها الغبي لم فعلت هذا؟
ليجيبها وهو يأخذ يدها اليمنى ويجعلها تمسك بالباقة:
- حتى تكون المفاجأة أجمل.
كانت الزهور جميلة للغاية، شعرت أن وجنتيها قد صارتا بلونها من فرط سعادتها، إستنشقت عبيرها ثم قالت بخجل:
- شكرًا لك
لم يقل شيئًا بل إبتسم ثم أمسك بيدها اليسرى وفي حركة مفاجئة لها إنحنى على ركبته اليسرى وهو لا يزال ممسكًا بيدها ثم أخرج علبه بيضاء صغيرة وفتحها بيد واحدة ليبدو لها الخاتم الماسي داخلها، رفع العلبة قليلًا ثم قال لها بحب كبير:
- أتقبلين أن تكوني شريكة لحياتي؟
تكور فمها للحظة ثم ما لبث أن إنهمرت تلك الدموع التي حاولت حبسها، لتقول فورًا ودون تفكير:
- بالتأكيد أقبل
ملأت الراحة وجهه بعد ردها ثم أخرج الخاتم بيدٍ متحمسة ووضعه في إصبعها ثم طبع قبلة رقيقة في أطراف أصابعها
أراد النهوض لكنه فوجئ بها تحيط عنقه بيديها وهي تبكي بسعادة، تعثر للخلف وسقط جالسًا وهي فوقه، ربت على ظهرها وإبتسامة كبيرة على وجهه.
(CT)
هتف بها المخرج لينتهي تصوير المشهد، إبتعدتُ عن زميلي الممثل وأنا أمسح الدموع التي ملأت وجهي بعد أن وضعت باقة الأزهار الثقيلة جانبًا، سمعنا صوت التصفيق من طاقم التصوير من خلفنا
كم كبير من الناس كانوا يعملون وراء الكواليس..
المصورون ومراقبوا الموقع، حاملوا المرايا و المايكرفون ومختصوا المكياج، وأخرون للسيناريو والعديد من المهام الأخرى التي جعلت الفريق يبدو كعائلة ممتدة صغيرة، جميعهم كانوا يراقبون أخر مشهد سنصوره من الدراما التي بدأنها منذ ستة أشهر مضت.. إقتربت مني إحدى العاملات معطية إياي منديلًا لأمسح به دموعي، قالت بإبتسامة كبيرة:
- لقد عملت عملًا رائعًا كالمعتاد تمثيلك واقعي للغاية لقد كدت أن أبكي معك لولا أن الاوراق كانت ستقع من يدي لو تحركت.
إبتسمت لها وشكرتها، إمتدت يد أحدهم ليساعدني على النهوض فإذا به تيتسو ساوادا من يؤدي دور بطل الدراما.
نشأت بيننا صداقة جيدة أثناء تصوير الدراما فرغم شخصية البطلة المعتادة والمبتذلة للغاية كانت شخصية البطل رائعة ومتقنة، إستطاع أن يحتل المركز الأول في إستطلاعات الرأي لعشرة أسابيع متتالية منذ أن بدأ عرض الدراما قبل عشرة أسابيع!
أمسكت يبده وساعدني على النهوض قائلًا:
- للمرة الألف لم أرى ممثلة تمثل بهذه الإحترافية من قبل لقد إستمتعت كثيرًا بتصوير هذا المسلسل معكِ.
- وأنا أيضًا لي الشرف بالتمثيل معك فراس
رددت عليه بينما إقترب المخرج منا وهو يصفق بحماس كبير:
- أنا سعيد للغاية أننا إنتهينا من تصوير المسلسل بنجاح وحزين أيضًا لأنني سأفقد فرصة العمل مع إثنين من أفضل الممثلين.
صدقاني من بين كل أعمالي كان هذا العمل أسهلها ليس سوى لأنكما قد جعلتماه رائعًا وسهل الإخراج بتمثيلكما المدهش.
تبادلنا معه الحديث والمجاملات بينما بدأ العاملون من حولنا تفكيك الموقع أثناء تبادل التهاني
إفترقنا بعدها لأذهب إلى عربة الزينة الخاصة بي وبعد أن أنهت مساعداتي عملهن تركنني وحدي في العربة أجلس أمام مرآتي
نظرت إلى شكلي، شعري الذي غيرت لونه من أسود إلى بني محمر حتى أناسب هذه الشخصية، أمسكت بخصلة منه ولففتها بسبابتي قائلة بنبرة مرتاحة:
- أخيرًا أستطيع إعادتك للونك الحقيقي
كان تغيير شكلي أسوأ شيء في مهنتي هذه إذ لم أحب يومًا أن أغير من شكل ولون شعري فأنا احبه كما هو، أسود وطويل إلى منتصف ظهري لكن في سبيل أن أؤدي عملي بإتقان سأفعل أي شيء.
إبتسمت حينما رأيت دفتر السيناريو أمامي في التسريحة، كان السيناريو السابق جميلًا رغم عدم محبتي لشخصية البطلة لكنه إحتوى على الكثير من المواقف الرومانسية التي جعلت قلبي يرفرف فأنا في النهاية لم أبدأ العمل كممثلة إلا لكوني أبحث عن مثل تلك السعادة.. لا تفهموني خطأ ودعوني أشرح وجهة نظري
بدأ كل شيء وأنا في الثانية عشرة عندما قرأت أول مجلة في حياتي وتعرفت وقتها على تلك الكلمة التي يطلقون عليها (الحب).
وقتها أخذت أقرأ أي مجلة تقع عليها عيني علني أعرف المزيد وأغوص أكثر في تلك المشاعر الجديدة عليّ وأخذت أتأمل وأنتظر إلى ذلك اليوم الذي سأجد فيه حبي الحقيقي كما في تلك المجلات تمامًا
- كنت مراهقة حمقاء، أعرف ذلك، تقدمت في العمر ودخلت الثانوية ولازلت لم أجد حبي الحقيقي! كُنت حينها قد أصبحت من عشاق الدراما والأفلام العاطفية، لم أحب الممثلين في حد ذاتهم كما بقية الفتيات بل أعجبت فقط بشخصياتهم في الأعمال التي شاهدتها.. كان حلم حياتي أن أعيش قصة حب كما عاشت بطلة تلك الدراما، وأن أجد توأم روحي مثل ما حدث في ذلك المسلسل
المهم أنني وعندما كنت في الصف الثاني من الثانوية إلتقيت بأحدهم أخيرًا
كل شيء كان مثاليًا، إعترف لي أنه معجب بي منذ زمن وطلب مواعدتي ووافقت! ظننت حينها أنني قد بدأت عيش حلمي وكانت أيامي وردية كما يقولون، عشت شهر عسل طويل حقق الكثير من خيالاتي وقتها.. كان ذلك إلى أن إستوعبت أن ذلك الأحمق مجرد أحمق!
مجرد فتى مراهق يريد إشباع رغباته لا يأبه إلا بهذا وذاك بل لم يمتلك أي نوع من المشاعر ناحيتي، فقط أراد علاقة محسوسة. يومها كنت قد إكتشفت أنني جميلة بالنسبة للاولاد مما يجعلهم يريدون قربي واستغلالي والتباهي بذلك وهذا ما فطر قلبي.. أنه لم يحمل أي مشاعر حقيقية لي كما حملت تجاهه
كان إنفاصلي عنه صعبًا فهو قد أبى أن يتركني وقد واجهت بسببه مشاكل كبيرة ومواقف وصلت إلى حد محاولة للإعتداء، لا أذكر كيف إنتهت تلك المعمة المهم أنني قد عشت سليمة من تلك المأساة لكن بعد أن حدثت ضجة كبيرة جعلت من حياتي جحيمًا، وبسبب ذلك الحادث عرفت أن لا وجود للحب في هذا العالم
بدا لي الجميع منافقين، كلهم يريدون الإقتراب مني لأسباب تافهة لذلك إبتعدت عنهم وإبتعدت عن العالم. منذ حينها أغلقت على نفسي عن الجميع وإختصرت تواصلي مع عائلتي فقط، وياللغرابة رغم كوني أصبحت لا أعترف بالحب إلا أنني لم أكره المسلسلات والمجلات بل العكس تمامًا!
فمنذ ذلك الحادث زاد معدل مشاهدتي وقرأتي لهم، أصبحت أقضي جل وقتي الذي لا أقضيه في المدرسة في مشاهده المسلسلات بكل أنواعها، فإن كان الحب غير موجود في عالمنا الحقيقي فهو موجود في التلفاز، المجلات والروايات أرجوكم كفى.. أعلم كنت أنني فتاة غبية حالمة فلا داعي لتكرارها كثيرًا، قرأت وشاهدت الكثير من تلك البرامج حتى أتخمت، استمر ذلك إلى الوقت حينما كنت في السنة الثالثة من الثانوية في الخريف بالتحديد، حينما كان يجب أن أبدأ الدراسة من أجل دخول الكلية.
كنت حينها أشاهد مسلسلًا كوريًا، ممسكة بكتاب بين يدي وعيناي مثبتته على الشاشة، كان مشهدًا يخبر فيه البطل صديقه عن مدى حبه لتلك الفتاة وأنه فعل كل شيء حتى يساعدها في عملها دون أن تدري
لا أدري لماذا كان هذا المشهد تحديدًا الزناد الذي حركني
شعرت حينها بغيظ شديد فأنا قد وصلت لحالي المثيرة للشفقة هذه بسبب هذه المسلسلات وبسبب سذاجتي وغبائي بالتأكيد. في تلك اللحظة علمت أنني أكره هذه المسلسلات، أكرهها حقًا.!
رميت الكتاب الذي كان في يدي على الشاشة تمامًا في منتصف وجه الممثل ثم إستلقيت على سريري حانقة، هتفت بغيظ كبير:
- كم هم محظوظون أولئك الممثلون فحتى لو كان تمثيلًا هم سيتطيعون أن يعيشوا مشاعر كهذه لبعض الوقت.
ووسط حنقي وغيظي راودتني فكرة!
فكرة مجنونة ما كان يجب أن تخطر على فتاة لديها مستقبل أكاديمي ينتظرها.. أن أصير ممثلة أيضًا!
لم أفكر كثيرًا في الأمر فسرعان ما نهضت من سريري وتوقفت أمام مرآتي بالحجم الطبيعي ناظرة إلى نفسي، بالتأكيد أنا أبدو جميلة، عيناي ليست صغيرة للغاية ولدي رموش طويلة، وجهي متناسق الملامح وطولي مناسب وشعري مثالي.. إبتسمت بثقة، شيء لم أفعله من شهور طويلة، أحسست أن هنالك أمرًا ما بإمكاني أن أفعله بشغف مرة أخرى، رميت كتب الدراسة من على المكتب وأخذت حاسوبي وبدأت بالبحث عن شركات المواهب وإستقر رأي على واحدة منها بدت أنسب لي
وفي الصباح التالي ومن دون أي تأخير وبدون أن أخبر أي أحد ذهبت لأداء إختبار للمواهب
وفي ذلك اليوم في خريف سنتي الثالثة من الثانوية كنت الوحيدة التي قبلت من بين 100 مرشحة أخرى.. وفي ذلك اليوم ولدت الممثلة يونا.
كان ذلك قبل سبع سنوات، حتى أنا لم أتوقع أن أحقق إنجازات كبيرة، ظننت أنني قد أعمل لسنتين أو ثلاثة قبل أن تبدأ الشركات في تجاهلي وعدم التوقيع معي لكن وخلال سنة فقط إستطعت الحصول على دور رئيسي في دراما نجحت نجاحًا باهرًا، بعد ذلك توالت العروض للمسلسلات والأفلام علي حتى أصبحت من أشهر الوجوه الجديدة وفي غضون بضعة سنوات أصبحت الأفضل في مجالي
الجميع يسألني عن سري في تمثيلي المتقن، أكذب عليهم وأقول لأنني أحب مهنتي لكن الحقيقة أنني ومنذ اللحظة التي أستلم فيها السناريو تولد (أنا) جديدة وتبدأ قصة جديدة لحياتي أعيش تفاصيلها نقطة بنقطة وأغرق في خباياها ورغم كونه مجرد تمثيل إلا أنني حققت هدفي بنجاح كبير
كانت الساعة التاسعة مساءً، سيذهب طاقم التصوير للإحتفال وتناول الشراب ولكوني لا أشرب الكحول التي ستضر بجسدي لاحقًا إن شربتها فأنا دائمًا خارج هذه الإحتفالات
غيرت ثيابي وإرتديت معطفًا ثقيلًا فالجو ليلًا بارد للغاية
وقفت أمام باب العربة مخرجة نفسًا عميقًا لأجهز للنفسي لما وراء هذا الباب ثم فتحته لأجده يقف متكئًا على الجانب الأيسر من الباب وفي يده باقة زهور حمراء شبيه للتي إستخدمناها في المشهد.
وبالتأكيد كان يرتدي بذلة سوداء وإن كانت أكثر غلاءً من التي إستعملناها في المشهد
عقدت حاجبي بغيظ وزممت شفتي معًا حينما إلتقت عينانا بينما كان هو مبتسمًا بإتساع. إقترب مني وأنا لا أزال واقفة في أعلى عتبة لدرجات العربة، توقف أمامي مباشرة لأكون أطول منه في لحظة نادرة، مد الباقة ناحيتي وقال بنبرة دافئة:
- تهاني على إنتهائك من تصوير الدراما
لم أرد عليه بل رفعت يدي وسط غيظي وأشرت له بأن يبتعد من أمامي إلا أنه أمسك بيدي المرفوعة وأخرج بطريقة ما علبة بيضاء صغيرة شبيه بتلك التي إستعملناها خلال التصوير وفتحها ليبدو خاتم كريستالي بحلقة ذهبية كان أبعد ما يكون عن الذي استعملناه خلال التصوير، قال وهو يبتسم بإستمتاع:
- أتقبلين الزواج بي؟
تأففت، فقط عندما كنتُ سعيدة جاء هذا الأحمق ليعيدني للواقع، أبعدتُ يدي عن يده بحدة وقلت وأنا أتخطاه:
- حتى وإن كنت أخر رجل في الدنيا لن أتزوجك
أعاد العلبة إلى جيبه وهو لايزال يبتسم وسار بقربي قائلًا بثقة:
- سنرى بشأن ذلك.
لم أعلق فمثله لا يفيد إلا تطنيشه
من هو؟
هو شخص أحمق وكاذب كبير يدعي أنه يحبني منذ قرابة ثلاثة سنوات لا أدري حقًا ما عمله، أراه في شركة الإنتاج التي أعمل بها لكن لا أدري ما عمله بالتحديد. مرة يكون في قسم التمثيل، ومرة يكون منتجًا لفيلم ما وتارة أخرى يكون مخرجًا وأول مرة ألتقيه فيها كان في إختبار الدخول قبل سبع سنوات وقد كان وقتها أحد أفراد لجنة الإختبار!
وحاليًا هو يعمل كمدير أعمالي!
ذهبنا ناحية السيارة، فتح لي الباب بصمت مُريب لأجلس في الداخل، ذهب بالجهة المقابلة للباب الأخر فتحه ووضع باقة الأزهار التي تجاهلتها بقربي ثم جلس في مقعد السائق، سأل بعد أن بدأ بالقيادة:
- ما رأيكِ بالمطعم المُفتتِح جديدًا؟
أجبت بإستغراب:
- ذلك المطعم الذي اشتهِر بسرعةِ البرق؟ إنه جيد سمعت به كثيرًا، لكن لماذا؟ هل لدي موعد عمل فيه؟
أجاب وهو يغير من إتجاه سيرنا:
- بل لنتناول العشاء فيه.
قلت بإعتراض:
- ولم قد أتناول العشاء معك! من ثم أنا متعبة وأريد الراحة.
رد كأن الإجابة أكثر شيء بديهي في المجرة:
- لأنني أريد الخروج معك في موعد ومن ثم غدًا ليس لديكِ أي مواعيد حتى الثانية عشرة تستطيعين الراحه جيدًا.
تنهدت وقلت مستسلمة:
- حسنًا لا بأس.
للحظة لم يقل شيئًا وتابع القيادة بصمت، أظنه مصدومًا لكنه سرعان ما قال بحماس:
- عشر دقائق ونصل سيكون أفضل عشاء ستتناولينه في حياتك.
لم أقل شيئًا بل أخرجت هاتفي وأرسلت رسالة لسائق أجرة أعرفه بأن ينتظرني أمام بوابة المطعم خلال عشر دقائق وانتظرت حتى وصلنا
بسرعة أراد فك حزام الأمان والمجيئ لكي يفتح لي بابي، لكنني نزلت قبل أن يخرج من السيارة وتوجهت فورًا ناحية سيارة الأجرة التي كانت قد وصلت للتو، نزل من السيارة وقال بإستنكار:
- مهلًا... إلى أين تذهبين؟
لم أرد بل إبتسمت له بخبث قبل أن أدخل سيارة الأجرة وننطلق تاركين إياه يقف قرب سيارته كالأحمق.. مهلًا هو بالفعل أحمق
إستيقظت الساعة التاسعة صباحًا، إرتديت روبي وذهبت للمطبخ لأعد بعض الإفطار لكن ثلاجتي كانت فارغة، لم أجد وقتًا في الأيام الماضية للتسوق والأن أنا أشعر بجوع شديد وليس لدي الرغبة في تناول طعام المطاعم
أعددت لنفسي مشروب شوكولا ساخنة شربته على عجل بينما إرتديت ثيابي للذهاب للسوبر ماركت بالتأكيد الذهاب بلا تخفي سيكون مشكلة فمرة تعرف علي بعض المعجبين وطاردوني حتى عرفوا مكان سكني فإضطررت للإنتقال من ذلك المبنى
لذلك إرتديت بنطالًا من الجينز الأزرق الفاتح وحذاءً ذو رقبة عالية إلى الركبة، كنزة صوفية بيضاء ومعطف أزرق غامق واسع وإرتديت قبعة صوفية كبيرة أخفيت كل شعري داخلها ونظارات كبيرة بدون عدسات، قد يبدو أنني أبالغ لكن صدقوني لست كذلك!
نزلت إلى الطابق السفلي للمبنى السكني حيث حياني رجل الإستقبال، أشرت له بيدي ثم توجهت بخطوات مسرعة عبر الباب الزجاجي الكبير لأجده يقف خارجًا!!
تجمدت للحظة في مكاني، ما الذي يفعله هنا؟ بل منذ متى وهو هنا؟؟ لم يكن من المفترض أن يأتي إلا في الساعه الحادية عشرة والنصف ليقلني!!
تنهدت بنفاذ صبر فإنتبه لي، كالعادة يرتدي بذلات رجالية من أغلى الماركات تجعله يبدو صغيرًا في السن ورشيقًا ورغم كوني أظنه أكبر مني بكثير إلا أنه رغم ذلك لا يبدو أنه قد تجاوز العشرينات
عندما إقترب مني وهو يحيني تحية الصباح تراجعت أنا للخلف قائلة بنبرة مهددة:
- لا تقترب مني وما الذي تفعله هنا؟
أجاب بعد أن استجاب لتهديدي وتوقف في مكانه:
- أريد الذهاب معك للتسوق
قلت بإستغراب:
- كيف عرفت أنني ذاهبة للتس...
أكملت بإشمئزاز وقد أدركت:
- مهلًا هل تراقبني إيوان؟هل أنت مطارد يا هذا؟ لم قد تعين الشركة شخصًا مقرفًا مثلك كمدير لأعمالي
تظاهر بالألم واضعًا يده في جهة قلبه وقائلًا:
- لقد كان ذلك قاسيًا آلمني قلبي يا يونا.
لكنه سرعان ما أكمل بحيوية:
- لكن نعم يمكن القول أنني مطارد لكِ لكن ليس بالطريقة التي تفكرين فيها.
إقترب ووضع يده في منتصف ظهري محفزًا إياي على المسير ومكملًا:
- لقد إستنتجت أنك ستذهبين هذا الصباح للتسوق لانك لم تجدي وقتًا في الأيام الماضية لفعل ذلك، ومما أعرفه عنك أنك تحبين في أوقات فراغك تناول طعام من صنع يدك بدلًا عن الذهاب لمطعم ما، لذلك توقعت ذهابك للتسوق.
- لكن كيف عرفت الوقت الذي سأخرج فيه!
هز كتفيه مجيبًا:
- لم أعرف لذلك كنت أقف أمام بوابة المبنى منذ السابعة.
أظهرت على وجهي علامات الإشمئزاز:
- أخبرني ما فرقك من المطاردين الأخرين؟ لا شيء! أنت فقط شخص مثير للإشمئزاز وكاذب كبير.
أبعد يده عن ظهري وتوقفنا عن المسير في صمت نظر لي خلاله بملامح جامدة ونظرت له بغضب، لكن وكعادته سرعان ما إبتسم وقال غامزًا بعينه:
- أحيانًا أشعر أنني غبي بسببك.
زاد الإشمئزاز في ملامحي وإبتعدت عنه بسرعة كأنه حامل لوباء ما ليطلق ضحكة عالية ويتابع المسير من خلفي دون تعليق هذه المرة إلى أن وصلنا للسوبر ماركت
قبل أن أخذ سلة المشتريات من مكانها كان قد إلتقطها لم أهتم به وأخذت واحدة أخرى، ترك التي في يده وذهب خلفي، وحينما شردت وأنا أختار ما بين حبات الطماطم أخذ السلة مني ووضع فيها الحبات التي إخترتها
قال وهو يسير أمامي:
- أتريدين بعض البصل الأخضر؟
لم أجب فأخذ بضعة حبات ووضعها في السلة على أي حال.. إشتريت الكثير من الأشياء فلا أعرف متى سأستطيع الذهاب للتسوق مرة أخرى وأيضًا حتى أجعل هذا المنافق يحمل الكثير والكثير من الأشياء بما أنه تطوع دون طلب مني أن يحمل المشتروات بنفسه وعند الحساب كان الرقم بالتأكيد كبيرًا
أخرجت محفظتي لأخرج بطاقة الإئتمان لأجده قد أعطى الموظفة بطاقته، قلت بغضب وأنا أمسك ببطاقته من يدها وأدفعها لصدره:
- إياك، استطيع الدفع لنفسي
قال ببرائه مدافعًا عن نفسه:
- ماذا؟ أريد الدفع لشرابي فقط
قالها وهو يرفع زجاجتي عصير برتقال ناحيتي ثم مالبث أن إبتسم مضيفًا:
- لكن إن كنت تريدين مني أن أدفع فسأفعل بكل سرو..
قاطعته وأنا أعطي الموظفه بطاقتي:
- شكرًا لا أريد خدماتك.
أخذنا أو بالأصح أخذ هو جميع الأكياس، وعندما وصلنا للمبنى السكني أخذتُ أبحث عن موظف الإستقبال حتى يأخد منه الأكياس فأنا بالتأكيد لا أريد منه أن يدخل إلى شقتي لكنه قال حينها:
- لا تتعبي نفسك فموظف الإستقبال قد أُستدعي من قِبل صاحب البناية أخبرني بذلك قبل أن يخرج
- وكيف أخبرك بذلك.
لكنه لم يرد علي وهو يتوجه ناحية المصعد كأن المنزل منزله:
- كم رقم الطابق الذي تعيشين فيه
شعرت بغيظ شديد، من هو حتى يفعل كل هذا؟ ذهبت بخطوات غاضبة ناحية المصعد وضغط رقم الطابق الثامن وتحركنا.
- شقتك جميلة
قالها وهو ينظر من حوله أثناء وضعه للحاجيات على طاولة المطبخ.
قلت وأنا أبدأ تفريغ الاشياء:
- يمكنك الذهاب الأن لا شيء لتفعله
قال بإحتجاج:
- أهكذا تعاملين من ساعدك في حمل حاجياتك، أين كلمة الشكر؟
- لم أطلب منك ذلك، يمكنك أن تشكر نفسك بنفسك
قال وهو يتكئ على طاولة التحضير حيث كنت أفرغ الأشياء:
- لمَ تكرهينني لهذا الدرجة؟
أجبته:
- ولمَ قد لا أكرهك؟
قال:
- أهكذا تعاملين كل من يريد الزواج منك؟
قلت:
- نعم
أدار شفتيه مفكرًا ليقول بلامبالاة وهو يخرج العصير الذي إشتراه:
- حسنًا أنا مختلف عن الباقين
أعطاني إحدى الزجاجتين فوضعتها جانبًا وسألت ببعض فضول:
- وفيما أنت مختلف؟
أجاب وهو يتخذ مجلسًا في أريكتي ويبتسم إبتسامة واثقة:
- لأنني من سيحظى بكِ في النهاية
كان يجب أن أتوقع ذلك
نظرت له بغضب واضعة يدًا فوق الأخرى:
- إيوان أنت، لقد طردتك قبل قليل أليس لديك كرامة!
أجاب ببساطة بعد أن أخذ رشفة من عصيره وقد كان قد وضع ساقيه على طاولتي الزجاجية:
- من أجلك أنتِ يمكنني السير عاريًا في شارع الموضة إن تطلب الأمر ذلك
لم أقل شيئًا بل رفعت هاتفي وبدأت بإدخال بعض الأرقام نهض فجأة قائلًا بشك:
- أنت لا تتصلين بالشرطة أليس كذلك؟
إبتسمت بخبث وأنا أضع الهاتف على أذني:
- بلى كذلك
قال بسرعة وهو يتجه ناحية الباب:
- أسف أسف.. ها أنا ذا سأخرج
إختفى من ناظري وسمعت صوته في المدخل يرتدي حذائه، أغلقت الخط قبل أن يردوا علي وتنهدت مرتاحه فأخيرًا سأتخلص منه. فجأة أقبل برأسه عبر الزاوية قائلًا بمرح:
- بعد التفكير لن أسير في شارع الموضه عاريًا من أجلك هذا كثير علي فأنسي ما قلته وأيضًا... أراكِ بعد ساعة ونصف يونا
قبل أن أقوم بأي ردة فعل كان قد خرج
ذلك الأحمق والمنافق.
عادت إلى شقتها متأففة وحانقة، أزاحت بعصبية خُصلاتِ شعرها البنيّ المُحمر الطويل من أمام وجهها لتعود الخصلة مرة أخرى وتغطي بعض جبينها وعينها اليسرى المُحمرة من كثرة البكاء، أخذت تردد من بين أسنانها بعد أن دخلت سور مبنى شقتها وأصبحت بعيدة عن الأعين في الشارع:
- غبي غبي غبي وكاذب أيضًا
ركلّت حافةِ السلم بباطن حذائها الأسود ذو الكعب العالي فإرتج إصبعها داخله وتأوَّهَت ألمًا نادمة على فعلتها ثم إتخذت طريقها ناحية الطابق الثاني حيث شقتها.. ضمت معطفها الأسود إليها مخفية بذلك فستانها الرمادي المُصمم من أحدث دور الأزياء بجواربه الطويلة وإكسسوارته التي طلبتها له خصيصًا لتشعر بأنها أغبى إنسانة بعد كل هذا المجهود الذي قامت به لمقابله حبيبها، قد ظنت أنه أخيرًا وبعد سنتين من المواعده والمشاكل العصيبة التي واجهت علاقتهما وإنتهت بأن جعلتها أقوى وأمتن؛ ظنَت أنهُ سيطلُب يدها للزواج في هذا الموعد لذلكَ تأنقت كما لم تفعَل من قبل، فإذا بها تفاجأت بعد إنتظار دام لمدة ربع ساعة بـ"رسالة هاتفية" منه أخبرها فيها أنه لن يستطيع القدوم لأن لديه حالة طارئة في العمل!
هي تفهم أحوال عمله وليس لديها إعتراض لكن ذنبها الوحيد أنها قد رفعت من أمالها عاليًا لذلك كان تحطمها قويًا، تنهدت بحسرة عندما وصلت إلى طابقها وقد شدت قبضتيها على يد حقيبتها الغالية، توجهت مطأطئة رأسها إلى شقتها ومع إقترابها لاحظت إلى وجود حذاء شخص يقف أمام باب شقتها، رفعت بصرها ببطء ليظهر هو أمامها
وبأبهى حالة كان إرتدى بذله سوداء غالية وربطة عنق رمادية ماثلة فستانها، كان يحمل في يده اليسرى باقة من زهور حمراء فاقعة اللون مربوطه بشريط أحمر أيضًا، وقف متكئًا على باب شقتها ثم إلتفت ناحيتها مخرجًا يده اليمنى من جيبه ومبتسمًا تلك الإبتسامة التي طالما أذابت قلبها، قال لها:
- لقد تأخرتي، ظننتُ أنكِ لن تأتي أبدًا.
قالت وهي تُحارب دموع سعادتها لكي لا تسقط:
- أيها الغبي لم فعلت هذا؟
ليجيبها وهو يأخذ يدها اليمنى ويجعلها تمسك بالباقة:
- حتى تكون المفاجأة أجمل.
كانت الزهور جميلة للغاية، شعرت أن وجنتيها قد صارتا بلونها من فرط سعادتها، إستنشقت عبيرها ثم قالت بخجل:
- شكرًا لك
لم يقل شيئًا بل إبتسم ثم أمسك بيدها اليسرى وفي حركة مفاجئة لها إنحنى على ركبته اليسرى وهو لا يزال ممسكًا بيدها ثم أخرج علبه بيضاء صغيرة وفتحها بيد واحدة ليبدو لها الخاتم الماسي داخلها، رفع العلبة قليلًا ثم قال لها بحب كبير:
- أتقبلين أن تكوني شريكة لحياتي؟
تكور فمها للحظة ثم ما لبث أن إنهمرت تلك الدموع التي حاولت حبسها، لتقول فورًا ودون تفكير:
- بالتأكيد أقبل
ملأت الراحة وجهه بعد ردها ثم أخرج الخاتم بيدٍ متحمسة ووضعه في إصبعها ثم طبع قبلة رقيقة في أطراف أصابعها
أراد النهوض لكنه فوجئ بها تحيط عنقه بيديها وهي تبكي بسعادة، تعثر للخلف وسقط جالسًا وهي فوقه، ربت على ظهرها وإبتسامة كبيرة على وجهه.
(CT)
هتف بها المخرج لينتهي تصوير المشهد، إبتعدتُ عن زميلي الممثل وأنا أمسح الدموع التي ملأت وجهي بعد أن وضعت باقة الأزهار الثقيلة جانبًا، سمعنا صوت التصفيق من طاقم التصوير من خلفنا
كم كبير من الناس كانوا يعملون وراء الكواليس..
المصورون ومراقبوا الموقع، حاملوا المرايا و المايكرفون ومختصوا المكياج، وأخرون للسيناريو والعديد من المهام الأخرى التي جعلت الفريق يبدو كعائلة ممتدة صغيرة، جميعهم كانوا يراقبون أخر مشهد سنصوره من الدراما التي بدأنها منذ ستة أشهر مضت.. إقتربت مني إحدى العاملات معطية إياي منديلًا لأمسح به دموعي، قالت بإبتسامة كبيرة:
- لقد عملت عملًا رائعًا كالمعتاد تمثيلك واقعي للغاية لقد كدت أن أبكي معك لولا أن الاوراق كانت ستقع من يدي لو تحركت.
إبتسمت لها وشكرتها، إمتدت يد أحدهم ليساعدني على النهوض فإذا به تيتسو ساوادا من يؤدي دور بطل الدراما.
نشأت بيننا صداقة جيدة أثناء تصوير الدراما فرغم شخصية البطلة المعتادة والمبتذلة للغاية كانت شخصية البطل رائعة ومتقنة، إستطاع أن يحتل المركز الأول في إستطلاعات الرأي لعشرة أسابيع متتالية منذ أن بدأ عرض الدراما قبل عشرة أسابيع!
أمسكت يبده وساعدني على النهوض قائلًا:
- للمرة الألف لم أرى ممثلة تمثل بهذه الإحترافية من قبل لقد إستمتعت كثيرًا بتصوير هذا المسلسل معكِ.
- وأنا أيضًا لي الشرف بالتمثيل معك فراس
رددت عليه بينما إقترب المخرج منا وهو يصفق بحماس كبير:
- أنا سعيد للغاية أننا إنتهينا من تصوير المسلسل بنجاح وحزين أيضًا لأنني سأفقد فرصة العمل مع إثنين من أفضل الممثلين.
صدقاني من بين كل أعمالي كان هذا العمل أسهلها ليس سوى لأنكما قد جعلتماه رائعًا وسهل الإخراج بتمثيلكما المدهش.
تبادلنا معه الحديث والمجاملات بينما بدأ العاملون من حولنا تفكيك الموقع أثناء تبادل التهاني
إفترقنا بعدها لأذهب إلى عربة الزينة الخاصة بي وبعد أن أنهت مساعداتي عملهن تركنني وحدي في العربة أجلس أمام مرآتي
نظرت إلى شكلي، شعري الذي غيرت لونه من أسود إلى بني محمر حتى أناسب هذه الشخصية، أمسكت بخصلة منه ولففتها بسبابتي قائلة بنبرة مرتاحة:
- أخيرًا أستطيع إعادتك للونك الحقيقي
كان تغيير شكلي أسوأ شيء في مهنتي هذه إذ لم أحب يومًا أن أغير من شكل ولون شعري فأنا احبه كما هو، أسود وطويل إلى منتصف ظهري لكن في سبيل أن أؤدي عملي بإتقان سأفعل أي شيء.
إبتسمت حينما رأيت دفتر السيناريو أمامي في التسريحة، كان السيناريو السابق جميلًا رغم عدم محبتي لشخصية البطلة لكنه إحتوى على الكثير من المواقف الرومانسية التي جعلت قلبي يرفرف فأنا في النهاية لم أبدأ العمل كممثلة إلا لكوني أبحث عن مثل تلك السعادة.. لا تفهموني خطأ ودعوني أشرح وجهة نظري
بدأ كل شيء وأنا في الثانية عشرة عندما قرأت أول مجلة في حياتي وتعرفت وقتها على تلك الكلمة التي يطلقون عليها (الحب).
وقتها أخذت أقرأ أي مجلة تقع عليها عيني علني أعرف المزيد وأغوص أكثر في تلك المشاعر الجديدة عليّ وأخذت أتأمل وأنتظر إلى ذلك اليوم الذي سأجد فيه حبي الحقيقي كما في تلك المجلات تمامًا
- كنت مراهقة حمقاء، أعرف ذلك، تقدمت في العمر ودخلت الثانوية ولازلت لم أجد حبي الحقيقي! كُنت حينها قد أصبحت من عشاق الدراما والأفلام العاطفية، لم أحب الممثلين في حد ذاتهم كما بقية الفتيات بل أعجبت فقط بشخصياتهم في الأعمال التي شاهدتها.. كان حلم حياتي أن أعيش قصة حب كما عاشت بطلة تلك الدراما، وأن أجد توأم روحي مثل ما حدث في ذلك المسلسل
المهم أنني وعندما كنت في الصف الثاني من الثانوية إلتقيت بأحدهم أخيرًا
كل شيء كان مثاليًا، إعترف لي أنه معجب بي منذ زمن وطلب مواعدتي ووافقت! ظننت حينها أنني قد بدأت عيش حلمي وكانت أيامي وردية كما يقولون، عشت شهر عسل طويل حقق الكثير من خيالاتي وقتها.. كان ذلك إلى أن إستوعبت أن ذلك الأحمق مجرد أحمق!
مجرد فتى مراهق يريد إشباع رغباته لا يأبه إلا بهذا وذاك بل لم يمتلك أي نوع من المشاعر ناحيتي، فقط أراد علاقة محسوسة. يومها كنت قد إكتشفت أنني جميلة بالنسبة للاولاد مما يجعلهم يريدون قربي واستغلالي والتباهي بذلك وهذا ما فطر قلبي.. أنه لم يحمل أي مشاعر حقيقية لي كما حملت تجاهه
كان إنفاصلي عنه صعبًا فهو قد أبى أن يتركني وقد واجهت بسببه مشاكل كبيرة ومواقف وصلت إلى حد محاولة للإعتداء، لا أذكر كيف إنتهت تلك المعمة المهم أنني قد عشت سليمة من تلك المأساة لكن بعد أن حدثت ضجة كبيرة جعلت من حياتي جحيمًا، وبسبب ذلك الحادث عرفت أن لا وجود للحب في هذا العالم
بدا لي الجميع منافقين، كلهم يريدون الإقتراب مني لأسباب تافهة لذلك إبتعدت عنهم وإبتعدت عن العالم. منذ حينها أغلقت على نفسي عن الجميع وإختصرت تواصلي مع عائلتي فقط، وياللغرابة رغم كوني أصبحت لا أعترف بالحب إلا أنني لم أكره المسلسلات والمجلات بل العكس تمامًا!
فمنذ ذلك الحادث زاد معدل مشاهدتي وقرأتي لهم، أصبحت أقضي جل وقتي الذي لا أقضيه في المدرسة في مشاهده المسلسلات بكل أنواعها، فإن كان الحب غير موجود في عالمنا الحقيقي فهو موجود في التلفاز، المجلات والروايات أرجوكم كفى.. أعلم كنت أنني فتاة غبية حالمة فلا داعي لتكرارها كثيرًا، قرأت وشاهدت الكثير من تلك البرامج حتى أتخمت، استمر ذلك إلى الوقت حينما كنت في السنة الثالثة من الثانوية في الخريف بالتحديد، حينما كان يجب أن أبدأ الدراسة من أجل دخول الكلية.
كنت حينها أشاهد مسلسلًا كوريًا، ممسكة بكتاب بين يدي وعيناي مثبتته على الشاشة، كان مشهدًا يخبر فيه البطل صديقه عن مدى حبه لتلك الفتاة وأنه فعل كل شيء حتى يساعدها في عملها دون أن تدري
لا أدري لماذا كان هذا المشهد تحديدًا الزناد الذي حركني
شعرت حينها بغيظ شديد فأنا قد وصلت لحالي المثيرة للشفقة هذه بسبب هذه المسلسلات وبسبب سذاجتي وغبائي بالتأكيد. في تلك اللحظة علمت أنني أكره هذه المسلسلات، أكرهها حقًا.!
رميت الكتاب الذي كان في يدي على الشاشة تمامًا في منتصف وجه الممثل ثم إستلقيت على سريري حانقة، هتفت بغيظ كبير:
- كم هم محظوظون أولئك الممثلون فحتى لو كان تمثيلًا هم سيتطيعون أن يعيشوا مشاعر كهذه لبعض الوقت.
ووسط حنقي وغيظي راودتني فكرة!
فكرة مجنونة ما كان يجب أن تخطر على فتاة لديها مستقبل أكاديمي ينتظرها.. أن أصير ممثلة أيضًا!
لم أفكر كثيرًا في الأمر فسرعان ما نهضت من سريري وتوقفت أمام مرآتي بالحجم الطبيعي ناظرة إلى نفسي، بالتأكيد أنا أبدو جميلة، عيناي ليست صغيرة للغاية ولدي رموش طويلة، وجهي متناسق الملامح وطولي مناسب وشعري مثالي.. إبتسمت بثقة، شيء لم أفعله من شهور طويلة، أحسست أن هنالك أمرًا ما بإمكاني أن أفعله بشغف مرة أخرى، رميت كتب الدراسة من على المكتب وأخذت حاسوبي وبدأت بالبحث عن شركات المواهب وإستقر رأي على واحدة منها بدت أنسب لي
وفي الصباح التالي ومن دون أي تأخير وبدون أن أخبر أي أحد ذهبت لأداء إختبار للمواهب
وفي ذلك اليوم في خريف سنتي الثالثة من الثانوية كنت الوحيدة التي قبلت من بين 100 مرشحة أخرى.. وفي ذلك اليوم ولدت الممثلة يونا.
كان ذلك قبل سبع سنوات، حتى أنا لم أتوقع أن أحقق إنجازات كبيرة، ظننت أنني قد أعمل لسنتين أو ثلاثة قبل أن تبدأ الشركات في تجاهلي وعدم التوقيع معي لكن وخلال سنة فقط إستطعت الحصول على دور رئيسي في دراما نجحت نجاحًا باهرًا، بعد ذلك توالت العروض للمسلسلات والأفلام علي حتى أصبحت من أشهر الوجوه الجديدة وفي غضون بضعة سنوات أصبحت الأفضل في مجالي
الجميع يسألني عن سري في تمثيلي المتقن، أكذب عليهم وأقول لأنني أحب مهنتي لكن الحقيقة أنني ومنذ اللحظة التي أستلم فيها السناريو تولد (أنا) جديدة وتبدأ قصة جديدة لحياتي أعيش تفاصيلها نقطة بنقطة وأغرق في خباياها ورغم كونه مجرد تمثيل إلا أنني حققت هدفي بنجاح كبير
كانت الساعة التاسعة مساءً، سيذهب طاقم التصوير للإحتفال وتناول الشراب ولكوني لا أشرب الكحول التي ستضر بجسدي لاحقًا إن شربتها فأنا دائمًا خارج هذه الإحتفالات
غيرت ثيابي وإرتديت معطفًا ثقيلًا فالجو ليلًا بارد للغاية
وقفت أمام باب العربة مخرجة نفسًا عميقًا لأجهز للنفسي لما وراء هذا الباب ثم فتحته لأجده يقف متكئًا على الجانب الأيسر من الباب وفي يده باقة زهور حمراء شبيه للتي إستخدمناها في المشهد.
وبالتأكيد كان يرتدي بذلة سوداء وإن كانت أكثر غلاءً من التي إستعملناها في المشهد
عقدت حاجبي بغيظ وزممت شفتي معًا حينما إلتقت عينانا بينما كان هو مبتسمًا بإتساع. إقترب مني وأنا لا أزال واقفة في أعلى عتبة لدرجات العربة، توقف أمامي مباشرة لأكون أطول منه في لحظة نادرة، مد الباقة ناحيتي وقال بنبرة دافئة:
- تهاني على إنتهائك من تصوير الدراما
لم أرد عليه بل رفعت يدي وسط غيظي وأشرت له بأن يبتعد من أمامي إلا أنه أمسك بيدي المرفوعة وأخرج بطريقة ما علبة بيضاء صغيرة شبيه بتلك التي إستعملناها خلال التصوير وفتحها ليبدو خاتم كريستالي بحلقة ذهبية كان أبعد ما يكون عن الذي استعملناه خلال التصوير، قال وهو يبتسم بإستمتاع:
- أتقبلين الزواج بي؟
تأففت، فقط عندما كنتُ سعيدة جاء هذا الأحمق ليعيدني للواقع، أبعدتُ يدي عن يده بحدة وقلت وأنا أتخطاه:
- حتى وإن كنت أخر رجل في الدنيا لن أتزوجك
أعاد العلبة إلى جيبه وهو لايزال يبتسم وسار بقربي قائلًا بثقة:
- سنرى بشأن ذلك.
لم أعلق فمثله لا يفيد إلا تطنيشه
من هو؟
هو شخص أحمق وكاذب كبير يدعي أنه يحبني منذ قرابة ثلاثة سنوات لا أدري حقًا ما عمله، أراه في شركة الإنتاج التي أعمل بها لكن لا أدري ما عمله بالتحديد. مرة يكون في قسم التمثيل، ومرة يكون منتجًا لفيلم ما وتارة أخرى يكون مخرجًا وأول مرة ألتقيه فيها كان في إختبار الدخول قبل سبع سنوات وقد كان وقتها أحد أفراد لجنة الإختبار!
وحاليًا هو يعمل كمدير أعمالي!
ذهبنا ناحية السيارة، فتح لي الباب بصمت مُريب لأجلس في الداخل، ذهب بالجهة المقابلة للباب الأخر فتحه ووضع باقة الأزهار التي تجاهلتها بقربي ثم جلس في مقعد السائق، سأل بعد أن بدأ بالقيادة:
- ما رأيكِ بالمطعم المُفتتِح جديدًا؟
أجبت بإستغراب:
- ذلك المطعم الذي اشتهِر بسرعةِ البرق؟ إنه جيد سمعت به كثيرًا، لكن لماذا؟ هل لدي موعد عمل فيه؟
أجاب وهو يغير من إتجاه سيرنا:
- بل لنتناول العشاء فيه.
قلت بإعتراض:
- ولم قد أتناول العشاء معك! من ثم أنا متعبة وأريد الراحة.
رد كأن الإجابة أكثر شيء بديهي في المجرة:
- لأنني أريد الخروج معك في موعد ومن ثم غدًا ليس لديكِ أي مواعيد حتى الثانية عشرة تستطيعين الراحه جيدًا.
تنهدت وقلت مستسلمة:
- حسنًا لا بأس.
للحظة لم يقل شيئًا وتابع القيادة بصمت، أظنه مصدومًا لكنه سرعان ما قال بحماس:
- عشر دقائق ونصل سيكون أفضل عشاء ستتناولينه في حياتك.
لم أقل شيئًا بل أخرجت هاتفي وأرسلت رسالة لسائق أجرة أعرفه بأن ينتظرني أمام بوابة المطعم خلال عشر دقائق وانتظرت حتى وصلنا
بسرعة أراد فك حزام الأمان والمجيئ لكي يفتح لي بابي، لكنني نزلت قبل أن يخرج من السيارة وتوجهت فورًا ناحية سيارة الأجرة التي كانت قد وصلت للتو، نزل من السيارة وقال بإستنكار:
- مهلًا... إلى أين تذهبين؟
لم أرد بل إبتسمت له بخبث قبل أن أدخل سيارة الأجرة وننطلق تاركين إياه يقف قرب سيارته كالأحمق.. مهلًا هو بالفعل أحمق
إستيقظت الساعة التاسعة صباحًا، إرتديت روبي وذهبت للمطبخ لأعد بعض الإفطار لكن ثلاجتي كانت فارغة، لم أجد وقتًا في الأيام الماضية للتسوق والأن أنا أشعر بجوع شديد وليس لدي الرغبة في تناول طعام المطاعم
أعددت لنفسي مشروب شوكولا ساخنة شربته على عجل بينما إرتديت ثيابي للذهاب للسوبر ماركت بالتأكيد الذهاب بلا تخفي سيكون مشكلة فمرة تعرف علي بعض المعجبين وطاردوني حتى عرفوا مكان سكني فإضطررت للإنتقال من ذلك المبنى
لذلك إرتديت بنطالًا من الجينز الأزرق الفاتح وحذاءً ذو رقبة عالية إلى الركبة، كنزة صوفية بيضاء ومعطف أزرق غامق واسع وإرتديت قبعة صوفية كبيرة أخفيت كل شعري داخلها ونظارات كبيرة بدون عدسات، قد يبدو أنني أبالغ لكن صدقوني لست كذلك!
نزلت إلى الطابق السفلي للمبنى السكني حيث حياني رجل الإستقبال، أشرت له بيدي ثم توجهت بخطوات مسرعة عبر الباب الزجاجي الكبير لأجده يقف خارجًا!!
تجمدت للحظة في مكاني، ما الذي يفعله هنا؟ بل منذ متى وهو هنا؟؟ لم يكن من المفترض أن يأتي إلا في الساعه الحادية عشرة والنصف ليقلني!!
تنهدت بنفاذ صبر فإنتبه لي، كالعادة يرتدي بذلات رجالية من أغلى الماركات تجعله يبدو صغيرًا في السن ورشيقًا ورغم كوني أظنه أكبر مني بكثير إلا أنه رغم ذلك لا يبدو أنه قد تجاوز العشرينات
عندما إقترب مني وهو يحيني تحية الصباح تراجعت أنا للخلف قائلة بنبرة مهددة:
- لا تقترب مني وما الذي تفعله هنا؟
أجاب بعد أن استجاب لتهديدي وتوقف في مكانه:
- أريد الذهاب معك للتسوق
قلت بإستغراب:
- كيف عرفت أنني ذاهبة للتس...
أكملت بإشمئزاز وقد أدركت:
- مهلًا هل تراقبني إيوان؟هل أنت مطارد يا هذا؟ لم قد تعين الشركة شخصًا مقرفًا مثلك كمدير لأعمالي
تظاهر بالألم واضعًا يده في جهة قلبه وقائلًا:
- لقد كان ذلك قاسيًا آلمني قلبي يا يونا.
لكنه سرعان ما أكمل بحيوية:
- لكن نعم يمكن القول أنني مطارد لكِ لكن ليس بالطريقة التي تفكرين فيها.
إقترب ووضع يده في منتصف ظهري محفزًا إياي على المسير ومكملًا:
- لقد إستنتجت أنك ستذهبين هذا الصباح للتسوق لانك لم تجدي وقتًا في الأيام الماضية لفعل ذلك، ومما أعرفه عنك أنك تحبين في أوقات فراغك تناول طعام من صنع يدك بدلًا عن الذهاب لمطعم ما، لذلك توقعت ذهابك للتسوق.
- لكن كيف عرفت الوقت الذي سأخرج فيه!
هز كتفيه مجيبًا:
- لم أعرف لذلك كنت أقف أمام بوابة المبنى منذ السابعة.
أظهرت على وجهي علامات الإشمئزاز:
- أخبرني ما فرقك من المطاردين الأخرين؟ لا شيء! أنت فقط شخص مثير للإشمئزاز وكاذب كبير.
أبعد يده عن ظهري وتوقفنا عن المسير في صمت نظر لي خلاله بملامح جامدة ونظرت له بغضب، لكن وكعادته سرعان ما إبتسم وقال غامزًا بعينه:
- أحيانًا أشعر أنني غبي بسببك.
زاد الإشمئزاز في ملامحي وإبتعدت عنه بسرعة كأنه حامل لوباء ما ليطلق ضحكة عالية ويتابع المسير من خلفي دون تعليق هذه المرة إلى أن وصلنا للسوبر ماركت
قبل أن أخذ سلة المشتريات من مكانها كان قد إلتقطها لم أهتم به وأخذت واحدة أخرى، ترك التي في يده وذهب خلفي، وحينما شردت وأنا أختار ما بين حبات الطماطم أخذ السلة مني ووضع فيها الحبات التي إخترتها
قال وهو يسير أمامي:
- أتريدين بعض البصل الأخضر؟
لم أجب فأخذ بضعة حبات ووضعها في السلة على أي حال.. إشتريت الكثير من الأشياء فلا أعرف متى سأستطيع الذهاب للتسوق مرة أخرى وأيضًا حتى أجعل هذا المنافق يحمل الكثير والكثير من الأشياء بما أنه تطوع دون طلب مني أن يحمل المشتروات بنفسه وعند الحساب كان الرقم بالتأكيد كبيرًا
أخرجت محفظتي لأخرج بطاقة الإئتمان لأجده قد أعطى الموظفة بطاقته، قلت بغضب وأنا أمسك ببطاقته من يدها وأدفعها لصدره:
- إياك، استطيع الدفع لنفسي
قال ببرائه مدافعًا عن نفسه:
- ماذا؟ أريد الدفع لشرابي فقط
قالها وهو يرفع زجاجتي عصير برتقال ناحيتي ثم مالبث أن إبتسم مضيفًا:
- لكن إن كنت تريدين مني أن أدفع فسأفعل بكل سرو..
قاطعته وأنا أعطي الموظفه بطاقتي:
- شكرًا لا أريد خدماتك.
أخذنا أو بالأصح أخذ هو جميع الأكياس، وعندما وصلنا للمبنى السكني أخذتُ أبحث عن موظف الإستقبال حتى يأخد منه الأكياس فأنا بالتأكيد لا أريد منه أن يدخل إلى شقتي لكنه قال حينها:
- لا تتعبي نفسك فموظف الإستقبال قد أُستدعي من قِبل صاحب البناية أخبرني بذلك قبل أن يخرج
- وكيف أخبرك بذلك.
لكنه لم يرد علي وهو يتوجه ناحية المصعد كأن المنزل منزله:
- كم رقم الطابق الذي تعيشين فيه
شعرت بغيظ شديد، من هو حتى يفعل كل هذا؟ ذهبت بخطوات غاضبة ناحية المصعد وضغط رقم الطابق الثامن وتحركنا.
- شقتك جميلة
قالها وهو ينظر من حوله أثناء وضعه للحاجيات على طاولة المطبخ.
قلت وأنا أبدأ تفريغ الاشياء:
- يمكنك الذهاب الأن لا شيء لتفعله
قال بإحتجاج:
- أهكذا تعاملين من ساعدك في حمل حاجياتك، أين كلمة الشكر؟
- لم أطلب منك ذلك، يمكنك أن تشكر نفسك بنفسك
قال وهو يتكئ على طاولة التحضير حيث كنت أفرغ الأشياء:
- لمَ تكرهينني لهذا الدرجة؟
أجبته:
- ولمَ قد لا أكرهك؟
قال:
- أهكذا تعاملين كل من يريد الزواج منك؟
قلت:
- نعم
أدار شفتيه مفكرًا ليقول بلامبالاة وهو يخرج العصير الذي إشتراه:
- حسنًا أنا مختلف عن الباقين
أعطاني إحدى الزجاجتين فوضعتها جانبًا وسألت ببعض فضول:
- وفيما أنت مختلف؟
أجاب وهو يتخذ مجلسًا في أريكتي ويبتسم إبتسامة واثقة:
- لأنني من سيحظى بكِ في النهاية
كان يجب أن أتوقع ذلك
نظرت له بغضب واضعة يدًا فوق الأخرى:
- إيوان أنت، لقد طردتك قبل قليل أليس لديك كرامة!
أجاب ببساطة بعد أن أخذ رشفة من عصيره وقد كان قد وضع ساقيه على طاولتي الزجاجية:
- من أجلك أنتِ يمكنني السير عاريًا في شارع الموضة إن تطلب الأمر ذلك
لم أقل شيئًا بل رفعت هاتفي وبدأت بإدخال بعض الأرقام نهض فجأة قائلًا بشك:
- أنت لا تتصلين بالشرطة أليس كذلك؟
إبتسمت بخبث وأنا أضع الهاتف على أذني:
- بلى كذلك
قال بسرعة وهو يتجه ناحية الباب:
- أسف أسف.. ها أنا ذا سأخرج
إختفى من ناظري وسمعت صوته في المدخل يرتدي حذائه، أغلقت الخط قبل أن يردوا علي وتنهدت مرتاحه فأخيرًا سأتخلص منه. فجأة أقبل برأسه عبر الزاوية قائلًا بمرح:
- بعد التفكير لن أسير في شارع الموضه عاريًا من أجلك هذا كثير علي فأنسي ما قلته وأيضًا... أراكِ بعد ساعة ونصف يونا
قبل أن أقوم بأي ردة فعل كان قد خرج
ذلك الأحمق والمنافق.