الفصل الرابع

ابتسمت بخجل مصطنع ورددت :- لقد أتيت أسألك عن الغسالات، لأن الغسالة الخاصة بي أصبحت في عداد الموتى، وأنا أخاف على يدي بسبب الغسيل اليدوي.

ردد بخبث ؛- سلامة يديكِ يا جميلة، حسنا المكان هنا ملئ بكل ما ترغبين تفضلي وعايني ما تريدين .

اقتربت منه قائلة بخفوت :- ما رأيك أن تأتي معي ؟  لا أملك خبرة أبدًا في هذا الموضوع .

رفع حاجبه بتهكم مرددًا بسخرية مبطنة :- لا واضح بالطبع، حسنا أنا قادم معكِ وسأعرض عليكِ صناعة اليابان وجمال صناعة اليابان .

سارت أمامه بخطوات مغوية ليردد بهمس :- ماذا أفعل الآن إني مغلوب على أمري، هن من يسحبوني للرزيلة وبصراحة أحبها .
قال ذلك ثم مشى خلفها وعينيه تمشطها بمكر .

بالخارج دلف حسين برفقة أحمد ليجدا المكان فارغ، سأل عنه والده ليخبره أحدهم بأنه في المخزن يعرض البضاعة لأحدهم، استدار ليخبر أحمد بالانتظار ريثما يذهب إليه ليخبره بأنه يريد مفتاح المكتب ليرى الحسابات ويراجعوها سويًا، دلف فجأة لتجحظ عيناه بصدمة حينما وجد ابنه العابث ملتصق بتلك الفتاة بطريقة حميمية وكان على وشك أن يزيد من قربه الممنوع، حمحم بخشونة ليتنفض فادي في محله مبتعدا عنها وهو يلعن الحظ الذي حال بينه وبين ما كان يوشك على فعله، بعثر خصلاته بحرج بينما أدعت الأخرى الخجل أمامه لتهتف بكلمات مختصرة متوترة قبل أن تختفي بسرعة البرق من أمامهما :- سوف آتي في وقت لاحق، وأتمنى أن أجد النوع الذي أفضله وداعا .

فرت هاربة وهي تشعر بالحرج الشديد، عندما ضبطهما في هذا الوضع المخل والغير لائق بالمرة، وما إن رحلت نظر لابنه بغيظ مرددًا:- ما هذا الذي تفعله يا أحمق ؟ أين حيائك يا رجل ؟ ألن تكف عن هذه الأفعال المشينة وتكف عن التصرف بعدم مسؤولية هكذا ؟

ضحك بصخب وقبل يده قائلا بمرح :- صدقني يا أبي أنا لم أقترب منها برغبتي، وإنما هي من أغوتني وقامت بفعل أشياء لا استطيع مقاومتها، أتفهمني هي الخاطئة ولست أنا هي من سحبتني لهنا بحجة أنها تريد أن ترى بعض الغسالات لتشتري واحدة، وأنا أعلم بنيتها جيدًا ولكن استسلمت لشيطاني بالأخير أنا رجل .

وكزه بصدره بقوة وهو يقول بنفور :- يا لك من معتوه أتبرر فعلتك هذه بأنك رجل، عار عليك يا رجل عار هذا المكان نظيف لا تدنسه بأفعالك الوقحة مثلك يا وغد .

أرف ببساطة وإنه غير مكترث بحديث والده البتة :- حسنًا سأفعل ذلك في مكان آخر، لا تقلق .

أردف بجدية :- فادي أنا لا أمزح معك، إياك ثم إياك أراك تقوم بذلك مجددًا لا هنا ولا في أي مكان آخر، وطالما لا تتحكم في غرائزك الحيوانية هذه تزوج على الأقل إن فعلت ذلك مع زوجتك لن يصير الأمر في ركن المحظورات .

تغيرت تعابير وجهه ليقول بامتعاض :- إنني أنتظر جميلة الجميلات توافق على طلبي يا أبي، وأعدك بأقرب حفيد في وقت قصير .

ردد بسخط :- كان الله في عونها أمسك لسانك الوقح ذلك مثلك وكف عن الثرثرة بهذه الأمور، إنها ستتعب كثيرًا من طفوليتك هذه وعدم إدراكك للأمور .

رفع حاجبه باستنكار مرددًا بعلياء، فهي من تود الزواج به وليس هو وتتمنى اللحظة التي ستصير فيها زوجته :- ماذا ؟ إنها تحلم بأن أتزوج بها وتنتظر ذلك بفارغ الصبر، إنها فقط تدعي الحياء لا أكثر، أعلم جيدًا نوعيات الفتيات تلك صدقني يا أبي.

أردف بتهكم :- هل تحكم بهذا على  أساس إنك تعرفها لذلك تقول هذه الكلمات الخسة، إنك تظلمها يا فادي وغدًا سترى ذلك .

مط شفتيه قائلًا باستياء :- ألن يكفي بأني سأتزوج بها دون أن أراها ! آمل أن لا أصاب بذبحة صدرية عندما أرى وجهها ليلة العرس،  أنا لا أتذكر  شكلها منذ أن ارتدت هذا النقاب الذي يحجب وجهها عن مرأى الجميع، ولكن يا ليتها تشبه المرحومة سمر ولو ربع جمالها لن أمانع البتة .

ردد بتضرع وتمنى فهي فتاة الكل يشهد بحسن سلوكها، ولا يدري لماذا ابنه بالأخص يقول عنها كذلك ولا يتحمل أن يذكروا اسمها أمامه :- إن شاء توافق وتكون هي من ستقوم بإعادة تربيتك من  جديد يا ابن درية وتعيد تأهيلك من جديد  .

كشر عن أنيابه وردد بحدة :- لا توجد امرأة على هذه الارض تتحكم في، لم تخلق بعد يا أبي لم تخلق، أنا هنا من أقرر والكلمة لي لن أمشي على هواها .

جعد جبينه بسخط وأردف :- لقد مللت من النقاش معك في هذا الأمر، اقتني كلماتك بحرص لا أدري كيف أنت متعلم وتقول مثل ذلك بل والأدهى تفكر بهذه الطريقة البدائية  .

أردف بمشاغبة :- التعليم في الرأس وليس في الكتب والدنيا مدرسة نتعلم منها .

هز رأسه بقلة حيلة وأردف:-  فوضت الأمر إليك يا رب، اقنعني بأنك أب ولو لمرة واحدة بعقليتك هذه،  هيا أمشي أمامي أيها المراهق دعنا نرى الحسابات ونراجعها ونذهب لخالك الذي مل من الإنتظار بالخارج .

ردد بصدمة مصطنعة :- خالي بالخارج ولم تخبرني بذلك، يا حبيبي يا خالي سأذهب لأسلم عليه الآن.

قال ذلك ثم هرب من أمامه ليتمتم الآخر بدعاء :- آمل أن تكف عن تفاهتك هذه وتحكم عقلك يا بني .


يعمل بتركيز وهو ينبطح أرضًا تحت إحدى السيارات التي بحاجة للتصليح، فهو متخرج من كلية الهندسة الميكانيكية، ومولع بمهنته هذه وقرر الانفصال بعمله عن أبيه كي يعتمد على نفسه، فهو يرغب بالنجاح في مجاله وهذا ما يعمل عليه، ظل منهكًا في عمله حتى أتى إحدى الصبية العاملين معه يصيح بصوته العالي :- يا مهندس أكرم، يا مهندس أكرم ..

هتف بحدة ليوقف هذه الضوضاء :- ماذا هناك لما كل هذه الضوضاء يا علي ؟

ردد وهو يلهث من فرط الركض :- أختك تتشاجر مع الفتى حسن بالخارج .

سحب جسده بخفة ووثب واقفا وهو يقول بأعين لا تنم على الخير، فعندما يتخطى الأمر أهل بيته يتحول لشخص آخر لا يعرف للهدوء طريق، وإنما يتحول لوحش كاسر يود الفتك بفريسته :-  نعم ! ماذا قلت ؟ تعال وأخبرني أين هي الآن ؟

بالخارج عند هذه القصيرة البلهاء، التي تفتعل المشاكل دومًا ولا تترك حقها يضيع بل تثأر لنفسها دون مساعدة أحد، فالجيران يأتون يشكون لأهلها أحيانًا فهي عقلها صغير تتشاجر مع الأطفال مما يصل الأمر إلى بكائها تارة وبكائهم تارة، وها هي تقف شامخة وهي تصيح بوجه ذلك الذي تعرض لها بالمضايقة أثناء سيرها للعودة للمنزل، قالت بغضب بعد أن قام بمضايقتها بالتحرش اللفظي وهي تهدده :- سوف أحضر لك أخي، سيكون عقابك شديد يا هذا إنك تجرأت أن تنظر لي .

تحدث أحد الموجودين لإنهاء هذا التجمهر :-  يا ابنتي كفى هو عرف خطأه لن يفعلها ثانية، يكفي شجار .

- ماذا يوجد يا جميلة ؟ من الذي تعرض لكِ ؟

كان ذلك صوت أكرم الذي أتى في أهب الاستعداد للانقضاض على ذلك الذي يضايق أخته، هتفت بسخط وهي تشير نحو ذلك السمج والذي أبرحته ضربًا بفضل فنون القتال التي تعلمتها بالكلية الخاصة بها، فلم يجرؤ أحد ويتحدث معها كفى لسانها السليط وأفعالها الشيطانية التي تجعلك تندم على مضايقتها :- كنت أسير في أمان الله، ووجدت ذلك السمج يتطاول علي بكلمات تخدش الحياء .

احتدت نظراته بغضب وردد بوعيد قبل أن ينقض عليه، ويلقيه حصة وفيرة من الضرب بالإضافة إلى ما أخذ من شقيقته :- إنك ارتكبت جرمًا لا يغفر في قاموسي بسهولة.

قالها ليسقط هو الآخر يعطيه حصته من الضرب المبرح، ازداد التجمهر وحاول البقية فض الاشتباك والضجة التي حولت الشارع لزوبعة، ولكن من يقف بوجه عاصفة أكرم إن تملك منه الغضب ؟  ليأتي فادي وطارق ويدافعا عن أكرم ما إن وصل لهم الخبر بأن ابن عمهم يتشاجر، فلم يتحملا واشتعلت بداخلهم الحمية للدفاع عن قريبهم، وبعد وقت نجحوا في فض الشباك العنيف ليعود كلا منهم أدراجه .
قام بجرها خلفه وهي تزفر بغيظ شديد قائلة بضجر :- أكرم أترك يدي لست الصبي خاصتك الذي يعمل عندك، ولست بقرة كي تسحبني بهذه الطريقة .

حدجها بغضب قائلًا :- أنتِ تصمت تمامًا ، لا أريد أن أسمع نفسك حتى نصل .

جعدت أنفها بضيق واضطرت للصمت حتى وصلا لمحل العطارة الذي يعمل فيه والده، حيث استدعوهم جدهم والبقية، إثر ما فعلوه في الشارع منذ قليل .
وقف الأربعة كالمذنبين أمامهم بينما هتف صبري بصرامة :-  أأصبحتم عصابة تستقوى على الناس !

هتفت جميلة باعتراض :- يا جدي هو المخطئ، لم يجبره أحد أن يتطاول بالحديث بلسانه البذيئ وينطق بكلمات خادشة لحيائي .

ضيق طارق عينيه بشك وردد بسخرية وضحك في الوقت ذاته :- ماذا فعل ؟ تطاول عليكِ بالكلام ! هل فقد بصره هذا أم أنه فقد عقله ليقدم على هذه الفعلة !

رشقته بنظرات نارية وقالت :- أجلس جانبًا يا فتى لم يوجه أحد لك الكلام لتثرثر كعادتك .
ثم أضافت بغرور وهي تعدل ياقة قميصها الرياضي الفضفاض :- ولما لم يتغزل بي ليه ألا أشبه الفتيات اللواتي يتعرضن لمثل هذا الحادث أم ماذا ؟

أجابها بسخرية :- أتمزح معي يا جمال ؟ وهل أنت فتاة لا سمح الله ؟

كانت كلماته بمثابة فتيل آخر أشعل ثورة وبركان قد خمدت نيرانه لتوه، ليأتي هذا المعتوه ويلقي بكلمات أدت إلى أن يثور ويطلق حممه البركانية شديدة اللهب، أخذت وضع الاستعداد للهجوم عليه لولا ذراع شقيقها الذي صدها من التقدم نحوه، بينما فعل الآخر المثل وهو يهجم عليها قائلًا بحدة وقد استشاط أيضًا لفعلتها تلك :- هل تودين ضربي هيا تعالِ وسأجعل منكِ كرات بطاطس مهروسة، ألا يوجد من يردعك يا فتاة ؟ اتركوني ألقنها درسًا لن تنساه .

هتف فادي بضحك مكتوم من قط وفأر العائلة، اللذان لا يكفان أبدًا عن الشجار طالما تواجدا في مكان واحد :- حسنًا يا طارق كفى يا رجل أنت الكبير هنا لا تساوي عقلك بعقلها.

تحدثت هي بغضب موجهة حديثها لابن عمتها :- ما به عقلي يا أستاذ فادي ؟ أفضل من عقلك المراهق ذاك .

أعطته ضربة قوية وقصفت جبهته، إذ جز على أسنانه بعنف وهو يقول :- الحق علي إذًا، يا طارق أفعل ما يحلو لك .

خرج صوت صبري الساخر :- يا لروعتكم ويا لمنظركم المشرف هذا، هيا أكملوا العراك  ماذا تنتظرون ؟

عاد كلا منهم لمكانه ووقف بخذي ليردف بحدة :- هل هذا منظر أناس دفعنا أموال كثيرة في سبيل أن تتعلم وتبقى شيء نافع في المجمتع، هل هذا هو الاحترام الذي تعلمتوه في المدارس والجامعات ؟ ما بكم لما صمتم الآن، ردوا علي .

خرج صوت أكرم الجامد :- يا جدي شخص تافه اتعرض لأختي، أتريد مني أن أصفق له واتركه يفعل ما يحلو له !

أردف بسخرية :- لا، يجب أن تستعرض عضلاتك القوية هذه عليه وتأخذ معك هذين الأبلهين، ومن ثم  جمال أقصد جميلة لا أحد يخاف عليها إنها بمائة رجل .

ضحك طارق لتشبيه جده وأنه يوافقه الرأي مرددًا :- لم آتي بشئ من عندي وشهد شاهد .

قاطعه جده بحزم :- أخرس أنت .

أخرجت له لسانها كعلامة على أنه تم احراجه أمامهم، لينظر لها بضيق ويردد بهمس بكلمات يتوعد لها فيها، بينما استقبلت ذلك هي بابتسامة باردة، وهي تفعل حركات تزيد من سخطه عليها ويود أن لو يأتي بشعرها ويلقنها درسًا لا تنساه .

تدخل محمود مرددًا بروية خوفًا على صحة والده :- أهدأ يا أبي أنا لي تصرف آخر معهم .

ردد بضيق وهو يجلس بتعب :- أنهم كفيلين بأن يرفعوا ضغط الدم ونسبة السكر في دمك،  هيا اذهبوا لأماكن عملكم أغربوا عن وجهي، وأنتِ يا جميلة أذهبي للبيت مباشرة .

خرجوا محدودبي الرؤوس وتعامل معهم محمود بتعقل، وحذرهم من التهور وتكرار مثل ذلك السلوك في الأيام المقبلة، انصرف بعدها كل منهم إلى وجهته وقبل أن تصعد هي للعمارة الخاصة بهم، قام طارق بانتهاز الفرصة بعدم وجود أحد يراهم ليقوم بضربها على مؤخرة رأسها ودلف للمحل لمتابعة عمله ليغمز لها بعينه بانتصار، بينما وقفت هي تغلي كحمم بركانية ودت لو تنفجر بوجهه وتبرحه ضربا حتى تشفي غليلها منه، هزت رأسها بوعيد مقررة إنها ستثأر لنفسها ويا ويله من أنثى إذا انتقمت ووضعت شخص ما في ذهنها وعلمت عليه بعلامة سوداء .


ليلًا ذهب صبري بصحبة سعيد للمنزل، وقام بمقابلتها وأخبره بأن يأتي بشهد ليعلم ما هو قراراها، سحبت نفسا عميقا وأخبرته بعد ساعات قضتها في صراع بين ذا وذاك لتستقر أخيرًا على الموافقة بما أخبره هو به، ابتسم براحة لأنها لم ترده برفض، وحان الآن الموعد لمواجهة العائلة وهو ينتظر على أحر من الجمر انفعالاتهم ريثما يعلمون، لا يعلم أهو مخطئ أم على قرار صائب ولكن لا مانع من التجربة، فلعل ذلك يرجعهم من طريقهم التي عليها .

نهضت هي تلملم أغراضها البسيطة ورحلت معه، في الطريق ابتاع لها الكثير من الملابس من أشهر المحلات وسط اعتراضاتها التي لم يكترث لها بالمرة، وعاد بها إلى وجهته وقام باتصال هاتفي يخبرهم بأن ينتظروه جميعا في بيت العائلة لأمر ضروري، تعجبوا هم له ولكنهم نفذوا طلبه والفضول يقتلهم لمعرفة ما يود اخبارهم به .

يجلسون بمنزل العائلة والتعجب مسيطرًا عليهم، فهم لا يجتمعون إلا كل اسبوع بناء على المتعارف عليه إذًا لما هذا اليوم بالتحديد ؟ ولكن عليهم الانتظار على أحر من الجمر لمعرفة سر هذا الاجتماع العظيم، وها هم بانتظاره كما أخبرهم بضرورة تواجدهم هنا، تناوبوا الأحاديث معا ليسود الصمت فجأة حينما دلف من الباب الرئيسي لترصده أعينهم التي تطالعه بتحفز، التف خلفه ليهتف بهدوء :- تعالي يا شهد أدخلي .

ولجت بخطوات أشبه للسلحفاة ومقلتيها تعانق الأرضية،  لم يكن بمقدورها أن ترفع بصرها للأعلى وإلا حُرقت هكذا ما شعرت به منذ أن دلفت لهذا المكان الذي شعرت به بعدم الراحة من الموجودين فيه، جسدها يهتز بتناغم مع تصاعد وتيرة أنفاسها، وهي تشعر بنظراتهم المصوبة نحوها والتي تحرقها ببطء يا ليتها ما أتت هكذا قالت في نفسها، ضغطت على كفها لتخفف من حدة التوتر الذي لازمها، فكرت بأن تعود أدراجها وتلوذ بالفرار، ولكن بعد ماذا ؟ فلقد سبق السيف العذل وقد إتخذت قرارًا عليها تحمل عواقبه الوخيمة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي