" الفصل التاسع.."
ابتسم ارنو وأخذ ذلك المسدس من يده وقام بفحصه ليجده خالي من الرصاص فأخبره أنه يمتلك الكثير من الرصاص ثم تابع بحده :
-تحدث يا ارنو وأخبرني بمكانه
-ولكن أنا لم أعلم ..
قاطع حديثه بأخذ تلابيبه بعصبية قائلا :
-تعلم يا ارنو كما يعلم جان ابني .. ولكن اردت أن اعلم منك ..
تنهد ارنو بهدوء ثم أخبره بعنوان المنزل ليتركه والد جوزيف ثم تناول المسدس وطلب من السائق أن يذهب فاستأذن ارنو وترجل من السيارة وظل واقفا حتى غادر ثم تناول هاتفه واتصل على جوزيف الذي لم يجيب عليه حتى انتهت المكالمة .. زفر ارنو وهو يتصل به مجددا ضاغطا على أسنانه بقوة ..
كانت جين تخرج من الغرفة مستعده لمغادرة المنزل واستمعت إلى صوت رنين هاتف جوزيف ولم يجيب وقفت أمام باب الغرفة إلى لحظات ولا زال الهاتف يرن فتذكرت أنه لا زال نائما .. فتحت الباب ببطء ونظرت إلى الفراش لم تجده عقدت بين حاجبيها قليلا ودخلت متجه نحو الهاتف الذي فوق الاريكة التابعة إلى لفراش ثم تناولت الهاتف ونظرت إلى شاشته التي تضيء باسم ارنو .. بينما خرج جوزيف من المرحاض يجفف صدره العاري وتفاجأ بوجود جين التي لم تنتبه له هنا ثم تقدم نحوها و وقف خلفها لتشعر به والتفتت بلهفة خوف لتنصدم في صدره ورأت المياه تتساقط من بين خصل شعره إلى عنقه حتى صدره واستنشقت رائحة عطر استحمامه الخاص .. بينما أخذ جوزيف الهاتف من يدها لتفيق من شرودها وتنظر إليه باضطراب قائلة :
-أسفه .. سمعت صوت الهاتف ولم تجيب تذكرتك نائما
حرك رأسه بخفه وتفقد المكالمات الفائتة ليجد اسم ارنو ، وكادت جين أن تمضي ولكن أحاط خسرها مما جعلها تشهق بخفة ونظرت إليه بعينين متسعتين من شدة الدهشة ، فيما اقترب جوزيف من أذنها متسائلا :
-إلى أين يا صغيرة ؟!
أخذ صدرها يعلو ويهبط بفضل دقات قلبها التي تدق داخله ، وازدردت لعابها بصوت مستمع ليخترق صوته مسامع جوزيف ، وهبط بعينيه إلى عنقها الذي ينبض بشدة ثم قال بهدوء :
-أنتِ فتاة جميلة حقا .. لا تشبهين القمر فالقمر هو الذي يشبهك وتغار النجوم من عيونك
وجدت نفسها تبتسم ولكن اختفت ابتسامتها مثل سرعة ظهورها على ثغرها ، عندما شعرت بأنفه يلامس وجنتها وببطء شديد طبع قبله على نهاية وجنتها ، فشعرت بأنفاسها تخرج منها بصعوبة وتصدر صوتا عاليا برهبة شديدة ، مما استمع جوزيف إلى صوت انفاسها التي تتسارع في قلبه وليس في أذنيه ، فابتسم ابتسامة خفيفة وعلم انها مستسلمة له ، ثم طبع قبله بجوار أذنها ثم هبط بقبلاته إلى عنقها الذي ينبض برهبة شديدة ، ثم رفع رأسه لينظر إلى عيناها المضطربة و وجد نفسه يمسح على وجنتها باليد الأخرى ، وقال بهدوء :
-لا تذهبي إلى أي مكان .. أريدك هنا دائما
أغمضت عيناها بقوة وقالت سرا دون تردد :
-وانا ايضا اود المكوث معك هنا .. أحبك
فتحت عيناها بفزع على صوت هاتفه ، فنظر إليه وتحدث مع ارنو محررا تلك الفتاة من قبضة يده ، ليستمع إلى حديث ارنو الحاد لأنه لم يجيب عليه ثم أخبره بكل شيء ، فأنهى معه المكالمة على الفور وركض إلى خزانة ثيابه ودخل ليأخذ قميص أبيض يرتدي ، وأغلق ازراره على وجه السرعة ، ثم خرج وتناول يد جين ساحبا إياها خلفه ويسير بخطوات واسعة ، وهي حاولت أن تكوم بنفس سرعة سيره ولكن لن تستطيع ، وكادت تتعثر في الدرج عدة مرات ولكن كان يلحقها جوزيف ، ثم اتجه نحو الباب وهي تتسأل عن سبب تسرعه ولكن لم يجيب عليها ، وفتح الباب تفاجأ بوجود والده الذي كان يرفع ذراعه ليدق جرس الباب ..
وعندما رأى ابنه تبسم له وأخبره انه اشتاق إليه كثيرا ، ثم لفت نظره الفتات التي تقف بجواره وعناق أيديهم ، فضيق عيناه قليلا وقد اختفت ابتسامة فجأة عندما تعرف على البنت ، نعم هي جين العروس المنتظر ، ليجد نفسه يضحك داخله وصدم من الذي رأى الأن ، ثم أشار إليها متسائلا :
-هل هي حبيبتك ؟!
لتحرر جين يدها من يده وهي تومئ بالنفي ، فيما قال جوزيف بهدوء :
-كلا .. فتاة صدمتها بسيارتي دون قصد
ثم نظر إليها وأخبرها أن تذهب الأن ، فجاءت تخرج قبض والده على معصمها لتنظر إليه في دهشة وتعجب جوزيف ايضا ، فيما قال والده بحسم :
-لن تذهبي إلى أي مكان .. ستأتي معنا
ثم سلمها للحرس الذي معه وأخذوها إلى السيارة رغما عنها وحاولت التحرر منهم ولكن بلا جدوى ، واستنجدت بـ جوزيف الذي وقف في ذهول ولم يفهم شيئا من الذي يحدث حوله ، ثم اتجه نحوهم وحررها من أيديهم ، فأمر دانييل بك الحرص أن يضعون الاثنان في السيارة ، فاستقل جوزيف السيارة مع جين لينفذ رغبه والده فقط ، ثم استقل دانييل بك سيارته وغادر وسيارة الحرس خلفه ، كانت جين متشبثة في ذراع جوزيف بخوف واضح ، وهو لم يفهم لما أصر والده على أن يأخذ جين معهم
***
وقف توماس ينظر إلى فتاة المزرعة وهي تطعم الطيور الصغيرة ، ويسحب دخان سيجارته إلى صدره ويزفره في الهواء عاليا ، حتى انتهى منها ثم القى بها أرضا ليلفت نظر عامل الجنينة ويغضب منه ، لأن الجنينة ليست صندوق قمامة ، فيما اتجه توماس إلى المزرعة الصغيرة التي تأخذ مكان في أخر الجنينة ، و وقف أمام الباب الخشبي الصغير لتنظر أديل إليه باستحقار ثم خرجت وأغلقت الباب جيدا وجاءت تسير قبض على مرفقها ، فتوقفت وهي تسحب يدها بحده ..
فقال بهدوء :
-أديل الذي حدث ليلة أمس ليس خطأي
-لا تتحدث معي عن ليلة أمس توماس بك
ثم التفتت وجاءت تسير وقف أمامها مانعا إياها من الذهاب ، لتتراجع هي للخلف وتطلع إليه متعجبة ، فيما مد توماس يده وهو يرى ذاك الواقف خلف أديل ولكن بخطوات بعيدة وينظر إليهم بحده ولكن لم يستطيع التقرب منهم ، بفضل عمه الواقف أمام باب الجنينة ، واذا تشاجر مع توماس فكل شيء سيكون واضح ، فيما قال توماس بنبرة حزينة مصطنعة :
-أديل أقدم لكِ اعتذاري عن ما بدر مني ..
نظرت إلى عيناه بعدم تصديق ليتابع بلؤم :
-جان هو السبب في كل شيء حدث
لترد عليه بنبرة بكاء ممزوجة بالعتاب :
-كنت ستقتله !
لاحت ابتسامة على ثغرة وهو يقول بثقة :
-وأنتِ أنقذتني من ارتكاب جريمة بشعة
اتسعت عيناها قليلا وهتفت بحده :
-كنت أنقذ جان منك وليس أنت .. جان فقط
لتختفي ابتسامته فجأة وشعر بالغيرة من جان إلى م أمسك بيد أديل وصافحها رغما عنها ، ليعصر جان قبضته بقوة ونظراته تتبادل بينهم وبين عمه الذي منعه من ارتكاب شيء مجنون ، فيما سحبت أديل يدها وتركته وذهبت ، فالتفت لينظر إليها حتى دلفت إلى القصر ، فيما تقدم جان نحو ذاك اللعين و وقف قائلا :
-أنت لست محبوب يا توماس .. فلا تحاول أن تجعلهم يحبونك
ابتسم ساخرا والتفت ليواجه ثم قال بوقاحة :
-لا تجعل جمالها ورقتها تغريك يا ابن عمي .. فهي تخبئ قذرتها خلف رقتها
جز أضراسه بقوة حتى استمع إلى صريرها وكاد أن يتشاجر معه ولكن رأى عمه يتقدم نحوهم ، فتركه جان وذهب بخطوات سريعة ، فيما وقف والد توماس أمامه وتسأل عن سبب غضب جان الواضح على وجهه ، ليخبره توماس بسبب ليس له علاقة بحوارهم ..
دلف جان إلى المطبخ رآها تقلب الطعام وحدها ، فتقدم نحوها و وقف واضعا يده على خسرها لتشهق بفزع ، ليضحك جان ضحكة خفيفة ، فيما ضربته أديل على صدره بغيظ ، فيما جاءت أوجين تدخل المطبخ توقفت على الباب عندما رأتهم وارتسمت الدهشة على ملامح وجهها ، واستمعت إليه وهو يخبر أديل انه يحبها كثيرا ثم قبلها على رأسها ، فهبطت دموعها على وجنتيها ثم ركضت إلى غرفتها باكيه ، فيما قبلها جان على عنقها ، فالتفتت وابتعدت عنه ثم وقفت أمام طاولة ، وأخذت ترتب أي شيء أمامها بتوتر فجلس جان على مقعد مجاور له وقال بجدية :
-لا تتحدثي مع توماس مرة ثانية .. رأيتكم منذ قليل
لتتوقف عن ما كانت تفعله ونظرت إليه للحظات ثم حركت رأسها موافقة ، فأمسك بيدها وضعها على شفتيه لتشعر بدفئهم وطبع على اناملها قبله رقيقة ثم وضع يدها على لحيته وقال بصوت عذب :
-أحبك .. وأغار عليكِ كثيرا .. أغار من الطعام الذي تضعي داخل فمك .. والملعقة التي تلامس شفتاكِ
ثم نهض أمامها وأحاط وجنتيها بين يديه ثم اقترب منها وقبلها على جبينها بحنان ، ثم قبلها على انفها وهبط إلى شفاها قليلا وجاء يقبلها استمعت أديل أحد يناديها ، لتبتعد عنه بعدة خطوات مسرعة ، مما نظر جان إليها متعجبا ، فيما دخل واحدا من الأمن وأخبرها أن واحدا يدعى أبراهام ينتظرها في الخارج ، فهمت بالخروج مسرعة فخرج جان خلفها بخطوات بطيئة ..
وعقب خروجها صافحته بابتسامة واسعة وأطمئن قلبها على عائلتها ، فيما وقف جان مستند بكتفه إلى الباب معقد حاجبيه يتطلع إليها بغيرة واضحة ، فيما قال أبراهام :
-والدك يود رؤيتك اليوم
شعرت أديل بالقلق وتساءلت عن السبب ليخبرها أبراهام بكل شيء ، وتحركت الدموع داخل عيناه وهبطت على وجنتيها ، ثم قالت بنبرة مؤلمه :
-أخبر والدي انني بخير .. وما قاله كيفن كذب .. أنا لن استطيع اترك شغلي الأن
ثم مسحت دموعها وطلبت منه أن ينتظرها للحظات ثم التفتت متجه نحو القصر ، ودلفت دون أن تتحدث مع جان فدخل خلفها وامسك بيدها لتسحب يدها على الفور ، ثم نظرت إليه ببكاء قائلة :
-اتركني ولا تتحدث معي ثانية
عقد حاجبيه متعجبا فكانت تتحدث معه منذ لحظات وكل شيء كان على ما يرام ، فيما تابت أديل السير إلى غرفتها ودخلت لتأخذ المال التي ترسله إلى والدها ، ثم خرجت و وقفت تبحث عن جان لم تجده فشعت بالبكاء ثانية ، ثم خرجت إلى أبراهام واعطت له المال ليعطي إلى والدها ، ثم ودعها وغادر ، لتعود هي إلى غرفته وجلست بها تبكي وحدها ..
حديث أبراهام جعلها تفوق مما هي في ، هي الخادمة ولن تتزوج من جان ابدا ، فلا تعلق قلبها به أكثر من ذلك وتعلق نفسها بشغلها فقط ، حتى ترفع رأس والدها فيما بعد ، ويسير بين الناس بكل ثقة ، ولا تضعه في موقف محرج مع عائلة اورليان
***
وصلت جين إلى منزلها واستلمها والدها من دانييل بك واستقل جوزيف سيارة والده ليعلم أن جين هي الفتاة التي سيتزوجها ، لينصدم في البداية وربط الأحداث ببعضها ، هي كانت تركض خائفة من شيء وصدمها بسيارته ، اذا كانت تهرب من والدها حتى لا تتزوج منه ، وهذا جعله يغضب كثيرا وبرغم شعوره بحبها ألا أنه سيرفض ذاك الزواج ..
وضعها والدها في غرفتها وصاح بها و وبخها كثيرا على هروبها ، وهي في أحضان والدتها تبكي بشهقات عالية ، فهي لم تعلم أن جوزيف هو الرجل الذي سيتزوج بها ، واذا كانت تعلم لكانت هربت منه ولم تمكث معه مطلقا ، ولكن القدر كان لديه رأى أخر وهو أن يتقابلا دون أن يعرفن بعضهم البعض ، تشبثت في ذراع والدتها بقوة وقالت ببكاء مفرط :
-أرجوكِ يا أمي اوقفي ذاك الزواج .. لا أود أن أتزوج الأن
أخذت تمسح على شعرها بحنان وملئت وجنتيها بالدموع حزنا على ابنتها الوحيدة ثم قالت بهدوء :
-والدك خائفا عليكِ يا ابنتي
ابتعدت عنها وهي تمسح دموعها بكلت يديها واومأت برأسها ، وقد استسلمت لأمر واقع ، فنهضت والدتها وقبلتها على رأسها ثم وقفت أمام الباب تنظر إليها بتأثر ثم خرجت ، وبعد لحظات أغمضت جين عيناها و وضعت ظهرها على الفراش بهدوء تام ، تود أن ترخي جسدها الأن وتريح رأسها من كثرة التفكير ، وتذكرت عندما كانت فتاة في سن العاشرة ، كانت تركض في حديقة القصر بالضفائر العالية تتطاير خلفها ..
كانت أيام تمتلك فيها راحة البال ، وكل شيء كانت ترى جميل حتى النجوم المتناثرة في السماء فوقها ، حيث كانت تمدد على الأرض الخضراء وبيدها تصل النجوم ببعضها البعض ، وكل همها أن تعلم ما عدد النجوم ، ولكن الأن الهم أكبر بكثير ، فتحت عيناها على صوت رنة هاتفها لترفع ظهرها عن الفراش ، ثم تناولت الحقيبة لتأخذ وتجيب على المتصل :
-مرحبا بيير .. كيف حالك ؟!
تحدث بحده :
-ستتزوجين كما قالت جوليا ؟!
زفرت بسأم وهي تومئ برأسها ثم قالت بصوت مبحوح :
-نعم سأتزوج ..
ثم هبطت الدموع على الدموع التي قد جفت وتابعت ساخرة :
-من أجل الحفاظ على المال وأسم العائلة
ثم تركت العنان للكثير من الدموع ، فتأثر بيير على حالها وفي نفس الوقت شعر بالسعادة لأنه علم انها مجبره على الزواج ، فهو يحبها كثيرا ولم يخبرها حتى الأن ، ثم قال بتأفف :
-أرفضي ذاك الزواج اللعين يا جين .. أو أهربِ من المنزل
-لقد هربت يا بيير ولكن لا مفر من الزواج .. استسلمت لأمر والدي
وبخها بيير على سلبيتها فيما وضعت جين يدها على جبينها عندما شعرت بألم داخل رأسها ، ثم قالت بوهن :
-اتركني الأن يا بيير .. فأنا أشعر بالإرهاق
اغمض عيناه متألما بدلا منها ثم انهى معها المكالمة ، فألقت بالهاتف على الفراش ثم نهضت متجه نحو المرحاض ، ودخلت لتضع جسدها أسفل الماء البارد ، ومسحت على وجهها كثيرا ، وبعد ساعة تقريبا أغلقت المياه وارتدت الروب الخاص بالاستحمام ، ثم وقفت تطلع إلى انعكاسها في المرآة بحزن واضح ، وأخذت تفكر في جوزيف ، لماذا ترفض الأن وهي تحبه وتعلقت به ؟! ، عقدت حاجبيها قليلا ثم قالت بصوت منخفض :
-نعم أحببته
***
هبط الدرج واتجه نحو غرفة سفرة الطعام و وقف أمام الباب ، ليجد أديل تضع الطعام أعلى المائدة بشكل منظم ، فتذكر ما أخبرته به اليوم ، فيما لفت نظرها وأخذت تضع الطعام بتوتر وترمقه بنظرات سريعة مما انتبه جان لنظراتها ، ثم تقدم نحوها و وقف مستند بذراعيه إلى إحدى المقاعد قائلا بابتسامة خفيفة :
-أعشق تلك العيون التي تطلع إلي بحب .. أحبك أديل .. وسأتزوج
وضعت أخر طبق على الصينية الكبيرة ثم نظرت إليه متسائلة :
-وماذا عن عائلتك ؟! .. ستوافق ؟!
ليرتفع حاجبيه بمرح ويتحدث بثقة بالغة :
-أنتِ عائلتي يا أديل
حدقت به في دهشة من ردة الجاهز دائما على حديثها ، ويشعرها بالحيرة دائما ، هل تصدق حديثه وتطمئن ؟! أو لا تصدق وتعيش حياتها كما هي بعيدا عن المشاكل ؟! ، حقا احتارت كثيرا ولم تجد الإجابة المناسبة ، فقط حملت الصينية واتجهت نحو الباب ليمسك جان بذراعها وتوقفت عن السير ، وهمس في أذنها :
-اليوم الساعة الثانية عشر سأنتظرك في سيارتي لأخذك إلى مكان ما
ادارت رأسها اتجاهه لتجد انفها ملتصقة بأنفه وشعرت بأنفاسه الساخنة على انفها وفوق شفتيها ، ثم قالت باضطراب :
-لا تنتظري .. فأنا لن أتي معك
لاحت ابتسامة جانبيه على شفتيه وهمس بالقرب من شفتيها :
-من حقك أن تتدللي علي يا فتاتي
أطرقت رأسها فأخبرها مجددا انه سيكون في انتظارها ، ثم ترك ذراعها لتذهب ، وظل جان واقفا شاردا في عيناها وكأنها لا زالت واقفة أمامه ثم رفع رأسه متأوه ، وفي نفس اللحظة استمع إلى بوق سيارة والده ليخرج على الفور ، و وقف أمام الباب منتظر السيارة حتى دخلت من البوابة و وقفت أمامه ، ليخرج جوزيف منها متجه نحو شقيقة ليضمه إليه مشتاقا له ، ومشتاق لذاك العناق الذي يشعر بالنشوة داخله وتشفى جروحه ، بادله جان بالعناق مربتا على ظهره بخفة ، فيما سار والدهم من جوارهم وهو يتطلع إليهم بحده وجان يتابعه بعينيه حتى دخل القصر ..
ثم ابتعد جوزيف عن شقيقة ليرى اللاصقة التي بجوار عيناه ، فرفع يده ليضعها عليها متسائلا بقلق :
-ماذا حدث لك ؟!
-سأقول لك فيما بعد
ثم دخلوا القصر ليجد جوزيف الجميع في انتظاره ، وسلم عليهم ثم دخلوا إلى الغرفة عدا جوزيف الذي دخل المرحاض يغسل يداه و وجهه بالماء ، ثم نظر إلى انعكاسه في المرآة ، وتذكر حديث جين عن زواج القاصرات وكأنه يستمع إلى نبرة صوتها ، نبرة صوتها عندما تذكرها شعر بالاشتياق لها ، ولكن كيف سيتزوج من فتاة صغيرة ؟! ، واذا معترض عليها لماذا وقع في حبها ؟! ، وجد نفسه يزفر بسأم ثم جفف وجهه وخرج لتقابله أديل ، فوقف ليصافحها وتساءل عن حالها بود لتبتسم له وتخبره ان كل شيء على ما يرام ، فأعطى لها ابتسامة ثم تركها ودلف إلى غرفة الطعام وجلس بجوار شقيقة ، تاركا أديل تسأل نفسها في حيرة ، هل سيبتسم لها عندما يعلم أن جان يود الزواج منها ؟! ، أجابت على ذاك السؤال وهو أن العائلة بأكملها سيكرهونها وسيطردها دانييل بك خارج القصر ..
تطلع توماس إلى جان و جوزيف بحده وهو يتناول طعامه ، فيما كانت أوجين شاردة حزينة بفضل سماع اعتراف جان بحبه إلى فتاة المزرعة اليوم ، لم تتخيل يوما أن جان يحب فتاة غيرها ، كسر توماس حاجز الصمت الذي بينهم بقولة السخيف :
-اعلم انك لا تود الزواج من الفتاة يا جوزيف
لينظروا إليه باهتمام عدا جوزيف الذي يلوك الطعام داخل فمه ثم ابتلعه ، لينظر إلى توماس بجمود قائلا :
-هذا الشيء يخصني أنا فقط توماس .. و وقاحة منك أن تقول كلام مثل هذا
ابتسم بخفة ثم قال بثقة :
-لقد اتفقت مع والدي وعمي على الزواج من تلك الفتاة إذا لن تتزوجها
-تحدث يا ارنو وأخبرني بمكانه
-ولكن أنا لم أعلم ..
قاطع حديثه بأخذ تلابيبه بعصبية قائلا :
-تعلم يا ارنو كما يعلم جان ابني .. ولكن اردت أن اعلم منك ..
تنهد ارنو بهدوء ثم أخبره بعنوان المنزل ليتركه والد جوزيف ثم تناول المسدس وطلب من السائق أن يذهب فاستأذن ارنو وترجل من السيارة وظل واقفا حتى غادر ثم تناول هاتفه واتصل على جوزيف الذي لم يجيب عليه حتى انتهت المكالمة .. زفر ارنو وهو يتصل به مجددا ضاغطا على أسنانه بقوة ..
كانت جين تخرج من الغرفة مستعده لمغادرة المنزل واستمعت إلى صوت رنين هاتف جوزيف ولم يجيب وقفت أمام باب الغرفة إلى لحظات ولا زال الهاتف يرن فتذكرت أنه لا زال نائما .. فتحت الباب ببطء ونظرت إلى الفراش لم تجده عقدت بين حاجبيها قليلا ودخلت متجه نحو الهاتف الذي فوق الاريكة التابعة إلى لفراش ثم تناولت الهاتف ونظرت إلى شاشته التي تضيء باسم ارنو .. بينما خرج جوزيف من المرحاض يجفف صدره العاري وتفاجأ بوجود جين التي لم تنتبه له هنا ثم تقدم نحوها و وقف خلفها لتشعر به والتفتت بلهفة خوف لتنصدم في صدره ورأت المياه تتساقط من بين خصل شعره إلى عنقه حتى صدره واستنشقت رائحة عطر استحمامه الخاص .. بينما أخذ جوزيف الهاتف من يدها لتفيق من شرودها وتنظر إليه باضطراب قائلة :
-أسفه .. سمعت صوت الهاتف ولم تجيب تذكرتك نائما
حرك رأسه بخفه وتفقد المكالمات الفائتة ليجد اسم ارنو ، وكادت جين أن تمضي ولكن أحاط خسرها مما جعلها تشهق بخفة ونظرت إليه بعينين متسعتين من شدة الدهشة ، فيما اقترب جوزيف من أذنها متسائلا :
-إلى أين يا صغيرة ؟!
أخذ صدرها يعلو ويهبط بفضل دقات قلبها التي تدق داخله ، وازدردت لعابها بصوت مستمع ليخترق صوته مسامع جوزيف ، وهبط بعينيه إلى عنقها الذي ينبض بشدة ثم قال بهدوء :
-أنتِ فتاة جميلة حقا .. لا تشبهين القمر فالقمر هو الذي يشبهك وتغار النجوم من عيونك
وجدت نفسها تبتسم ولكن اختفت ابتسامتها مثل سرعة ظهورها على ثغرها ، عندما شعرت بأنفه يلامس وجنتها وببطء شديد طبع قبله على نهاية وجنتها ، فشعرت بأنفاسها تخرج منها بصعوبة وتصدر صوتا عاليا برهبة شديدة ، مما استمع جوزيف إلى صوت انفاسها التي تتسارع في قلبه وليس في أذنيه ، فابتسم ابتسامة خفيفة وعلم انها مستسلمة له ، ثم طبع قبله بجوار أذنها ثم هبط بقبلاته إلى عنقها الذي ينبض برهبة شديدة ، ثم رفع رأسه لينظر إلى عيناها المضطربة و وجد نفسه يمسح على وجنتها باليد الأخرى ، وقال بهدوء :
-لا تذهبي إلى أي مكان .. أريدك هنا دائما
أغمضت عيناها بقوة وقالت سرا دون تردد :
-وانا ايضا اود المكوث معك هنا .. أحبك
فتحت عيناها بفزع على صوت هاتفه ، فنظر إليه وتحدث مع ارنو محررا تلك الفتاة من قبضة يده ، ليستمع إلى حديث ارنو الحاد لأنه لم يجيب عليه ثم أخبره بكل شيء ، فأنهى معه المكالمة على الفور وركض إلى خزانة ثيابه ودخل ليأخذ قميص أبيض يرتدي ، وأغلق ازراره على وجه السرعة ، ثم خرج وتناول يد جين ساحبا إياها خلفه ويسير بخطوات واسعة ، وهي حاولت أن تكوم بنفس سرعة سيره ولكن لن تستطيع ، وكادت تتعثر في الدرج عدة مرات ولكن كان يلحقها جوزيف ، ثم اتجه نحو الباب وهي تتسأل عن سبب تسرعه ولكن لم يجيب عليها ، وفتح الباب تفاجأ بوجود والده الذي كان يرفع ذراعه ليدق جرس الباب ..
وعندما رأى ابنه تبسم له وأخبره انه اشتاق إليه كثيرا ، ثم لفت نظره الفتات التي تقف بجواره وعناق أيديهم ، فضيق عيناه قليلا وقد اختفت ابتسامة فجأة عندما تعرف على البنت ، نعم هي جين العروس المنتظر ، ليجد نفسه يضحك داخله وصدم من الذي رأى الأن ، ثم أشار إليها متسائلا :
-هل هي حبيبتك ؟!
لتحرر جين يدها من يده وهي تومئ بالنفي ، فيما قال جوزيف بهدوء :
-كلا .. فتاة صدمتها بسيارتي دون قصد
ثم نظر إليها وأخبرها أن تذهب الأن ، فجاءت تخرج قبض والده على معصمها لتنظر إليه في دهشة وتعجب جوزيف ايضا ، فيما قال والده بحسم :
-لن تذهبي إلى أي مكان .. ستأتي معنا
ثم سلمها للحرس الذي معه وأخذوها إلى السيارة رغما عنها وحاولت التحرر منهم ولكن بلا جدوى ، واستنجدت بـ جوزيف الذي وقف في ذهول ولم يفهم شيئا من الذي يحدث حوله ، ثم اتجه نحوهم وحررها من أيديهم ، فأمر دانييل بك الحرص أن يضعون الاثنان في السيارة ، فاستقل جوزيف السيارة مع جين لينفذ رغبه والده فقط ، ثم استقل دانييل بك سيارته وغادر وسيارة الحرس خلفه ، كانت جين متشبثة في ذراع جوزيف بخوف واضح ، وهو لم يفهم لما أصر والده على أن يأخذ جين معهم
***
وقف توماس ينظر إلى فتاة المزرعة وهي تطعم الطيور الصغيرة ، ويسحب دخان سيجارته إلى صدره ويزفره في الهواء عاليا ، حتى انتهى منها ثم القى بها أرضا ليلفت نظر عامل الجنينة ويغضب منه ، لأن الجنينة ليست صندوق قمامة ، فيما اتجه توماس إلى المزرعة الصغيرة التي تأخذ مكان في أخر الجنينة ، و وقف أمام الباب الخشبي الصغير لتنظر أديل إليه باستحقار ثم خرجت وأغلقت الباب جيدا وجاءت تسير قبض على مرفقها ، فتوقفت وهي تسحب يدها بحده ..
فقال بهدوء :
-أديل الذي حدث ليلة أمس ليس خطأي
-لا تتحدث معي عن ليلة أمس توماس بك
ثم التفتت وجاءت تسير وقف أمامها مانعا إياها من الذهاب ، لتتراجع هي للخلف وتطلع إليه متعجبة ، فيما مد توماس يده وهو يرى ذاك الواقف خلف أديل ولكن بخطوات بعيدة وينظر إليهم بحده ولكن لم يستطيع التقرب منهم ، بفضل عمه الواقف أمام باب الجنينة ، واذا تشاجر مع توماس فكل شيء سيكون واضح ، فيما قال توماس بنبرة حزينة مصطنعة :
-أديل أقدم لكِ اعتذاري عن ما بدر مني ..
نظرت إلى عيناه بعدم تصديق ليتابع بلؤم :
-جان هو السبب في كل شيء حدث
لترد عليه بنبرة بكاء ممزوجة بالعتاب :
-كنت ستقتله !
لاحت ابتسامة على ثغرة وهو يقول بثقة :
-وأنتِ أنقذتني من ارتكاب جريمة بشعة
اتسعت عيناها قليلا وهتفت بحده :
-كنت أنقذ جان منك وليس أنت .. جان فقط
لتختفي ابتسامته فجأة وشعر بالغيرة من جان إلى م أمسك بيد أديل وصافحها رغما عنها ، ليعصر جان قبضته بقوة ونظراته تتبادل بينهم وبين عمه الذي منعه من ارتكاب شيء مجنون ، فيما سحبت أديل يدها وتركته وذهبت ، فالتفت لينظر إليها حتى دلفت إلى القصر ، فيما تقدم جان نحو ذاك اللعين و وقف قائلا :
-أنت لست محبوب يا توماس .. فلا تحاول أن تجعلهم يحبونك
ابتسم ساخرا والتفت ليواجه ثم قال بوقاحة :
-لا تجعل جمالها ورقتها تغريك يا ابن عمي .. فهي تخبئ قذرتها خلف رقتها
جز أضراسه بقوة حتى استمع إلى صريرها وكاد أن يتشاجر معه ولكن رأى عمه يتقدم نحوهم ، فتركه جان وذهب بخطوات سريعة ، فيما وقف والد توماس أمامه وتسأل عن سبب غضب جان الواضح على وجهه ، ليخبره توماس بسبب ليس له علاقة بحوارهم ..
دلف جان إلى المطبخ رآها تقلب الطعام وحدها ، فتقدم نحوها و وقف واضعا يده على خسرها لتشهق بفزع ، ليضحك جان ضحكة خفيفة ، فيما ضربته أديل على صدره بغيظ ، فيما جاءت أوجين تدخل المطبخ توقفت على الباب عندما رأتهم وارتسمت الدهشة على ملامح وجهها ، واستمعت إليه وهو يخبر أديل انه يحبها كثيرا ثم قبلها على رأسها ، فهبطت دموعها على وجنتيها ثم ركضت إلى غرفتها باكيه ، فيما قبلها جان على عنقها ، فالتفتت وابتعدت عنه ثم وقفت أمام طاولة ، وأخذت ترتب أي شيء أمامها بتوتر فجلس جان على مقعد مجاور له وقال بجدية :
-لا تتحدثي مع توماس مرة ثانية .. رأيتكم منذ قليل
لتتوقف عن ما كانت تفعله ونظرت إليه للحظات ثم حركت رأسها موافقة ، فأمسك بيدها وضعها على شفتيه لتشعر بدفئهم وطبع على اناملها قبله رقيقة ثم وضع يدها على لحيته وقال بصوت عذب :
-أحبك .. وأغار عليكِ كثيرا .. أغار من الطعام الذي تضعي داخل فمك .. والملعقة التي تلامس شفتاكِ
ثم نهض أمامها وأحاط وجنتيها بين يديه ثم اقترب منها وقبلها على جبينها بحنان ، ثم قبلها على انفها وهبط إلى شفاها قليلا وجاء يقبلها استمعت أديل أحد يناديها ، لتبتعد عنه بعدة خطوات مسرعة ، مما نظر جان إليها متعجبا ، فيما دخل واحدا من الأمن وأخبرها أن واحدا يدعى أبراهام ينتظرها في الخارج ، فهمت بالخروج مسرعة فخرج جان خلفها بخطوات بطيئة ..
وعقب خروجها صافحته بابتسامة واسعة وأطمئن قلبها على عائلتها ، فيما وقف جان مستند بكتفه إلى الباب معقد حاجبيه يتطلع إليها بغيرة واضحة ، فيما قال أبراهام :
-والدك يود رؤيتك اليوم
شعرت أديل بالقلق وتساءلت عن السبب ليخبرها أبراهام بكل شيء ، وتحركت الدموع داخل عيناه وهبطت على وجنتيها ، ثم قالت بنبرة مؤلمه :
-أخبر والدي انني بخير .. وما قاله كيفن كذب .. أنا لن استطيع اترك شغلي الأن
ثم مسحت دموعها وطلبت منه أن ينتظرها للحظات ثم التفتت متجه نحو القصر ، ودلفت دون أن تتحدث مع جان فدخل خلفها وامسك بيدها لتسحب يدها على الفور ، ثم نظرت إليه ببكاء قائلة :
-اتركني ولا تتحدث معي ثانية
عقد حاجبيه متعجبا فكانت تتحدث معه منذ لحظات وكل شيء كان على ما يرام ، فيما تابت أديل السير إلى غرفتها ودخلت لتأخذ المال التي ترسله إلى والدها ، ثم خرجت و وقفت تبحث عن جان لم تجده فشعت بالبكاء ثانية ، ثم خرجت إلى أبراهام واعطت له المال ليعطي إلى والدها ، ثم ودعها وغادر ، لتعود هي إلى غرفته وجلست بها تبكي وحدها ..
حديث أبراهام جعلها تفوق مما هي في ، هي الخادمة ولن تتزوج من جان ابدا ، فلا تعلق قلبها به أكثر من ذلك وتعلق نفسها بشغلها فقط ، حتى ترفع رأس والدها فيما بعد ، ويسير بين الناس بكل ثقة ، ولا تضعه في موقف محرج مع عائلة اورليان
***
وصلت جين إلى منزلها واستلمها والدها من دانييل بك واستقل جوزيف سيارة والده ليعلم أن جين هي الفتاة التي سيتزوجها ، لينصدم في البداية وربط الأحداث ببعضها ، هي كانت تركض خائفة من شيء وصدمها بسيارته ، اذا كانت تهرب من والدها حتى لا تتزوج منه ، وهذا جعله يغضب كثيرا وبرغم شعوره بحبها ألا أنه سيرفض ذاك الزواج ..
وضعها والدها في غرفتها وصاح بها و وبخها كثيرا على هروبها ، وهي في أحضان والدتها تبكي بشهقات عالية ، فهي لم تعلم أن جوزيف هو الرجل الذي سيتزوج بها ، واذا كانت تعلم لكانت هربت منه ولم تمكث معه مطلقا ، ولكن القدر كان لديه رأى أخر وهو أن يتقابلا دون أن يعرفن بعضهم البعض ، تشبثت في ذراع والدتها بقوة وقالت ببكاء مفرط :
-أرجوكِ يا أمي اوقفي ذاك الزواج .. لا أود أن أتزوج الأن
أخذت تمسح على شعرها بحنان وملئت وجنتيها بالدموع حزنا على ابنتها الوحيدة ثم قالت بهدوء :
-والدك خائفا عليكِ يا ابنتي
ابتعدت عنها وهي تمسح دموعها بكلت يديها واومأت برأسها ، وقد استسلمت لأمر واقع ، فنهضت والدتها وقبلتها على رأسها ثم وقفت أمام الباب تنظر إليها بتأثر ثم خرجت ، وبعد لحظات أغمضت جين عيناها و وضعت ظهرها على الفراش بهدوء تام ، تود أن ترخي جسدها الأن وتريح رأسها من كثرة التفكير ، وتذكرت عندما كانت فتاة في سن العاشرة ، كانت تركض في حديقة القصر بالضفائر العالية تتطاير خلفها ..
كانت أيام تمتلك فيها راحة البال ، وكل شيء كانت ترى جميل حتى النجوم المتناثرة في السماء فوقها ، حيث كانت تمدد على الأرض الخضراء وبيدها تصل النجوم ببعضها البعض ، وكل همها أن تعلم ما عدد النجوم ، ولكن الأن الهم أكبر بكثير ، فتحت عيناها على صوت رنة هاتفها لترفع ظهرها عن الفراش ، ثم تناولت الحقيبة لتأخذ وتجيب على المتصل :
-مرحبا بيير .. كيف حالك ؟!
تحدث بحده :
-ستتزوجين كما قالت جوليا ؟!
زفرت بسأم وهي تومئ برأسها ثم قالت بصوت مبحوح :
-نعم سأتزوج ..
ثم هبطت الدموع على الدموع التي قد جفت وتابعت ساخرة :
-من أجل الحفاظ على المال وأسم العائلة
ثم تركت العنان للكثير من الدموع ، فتأثر بيير على حالها وفي نفس الوقت شعر بالسعادة لأنه علم انها مجبره على الزواج ، فهو يحبها كثيرا ولم يخبرها حتى الأن ، ثم قال بتأفف :
-أرفضي ذاك الزواج اللعين يا جين .. أو أهربِ من المنزل
-لقد هربت يا بيير ولكن لا مفر من الزواج .. استسلمت لأمر والدي
وبخها بيير على سلبيتها فيما وضعت جين يدها على جبينها عندما شعرت بألم داخل رأسها ، ثم قالت بوهن :
-اتركني الأن يا بيير .. فأنا أشعر بالإرهاق
اغمض عيناه متألما بدلا منها ثم انهى معها المكالمة ، فألقت بالهاتف على الفراش ثم نهضت متجه نحو المرحاض ، ودخلت لتضع جسدها أسفل الماء البارد ، ومسحت على وجهها كثيرا ، وبعد ساعة تقريبا أغلقت المياه وارتدت الروب الخاص بالاستحمام ، ثم وقفت تطلع إلى انعكاسها في المرآة بحزن واضح ، وأخذت تفكر في جوزيف ، لماذا ترفض الأن وهي تحبه وتعلقت به ؟! ، عقدت حاجبيها قليلا ثم قالت بصوت منخفض :
-نعم أحببته
***
هبط الدرج واتجه نحو غرفة سفرة الطعام و وقف أمام الباب ، ليجد أديل تضع الطعام أعلى المائدة بشكل منظم ، فتذكر ما أخبرته به اليوم ، فيما لفت نظرها وأخذت تضع الطعام بتوتر وترمقه بنظرات سريعة مما انتبه جان لنظراتها ، ثم تقدم نحوها و وقف مستند بذراعيه إلى إحدى المقاعد قائلا بابتسامة خفيفة :
-أعشق تلك العيون التي تطلع إلي بحب .. أحبك أديل .. وسأتزوج
وضعت أخر طبق على الصينية الكبيرة ثم نظرت إليه متسائلة :
-وماذا عن عائلتك ؟! .. ستوافق ؟!
ليرتفع حاجبيه بمرح ويتحدث بثقة بالغة :
-أنتِ عائلتي يا أديل
حدقت به في دهشة من ردة الجاهز دائما على حديثها ، ويشعرها بالحيرة دائما ، هل تصدق حديثه وتطمئن ؟! أو لا تصدق وتعيش حياتها كما هي بعيدا عن المشاكل ؟! ، حقا احتارت كثيرا ولم تجد الإجابة المناسبة ، فقط حملت الصينية واتجهت نحو الباب ليمسك جان بذراعها وتوقفت عن السير ، وهمس في أذنها :
-اليوم الساعة الثانية عشر سأنتظرك في سيارتي لأخذك إلى مكان ما
ادارت رأسها اتجاهه لتجد انفها ملتصقة بأنفه وشعرت بأنفاسه الساخنة على انفها وفوق شفتيها ، ثم قالت باضطراب :
-لا تنتظري .. فأنا لن أتي معك
لاحت ابتسامة جانبيه على شفتيه وهمس بالقرب من شفتيها :
-من حقك أن تتدللي علي يا فتاتي
أطرقت رأسها فأخبرها مجددا انه سيكون في انتظارها ، ثم ترك ذراعها لتذهب ، وظل جان واقفا شاردا في عيناها وكأنها لا زالت واقفة أمامه ثم رفع رأسه متأوه ، وفي نفس اللحظة استمع إلى بوق سيارة والده ليخرج على الفور ، و وقف أمام الباب منتظر السيارة حتى دخلت من البوابة و وقفت أمامه ، ليخرج جوزيف منها متجه نحو شقيقة ليضمه إليه مشتاقا له ، ومشتاق لذاك العناق الذي يشعر بالنشوة داخله وتشفى جروحه ، بادله جان بالعناق مربتا على ظهره بخفة ، فيما سار والدهم من جوارهم وهو يتطلع إليهم بحده وجان يتابعه بعينيه حتى دخل القصر ..
ثم ابتعد جوزيف عن شقيقة ليرى اللاصقة التي بجوار عيناه ، فرفع يده ليضعها عليها متسائلا بقلق :
-ماذا حدث لك ؟!
-سأقول لك فيما بعد
ثم دخلوا القصر ليجد جوزيف الجميع في انتظاره ، وسلم عليهم ثم دخلوا إلى الغرفة عدا جوزيف الذي دخل المرحاض يغسل يداه و وجهه بالماء ، ثم نظر إلى انعكاسه في المرآة ، وتذكر حديث جين عن زواج القاصرات وكأنه يستمع إلى نبرة صوتها ، نبرة صوتها عندما تذكرها شعر بالاشتياق لها ، ولكن كيف سيتزوج من فتاة صغيرة ؟! ، واذا معترض عليها لماذا وقع في حبها ؟! ، وجد نفسه يزفر بسأم ثم جفف وجهه وخرج لتقابله أديل ، فوقف ليصافحها وتساءل عن حالها بود لتبتسم له وتخبره ان كل شيء على ما يرام ، فأعطى لها ابتسامة ثم تركها ودلف إلى غرفة الطعام وجلس بجوار شقيقة ، تاركا أديل تسأل نفسها في حيرة ، هل سيبتسم لها عندما يعلم أن جان يود الزواج منها ؟! ، أجابت على ذاك السؤال وهو أن العائلة بأكملها سيكرهونها وسيطردها دانييل بك خارج القصر ..
تطلع توماس إلى جان و جوزيف بحده وهو يتناول طعامه ، فيما كانت أوجين شاردة حزينة بفضل سماع اعتراف جان بحبه إلى فتاة المزرعة اليوم ، لم تتخيل يوما أن جان يحب فتاة غيرها ، كسر توماس حاجز الصمت الذي بينهم بقولة السخيف :
-اعلم انك لا تود الزواج من الفتاة يا جوزيف
لينظروا إليه باهتمام عدا جوزيف الذي يلوك الطعام داخل فمه ثم ابتلعه ، لينظر إلى توماس بجمود قائلا :
-هذا الشيء يخصني أنا فقط توماس .. و وقاحة منك أن تقول كلام مثل هذا
ابتسم بخفة ثم قال بثقة :
-لقد اتفقت مع والدي وعمي على الزواج من تلك الفتاة إذا لن تتزوجها