الفصل ٢٢
ساد صمت مطبق بعد كلمته الهادئة البسيطة والتي بدت وكأنما هي الحل البديهي الذي لا يستدعي سؤالا من الأاساس !
ووقف درة أمامه صامتة تماما تحدق في وجهه بلا تعبير هادئة بوجه عام , الا لمن يعرفها حق المعرفة
من يحفظ سكناتها وأدق تفاصيل انفعالها هو فقط من سيلحظ انطباق شفتيها , اهتزاز حدقتي عينيها بشكلٍ طفيف انقباض إحدى راحتيها الى جانبها ببطء شديد
جالسا أمامها كسلطانٍ مسيطر واثق النفس يضع ساقا فوق أخرى وهو يضجع للخلف بأريحية مسندا مرفقيه الى ذراعي المقعد مشبكا أصابعه ببساطة
أما هي فواقفة أمامه , دون حتى أن يمتلك الذوق ليدعوها للجلوس بل بدا راضيا تماما بوقوفها أمامه ومراقبتها على هذا النحو !
حينها نظر الى عينيها متسائلا رافعا أحد حاجبيه وهو يتكلم كاسرا الصمت الثقيل بينهما
- هل كنتِ تنوين قول شيء ؟!
عادت لتفتح فمها من جديد وكأنما هذا الفم الخلاب سارق بمهارة , كلما تحرك سلب عينيه رغما عنه
لكن هذا الفم الآن ابتسم !
الا أنها ابتسامة باردة قاسية , لم يظهر لها أي انعكاس في عينيها ثم لم تلبث أن هزت رأسها ضاحكة ضحكة سوداوية أكثر قسوة وكأنما تهنئه على حلاوة اللعبة
ثم استقر وجهها ناظرة الى الأرض لحظة وهي تعض جانب شفتها المكدومة بتلك النظرة الشاردة الحاقدة بينما انتقلت ابتسامتها إليه وهو يستشعر بطوفان الغضب آتٍ لا محالة آسفا الا تكون شفتيه هما وجهة انتقامها الانفعالي بدلا من شفتها الناعمة المتضررة لعله حينها ترك لها حرية الانتقام أشواطا وأزمنة في حرب شعواء لم يخضها الا في أحلامه
أخيرا قررت الكلام وهي ترفع عينيها إلى عينيه الهادئتين ثم قالت أخيرا بصوتٍ رغم سخريته الباردة , الا أنه ليس صوتها لم تكن نبرتها وهي تقول
- لا لن أسمح لك أن تفقدني أعصابي يا قاسم
مالت ابتسامته بهزل وبانت التسلية في عينيه بوضوح وهو يسألها رافعا حاجبيه سؤالا خبيثا بمجرد حركة , دون الحاجة للكلام
الآن غابت ابتسامتها وهي تقول بصوتٍ حاقد
- كان علي أن أعرف أن مثلك لن يتغير مطلقا , وأنك ستنتهز أي فرصة لتنال مرادك
استمر يراقبها مبتسما متراجعا في مقعده ينظر إليها ساخرا بينما هزت رأسها نفيا وهي تقول ببرود
- لا لن أصرخ , لن أنفعل لن أمنحك هذا الرضا الذي تتمناه وأنا أنهار غضبا أمامك
أجاب ساخرا بهدوء
- خسارة ففكرة ضربك بخرطوم الماء مجددا كانت لتسعدني بعد هذا اليوم الطويل
اشتدت شفتاها أكثر في خطٍ جاف بينما لمعت عيناها بنيرانٍ محببة الى نفسه , فأضاف يزيد الجرعة ببطء وهو يحدق في عينيها ببرود
- لكن هذه المرة سيكون الخرطوم نفسه أكثر تأثيرا دون الحاجة للماء
الآن بدأت تفقد أعصابها جراء عبارته المهينة , فقد زادت سرعة تنفسها بحدة , حتى استطاعت أذناه إلتقاط هدير أنفاسها العالي المرتعش فصرخت بعنف وهي تهجم عليه بمخالبها
- أيها الحيوان
لتقبض على قميص و عنقه بأظافرها في انفعالٍ عشوائي أدى الى تمزق جيب هذا القميص قبل أن يستقيم في جلسته ليقبض على معصميها بكفين من حديد , الا أنها ظلت تحاول نفض قبضتيه عن معصميها بكل قوتها و كأنما تحاول إبعاد سلاسل من الصلب أثقل منها وزنا , تشل حركتها وترهق أنفاسها فصرخت مجددا
- أترك معصمي أيها المتعصب المجنون المتعجرف ال
قاطعها قاسم هادرا بصرامة يسألها
- لتهدئي أولا كي يتمكن عقلك الغبي من الاستيعاب
لكنها لم تهدأ و لم تحاول الاستيعاب أو مجرد التنازل بالتفكير , بل تطاولت عليه بركبتيها تحاول ضربه بكل قوتها
فما كان منه إلا أن لف خصرها بذراعه وشدها إليه بقوة حتى أسقطها جالسة فوق ركبتيه !
شعرت درة بالعجز تماما و هي تحدق فيه مصدومة بعينين واسعتين وفم فاغر بينما بات وجهه على قربٍ شديد من وجهها , يكاد أن يلامسه وأنفاسه الساخنة تداعب بشرتها بموجاتٍ متتابعة , للحظة واحدة قبل أن تعاود مقاومته بكل جنون كي تتحرر من بين ذراعيه , بينما شدد عليها أكثر , ليكبل قوتها الجامحة دون أن يوقف حركتها العنيفة , فأغمض عينيه ببطء وهو يغمر وجهه بين خصلات شعرها
كانت تهتف بجنون ولم تدرك أن إحدى كفيه ارتفعت لتجذب ربطة شعرها ببطء على امتداده فأنسدل ليخفي وجهه بين أستاره لتتجرأ تلك الأصابع و تمشطه بحركةٍ خفيفة بطيئة تتناغم مع تنهيدته
لم تشعر بكل تلك الحركات الخفية , بل كل ما كانت تشعر به هو عجزها الكامل وهو يكبلها فوق ركبتيه
كتفها ملتصق بصدره , ووجه شديد القرب من رأسها
وهي تتلوى كان ثوبها يرتفع فوق ركبتيها فتنظر عينيه الى بشرتها دون أن يستطيع منع نفسه وضحكةٍ خافتة تخرج من بين شفتيه وهو يزيد من ضمها إليه , فما كان منها الا أن ضربت فكه بقبضتها وهي تصرخ فيه بعنف قاتل
- توقف عن النظر إلي واتركني
زم قاسم شفتيه وهو يضغط أسنانه مغمضًا عينيه للحظة قبل أن يفتحهما ليترك خصرها لكن ليس ليحررها بل قبض على كتفيها بقوةٍ وهو يديرها إليه وهي لا تزال جالسة فوق ركبتيه كطفلة صغيرة ثم هزها بقوة هادرا في وجهها
- هلا هدأتِ الآن ؟
سكنت للحظة وهي تواجه ملامحه القاسية ثم همست مشددة على كل حرفٍ خرج من بين أسنانها بغضب يستعر في عينيها
- اتركني حالا
للحظةٍ واجه كلا منهما الآخر قبل أن يقول ببرودٍ مستفز
- سأتركك , لكن لو تجرأتِ على مد يديكِ مجددا فلا تلومي إلا نفسك على ردة فعلي
أخفضت عينيها الى جلستها المهينة ثم رفعتهما إلى عينيه وبصقت الكلمات في وجهه
- أكثر من هذا
التوت ابتسامته بطريقةٍ خبيثة وهو يجيب بصوتٍ خفيض
- أكثر بكثير أخطر بكثير
ارتعشت قليلا , فلم تتمالك نفسها الا وهي تقاومه من جديد صارخة و هي تضرب قدمه بحذائها , لكن حذائه الثقيل نجح في حماية قدمه فرفع يده و قبض على ذقنها ووجنتيها يرفع وجهها إليه وهزها قائلا من بين أسنانه هادرا
- درة أنا أفقد أعصابي و سيطرتي على نفسي صدقا
تحرك حلقها و هي تستشعر خطورة موقفهما وهذا الوضع المتجاوز بينهما فهتفت بصوتٍ مرتعش رغم الغضب فيه
- اتركني يا قاسم , إكراما لرحمة والدك ما تفعله لا يجوز
نظرات عينيه إلى عينيه جعلتها تسبل جفنيها وهي ترتجف لتشعر بنفسها في اللحظة التالية حرة من كفيه واحتاجت للحظة أخرى كي تتمالك نفسها وتقفز عن ركبتيه مبتعدا الى أحد الزوايا البعيدة توليه ظهرها وهي تكتف ذراعيها بقوة محاولة تهدئة هذا الارتعاش المفاجئ
الصمت خلفها كان يزيد خوفها من ان يقدم على أي تصرف مفاجئ من خلفها أو يعاود الهجوم عليها
إثر هذا التصور , اندفعت فجأة تدور حول نفسها تحدق فيه بخوفٍ حقيقيالا أنه كان لا يزال في نفس مقعده مرتاحا , مستندا للخلف , يمد ساقيه أمامه وهو يحدق فيها بصمت ثم ابتسم بسخرية وهو يرى دورانها المفاجئ المنتفض وكأنما استطاع قراءة أفكارها فأشاحت بوجهها و هي تفك ذراعيها بتوتر
حينها سأل قاسم بنبرة باردة
- هل أنتِ مستعدة الآن للنقاش بهدوء ؟
رمقته بنظرةٍ مهينة وهي لا تزال تتنفس بسرعة وغير ثبات , ثم رفعت وجهها وقالت بنبرة كارهة جليدية
- لست مضطرة للنقاش ما كان علي انتظارك وأنا أظن بغبائي أنني أسديك خدمة
لم تتوقع أن ينتفض قافزا واقفا من مكانه كفهدٍ اتخذ قراره بالهجوم على فريسته , فتراجعت بسرعة مجفلة , الا أنه وقف في منتصف المسافة بينهما هادرا بذهولٍ ساخر , خشن وغير مصدق
- تسديني خدمة ؟!
ابتلعت ريقها وتمالكت كل المتبقي من شجاعتها وهي تهتف بتوتر
- أنت قلت أنك تهتم لما يُقال عنك في البلدة وأن هروبي أساء الى كرامتك و خاصة بعد عودتي و بقائي في بيت الحاج رحيم أنا ما انتظرتك الا لأعطيك الفرصة كي تبرر ما تريد تبريره أمامهم , أما عني , فأنا لا أهتم بسمعتي أمامهم ولو بمثقال ذرة
ضاقت عيناه وهو يقترب منها ببطء , فتبتعد عنه , تدور حول المكان و كأنما هي طفل خائف رغم تظاهرها بالشجاعة فعاد ليقف مكانه , ثم قال ببرود قاتم
- عرفتك وقحة أنانية من حداثة سنك لكن هذه الدرجة من الوقاحة لم ترى عيني من قبل
شعرت بالإهانة تصفعها بقوة الا أنها لم تظهر له شيئا وهي تبتسم ردا قائلة ببرود
- ها أنت رأيت والآن يمكنك أن تعد إليهم وتخبرهم أن هذه الخطبة التي عرضتها شاكرا كي تحفظ بها سمعتي ما هي الا رغبة قديمة سعيت جاهدا لتحقيقها ولم توفق وحتى هذه اللحظة أنا أرفض الزواج منك سلام
حاولت المرور بجواره كي تتجاوزه الا أنه اعترض طريقها فتوقفت ورفعت وجهها الى عنقه فقط قائلة بقسوة
- ابتعد عن طريقي يا قاسم
ظل صامتا للحظة , ثم قال أخيرا بصوتٍ قاتم جليدي
- اسمعيني جيدا , الوضع متأزم جدا فأخيكِ لم يدخر وسعا في إشعال الوضع وقد جمع عددا من كبار البلدة ليحكمهم بالطبع ليس بسبب نخوة مفاجئة ظهرت لديه لا سمح الله , وإنما ما أن عرف و عرف الجميع بعودتك ووجودك هنا , لم يكن لديه الا الصراخ عاليا بالقول والفعل كي يحفظ ماء وجهه , فلو صمت لأكل أهل البلدة وجهه كما يقولون
نطقت آخر م فكرت فيه وقالت بهدوء باهت بارد
- لا أهتم
هدر في وجهها بقسوة وهو يضرب صدره بقبضته المضمومة
- أنا أهتم . أهتم باسم الحاج رحيم رحمه الله
نظرت الى عينيه وسألت بقسوة
- و هل أنا من ستسيئ لاسمه رحمه الله ؟! لم أكن زوجتك يا قاسم , مجرد فتاة وهربت منك قبل الزفاف , لا شيء يسيء الى اسم والدك يمكنك العودة إليهم وإخبارهم أنك طردتني و لتنهي الأمر
استدار عنها ببطء وهو يوليها ظهره , فاردا كتفيه كالنسر ثم سمعت صوته يردد بسخرية و بنبرةٍ خاوية
- مجرد فتاة هربت مني قبل الزفاف
حدقت في ظهره طويلا بصمت , لتجد نفسها تسأله بتحدٍ يماثل سخريته مكررة سؤالا قديما
- هل أحببتني يوما ؟!
كانت نبرة الاستهزاء في سؤالها واضحة لتنكر أي محاولة منه لادعاء الألم و الغدر من جهتها , الا أن فضولا حقيقيا استولى عليها لسماع الجواب منه , و بالفعل استدار اليها لينظر الى عينيها نظرة سوداء عميقة جعلتها ترتعد
لكنه حين تكلم رد بصوتٍ ساخر هادئ
- لقد ولى زمن الحب يا درة
رفعت أحد حاجبيها وهي تحدق فيه متسائلة بصمت ثم سألته بنفس النبرة المستهينة
- منذ متى ؟!
ضيق عينيه وهو يحدق في عينيها بنظرة جعلتها تخرس تماما , ثم رفع رأسه وهو يفكر مرددا بخفوت
- منذ متى ؟! يا له من سؤال صعب الحصول على جوابٍ شافٍ له سألته لنفسي مرارا , ترى هل فقدت حبي لكِ في تلك اللحظة التي تأكدت فيها من هروبك قبل زفافنا ؟! أم في اللحظة التي قرأت خطك فوق اعترافك بسرقتي ؟! هل كان هذا حين التقطت خاتم خطبتك الذي وضعته في إصبعك من القمامة ؟! .... أم حين أطلت البحث عنك دون يأسٍ كي أجد لكِ أي مبرر لما فعلتِ ثم اكتشفت أنكِ تزوجتِ من آخر !! أتراها تلك اللحظة التي كنتِ فيها على استعدادٍ للمشاركة مع امرأة أخرى في الحصول على زوجٍ لينفق عليكما و صرحتِ بذلك علنا أمام العالم ؟! أم
صمت للحظة ثم حدق في عينيها الغائمتين بتعبيرٍ جعلها تنتفض داخليا قبل أن يتابع بصوتٍ قاسٍ باهت
- أم في اللحظة التي قبلتِ فيها من آخر رد ما سرقتِ مني ليتباهى وهو يمد لي بشيكٍ مصرفي و على جانبيه امرأتين أنتِ إحداهما
أخفضت درة جفنيها بملامح جامدة , رافضة التأثر ربما في داخلها تدرك ما قاله تماما , لكنها لن تسمح له بأن يتلاعب على هذا الوتر لن تسمح
فسألت بنبرةٍ باهتة مشككة
- اذن أحببتني يوما .
لم تكن واثقا إن كان سؤالك أم إقرار واقع أم تشكيك صريح كل ما تعرفه أنها كانت في إنتظار الجواب بشدة دون سبب واضح
وحين تكلم , قال بنبرة عميقة ناظرة في عينيها
- أكثر مما أحببت أحدا في حياتي
فغرت فمها قليلا , ثم ابتلعت ريقها وهي تواجه عينيه بعينيها
الوغد اللعين
لقد اختار أكثر أوقاتها ضعفا وهشاشة داخلية فهي لا تزال تعاني أثر المحنة الأخيرة التي خرجت منها صفعات .صفعات وانتهاك من أكثر من عرفتهم ضعفا حتى أنها وافقت الزواج منه لضعفه تحديدا
انتفضت فجأة من شرودها على صوته وهو يقول متابعا ببرودٍ ولا مبالاة و كأنه شخص آخر يتكلم بعمليةٍ بسيطة
- لكن كل هذا انتهى وما عرضت الخطبة منذ قليل , الا تبرئة لسمعتك فلو كان ما قيل عنك منذ سنواتٍ صحيحا , لما قبل قاسم رحيم الزواج منك الآن
كانت تحاول جاهدة الخروج من شرنقة الجملة العاطفية التي كانت على ما يبدو في حاجة لسماعها في هذه الفترة من حياتها هذه الأيام تحديدا
كي تستوعب تغيره الكامل وتحوله الى هذا الشخص البارد الذي يحاول حماية سمعتها
وما أن تمالكت نفسها للحظات حتى ردت بجمود
- أخبرتك أنني لا أهتم هل تعني أن خطبتك تلك لم تكن الا عرضا مزيفا ؟!
هز كتفيه وهو يفتح كفيه ناظرا الى وجهها مجيبا ببساطة
- بالطبع هل ظننتِ غير ذلك ؟! هناك حدود لاحتمال الرجل يا درة وأنا لا أساعدك الآن الا بدافع العشرة فقط وإكراما لاسم والدي
أومأت برأسها نصف إيماءة , شاعرة بالضآلة ثم استجمعت كل طاقات القوة لديها لتبتسم ببرود قائلة
- حسنا اذن أشكرك على محاولتك , لكنني أرفضها وكي أحميك من شبهة وجودي في بيتك سأغادر تاركة لك مهمة تراجعك عن الخطبة أمامهم , ففي النهاية أنت من تهور دون أن تسألني رأيي
نظر إليها طويلا نظرة رأت فيها شيئا من لازدراء ربما , لكن ملامح وجهه كانت عادية وهو يمط شفتيه دون اهتمام ثم مد يده الى باب البيت قائلا ببساطة
- تفضلي اذهبي لن أمنعك
تحركت خطوة بتردد , الا أنها توقفت ونظرت الى ساعة الحائط ثم إلتفتت إليه سائلة بنبرة مقتضبة
- الآن ؟!
رفع حاجبيه وهو يجيب بتهذيب
- نعم الآن لن أؤخرك أكثر واتركي لي أمر التنظيف خلفك كما اعتدتِ
زمت شفتيها و هي تحاول التفكير بسرعة , ثم هتفت باستياء
- أنت بالفعل أخرتني حين طلبت مني انتظارك كيف سأغادر الآن في مثل هذه الساعة على الطريق وحدي ؟!
ضرب قاسم كفا على كف وهو يرفع رأسه مخاطبا السقف قبل أن ينظر إليها هاتفا
- لا حول ولا قوة الا بالله ما هو المطلوب مني بالضبط يا بنت الناس ؟!
سألته بنبرة خافتة , متجهمة الملامح
- هل يمكنك أن تقلني الى شقتي ؟
رد بصوتٍ قاطع دون أن تتحرك عضلة في ملامحه
- سأقلك إن أردتِ بعد فترة و أتركك تتابعين حياتك كما تشائين يا درة لكن طلبي منكِ الآن هو أن تقبلي بتلك الخطبة مؤقتا إن لم تهتمي لسمعتك , فعلى الأقل افعلي لأجلي شيء ولو مرة واحدة
رفعت حاجبها و هي تسأله بتحدٍ مستفز كاره
- ها أنت تطلب مني أن أسديك خدمة !! أم ستنكر فيما بعد ؟!
مالت ابتسامتها وهو يداعبها بعينيه حتى عاد وجهها للتورد من وقاحة نظراته
وحين انتصر عليها فأخفضت عينيها رغما عنها بحياءٍ وحنق تنازل و أجاب بهدوء
- نعم أطلب منكِ إسدائي خدمة يا درة ولن أنكر فيما بعد
نظرت إليه بطرفِ عينيها ثم سألته بتكبر
- وما الذي سأستفيده من هذه الخدمة ؟!
رفع حاجبيه بدهشةٍ وهو يسألها
- أتطلبين ثمنا لقبولك ؟!
لم ترى أن ابتسامته غابت وحل في عينيه تعبيرٍ غامض , داكن العمق
مرت بضعة لحظات قليلة قبل أن تسمعه يضيف بهيمنة
- الثمن الذي أقدمه لكِ هو تنازلي عما سرقتهِ مني يمكنك اعتبار الأمر منتهيا على الأقل بينك وبين ضميرك إن كان يؤرقك سأسامحك وأتنازل عنه و أعتبره تعويضا عما لاقيتهِ من ضرر مني .
نظرت اليه بدهشة غير مصدقة مدى عنجهيته و صلف عروضه !!
فقالت مرددة ببرود
- هذا هو الثمن الذي تعرضه ؟! حقا ؟!
أجابها قاسم بصوتٍ بارد يحمل رنة ازدراء
- يا لكِ من مساومة يا درة ! للأسف لا أملك ما أقدمه لكِ أكثر فقيمة الخدمة ليست ضخمة , مجرد بضعة أيام من خطبة وهمية أمام الجميع ننقذ بها سمعتك وكرامتي ليس بالكثير ويمكنك اعتبارها فترة نقاهة مما أصابك لا أظنك قادرة على الخروج للبحث عن عمل بعد اهدئي لفترة في بلدتك وبين أهلك ثم حلقي بعيدا كما تحبين
الخروج للبحث عن عملٍ الآن لهو أكثر الأمور الشاقة التي لا تعرف كيف تقوم بها حاليا هي بالفعل مرهقة حد الرغبة في السقوط وافتراش الأرض نوما لأيام طويلة دون قلق أو خوف أو تفكير في المال والفواتير
ظلت صامتة فتابع دون أن يترك لها فرصة التردد
- كما أنني لا أضمن خروجك من هنا سليمة الآن
عقدت حاجبيها بشدة وهي تسأله هاتفة بتحفزٍ غاضب مسيئة فهمه
- ماذا تقصد , هل تهددني ؟!! هل تجرؤ ؟!!
ارتفع صوت قاسم بسيطرة دون أن يتحرك من جلسته
- افهمي يا غبية واستخدمي عقلك لمرة قبل لسانك أنتِ لم تري مروان في هذا الاجتماع منذ قليل , لقد بدا كالمجنون أمام الجميع وهو يهدد ويتوعد أن ينال منكِ وما هذا كله الا مجرد عرض للحفاظ على ماء وجهه أمام الجميع وأقسم أن يقتلك و يريق دمك
ضحكت ضحكة عالية ساخرة , مستهزئة وأومأ قاسم قائلا بابتسامة محتقرة
- بالطبع لن يفعل هو أجبن من أن يفعل , لكنه على الأقل لن يتوانى عن ضربك بشدة إن تربص بكِ ففي المرة الأولى منذ سنوات , وفر له السفر حجة التهرب من مسؤوليتك ومسؤولية هربك أما بعودته , فلن يستطيع رفع رأسه بين الجميع هنا إن لم فعل بكِ شيئا
ردت بقسوة وعنف
- فليحاول فقط , وأنا س .
قاطعها بحنقٍ هادرا فجأة مما جعلها تجفل منتفضة وتصمت
- بالله عليك اصمتي عن هذا التبجح الذي يدعوا للسخرية لقد ضربتِ مرتين خلال يومين وأنا لن أكون متواجدا في كل لحظة لأدافع عنكِ
نهض واقفا وهو يقترب منها فتحفزت تلقائيا لكنه هتف مجددا باستياء
- أعرف ما تريدين قوله أعيدك الى شقتك في منتصف الليل وننهي الأمر , لكن هل نسيتِ القذر طليقك الذي لا نعرف مكانه حتى الآن ؟! قد يقدم على أي عمل مجنون آخر وبالمناسبة لقد حرر محضرا ضدك بالتعدي عليه و إصابته إصابة خطيرة و لديه تقرير طبي لقد أخبرني جارك باستدعاءٍ وصلك لذا ما أن تعودي حتى تتوجهي الى قسم الشرطة كي يتم التحقيق في الأمر
فغرت درة فمها بعدم تصديق ثم هتفت بصدمة وإحساس بالظلم و هي تمس الجرح في مؤخرة رأسها
- لدي جرح في رأسي لدي إصابات في كل جسدي لقد هاجمني و اعتدى علي !! .
فتح قاسم كفيه وهو يقول بغضب من بين أسنانه
- وأنتِ ضربته على رأسه و أصبح الأمر شجار تطور الى تشابك عنيف و سينتهي بمحاولة إقناعكما بحل الموضوع وديا هل لديكِ قدرة الآن لمواجهة هذا ؟!
أخفضت عينيها وقد شحب وجهها تماما , تهز رأسها نفيا ببطء ثم رفعت يدها الى جبهتها بتعب
أما قاسم فكان قد اقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة , ثم تكلم بصوتٍ دافئ مفاجئ
- ابقي هنا لفترة يا درة أنتِ في حاجة لهذا , وبقائك لن يكون الا بخطبتنا أمام الجميع
رفعت وجهها الشاحب إليه مجددا لم تستطع قراءة تعابير وجهه التي لا تنم عن شيء مطلقا وطالت بها الحيرة , حتى سألت أخيرا جاعلة فضولها هو السلاح الأخير
- هل سترضى صديقتك عن تدبيرٍ كهذا ؟!
عقد حاجبيه وهو يسألها بخشونة
- صديقتي ؟! عمن تتحدثين ؟!
فتحت فمها و هي تنظر إليه للحظة , ثم أجابت بحذر ساخرة
- سمعتك تتحدث معها عبر الهاتف على ما أظن فهل أنت مرتبط الآن بتعيسة حظٍ أوقعها بطريقك ؟!
ضاقت عيناه لفترة وهو ينظر الى عينيها , ثم أجاب بعد فترة طويلة بنبرة غريبة دون إنكار
- كيف لرجلٍ في مثل عمري أن يبقى دون ارتباطاتٍ كل هذه الفترة ؟! ثم أنها ليست في وضعٍ يسمح لها بالموافقة أو الاعتراض
ارتفع حاجباها وهي تسبل جفنيها ترد بسخرية
آآآه
سألها بنبرةٍ مختصرة وهو يقترب منها خطوة أخرى
- ماذا تعني تلك ال آآآه
هزت كتفها وهي تقول مبتسمة
- لا شيء تذكرت فقط الحاج رحيم رحمه الله , ما كان ليرضى بهذا الحال , و كنت دائما تخاف منه
لم يرد بل ظل صامتا طويلا وهو ينظر إليها بطريقته الغريبة , و هي تبادله النظر مبتسمة بطريقةٍ مستفزة حتى قال أخيرا مبتسما بهدوء
- رحمه الله معكِ حق , ما كان ليعجبه الحال لكنه على كل حال لم يعد موجودا الآن لأخاف منه
ردت ضاحكةٍ باستنكار
- خاف ربك !! .
عاد الصمت المخيف ليسود بينهما , ثم سألها أخيرا مبتسما بهدوء بينما عيناه كلوحين من الزجاج
- الا ترين أنكِ تتدخلين في حياتي الخاصة أكثر مما تسمح به خطبتنا المزعومة ؟!
قالت ببطء وهي تستدير عنه
- لم أوافق بعد .
شعرت بيديه تمسكان بكتفيها فجأة , لكن بقبضتين دافئتين , لا تحملان أي عنف ثم همس صوته يقول بإقناع
- اقبلي يا درة وإن لم ترتاحي , غادري ببساطة
ابتلعت ريقها وهي ترفع أصابعها لتبعد شعرها بقلق عن وجهها وهمست بجمود
- لا أعرف لا أظنه تصرف سليم , لم يسفر الخداع أبدا الا عن زيادة تأزم الأمور
اقترب منها أكثر وازداد ضغض أصابعه فوق كتفيها النحيلين ليقول بصوتٍ هادئ
- معكِ حق لم يسفر الخداع إلا عن زيادة تأزم الأمور لكن نحن مضطرين
بدت أكثر إرهاقا من المقاومة أكثر أو التفكير في محاولة الخروج وحدها الى العالم في هذه الفترة فهمست بصوتٍ خافت مختصر ومتأزم
- حسنا موافقة
لم تره لم تره يغمض عينيه لم تره يبتسم لم تره يتنهد تنهيدة طويلة فقط شعرت بنسيم دافىء يداعب خصلات شعرها بالقرب من عنقها مما جعلها تنتبه إلى إمساكه بها فتململت كي يبعد يديه عن كتفيها , و بالفعل سارع بإبعادهما فاستدارت إليه بتوتر وهي تتساءل إن كانت قد واقفت فعلا للتو على هذا التصرف الأحمق عوضا عن الهرب منه بأقصى ما تستطيع
ووقف درة أمامه صامتة تماما تحدق في وجهه بلا تعبير هادئة بوجه عام , الا لمن يعرفها حق المعرفة
من يحفظ سكناتها وأدق تفاصيل انفعالها هو فقط من سيلحظ انطباق شفتيها , اهتزاز حدقتي عينيها بشكلٍ طفيف انقباض إحدى راحتيها الى جانبها ببطء شديد
جالسا أمامها كسلطانٍ مسيطر واثق النفس يضع ساقا فوق أخرى وهو يضجع للخلف بأريحية مسندا مرفقيه الى ذراعي المقعد مشبكا أصابعه ببساطة
أما هي فواقفة أمامه , دون حتى أن يمتلك الذوق ليدعوها للجلوس بل بدا راضيا تماما بوقوفها أمامه ومراقبتها على هذا النحو !
حينها نظر الى عينيها متسائلا رافعا أحد حاجبيه وهو يتكلم كاسرا الصمت الثقيل بينهما
- هل كنتِ تنوين قول شيء ؟!
عادت لتفتح فمها من جديد وكأنما هذا الفم الخلاب سارق بمهارة , كلما تحرك سلب عينيه رغما عنه
لكن هذا الفم الآن ابتسم !
الا أنها ابتسامة باردة قاسية , لم يظهر لها أي انعكاس في عينيها ثم لم تلبث أن هزت رأسها ضاحكة ضحكة سوداوية أكثر قسوة وكأنما تهنئه على حلاوة اللعبة
ثم استقر وجهها ناظرة الى الأرض لحظة وهي تعض جانب شفتها المكدومة بتلك النظرة الشاردة الحاقدة بينما انتقلت ابتسامتها إليه وهو يستشعر بطوفان الغضب آتٍ لا محالة آسفا الا تكون شفتيه هما وجهة انتقامها الانفعالي بدلا من شفتها الناعمة المتضررة لعله حينها ترك لها حرية الانتقام أشواطا وأزمنة في حرب شعواء لم يخضها الا في أحلامه
أخيرا قررت الكلام وهي ترفع عينيها إلى عينيه الهادئتين ثم قالت أخيرا بصوتٍ رغم سخريته الباردة , الا أنه ليس صوتها لم تكن نبرتها وهي تقول
- لا لن أسمح لك أن تفقدني أعصابي يا قاسم
مالت ابتسامته بهزل وبانت التسلية في عينيه بوضوح وهو يسألها رافعا حاجبيه سؤالا خبيثا بمجرد حركة , دون الحاجة للكلام
الآن غابت ابتسامتها وهي تقول بصوتٍ حاقد
- كان علي أن أعرف أن مثلك لن يتغير مطلقا , وأنك ستنتهز أي فرصة لتنال مرادك
استمر يراقبها مبتسما متراجعا في مقعده ينظر إليها ساخرا بينما هزت رأسها نفيا وهي تقول ببرود
- لا لن أصرخ , لن أنفعل لن أمنحك هذا الرضا الذي تتمناه وأنا أنهار غضبا أمامك
أجاب ساخرا بهدوء
- خسارة ففكرة ضربك بخرطوم الماء مجددا كانت لتسعدني بعد هذا اليوم الطويل
اشتدت شفتاها أكثر في خطٍ جاف بينما لمعت عيناها بنيرانٍ محببة الى نفسه , فأضاف يزيد الجرعة ببطء وهو يحدق في عينيها ببرود
- لكن هذه المرة سيكون الخرطوم نفسه أكثر تأثيرا دون الحاجة للماء
الآن بدأت تفقد أعصابها جراء عبارته المهينة , فقد زادت سرعة تنفسها بحدة , حتى استطاعت أذناه إلتقاط هدير أنفاسها العالي المرتعش فصرخت بعنف وهي تهجم عليه بمخالبها
- أيها الحيوان
لتقبض على قميص و عنقه بأظافرها في انفعالٍ عشوائي أدى الى تمزق جيب هذا القميص قبل أن يستقيم في جلسته ليقبض على معصميها بكفين من حديد , الا أنها ظلت تحاول نفض قبضتيه عن معصميها بكل قوتها و كأنما تحاول إبعاد سلاسل من الصلب أثقل منها وزنا , تشل حركتها وترهق أنفاسها فصرخت مجددا
- أترك معصمي أيها المتعصب المجنون المتعجرف ال
قاطعها قاسم هادرا بصرامة يسألها
- لتهدئي أولا كي يتمكن عقلك الغبي من الاستيعاب
لكنها لم تهدأ و لم تحاول الاستيعاب أو مجرد التنازل بالتفكير , بل تطاولت عليه بركبتيها تحاول ضربه بكل قوتها
فما كان منه إلا أن لف خصرها بذراعه وشدها إليه بقوة حتى أسقطها جالسة فوق ركبتيه !
شعرت درة بالعجز تماما و هي تحدق فيه مصدومة بعينين واسعتين وفم فاغر بينما بات وجهه على قربٍ شديد من وجهها , يكاد أن يلامسه وأنفاسه الساخنة تداعب بشرتها بموجاتٍ متتابعة , للحظة واحدة قبل أن تعاود مقاومته بكل جنون كي تتحرر من بين ذراعيه , بينما شدد عليها أكثر , ليكبل قوتها الجامحة دون أن يوقف حركتها العنيفة , فأغمض عينيه ببطء وهو يغمر وجهه بين خصلات شعرها
كانت تهتف بجنون ولم تدرك أن إحدى كفيه ارتفعت لتجذب ربطة شعرها ببطء على امتداده فأنسدل ليخفي وجهه بين أستاره لتتجرأ تلك الأصابع و تمشطه بحركةٍ خفيفة بطيئة تتناغم مع تنهيدته
لم تشعر بكل تلك الحركات الخفية , بل كل ما كانت تشعر به هو عجزها الكامل وهو يكبلها فوق ركبتيه
كتفها ملتصق بصدره , ووجه شديد القرب من رأسها
وهي تتلوى كان ثوبها يرتفع فوق ركبتيها فتنظر عينيه الى بشرتها دون أن يستطيع منع نفسه وضحكةٍ خافتة تخرج من بين شفتيه وهو يزيد من ضمها إليه , فما كان منها الا أن ضربت فكه بقبضتها وهي تصرخ فيه بعنف قاتل
- توقف عن النظر إلي واتركني
زم قاسم شفتيه وهو يضغط أسنانه مغمضًا عينيه للحظة قبل أن يفتحهما ليترك خصرها لكن ليس ليحررها بل قبض على كتفيها بقوةٍ وهو يديرها إليه وهي لا تزال جالسة فوق ركبتيه كطفلة صغيرة ثم هزها بقوة هادرا في وجهها
- هلا هدأتِ الآن ؟
سكنت للحظة وهي تواجه ملامحه القاسية ثم همست مشددة على كل حرفٍ خرج من بين أسنانها بغضب يستعر في عينيها
- اتركني حالا
للحظةٍ واجه كلا منهما الآخر قبل أن يقول ببرودٍ مستفز
- سأتركك , لكن لو تجرأتِ على مد يديكِ مجددا فلا تلومي إلا نفسك على ردة فعلي
أخفضت عينيها الى جلستها المهينة ثم رفعتهما إلى عينيه وبصقت الكلمات في وجهه
- أكثر من هذا
التوت ابتسامته بطريقةٍ خبيثة وهو يجيب بصوتٍ خفيض
- أكثر بكثير أخطر بكثير
ارتعشت قليلا , فلم تتمالك نفسها الا وهي تقاومه من جديد صارخة و هي تضرب قدمه بحذائها , لكن حذائه الثقيل نجح في حماية قدمه فرفع يده و قبض على ذقنها ووجنتيها يرفع وجهها إليه وهزها قائلا من بين أسنانه هادرا
- درة أنا أفقد أعصابي و سيطرتي على نفسي صدقا
تحرك حلقها و هي تستشعر خطورة موقفهما وهذا الوضع المتجاوز بينهما فهتفت بصوتٍ مرتعش رغم الغضب فيه
- اتركني يا قاسم , إكراما لرحمة والدك ما تفعله لا يجوز
نظرات عينيه إلى عينيه جعلتها تسبل جفنيها وهي ترتجف لتشعر بنفسها في اللحظة التالية حرة من كفيه واحتاجت للحظة أخرى كي تتمالك نفسها وتقفز عن ركبتيه مبتعدا الى أحد الزوايا البعيدة توليه ظهرها وهي تكتف ذراعيها بقوة محاولة تهدئة هذا الارتعاش المفاجئ
الصمت خلفها كان يزيد خوفها من ان يقدم على أي تصرف مفاجئ من خلفها أو يعاود الهجوم عليها
إثر هذا التصور , اندفعت فجأة تدور حول نفسها تحدق فيه بخوفٍ حقيقيالا أنه كان لا يزال في نفس مقعده مرتاحا , مستندا للخلف , يمد ساقيه أمامه وهو يحدق فيها بصمت ثم ابتسم بسخرية وهو يرى دورانها المفاجئ المنتفض وكأنما استطاع قراءة أفكارها فأشاحت بوجهها و هي تفك ذراعيها بتوتر
حينها سأل قاسم بنبرة باردة
- هل أنتِ مستعدة الآن للنقاش بهدوء ؟
رمقته بنظرةٍ مهينة وهي لا تزال تتنفس بسرعة وغير ثبات , ثم رفعت وجهها وقالت بنبرة كارهة جليدية
- لست مضطرة للنقاش ما كان علي انتظارك وأنا أظن بغبائي أنني أسديك خدمة
لم تتوقع أن ينتفض قافزا واقفا من مكانه كفهدٍ اتخذ قراره بالهجوم على فريسته , فتراجعت بسرعة مجفلة , الا أنه وقف في منتصف المسافة بينهما هادرا بذهولٍ ساخر , خشن وغير مصدق
- تسديني خدمة ؟!
ابتلعت ريقها وتمالكت كل المتبقي من شجاعتها وهي تهتف بتوتر
- أنت قلت أنك تهتم لما يُقال عنك في البلدة وأن هروبي أساء الى كرامتك و خاصة بعد عودتي و بقائي في بيت الحاج رحيم أنا ما انتظرتك الا لأعطيك الفرصة كي تبرر ما تريد تبريره أمامهم , أما عني , فأنا لا أهتم بسمعتي أمامهم ولو بمثقال ذرة
ضاقت عيناه وهو يقترب منها ببطء , فتبتعد عنه , تدور حول المكان و كأنما هي طفل خائف رغم تظاهرها بالشجاعة فعاد ليقف مكانه , ثم قال ببرود قاتم
- عرفتك وقحة أنانية من حداثة سنك لكن هذه الدرجة من الوقاحة لم ترى عيني من قبل
شعرت بالإهانة تصفعها بقوة الا أنها لم تظهر له شيئا وهي تبتسم ردا قائلة ببرود
- ها أنت رأيت والآن يمكنك أن تعد إليهم وتخبرهم أن هذه الخطبة التي عرضتها شاكرا كي تحفظ بها سمعتي ما هي الا رغبة قديمة سعيت جاهدا لتحقيقها ولم توفق وحتى هذه اللحظة أنا أرفض الزواج منك سلام
حاولت المرور بجواره كي تتجاوزه الا أنه اعترض طريقها فتوقفت ورفعت وجهها الى عنقه فقط قائلة بقسوة
- ابتعد عن طريقي يا قاسم
ظل صامتا للحظة , ثم قال أخيرا بصوتٍ قاتم جليدي
- اسمعيني جيدا , الوضع متأزم جدا فأخيكِ لم يدخر وسعا في إشعال الوضع وقد جمع عددا من كبار البلدة ليحكمهم بالطبع ليس بسبب نخوة مفاجئة ظهرت لديه لا سمح الله , وإنما ما أن عرف و عرف الجميع بعودتك ووجودك هنا , لم يكن لديه الا الصراخ عاليا بالقول والفعل كي يحفظ ماء وجهه , فلو صمت لأكل أهل البلدة وجهه كما يقولون
نطقت آخر م فكرت فيه وقالت بهدوء باهت بارد
- لا أهتم
هدر في وجهها بقسوة وهو يضرب صدره بقبضته المضمومة
- أنا أهتم . أهتم باسم الحاج رحيم رحمه الله
نظرت الى عينيه وسألت بقسوة
- و هل أنا من ستسيئ لاسمه رحمه الله ؟! لم أكن زوجتك يا قاسم , مجرد فتاة وهربت منك قبل الزفاف , لا شيء يسيء الى اسم والدك يمكنك العودة إليهم وإخبارهم أنك طردتني و لتنهي الأمر
استدار عنها ببطء وهو يوليها ظهره , فاردا كتفيه كالنسر ثم سمعت صوته يردد بسخرية و بنبرةٍ خاوية
- مجرد فتاة هربت مني قبل الزفاف
حدقت في ظهره طويلا بصمت , لتجد نفسها تسأله بتحدٍ يماثل سخريته مكررة سؤالا قديما
- هل أحببتني يوما ؟!
كانت نبرة الاستهزاء في سؤالها واضحة لتنكر أي محاولة منه لادعاء الألم و الغدر من جهتها , الا أن فضولا حقيقيا استولى عليها لسماع الجواب منه , و بالفعل استدار اليها لينظر الى عينيها نظرة سوداء عميقة جعلتها ترتعد
لكنه حين تكلم رد بصوتٍ ساخر هادئ
- لقد ولى زمن الحب يا درة
رفعت أحد حاجبيها وهي تحدق فيه متسائلة بصمت ثم سألته بنفس النبرة المستهينة
- منذ متى ؟!
ضيق عينيه وهو يحدق في عينيها بنظرة جعلتها تخرس تماما , ثم رفع رأسه وهو يفكر مرددا بخفوت
- منذ متى ؟! يا له من سؤال صعب الحصول على جوابٍ شافٍ له سألته لنفسي مرارا , ترى هل فقدت حبي لكِ في تلك اللحظة التي تأكدت فيها من هروبك قبل زفافنا ؟! أم في اللحظة التي قرأت خطك فوق اعترافك بسرقتي ؟! هل كان هذا حين التقطت خاتم خطبتك الذي وضعته في إصبعك من القمامة ؟! .... أم حين أطلت البحث عنك دون يأسٍ كي أجد لكِ أي مبرر لما فعلتِ ثم اكتشفت أنكِ تزوجتِ من آخر !! أتراها تلك اللحظة التي كنتِ فيها على استعدادٍ للمشاركة مع امرأة أخرى في الحصول على زوجٍ لينفق عليكما و صرحتِ بذلك علنا أمام العالم ؟! أم
صمت للحظة ثم حدق في عينيها الغائمتين بتعبيرٍ جعلها تنتفض داخليا قبل أن يتابع بصوتٍ قاسٍ باهت
- أم في اللحظة التي قبلتِ فيها من آخر رد ما سرقتِ مني ليتباهى وهو يمد لي بشيكٍ مصرفي و على جانبيه امرأتين أنتِ إحداهما
أخفضت درة جفنيها بملامح جامدة , رافضة التأثر ربما في داخلها تدرك ما قاله تماما , لكنها لن تسمح له بأن يتلاعب على هذا الوتر لن تسمح
فسألت بنبرةٍ باهتة مشككة
- اذن أحببتني يوما .
لم تكن واثقا إن كان سؤالك أم إقرار واقع أم تشكيك صريح كل ما تعرفه أنها كانت في إنتظار الجواب بشدة دون سبب واضح
وحين تكلم , قال بنبرة عميقة ناظرة في عينيها
- أكثر مما أحببت أحدا في حياتي
فغرت فمها قليلا , ثم ابتلعت ريقها وهي تواجه عينيه بعينيها
الوغد اللعين
لقد اختار أكثر أوقاتها ضعفا وهشاشة داخلية فهي لا تزال تعاني أثر المحنة الأخيرة التي خرجت منها صفعات .صفعات وانتهاك من أكثر من عرفتهم ضعفا حتى أنها وافقت الزواج منه لضعفه تحديدا
انتفضت فجأة من شرودها على صوته وهو يقول متابعا ببرودٍ ولا مبالاة و كأنه شخص آخر يتكلم بعمليةٍ بسيطة
- لكن كل هذا انتهى وما عرضت الخطبة منذ قليل , الا تبرئة لسمعتك فلو كان ما قيل عنك منذ سنواتٍ صحيحا , لما قبل قاسم رحيم الزواج منك الآن
كانت تحاول جاهدة الخروج من شرنقة الجملة العاطفية التي كانت على ما يبدو في حاجة لسماعها في هذه الفترة من حياتها هذه الأيام تحديدا
كي تستوعب تغيره الكامل وتحوله الى هذا الشخص البارد الذي يحاول حماية سمعتها
وما أن تمالكت نفسها للحظات حتى ردت بجمود
- أخبرتك أنني لا أهتم هل تعني أن خطبتك تلك لم تكن الا عرضا مزيفا ؟!
هز كتفيه وهو يفتح كفيه ناظرا الى وجهها مجيبا ببساطة
- بالطبع هل ظننتِ غير ذلك ؟! هناك حدود لاحتمال الرجل يا درة وأنا لا أساعدك الآن الا بدافع العشرة فقط وإكراما لاسم والدي
أومأت برأسها نصف إيماءة , شاعرة بالضآلة ثم استجمعت كل طاقات القوة لديها لتبتسم ببرود قائلة
- حسنا اذن أشكرك على محاولتك , لكنني أرفضها وكي أحميك من شبهة وجودي في بيتك سأغادر تاركة لك مهمة تراجعك عن الخطبة أمامهم , ففي النهاية أنت من تهور دون أن تسألني رأيي
نظر إليها طويلا نظرة رأت فيها شيئا من لازدراء ربما , لكن ملامح وجهه كانت عادية وهو يمط شفتيه دون اهتمام ثم مد يده الى باب البيت قائلا ببساطة
- تفضلي اذهبي لن أمنعك
تحركت خطوة بتردد , الا أنها توقفت ونظرت الى ساعة الحائط ثم إلتفتت إليه سائلة بنبرة مقتضبة
- الآن ؟!
رفع حاجبيه وهو يجيب بتهذيب
- نعم الآن لن أؤخرك أكثر واتركي لي أمر التنظيف خلفك كما اعتدتِ
زمت شفتيها و هي تحاول التفكير بسرعة , ثم هتفت باستياء
- أنت بالفعل أخرتني حين طلبت مني انتظارك كيف سأغادر الآن في مثل هذه الساعة على الطريق وحدي ؟!
ضرب قاسم كفا على كف وهو يرفع رأسه مخاطبا السقف قبل أن ينظر إليها هاتفا
- لا حول ولا قوة الا بالله ما هو المطلوب مني بالضبط يا بنت الناس ؟!
سألته بنبرة خافتة , متجهمة الملامح
- هل يمكنك أن تقلني الى شقتي ؟
رد بصوتٍ قاطع دون أن تتحرك عضلة في ملامحه
- سأقلك إن أردتِ بعد فترة و أتركك تتابعين حياتك كما تشائين يا درة لكن طلبي منكِ الآن هو أن تقبلي بتلك الخطبة مؤقتا إن لم تهتمي لسمعتك , فعلى الأقل افعلي لأجلي شيء ولو مرة واحدة
رفعت حاجبها و هي تسأله بتحدٍ مستفز كاره
- ها أنت تطلب مني أن أسديك خدمة !! أم ستنكر فيما بعد ؟!
مالت ابتسامتها وهو يداعبها بعينيه حتى عاد وجهها للتورد من وقاحة نظراته
وحين انتصر عليها فأخفضت عينيها رغما عنها بحياءٍ وحنق تنازل و أجاب بهدوء
- نعم أطلب منكِ إسدائي خدمة يا درة ولن أنكر فيما بعد
نظرت إليه بطرفِ عينيها ثم سألته بتكبر
- وما الذي سأستفيده من هذه الخدمة ؟!
رفع حاجبيه بدهشةٍ وهو يسألها
- أتطلبين ثمنا لقبولك ؟!
لم ترى أن ابتسامته غابت وحل في عينيه تعبيرٍ غامض , داكن العمق
مرت بضعة لحظات قليلة قبل أن تسمعه يضيف بهيمنة
- الثمن الذي أقدمه لكِ هو تنازلي عما سرقتهِ مني يمكنك اعتبار الأمر منتهيا على الأقل بينك وبين ضميرك إن كان يؤرقك سأسامحك وأتنازل عنه و أعتبره تعويضا عما لاقيتهِ من ضرر مني .
نظرت اليه بدهشة غير مصدقة مدى عنجهيته و صلف عروضه !!
فقالت مرددة ببرود
- هذا هو الثمن الذي تعرضه ؟! حقا ؟!
أجابها قاسم بصوتٍ بارد يحمل رنة ازدراء
- يا لكِ من مساومة يا درة ! للأسف لا أملك ما أقدمه لكِ أكثر فقيمة الخدمة ليست ضخمة , مجرد بضعة أيام من خطبة وهمية أمام الجميع ننقذ بها سمعتك وكرامتي ليس بالكثير ويمكنك اعتبارها فترة نقاهة مما أصابك لا أظنك قادرة على الخروج للبحث عن عمل بعد اهدئي لفترة في بلدتك وبين أهلك ثم حلقي بعيدا كما تحبين
الخروج للبحث عن عملٍ الآن لهو أكثر الأمور الشاقة التي لا تعرف كيف تقوم بها حاليا هي بالفعل مرهقة حد الرغبة في السقوط وافتراش الأرض نوما لأيام طويلة دون قلق أو خوف أو تفكير في المال والفواتير
ظلت صامتة فتابع دون أن يترك لها فرصة التردد
- كما أنني لا أضمن خروجك من هنا سليمة الآن
عقدت حاجبيها بشدة وهي تسأله هاتفة بتحفزٍ غاضب مسيئة فهمه
- ماذا تقصد , هل تهددني ؟!! هل تجرؤ ؟!!
ارتفع صوت قاسم بسيطرة دون أن يتحرك من جلسته
- افهمي يا غبية واستخدمي عقلك لمرة قبل لسانك أنتِ لم تري مروان في هذا الاجتماع منذ قليل , لقد بدا كالمجنون أمام الجميع وهو يهدد ويتوعد أن ينال منكِ وما هذا كله الا مجرد عرض للحفاظ على ماء وجهه أمام الجميع وأقسم أن يقتلك و يريق دمك
ضحكت ضحكة عالية ساخرة , مستهزئة وأومأ قاسم قائلا بابتسامة محتقرة
- بالطبع لن يفعل هو أجبن من أن يفعل , لكنه على الأقل لن يتوانى عن ضربك بشدة إن تربص بكِ ففي المرة الأولى منذ سنوات , وفر له السفر حجة التهرب من مسؤوليتك ومسؤولية هربك أما بعودته , فلن يستطيع رفع رأسه بين الجميع هنا إن لم فعل بكِ شيئا
ردت بقسوة وعنف
- فليحاول فقط , وأنا س .
قاطعها بحنقٍ هادرا فجأة مما جعلها تجفل منتفضة وتصمت
- بالله عليك اصمتي عن هذا التبجح الذي يدعوا للسخرية لقد ضربتِ مرتين خلال يومين وأنا لن أكون متواجدا في كل لحظة لأدافع عنكِ
نهض واقفا وهو يقترب منها فتحفزت تلقائيا لكنه هتف مجددا باستياء
- أعرف ما تريدين قوله أعيدك الى شقتك في منتصف الليل وننهي الأمر , لكن هل نسيتِ القذر طليقك الذي لا نعرف مكانه حتى الآن ؟! قد يقدم على أي عمل مجنون آخر وبالمناسبة لقد حرر محضرا ضدك بالتعدي عليه و إصابته إصابة خطيرة و لديه تقرير طبي لقد أخبرني جارك باستدعاءٍ وصلك لذا ما أن تعودي حتى تتوجهي الى قسم الشرطة كي يتم التحقيق في الأمر
فغرت درة فمها بعدم تصديق ثم هتفت بصدمة وإحساس بالظلم و هي تمس الجرح في مؤخرة رأسها
- لدي جرح في رأسي لدي إصابات في كل جسدي لقد هاجمني و اعتدى علي !! .
فتح قاسم كفيه وهو يقول بغضب من بين أسنانه
- وأنتِ ضربته على رأسه و أصبح الأمر شجار تطور الى تشابك عنيف و سينتهي بمحاولة إقناعكما بحل الموضوع وديا هل لديكِ قدرة الآن لمواجهة هذا ؟!
أخفضت عينيها وقد شحب وجهها تماما , تهز رأسها نفيا ببطء ثم رفعت يدها الى جبهتها بتعب
أما قاسم فكان قد اقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة , ثم تكلم بصوتٍ دافئ مفاجئ
- ابقي هنا لفترة يا درة أنتِ في حاجة لهذا , وبقائك لن يكون الا بخطبتنا أمام الجميع
رفعت وجهها الشاحب إليه مجددا لم تستطع قراءة تعابير وجهه التي لا تنم عن شيء مطلقا وطالت بها الحيرة , حتى سألت أخيرا جاعلة فضولها هو السلاح الأخير
- هل سترضى صديقتك عن تدبيرٍ كهذا ؟!
عقد حاجبيه وهو يسألها بخشونة
- صديقتي ؟! عمن تتحدثين ؟!
فتحت فمها و هي تنظر إليه للحظة , ثم أجابت بحذر ساخرة
- سمعتك تتحدث معها عبر الهاتف على ما أظن فهل أنت مرتبط الآن بتعيسة حظٍ أوقعها بطريقك ؟!
ضاقت عيناه لفترة وهو ينظر الى عينيها , ثم أجاب بعد فترة طويلة بنبرة غريبة دون إنكار
- كيف لرجلٍ في مثل عمري أن يبقى دون ارتباطاتٍ كل هذه الفترة ؟! ثم أنها ليست في وضعٍ يسمح لها بالموافقة أو الاعتراض
ارتفع حاجباها وهي تسبل جفنيها ترد بسخرية
آآآه
سألها بنبرةٍ مختصرة وهو يقترب منها خطوة أخرى
- ماذا تعني تلك ال آآآه
هزت كتفها وهي تقول مبتسمة
- لا شيء تذكرت فقط الحاج رحيم رحمه الله , ما كان ليرضى بهذا الحال , و كنت دائما تخاف منه
لم يرد بل ظل صامتا طويلا وهو ينظر إليها بطريقته الغريبة , و هي تبادله النظر مبتسمة بطريقةٍ مستفزة حتى قال أخيرا مبتسما بهدوء
- رحمه الله معكِ حق , ما كان ليعجبه الحال لكنه على كل حال لم يعد موجودا الآن لأخاف منه
ردت ضاحكةٍ باستنكار
- خاف ربك !! .
عاد الصمت المخيف ليسود بينهما , ثم سألها أخيرا مبتسما بهدوء بينما عيناه كلوحين من الزجاج
- الا ترين أنكِ تتدخلين في حياتي الخاصة أكثر مما تسمح به خطبتنا المزعومة ؟!
قالت ببطء وهي تستدير عنه
- لم أوافق بعد .
شعرت بيديه تمسكان بكتفيها فجأة , لكن بقبضتين دافئتين , لا تحملان أي عنف ثم همس صوته يقول بإقناع
- اقبلي يا درة وإن لم ترتاحي , غادري ببساطة
ابتلعت ريقها وهي ترفع أصابعها لتبعد شعرها بقلق عن وجهها وهمست بجمود
- لا أعرف لا أظنه تصرف سليم , لم يسفر الخداع أبدا الا عن زيادة تأزم الأمور
اقترب منها أكثر وازداد ضغض أصابعه فوق كتفيها النحيلين ليقول بصوتٍ هادئ
- معكِ حق لم يسفر الخداع إلا عن زيادة تأزم الأمور لكن نحن مضطرين
بدت أكثر إرهاقا من المقاومة أكثر أو التفكير في محاولة الخروج وحدها الى العالم في هذه الفترة فهمست بصوتٍ خافت مختصر ومتأزم
- حسنا موافقة
لم تره لم تره يغمض عينيه لم تره يبتسم لم تره يتنهد تنهيدة طويلة فقط شعرت بنسيم دافىء يداعب خصلات شعرها بالقرب من عنقها مما جعلها تنتبه إلى إمساكه بها فتململت كي يبعد يديه عن كتفيها , و بالفعل سارع بإبعادهما فاستدارت إليه بتوتر وهي تتساءل إن كانت قد واقفت فعلا للتو على هذا التصرف الأحمق عوضا عن الهرب منه بأقصى ما تستطيع