الفصل العاشر

الفصل العاشر
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم

كانتا في طريقهما باتجاه كافيتريا الجامعة، لكنهما توقفا إثر حديث هذه الفتاة التي كانت تقف أمامهما، تضم ساعديها إلى صدرها، من يراها يجذم أنها ستفتعل شجارا لا مناص منه، لكنهما ظلا يسيران ولم يعيرها أدنى انتباه، لكنهما صدمتا عندما تقدمت منهما هذه الفتاة المدعوة "جنى" وقامت بسحب "رؤى" من ذراعها بعنف تجاهها، صدمة اجتاحتهم لم يتمكنوا من الحديث، لتبدأ هذه الفتاة ببث توبيخ ألقت بكافة اتهاماتها تجاه فتاة لم تفعل لها شيء سوى أنها تلتزم بدينها، وتحافظ على حجابها
جنى: انتي يا ست الشيخة. ابعدي عن طريقي أحسن لك، أنا حذرتك قبل كدة، وإلا قسما بالله لو حطيتك في دماغي هزعلك، وهخليكي تندمي
لم تستطع رؤى الرد عليها فقد كانت تحاول تحرير زراعها من قبضتها، فقد شعرت أن أظافرها قد غرزت داخل لحم يدها، لتتدارك هنا الوضع وتدفعها بشدة بعيدة عنها،
هنا: انتِ يا اسمك ايه انتِ ايه اللي انتِ بتعمليه ده، هي قربت لك ولا حتى جت ناحيتك، ايه ماشية تقولي شكل للبيع
تنظر لها بعنف موجهة حديثها لكلتاهما،
جنى: انتِ تطلعي مين يا بتاعة انتي كمان، إيه يا ست الشيخة مش قادرة تدافعي عن نفسك جايبة واحدة زيك تدافع عنك، ااه ما انتوا شكل بعض
هنا: الحمد لله اننا شكل بعض، بيقولوا الطيور على أشكالها تقع صح، ورؤى أي حد يتمني يكون شكلها، لأنها جميلة ومؤدبة، مبتمشيش تخانق في الناس وتقول شكل للبيع، انتِ....
في هذه اللحظة تنتبه ليد توضع على يدها تحسها على عدم إكمال الحديث الذي لا طائل منه
رؤى: كفاية يا هنا، مالوش لازمة الكلام ده، هي مقتنعة اني عدوة ليها وواخداني على المحمل ده، متتوقعيش انها تسمعك
أو تفهم إن مش كل الناس زي بعض، في مننا بينسى تعاليم دينه، وأخلاقه، وقيمه، وأسس الدين اللي كرمنا بيها عشان نفضل دايما قيمتنا عالية، تعرفي يا جنى انتِ صعبانة عليا، والله العظيم صعبانة عليا، لأن حاساكي بتحاولي تظهري حاجة عشان تداري بيها نقص عندك.
أنهت حديثها وغادرت من أمامها تمسد زراعها إثر الألم التي تشعر به ينتشر بزراعها، أما هي ظلت محلها لم تتحرك قيد أنملة كمن صب عليها مادة جعلتها كالصنم في سكونه، دموع ملئت عينيها لتشعر أنها أصبحت معرًاة أمام كلمات هذه الفتاة التي كانت دوما تجعلها موضع للسخرية

*******
في مكان آخر مظلم كليل خلى من قمر ينيره; رغم ضوء النهار إلا أن بع ظلمة طغت على ظلام الليل حتى في وضح النهار، أحاديث تخرج من أفواه ملأها الخبث، والشر، حتى صارت أسوأ من الشياطين في بخ سمومها في العقول، كانت غرفة مظلمة بها منضدة، وكرسيان فقط، ومصباح يتدلى في منتصف الغرفة متأرجحا كشخص على وشك تنفيذ حكم الإعدام فيه، تجلس من ظلمت الحية لتشبيهها بها، ليدخل عليها شخص من هيئته يبدوا كسليل الشيطان، ينحني أمامها بطريقة مقززة للنفس، ليبدأ بالحديث
......: تحت أمرك يا هانم
نهال: هاااه يا حودة عملت اللي طلبته منك؟
يومئ برأسه دليلا على الطاعة وإتمام مهمته كما ينبغي
حودة: اللي حضرتك أمرتي بيه تم يا هانم، ليشير بيده ناحية ركن ما، يظهر من خلاله امرأتان ضخام الأجسام، بوجوه ملأتها الندوب، من يراهم يكاد يجزم أنهم يأكلون لحوم البشر،
تنظر لهم نظرة متفحصة يسودها الرضا عن هيئتهم
نيهال : لا كويس المرة دي برافوا عليك، بس فهمتهم مهمتهم كويس وعرفتهم يعملوا ايه، المرة دي مش عاوزة ولا غلطة، وإلا هتكون نهايتك يا حودة سامع
حودة: لا المرة دي حضرتك اطمني اللي انتِ عوزاه هيتنفذ، وبعدين دول مش أي حد دول عندهم استعداد يكلوها صاحية طالما هيا خدوا اللي يكفيهم
تمد له يدها بورقة دون عليه مبلغا من المال يسد أفواههم
نيهال: خد المبلغ اللي هما طالبينه اهه، بس أنا عاوزة المهمة تتم بكرة بالكثير خالص، سامع
يمد يده بلهفة ملتقطا الورقة: تنام يا هانم اللي انتي عوزاه هيتم
نيهال: هااه انتي وهي عرفتوا هتعملوا معاها إيه ولا ده صعب عليكم
ترد إحداهما وكانت أشد غلظة من الأخرى: لا من النحية دي اطمني يا هانم ، اللي انتي عوزاه واللي اتفق عليه المعلم حودة معانا إنك عاوزة تموتيها من الضرب، وكمان وتحرميها من اللي شايلاه صح
نيهال: ومش بس كدة، أنا عوزاها مينفعش حتى تخلف تاني
ترد الأخرى بنظرة يتراقص بحدقتيها الشيطان: اطمني هيحصل يا ست، بس ده كله سهل، اللي مش سهل ازاي هندخل البيت اللي هي ساكنة فيه، خصوصا إن المعلم حودة بيقول انه عليه حراسة ومش أي حد يدخل هناك
نيهال : متقلقيش من الناحية دي أنا مضبطة كل حاجة، في واحد من الحراس اللي على البوابة هو اللي هيدخلك بنفسه، ودلوقتي اتفضلوا امشوا، وانت يا حودة كل حاجة تخلص بدل ما خلاصكم هيكون على إيدي
يغادرون جميعا وتبقى هي بمفردها تبتسم كشيطان رجيم، أصبح هوسها إيذاء فتاة ذنبها الوحيد أن زوج هذه الملعونة أحبها.
**************************

أما بداخل جدران الحرم الجامعي كانتا تجلسان بحوار بعضهما البعض بالمدرج الخاص بهم، كانوا ينتظرون دخول بدأ المحاضرة، لتبادر هنا بالحديث عندما رأت أنها لم تتحدث وغلب الصمت على الأجواء عقب ما حدث، تمد يدها بربتةٍ على يدها
هنا : رؤى مممن اعرف البنت دي بتتكلم معاك كدة ليه!
دي بتتخانق معاكِ زي ما تكوني عاملة فيها حاجة! ممكن تفهميني
تنظر إليها بنظرات بريئة، عيناها تجمع بهم الدمعات التي تهدد بالهطول،
رؤى : تصدقي أنا نفسي مش عارفة هي بتعمل معايا كدة ليه، أنا عمري ماكان ليا اختلاط بيها نهائي، أما هند كانت صحبتي وللأسف كنت بعزها جدا، ولما عرفت انها كانت بتكلم شاب أكبر مننا نصحتها، وحذرتها تبعد عنه عشان حرام، كل مرة كانت بتقول حاضر وترجع من تاني، لحد اليوم اللي لقيتها متفقة مع الولد ده انها تقابله وكمان اللي صدمني إنها جايباني مخصوص عشان صاحبه ده عاوز يكلمني، صدمة عمري ما كنت اتوقعها، انا قلت هي حرة لكن عاوزة ترميني في الوحل معاها لا، لنا روحت كلمت أبيه محمد وحكيت له، وقلت له اني شتمتهم وسيبتهم ومشيت، ومن يومها وانا قطعت علاقتي بيها
هنا : طيب جنى دي بتقولك كدة ليه!
رؤى : عشان الولد ده هو اللي هي بتقعد دايما معاه، وانا شاكة انها تكون بتحبه
هنا : طيب أنا مش فاهمة طالما انتي ملكيش علاقة بيهم ليه جات تقلك كدة!
ت
رؤى : مش عارفة والله، تهبط دموعها من محبسها، بس هو كان جه أول يوم في الدراسة بيديني الجدول لما لقاني مش عارفة اجيبه، بس أنا رفضت اخده منه
تنظر لها هنا نظرة شفقة فهي قد وصل إليها الأمر بأكمله، وعلمت سبب شجار هذه الفتاة، فالواضح أن هذا الشاب يكن لها شيء، وهذه الفتاة شعرت بهذا الأمر، لتربت على يدها مغيرة مجرى الحديث
هنا : خلاص يا رؤى انسي وانا معاكي خليها تفكر بس تقرب لك وانا اجبها من شعرها
بسمة بسيطة ظهرت على محياها: بلاش شعرها اصل تعضك يا هنا
هنا : أيوة كدة اضحكي، بس إيه رأيك فيا كنت جامدة، مان نفسي اتخانق
رؤى : شكلك بتحبي الخناق، كنت مستعدة الصراحة
هنا : اسمتي خليني الحق اتخانق يومين قبل أبيه سليم ما يرجع، هيعمل لي حظر، وكبت، الاثنين
رؤى: قولي لي بقى ايه اللي كان مخليكِ متغيرة كدة اول ما جيتي، معلش بقى اللي حصل قطع كلامنا
هنا: وقد عادت حالة التيه إليها بدرجة بسيطة، ليست كما في الصباح، ولكنها تريد إخراج ما في عقلها،
بصي يا رؤى أنا هحكي لك يمكن تساعديني افهم، أنا ليا ولاد عم مفقودين من زمان، مش عارفة بالضبط بس ده بسبب حادثة حصلت زمان واحنا صغيرين، أنا مش فاكرة أوي لأني كنت لسة صغيرة، بس بعدها كان بيتنا فيه حزن شديد يمكن لأنا مكنتش حاسة بدة، بس دلوقتي فهمت، بابا قرر يصفي كل حاجة لنا برة ويرجع مصر مخصوص عشان يدور عليهم، اللي عرفته أنه كان بيدور عليهم طول السنين اللي فاتت بس ملقاهمش، وكمان أهل ماما لتسرد لها ما سمعته ليلة أمس،
"كانت تستمع بصدمة لحديث والديها، فعقب دخولها غرفتها وجدت سطل المياه فارغ، أخذته حتى تملأه قبل خلودها للنوم لتستمع لحديث والديها الذي جعل القلق يتزايد داخلها، تعلم أن لها أبناء عم مفقودين منذ زمن لكنها لا تتذكره كثيرا فقد كانت صغيرة، لكن انفعال والدتها ورفضها مقابلة أخيها ووالديها هو ما جعل الخوف يتعاظم داخلها،
فاطمة : برده مفيش أي حاجة تدلنا وتوصلنا لهم يا مصطفى؟!

أنا خلاص مش قادرة استحمل أكثر من كدة عاوزة اطمن عليهم عائشين ولا ميتين عشان ارتاح من تأنيب الضمير اللي انا فيه، وبعدها تنساب بعض العبرات على خديها ،

يتجه إليها مربتا على ظهرها بحنية نابعة من قلبه،

مصطفى : والله يا فاطمة من وقت وصولنا وانا بدور عليهم وإن شاء الله ألاقيهم، في أمل وانا وراه ومش هسيبه إلا لما ألاقي ولاد أخويا وارجعهم لحضني من تاني، ثم يتابع بنبرة قلقة

-فاطمة حسن أخوكي كلمني وكان عاوز يشوفك هو ووالدك ووالدتك

صدمة انتابتها عقب سماعها ما أخبرها به زوجا، لتنظر له جاحظة العينين: إيه حسن اخويا !

وعرف اننا رجعنا مصر ازاي يا مصطفى ؟! انت كلمتهم ولا إيه!

مصطفى : لأ مكلمتوش خالص من وقت اللي حصل زمان، اللي عرفته إنه جاب نمرتي من على صفحة رجال الأعمال من على النت، لكن هو بيقولي إنهم ندموا وعوزين يجوا يطمئنوا علينا ، وكمان بيدورا على ولاد حنين هما كمان

فاطمة : إيه ليه بيدورا عليهم عشان يموتوهم ولا إيه، لأ المرة دي مش ها سمح لهم، ألاقيهم بس وانا هخبيهم من الدنيا بحالها"
بس هو ده اللي حصل
رؤى : ياااه ده الموضوع كبير أوي يا هنا، بس انتي ليه قلقانة ده كويس ان باباكي يدور على ولاد أخوه، اللي قالقك أهل والدتك !
هنا : مش عارفة سبب رفض ماما انها تقابلهم، بس في حاجة قلقاني ومخوفاني، تعرفي غنا سمعتهم مرة بيقولوا إنهم كانوا خطبني لابن عمي من واحنا صغيرين بس طبعا ده كلام فارغ
رؤى: ابتسامة خبيثة ظهرت على شفتيها، ااه قولي كدة بقى، انتي خائفة من حكاية مخطوبة لابن عمها دي
هنا : بس يا رؤى ده مش هيحصل
يقطع حديثهم دخول محاضر المادة، وبدأ المحاضرة

رأيكم يا جماعة وياترى ايه اللي هيحصل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي