الفصل ٢٥
كان يقود كالمجنون يكاد أن يرتكب الحوادث المروعة , لكنه مهارته تتفاداها لا لشيء إلا ليصل ويمنع الكارثة
عيناه لا تريان الطريق ولا تبصران على بعد بيت علام عنه وكأن البيت في بلد آخر لم يكن الطريق يوما طويلا كما هو اليوم لم يكن الوصول إليه مضنيا كما هو الآن
كان يضرب المقود صارخا بعنف كلما توقفت السيارة
- هيا ابتعدوا اللعنة
هاتفها مغلق وكأنها بإغلاقه قد فصلت نفسها تماما في العالم الأسود الذي سيبتلعها بلعنته ضرب المقود مجددا وهو يصرخ كالمجنون
وكانت رؤيته لبيت داشاي أخيرا لهو الشيء الوحيد الذي أعاد إليه بعضا من نبضات الحياة
لا يعرف كيف أوقف السيارة عشوائيا وترك بابها مفتوحا دون اهتمام
لا يرى أمامه سوى درجات السلم التي تمتد الى ما لانهاية حتى السماء يجري عليها كل درجتين معا
ثم وصل لاهثا بعنف مؤلم حتى باب الغرفة المغلقة ففتحه بقوة ليقتحم سوادها بملامح عاجزة شاحبة كالأموات
لا تزال يدها على فمها فوق ملامح ميتة موت شخص آخر ما أبصره هو أكثر المشاهد رعبا قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على هذا الحال بعينين متسعتين بذعرٍ ممتزج بالصدمة السوداء و الدموع هي آخر ما يدل على حياته
ومن خلفها كان يقف هو عند الباب ناظرا الى ما تراه , قبل أن يسقط جالسا أرضا مستندا بظهره الى إطار الباب مرجعا رأسه للخلف , مغمضًا عينيه مستسلما
أما هي فلا حركة تصدر عنها وهي تسمع الأصوات والتأوهات الى أن امتزجت فجأة بصرخةٍ وحشية مع نهوضه عن الأرض ليندفع إليها ساحبا الذاكرة من مكانها ثم امتدت يداه و اقتلع الحاسوب ليضربه في الأرض بكل قوته صارخا بجنون
- كفى
وكأنما بصرخته قد صفعها فأفاقت من ميتتها و انتفضت واقفة تنظر إليه بملامح شرسة والدموع تغرق وجهها بينما شعرها يتناثر حوله بجنون
وقف كلا منهما ينظر الى الأخر لاهثا , مترقبا وجهه شاحب , وجهها أحمر متقد عيناه متوسلتان عيناها متوحشتان كلاهما ميت
تجرأ و اقترب منها خطوة هامسا بصوتٍ أجوف وهو يهز رأسه نفيا لا يعرف ما الذي ينكره بالضبط
الا أنها انتفضت صارخة وهي تقفز للخلف كالمجنونة
- لا تلمسني إياك أن تلمسني
تحرك حلقه بحركةٍ عنيفة واضحة , الا أنه وقف مكانه وتكلم بصوتٍ أجش مرتعش رغم صلابة ملامحه
- أنت لا تفهمين شيئا يا سلوان
صرخت فيه بذعرٍ غاضب وأهوج
- لا أفهم !! ولك الجرأة على محاولة إيهامي بأنني لا أفهم وأنني قد أكون أسأت فهم ما رأيت ؟!!
أشارت بإصبعها الى المجهول , الى العالم الأسود المدنس وتابعت صارخة
- كان أنت من يتكلم كان أنت حتى وإن غيرت صوتك ألف مرة الزوجة تعرف زوجها كان أنت يا عامر اسلوبك الذي مارسته معي في البداية بكل كلمة منه
رفع يداه يمسح بهما وجهه الشاحب , ثم نظر إليها قائلا بصوتٍ أجش
- نعم كان أنا
أطبقت يدها فوق فمها تكتم صرخة مجنونة وهي تطبق عينيها على نحيبٍ شرس غريب بينما تابع هو هاتفا بحرارة راجيا
- لكن الأمور لا تبدو كما ترينها
أبعدت يدها عن فمها وصرخت بصوتٍ هز أرجاء الغرفة
- أي أمور ؟!
صمتت للحظة تخفض صوتها تماما حد الهمس كي لا يسمعها أحد و هي تلوح بكفيها وتسقطهما يائسة
- لقد خنتني لقد خنتني أقذر أنواع الخيانة لقد ارتكبت شيئا مروعا
اقترب منها خطوة وهو يرفع يده هاتفا بصوتٍ هامس كذلك كي لا يسمعهما أي من سكان البيت
- لم أخنك أقسم أنني لم أخنك , كل ما رأيته كان قبل زواجنا , كانت هناك مرة أخيرة فقط ... لم أشارك فيها لكنها كانت لغرضٍ ستعرفينه لاحقا
غطت وجهها بكفيها في لطمةٍ قوية وهي تشهق باكية بعنف بينما نظر إليها بيأس و تابع هامسا يرتعش من فرط انفعاله
- اعطني فرصة أعرف أن ما أطلبه منكِ مستحيلا , لكن اعطني فرصة ليومين فقط
أبعدت كفيها عن وجهها وهي تنظر إليه بذهول فاغرة فمها من بين دموعها و سألته هامسة بعدم تصديق
- هل تظن أنني سأبقى على ذمتك ليومين إضافيين ؟!!
تسمر عامر مكانه وقد اشتعلت عيناه بطريقة مخيفة وهو يسمع منها هذا السؤال القاطع بينما تابعت بقسوة آمرة بصوتها الخفيض
- طلقني
انقض عليها وهو يمسك بذراعيها بأصابعٍ مؤلمة يكاد أن يرفعها من على الأرض هامسا ببطء مشددا على كل حرف من بين أسنانه
- أقسم بالله أنني لن أطلقك لن يحدث ولن تخرجي من هذا البيت ولو اضطررت الى تقييدك واحتجازك فيه
أخذت تقاومه بشراسة وهي تصرخ بجنون ضاربة ساقيه بقدميها
- لا تلمسني ابعد يديك عني أنت تقرفني
ترك ذراعيها وهو يشعر بكل كلمة تنطقها صادقة كنصل بارد يطعن صدره ناشرا السم على طرفه بداخل أوردته وما أن تركها حتى تابعت بغباء تبصق الكلمات في وجهه
- أرني كيف ستمنعني
ثم اندفعت تجري خارج الغرفة وهي تنادي بصوتٍ عالٍ
- يارا
خرجت يارا من غرفتها على صراخ أمها بفزع , فوصلت سلوان إليها و أمرتها بصوتٍ عالٍ مرتعش
- اذهبي و حضري أصغر حقيبة ملابس لكِ , أريد الخروج من هذا البيت خلال دقائق
بقت يارا مسمرة مكانها غير مصدقة لما تسمع بينما تجاوز عامر سلوان و اتجه الى يارا ممسكا بذراعها يقول بهدوء مضني رغم لهاثه العنيف
- ادخلي غرفتك الآن يا يارا أمك فقط
لكن قبل أن يتابع كلامه شعر بضربة قوية شديدة العنف على كفه الممسكة بذراع يارا لتبعدها عنها قبل أن تخفيها سلوان خلفها وهي تنظر إليه بوحشية صارخة
- لا تلمس ابنتي أيها المريض
تسمر عامر مكانه وهو ينظر إليها فاغرا فمه بعينين واسعتين مشتعلتين بالصدمة الذاهلة قبل أن يهمس لسانه ببطء
- رباه ! ما الذي تشيرين إليه !
الا أنها لم تكن لتنتظر لتسمع , بل استدارت الى يارا وهتفت فيها بقسوة ,
- هيا يا يارا لا وقت لدينا
إلا أنها صمتت شاهقة وهي تشعر بنفسها تطير في الهواء فجأة لتراه يحملها بين ذراعيه مندفعا بها في خطوات سريعة وما أن تمالكت نفسها حتى بدأت تصرخ و تضربه بقبضتيها و ذراعيها
- انزلني
إلا أنها بدت وكأنما تخاطب صنما قاتم الملامح , مشتعل العينين حتى دخل بها الى غرفتهما , ثم ألقاها على سريرهما كما سبق وفعل من قبل وما أن حاولت النهوض صارخة
- ستطلقني يا عامر
لكن قبل أن تنهي حروف اسمه كان قد انحنى إليها وصرخ بوحشية وهياج و بصوتٍ جعلها ترمش بعينيها لتسد أذنيها بكفيها برعب
- اخرسي
تراجعت سلوان للخلف وهي تنظر إليه بعينين مرتعبتين بينما تراجع عنها و اتجه الى الباب ليصفقه خلفه , لكن قبل أن يسحب المفتاح لتفاجأ بأنه احتجزها في الغرفة واستغرقت الصدمة بضعة لحظات قبل أن تنهض من مكانها تركض الى الباب وبدأت في ضربه بقبضتيها صارخة بذعر
- عامر افتح الباب أريد بناتي يا عامر
لكنه لم يكن خلف الباب , بل اتجه الى حيث تقف يارا عند باب غرفتها بعينين واسعتين مرتعبتين و يديها على فمها وما أن رأت عامر يتجه إليها متجهم الملامح , حتى دخلت غرفتها و حاولت اغلاق الباب بسرعة , الا أنه كان أسرع منها فدفع الباب و دخل ليقف في منتصف الغرفة لاهثا بإرهاق و يداه في خصره قبل أن ينظر إليها قائلا بهدوء
- اجلسي يا يارا ريد الكلام معكِ للحظات
هتفت يارا بجزع
- لا يمكنني اخرج أمي حالا .
ترتعش برعب ناظرة إليه وكأنما تعيش كابوس , بينما تمالك عامر نفسه للحظات ثم نظر إليها قائلا بخفوت
- اسمعيني جيدا يا يارا هناك أمر هام يتوقف عليه زواجنا أنا وأمك كل ما أطلبه هو يومين فقط يومين أمك هي أغلى انسان بالنسبة لي حاليا و كل ما أطلبه هو أن تصبر ثمانية وأربعين ساعة
هزت يارا رأسها برعب و هي تهمس
- لا يمكنني السماح لك باحتجازها أنت غريب عنا
شعر و كأن الكلمة قد ضربته في مقتل , وكأنها نسخة مصغرة من سلوان ظهرت عند الحاجة فأغمض عينيه بألم لكنه تمكن من الحفاظ على ثبات ملامحه ثم قال أخيرا بهدوء
- أنا لا أحتجزها أنا فقط أمنعها من الرحيل وفي قاموسي هناك فرق كبير بين العبارتين , هلا تحليت أنت ببعض التفهم لربما استطاعت أن تفهم ما أن تعرف الحقيقة ؟هل ما أطلبه منك يفوق عمرك بكثير ؟
نظرت إليه يارا بيأسٍ خائف لا تعرف كيف تتصرف
وبعد دقائق طويلة من ضربها على الباب باكية سمعت صوته يقول بصرامة
- سأدخل لك البنتين يا سلوان فتوقفي عن إرعابهما
تراجعت للخلف خطوة وهي تسمع الباب يفتح , ثم دخلت يارا مطرقة بوجهها ببطء قبل أن تراه حاملا روان بين ذراعيه ,
هجمت سلوان عليه تسحب بنتها من بين كفيه وهي تضربه بقبضتها الأخرى لكل قوتها هاتفة بغضب
- ابتعد عني و عن بناتي ابتعد لنخرج
الا أنه رمقها بنظرة أخيرة طويلة , غاضبة وصامتة ثم دفعها عنه ليخرج
......
أمام عينيه الذاهلتين رآها تلمس بطنها بكفها الناعم بكل حنان
بدا و كأنه لم يسمعها أو ربما سمعها و لم يستوعب ! ضاقت عيناه قليلا من اتساعهما الذاهل على منظر تلك الأصابع الأنيقة الرقيقة تلامس تلك البطن الرقيقة ذات البروز الخفيف الذي يحفظه عن ظهر قلب
بل يعشقه عن ظهر قلب ! و كيانه بأكمله يحاول أن يوصل لعقله المتوقف المصدوم معلومة هامة معلومة هامة للغاية
هز خاطر رأسه نفيا ببطء وهو يقول هامسا بشراسة خفيضة مبتسما ابتسامة شديدة القسوة و الغضب
- لا أنتِ لا تقصدين ما فهمته ! لأنكِ لو فعلت لو فعلتِ يا شغف !لو
كان يهذي
رافعا إصبعه محذرا يهددها بنبرة خفيضة بينما في نفس الوقت بدا حتى غير قادرا على النطق بكلمة واحدة النطق بها .الاعتراف بها
تراقبه بعينيها و هي تبتسم بنعومة كل انفعالاته الظاهرة بجنونٍ في عينيه
ثم نظرت إليه مجددا منتظرة رد فعله التالي
الآن أغمض عينيه وهو يحاول التقاط أنفاسه , يهز رأسه نفيا باهتزاز و كأنه يحاول التأكد أن ما يحدث أمامه الآن حقيقة و ليس حلما مجنونا ساخرا هزليا و حين فتحهما أخيرا كانتا أشد سوادا و كأن اللون الأخضر الذي عشقته قد ازداد عمقا داكنا و همس من بين شفتيه المتصلبتين بوحشية
- ما الذي تقصدينه بالضبط يا شغف
ارتفع حاجباها و قد اتسعت عيناها الجميلتان للحظة و الابتسامة على شفتيها تتألق بجذلٍ ثم تكلمت بصوتٍ عميقٍ خافت .مداعب
- هل يتطلب الأمر كل هذا القدر من الذكاء ؟ أم أنك ببساطة تشعر برفيفٍ في أحشائك لهفة لسماعها بصوتي ؟ يسرني اذن أن أمنحك هذه المتعة الأخيرة
ثم اقتربت منه لتقطع الفاصل الضئيل بينهما حتى كادت أن تلامسه , ثم ارتفعت على أصابع قدميها حتى وصلت شفتاها الى أذنه فانفرجتا بابتسامة و هي تهمس بصوتٍ كالخرير
- أنا أحمل جنينا برحمي تحميه ضلوعي
ثم انخفضت مجددا و استقرت أمامه واقفة , رافعة وجهها المبتسم بإشراقة و عيناها تتشربان كل تفصيلة من تفاصيل ملامح وجهه لكن تلك الملامح الآن كانت غاضبة و كأن السحر انتهى للأبد
فمال بوجهه إليها و هتف همسا بجنون وهو يقبض على ذراعها فجأة
- أنا لا أصدقك تبا , أنا لا أصدق جنونك و خداعك و سأكون غبيا مثيرا للشفقةِ إن فعلت
مالت ابتسامتها بمداعبة و هي تقول مخفضة رأسها الى حقيبتها تفتحها بهدوء و بساطة
- كنت أعرف أنك لن تصدق لهذا أحضرت معي بعض الأدلة
و أمام عينيه الغاضبتين أخرجت شيئا مستطيلا صغيرا أبيض اللون , يبدو و كأنه إختبار ما رفعته أمام عينيه قائلة بصوتٍ ودود
- انظر بنفسك
اشتعلت ملامحه بالغضب الأكثر جنونا وهو يهتف بهمجية ناظرا حوله قابضا بسرعة على يدها تدفعها بعنف داخل الحقيبة هادرا بصوتٍ غاضب
- هل جننتِ ؟! كيف لكِ أن تخرجي شيئا كهذا على الملأ و في منتصف الطري !!
اتسعت عيناها للحظة , قبل أن تضحك بنعومة و مرح تراقبه و كأنما تراقب طفلا صغيرا أو صبيا يفرض رجولته فهمست برقة
- أنت لطيف جدا يا خاطر
إلا أن عبارتها زادته غضبا فهذه هي طريقتها التي يعرفها جيدا , طريقتها الساخرة و كأنها تتمتع بإهانته عمدا
فهتف مزدريا وهو يشدد من قبضته على ذراعها هامسا من بين أسنانه
- توقفي عن سخريتك القذرة تلك , فأنتِ الأحق بها
همست بخفوتٍ و هي تنظر إلى عينيه
- لم أكن أسخر منك
لكنه لم يسمع تلك النبرة في صوتها , و كانت عيناه قاتمتان أمام النظرة في عينيها فأخفضت وجهها و حركت قبضتها بنعومة متكورة داخل راحته الممسكة بها داخل حقيبتها مما جعله يخفض عينيه و ينظر الى ما تحاول فعله فخفف قبضته حول أصابعها و حين فعل فتحتها داخل الحقيبة قائلة بصوتها العميق الخافت
- انظر بنفسك
نظر الى ما تشير إليه الى جهاز الاختبار الصغير , و ظل صامتا , متجهما يتنفس بسرعة و تعثر ثم همس بنفاذ صبر بينما قلبه يخفق بعنفٍ مؤلم
- ما المفترض بي أن أفهمه من هذا ؟!
ضحكت بصوتٍ أجش خافت ثم أجابت بحنان و صبر
- إن حصلت على خطين فأنا أحمل طفلا
نقل عينيه الغاضبتين المهتزتين ألما إحساسا بالغدر
الى الجهاز مرة أخرى , ليبصر الخطين الواضحين و أمام عينيها المحدقين بكل ردة فعل منه رأت حلقه يتحرك بصعوبة , ثم سمعت تنهيدة متحشرجة فبهتت ابتسامتها قليلا و قالت بخفوت
- أفهم أن ما يحدث قد صدمك معي تقرير بتحليل دم لمزيد من التأكد هل تود رؤيته ؟
كانت عيناه لا تزالان على الخطين الواضحين الصادمين و حين سمع سؤالها الخافت , تحركت نظرته قليلا الى مظروفٍ آخر في الحقيبة لكنه لم يفعل بل رفع عينيه إليها ثم قال آمرا بصوتٍ بارد موجع في إزدرائه
- انتظريني هنا و لا تتحركي خطوة واحدة
و دون أن ينتظر منها ردا , قذف بذراعها بعيدا , ثم اندفع في خطواته مبتعدا عنها , و هي تراقبه بعينين غائرتين و فم جميل غابت عنه الابتسامة ..
وصل خاطر الى حيث يجلس سعيد ينظر تجاهه منفعلا يهز ساقه بعصبية ,ثم نهض ليقول بعنف
- ماذا تريد منك ؟! أي استغلال جديد تريد أن تمتص به المزيد من دمك تلك البعوضة المرفهة !!إياك أن تنخدع بها يا خاطر , إياك أن تضعف أمامها إياك أن تفتح فمك أمامها كالأبله و يسيل لعابك لها كما تفعل دائما
قاطعه خاطر بنبرة آمرة متصلبة وهو يمد راحة يده
- هات مفتاح محلك
ضاقت عينا سعيد وهو يعقد حاجبيه سائلا بتحفز
- لماذا ؟!
لكن أعصاب خاطر كانت قد وصلت إلى آخر قدرتها على على التحمل , فهدر بخشونة
- هات مفاتيح محلك يا سعيد
- خذ لكن إياك و أن تفكر فيما أفكر فيه لأنني ببساطة قد أقتحم عليكما المكان في أي لحظة و لن يسرني أن
قاطعه خاطر قائلا بصوتٍ يرتعد انفعالا و غضبا
- لا تقلق فالرغبة الوحيدة التي تنتابني حاليا هي الرغبة في القتل , لكن لن يسعدني إغراق محلك الصغير بالدم
أومأ سعيد قائلا وهو يرفع سبابته في وجه خاطر قائلا بشدة
- جيد و هذا أيضا , لا تتهور و تضربها في محلي و إن كان هذا سيسعدني جدا , لكن ليس في محلي
ابتعد خاطر مندفعا , فجلس سعيد مكانه زافرا بقنوطٍ و غضب يهز رأسه باستياء هامسا لنفسه
- لن يتمكن من مقاومة تأثيرها عليه
- ادخلي
ابتسمت له ابتسامة جميلة , ثم تقدمته
سمعته يلحق بها , ثم صفق أبواب المحل خلفه
تكلم أخيرا قائلا بصوتٍ غريب
- هل تعلمين من أنتِ في الحقيقة ؟
لم ترد على الفور بل ظلت صامتة للحظات ,
فتح فمه مجددا و كأن مجرد النطق له مرار يجعل لسانه يهتز
- أنتِ لعنة و حلت على حياتي
قالت بصوتٍ ميت باهت
- لم اخنك
نظر إليها ذاهلا قبل أن يقبض بيده على ذقنها بشدة حتى أغمضت عينيها فهدر همسا بعنف وهو يهز رأسها
- هل تجرؤين على الإنكار و قد رأيت بنفسي !
همست بحدة دون أن تنظر لعينيه
- ماذا رأيت ؟! أرسلت رسالة لغريب ! نعم أرسلتها و رغبت في الكلام
ارتفعت قبضتاه لتمسكان بوجهها فجأة و كأنه على وشك سحقه بينهما حتى ينفجر دماغها و هدر بشراسة
- و هذه ليست خيانة !
الآن كان ارتعاشها واضحا و صدرها يخفق بعنف تتجنب مواجهة عينيه , لكنها ردت بفتور
- تعرف أنني معتادة على المراسلة منذ وقت طويل كنت واحدا ممن راسلتهم و لم تجد في هذا حرجا لم تتأكد وقتها إن كنت متزوجة أم لا و لا أظنك كنت تهتم و الآن تقف امامي مدعيا الشعور بالخيانة كزوجٍ مخدوع !! عقدنا صفقة و كنت على استعداد بقبول الأسوأ لا أطيق النفاق
صمتت للحظة , ثم صرخت صرخة عالية أجفلته هو شخصيا
- لا أطيق النفاق
أسقط رأسها بإهمال , و ساد صمت طويل بينهما وهو ينظر إليه بينما رأسها ساقط أمام عينيه و شعرها يخفي وجهها عنه لا يرى منها إلا صدرها اللاهث ثم سمع صوته يقول أخيرا ساخرا دون مرح بل ساخرا متوجعا , كارها
- اعترفتِ أخيرا !
لم تفهمه على الفور , لكنها سرعان ما أدركت قصده فهمست ببطء دون أن ترفع وجهها
-كنت تعرف أنها أنا
سألها بجمود
- و ماذا عن الطفل ؟! أم أنه مجرد اعتبار ثانوي و حدث طارئ لا قيمة له
أخذت نفسا عميقا و ظلت صامتة غير قادرة على الرد فالتفت إليها ناظرا إلى عينيها سائلا بتقزز
- أتراها كانت غايتك من البداية !! الحصول على طفل تعويضا عن الطفل الذي فقدتِه ؟!
جمدت شفتاها , كجمود نظرة عينيها و هي تحدق به بنظرة ميتة ثم تكلمت ببطء قائلة دون تردد
- لن يعوضني عنه طفل آخر لم أرد يوما بديلا , و لن أريد أبدا
ضاقت عيناه وهو يدقق النظر بها , ثم قال أخيرا بخشونة
- لكنه حدث
عادت لتشيح بعينيها عنه , ثم ردت بجفاء
- لكل مشكلة حل
استدار إليها بكليته الآن وهو ينظر إليها بملامح غريبة و عينين حادتي النظر مقتربا خطوة وهو يقول ببطء
- ماذا تقصدين ؟!
نظرت إليه وهو يقترب منها فحاولت التراجع , إلا ان الجدار من خلفها منع هروبها ,فوقفت مكانها ثابتة ثم همست فجأة تسأله
- هل تتذكر صورة ابني ؟ تدرك أنه كان من أطفال الحالات الخاصة
توقف عن الاقتراب منها ثم سأل بصوتٍ أجش
- ما الذي تريدين قوله ؟
نظرت إلى عينيه صامتة , ثم سألته بصوتٍ باهت
- ماذا لو كان طفلك أيضا كذلك ؟
تسمر مكانه تماما و توقف عن التنفس للحظة وهو يحدق في عينيها شاعرا بقبضةٍ باردة حول صدره , ثم سألها بجدية
- و هل هذا ممكنا ؟
هزت كتفها رغم ان ملامحها كانت جامدة تماما و كأنها ملامح تمثالٍ ناعم و ردت دون روح أو مشاعر
- ألست نفس الأم ؟ ماذا لو كان طفلك أيضا كذلك ؟ يا خاطر
انتبه مع سماع اسمه فرفع رأسه مضطربا ينظر إلى عينيها للحظات , ثم سأل بصوتٍ مجهد
- و ماذا إن كان ! سأجد الوسيلة لأرعاه
اتسعت عيناها قليلا حتى أنها فغرت فمها بعض الشيء تنظر إليه بطريقة غريبة , مبتلعة ريقها بصعوبة ثم همست ببطء
- هل لديك فكرة عن مدى صعوبة الأمر !
تجهمت ملامحه الحزينة و هز وجهه وهو يقول ببطء
- و هل للمرء خيار في هذا !
مالت برأسها تنظر إليه بنفس النظرة الغريبة ثم همست بصوتٍ ميت تردد
- دائما هناك خيار
ازداد انعقاد حاجبيه و تجهم عينيه محتدا وهو يسأل بنبرة تحذير
- مجددا ماذا تقصدين ؟! ما الذي تريدين قوله ؟! هل تنوين التخلص منه ؟!
نظرت إلى عينيه للحظات ثم هزت كتفها قائلة بخفوت
- إن كنت مصرا على الطلاق فلماذا تريد مني تحمل هذه المسؤولية وحدي ؟
احترقت عيناه وهو يصرخ فجأة بغضب
- إياك يا شغف والله إن أقدمتِ على شيء كهذا دون علمي فسوف سوف
بدا غير قادرا على متابعة الكلام من شدة الغضب و النطق بتهديد منطقي واحد أما هي فكانت تنظر إليه بملامح باهتة , شاحبة فاغرة فمها قليلا بتعبير حزين , بينما تمكن هو من الهتاف بعنف وهو يضرب طاولة العرض بقبضته متسببا في شرخٍ طويل بها
- تبا لكِ , ألم يعد لديكِ أي قدرٍ من التمييز بين الحلال و الحرام ؟!
مجددا ظل فمها مفتوحا و كأنها غير مصدقة , ثم همست بضعف و كأنها تردد كلماتٍ سبق و سمعتها
- قد يعيش حياته معذبا و ربما , لن تكون طويلة , فما الغاية من الألم للجميع ؟!
كان هذا هو دوره في النظر إليها غير مصدقا , يهز رأسه بعدم استيعاب , رافعا كفه أمام جبهته و كأنه يريد الكلام لكن لسانه عاجز عن النطق , ثم هتف بتحشرج غاضب
- هذا أبشع شيء قد أسمعه !
أخفضت وجهها و ظلت صامتة للحظات , ثم ردت بصوتٍ أجوف
- لا يمكنك لومي , و ليس من العدل أن تتركني أمر بهذا وحيدة إن كنت تريده
ردد بقسوة مشددا على كل حرف كي تستوعب
- لن أتخلى عن مسؤوليتي تجاهه
عقدت حاجبيها و هي تتساءل بتلعثم
- و ما هي مسؤوليتك تجاهه , أن تنفق عليه ؟! صدقني هذا أيسر ما أستطيعه , أم تراه في العطلات و نهايات الأسبوع ؟! و تسأل عن مدى تقدمه كل فترة !
نظرت إليه و همست واضعة يدها على صدرها بشرود
- و ماذا عني ؟ لا أريد خوض هذا التحدي وحدي مجددا
ضاقت عيناه وهو يسمع كلماتها الشاردة , ثم هزت رأسها نفيا قائلة
- ليس عدلا
ثم همست دون أتجد القدرة على مواجهة نظراته
- هل ستردني إليك ؟
راقبها خاطر للحظات بملامح جامدة , ثم أبعد كفيها عن وجهها و رفعه إليه فنظرت إليه من بين بكائها الخافت إلا أنه ربت على وجنتها برفق لكن دون عاطفة و قال بخشونة
- عودي للبيت و سأتصل بكِ
عيناه لا تريان الطريق ولا تبصران على بعد بيت علام عنه وكأن البيت في بلد آخر لم يكن الطريق يوما طويلا كما هو اليوم لم يكن الوصول إليه مضنيا كما هو الآن
كان يضرب المقود صارخا بعنف كلما توقفت السيارة
- هيا ابتعدوا اللعنة
هاتفها مغلق وكأنها بإغلاقه قد فصلت نفسها تماما في العالم الأسود الذي سيبتلعها بلعنته ضرب المقود مجددا وهو يصرخ كالمجنون
وكانت رؤيته لبيت داشاي أخيرا لهو الشيء الوحيد الذي أعاد إليه بعضا من نبضات الحياة
لا يعرف كيف أوقف السيارة عشوائيا وترك بابها مفتوحا دون اهتمام
لا يرى أمامه سوى درجات السلم التي تمتد الى ما لانهاية حتى السماء يجري عليها كل درجتين معا
ثم وصل لاهثا بعنف مؤلم حتى باب الغرفة المغلقة ففتحه بقوة ليقتحم سوادها بملامح عاجزة شاحبة كالأموات
لا تزال يدها على فمها فوق ملامح ميتة موت شخص آخر ما أبصره هو أكثر المشاهد رعبا قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على هذا الحال بعينين متسعتين بذعرٍ ممتزج بالصدمة السوداء و الدموع هي آخر ما يدل على حياته
ومن خلفها كان يقف هو عند الباب ناظرا الى ما تراه , قبل أن يسقط جالسا أرضا مستندا بظهره الى إطار الباب مرجعا رأسه للخلف , مغمضًا عينيه مستسلما
أما هي فلا حركة تصدر عنها وهي تسمع الأصوات والتأوهات الى أن امتزجت فجأة بصرخةٍ وحشية مع نهوضه عن الأرض ليندفع إليها ساحبا الذاكرة من مكانها ثم امتدت يداه و اقتلع الحاسوب ليضربه في الأرض بكل قوته صارخا بجنون
- كفى
وكأنما بصرخته قد صفعها فأفاقت من ميتتها و انتفضت واقفة تنظر إليه بملامح شرسة والدموع تغرق وجهها بينما شعرها يتناثر حوله بجنون
وقف كلا منهما ينظر الى الأخر لاهثا , مترقبا وجهه شاحب , وجهها أحمر متقد عيناه متوسلتان عيناها متوحشتان كلاهما ميت
تجرأ و اقترب منها خطوة هامسا بصوتٍ أجوف وهو يهز رأسه نفيا لا يعرف ما الذي ينكره بالضبط
الا أنها انتفضت صارخة وهي تقفز للخلف كالمجنونة
- لا تلمسني إياك أن تلمسني
تحرك حلقه بحركةٍ عنيفة واضحة , الا أنه وقف مكانه وتكلم بصوتٍ أجش مرتعش رغم صلابة ملامحه
- أنت لا تفهمين شيئا يا سلوان
صرخت فيه بذعرٍ غاضب وأهوج
- لا أفهم !! ولك الجرأة على محاولة إيهامي بأنني لا أفهم وأنني قد أكون أسأت فهم ما رأيت ؟!!
أشارت بإصبعها الى المجهول , الى العالم الأسود المدنس وتابعت صارخة
- كان أنت من يتكلم كان أنت حتى وإن غيرت صوتك ألف مرة الزوجة تعرف زوجها كان أنت يا عامر اسلوبك الذي مارسته معي في البداية بكل كلمة منه
رفع يداه يمسح بهما وجهه الشاحب , ثم نظر إليها قائلا بصوتٍ أجش
- نعم كان أنا
أطبقت يدها فوق فمها تكتم صرخة مجنونة وهي تطبق عينيها على نحيبٍ شرس غريب بينما تابع هو هاتفا بحرارة راجيا
- لكن الأمور لا تبدو كما ترينها
أبعدت يدها عن فمها وصرخت بصوتٍ هز أرجاء الغرفة
- أي أمور ؟!
صمتت للحظة تخفض صوتها تماما حد الهمس كي لا يسمعها أحد و هي تلوح بكفيها وتسقطهما يائسة
- لقد خنتني لقد خنتني أقذر أنواع الخيانة لقد ارتكبت شيئا مروعا
اقترب منها خطوة وهو يرفع يده هاتفا بصوتٍ هامس كذلك كي لا يسمعهما أي من سكان البيت
- لم أخنك أقسم أنني لم أخنك , كل ما رأيته كان قبل زواجنا , كانت هناك مرة أخيرة فقط ... لم أشارك فيها لكنها كانت لغرضٍ ستعرفينه لاحقا
غطت وجهها بكفيها في لطمةٍ قوية وهي تشهق باكية بعنف بينما نظر إليها بيأس و تابع هامسا يرتعش من فرط انفعاله
- اعطني فرصة أعرف أن ما أطلبه منكِ مستحيلا , لكن اعطني فرصة ليومين فقط
أبعدت كفيها عن وجهها وهي تنظر إليه بذهول فاغرة فمها من بين دموعها و سألته هامسة بعدم تصديق
- هل تظن أنني سأبقى على ذمتك ليومين إضافيين ؟!!
تسمر عامر مكانه وقد اشتعلت عيناه بطريقة مخيفة وهو يسمع منها هذا السؤال القاطع بينما تابعت بقسوة آمرة بصوتها الخفيض
- طلقني
انقض عليها وهو يمسك بذراعيها بأصابعٍ مؤلمة يكاد أن يرفعها من على الأرض هامسا ببطء مشددا على كل حرف من بين أسنانه
- أقسم بالله أنني لن أطلقك لن يحدث ولن تخرجي من هذا البيت ولو اضطررت الى تقييدك واحتجازك فيه
أخذت تقاومه بشراسة وهي تصرخ بجنون ضاربة ساقيه بقدميها
- لا تلمسني ابعد يديك عني أنت تقرفني
ترك ذراعيها وهو يشعر بكل كلمة تنطقها صادقة كنصل بارد يطعن صدره ناشرا السم على طرفه بداخل أوردته وما أن تركها حتى تابعت بغباء تبصق الكلمات في وجهه
- أرني كيف ستمنعني
ثم اندفعت تجري خارج الغرفة وهي تنادي بصوتٍ عالٍ
- يارا
خرجت يارا من غرفتها على صراخ أمها بفزع , فوصلت سلوان إليها و أمرتها بصوتٍ عالٍ مرتعش
- اذهبي و حضري أصغر حقيبة ملابس لكِ , أريد الخروج من هذا البيت خلال دقائق
بقت يارا مسمرة مكانها غير مصدقة لما تسمع بينما تجاوز عامر سلوان و اتجه الى يارا ممسكا بذراعها يقول بهدوء مضني رغم لهاثه العنيف
- ادخلي غرفتك الآن يا يارا أمك فقط
لكن قبل أن يتابع كلامه شعر بضربة قوية شديدة العنف على كفه الممسكة بذراع يارا لتبعدها عنها قبل أن تخفيها سلوان خلفها وهي تنظر إليه بوحشية صارخة
- لا تلمس ابنتي أيها المريض
تسمر عامر مكانه وهو ينظر إليها فاغرا فمه بعينين واسعتين مشتعلتين بالصدمة الذاهلة قبل أن يهمس لسانه ببطء
- رباه ! ما الذي تشيرين إليه !
الا أنها لم تكن لتنتظر لتسمع , بل استدارت الى يارا وهتفت فيها بقسوة ,
- هيا يا يارا لا وقت لدينا
إلا أنها صمتت شاهقة وهي تشعر بنفسها تطير في الهواء فجأة لتراه يحملها بين ذراعيه مندفعا بها في خطوات سريعة وما أن تمالكت نفسها حتى بدأت تصرخ و تضربه بقبضتيها و ذراعيها
- انزلني
إلا أنها بدت وكأنما تخاطب صنما قاتم الملامح , مشتعل العينين حتى دخل بها الى غرفتهما , ثم ألقاها على سريرهما كما سبق وفعل من قبل وما أن حاولت النهوض صارخة
- ستطلقني يا عامر
لكن قبل أن تنهي حروف اسمه كان قد انحنى إليها وصرخ بوحشية وهياج و بصوتٍ جعلها ترمش بعينيها لتسد أذنيها بكفيها برعب
- اخرسي
تراجعت سلوان للخلف وهي تنظر إليه بعينين مرتعبتين بينما تراجع عنها و اتجه الى الباب ليصفقه خلفه , لكن قبل أن يسحب المفتاح لتفاجأ بأنه احتجزها في الغرفة واستغرقت الصدمة بضعة لحظات قبل أن تنهض من مكانها تركض الى الباب وبدأت في ضربه بقبضتيها صارخة بذعر
- عامر افتح الباب أريد بناتي يا عامر
لكنه لم يكن خلف الباب , بل اتجه الى حيث تقف يارا عند باب غرفتها بعينين واسعتين مرتعبتين و يديها على فمها وما أن رأت عامر يتجه إليها متجهم الملامح , حتى دخلت غرفتها و حاولت اغلاق الباب بسرعة , الا أنه كان أسرع منها فدفع الباب و دخل ليقف في منتصف الغرفة لاهثا بإرهاق و يداه في خصره قبل أن ينظر إليها قائلا بهدوء
- اجلسي يا يارا ريد الكلام معكِ للحظات
هتفت يارا بجزع
- لا يمكنني اخرج أمي حالا .
ترتعش برعب ناظرة إليه وكأنما تعيش كابوس , بينما تمالك عامر نفسه للحظات ثم نظر إليها قائلا بخفوت
- اسمعيني جيدا يا يارا هناك أمر هام يتوقف عليه زواجنا أنا وأمك كل ما أطلبه هو يومين فقط يومين أمك هي أغلى انسان بالنسبة لي حاليا و كل ما أطلبه هو أن تصبر ثمانية وأربعين ساعة
هزت يارا رأسها برعب و هي تهمس
- لا يمكنني السماح لك باحتجازها أنت غريب عنا
شعر و كأن الكلمة قد ضربته في مقتل , وكأنها نسخة مصغرة من سلوان ظهرت عند الحاجة فأغمض عينيه بألم لكنه تمكن من الحفاظ على ثبات ملامحه ثم قال أخيرا بهدوء
- أنا لا أحتجزها أنا فقط أمنعها من الرحيل وفي قاموسي هناك فرق كبير بين العبارتين , هلا تحليت أنت ببعض التفهم لربما استطاعت أن تفهم ما أن تعرف الحقيقة ؟هل ما أطلبه منك يفوق عمرك بكثير ؟
نظرت إليه يارا بيأسٍ خائف لا تعرف كيف تتصرف
وبعد دقائق طويلة من ضربها على الباب باكية سمعت صوته يقول بصرامة
- سأدخل لك البنتين يا سلوان فتوقفي عن إرعابهما
تراجعت للخلف خطوة وهي تسمع الباب يفتح , ثم دخلت يارا مطرقة بوجهها ببطء قبل أن تراه حاملا روان بين ذراعيه ,
هجمت سلوان عليه تسحب بنتها من بين كفيه وهي تضربه بقبضتها الأخرى لكل قوتها هاتفة بغضب
- ابتعد عني و عن بناتي ابتعد لنخرج
الا أنه رمقها بنظرة أخيرة طويلة , غاضبة وصامتة ثم دفعها عنه ليخرج
......
أمام عينيه الذاهلتين رآها تلمس بطنها بكفها الناعم بكل حنان
بدا و كأنه لم يسمعها أو ربما سمعها و لم يستوعب ! ضاقت عيناه قليلا من اتساعهما الذاهل على منظر تلك الأصابع الأنيقة الرقيقة تلامس تلك البطن الرقيقة ذات البروز الخفيف الذي يحفظه عن ظهر قلب
بل يعشقه عن ظهر قلب ! و كيانه بأكمله يحاول أن يوصل لعقله المتوقف المصدوم معلومة هامة معلومة هامة للغاية
هز خاطر رأسه نفيا ببطء وهو يقول هامسا بشراسة خفيضة مبتسما ابتسامة شديدة القسوة و الغضب
- لا أنتِ لا تقصدين ما فهمته ! لأنكِ لو فعلت لو فعلتِ يا شغف !لو
كان يهذي
رافعا إصبعه محذرا يهددها بنبرة خفيضة بينما في نفس الوقت بدا حتى غير قادرا على النطق بكلمة واحدة النطق بها .الاعتراف بها
تراقبه بعينيها و هي تبتسم بنعومة كل انفعالاته الظاهرة بجنونٍ في عينيه
ثم نظرت إليه مجددا منتظرة رد فعله التالي
الآن أغمض عينيه وهو يحاول التقاط أنفاسه , يهز رأسه نفيا باهتزاز و كأنه يحاول التأكد أن ما يحدث أمامه الآن حقيقة و ليس حلما مجنونا ساخرا هزليا و حين فتحهما أخيرا كانتا أشد سوادا و كأن اللون الأخضر الذي عشقته قد ازداد عمقا داكنا و همس من بين شفتيه المتصلبتين بوحشية
- ما الذي تقصدينه بالضبط يا شغف
ارتفع حاجباها و قد اتسعت عيناها الجميلتان للحظة و الابتسامة على شفتيها تتألق بجذلٍ ثم تكلمت بصوتٍ عميقٍ خافت .مداعب
- هل يتطلب الأمر كل هذا القدر من الذكاء ؟ أم أنك ببساطة تشعر برفيفٍ في أحشائك لهفة لسماعها بصوتي ؟ يسرني اذن أن أمنحك هذه المتعة الأخيرة
ثم اقتربت منه لتقطع الفاصل الضئيل بينهما حتى كادت أن تلامسه , ثم ارتفعت على أصابع قدميها حتى وصلت شفتاها الى أذنه فانفرجتا بابتسامة و هي تهمس بصوتٍ كالخرير
- أنا أحمل جنينا برحمي تحميه ضلوعي
ثم انخفضت مجددا و استقرت أمامه واقفة , رافعة وجهها المبتسم بإشراقة و عيناها تتشربان كل تفصيلة من تفاصيل ملامح وجهه لكن تلك الملامح الآن كانت غاضبة و كأن السحر انتهى للأبد
فمال بوجهه إليها و هتف همسا بجنون وهو يقبض على ذراعها فجأة
- أنا لا أصدقك تبا , أنا لا أصدق جنونك و خداعك و سأكون غبيا مثيرا للشفقةِ إن فعلت
مالت ابتسامتها بمداعبة و هي تقول مخفضة رأسها الى حقيبتها تفتحها بهدوء و بساطة
- كنت أعرف أنك لن تصدق لهذا أحضرت معي بعض الأدلة
و أمام عينيه الغاضبتين أخرجت شيئا مستطيلا صغيرا أبيض اللون , يبدو و كأنه إختبار ما رفعته أمام عينيه قائلة بصوتٍ ودود
- انظر بنفسك
اشتعلت ملامحه بالغضب الأكثر جنونا وهو يهتف بهمجية ناظرا حوله قابضا بسرعة على يدها تدفعها بعنف داخل الحقيبة هادرا بصوتٍ غاضب
- هل جننتِ ؟! كيف لكِ أن تخرجي شيئا كهذا على الملأ و في منتصف الطري !!
اتسعت عيناها للحظة , قبل أن تضحك بنعومة و مرح تراقبه و كأنما تراقب طفلا صغيرا أو صبيا يفرض رجولته فهمست برقة
- أنت لطيف جدا يا خاطر
إلا أن عبارتها زادته غضبا فهذه هي طريقتها التي يعرفها جيدا , طريقتها الساخرة و كأنها تتمتع بإهانته عمدا
فهتف مزدريا وهو يشدد من قبضته على ذراعها هامسا من بين أسنانه
- توقفي عن سخريتك القذرة تلك , فأنتِ الأحق بها
همست بخفوتٍ و هي تنظر إلى عينيه
- لم أكن أسخر منك
لكنه لم يسمع تلك النبرة في صوتها , و كانت عيناه قاتمتان أمام النظرة في عينيها فأخفضت وجهها و حركت قبضتها بنعومة متكورة داخل راحته الممسكة بها داخل حقيبتها مما جعله يخفض عينيه و ينظر الى ما تحاول فعله فخفف قبضته حول أصابعها و حين فعل فتحتها داخل الحقيبة قائلة بصوتها العميق الخافت
- انظر بنفسك
نظر الى ما تشير إليه الى جهاز الاختبار الصغير , و ظل صامتا , متجهما يتنفس بسرعة و تعثر ثم همس بنفاذ صبر بينما قلبه يخفق بعنفٍ مؤلم
- ما المفترض بي أن أفهمه من هذا ؟!
ضحكت بصوتٍ أجش خافت ثم أجابت بحنان و صبر
- إن حصلت على خطين فأنا أحمل طفلا
نقل عينيه الغاضبتين المهتزتين ألما إحساسا بالغدر
الى الجهاز مرة أخرى , ليبصر الخطين الواضحين و أمام عينيها المحدقين بكل ردة فعل منه رأت حلقه يتحرك بصعوبة , ثم سمعت تنهيدة متحشرجة فبهتت ابتسامتها قليلا و قالت بخفوت
- أفهم أن ما يحدث قد صدمك معي تقرير بتحليل دم لمزيد من التأكد هل تود رؤيته ؟
كانت عيناه لا تزالان على الخطين الواضحين الصادمين و حين سمع سؤالها الخافت , تحركت نظرته قليلا الى مظروفٍ آخر في الحقيبة لكنه لم يفعل بل رفع عينيه إليها ثم قال آمرا بصوتٍ بارد موجع في إزدرائه
- انتظريني هنا و لا تتحركي خطوة واحدة
و دون أن ينتظر منها ردا , قذف بذراعها بعيدا , ثم اندفع في خطواته مبتعدا عنها , و هي تراقبه بعينين غائرتين و فم جميل غابت عنه الابتسامة ..
وصل خاطر الى حيث يجلس سعيد ينظر تجاهه منفعلا يهز ساقه بعصبية ,ثم نهض ليقول بعنف
- ماذا تريد منك ؟! أي استغلال جديد تريد أن تمتص به المزيد من دمك تلك البعوضة المرفهة !!إياك أن تنخدع بها يا خاطر , إياك أن تضعف أمامها إياك أن تفتح فمك أمامها كالأبله و يسيل لعابك لها كما تفعل دائما
قاطعه خاطر بنبرة آمرة متصلبة وهو يمد راحة يده
- هات مفتاح محلك
ضاقت عينا سعيد وهو يعقد حاجبيه سائلا بتحفز
- لماذا ؟!
لكن أعصاب خاطر كانت قد وصلت إلى آخر قدرتها على على التحمل , فهدر بخشونة
- هات مفاتيح محلك يا سعيد
- خذ لكن إياك و أن تفكر فيما أفكر فيه لأنني ببساطة قد أقتحم عليكما المكان في أي لحظة و لن يسرني أن
قاطعه خاطر قائلا بصوتٍ يرتعد انفعالا و غضبا
- لا تقلق فالرغبة الوحيدة التي تنتابني حاليا هي الرغبة في القتل , لكن لن يسعدني إغراق محلك الصغير بالدم
أومأ سعيد قائلا وهو يرفع سبابته في وجه خاطر قائلا بشدة
- جيد و هذا أيضا , لا تتهور و تضربها في محلي و إن كان هذا سيسعدني جدا , لكن ليس في محلي
ابتعد خاطر مندفعا , فجلس سعيد مكانه زافرا بقنوطٍ و غضب يهز رأسه باستياء هامسا لنفسه
- لن يتمكن من مقاومة تأثيرها عليه
- ادخلي
ابتسمت له ابتسامة جميلة , ثم تقدمته
سمعته يلحق بها , ثم صفق أبواب المحل خلفه
تكلم أخيرا قائلا بصوتٍ غريب
- هل تعلمين من أنتِ في الحقيقة ؟
لم ترد على الفور بل ظلت صامتة للحظات ,
فتح فمه مجددا و كأن مجرد النطق له مرار يجعل لسانه يهتز
- أنتِ لعنة و حلت على حياتي
قالت بصوتٍ ميت باهت
- لم اخنك
نظر إليها ذاهلا قبل أن يقبض بيده على ذقنها بشدة حتى أغمضت عينيها فهدر همسا بعنف وهو يهز رأسها
- هل تجرؤين على الإنكار و قد رأيت بنفسي !
همست بحدة دون أن تنظر لعينيه
- ماذا رأيت ؟! أرسلت رسالة لغريب ! نعم أرسلتها و رغبت في الكلام
ارتفعت قبضتاه لتمسكان بوجهها فجأة و كأنه على وشك سحقه بينهما حتى ينفجر دماغها و هدر بشراسة
- و هذه ليست خيانة !
الآن كان ارتعاشها واضحا و صدرها يخفق بعنف تتجنب مواجهة عينيه , لكنها ردت بفتور
- تعرف أنني معتادة على المراسلة منذ وقت طويل كنت واحدا ممن راسلتهم و لم تجد في هذا حرجا لم تتأكد وقتها إن كنت متزوجة أم لا و لا أظنك كنت تهتم و الآن تقف امامي مدعيا الشعور بالخيانة كزوجٍ مخدوع !! عقدنا صفقة و كنت على استعداد بقبول الأسوأ لا أطيق النفاق
صمتت للحظة , ثم صرخت صرخة عالية أجفلته هو شخصيا
- لا أطيق النفاق
أسقط رأسها بإهمال , و ساد صمت طويل بينهما وهو ينظر إليه بينما رأسها ساقط أمام عينيه و شعرها يخفي وجهها عنه لا يرى منها إلا صدرها اللاهث ثم سمع صوته يقول أخيرا ساخرا دون مرح بل ساخرا متوجعا , كارها
- اعترفتِ أخيرا !
لم تفهمه على الفور , لكنها سرعان ما أدركت قصده فهمست ببطء دون أن ترفع وجهها
-كنت تعرف أنها أنا
سألها بجمود
- و ماذا عن الطفل ؟! أم أنه مجرد اعتبار ثانوي و حدث طارئ لا قيمة له
أخذت نفسا عميقا و ظلت صامتة غير قادرة على الرد فالتفت إليها ناظرا إلى عينيها سائلا بتقزز
- أتراها كانت غايتك من البداية !! الحصول على طفل تعويضا عن الطفل الذي فقدتِه ؟!
جمدت شفتاها , كجمود نظرة عينيها و هي تحدق به بنظرة ميتة ثم تكلمت ببطء قائلة دون تردد
- لن يعوضني عنه طفل آخر لم أرد يوما بديلا , و لن أريد أبدا
ضاقت عيناه وهو يدقق النظر بها , ثم قال أخيرا بخشونة
- لكنه حدث
عادت لتشيح بعينيها عنه , ثم ردت بجفاء
- لكل مشكلة حل
استدار إليها بكليته الآن وهو ينظر إليها بملامح غريبة و عينين حادتي النظر مقتربا خطوة وهو يقول ببطء
- ماذا تقصدين ؟!
نظرت إليه وهو يقترب منها فحاولت التراجع , إلا ان الجدار من خلفها منع هروبها ,فوقفت مكانها ثابتة ثم همست فجأة تسأله
- هل تتذكر صورة ابني ؟ تدرك أنه كان من أطفال الحالات الخاصة
توقف عن الاقتراب منها ثم سأل بصوتٍ أجش
- ما الذي تريدين قوله ؟
نظرت إلى عينيه صامتة , ثم سألته بصوتٍ باهت
- ماذا لو كان طفلك أيضا كذلك ؟
تسمر مكانه تماما و توقف عن التنفس للحظة وهو يحدق في عينيها شاعرا بقبضةٍ باردة حول صدره , ثم سألها بجدية
- و هل هذا ممكنا ؟
هزت كتفها رغم ان ملامحها كانت جامدة تماما و كأنها ملامح تمثالٍ ناعم و ردت دون روح أو مشاعر
- ألست نفس الأم ؟ ماذا لو كان طفلك أيضا كذلك ؟ يا خاطر
انتبه مع سماع اسمه فرفع رأسه مضطربا ينظر إلى عينيها للحظات , ثم سأل بصوتٍ مجهد
- و ماذا إن كان ! سأجد الوسيلة لأرعاه
اتسعت عيناها قليلا حتى أنها فغرت فمها بعض الشيء تنظر إليه بطريقة غريبة , مبتلعة ريقها بصعوبة ثم همست ببطء
- هل لديك فكرة عن مدى صعوبة الأمر !
تجهمت ملامحه الحزينة و هز وجهه وهو يقول ببطء
- و هل للمرء خيار في هذا !
مالت برأسها تنظر إليه بنفس النظرة الغريبة ثم همست بصوتٍ ميت تردد
- دائما هناك خيار
ازداد انعقاد حاجبيه و تجهم عينيه محتدا وهو يسأل بنبرة تحذير
- مجددا ماذا تقصدين ؟! ما الذي تريدين قوله ؟! هل تنوين التخلص منه ؟!
نظرت إلى عينيه للحظات ثم هزت كتفها قائلة بخفوت
- إن كنت مصرا على الطلاق فلماذا تريد مني تحمل هذه المسؤولية وحدي ؟
احترقت عيناه وهو يصرخ فجأة بغضب
- إياك يا شغف والله إن أقدمتِ على شيء كهذا دون علمي فسوف سوف
بدا غير قادرا على متابعة الكلام من شدة الغضب و النطق بتهديد منطقي واحد أما هي فكانت تنظر إليه بملامح باهتة , شاحبة فاغرة فمها قليلا بتعبير حزين , بينما تمكن هو من الهتاف بعنف وهو يضرب طاولة العرض بقبضته متسببا في شرخٍ طويل بها
- تبا لكِ , ألم يعد لديكِ أي قدرٍ من التمييز بين الحلال و الحرام ؟!
مجددا ظل فمها مفتوحا و كأنها غير مصدقة , ثم همست بضعف و كأنها تردد كلماتٍ سبق و سمعتها
- قد يعيش حياته معذبا و ربما , لن تكون طويلة , فما الغاية من الألم للجميع ؟!
كان هذا هو دوره في النظر إليها غير مصدقا , يهز رأسه بعدم استيعاب , رافعا كفه أمام جبهته و كأنه يريد الكلام لكن لسانه عاجز عن النطق , ثم هتف بتحشرج غاضب
- هذا أبشع شيء قد أسمعه !
أخفضت وجهها و ظلت صامتة للحظات , ثم ردت بصوتٍ أجوف
- لا يمكنك لومي , و ليس من العدل أن تتركني أمر بهذا وحيدة إن كنت تريده
ردد بقسوة مشددا على كل حرف كي تستوعب
- لن أتخلى عن مسؤوليتي تجاهه
عقدت حاجبيها و هي تتساءل بتلعثم
- و ما هي مسؤوليتك تجاهه , أن تنفق عليه ؟! صدقني هذا أيسر ما أستطيعه , أم تراه في العطلات و نهايات الأسبوع ؟! و تسأل عن مدى تقدمه كل فترة !
نظرت إليه و همست واضعة يدها على صدرها بشرود
- و ماذا عني ؟ لا أريد خوض هذا التحدي وحدي مجددا
ضاقت عيناه وهو يسمع كلماتها الشاردة , ثم هزت رأسها نفيا قائلة
- ليس عدلا
ثم همست دون أتجد القدرة على مواجهة نظراته
- هل ستردني إليك ؟
راقبها خاطر للحظات بملامح جامدة , ثم أبعد كفيها عن وجهها و رفعه إليه فنظرت إليه من بين بكائها الخافت إلا أنه ربت على وجنتها برفق لكن دون عاطفة و قال بخشونة
- عودي للبيت و سأتصل بكِ