الجزء الثاني عشر

راجع د. جاسم الهاتف مرة ثانية لربما غضبه يخفي عنه شيئًا لكنه لم يجد سوى رقم طيف ورسالة موجهة إليها محتواها "لقد رأيتك وأنتي تتسللين لغرفة درة ، وقمت بتصويرك وأنتي تضعين الورقة في يدها ، أعلم أيضًا أن هذه الحالة تخص د / جاسم حمدان وأعلم جيدًا قوانين هذه المشفى ، أرجو أن تستعدي لما هو قادم " ..
ذهب للمشفى ودخل مسرعًا لغرفة د. نجيب الألفي ويطلب منهم تفريغًا لكاميرات اليوم ولكن دون علم مهندس الإلكترونيات ..
سأله نجيب عن السبب فأخبره أنه وجد هذه الشريحة واقعة أرضًا وعندما قام بتشغيلها وجد هذه الرسالة مرسلة لطيف !!
قدر د.نجيب غضب جاسم فقام بتجميع الفيديوهات بنفسه ، شاهدها سويًا فعلموا أن هذه الشريحة تخص أحد من طاقم التمريض الخاص بغرفة درة
هنا تذكر جاسم أمرهم ، فقد كانوا موجودين في غرفته عندما وضعت طيف الورقة في يد درة وحينها طلب من أحدهم أن يجلب الورقة ، ولكن من أين جاءت له كل تلك الجرأة ليفعل أمرًا مثل هذا !!
رفع نجيب سماعة الهاتف وكاد أن يستجوب هذا الممرض ولكن جاسم أغلق الهاتف بسرعة فنظر له د. نجيب وسأله عما ينوي ؟
د. جاسم :- هل تعتقد أن جاسم سينتقم بهذه السهولة ؟
د. نجيب :- وكيف ستنتقم إذن ؟
د. جاسم :- سأكمل فعلته دون أن يعلم ..
هو الآن في صراع مع الأدرينالين ، لربما ينهي أحدهم حياة الآخر ، لقد تجرأ وأدخل نفسه في لعبةً مقتصرة على كبار السن وهو مازال يتلقى دروس الحياة ..
سأستخدم هذا الخط في تهديد طيف وسأعلن برائتها أمام الجميع فيحق لها حينها مقاضاة صاحب هذا الخط ..
اندهش نجيب لما يسمع ، فهل جاسم بهذا الشر ؟ أم أنه دهاءًا فريدًا !!
لاحظ نجيب أنه عندما يقترب الأمر من د. طيف علوان تتغير طبيعة جاسم التي أعتاد عليها ، يتحول لغول إذا فكر أحد في الإقتراب منها ، هو فقط المسموح له بأذيتها ..
فتح الهاتف وأرسل رسالة أخرى لها كتب فيها :-
" أرى أنكِ تريدين الحفاظ على مهنتك الجديدة ، ولكنك إن لم تتبعي أوامري فلن يحدث " ..
لم يكذب ظن جاسم فقد نجح في استفزازها بهذه الرسالة ، فهي لا تحب أن تتلقى أوامر من أحد فسرعان ما ردت عليه برسالة قصيرة :-
" إن تطلبت وظيفتي مني أن أخضع لأوامر سأتخلى عنها بصدر رحب" ..
ضحك جاسم من تسرعها وتصرفاتها الطفولية التي إن كانت مع غيره لكلفتها كثيرًا ، لكن لحسن حظها تمارسها مع الشخص الصحيح الذي يتوقع خطوتها التالية قبل أن تخطوها ..
أخرج جاسم الخط الجديد ووضعه في محفظته الخاصة وخرج تاركًا د.نجيب الألفي في ذهوله ..
كانت درة تتجول في الممر المواجه لغرفة د. جاسم فما إن رأته حتى جرت عليه وطلبت منه الجلوس على طاولتهم فوافق على الفور ، فهو يرى تحسنها الواضح فلا يريد أن يرفض لها طلبًا بعد أن استجابت لخطته وتخلت عن جزء كبير من مرضها ..
جلسا سويًا على الغرفة وطلبت درة قهوة د. جاسم المعتادة وطلبت لنفسها ثم وجهت كلامها لجاسم متسائلة :-
- هو أنت محبتش قبل كده ؟
استغرب جاسم سؤالها فهي لم تتطرق يومًا لسؤاله عن هذه الأمور ولكن لا مانع من أن يجاريها ..
= اشمعنا السؤال ده ؟
- عشان عمري ما سألتهولك !
= وإيه اللي خلاكي تسأليه دلوقتي ؟
- حاسة إني عاوزة أسأله ..
= مش عارف
- ازاي يعني !؟
= قوليلي إيه هو الحب وأقولك جربته قبل كده ولا لا !
- المفروض أني لما أسألك كده كانت تيجي في بالك صورة البنت اللي أنتَ بتحبها !
= فرضًا أن مجتش ، ساعديني شوية وقولي دليل تاني
- لما تحب حد هتلخص الدنيا كلها في وجوده ، مش هتعرف تحلم حلم من غيره ، هتبني حياتك الجاية كلها وهو جمبك ، هتفرح لما تشوفه ، قلبك هيقعد يدق كده كتير ، هتحس أنك متلخبط بس مبسوط ، مهما عمل فيك هتعديله ، هتشوف نفسك بعينه ، هتطمن وأنت جمبه ، يومك هيكون ناقص من غيره ، كلامك هيبقى ملخبط ومش مترتب ..
= طب رتبي كلامك وقوليه مرة واحدة ..
شعرت درة بالإحراج فربما لاحظ جاسم توترها وإرتباكها ولكنها نظرت لعينه فشعرت ببعض من الأمان فاستجمعت قواها ثانيةً ثم قالت :-
- لما متعرفش تشرح بتحب ليه ، أتأكد أنك حبيت ..
قالت جملتها وقامت مسرعة فوقعت ورقة مطوية من حافظتها فأخذها جاسم في خفة ، فقد علمها منذ عدة شهور أنها عندما تريد قول شيئًا ما ولا تقوى على ذلك تقوم بكتابته وتحتفظ بيه لحين استطاعتها بنطقه أو بتخليها عنه ..
قام ليجد طيف أمامه ويظهر عليها القلق المختلط بكثير من عنادها الذي يعشق هزيمته فألقى عليها التحية فردت ببرود ولكنه لم يستسلم فقال لها :-
- ألستِ سعيدة بترقية أمس ؟
= بلا
- ماذا بكِ؟
= وما شأنك أنتَ !!
- يبدو أن تواضعي معكِ جعلك تنسين من تكوني !
= تواضعك !!
- بالطبع
= هل توجد هذه الكلمة في قاموسك ؟
- ما رأيك أنتِ ؟
= رأيي معتاد ، أنك متعجرف ، مغرور ، لا ترى سوى نفسك ، لا تسير إلا وراء أفكارك ، تتلذذ بتقليل شأن الأخرين مع العلم أن منهم من يتخطاك علمًا ..
كاد أن يعنفها أو يصفعها على فمها الذي يخرج سمًا لكنه حزن أن تكون هذه الفكرة التي في ذهنها عنه ، ولكن سرعان ما تمكن منه غروره فقال لها في تكبر :-
- ربما لأنك أقل مني شأنًا فتظنين ذلك.
تجمعت الدموع في عين طيف إثر هذه الجملة ورحلت مسرعة دون أن تتفوه بكلمة ..
شعر بالحزن لما فعله ، لكنها هي من قامت باستفزازه ، هي من قللت منه ! لا تعطيه فرصة للكلام ، هي من لا ترى إلا نفسها ، تريد إثبات ذاتها وتنسى أن هناك من يسبقها ..
بعدما ترك جاسم طيف فكر في كلام درة فهو لم يشعر بتلك المشاعر التي تحدثت عنها ولكنها عندما قالت ستظهر صورة حبيبتك في بالك لم يرى حينها سوى طيف !!
قرر جاسم أن يفتح الورقة الخاصة بدرة ليقرأ ما بها :-
"أخشى عليكَ من فتاةٍ أوهمتك الحب وأنا التي أعطيته صادقًا لكَ بلا مقابل ، فتاةً لا تتذكرك في صلاتها بينما كنت أبكي ساجدةً طالبة إياك في الثلث الأخير ، أخشى عليكَ من قلبٍ لا يضطرب عند رؤياك وأنا التي أخضعت قلبي لسلطانكَ ، أخشى عليكَ من عينٍ لا تلمع بلقائكَ وأنا التي أبكي عند رحيلكَ ، أخشى عليكَ من زوجةٍ تقليدية تراكَ زوجها وأنا التي رأيت العالم بكَ وفيكَ ، أخشى عليكَ من إنجاب أبناءًا لم يرثوا حب أمهم لكَ وأنا التي رأيتك طفلي ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا تعلم أنك تحب ذاك الطعام وهذا الشراب ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا تنتبه لتفاصيلكَ وأنا التي أسهر من أجلها ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا تعلم كيف تهدئ من غضبك لا تعي كلماتكَ وأنا التي أقابل قسوة مرادفاتكَ بلين ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا تسكن روعك وأنا التي أحتضنك بنظراتي ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا تعشق المفاجآت بالقدر ذاته ، أخشى عليكَ من حياةٍ روتينية تُشعرك بالكبت ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا ترتجف يداها عند ملامسة يدكَ بالخطأ ، أخشى عليكَ من فتاةٍ تطلب الاِنفصال وأنا التي انفصلت روحها عنها بغيابكَ ، أخشى عليكَ من فتاةٍ تجهل أشياءًا لم تخبرني بها أنتَ لربما لأنكَ لم تعرف نفسك مثلما فعلت ، أخشى عليكَ من فتاةٍ تجادلك وأنا التي تنصت لأوامركَ ، أخشى عليكَ من فتاةٍ لا تفهم غيرتك وتنعتك بالمتحكم وأنا التي كنت أنفذها بلا نقاش ، أخشى أن تكون هي التي على صواب ، أخشى ألا يكون لي حق الخَشْي عليكَ." ..

_ جيهان سيد ♥️
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي