الفصل الثاني

الابن البكر بالنسبة للأهل هو الامل المشرق و الذي يعمل على بعث الحياة في نفوسهم، و هو اللذي يهون الآلام و المشاكل التي يواجهها الأهل
و يقف إلى جانبهم و يساندهم
فما بالك إذا كان هذا البكر وحيداً لأهله

هكذا كان حال مروان..

لذلك كان موضوع زواجه أمر في غاية السعادة بالنسبة لأهله

كانوا مستعدين لان يضحوا بكل ما يملكون في هذه الدنيا لكي يروه سعيداً و متزوجاً الفتاة التي يحبها و يتمناها منذ مدة بعيدة
و يخلف منها أولاداً كثيرون يملأون عليه حياته و حياة أبيه و أمه أيضاً.

و في يوم من الأيام يطرق باب أم سماح باكراً على غير العادة

-دق دق دق

تستغرب أم سماح من دقة الباب في هذا الوقت
لقد كانت الشمس لازالت ظاهرة، و لازال هنالك وقت كافٍ على غروب الشمس و بدأ موعد السهرة المسائية مع الجارات

فتترك الوعاء التي كانت تصنع فيه الجبن من يدها و تتجه نحو باب المنزل لتجد أم مروان تقف أمام الباب و هي مبتسمة و تقول:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا سيدة أم سماح

فتجيبها أم سماح قائلةً و هي مستغربة من مجيئها في هذا الوقت:
و عليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته، تفضلي يا أختي تفضلي بالدخول!
أهلاً و سهلاً بك!

تدخل أم مروان إلى داخل المنزل و هي تنظر إلى جميع أركانه و تعاين كافة تفاصيله بدقة ثم تجلس على الأرض و تقول:
كيف حالك يا أم سماح و كيف حال سماح، و اين هي لماذا لا أراها

ثم تنظر إلى أم سماح فتجدها لازالت تنظر إليها باستغراب فتردف قائلة:
أم سماح!
لماذا تنظرين إليّ هكذا؟ ألم تعرفيني؟!
أنا أم مروان، لقد عملت معنا ابنتك سماح في جمع المحصول العام الماضي، ألم تحكي لكي عني أبداً؟!

فتجيبها أم سماح قائلةً:
آها
نعم تذكرت، اعذريني فأنا لم أراك أبداً

فتقول لها أم مروان:
لا عليك يا عزيزتي، المهم أنك عرفتيني
ثم تضحك ممازحةً إياها ههه
و تردف قائلةً و هي تبحث في عيونها عن سماح:
ولكن أين هي سماح، لم تجيبيني بعد يا سيدة أم سماح!

فتجيبها أم سماح قائلةً:
لقد ذهبت إلى بيت جيراننا لكي تساعدهم في تحضير رب البندورة،
ما شاء الله لديهم كميات كبيرة جداً للتخزين

فترد عليها أم مروان و تقول:
ما شاء الله، إن ابنتك يا سيدة أم سماح نشيطة و جداً، إنها تشبه الوعاء الصيني، من أي مكان تطرقينه تجدين لحناً جميلاً ،

فتضحك أم سماح و نجيبها قائلة:
هذا من ذوقك يا سيدة أم مروان.

فتجيبها أم مروان و تقول: هذا يعني أنك لا تستطيعي أن تطلبي منها المجيء الآن

فتجيبها أم سماح قائلةً:
دعيني أصنع لك كأساً من الشاي، عسى أن تكون قد انتهت من عملها و تأتي لتشربه معنا

تغيب أم سماح في المطبخ لمدةٍ قصيرة
ثم تعود و بيدها صينية الشاي، تضعها على الأرض ثم تجلس و تبدأ بملأ الأكواب و تقول:
تفضلي يا أم مروان الشاي ،
كيف حالك و كيف حال الأولاد و أبو الأولاد؟
عسى أن تكونوا بخير جميعاً.

فتجيبها أم مروان قائلةً:
الحمد لله على جميع نعمه التي لا تعد و لا تحصى ،
أنا يا أم سماح ليس لدي من الأولاد إلا ابني مروان، أرى الضوء من ضحكة عيونه،
ربيته كل شبر بنذر، و علمته الأخلاق و الدين،
و هو و الحمد لله شاب خلوق، مطيع، بار بأبيه و أمه
و أنا يا أم سماح مشتاقة جداً لليوم الذي أفرح فيه بولدي، أزوجه و أرى أولاده.

فتجيبها أم سماح قائلةً:
حماه الله لك يا أم مروان و أفرح قلبك برؤية أولاده بأقرب وقت إن شاء الله.

فتجيب أم مروان قائلةً:
شكراً لك يا أم سماح
بصراحة!
أنا قادمة اليوم إليك يا أم سماح لكي أطلب يد سماح لابني مروان و كلي عشم بأن لا ترديني خائبة.

تتفاجأ أم سماح بعد سماعها هذا الكلام و لكنها تبتسم و تقول:
و اللهي لا أعرف ماذا أقول!
لقد فاجأتني يا أم مروان!

فتجيبها أم مروان و تقول:
لا تقولي شيئاً الآن، فكري و خذي وقتك
و اسألي سماح عن رأيها بالموضوع
و لكن أتمنى أن توافقوا، صدقيني إذا حصل نصيب سوف أضعها في عيوني،
سوف تكون ابنةً لي قبل أن تكون زوجة ابني،
و كما قلت لك في البداية أنا ليس لدي سوى هذا الولد و له كل تعبي في هذه الحياة
لدينا بيت صغير و الحمد لله و سوف تكون ابنتك سيدة هذا البيت و لدينا أرض صغيرة و لله الحمد نقتاة على خيراتها و نحمد الله

فتجيبها أم سماح و تقول:
ما عاذ الله يا أم مروان، أنت سيدة البيت و سوف تبقين سيدة البيت، و ابنتي إن حصل نصيب إن شاء الله فهي سوف تكون بأمرك و تحت طوعك.

فترد عليها أم مروان قائلةً:
هذا الكلام دليل على حسن تربيتك لها يا أم سماح،
جزاك الله كل خير، أنت امرأة صبورة ربيتي أولادك بعد موت زوجك و علمائهم الأخلاق الحميدة و هذا يشرفني أن و يجعلني أتمنى أن تكون ابنتك من نصيب ابني
و الآن اعذريني لقد تأخر الوقت و علي العودة قبل غروب الشمس إلى المنزل،
كنت أتمنى أن أرى العروس قبل أن أذهب و لكن لا مشكلة الأيام المقبلة سوف نراها كثيراً إن شاء الله .

تخرج أم مروان من بيت ام سماح و تتركها محتارة و فرحة بنفس الوقت

ثم تعود إلى عملها بصنع الجبن و هي تتخيل في بالها كيف سيكون شكل ابنتها في الفستان الأبيض
و كيف سيكون شكلها عندما تحمل جنيناً في بطنها و يصل بطنها إلى أسفل حلقها

تتخيل كيف سيركض نحوها أحفادها و هم قادمين إليها في الحقل و تتعالى أصوات ضحكاتهم و هم ينادون من بعيد جدتي جدتي

ثم تدخل عليها ابنتها سماح لتجدها تبتسم و هي تعمل، تنادي عليها عدة مرات و تقول لها: أمي أمي

ثم تقترب منها و تقول: مابك يا أمي ما سر هذه الابتسامة

فتجيبها أما و تقول لها:
ها سماح!
أهذا أنت؟
متى عدت لم أشعر بذلك!

تضحك سماح بكل رقة، ثم تغمز أمها بطرف عينها و تقول لها:
هههههه
و كيف لك أن تشعرين بعودتي و أنت غارقة في عالم آخر يا أمي
بماذا كنت تفكرين يا أماه أرجوك أخبريني!

تضحك أم سماح ثم تقول لابنتها:
حسناً يا حبيبتي سوف أخبرك
و لكن في البداية أذهبي و بدلي ملابسك ثم توضأي و صلي صلاتك ريثما أقوم بتحضير العشاء قبل أن ينام أخاك الصغير

فتجيبها ابنتها قائلة:
حاضر يا أمي إذاً سوف نجلس في المساء و نتحدث و نحن نحتسي الشاي

علاقة الأم بابنتها من العلاقات الخاصة جداً،
علاقة كبيرة و مليئة بالحب و التفاهم و الصداقة،

فهي تنظر لابنتها على أنها نعمة و هدية من الله،
ووجودها في حياتها بصحة و عافية يعادل الدنيا و مافيها

تجلس سماح مع أمها على ضوء اللوكس بعد تناولهن العشاء و بعد أن قامت سماح بتلعب قليلاً مع أخيها و ملاطفته
و من ثم سرد حكاية مشوقة له إلى أن يسرقه النوم .

تلتفت أم سماح لابنتها و هي تقدم لها كأس الشاي ثم تذكرها و تقول لها:
سلمت يداك يا ابنتي،

تصمت قليلاً ثم تردف قائلة:
لقد زارتنا اليوم أم مروان و شربت كأساً من الشاي .

تبتسم هنا سماح و تضع رأسها في الأرض

ثم تكمل أم سماح و تقول:
لقد طلبت يدك لابنها مروان ، ما رأيك في ذلك يا ابنتي؟

تبتسم سماح و تقول لأمها:
الرأي رأيك يا أمي!

فتجيبها أمها قائلة:
ماذا يعني هذا الكلام؟
أشعر و كأنك فرحتي بهذا الخبر!
ما القصة يا سماح؟
أخبريني؟!

ترتبك سماح و يبدأ الخجل بالظهور على وجهها ثم تقول:
بصراحة يا أمي كنت أريد اخبارك بالموضوع منذ مدة، و لكنني لم أجد الفرصة المناسبة لذلك
لقد بدأت القصة في العام الماضي، عندما كنت أعمل معهم في جمع محصول القمح،
لقد كان مروان يهتم بي كثيراً، و كنت أراه يناظرني على الدوام،
عندما أقف و أجلس و أعمل
كان يجلب لي الماء عندما يشعر أنني عطشت
و لا يأكل حتى أصل أنا إلى مائدة الطعام
و بعد مدة قصيرة صارحني و أخبرني أنه معجب بي و يريدني على سنة الله و رسوله
و من يومها و أنا ابادله نفس الشعور و أحلم باليوم الذي سوف يجمعنا معاً تحت سقفٍ واحد

انصدمت أم سماح بشدة بعد سماعها هذا الكلام و تقول مستعجلة:
ماذا تقولين يا ابنتي؟
من سنه و أنت تلتزمي الصمت و تخفين عني هذا الأمر؟!
بصراحة أكاد لا أصدق!
أنا عاتبة عليكي جداً يا ابنتي

تقترب سماح من أمها ثم تقبل يدها و تضعها على رأسها و تقول:
اعذريني يا أمي
أنت محقة في كل ما قلته، و لكن صدقيني يا أمي أنني كنت أود أخبارك و لكنني كنت أخجل منك كثيراً، و أخاف من ردة فعلك
سامحيني يا أمي
سامحيني أرجوك!

فترد عليها أمها و هي تبتسم و تقول:
حسناً يا ابنتي سامحك الله
و اتمنى أن يقدم الله لك كل ما هو خير
غداً سأذهب إلى بيت عمك أبو منصور و سوف أخبره بخطوبتك
هو كبيرنا و علينا أن نأخذ رأيه في هذا الأمر المهم و المصيري
و أتمنى أن يوافق و يبارك لك ذلك

فتجيبها سماح قائلةً:
إن شاء الله يا أمي!

حسناً يا أمي أعذريني، أنا متعبة جداً و أريد أن أدخل إلى غرفتي و أخلد للنوم
تصبحين على خير يا أمي
و أتمنى لك أحلاماً سعيدة

فتجيبها أمها و تقول:
حسناً يا حبيبتي حماك الله و أدام عليك الصحة و العافية
و أنتي بألف خير يا أجمل عروس في هذه الدنيا

تفرح سماح فرحاً شديداً عند سماعها كلمة عروس فتبتسم ابتسامة كبيرة ثم تدخل إلى غرفتها و ترمي نفسها على سريرها و تبدأ بالتفكير بمروان، و بالفستان الأبيض و ليلة الزفاف، و الأيام البيضاء و الجميلة التي تنتظرها في الأيام القليلة القادمة إلى أن يسرقها النوم و تشاهد كل ذلك في عالم الأحلام

و في اليوم التالي تستيقظ مبكرة ً للذهاب إلى عملها و تنهي أمها واجباتها المنزلية و تقوم بالذهاب إلى بيت أبو منصور

دق دق دق

تطرق أم سماح الباب ثم تدخل إلى بيت سلفها أبو منصور و تقول:
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، كيف حالك يا أم منصور ما هذه الغيبة الطويلة عنا، و لكن كما يقول المثل، من لم يسأل عنك أسأل عنه أنت

ثم تضحك بلطف: هههه

تستقبلها أم منصور بوجه بشوش و تقبلها قبلات عديدة تعبيراً عن اشتياقها و تقول:
أهلاً..
أهلاً بأم سماح الغالية!
أهلاً و سهلاً
و الله أني خجلة منك يا عزيزتي و لكن هذه هي الحياة كلها لهو بلهو
تفضلي يا غالية
تفضلي بالجلوس
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي