الفصل ٢٤
دفعت شغف الباب ببطء وهي تمد رأسها لتنظر داخل الغرفة وحين فعلت رأت مؤخرة أنثوية في فستانٍ مزركش قابعة أرضا فوق ركبتين , بينما صاحبتها بأكملها داخل الدولاب تبحث عن شيء وهي تحدث نفسها هامسة بعصبية
- لابد من وجود شيء هنا هذه قد تكون الفرصة الأخيرة تبا لهذا مؤكد يوجد شيء
رفعت شغف أحد حاجبيها ببطء ثم طرقت الباب المفتوح بهدوء , فما كان من صاحبة المؤخرة الأنثوية إلا أن شهقت وهي تخرج رأسها من الدولاب بسرعة فضربت رأسها بزاوية بابه بعنف دون انتباه
تأوهت سلوان بقوةٍ متألمة وهي تغمض عينيها ثم فتحتهما بسرعة لترى شغف واقفة عند الباب تنظر إليها بدهشة فهتفت بغضب
- ظننتك عامر
ظلت شغف صامتة هادئة , ثم سألتها ببطء
- ماذا تفعلين ؟!
جلست سلوان على ركبتيها منحنية الكتفين , ثم همست لاهثة بتعب
- لم أجد شيئا لم أعثر على أي شيء يدين عامر فتشت الغرفة شبرا شبرا , و لم أجد على أي شيء
ازداد ارتفاع حاجبا شغف وهي تميل بعينيها الى قاع الدولاب الذي كانت سلوان تفتشه للتو , ثم أعادت عينيها إليها وسألت بحذر
- ما الذي توقعتِ وجوده في الدولاب يا سلوان ؟! الشيء الوحيد الذي قد تجدينه هنا , هو قنينات عطرٍ فارغة فعامر لديه مرض غريب في الاحتفاظ بها
مطت سلوان شفتيها وهي تميل للدولاب وتخرج منه اثنتين من القنينات الفارغة بالفعل و ترفعهما كي تراهما شغف والتي ابتسمت رغما عنها ثم استندت بمرفقها الى مقبض الباب وسألتها بهدوء
- لقد قلت راقبيه وليس فتشيه
همست سلوان بضياع
- ماذا تعنين ؟! ما الفارق ؟!
ردت شغف متنهدة وهي تهز رأسها
- الفارق ضخم الفارق انسان لا مجرد أدلة دون روح , راقبيه حتى تبعديه عن هذه الغرفة أعيديه الى غرفتك
زمت سلوان شفتيها وبدأ الغضب يجتاحها , ثم همست من بين أسنانها بغيظ
- أرجوكِ وضحي أتوسل إليكِ , إن كنتِ تعرفين شيئا , فقط أخبريني
رمقتها شغف طويلا ثم قالت بصوتٍ ضعيف
- لكل منا غرفة مغلقة , مظلمة عليه أن يخرج منها قبل أن يموت فيها , أحيانا لا يستطيع بمفرده ويحتاج الى من يكسر بابها ويخرجه منها بالقوة كي ينقذه
كانت سلوان ترتعش من شدة الغضب الذي تضاعف وتحول الى أنهارٍ من حممٍ بركانيه فصرخت وهي تلوح بذراعيها هاتفة
- كفي عن هذه الألغاز الغير مفهومة , أنتِ لا تعرفين شيئا وتريدين فقط افساد زواجي كما أفسدتِ زواجك خيانتك لزوجك واكتشافه لها , جعلتكِ تتمنين رؤية جميع من حولك يشبهونك التلوث
صمتت قليلا وهي تلهث بعصبية قبل أن تهمس أخيرا بثقة
- أنتِ مريضة يا دكتورة شغف وتحتاجين الى علاجٍ طويل , وحتى تتلقينه أنا سعيدة لابتعاد خاطر عنكِ فهو شخص نقي جدا و يحتاج الى من تماثله نقاءًا أما أنتِ فما كنتِ تمثلين له إلا الامتهان أنتِ في حاجةٍ الى من يخضعك بالقوة و يهينك أما هو فيحتاج الى من تقدره أيامي في هذا البيت المجنون جعلتني أرى أي أسلوبٍ تتعاملين به معه , وفي نهاية المطاف قمتِ بخيانته منك لله يا دكتورة شغف , رأيته أول مرة رجلا متزنا عاقلا ثم خرج من غرفتك ومن البيت و من حياتك مجنونا يهذي والآن تلتفتين حولك تبحثين عمن تفسدين حياته فلم تجدي غيري
نهضت من مكانها بعنف وعينيها تقدحانِ شررا بينما كانت ملامح شغف غريبة جدا جامدة أكثر من المعتاد بعينين عنيفتين فسألتها فجأة ببرود
- يحتاج الى من تماثله نقاءًا وتقدره ! مثلك مثلا ؟!
تسمرت سلوان مكانها وهي تنظر إليها بعينين واسعتين وفم فاغر قبل أن تصرخ بانفعال
- هل أنتِ مجنونة ؟! أنا متزوجة من ابن خالك , وكنت أحاول الحفاظ عن زواجي للتو , فهل وصل بكِ الشر كي تتهميني بشيء من مخيلتك الملوثة ؟!
لم تهتز شغف لإنفعال سلوان بل ابتسمت ببرود وقسوة ثم قالت بجفاء
- لا أظن حياتك مع عامر ستدوم وأظنك تستشعرين هذا بإحساس الزوجة , فربما كان عقلك الباطن يجذبك تجاه الشهم أخضر العينين دون أن تعلمين
ازداد اتساع عيني سلوان ثم أغمضتهما وهي تهز رأسها رافعة كفها وهي تقول من بين أسنانها
- هذا يكفي , أنا لن أقف هنا لأجادل مختلة , تتهمني مستقبلا بما تم ضبطها هي بارتكابه أنتِ تستحقين الشفقة والرثاء أنا ذاهبة لزوجي سأطلب منه السماح وأثق به المتبقي من عمري كله
اندفعت سلوان كي تخرج من الغرفة بعنف متجاوزة شغف لكن قبل أن تبتعد تكلمت شغف بهدوء دون أن تستدير إليها
- تستحقين هذا يا سلوان تريدين أدلة ؟! كلمتين فقط , سلسلة مفاتيحه
توقفت سلوان في الرواق توليها ظهرها بعينين غائمتين و نفس مهتز , عاقدة حاجبيها قليلا لكنها لم تلبث أن هزت رأسها نفيا بسرعة , رافضة حتى أن تسألها المعنى ...و اندفعت لتستعد للذهاب الى زوجها
أما شغف فقد فقدت عينيها قسوتهما وسقط القناع الجامد عن ملامحهما , و بدت كلوحةٍ مؤلمة من الندم وهي تهمس بيأس
- لماذا يا شغف
.......
نظر كلا منهما إلى الآخر ثم أعادا النظر إلى رفيقهما الثالث
كان يبدو منذ أن عاد وكأنه جسد صنم بلا روح مجرد ملامح حفرت لتشكل تعبير العنف , لكن دون حياة
تكلم سعيد قائلا بخفوت واستياء
- يا خاطر أنت على هذا الحال منذ يومين تأتي الى هنا وتجلس بالساعات , تدخن أرجيلتك ثم تغادر دون كلام فقط تكلم , لا تغلق صدرك على انفعالٍ مخيف كالذي أراه في عينيك فقد ينفجر بك في أي لحظة بتصرف متهور فقط اخبرني ماذا فعلت بك تلك التي لم نرى منها الا كل شر لقد حذرتك ولم تستمع لكلامي , وانظر الى النتيجة
صمت وهو يزفر بحنق , ثم ضرب الطاولة بين ثلاثتهم مكررا بعنفٍ أكبر
- انظر الى النتيجة
نظر بهيج الى سعيد وسأله بصوته البطيء إثر ما يتعاطاه
- ما النتيجة ؟!
رمقه سعيد بنظرةٍ أكثر استياءًا , ثم هدر بعصبية
- لا أعلم لكن الخيبة ظاهرة على ملامح صديقك وهو يرفض الكلام حتى , فماذا ستكون النتيجة , الا أن المقروصة في قلبها فعلت به شيئا لا يقال و لا يحكى
نفس بهيج دخان أرجيلته ببطء وهو يومئ برأسه وكأنما استوعب ما يقال بينما نظر سعيد الى خاطر وقال ذاهلا
- خاطر أنا أشتمها وأهينها أمامك وأنت لا تعارض , ألهذه الدرجة جريمتها شنيعة ؟! ماذا فعلت تلك الكبيسة شغف ؟!
نفث خاطر دخان أرجيلته في السماء ببطء وهو يراقب حلقات الدخان الأبيض المتصاعد , ثم تكلم أخيرا بصوتٍ غريب
- لا شغف بعد الآن كانت مجرد مزحة رديئة وانتهت
ضاقت عينا سعيد وهو يستدير إلى خاطر يعيره كل اهتمامه , ثم سأله بقوة
- ماذا تعني ؟ هل طلقتها مثلا ؟
سحب خاطر نفسا قويا من الأرجيلة مجددا ثم نفثه طويلا وهو يغمض عينيه كي تشربه رئتيه بكل هدوء
- تخلصت منها للأبد بعد أن مزقت تلك الورقة المهينة من حياتي
ساد صمت طويل ثقيل بينهم , حتى بادر سعيد بالكلام قائلا باقتضاب
- لا أظنك تخلصت منها بهذه السهولة يا خاطر, فالصفحة بشحمها ولحمها واقفة خلفك
أخفض خاطر وجهه وهو ينظر الى سعيد بعدم فهم ليراه ينظر الى شيء ما خلفه بملامح متحفزة
مما جعله يستدير شاعرا في كل عصبٍ من جسده بأن مصدر تعاسته يقف خلفه مباشرة
وبالفعل ما أن استدار حتى وجدها واقفة على مسافة من طاولتهم
هناك واقفة تبتسم له ابتسامتها الهادئة الناعمة وملامحها الساكنة كما هي تراقبه بعينيها الهادئتين بل تتأمله تتحرك عينيها عليه ثوبها يتطاير حول كاحليها بعذوبة كجمال تطاير شعرها ووشاحها
كانت كالحلم جعل خاطر يهمس فجأة بجنون وهو ينتفض قافزا من مكانه
- حلم أسود
ثم اندفع تجاهها حتى وصل إليها وقبض بكفه على ذراعها وهو يهمس بوحشية بينما هي تبادله العنف بابتسامة حنين
- ما الذي أتى بكِ إلى هنا ؟!
ارتفعت ابتسامتها قليلا وهي تهمس له بنعومة
- اشتقت إليك يا زوجي العزيز .. جدا
هزها بقوة غير مباليا بنظرات الفضول من قاطني المقهى , بل لم يراهم من الأساس وهو يهمس في أذنها بجنون
- ابتعدي من هنا قبل أن أفقد قدرتي على التماسك أكثر لقد طلقتك يا شغف و غسلت يدي من قذارتك
هزت رأسها قائلة ببساطة وهي تبتسم
- ردني إليك الأمر في غاية السهولة
كانت عيناه قادرتين في تلك اللحظة على إذابتها حية كحامض حارق و أصابعه تحفر في لحمها بقسوة بينما ابتسامتها لا تختفي من الألم فقال لها بصوتٍ خفيض شرس
- ابتعدي من هنا يا شغف
همست بعتابٍ رقيق تخاطب عينيه
- بيننا صفقة كما أنك وعدتني ألا تتركني
أجابها بوحشية وهو يهزها بقوة
- كان هذا قبل أن أعرف قذارتك
ارتفعت على أطراف أصابعها حتى همست في أذنه
- أنا أملكك
ارتفعت قبضته في الهواء فجأة مما جعل بعض الشهقات تعلو من خلفه و نظرت هي الى كفه المعلقة في الهواء تنتظر نزول تلك الصفعة على وجهها في أي لحظة ثم نظرت إلى عينيه الخضراوين تحترقان بلهبٍ ناري مخيف ثم أخفض يده الى جانبه وهمس بصوتٍ مزدري
- لن أجاريكِ لن أتمادى في ضربك فأنتِ لا تستحقين أن أنزل من قدري الى مرتبة حيوان بسببك
ابتسمت ابتسامة لونها الحزن قليلا وطال تأملها لعينيه ثم همست أخيرا بنعومة .
- إن أردت إتمام إجراءات الطلاق , فلن أمانع لكن عليك أن تدفع لي المؤخر والذي بالتأكيد لا تملك منه شيئا لذا فسيكون أمامك الآن السبب الثاني لمجيئي
صمتت قليلا وأمام توحش عينيه المتوقعتين لسماعه هذا وزادتا احتقارا لها , همست في أذنه برقة
- لقد أعدت إلي كل ما أهديتك إياه لكنك لم تهديني شيئا كي أعيده لك , و هذا ليس عدلا
رقت عيناها وهي تهمس بعد فترة صمت
- بلى فعلت لكن هديتك , لن أستطيع إعادتها
وأمام عينيه الذاهلتين رآها تلمس بطنها بكفها الناعم بكل حنان
- لابد من وجود شيء هنا هذه قد تكون الفرصة الأخيرة تبا لهذا مؤكد يوجد شيء
رفعت شغف أحد حاجبيها ببطء ثم طرقت الباب المفتوح بهدوء , فما كان من صاحبة المؤخرة الأنثوية إلا أن شهقت وهي تخرج رأسها من الدولاب بسرعة فضربت رأسها بزاوية بابه بعنف دون انتباه
تأوهت سلوان بقوةٍ متألمة وهي تغمض عينيها ثم فتحتهما بسرعة لترى شغف واقفة عند الباب تنظر إليها بدهشة فهتفت بغضب
- ظننتك عامر
ظلت شغف صامتة هادئة , ثم سألتها ببطء
- ماذا تفعلين ؟!
جلست سلوان على ركبتيها منحنية الكتفين , ثم همست لاهثة بتعب
- لم أجد شيئا لم أعثر على أي شيء يدين عامر فتشت الغرفة شبرا شبرا , و لم أجد على أي شيء
ازداد ارتفاع حاجبا شغف وهي تميل بعينيها الى قاع الدولاب الذي كانت سلوان تفتشه للتو , ثم أعادت عينيها إليها وسألت بحذر
- ما الذي توقعتِ وجوده في الدولاب يا سلوان ؟! الشيء الوحيد الذي قد تجدينه هنا , هو قنينات عطرٍ فارغة فعامر لديه مرض غريب في الاحتفاظ بها
مطت سلوان شفتيها وهي تميل للدولاب وتخرج منه اثنتين من القنينات الفارغة بالفعل و ترفعهما كي تراهما شغف والتي ابتسمت رغما عنها ثم استندت بمرفقها الى مقبض الباب وسألتها بهدوء
- لقد قلت راقبيه وليس فتشيه
همست سلوان بضياع
- ماذا تعنين ؟! ما الفارق ؟!
ردت شغف متنهدة وهي تهز رأسها
- الفارق ضخم الفارق انسان لا مجرد أدلة دون روح , راقبيه حتى تبعديه عن هذه الغرفة أعيديه الى غرفتك
زمت سلوان شفتيها وبدأ الغضب يجتاحها , ثم همست من بين أسنانها بغيظ
- أرجوكِ وضحي أتوسل إليكِ , إن كنتِ تعرفين شيئا , فقط أخبريني
رمقتها شغف طويلا ثم قالت بصوتٍ ضعيف
- لكل منا غرفة مغلقة , مظلمة عليه أن يخرج منها قبل أن يموت فيها , أحيانا لا يستطيع بمفرده ويحتاج الى من يكسر بابها ويخرجه منها بالقوة كي ينقذه
كانت سلوان ترتعش من شدة الغضب الذي تضاعف وتحول الى أنهارٍ من حممٍ بركانيه فصرخت وهي تلوح بذراعيها هاتفة
- كفي عن هذه الألغاز الغير مفهومة , أنتِ لا تعرفين شيئا وتريدين فقط افساد زواجي كما أفسدتِ زواجك خيانتك لزوجك واكتشافه لها , جعلتكِ تتمنين رؤية جميع من حولك يشبهونك التلوث
صمتت قليلا وهي تلهث بعصبية قبل أن تهمس أخيرا بثقة
- أنتِ مريضة يا دكتورة شغف وتحتاجين الى علاجٍ طويل , وحتى تتلقينه أنا سعيدة لابتعاد خاطر عنكِ فهو شخص نقي جدا و يحتاج الى من تماثله نقاءًا أما أنتِ فما كنتِ تمثلين له إلا الامتهان أنتِ في حاجةٍ الى من يخضعك بالقوة و يهينك أما هو فيحتاج الى من تقدره أيامي في هذا البيت المجنون جعلتني أرى أي أسلوبٍ تتعاملين به معه , وفي نهاية المطاف قمتِ بخيانته منك لله يا دكتورة شغف , رأيته أول مرة رجلا متزنا عاقلا ثم خرج من غرفتك ومن البيت و من حياتك مجنونا يهذي والآن تلتفتين حولك تبحثين عمن تفسدين حياته فلم تجدي غيري
نهضت من مكانها بعنف وعينيها تقدحانِ شررا بينما كانت ملامح شغف غريبة جدا جامدة أكثر من المعتاد بعينين عنيفتين فسألتها فجأة ببرود
- يحتاج الى من تماثله نقاءًا وتقدره ! مثلك مثلا ؟!
تسمرت سلوان مكانها وهي تنظر إليها بعينين واسعتين وفم فاغر قبل أن تصرخ بانفعال
- هل أنتِ مجنونة ؟! أنا متزوجة من ابن خالك , وكنت أحاول الحفاظ عن زواجي للتو , فهل وصل بكِ الشر كي تتهميني بشيء من مخيلتك الملوثة ؟!
لم تهتز شغف لإنفعال سلوان بل ابتسمت ببرود وقسوة ثم قالت بجفاء
- لا أظن حياتك مع عامر ستدوم وأظنك تستشعرين هذا بإحساس الزوجة , فربما كان عقلك الباطن يجذبك تجاه الشهم أخضر العينين دون أن تعلمين
ازداد اتساع عيني سلوان ثم أغمضتهما وهي تهز رأسها رافعة كفها وهي تقول من بين أسنانها
- هذا يكفي , أنا لن أقف هنا لأجادل مختلة , تتهمني مستقبلا بما تم ضبطها هي بارتكابه أنتِ تستحقين الشفقة والرثاء أنا ذاهبة لزوجي سأطلب منه السماح وأثق به المتبقي من عمري كله
اندفعت سلوان كي تخرج من الغرفة بعنف متجاوزة شغف لكن قبل أن تبتعد تكلمت شغف بهدوء دون أن تستدير إليها
- تستحقين هذا يا سلوان تريدين أدلة ؟! كلمتين فقط , سلسلة مفاتيحه
توقفت سلوان في الرواق توليها ظهرها بعينين غائمتين و نفس مهتز , عاقدة حاجبيها قليلا لكنها لم تلبث أن هزت رأسها نفيا بسرعة , رافضة حتى أن تسألها المعنى ...و اندفعت لتستعد للذهاب الى زوجها
أما شغف فقد فقدت عينيها قسوتهما وسقط القناع الجامد عن ملامحهما , و بدت كلوحةٍ مؤلمة من الندم وهي تهمس بيأس
- لماذا يا شغف
.......
نظر كلا منهما إلى الآخر ثم أعادا النظر إلى رفيقهما الثالث
كان يبدو منذ أن عاد وكأنه جسد صنم بلا روح مجرد ملامح حفرت لتشكل تعبير العنف , لكن دون حياة
تكلم سعيد قائلا بخفوت واستياء
- يا خاطر أنت على هذا الحال منذ يومين تأتي الى هنا وتجلس بالساعات , تدخن أرجيلتك ثم تغادر دون كلام فقط تكلم , لا تغلق صدرك على انفعالٍ مخيف كالذي أراه في عينيك فقد ينفجر بك في أي لحظة بتصرف متهور فقط اخبرني ماذا فعلت بك تلك التي لم نرى منها الا كل شر لقد حذرتك ولم تستمع لكلامي , وانظر الى النتيجة
صمت وهو يزفر بحنق , ثم ضرب الطاولة بين ثلاثتهم مكررا بعنفٍ أكبر
- انظر الى النتيجة
نظر بهيج الى سعيد وسأله بصوته البطيء إثر ما يتعاطاه
- ما النتيجة ؟!
رمقه سعيد بنظرةٍ أكثر استياءًا , ثم هدر بعصبية
- لا أعلم لكن الخيبة ظاهرة على ملامح صديقك وهو يرفض الكلام حتى , فماذا ستكون النتيجة , الا أن المقروصة في قلبها فعلت به شيئا لا يقال و لا يحكى
نفس بهيج دخان أرجيلته ببطء وهو يومئ برأسه وكأنما استوعب ما يقال بينما نظر سعيد الى خاطر وقال ذاهلا
- خاطر أنا أشتمها وأهينها أمامك وأنت لا تعارض , ألهذه الدرجة جريمتها شنيعة ؟! ماذا فعلت تلك الكبيسة شغف ؟!
نفث خاطر دخان أرجيلته في السماء ببطء وهو يراقب حلقات الدخان الأبيض المتصاعد , ثم تكلم أخيرا بصوتٍ غريب
- لا شغف بعد الآن كانت مجرد مزحة رديئة وانتهت
ضاقت عينا سعيد وهو يستدير إلى خاطر يعيره كل اهتمامه , ثم سأله بقوة
- ماذا تعني ؟ هل طلقتها مثلا ؟
سحب خاطر نفسا قويا من الأرجيلة مجددا ثم نفثه طويلا وهو يغمض عينيه كي تشربه رئتيه بكل هدوء
- تخلصت منها للأبد بعد أن مزقت تلك الورقة المهينة من حياتي
ساد صمت طويل ثقيل بينهم , حتى بادر سعيد بالكلام قائلا باقتضاب
- لا أظنك تخلصت منها بهذه السهولة يا خاطر, فالصفحة بشحمها ولحمها واقفة خلفك
أخفض خاطر وجهه وهو ينظر الى سعيد بعدم فهم ليراه ينظر الى شيء ما خلفه بملامح متحفزة
مما جعله يستدير شاعرا في كل عصبٍ من جسده بأن مصدر تعاسته يقف خلفه مباشرة
وبالفعل ما أن استدار حتى وجدها واقفة على مسافة من طاولتهم
هناك واقفة تبتسم له ابتسامتها الهادئة الناعمة وملامحها الساكنة كما هي تراقبه بعينيها الهادئتين بل تتأمله تتحرك عينيها عليه ثوبها يتطاير حول كاحليها بعذوبة كجمال تطاير شعرها ووشاحها
كانت كالحلم جعل خاطر يهمس فجأة بجنون وهو ينتفض قافزا من مكانه
- حلم أسود
ثم اندفع تجاهها حتى وصل إليها وقبض بكفه على ذراعها وهو يهمس بوحشية بينما هي تبادله العنف بابتسامة حنين
- ما الذي أتى بكِ إلى هنا ؟!
ارتفعت ابتسامتها قليلا وهي تهمس له بنعومة
- اشتقت إليك يا زوجي العزيز .. جدا
هزها بقوة غير مباليا بنظرات الفضول من قاطني المقهى , بل لم يراهم من الأساس وهو يهمس في أذنها بجنون
- ابتعدي من هنا قبل أن أفقد قدرتي على التماسك أكثر لقد طلقتك يا شغف و غسلت يدي من قذارتك
هزت رأسها قائلة ببساطة وهي تبتسم
- ردني إليك الأمر في غاية السهولة
كانت عيناه قادرتين في تلك اللحظة على إذابتها حية كحامض حارق و أصابعه تحفر في لحمها بقسوة بينما ابتسامتها لا تختفي من الألم فقال لها بصوتٍ خفيض شرس
- ابتعدي من هنا يا شغف
همست بعتابٍ رقيق تخاطب عينيه
- بيننا صفقة كما أنك وعدتني ألا تتركني
أجابها بوحشية وهو يهزها بقوة
- كان هذا قبل أن أعرف قذارتك
ارتفعت على أطراف أصابعها حتى همست في أذنه
- أنا أملكك
ارتفعت قبضته في الهواء فجأة مما جعل بعض الشهقات تعلو من خلفه و نظرت هي الى كفه المعلقة في الهواء تنتظر نزول تلك الصفعة على وجهها في أي لحظة ثم نظرت إلى عينيه الخضراوين تحترقان بلهبٍ ناري مخيف ثم أخفض يده الى جانبه وهمس بصوتٍ مزدري
- لن أجاريكِ لن أتمادى في ضربك فأنتِ لا تستحقين أن أنزل من قدري الى مرتبة حيوان بسببك
ابتسمت ابتسامة لونها الحزن قليلا وطال تأملها لعينيه ثم همست أخيرا بنعومة .
- إن أردت إتمام إجراءات الطلاق , فلن أمانع لكن عليك أن تدفع لي المؤخر والذي بالتأكيد لا تملك منه شيئا لذا فسيكون أمامك الآن السبب الثاني لمجيئي
صمتت قليلا وأمام توحش عينيه المتوقعتين لسماعه هذا وزادتا احتقارا لها , همست في أذنه برقة
- لقد أعدت إلي كل ما أهديتك إياه لكنك لم تهديني شيئا كي أعيده لك , و هذا ليس عدلا
رقت عيناها وهي تهمس بعد فترة صمت
- بلى فعلت لكن هديتك , لن أستطيع إعادتها
وأمام عينيه الذاهلتين رآها تلمس بطنها بكفها الناعم بكل حنان