الفصل الحادي و الخمسون

ناظرتها بفخر سعيدة بها فقد تمكنت من ضعفها وتجاوزته رغم أن العاصفة كانت هوجاء لكنها استطاعت أن تتجاوزها متسلحة بالإيمان، أيقنت أن لا سبيل للخلاص إلا بمواجهة خوفها، صحيح أخطأت مرة لكنها لم تستسلم وحين جربت الثانية أصابت.
ربتت ريحان على كتفها فناظرتها سونا مبتسمة لتردف هي قائلة:
حسنا حبيبتي سنذهب أين تشائين المهم أن ترتاحي
ردت سونا:
لن أكون أحسن من هذه اللحظة صدقيني، الآن فقط أستطيع أن أبتسم دون خجل وأستطيع أن أقول لكل الكون أنني رغم شللي لست ضعيفة، وأستطيع أن أتنفس بحرية دون أن تخنقني يد الحزن.
ابتسمت ريحان وتنفست براحة فقد أحست فعلا بها فهي أكثر شخص يمكنه أن يحس بسونا ليس لأن قصتهما متسابهة فقط، كذلك لأنها أختها قطعة من روحها.
تحركتا أخيرا نحو السيارة، في هذه الأثناء خرج كنان بخطى متثاقلة من الكافيه يحمل هاتفه بيده يتحدث مع سكرتيرة والده ليطلب منها أن تحجز له طائرة إلى لندن بعد يومين لا اكثر، لقد قرر السفر دون تفكير أو تردد فوجوده هناك لم يعد له أي داع، جاء بكسرته وعاد بكسرته، استسلم وأيقن أنها لن تغفر له ذنبه مهما سعى إلى ذلك، ذلك الذنب الذي لن يفارقه مهما هرب منه حتى لو دخل إلى جوف الأرض أو بلغ عنان السماء سيظل يلاحقه
شغل سفر السيارة ليقع اختيار سونا على أحد الحدائق داخل المدينة.
تحدث سفر قائلا:
قد نتأخر قليلا بسبب زحمة المرور.
تحدثت ريحان قائلة:
لا بأس سفر نستمتع بالطريق ليس وراءنا شيء.
كانت كلا منهما في واد غير الأخرى، فريحان اختطفتها ذكرى الماضي وجالت بها عند مراسي الأحزان، للحظة انقبض قلبها ولكن سرعان ما استعادت يقينها بأنه ماض وولي عهده ولن يعود مهما حصل، أما سونا فكانت تقارن بين حالتها في الماضي ووضعها الآن، كانت ضعيفة واضحت قوية، كانت جبانة وفجأة اكتسبت القوة لتقف بوجهه وترد له الصاع صاعين حين عزمت علي ألا تسامحه، كانتا تفكران بحياتهما ولكن المشترك بينهما الآن أن كلتاهما تذوقتا كأس الشجاعة والمواجهة فأشرقت حياتهما وتبدلت أحوالهما من الظلمة الي الضياء ومن الحزن الي الهناء ومن البكاء الي جُل الابتسام.
وصلتا بعد فترة وجلسنتا هناك على أحد الكراسي، كانت كل واحدة صامتة تنظر للمكان والمارة، لم تستطع ريحان حينها أن تتلفظ بشيء فقط تركت سونا على راحتها تنتظر أن تتحدث وتخرج ما تبقى من الشوائب التي تنخر في زاوية فرحها.
مرت دقائق من الصمت سكنت الحروف في الحلق فلا يسمعان إلا الجلبة التي حولهما، لكن هل ستبقى هكذا؟
تحدثت سونا أخيرا وأسمعت صوتها لنفسها وريحان وللعالم اجمع وقالت كل ما يجب أن يقال، وبكت وتألمت وغصت ثم سكتت ثم شهقت ثم عادت وتحدثت، أخرجت كل ما حملته بداخلها من وجع خلال تلك السنتين بأيامها ولياليها الطويلة التي كانت ما تكاد تنتهى حتى تنهيها، نعم تحررت سونا الرقيقة أخيرا ورمت كل شيء للبعيد إلى تلك العاصفة التي تجاوزتها أخيرا، والآن عادت منتصرة. كانت هي تتحدث وريحان تبكي دون النطق بحرف واحد حتى أنها لم تستطع الإقتراب منها أو لمسها وهكذا حتى توقفت سونا عن الكلام وعيناها منتفختين من كثرة البكاء.
نظرت إليها ريحان حينها وزفرت بحنق لتردف قائلة:
أنت شجاعة حقا لا تظني أبدا أنك عكس ذلك، أنا ما رأيت يوما شخصا يتحمل كل الذي تحملت.
تنهدت بحنق لتردف:
لا تجاملي ريحان.
ابتسمت ثم مسحت على وجنتها بحب لتردف:
حبيبتي أنا لا أجامل أصلا أنا أقول الحقيقة في وجه الشخص، الحياة مجرد كتاب غير أننا مجبورين على أن نعيش صفحاته بالترتيب، ولا يمكننا إختيار الصفحة التي نشاء، فارضي بكل شيء فلربما تكون الصفحه القادمة أجمل، أليس الله مع الصابرين؟
ابتسمت سونا وردت:
ونعم بالله حبيبتي
ريحان بخفوت:
اسمعي حلوتي، لقد جعل الله لنا في القرآن أمنا وطمأنينة من كل هم وحزن، وفي القرآن الكريم أيضا هدي وشفاء لكل ما يصيب النفس من أذى من مشاق الدنيا ومتاعبها، وعلى كل صاحب هم وكرب أن يلجأ إلى كتاب الله عز وجل ويتدبر فيه، ويتصبر ويعتبر من قصصه، فقد جعل الله لنا في بلاء الأنبياء والصالحين موعظة وعبرة، وشفاء لما في الصدور، كما جاء في قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا. "
عودي لخالقك وعودي لقرآنك حبيبتي، فقط هناك ستجدين السكينة.
ابتسمت سونا وردت:
سأفعل سأفعل أعدك حبيبتي فلا راحة للخلق إلا عند رب العزة.
ريحان بخفوت:
ليس هذا فقط، عديني أيضا أنك لن تهني ولن تستسلمي أبدا.
ردت بحب:
وهل عساي قول شيء؟ طبعا أعدك زوجتك أخي.
ريحان بحب:
نعم هكذا أريدك لا يهزمك شيء ولا يهزك شيء، على من سؤأمن أنا أطفالي؟
سونا ضاحكة:
على عمتهم طبعا
تحدثتا قليلا بعد عن أشياء مختلفة بعيدا عن كل ما هو محزن ومؤذي ثم تحركتا بعد فترة عائدتين للقصر، الفرق هنا أن سونا ستعود مختلفة وما إن وصلتا حتى ذهبت كل واحدة إلى غرفتها لترتاح قليلا.
مرت عدة أيام بعدها.

خلال تلك الأيام بالتحديد كان أمير وريحان يتحدثان كل يوم وكل ليلة قبل النوم مطولا، فكان يحكي لها تفاصيل يومه كيف مر يقدم تقريره لمحبوبته بكل حب رغم أنه كان روتينيا ومن اجتماع
إلى اجتماع إلى موقع البناء إلى الفندق لكنها كانت تستمع إليه بحب ودون ملل، يقدم تقريره لها بكل رضا وحب فلا يترك أي تفصيلة مهما كانت صغيرة فهو يدرك أنها تسر بذلك.
كانت تعيش كل الأحاديث وكأنها معه سعيدة به وتنام  كل ليلة على صوته وهو يغني لها ويدندن علهما يستطيعا تجاوز الشوق ولوعته، تلك اللوعة التي توقد داخل القلب ولا سبيل لإطفائها غير وجه الحبيب ومبسمه وطيب رائحته، ومن لم يجرب لوعة الشوق فهو ليس عاشقا.

جاء يوم عودة أمير من السفر وقد كان ذلك يوم هو يوم موعد ريحان مع دكتورتها أيضا.
تجهزت ريحان وخرجت مع الخالة مليكة نحو عيادة الدكتورة ولكن قبل أن تركب السيارة تحدثت لمليكة وقالت:
إذا اتفقنا خالتي، أنا سأذهب لموعدي مع الدكتورة وأنت تذهبين إلى البيت، أنا لا يمكنني الإتكال على أحد في هذه المهمة أنا لا أثق بغيرك، جهزيه وحضري ما يشتهي من أكل انا سانهي موعدي وأذهب إلى الشركة لافاجئه وإن استطعت سأحضره هناك مباشرة اتفقنا إذا؟
ابسمت مليكة لتردف برجاء:
لو كنت ذهبت معك فقط يا ابنتي.
ردت ريحان:
لا خالة لا تتعبي نفسك كله موعد روتينبي ثم أنت لديك مهمة قومية لا تنسي هذا، هيا كل لعمله.
ردت مليكةضاحكة:
أحب أنا المهام القومية، أنا لها لا تقلقي أنت اذهبي لموعدك وطمئنيني بعد أن تخرجي من هناك.
ردت ريحان:
إذا سأطلب كل يوم شيء منك إن كان هكذا.
مليكة بحب:
أنتم فقط كونوا سعداء وأنا أقدم عيوني لكم.
ابتسمت ريحان وشكرت الخالة ثم ركبت السيارة متوجهة لدكتورتها، اتفقتا بالطريق أن تترك السيارة لمليكة على أن تأخذ سيارة أجرة لاحقا وتتجه بها للشركة.
توجهت للعيادة ولكن وهي بالطريق اتصل أمير بها، حملت هاتفها سريعا وردت دون تردد ليقول هو مازحا:
اوه ماهذه السرعة عشق؟ يبدو أنك تنتظرين اتصالي بفارغ الصبر.
ردت ريحان متذمرة:
الله الله يبدو أنك اشتقت للشجار لا لعشق؟
رد أمير:
وهل أستغني عن عشق أو عن مناقراتها؟ اشتقت لكل شيء كل شيء، أنا أعد الثواني لرؤيتك.
ردت ريحان بدلع:
و أنا أيضا أعد الثواني لرؤيتك حبيبي.
سر قلبه وابتهج ليردف بعدها قائلا:
هل وصلت للعيادة؟
ردت ريحان:
نعم أنا عند الباب حبيبي
أمير على عجل:
وأنا متجه للشركة كما أخبرتك سأحضر هذا الاجتماع الذي ظهر فجأة وأركض الى ذراعيك بعدها مباشرة عل نيران الشوق التي تحرقني تنطفئ.
تنهدت براحة لتردف:
الحمد لله وأخيرا عدت لا أخفيك حبيبي أسابيع مرت كأنها سنين، حسنا أمير سأنهي موعدي مع الدكتورة وأنت أكمل عملك وعد إلي سىريعا لا يسعني الإنتظار أكثر.
ابتسم أمير ورد:
طمئنيني ماذا ستخبرك الدكتورة لا تنسي هيا نلتقي عشقي سأقفل لحظة لحظة عشق.
ردت ريحان:
نعم أمير
أمير بخفوت:
قولي لي أحبك قبل أن تقفلي أريد جرعة من الطاقة كي لا أختنق في هذا الإجتماع.
ريحان بحدة:
أمير أنا في الشارع الآن سأقولها لك لاحقا حين تعود.
رد أمير مصمما:
لا الآن
سكتت قليلا ونظرت حولها وحين تأكدت أن لا أحد هناك تحدثت بهمس قائلة:
أنا أحبك يانصف تفاحتي
أمير بحب:
وأنا أحبك يانصف تفاحتي، صاحب سيارة الأجرة مصدوم.
ردت ريحان بهمس:
أنت مجنون ليكن بعلمك، هيا أخبرني قبل أن أقفل كيف يسري المشروع أولا.
رد أمير:
ممتاز.
ريحان براحة:
أرحتني حبيبي، هيا لا أعطلك أكثر وإلى حين نلتقي اعتني بنفسك،
ثم اقفلا الخط لتدخل للعيادة مباشرة أما هو فقد توجه للشركة بعد أن طلبه والده لاجتماع ضروري.
جلست وانتظرت كعادتها تطالع المجلات أحيانا أو تتفقد هاتفها حتى جاء دورها بعد فترة، دخلت مكتب الدكتورة وسلمت ثم جلست وتحدثت عن أخبار حملها.
تحدثت الدكتورة بعد حين قائلة:
والآن هل أنت جاهزة ريحان؟
ردت ريحان:
جاهزة دكتورة.
تحركت ودلفت غرفة الفحص ثم تمدد وكشفت على بطنها لتجلس الدكتورة بجانبها وتقول:
بسم الله ثم وضعت الجل على بطنها لتبدأ بإجراء الفحص لها وهي تتابع الرحم وكيس الجنين بدقة متناهية.
كانت ريحان تنظر فقط تنتظر الدكتورة أن تتحدث لكن الأخرى لا تزال تتفحص الرحم والجنين وتفاصيل طبية كحجم الرأس والوزن وتضارب نبضات القلب وغيرها، التي لا تظهر إلا في ذلك الجهاز.
تحدثت ريحان بعد أن انتظرت مطولا لتردف:
ها دكتورة أهناك خطب ما؟
ردت الدكتورة:
لا عزيزتي كل شيء جيد وعلى وضعه الطبيعي، الحمل في موضعه والمشيمة بموضعها، صحة الجنين جيدة أيضا.
تنهدت ريحان براحة لتردف:
الحمد لله دائما وأبدا لكن معدتي دكتورة.
ابتسمت الدكتورة لتتحدث قائلة:
هذا شيء طبيعي خلال فترة الحمل، لا تقلقي لن يؤثر على الجنين لأنه محمي من الله عز وجل في كيس هلامي لا تصيبه شائبة، والآن ساسمعك شيء مفاجئا لو فقط كان البابا المتحمس معك.
ردت ريحان قائلة:
لم يأت لأن لديه عمل مستعجل وإلا كنت وجدته هنا لربما كان قد أوجع رأسك بكثرة أسئلته.
ردت الدكتورة ضاحكة:
لا تهتمي فأغلب الآباء هكذا يتحمسون لكن حين يأتي الصغير يندمون ندم عمرهم لأنهم تحمسوا يوما.
ردت ريحان ضاحكة:
يستحقونها يظنون كل شيء يأتي بسهولة لا يعرفون أنها رحلة وهن على وهن.
الدكتورة بخفوت:
اسمعي ثم ضغطت على بعض الأزرار في الجهاز ليأتي على مسمعها ، صوت غريب إنه نبضات قلب الجنين.
اتسعت عيونها  مبتسمة بسعادة لتتحدث وتقول:
هذه.
الدكتورة مبتسمة:
نعم انها نبضات قلب طفلك.
سرت ريحان أكثر وابتهج كل شبر منها بمجرد سماع تلك النبضات إنها نبضات روح تسكن جوفها، إنه نبض قلب طفلها من عشقها، كانت لحظتها سعادتها لا توصف لربما أجمل لحظة عاشتها بحياتها كلها وأجمل صوت أتى على مسمعها هو صوت نبض طفلها داخل رحمها، إنه السعادة التي لا تصفها أي كلمات ولا تحسها إلا التي جربت ذلك الاحساس.
رفعت رأسها للأعلى ورددت بإلحاح:
اللهم لا تحرم أي مشتاق هذه اللحظة يارب اللهم لا تحرم أي مشتاق هذه اللحظة يارب.
ردت الدكتورة:
يارب يارب والآن بما أن البابا لم يحضر سنرسل نحن له هدية صغيرة تفرحه أيضا.
ريحان مستفهمة:
كيف؟
ردت الدكتورة قائلة:
سأسجل صوت نبصات طفلك على قرص مضغوط وأعطيه له كي يسمعه، إنها النبضات الأولى لطفلكما الأول لا يجب أن تفوت.
ردت ريحان بحماس:
شكرا دكتورة سيسر كثيرا.
ثم قامت وعدلت ثيابها لتقوم بوضع يدها على بطنها قبل أن تخرج وقالت بفرح:
مرحبا بك بيننا صغيري إنها أجمل هدية نستقبل بها والدك بعد سفره هذا.
توجهت للخارج وأكملت حديثها مع الدكتورة حيث أعطتها عدة تحليلات لتجريها مع بعض الأدوية التي تخص الحمل ولعية المعدة وبعض الفيتامينات.
أنهت موعدها وخرجت وهي تحمل القرص بيدها سعيدة ثم أخذت سيارة أجرة من الطريق متوجهة للشركة، وهي بالطريق لمحت محلا لبيع ملابس الاطفال لتقوم بإيقاف السيارة والنزول هناك
فتوجهت للمحل وقامت بشراء حذاء صغير ثم خرجت من المحل وعادت للسيارة.
كانت تضع القرص والحذاء الصغير بحجرها سعيدة بهم كالطفلة تنظر إليهم كل حين وتتخيل ردة فعله فتبسم ببلاهة، ثم حملتهم لتردد فرحة داخلها:
ستكون أجمل مفاجئة بعد سفره المتعب هذا سيسر كثيرا، اشتقت إليك كثيرا أمير، كنت أنفر منك لكن الآن لا أريد الى حضنك ودفئ أنفاسك، حين أراك سأركض إليك وأحتضنك بقوة جبارة.
بهذا الوقت كان أمير قد وصل الشركة من المطار إلى هناك مباشرة، ليدخل الاجتماع المستعجل دون أن يرتاح حتى على أن ينصرف بعدها للقصر مباشرة ليرتاح، وقد كان كل الشركاء مجتمعين حول الطاولة الطويلة ومن بينهم كمال أيضا.
بدأ الإجتماع ورغم انزعاج أمير من وجود كمال إلا أنه لم يجادله فاهتم فقط بالعمل، تناقشوا حول مشروع مركز إعادة التأهيل الضخم والذي يعد الأكبر في تركيا وقدم أمير كل التفاصيل عنه وصورا موضحة عن انطلاق عملية البناء بتفاصيلها أيضا.
وصلت ربحان بعد مدة للشركة وصعدت مباشرة متجهة لمكتب أمير  لكن استوقفتها السكرتيرة بالرواق قائلة:أ
لحظة فقط مير بيك في اجتماع ياخانم.
ردت ريحان:
من ادأين ظهرت خانم هذه؟ نادني ريحان فقط فأنا أنزعج من كلمة خانم.
ردت السكرتيرة:
لكنك زوجة صاحب الشركة والناس مقامات لا أستطيع نزل الألقاب.
ابتسمت ريحان لترد:
أستغفر الله يا آنسة ما كنت لأفكر بهذه الطريقة يوما، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى وليس بالمال والمقامات، والآن عن إذنك سأنتظر أمير بمكتبه.
تحدثت السكرتيرة قائلة:
حسنا كما تشائين، هل أضيفك شيء؟
ردت ريحان قائلة:
كوب ماء لو سمحت وأيضا هل عندكم شوكولا ساخنة؟ أريد كوبا لأستعيد طاقتي.
ردت السكرتيرة:
يوجد طبعا سأطلب لك ما أردت.
شكرتها ريحان وتمنت لها نهارا جميلا ثم انصرفت ودخلت مكتب أمير وجلست قليلا هناك على الكنبة لترتاح، لحظات فقط وأتت السكرتيرة بكوب من الشوكولا الساخنة الشهية ورائحتها تفوح ، نظرت إليها ريحان وقالت:
شكرا لك لكن أخبرينب متى ينتهي الاجتماع؟
ردت السكرتيرة وهي تسلم الكوب لها:
بعد ثلث ساعة بالأكثر.
ردت ريحان:
حسنا لا بأس ننتظر ما وراءنا لكن من فضلك لا تخبري أمير اني هنا أريد أن أفاجئه، اتفقنا؟
ردت السكرتيرة:
كما تشائين طبعا ثم انصرفت إلى عملها.
تناولت ريحان كوب الشوكولا ذاك بمتعة فقد اشتهته ولا تريد شربه لاسترجاع طاقتها فقط، ثم بعدها قامت وسحبت القرص المضغوط من حقيبتها ومعه الحذاء ونظرت إليهما برهة وفكرت لتتحدث قائلة:
لكن أين سنخبئك أين؟ المكتب واسع جدا ويجب أن أضعهم في مكان كي يجدهم فجأة وهكذا ستكون المفاجأة أكبر وأجمل، اهدئي عشق لم كل هذا الحماس والتوتر؟
نظرت بأرجاء المكتب هنا وهناك تفكر أين تضع ذلك القرص المضغوط والحذاء ثم وقفت أمام المكتب وقالت:
أين أخبئك أين أين؟ نخبئك هنا فوق المكتل، لا لا سيراها بمجرد أن يدخل لنجد غير مكان أحسن
ثم فتحت درج المكتب وقالت حينها بحماس:
نعم هنا أحسن نخفي فيه الهدية.
قلبت قليلا في الدرج تريد ترتيبه لكن لمحت ورقة فجأة عليها اسمها من الخلف غوضعت القرص والحذاء جانبا لتردف قائلة:
ماهذه الورقة أهذه رسالة كتبها لي ونسي أن يعطيها لي؟ فاسمي عليها.
لم تتمكن من كبح فضولها لتحمل الورقة بيدها تنظر إليها باستفهام ثم فتحتها وشرعت بقراءتها لكن ما إن قرأت أول الكلمات حتى قالت دهشة:
لحظة إن هذا الخط مألوف لي لكن لا أتذكر من يكتب هكذا، فكري ريحان أم أن الحمل أثر على ذاكرتك أيضا.
سكتت برهة ثم تذكرت فجأة لتتحدث حينها لا تزال تخاطب نفسها قائلة:
هذا الخط إنه يشبه خط عمتي فهرية إنه كذلك فعلا كيف نسيته؟ لتبدأ بقراءة الرسالة تلك.
(ريحان حبيبتي وابنتي التي لم ينجبها بطني إذا كنت تقرئين هذه الرسالة فمعناها اني انتقلت إلى الرفيق الأعلى)
ريحان بحزن :
لييرحمك الله حبيبتي الغالية، ليتك كنت معي الآن لتري كم أنا سعيدة، أعرف أنك ستفرحين بحفيدك كثيرا، ثم اكملت القراءة.
كانت تقرأ كل كلمة من الرسالة وتتوقف حينا تنظر دهشة، اتسعت عيونها وارتجف قلبها لتردد بغصة بين شفتيها مرتعبة:
لا لا يمكن لا أصدق هذه مزحة بالتأكيد هي كذلك، ثم أكملت قراءة الرسالة والدمع يتجمع بمقلتيها شيء فشيء.

كانت بكل سطر تقرأه تنزل من مقلتها دمعة صامتة لكن محرقة لتلك الوجنة الجميلة، اكملت قراءة تلك الرسالة بمشقة فقد وقع ثقل الكلمات على جسدها كثقل الصخور التي تقع من فوق الجبال هاوية بعد كل عاصفة هوجاء تضربها فتؤذي كل ما يأتي أمامها وتكسره.
كيف سيتحمل ذلك الجسد الضعيف تلك الصخور كيف؟
تسمرت بمكانها لحظات وهي تنظر للورقة لكن ابت أن تصدق ما رأته عيناها من حروف فأعادت قراءة الرسالة ثانية سطرا سطرا، كلمة كلمة وحرفا حرفا.
نظرت للأمام دهشة ورددت بهمس:
هل أنا أحلم؟ يبدو أنني لا أزال نائمة فعلا، لا لا هذه مزحة وليس حقيقة، لا حول ولا قوة إلا بالله والداي ليس ولالداي وعمتي ليست عمتي ياربي ما هذا؟ يجب أن أتأكد أولا لايمكن أن أكون قد عشت طوال عمري بكذبة كهذه، كل ذلك والدموع تنزل من مقلتيها شلالا دون إدراك منها.
اتضح لها انها عاشت حياتها في حلم أضحي لها الآن بعيدا حينما استيقظت علي هذا الكابوس المروع، تود لو أن تنشق الأرض وتبتلعها علها تهرب من هذا المأزق وهذه الحقيقة، اكتشفت بلحظة أن كل حياتها عبارة عن كذبة وكل جميل بحياتها ماهو الا ضرب من الخيال.

تحركت قليلا بغية الخروج والورقة لا تزال بيدها بينما تركت القرص والحذاء الصغير فوق المكتب حتى أنها نسيتهم تماما.
مشت قليلا لكن تتجرع خيبتها لكن فجأة أحست بألم أسفل بطنها، توقفت قليلا وهي تضع يدها على أسفل بطنها لتقول متألمة:
يارب سلم ثم ارتكزت على المكتب قليلا لتعيد الوقوف والإعتدال وهي تتنفس بعمق، تنفست مرة ومرتين ثم قالت:
اهدئي عشق اهدئي سوء فهم لا اكثر، هناك شيء أو لغز لكن اهدئي ولا تنفعلي لأجل طفلك ثم بالتأكيد هذا ليس حقيقي، بما هو حلم ولا تزالين نائمة فقط وستستفيقين بعد حين.
مرت دقائق وهي مكانها لا تزال تتنفس بعمق تحاول تخفيف توترها كعادتها تتمرد على نفسها المنكسرة وتثبت لها بأنها قوية لا تهزم، ثم استجمعت قوتها واعتدلت بوقفتها وتحركت نحو الأمام لكن قداماها خانتها وارتجفت ورغم ذلك مشت وخرجت من المكتب الى السكرتيرة مباشرة، دخلت مكتبها لتنظر الأخرى إليها دهشة وتقول سريعا وهي تهرول ناحيتها:
أنت بخير سيدتي؟
نظرت إليها ريحان برهة ثم تردفت:
أين قاعة الاجتماعات؟
ردت السكرتيرة:
بآخر الرواق سيدتي ثم نظرت إلى وجهها المضطرب لتسألها من جديد إن كانت بخير او لا
نظرت اليها ريحان بأسى لكن لم تجب بل استدارت ومشت ناحية القاعة مشت باحثة عنه، خطوة تلو خطوة تجرها تريد فقط الوصول إلى القاعة لكن ما استطاعت الإسراع حتى، صوت مدو داخل رأسها يهتز ويهتز وكلمات الرسالة تمر أمام بصرها كالشريط.

بتلك الأثناء كان كل من بالقاعة أمير وكمال فقد انتهى الاجتماع وانصرف الحضور عداهم، كان أمير يهم بالوقوف للخروج لكن كمال استوقفه وهو قائلا:
أمير.
زفر أمير بحنق واستغفر الله عز وجل ثم نظر لكمال ليضيف الآخر قائلا:
يكفي ألم تتشجع بعد وتخبرها؟ إلى متى ستضل تخفي ذلك الوحش خلف ابتسامتك؟
الوحش هذه الكلمة التي أبت أن تتركه، ذلك الوصف الذي لم يرحمه ورغم أنه تغير لا يزال يلاحقه يريد أن يتكمن منه وكم كان وقعها على مسمع أمير صعبا ومؤذيا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي