الفصل الثالث

تجلس كل من أم منصور و أم مروان و هن يبتسمن لبعضهن و تحدق كل منهن في عيون الأخرى
ثم تضحك أم منصور و تقول:
كيف حالك يا أم سماح و كيف حال سماح الغالية
و كيف حال هذا الشقي الصغير

فتجيبها أم سماح قائلةً:
الحمد لله على تمام النعمة، الكل بخير
و لا ينقصنا شيء و لله الحمد

يدخل هنا أبو منصور و يقول:
زوجة أخي المرحوم عندنا يا أهلاً و سهلاً و مرحبا
كيف حالك يا أم سماح

فتجيب أم سماح قائلة:
أهلاً بك يا أبا منصور،
أنا بخير و الحمد لله أخبرني عن صحتك يا أخي أتمنى أن يديم الله عليك الصحة و العافية

فيجيبها أبا منصور بعد أن يجلس بجوارها و يقول:
الحمد لله، اعذريني يا زوجة أخي إذا كنت قد قصرت بالسؤال عنكم في الآونة الأخيرة، و لكن العمل في الأرض يأخذ كل وقتي و أعود في المساء و أنا منهمك من التعب و لا أصدق أن أضع رأسي على المخدة حتى ياخذني النوم بسرعة من شدة التعب.

فترد عليه أم سماح و تقول: لا عليك يا أبا منصور، أنا أعلم بذلك و لو كان ينقصني شيء لكنت طلبته منك بدون تردد،
أدام الله عليك الصحة و العافية، و رزقك طويلة العمر .

تسكت قليلاً، ثم تأخذ نفساً عميقاً و تردف قائلاً:
بصراحة يا أبا منصور أنا قادمة أليكم اليوم لأراك أنت تحديداً و لكي أتكلم معك بموضوع مهم و مصيري.

يفتح أبا منصور عيونه بشدة متعجباً و ينظر إلى زوجة أخيه المرحوم و يقول لها:
ما الأمر يا أم سماح؟!
تكلمي لقد أشغلتي بالي!!

فتجيبه أم سماح قائلةً:
في الحقيقة لقد قدمت إلينا أم مروان في الامس
و طلبت يد ابنتي سماح لولدها مروان على سنة الله و رسوله،
و لكنني طلبت منها أن تمهلني فترة من الزمن لكي أكلمك في الموضوع و استشيرك فيه

هنا تدخل أم منصور حاملةً صينية الشاي، فتبتسم عند سماعها خبر خطبة سماح ثم تجلس بجانب أم سماح تصب الشاي و تقول:
و الله إنه خبر جميل،
صحيح أن الشاب من عائلة فقيرة، و لكنه وحيد لأهله و ذو أخلاق عالية

يأخذ أبو منصور نفساً عميقاً ثم يقوم بإشعال سيكارته و يقول:
لا شك بأنهم عائلة معروفة و الشاي ذو أخلاق عالية و لكننا لم نعتد أن نزوج بناتنا للغرباء يا أم منصور.

تنظر أم منصور لأبي منصور بتعجب و تقول له باستغراب:
ما هذا الكلام الذي تقوله يا أبا منصور،
أنهم يقطنون في هذه القرية منذ أكثر من خمسة عشر عام و لا زلت تعدهم غريبين

فيجيبها أبا منصور قائلاً:
نحن لم نعتد أن نزوج بناتنا إلا لأولاد أعمالهم أو عماتهم،
فكما قال أجدادنا في السابق خيرنا لا يذهب لغيرنا

تتفاجأ أم منصور و أم سماح من سماع هذا الكلام،
ثم تردف أم منصور قائلة:
و من أين تريد أن تأتي بإبن عم لسماح و هي ليس لديها إلا إبن عم واحد، و متزوج و لديه أولاد !

فيجيبها أبا منصور قائلاً:
و ما هذه المشكلة يتزوجها أيضاً،
الشرع حلل له زواج أربعة نساء، و ليس واحدة فقط

تنظر أم سماح في عيون أم منصور و القلق يبدو عليها واضحاً، ثم تنظر إلى أبو منصور و تقول له:
اذكر الله يا أبا منصور
الشرع حلل أربع نساء لمن يستطيع أن ينفق عليهن و على أولادهن، و منصور ما شاء الله و لا قوة إلا بالله لديه سبع أولاد و زوجته يكاد بطنها يصل إلى حلقها، و لا ينقصه شيء

تأخذ نفساً عميقاً ثم تردف قائلة:
يسر الأمور يا أبا منصور يسر الله لك كل عسير،
و بارك هذا الزواج و دعنا نفرح قليلاً.

فيجيبها أبا منصور قائلاً:
حسناً!
دعينا نسأل منصور و نأخذ رأيه أولاً،
و أنا موافق على ما يقوله ابني.

تقف أم سماح و في قلبها شيء من الحزن، ثم تنظر إلى أبو منصور و تقول له:
حسناً يا أبا منصور!
عندما تقرروا شيئاً بخصوص مستقبل ابنتي،
لا تنسوا أن أخبرونا به
و الآن هل ترخص لي بالمغادرة يا أبا منصور

فيجيبها قائلاً:
رافقتك السلامة

تقاطعهم أم منصور و تقول لأم سماح:
اجلسي يا أم سماح، مازال الوقت مبكراً
دعينا نتناول الغداء مع بعضنا اليوم

و لكنها تدير ظهرها و تذهب بدون أن تجيب

تتأثر أم منصور و تحزن على شعور أم سماح،
ثم تجلس بجانب زوجها و تقول له:
مسكينة هي أم سماح،
خرجت و هي مكسورة الخاطر.

فيجيبها زوجها أبو منصور قائلاً:
و لماذا ينكسر خاطرها، أنا لم أقل شيئاً يكسر الخاطر
يعني الرجال هم من يقررون في هذه المواضيع،
و يجب أن نستشير إبن عمها لعله يعرف شيئاً عن الشاب نحن لا نعرفه،
هل نسيتي أنها ابنة أخي و أمانة في رقبتي إلى أن أموت.

فتقول له زوجته أم منصور:
أطال الله في عمرك يا زوجي العزيز ، و لكن هل هذا يعني أنك لن ترغمه على الزواج من ابنة عمه؟

فيجيبها قائلاً:
لا!
اطمأني لن أرغمه على شيء لا يريده،
و لكنه إذا كان يريد أن يتزوجها على زوجته، فأنا لا أستطيع أن أمنعه من ذلك.

ثم يأخذ بعضه و يخرج من البيت و يترك زوجته محتارة من هذا الأمر و مستغربة من كلامه

و في المساء و كالعادة من كل يوم،
تجلس أم سماح لكي تتسامر مع ابنتها و تتحدث معها قليلاً

تجلس سماح بجانب أمها بعد أن أخذت حماماً ساخناً ثم تبدأ بتمشيط شعرها و تجفيفه

فتنظر لها أمها و تقول:
لقد ذهبت البوم إلى بيت عمك و أخبرتهم بانك خطبتي
تتفاجأ سماح ثم تنظر إلى أمها و تقول:
نعم، و ماذا كان ردهم؟

فتجيبها أمها قائلةً:
في البداية رفض عمك فكرة خطوبتك لرجل غريب، و لكنه لان قليلاً بعد أن تكلمت معه زوجة عمك، و قال أنه سوف يستشير ابنه منصور بخصوص هذا الموضوع و سوف يرد لنا الخبر الأكيد بعد مدة قليلة.

فتعود سماح لتسريح شعرها و تقول:
حسناً، لا بأس في ذلك.

تستغرب أم سماح من ردة فعل ابنتها ثم تنظر لها و تقول:
أراك لم تنزعجي من تصرفهم، و كأنك لا تريدين هذا العريس!

فتجيبها ابنتها و تقول:
لا يا أمي!
بالطبع أريده!.
و لكن لندع الأمور تجري في أعنتها
لا داعي للعجلة!
تصبحين على خير يا أمي أنا متعبة جداً، و أريد أن أخلد إلا. النوم

فتجيبها أمها قائلةً:
و أنتي بخير يا حبيبتي
لقد كنت منزعجة لاجلك كثيراً، و لكن إذا كنت أنت غير منزعجة فلا داعي لذلك إذاً
و لن نقول إلا أن يقدم الله لنا كل مافيه خير

فتجيبها ابنتها و تقول:
صدقتي يا أمي ثم تدخل إلى غرفتها

و في اليوم التالي يذهب أبو منصور إلى دار ابنه منصور لكي يأخذ رأيه بأمر زواج ابنة عمه سماح، و يتفاجأ بسرور ابنه و فرحته العارمة عند سماع هذا الخبر فيقول ناصر لأبيه بعد أن سأله عن الشخص الذي يريد الزواج بابنة عمه:

مروان!
و اللهب يا أبي أنه من خيرة الناس،
زوجهما يا أبي و لا تتردد، لا أتوقع أن تجد ابنة عمي زوجاً لها أحسن من مروان

فيجيبه أباه قائلاً و هو مستغرب:
و أنت!
لماذا لا تأخذها أنت و وتزوجها
أنشئت أنها ابنة عمك و أنت أولى بها من الغريب،
ثم أنها أمانة في رقبتنا بعد موت عمك رحمه الله.

فيأخذ منصور نفساً عميقاً ثم ينظر إلى أبيه و يقول له:
ماذا تقول يا أبي؟
أتزوجها أنا؟!
و هل ينقصني هم فوق الهموم التي عندي!
معنى أنها أمانة في رقبتي أن أجد لها نصيباً يناسبها و ليس أن أتزوجها فوق زوجتي يا أبي

فيجيبه أبوه بعد أن يأخذ نفساً عميقاً و يقول:
حسناً يا بني!
تعال معي إلى بيت عمك لكي نتكلم مع زوجة عمك في الموضوع و تخبرها أننا موافقين

تمر الأيام بسرعة و تتم خطوبة مروان و سماح
بعد قصة حب طويلة كانوا قد أخفوها عن العالم

و يبدأ الجميع بالتحضير لمراسم الزواج

يجلس كل من مروان و أبيه و أمه على مائدة الطعام
يتناولون العشاء بشراهه بعد يوم متعب
ينظر أبا مروان إلى زوجته أم مروان و يقول لها:
ماذا حصل معك يا أم مروان بخصوص زواج مروان؟
هل انتهت العروس من تجهيز نفسها؟

فتجيبه أم مروان قائلةً:
نعم يا عزيزي لقد أوشكت على الانتهاء
البنت عندنا في القريه تبدأ أمها بتجهيزها منذ أن تصبح في عمر الثالثة عشر
تبدأ أمها بشراء أي شيء تجده مناسب لزواجها من عده مطبخ و أشياء تلزم في المنزل و لكن لا يبقى سوى بعض من الملابس التي تخيطها عند الخياطه،
تتركها إلى أن يصبح موعد الزواج قريباً جداً.

ثم ينظر أبو مروان إلى ابنه مروان و يقول له: و أنت ماذا تبقى لك يا مروان

فيجيبه مروان قائلاً:
كل شيء جاهز يا أبي، لم يبقى إلا التحضير لحفلة الزفاف، و ليوليمة الغداء التي سوف نقيمها للمدعوين على الحفل

ينظر أبو مروان إلى زوجته أم مروان بعد أن يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول لها:
و كم تبقى معك من النقود يا أم مروان

فتجيبه زوجته أم مروان قائلة:
لم يتبقى سوى سبعون ألفاً و خمس مرة ليرة فقط
و لا تنسى أن علينا أن نشتري لها ذهباً بهذا المبلغ

يضع أبو مروان الأكل من يده و يقول:
لم أتوقع أن نتكلف كل هذه المصاريف،
يجب علي أن أبيع قطعة من الأرض لكي نستطيع تسديد باقي مصاريف الزواج

يجيبهم مروان قائلاً:
و لكن يا أبي كيف تبيع قطعة من الأرض و هي كلها ليست كبيرة أصلاً!؟

لا يا أبي!
لا!
دع الأرض جانباً و سوف نرى حلاً آخر
ألم أقل لنا مراراً و تكراراً أن الأرض لا تباع مهما كلف الأمر

فيجيبه أبوه قائلاً:
و كيف لنا أن نرى حلاً آخر يا بني،
و من أين لنا أن نحصل على كل هذا المبلغ الكبير و الموسم ما زال الوقت مبكراً جداً على جني محصوله!

يصمت قليلاً ثم يردف قائلاً:
حسناً!
سوف نبيع قطعة صغيرة من الأرض و ندعو أن يعوضنا الله أحسن منها،
المهم أن تستر أنفسنا أمام أهل العروس و أمام المدعويين لحفلة الزفاف

يستسلم مروان للأمر الواقع مع أنه يشعر بتأنيب الضمير،
و لكن لا يوجد حل آخر ثم يترك الطعام و يدخل إلى غرفته لينام،
و لكنه يجلس يفكر و يتسائل:
لماذا نحن خلقنا هكذا؟!
لماذا لا يوجد عدل في هذه الدنيا؟!
لماذا هنالك ناس تخلق و بيدها معالق من ذهب
و آخرون يعيشون و يموتون و هم يركضون خلف لقمة العيش و لا يجدونها!

ثم يأخذ نفساً عميقاً و يقول في نفسه:
المهم الآن أن نجلب سماح إلى هذا البيت و تصبح زوجةً لي و أما ً لأولادي
تساعد اغمي في المنزل و تصبح ملكة قلبي و ملكة هذا البيت

ثم يسرقه النوم و يدخل إلى عالم الأحلام و يحلم في يوم زفافه

و بعد معاناة شديدة و تعبٍ شديد و محاولات عديدة بتقليص تكاليف الزواج
يتم الزواج!
و يقيمون حفلة كبيرة يدعون عليها جميع أفراد القرية
كبيرهم و صغيرهم!
رجالهم و نسائهم!
شبابهم و بناتهم!
لكي يفرحوا معهم و يشاركونهم الرقص و الغناء

ثم يذبحون الذبائح و يجهزون الطعام و يضعون وليمة كبيرة لكي يأكل منها جميع الناس الحاضرون

و بعد ذلك يدخل مروان و عروسته إلى بيتهم
و يغلقون الباب خلفهم

يقترب مروان من عروسته المرتديه ثوباً أبيض ناصع
تجلس على طرف السرير و تشبك يديها ببعضهم خجلاً و قد انسدل على وجهها وشاحاً أبيضاً
يخفي خلفه جمال وجهها و خجله!

يجلس مروان بجانب سماح و هو مرتبك قليلاً و فرح فرحاً شديداً
ثم يقول لها بصوتٍ مرتجف:

و أخيراً يا سماح
أخيراً أصبحت حلالي!
أميرتي
و ملكت هذا البيت
أعدك أن لا أقصر عليك بشيء و أن تكون طلباتك جميعها أوامر
أعدك بأنك سوف تكونين أسعد إنسانه في هذه القريه

ثم يمسك الوشاح الذي يغطي وجهها و يرفعه و يقول لها:
ما شاء الله و لا قوّه إلا بالله
لطالما حلمت بهذا الوجه البريء و الجميل يا حبيبتي

تبتسم سماح بعد سماعها هذا الكلام اللطيف و تقول له:
أطال الله في عمرك يا حبيبي
و كتب لنا أياماً عديده سعيده مع بعضنا
و رزقنا أولاداً جميلين، ذكوراً و إناث
يملأون علينا هذا البيت فرحاً و سعاده

فيجيبها مروان قائلاً:
آمين يا رب العالمين

يصمت قليلاً ثم يردف قائلاً:
ما رأيك يا سماح في هذه اللحظة أن نصلي ركعتين شكر لله تعالى لأنه استجاب لدعائنا و جعلنا من نصيب بعضنا؟

فتجيبه سماح قائلةً:
صدقت يا عزيزي
يجب علينا فعل ذلك حتماً
سوف أذهب و أتوضأ أولاً ثم أعود لكي نصلي سوياً

فيجيبها مروان قائلاً:
أنا بانتظارك لا تتأخري

لقد كان الوقت في بداية الفجر
لقد كان منظرهم جميلاً جداً و هم يبدأون حياتهم بصلاة
يكفي أن الصلاة هي سبب طمأنينة الإنسان في حياته،
و هي التي تزرع في قلبه الراحة على الرغم من صعوبة الحياة و كل ما يحيط به من أزمات و مصاعب في هذه الدنيا
نحن عندما نصلي نرمي كل الحياة وراء ظهورنا
لأنها تدبير عظيم من الله سبحانه و تعالى لأيامنا القادمة
يا إلهي!
ما أصعب مرارة الأيام لمن لا يصلي!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي