2يفكر جديا في ترك فكره الاختراع

لم يجد "كرام" جدوي من التحدث إليها، لأنه يعرف بأنها لن تفهمه، لم يهتم أحدا في المنزل كله له، لما سيفرق معهم حزنه وكسرته الأن؟ لكنها يعرف أن والدته فضوليه ولن تتركه حتي يخبرها ما حدث هناك في الوزارة، قال لها دون أن يلتفت ليراها:
_أتريدين أن تقنعيني بأنك مهتمة لأمري الأن، لا أحد منكم يهتم لأمري نهائي في هذا المنزل اللعين، هل أشفقت علي أمي؟ أعفيني من شفقتك تلك، أخرجي واتركيني وحدي من فضلك.

"دعاء" نظرت إليه بدهشة وقالت له بتوتر:
_كرام كيف تتحدث معي هكذا؟ هل جننت أخيرا وفقدت عقلك؟

شعر "كرام" بالندم على طريقة حديثه مع والدته، نظر إليها و الدموع في عينيه، أمسك بيدها وقال لها:
_ أنا آسف يا أمي، لم أقصد إزعاجك، لكنكم جميعًا ضدي، ولا أحد منكم يريد أن يفهمني.

مسحت دموعه وربتت عليه وقالت:
_ تكلم ماذا حدث؟
نظر إليها "كرام" رفع عينيه كما لو كان يفكر في أحداث اليوم من أول الصباح.

"خارج وزارة البحث العلمي"
في اللوبي ، استقبال فاخر
شباب ورجال ونساء ينتظرون أيضا، كل واحد منهم ينتظر دوره ، لكنه ينظر إلى وجوههم بتفحص يري بنظرة قلة التفاؤل.

كان "كرام" ينظر إليهما وينظر إلى ساعته برهة وينظر إلى الملف الذي كان معه ، والملف الذي يشرح فيه فائدة اختراعه العلمية.

وأخيرا جاء دوره، فناديه شاب وفتح له الباب، توقع كرام أن يلتقي
المدير شخصيًا ، لكنه دخل وقرأ لافتة صغيرة علي المكتب مكتوب عليها، سكرتير المدير الاستاذ "علي حامد"
نظر له "كرام" وانتظر السيد "علي" أن يتحدث معه

كان "علي" يوقع على الورقة الموجودة أمامه على المكتب، رفع يده إلى كرم غير مكترث وقال:
_أجلس.
جلس "كرام" مستاء من قلة الاهتمام واللامبالاة التي يعامله بها الجميع، جلس ينتظر وهو مرتبك قليلا يرتب أفكاره ويتوقع ابتهاج، سعادة، حماس من ذاك الرجل المزعج ببروده، بعدما يعرض عليه الاختراع العبقري النادر، أنتظر "كرام" طويلا، حتي مل من الانتظار وهو جالس مكانه.

كان يجلس على المكتب لمدة 10 دقائق و أكثر "كرام" طفح كيله من كثرة الانتظار، وقف مرة واحدة، قال بتوتر حاد حاول كبحه بشده:
_أستاذ "علي" ممكن ان أقابل المدير اليوم أم سأظل جالس في انتظارك لتنتهي مما تفعله.

رفع الأستاذ "علي" وجهه ورفع نظارته عن عينيه ونظر إلى "كرام" من أعلى إلى أسفل وقال باشمئزاز:
_لماذا ترفع صوتك؟ نسيت أين أنت ومع من تتحدث؟

رد كرم بعصبية:
_سيدي أنا أعلم أين أنا جيدا؟ لكني لا أفهم أنني لما أتحدث إليك أنت؟! أليس من المفترض أن أذهب إلى المدير شخصيا وأريه اختراعي الذي عملت به بجد وسهرت فيه لأيام طويلة.

نهض السكرتير وعلي وجهه علامات الغضب ورد على "كرام" بغضب:
_ لا تعرف لما تتحدث إلي أنا، سأخبرك أيها الوقح، لأنني أنا من أقول اختراعك الذي تتباهي به هذا، يصلح أن يدخل للمدير أم ارفضه، اريني إياه الأن.

أشار علي الملف في يده، "كرام" توترا وقلق بشده، مد يده بتردد بالملف، سحبه "علي" من يده وفتحته بعصبية.
لكنه صدم بشده! قلب الملف بيده وهو الغضب يومض في عينه، "كرام" شعر أن السكرتير فوجئ باختراعه العبقري.

لكن الأستاذ "علي" نظر الى "كرام" وهو لا يزال محدق بغضب، مد يده بالملف وهو يصيح بكرام" قائلا:
_ما هذا بحق الجحيم؟ هل جئت لتمزح معي أم ماذا؟

أجاب "كرم" ولم يفهم:
_أمزح، لماذا تقول هذا سيد علي؟ ماذا حدث أستاذ علي؟
أردف "علي" وهو يصيح فيه بتعنيف شديد:
_أانت مجنون، أيها المحتال المخادع، هل تظننا نمزح هنا أتحضر لي رادار؟ أي رادار أيها المخادع، يراقب حركة الكون من حولنا. أنت مجنون، هذا الاختراع موجود منذ 20 عامًا، ما خطبك يا أحمق، أتظنه فيلم قديم سوف تعيد تصويره بنسخة جديدة، هل أتيت اليوم لتضيع وقتي وتمزح معي بسخافتك تلك، أسمع أيها المغفل أخرج من هنا ولا أريد أن أري وجهك في هذا المكتب مره أخري، أتسمع، ها هو ملفك اللعين.

مسك "علي" الختم الخاص، ختم الملف بالختم أحمر، وهكذا مرة واحدة ، والختم مكتوب عليه "مرفوض" هنا "كرم" نفد صبره. صرخ في وجه "علي" بغضب جام:
_ماذا فعلت؟ أنت مجنون، هذا ليس ردًا عاديًا، هذا هو هذا.

قاطعه "علي" بصياح:
_أخرج من مكتبي قبل أن أطلب لك الأمن أيها الخاسر الفاشل.
أشتعل "كرام" غضبا، نسي إين هو حقا وهو يصرخ في "علي" قائلا باندفاع:
_Security، الأمن، هل أنا لص لتطلب لي الأمن؟ أم أقف علي بابك أطلب حسنه لوجه الله، انا مخترع، أنا لست فاشلا، أنت هو الفاشل وهذه الدولة ستبقى فاشلة ومتخلفة طالما أمثالك من الرجال الحقيرين يتولون مسؤوليتها، و يسيطرون علينا. أنت الشخص الذي من المفترض أن يخرج، وليس أنا.

سمع "كرام" صوت إغلاق باب المكتب بقوه، دخل رجال الأمن وضبطوه وهو يصرخ على السكرتير.

"في ردهه الوزارة الرئيسية"
يصرخ "كرام" بهستيريا وهم يسحبونه بكل أهانه أمام الناس ويسحبونه لأسفل وهو يصرخ:
_أتركوني أنا لست فاشلا، أتركوني ابتعدوا عني، انا مخترع ولست متسول أطلب حسنه منكم، أتركوني أيها الأوغاد.

"في الشارع"

تم إحضاره من قبل الأمن إلى البوابة الخارجية، وألقوا به بازدراء لعرض البوابة ، ووقف "كرام" ونظر إليهم بغضب شديد، عدل بدلته الباهظة وقال لهم وهو يشعر بالذل والإهانة والغضب:
_ غدًا تعرف قيمة ما ترميه في الشارع مثل المتسولين، غدا سوف تندم عليه، أنت من ستركض ورائي أيها الكلب يا كلاب.

هنا خرج رجال الأمن بالسلاح، قال ضابط كان واقفًا:
_أرحل من هنا، لا تهين نفسك أكثر من ذلك، امشي قبل أن ألقي بالقبض عليك، أنت تبدو شاب شريف من عائلة محترمة، من فضلك أرحل ويكفي هذا.

نظر إليه "كرام" بغضب، نظر الى الملف بيده وقد طبع ختم الرفض أكثر من مرة، حمل الملف ومزقه أربا، نظر إلي الضابط والأمناء باشمئزاز وغضب، ذهب إلى سيارته وركبها، أنطلق بها مسرعا، كأنه يود الهرب من الكوكب كله وليس من أمام الوزارة التي حلم بأن يكون اهم عنصر بها، لكن خيبه أمله لم تخلق كلمات لوصفها.

"في غرفة كرام"
قامت والدته وأخذته في حضنها، لكنه كان مثل التمثال، عادت إلى المقعد بجواره، نظرت إليه بالشفقة، قالت له لكي تكسر حاجز الصمت المريع هذا:
_ انظر يا كرام يا حبيبي، حقيقا انا لا أفهم في هذه الوظيفة كثيرا، لكن بداعي الفضول اخبرني، اختراعك هذا، ماهيته، ماذا يفعل كرام؟

نظر إليها كرام ساخرًا، هز رأسه في يأس، نظر إلي الفراغ أمامه، قال لها بلا مبالاة:
_ يراقب الكون، إذا كان هناك نشاط على أي كوكب آخر أو في أي مجرة ، فإن الرادار سيسجله.

صدمت والدته! فقالت له بتوتر:
_ أنت تمزح أليس كذلك، هل حقا أهدرت أسابيع من حياتك جهاز الكمبيوتر الخاص بك حتي أنك كنت تنام عليه ويترك أثرا في وجهك، تجاهلتنا نحن عائلتك، لم تفكر جديا في السنه الدراسية القادمة، تركت كل شيء وتفرغت لهذا الهراء، حقا يا كرام، فعلا من حق السيد علي أن يهينك ويطردك، أي كون هذا الذي تريد مراقبته وترصد حركته، يا بني الأجانب سبق وصعدوا إلي هناك ولم يجدوا أي أثر لأي حياه هناك ماذا فعلت انت؟ أو ماذا ظننت بانك ستفعل؟ هل سيخلق كون أخر وحياه اخري فجأة يأبني؟ حقا يا كرام أنت تفقد صوابك مع الوقت، لا اجد ما أقوله لك أكثر، قدر الله وماشاء فعل، لا اعتراض علي قضاء الله، فوت أمري فيك إلي الله يابني.

رمقها كرام" بنظرات بارده جافه، كأنه يقول لها علي الأقل أكذبي علي لترفعي من معنوياتي، لكنه لم يتحدث، أطبق فمه صامتا، شعر أن حتي الكلمات ترفض أن تسعفه وتدافع عنه، كم هو كئيب مظلم هذا الشعور، عندما تجد نفسك وحيدا وسط عائلتك، ضائعا وأمامك خرائط العالم، ظمأن وانت علي شفا نهر لا نهاية لمجراه.

عاد "كرام" يحدق في الأفق تاركا والدته تنظر لها بحيره، غضب، وذهول، أختلجها مشاعر جاما لكنها لم تحدد أيا منهم تتغلب علي الأخرين، هل هو الغضب من حماقه أبنها؟ أم الشفقة عليه ولما توصل له بسبب الاوهام الخيالية التي يعيشها وحده.

لم تجد ما تقوله سوي هذا كي تذهب عنه قبل أن تفقد أعصابها عليه:
_حسنا كرام سأتركك لشأنك ولعقلك الألمعي الذي تكتفي به تاركا عائلتك تلهث خلفك طوال الوقت، أنت حر بني، هذا ليس من شأني، أنت حر تصرف كيفما شئت، لكن لا تلوم ألا نفسك، لقد تعبنا معك كثيرا وفعلنا كل ما بوسعنا لمساعدتك، أرجو أن تكون مرتاحا الان وقد شوهت صورة والدك و أخواتك وأنا اما الجميع، أيضا أتمني ان تجد ما يشغل وقتك فقد حرمت من دخول الجامعات العام المقبل، أدعو الله أن يهديك بني وتجد طريقك الصحيح قبل أن تدمر مستقبل أخواتك مثلما فعلت لمستقبلك.

خرجت والدته وهيه تحدث نفسها بتوتر غاضب، رفع "كرام" نظره إلي السماء وهو يضع يداه علي وجهه من التعب، الإرهاق، والأختناق، حدق في النجوم العالية المتلألئة أمامه، كحبات الالماس المنثورة بعشوائية علي صفحة السماء الواسعة، سأل نفسه بصوت عال:
_ اتساءل هل الجميع على حق وانا مخطئ، ام انا على حق وهم المخطئين؟
يعني أنا مخطئ وغبي لأني أريد أن أكتشف أسرارك، إذا العلماء الذين وصلوا إلى القمر لماذا وصلوا إليه؟ ما الذي جعلهم يفكرون فيه في بادئ الأمر؟ والعلماء الذين وجهوا التلسكوب إلى السماء ما كان هدفهم؟ ألم يرغبوا في اكتشاف الفضاء أيضًا، إذا لماذا يقولون إنني غبي، ما الحماقة في هذه الأفكار؟ لولا فكر العلماء قديما مثلي في كل تلك الأمور، لما وصلنا لعصرنا الحديث المتطور هذا، هل سمعوا جميعا ما أسمعه حاليا؟ هل نعتوهم بالجنون؟ هل قوبلوا بالإهانات والرفض والذل بهذا الشكل المشين أيضا؟ إذا كيف تحملوا كل هذا؟ كيف ثابروا، وأكملوا طريقهم حتي اكتشفوا ما كتبوه لنا في كتب العلم والمعرفة؟ أشعر بأنني علي شفا الجنون من كثره التفكير، الافضل ان استمع لنصيحه والداي وان اعمل جاهدا لمستقبلي، علي ان اترك هذه الأفكار والاختراعات جانبا والتفكير بجديه في الكلية التي يجب علي أن أدخلها لأحقق هدفا ما في حياتي، عل أهلي واخواتي يقدرونني قليلا، أو يحترمونني علي الاقل، نعم سأفعل هذا، سحقا للعلم والاختراعات كلها.

شعر "كرام" بإحباط شديد، لكنه نهض من مكانه وهو يزفر باختناق وهو يفكر جديا بترك الاختراعات و الالتحاق بكلية حقيقه بعد انتهاء عقوبته، توجه إلي دوره المياه، أغتسل وهو حزينًا وقلقًا، عاد إلى فراشه، ألقي جسده المرهق عليه، ونام بعد أن انهمر في البكاء حسره، حزنا ندما علي تعبه، سهره ووحدته المؤلمة.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي