الفصل الثالث

مصير أسود

بعد مرور شهران من الزمن

فتح عينيه ببطء شديد، ضوء الصباح بدأ يتسلل من شرفة غرفته، لقد مر وقت طويل منذ أن رأى نور الصباح من تلك الشرفة.

ببعض من العزم حاول أن يرفع جسده كي يجلس على الفراش، ألم شديد صاحب فعلته تلك، لكن لا بأس فهو إعتاد على تلك الآلام منذ ذلك الحادث الذي أصابه.


ذكرى يوم غير حياته كلية عاد ليظهر أمام عينيه، وجه فتاة تنظر إليه ببؤس شديد وقهر عاد لينغز ضميره والذي أعتقد أنه قد مات ودفن منذ عهد بعيد

لكن مازال يخبر نفسه كي يزيل عن كاهل قلبه ذلك الحمل الثقيل، فهو لم يكن يعرف أن تلك الفتاة مازالت عذراء!! كيف له أن يفكر في فتاة ترافق ذلك الأحمق علاء كارم وتكون بريئة


لكن لسوء حظه هو كانت بريئة ونقية، وكان هو من لوثها وألصق بها تهمة العار، لقد حاول أن يصل إليها بعدما فرت هاربة من الغرفة

لكن ذلك الحادث الذي أصابه ومازال يعاني من آثاره إلى الآن على نفسه وجسده هو ما منعه من الوصول إليها، بعدما استفاق من الحادث ومروره بعدة عمليات جراحية علم أن رغما عنه هو فقد شيئا لن يستطيع تعويضه بعد الآن.

الأمر الذي جعله يتسأل حينما أخبره الطبيب بتلك اللعنة التي حلت عليه، هل ما حدث له هو ثآر تلك الفتاة وقد أخذ منه!!

تلك دعوات هي أطلقتها عليه وقد استجاب الخالق لها، رغم أنه أخذها تحت ستار الزواج، لكنه كان عرفي وليس شرعيا بالكلية، لقد إعتاد أخذ النساء تحت ذلك الستار كثيرا، لم يفعل ذلك في الحرام أبد العم


ذلك الباب لم تطأه قدماه مطلقا، لديه أخطاء كثيرة هو لا ينكر ذلك، يتناول الخمور في أحيان كثيرة، يقدم أحياناً الرشوة للفاسدين لكن باب الزنا ذاك لم يفتحه يوماً.

لم يشأ أن يفعل كل المحرمات، أراد وجود باب يستطيع العودة من خلاله يوما ما، والآن ورغما عنه هو لن يستطيع فعلها أبدا ولو حتى كان زواجا شرعياً.


ضحكة ساخرة خرجت من داخل فمه، لقد كان مازال متزوجا بتلك الفتاة بالفعل، والتي جعلت قلبه يسقط بين قدميه حينما وقع بصره على الفراش فارغاً

آثر برائتها على شرشف الفراش أمام عينيه، لعن بقوة حينها وأسرع كي يصل إليها، لكن لم يكن قدره أن يصل إليها حينها

هو مازال يحاول حتى الآن الوصول إليها، لقد بحث كثيرا عن علاء الأحمق ذاك لكن لم يجده، أمر أحد المخبرين الخاصين بتتبع أخباره حتى يصل إليه ومن ثم يصل إليها هي، زوجته التي فرت منه هاربة



يوما بعد يوم يزداد ألم معدتها، تشك في أمر ما، لكنها تدعو الله بكل قوتها ألا يكون ذلك الأمر صحيحا، فهي لا تستحق ذلك العقاب على جرم لم تقترفه بإرادتها الحرة

بل كان رغما عنها، ومازالت ندوبه محفورة داخل قلبها حتى اليوم، ها هو الغثيان قد عاد إليها من جديد بينما تتناول الغداء مع والدتها على طاولة الطعام، نظرات والدتها لها تقتلها

تعلم أنها تشك في وجود أمر ما منذ ذلك اليوم الذي أتت به بدون صحبة علاء، والذي بالتأكيد من حينها وهو قد أختفى من حياتها، لتحاول هي مداراة الأمر بإخبار والدتها عن وجود خلاف قد حدث بينهما
وقد ينفصلان في أي لحظة

والدتها لم تعلق كثيرا فهي كارهة في الأصل له، لكن مع مرضها هي وسوء حالتها يوما بعد الآخر جعلها تنظر لها نظرات مريبة، حاولت أن تكتم ذلك الغثيان بيدها، استقامت واقفة ثم أخبرت والدتها قائلة بنبرة متألمة

- أمي آسفة لن أستطيع استكمال الغداء، معدتي تؤلمني بشدة، يبدو أني أصبت بجرثومة ما

ألقت تلك الكلمات على مسامع والدتها ثم أسرعت بالذهاب إلى غرفتها ومن بعدها إلى المرحاض لتفرغ ما بجوفها في داخله، تاركة والدتها تأكلها الشكوك أكلا


أفرغت ما بجوفها، نظفت وجهها في المغسلة، بوجع شديد خطت نحو الخارج محاولة الوصول إلى فراشها تريد أن تلقي بجسدها عليه

لكن جسدها ذاك خانها ولم يسعفها حين سقطت مغشياً عليها ليصل صوت ارتطام الجسد لوالدتها بالخارج وتهرع نحو داخل غرفة ابنتها ليقع بصرها بعدها على جسد فلذة كبدها تفترش الأرض

صوت عويل وصراخ خرج منها بينما تركض نحوها، وصلت إليها، جلست على الأرض، أمسكت برأس ابنتها بين يديها وأخذت تصفع وجنتيها بقوة وهي تطلب منها أن تستفيق لكن دون فائدة

حاولت أكثر من مرة لكن باء الأمر بالفشل، لتتحامل على نفسها وتستقيم واقفة ساحبة جسد ابنتها معها وتخطو بها نحو الفراش تضعها عليه، استطاعت فعل ذلك بصعوبة كبيرة

هي ارقدتها على الفراش ثم تركتها وهرعت إلى الخارج حيث غرفتها والهاتف المحمول خاصتها يقبع هناك، وصلت إليه وفتحته، اختارت رقم زوجها السابق لتهاتفه، وصل إليها صوته المتذمر بعد عدة ثوان قائلا لها بلوم وضيق

- أجل وفاء، ماذا تريدين مني في تلك الساعة يا امرأة؟

هي لم يكن لديها طاقة للجدال معه، لذا ألقت الأمر على سمعه بكلمات موجزة قائلة له بصوت متعب

- جازية فقدت الوعي ولا تستجيب لمحاولتي معها كي تستفيق، لقد كانت مريضة طوال الاسبوعين الفائتين، لابد أنها مصابة بجرثومة المعدة، أريد منك إحضار طبيب لها على الفور!!

على الرغم لكرهه لزوجته السابقة إلا أنه لا يستطيع أن يتجاهل مرض ابنته ذاك، لذا أخبرها بنبرة هادئة قائلا

- سوف أت بطبيب لها على الفور، لن أتأخر عليكما!!

أخبرها بتلك الكلمات ثم أغلق الهاتف معها على الفور، ليلهث لسانها هي بالدعاء من بعدها من أجل ابنتها الفاقدة للوعي وتبدو على وشك مغادرة الحياة


نصف ساعة مرت حتى أتى إلى سمعها صوت رنين جرس باب المنزل، هرعت نحو الخارج كي تقوم بفتح الباب، وجدت زوجها وبصحبته رجلا ما

خمنت أنه الطبيب الذي أتى بصحبته كي يوقع الكشف على ابنتها جازية" أفسحت المجال لهما للدلوف إلى الداخل، قاد زوجها الطبيب إلى داخل غرفة ابنتها والتي هاله رؤيتها على تلك الحال ساكنة بلا حراك، أمره بنبرة متوسلة قائلا له

- من فضلك هل أسرعت بفحص ابنتي جازية، تبدو في حال يرثى له وكأنها فاقدة للحياة

لوعة الأب قادت الطبيب إلى أن يسرع في وضع حقيبته على فراش الفتاة ثم فتحها، أخرج سماعة الكشف خاصته ليضعها بعد ذلك على صدرها محاولا استكشاف النبض خاصتها وكيف حالته في تلك اللحظة


بينما يفعل ذلك كانت الأم تنظر بلوعة وحسرة إلى ابنتها، لقد كانت تنزوي أمام عينيها آخر أسبوعين، تحاملت على نفسها كثيرا حتى وصل الأمر إلى انهيارها بتلك الطريقة المفزعة

نقلت عينيها من ابنتها إلى زوجها، أو شبه زوج بمعنى أصح، لقد كانا على وشك الإنفصال، ما يمنعهما هو وجود الجازية ابنتهما، غصة كبيرة شعرت بها في قلبها، لقد كانت فتاة غرة وساذجة


حينما صدقت أن ابن الأسرة فاحشة الثراء سينظر إليها هي ابنة الرجل الخادم، سحرها بحديثه عن الحب وأبديته حتى استفاقت من عالمها الوردي ذاك على رحيله عنها هي وابنتها طاعة لعائلته من أجل ميراث سوف يحرم منه إن لم يفعل

ثم زواجه من ابنة عمه، كلمة صدمة لم تمثل واحدا في المائة مما شعرت به حينها، لم تستلم لتوسلاته وطلبه السماح، أن تقبل بالأمر الواقع، لكن كبرياؤها كان له بالمرصاد.

أصرت على طلب الطلاق والانفصال عنه لكنه رفض من أجل صغيرته، أخبرها أنه سوف يمنحها حريتها حينما تكبر صغيرته، فهو لن يستطيع رعايتها ورؤيتها متى شاء إن طلقها هو وتزوجت بأحد آخر، مرارة كبيرة حملتها في قلبها نحوه

رغم مرور تلك السنوات لم تقل بل تحولت إلى نوع من الكراهية والحقد، وهو لم يتحمل أيضاً المرأة التي أضحت عليها، تركها كل تلك السنوات، لم يجتمعا من حينها سوى في مرات نادرة

هي نافرة منه وهو كذلك، خرجت من ذكرياتها تلك على صوت الطبيب وهو يخبر زوجها قائلا بنبرة حائرة

- هي متزوجة هذا صحيح؟! أشك أنها تحمل في أحشائها طفلا، وهو سبب تلك الحالة من الاعياء، عليكما إجراء إختبار للحمل ومن ثم الاتصال بطبيب مختص.

الكلمات جاءت ثقيلة ومفزعة على أذان كلا منهما، هو ردد من خلف الطبيب بدون وعي منه

- متزوجة!! حامل!! ما هذا الهراء الذي تقوله؟! أيها الطبيب الأخرق أنها مازالت فتاة لم تتزوج بعد وأنت تخبرني بحماقة كبرى أنها تحمل في أحشائها طفلا؟!

كان يهذي، لديه كامل الحق في ذلك، أنى له أن يتصور صغيرته فاجرة فاسقة، لا هذا ليس صحيحاً، نظر إلى زوجته، لقد كانت تولول بصوت عال

- يا ويلتي يا ويلتي!! هذا ليس صحيحا يا ويلتي!!

نعم هذا ليس صحيحا، عاد يخبر نفسه بذلك، لابد أن هذا الطبيب أحمق، أقترب منه واضعا كلتا يديه على كتفي الطبيب وأخذ يرجه رجا، مخبرا إياه بنبرة غاضبة

- أيها الأحمق، كيف تتجرأ وتوصم ابنتي بتلك الوصمة من العار، ألا تعلم ابنة من هي؟! وسليلة أية عائلة!!

"ما الذي أوقعت نفسي فيه؟!"

هذا ما سأله الطبيب لنفسه بينما يتعرض للتعنيف من قبل الرجل الذي طلبه لتوقيع الفحص على ابنته والتي على ما يبدو هي فتاة فاسقة تخدع والديها، أراد أن يتخلص من قبضة الرجل وفعل ذلك، ثم ألقى على مسامعه كلمات مدافعة قائلا له

- أنا لست أحمقا أو طبيب غر مازال في بدايته، أن تعلم جيدا مكانتي في عالم الأطباء وإن كنت تشك في كلماتي فسوف أجلب لك على الفور طبيبة زميلة لنا ولكنها مختصة في النساء والتوليد على الفور وبعد ذلك أخبرني أي أحمق كنت أنا!!

كلمات الطبيب توشك على جعله ماردا من نار، ثقة الطبيب تلك تأكل قلبه أكلا، صوت عويل زوجته التي سقطت أرضا وأخذت تولول يزيد من جنونه، تحديه بجلب طبيبة نسائية أشعل مزيدا من الحطب في تنور غصبه، ألقى في وجه الطبيب شواظا من نار مخبرا إياه

- إذا أفعل ذلك على الفور وأجلب لي تلك الطبيبة!

وهو فعل ذلك بمكالمة هاتفية يستعديها فيها مخبرا إياها أن الأمر مسألة حياة أو موت وهي وافقت على مضض.

أقل من نصف ساعة مرت كسنوات على أب يشعر أنه خذل بقوة، وأم تبين لها أن سنوات عمرها ضاعت هباءا، الطبيبة فعلت ما طلب منها، أكدت لهم الفاجعة، الفتاة كانت حامل بكل تأكيد في شهران من الزمن أو أقل أسبوعا هذا ما أخبرت به الوالدان

والذان علمت من حالتهما أن الأمر ليس سارا بل هناك فضيحة في الطريق على ما يبدو، بدون تمهل لململة أشياءها وزميلها فعل في صدى تلك الصدمة التي لم يفق الأب منها بعد.

لكن بداية الزوبعة استمعا إليه حينما وصلا الاثنان إلى باب الشقة، حيث صوت صارخ يأمر فيه ابنته الغائبة عن الوعي

- يا فاجرة، يا ساقطة، مع من فعلتي فعلتك الدنيئة تلك؟! أفيقي يا فاجرة وأخبرني اسم الذي غواك؟!

نظر الطبيبان لبعضهما البعض بعدم رضا ثم فتح أحدهما الباب وعبر من خلاله ليتبعه الآخر على الفور، بينما في الداخل أب يشعر أنه سقط في هوة سحيقة بينما ينهال على جسد ابنته الراقد أمامه على الفراش باللكمات والصفعات مما جعل وعيها يعود إليها

رغم أنها ودت أنه لم يفعل ذلك مع تناوب والدها عليها بالضرب المبرح والذي أضحت من بعده كجثة هامدة غير قادرة على الحركة أو التحدث حتى، نظر المقهور إلى شبه الزوجة قائلا لها

- تلك هي نتيجة تربيتك الفاسدة يا وفاء، ابنتك تحمل في بطنها ابن سفاح لا نعلم من والده!! ملعون هو ذاك والذي لا أظن سوى أنه خاطبها السابق! هل تعلمين مكان منزله أم لا

هزة رأس كانت جوابها إليه، لم تستطع الحديث، وكيف لها أن تنبت ببنس كلمة والخطأ يصب فوق رأسها صبا
بلى زوجها محق في كلمة نعتها بها

هي ليست أم صالحة، كيف تكون صالحة وابنتها فعلت ما فعلته، ابنتها التي وثقت بها أكثر من ثقتها في نفسها فكان جزاها ذلك الذل والعار، يا ليتها لم تأت إلى الحياة، هذا ما رددته في نفسها بينما تستمع إلى كلمات زوجها

- سوف أت به راكعا ذليلا، وأرغمه على تصحيح خطأه مع الفاسقة التي في الداخل ثم ألقي بهما إلى قارعة الطريق للكلاب الشاردة الضالة

ألقي تلك الكلمات في وجه زوجته ثم خطى راحلا بخطوات سريعة نحو الخارج ومنها إلى خارج المكان بأكمله، لتظل هي على جلستها تلك، لم تتحرك إنشا واحد

ظلت على حال صوتها الذي يخرج كعويل حيوان أوشك على فقدان روحه، بل إنها قد فارقتها الروح، حينما أستمعت إلى كلمات الطبيب ومن بعده الطبيبة

لأئمة نفسها بقوة، كيف لها ألا تلاحظ ما يحدث مع ابنتها في الآونة الأخيرة!! أي حمقاء كانت هي؟! كيف لم تشك ولو للحظة واحدة حينما أتت ابنتها إلى المنزل على تلك الحال التي كانت عليها، كواحدة خرجت للتو من فراش رجل عاث في جسدها فسادا


ساخرة من نفسها هكذا هي رددت تلك الكلمات، ابنتها الآن تستحق الموت، أن تدفن حية، وذلك الذئب الذي أقترف الجرم ذاك معها يستحق الموت أيضاً، زوجها سوف يفعل ما قد وعدها به، سوف يجعلهما يتزوجان ثم يلقيهما خارجا

وهي، هي لن يتبقى لها مرارة الذل والعار اللذان قدمتهما لها ابنتها على تكريس حياتها لها، وفي نهاية الأمر سوف تحصل بكل تأكيد على حريتها التي طالما طالبت بها زوجها


هو سوف يفعل ذلك ويكون أكثر من سعيد من تخلصه منها، أو تخلصه منهما هي وابنتها، حياتها الآن في طريقها إلى الرحيل، ما حدث منذ قليل لم يكن سوى بداية الإعصار، الذروة لم تأت بعد، دماء سوف تنزف وليس دماء ابنتها الراقدة على الفراش الآن بل دماء ناهش العرض أيضاً.

نهاية الفصل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي