◥ ツChapter ツ 10 ◤
قارئ القرآن لا يخون... قارئ القرآن لا يكذب... قارئ القرآن لا يخلف عهداً أو وعداً... قارئ القرآن يجاهد هواه، كفارس في ساحة الحرب!
فأقرؤا القرآن، فإنه نور لصاحبه في الدنيا.. و شفيعاً له في الآخرة!
"استغفر الله العظيم واتوب اليه"
"أدعو الله لي، و لكم بالمثل"
"اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"
.
.
.
.
.
بعد مرور ثلاثة أيام
"في منزل يوسف الفراج"
تحسنت حالة "بشرى" و "زهراء" عن الأيام السابقة، و بدأ الحزن الذي احتل حياتهما بالانسحاب تدريجياً، كأنه لم يكن يزرهم يوماً!
فسبحان الله - جل جلاله - الذي أنعم علينا بنعمة النسيان.. تلك النعمة التي بفضلها - بعد الله سبحانه وتعالى - تنسينا الآمنا و أحزاننا.
.
.
.
.
بعد أن تناولت "زهراء" و "بشرى" طعام الإفطار، غادرت "بشرى" إلى جامعتها فهي على أبواب الإمتحانات، و شرعت "زهراء" بالقيام بواجباتها المنزلية التي لا تتسبب لها بتعب كبير؛ أما بالنسبة للمهام الصعبة فكانت تساعدها فيها "نجاة"
بعد مرور فترة ما بين تنظيف و ترتيب في المنزل، لاحظت" زهراء" بأن "نجاة" شاردة الذهن منذ قدومها صباحاً بعد مغادرة "بشرى"
نادت عليها بنبرة قلقة، بعد أن لاحظت حالة الشرود التي هي عليها:
-نجاة.. نجاة!
ظلت نجاة على حالتها، كأنها منفصلة من العالم، لدرجة أنها لم تستمع لنداء "زهراء" إلا بعد أن شعرت بيد توضع على كتفها، جعلتها تستيقظ من حالة التيه التي عصفت بعقلها الصغير:
ردت عليها بتيه:
-أجل يا آنسة "زهراء"! هل تريدين شيء ما؟
سألتها "زهراء" بنبرة حنونة:
- ماذا بكِ يا "نجاة"؟ أراكِ شاردة منذ الصباح! هناك شيء ينغص عليك يومك، فأخبرني به دون مراوغة!
؛
جلست "نجاة" على كرسي المطبخ، مقابل "زهراء"، قائلــــة بتنهيدة حزينة:
- لقد أخبرتك من قبل أن أبي قام بتزويج أخواتي كلهن غصباً عنهن، و لم يسمح لهن بإنهاء دراستهن؛ و دائما ما يردد:
" أن المرأة مهمتها في الحياة هي خدمة بيتها و زوجها! أما دراستها فلا فائدة منها"
و بسبب تفكيره المتعصب، فقد قرر تزوجي من إبن الجيران، و أيضاً إخراجي من الجامعة.
ثم تابعت حديثها بحسرة تنبع من أعماق قلبها:
- لا أعرف ماذا أفعل يا آنسة! لا أستطيع معارضته، و في نفس الوقت لا أستطيع الزواج قبل أن أنهي جامعتي
حزنت زهراء على" نجاة"؛ فها هي الحياة تضعها أمام إحدى اختباراتها الأليمة
حاولت "زهراء" إخراج "نجاة" من قوقعة الحزن:
- لا تقلقي حبيبتي! سأحاول التحدث مع والدك لكي يتراجع عن قراره و يدعك تنهين على الأقل دراستك
تحدثت "نجاة" بنبرة ساخرة:
-أبي لا يتراجع عن قرار يتخذه، خاصةً إذا كان متعلقاً بنا؛ إنه من النوع الذي يرى أن البنات يجلبن العار! و يجب التخلص منهن بتزوجهن! لا أعتقد أنه يحبنا أو يعتبرنا بناته. معاملته لأخوتي الأولاد أحسن من معاملته لنا بألف مرة
ضمتها "زهراء" إليها بكل حنان:
- ليس هناك أب لا يحب بناته عزيزتي؛ لكن للأسف هناك آباء هداهم الله يرون في إنجاب البنات عيب و عار! نسوا أنهن المؤنسات الغاليات. حبيبتي أفكارهم حول البنات ليست وليدة اليوم، بل هي أفكار متأصلة في المجتمع قبل حتى أن يأتي والدك لدنيا، لهذا إعتنى الإسلام بهن، و حرص على تبيين حقوقهن و واجباتهن.
الآن أمسحي دموعك، و ثقي أن الله لن يخذل عبداً يلجأ إليه، أدعيه كثيرا و لا تيأسي، ستفرج إن شاء الله
خرجت "نجاة" من حضن "زهراء" بشعور غريب من الأمل، دب في روحها، كأنه طوق نجاة لبحر الأحزان الذي أوشكت أن تغرق فيه، ابتسمت في وجهها بشكر:
-شكراً يا آنسة! لقد اراحت كلماتك قلبي.
بادلتها "زهراء" الابتسامة بود:
- لا شكر على واجب حبيبتي. هيا نكمل ما تبقى لنا من عمل قبل دوام الجامعة. لقد سبقتك "بشرى" منذ زمن
- أعلم ذلك! لقد اخبرتها بالأمس- عندما اتصلت بي- بأن تحضر المحاضرات الأولى فهي ليست بتلك الأهمية، و سالحق بها بعد أن اساعدك
- حسناً اذاً! هيا بنا نهني ما تبقى بسرعة
نهضت "نجاة" لتكمل ما تبقى لها من أعمال منزلية، ريثما يحين موعد جامعتها، تاركةً خلفها "زهراء" حزينة على حالها، ففتاة في مثل سنها تحمل كل هذه الهموم، لهو أمر يألم القلب.
وضعت "زهراء" يدها أسفل ذقنها بشرود، تفكر في حل لمشكلة "نجاة"، زفرت أنفاسها ببطء، داعيةً الله في قلبها أن يهديها لحل تساعد به تلك المسكينة.
و كأن دعوتها استجابت، فها هو هاتفها يعلن عن إتصال من شخص قد يغيير الكثير في حياة "نجاة"
ردت على الهاتف بهدوء، بعد أن تعرفت على هوية المتصل:
- السلام عليكم
رد عليها الطرف الثاني بنبرة رجولية خشنة:
- و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا آنسة "زهراء"؟
- بخير و الحمد لله؛ كيف حالك أنت يا "رياض"، و كيف رقحال الأهل؟
- نحن بخير و الحمد لله
تتحنح قليلاً، قائلاً بنبرة تحمل الأسف:
- بالمناسبة البقاء لله في عمك السيد "ناصر"، أعلم انها متأخرة، لكن كنت في سفر خارج البلاد و لم استطع. عالتواصل مع "يوسف" لتقديم واجب العزاء
-لا بأس
ثم تابعت:
- "يوسف " في أمريكا منذ أربعة أيام، سأرسل لك رقمه
- حسناً! شكراً لك
- الشكر لله َ
.
.
.
.
.
.
.
في أمريكا
قطع لحظة الصمت التي حلت عليه رنين هاتفه، اخرج هاتفه بصمت من جيب سترته، أجاب على المتصل دون أن يكلف نفسه عناء النظر لأسمه، فكل ما كان يشغل باله الخبر الذي وقع على مسامعه كالصاعقة:
- الو!
رد عليه صوت يعرفه تمام المعرفة، انتشله من دوامة التساؤلات التي تجذبه إلى قاعها:
- أهلاً يا "يوسف"!
- "رياض"!
ردد اسمه باستغراب، لم يستطع إخفاءه
- كيف حالك؟
- بخير و الحمد لله
ثم تابع بتساؤل فظ نوعاً ما:
- لكن من أعطاك رقمي هذا؟!
- يا لك من فظ! الناس تسأل عن الأحوال، و ليس: "من أعطاك رقمي هذا؟!"
- هذا الموجود، إذا أعجبك!
- يعجبني يا بن عمتي!
قالها بتهكم ساخر، ثم تابع حديثه بنبرة متأسفة:
-" البقاء لله"!
-البقاء و الدوام لله!
-لقد إتصلت بالآنسة زهراء، و اعطتني رقم هاتفك في أمريكا
ثم أكمل بتساؤل:
- هل ستبق هناك مدة طويلة؟
- لا! سأعود غداً إن شاء الله، رفقة حمزة
- هل حمزة معك؟
سأله بنبرة ظهر عليها الاستغراب
- اجل!
- آه.. جيد
همس بها بصوت بالكاد وصل إلى مسامع "يوسف"
بعد مرور بعض الوقت من حديثهما مع بعضهما البعض، قص عليه "يوسف" كل ما قاله له المحامي "مايكل"، و المفاجأة التي لا زالت صدمتها حتى الآن تعصف به
- لا أصدق أن عمك "ناصر" كان يعيش في وسط كل هذه الأسرار، من كان يصدق أن لديه ابنة قريبة من عمرنا!
هتف "رياض" بصدمة، من كم الأسرار التي اخبره بها "يوسف" عن عمه "ناصر"
- صدق يا "رياض"! أنا مثلك تفاجأت في البداية، لكن عندما فكرت في الأمر تراءت لي العديد من المواقف التي جعلتني اتأكد من صحة ما سمعته! من بينها خلافه مع جدي، الذي حتى الآن مازال سببه مجهولاً بالنسبة لي!
حك "رياض" ذقنه بقلة حيلة:
- أعتقد أن جواب جميع تلك الأسئلة التي تجسم على عقلك، ستجده عند جدك "عبد الرحمن"
- اجل هذا ما أنا واثق فيه
- و ماذا عن الوصية؟ اقصد هل ستقوم بتنفيذها؟
نظر أمامه بملامح مبهمة، يفكر في القادم، و المفاجأت التي سيحملها معه، متناسياً من ينتظر إجابته بفارغ الصبر
- الو! ألو! "يوسف" أين ذهبت؟!
حمحم "يوسف" بخفوت، عندما ادرك أنه ترك " رياض" ينتظر على سماعة الهاتف، قائلاً بأسف:
-احم.. آسف! لقد سرحت قليلاً
تفهم "رياض" حالة صديقه، فقال مواسياً:
- لا تقلق! كل شيء سيكون بخير، فقط ضع ثقتك في الله!
- و نعم المولى
نطق بها "يوسف" بخشوع، سائلاً الله أن يوفقه لما هو قادم عليه
.
.
.
.
.
.
في وكر الشياطين
قام ذلك السيد المجهول بالإتصال برقم خارج الوطن، لم يمضي وقت حتى أجاب الطرف الثاني بلكنة عربية مميزة
تحدث الرجل المجهول بنبرة باردة كالثلج، و هو يطعم حيوانه الاليف:
- هل حدث شيء يستدعي إتصالك يا هذا؟
أجاب عليه الآخر بنفس النبرة لكن أقل برودة، وهو يحمل بين اصبعه سيجارة كعادته:
-فقط أردت تذكيرك بالصفقة القادمة التي سنعقدها مع اليابانيين؛ و أردت سؤالك إذا كان هناك أطراف أخرى ستشارك؟
رد عليه الرجل المجهول بغموض:
- اممم ألم تعلم أنني قررت إلغائها حتى إشعاراً آخر
صدم الآخر بهذا القرار الذي لم يكن في الحسبان قائلاً بنبرة تحمل الغضب:
- ماذا؟! كيف تقوم بإلغائها إنها تقدر بالملايين!
قاطعه الرجل الغامض و عيناه قد تحولت إلى كتلة حمراء من الغضب قائلاً:
- لا تنسى نفسك يا هذا! أنا من صنعتك و منحتك هذه المكانة، التي لم تحلم بها في حياتك، لولاي لكنت الآن مرمياً خلف قضبان السجن بسبب طليقتــك!
حاول الآخر كبت غضبه قائلا ً بنبرة تأسف مصطنعة:
- آسف سيدي لنفعالي هذا، و لكن أنت تعرف مدى حاجتنا لهذه الصفقة في هذا الوقت
تكلم الرجل الغامض قائلاً:
- حبك للمال بهذا الجشع سيدمرك يا "أمجد"! إنك لا تركز في مدى الخطر الذي يلاحقنا و يترصد لنا! طمعك هذا سيقضي عليك أولاً!
- و أكمل كلامه، و هو يطعم حيوانه الاليف قائلاً بوجهاً قاتم:
- - تلك الصفقة ما كانت إلا خدعة! لكي اعرف الخائن الذي يعمل معنا و يقوم بإيصال أخبارنا إلى الإنتربول! و ايضاً من خلال تلك الخدعة تمكنت من معرفته لكن مازال رأيسه مجهول الهوية
صدم من كلام الرجل الغامض، قائلاً بتسائل:
- و من هو هذا الخائن؟
أجابه ببرود قائلاً:
- لا داعي لأن تعرفه فهذا ليس من شأنك، و ايضاً بسبب طمعك و حبك اللامتناهي للمال، توقع نفسك في أخطاء لا حصر لها، و هذا بالطبع سوف يؤثر على عملنا بالمقابل!
صمت هنية، يستمع إلى أنفاس الآخر العالية من شدة غضبه، لم يبالي به، و تابع حديثه بنبرة غامضة:
-أتعرف لماذا لا أحب الكلاب؟!
أستغرب "أمجد" سؤاله قائلاً:
- لإنك تفضل النمور!!
ضحك بصوتاً عالٍ على إجابته التافهة من وجهة نظره، قائلاً بسخرية:.
- فقط لأني أربي نمر خيل لك أنني أفضلها! إجابتك خاطئة! أن اكره الكلاب لأنها تقضي حياتها كاملةً، و هي تلهث و لا تشبع مثلك تماماً!
أراد الصراخ بغضب على نعته له بالكلب إلا أنه تحكم في غضبه في آخر لحظة، فلم يأتي بعد وقت الحساب!
تابع الرجل الغامض كلامه:
- رغم وفاء الكلاب إلا أنني أجد صعوبة في تقبلها، فهي تخضع لسيدها بكل سهولة؛ بالنسبه لي من يخضع لي بكل سهولة ما هو إلا شخصاً ذو شخصية ضعيفة! لهذا أفضل النمور لأنها قوية و لا تخضع أبداً بسهولة. إلى اللقاء يا..سيد "أمجد"
رمى أمجد الهاتف على الأرض بكل قوة حتى تحطم إلى قطع صغيرة، زفر بغضب قائلاً في نفسه:
" أنتظر فقط! سأجعلك تندم على كل كلمة قلتها يا سيد " مارتن" أقسم بشرفي انني سانتقم منك أشد إنتقام
شرف! و هل أمثالك يعرفون الشرف! تقتلون الأبرياء بكل دمٍ بارد، ثم تأتي بكل برود و تقسم بشرفك، الذي لا يجوز لك القسم به و لا بغيره من دون الله! حقاً عندما يغيب الضمير عن ساحة الإنسانية، يعيث الشيطان فساداً فيها!
.
.
.
.
.
.
"في أمريكا"
تجهز "يوسف" و "حمزة" للعودة لأرض الوطن بصحبة "مايكل" ،الذي أصر على مرافقتهما، و كذلك فعلت "ماتيلدا"
لم يشأ "يوسف" الدخول معه في جادل عقيم، لهذا رضخ لأمر سفره معهم بكل برود، رغم أنه في داخله يشعر بالغليان منه، و من تصرفاته المستفزة!
.
.
.
.
في اليوم التالي
عندما انهت "نجاة" و "بشرى" محاضراتهما في الجامعة، عادتا الى منزل "بشرى"، و قبل ان تطأ قدم "نجاة" أعتاب البيت، فوجئت بشخص يجذبها من ذراعها بقوة، و قبل أن تصرخ فيه، صدمت بالشخص الواقف أمامها، والذي لم يكن سوى والدها السيد "عبد الفتاح"
تحدث والدها بغضب:
-لقد صبرت عليك كثيراً يا" نجاة"! زواجك سيتم على ابن الجيران، بعد اسبوعين من الآن، فجهزي نفسك
-ثم تابع بنبرة باردة:
-- قومي أيضاً بسحب اوراقك من الجامعة، لان زوجك المستقبلي غير مواقف على إتمامك الدراسة، و أنا أوافقه الرأي فمكان الفتاة الاساسي هو بيتها فقط و مطبخها!
كانت كل كلمة يلقيها والدها، تنغرز في قلبها كالسكين، لازالت لا تصدق أن والدها الذي من المفترض ان يشجعها على دراستها هو من يمنعها عنها! حقاً الحياة غريبة تفاجئنا دائما بما لا نتوقعه، مع هذا يجب ان نثق في اختيار الله لنا
"عسى ان يكون خيراً"
تمتمت بها نجاة و هي تستمع الى صراخ والدها الذي خرجت "زهراء" من المنزل على أثره
-اتركها حالاً! من أنت؟ و كيف تتجرأ أن تمسكها بهذا الشكل؟!
-اردفت بها زهراء بثبات، و عيناها تجوب الواقف أمامها بملامح غاضبة
-.
-.
-.
-.
-.
--#يتبــــــــــــــــع
فأقرؤا القرآن، فإنه نور لصاحبه في الدنيا.. و شفيعاً له في الآخرة!
"استغفر الله العظيم واتوب اليه"
"أدعو الله لي، و لكم بالمثل"
"اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"
.
.
.
.
.
بعد مرور ثلاثة أيام
"في منزل يوسف الفراج"
تحسنت حالة "بشرى" و "زهراء" عن الأيام السابقة، و بدأ الحزن الذي احتل حياتهما بالانسحاب تدريجياً، كأنه لم يكن يزرهم يوماً!
فسبحان الله - جل جلاله - الذي أنعم علينا بنعمة النسيان.. تلك النعمة التي بفضلها - بعد الله سبحانه وتعالى - تنسينا الآمنا و أحزاننا.
.
.
.
.
بعد أن تناولت "زهراء" و "بشرى" طعام الإفطار، غادرت "بشرى" إلى جامعتها فهي على أبواب الإمتحانات، و شرعت "زهراء" بالقيام بواجباتها المنزلية التي لا تتسبب لها بتعب كبير؛ أما بالنسبة للمهام الصعبة فكانت تساعدها فيها "نجاة"
بعد مرور فترة ما بين تنظيف و ترتيب في المنزل، لاحظت" زهراء" بأن "نجاة" شاردة الذهن منذ قدومها صباحاً بعد مغادرة "بشرى"
نادت عليها بنبرة قلقة، بعد أن لاحظت حالة الشرود التي هي عليها:
-نجاة.. نجاة!
ظلت نجاة على حالتها، كأنها منفصلة من العالم، لدرجة أنها لم تستمع لنداء "زهراء" إلا بعد أن شعرت بيد توضع على كتفها، جعلتها تستيقظ من حالة التيه التي عصفت بعقلها الصغير:
ردت عليها بتيه:
-أجل يا آنسة "زهراء"! هل تريدين شيء ما؟
سألتها "زهراء" بنبرة حنونة:
- ماذا بكِ يا "نجاة"؟ أراكِ شاردة منذ الصباح! هناك شيء ينغص عليك يومك، فأخبرني به دون مراوغة!
؛
جلست "نجاة" على كرسي المطبخ، مقابل "زهراء"، قائلــــة بتنهيدة حزينة:
- لقد أخبرتك من قبل أن أبي قام بتزويج أخواتي كلهن غصباً عنهن، و لم يسمح لهن بإنهاء دراستهن؛ و دائما ما يردد:
" أن المرأة مهمتها في الحياة هي خدمة بيتها و زوجها! أما دراستها فلا فائدة منها"
و بسبب تفكيره المتعصب، فقد قرر تزوجي من إبن الجيران، و أيضاً إخراجي من الجامعة.
ثم تابعت حديثها بحسرة تنبع من أعماق قلبها:
- لا أعرف ماذا أفعل يا آنسة! لا أستطيع معارضته، و في نفس الوقت لا أستطيع الزواج قبل أن أنهي جامعتي
حزنت زهراء على" نجاة"؛ فها هي الحياة تضعها أمام إحدى اختباراتها الأليمة
حاولت "زهراء" إخراج "نجاة" من قوقعة الحزن:
- لا تقلقي حبيبتي! سأحاول التحدث مع والدك لكي يتراجع عن قراره و يدعك تنهين على الأقل دراستك
تحدثت "نجاة" بنبرة ساخرة:
-أبي لا يتراجع عن قرار يتخذه، خاصةً إذا كان متعلقاً بنا؛ إنه من النوع الذي يرى أن البنات يجلبن العار! و يجب التخلص منهن بتزوجهن! لا أعتقد أنه يحبنا أو يعتبرنا بناته. معاملته لأخوتي الأولاد أحسن من معاملته لنا بألف مرة
ضمتها "زهراء" إليها بكل حنان:
- ليس هناك أب لا يحب بناته عزيزتي؛ لكن للأسف هناك آباء هداهم الله يرون في إنجاب البنات عيب و عار! نسوا أنهن المؤنسات الغاليات. حبيبتي أفكارهم حول البنات ليست وليدة اليوم، بل هي أفكار متأصلة في المجتمع قبل حتى أن يأتي والدك لدنيا، لهذا إعتنى الإسلام بهن، و حرص على تبيين حقوقهن و واجباتهن.
الآن أمسحي دموعك، و ثقي أن الله لن يخذل عبداً يلجأ إليه، أدعيه كثيرا و لا تيأسي، ستفرج إن شاء الله
خرجت "نجاة" من حضن "زهراء" بشعور غريب من الأمل، دب في روحها، كأنه طوق نجاة لبحر الأحزان الذي أوشكت أن تغرق فيه، ابتسمت في وجهها بشكر:
-شكراً يا آنسة! لقد اراحت كلماتك قلبي.
بادلتها "زهراء" الابتسامة بود:
- لا شكر على واجب حبيبتي. هيا نكمل ما تبقى لنا من عمل قبل دوام الجامعة. لقد سبقتك "بشرى" منذ زمن
- أعلم ذلك! لقد اخبرتها بالأمس- عندما اتصلت بي- بأن تحضر المحاضرات الأولى فهي ليست بتلك الأهمية، و سالحق بها بعد أن اساعدك
- حسناً اذاً! هيا بنا نهني ما تبقى بسرعة
نهضت "نجاة" لتكمل ما تبقى لها من أعمال منزلية، ريثما يحين موعد جامعتها، تاركةً خلفها "زهراء" حزينة على حالها، ففتاة في مثل سنها تحمل كل هذه الهموم، لهو أمر يألم القلب.
وضعت "زهراء" يدها أسفل ذقنها بشرود، تفكر في حل لمشكلة "نجاة"، زفرت أنفاسها ببطء، داعيةً الله في قلبها أن يهديها لحل تساعد به تلك المسكينة.
و كأن دعوتها استجابت، فها هو هاتفها يعلن عن إتصال من شخص قد يغيير الكثير في حياة "نجاة"
ردت على الهاتف بهدوء، بعد أن تعرفت على هوية المتصل:
- السلام عليكم
رد عليها الطرف الثاني بنبرة رجولية خشنة:
- و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا آنسة "زهراء"؟
- بخير و الحمد لله؛ كيف حالك أنت يا "رياض"، و كيف رقحال الأهل؟
- نحن بخير و الحمد لله
تتحنح قليلاً، قائلاً بنبرة تحمل الأسف:
- بالمناسبة البقاء لله في عمك السيد "ناصر"، أعلم انها متأخرة، لكن كنت في سفر خارج البلاد و لم استطع. عالتواصل مع "يوسف" لتقديم واجب العزاء
-لا بأس
ثم تابعت:
- "يوسف " في أمريكا منذ أربعة أيام، سأرسل لك رقمه
- حسناً! شكراً لك
- الشكر لله َ
.
.
.
.
.
.
.
في أمريكا
قطع لحظة الصمت التي حلت عليه رنين هاتفه، اخرج هاتفه بصمت من جيب سترته، أجاب على المتصل دون أن يكلف نفسه عناء النظر لأسمه، فكل ما كان يشغل باله الخبر الذي وقع على مسامعه كالصاعقة:
- الو!
رد عليه صوت يعرفه تمام المعرفة، انتشله من دوامة التساؤلات التي تجذبه إلى قاعها:
- أهلاً يا "يوسف"!
- "رياض"!
ردد اسمه باستغراب، لم يستطع إخفاءه
- كيف حالك؟
- بخير و الحمد لله
ثم تابع بتساؤل فظ نوعاً ما:
- لكن من أعطاك رقمي هذا؟!
- يا لك من فظ! الناس تسأل عن الأحوال، و ليس: "من أعطاك رقمي هذا؟!"
- هذا الموجود، إذا أعجبك!
- يعجبني يا بن عمتي!
قالها بتهكم ساخر، ثم تابع حديثه بنبرة متأسفة:
-" البقاء لله"!
-البقاء و الدوام لله!
-لقد إتصلت بالآنسة زهراء، و اعطتني رقم هاتفك في أمريكا
ثم أكمل بتساؤل:
- هل ستبق هناك مدة طويلة؟
- لا! سأعود غداً إن شاء الله، رفقة حمزة
- هل حمزة معك؟
سأله بنبرة ظهر عليها الاستغراب
- اجل!
- آه.. جيد
همس بها بصوت بالكاد وصل إلى مسامع "يوسف"
بعد مرور بعض الوقت من حديثهما مع بعضهما البعض، قص عليه "يوسف" كل ما قاله له المحامي "مايكل"، و المفاجأة التي لا زالت صدمتها حتى الآن تعصف به
- لا أصدق أن عمك "ناصر" كان يعيش في وسط كل هذه الأسرار، من كان يصدق أن لديه ابنة قريبة من عمرنا!
هتف "رياض" بصدمة، من كم الأسرار التي اخبره بها "يوسف" عن عمه "ناصر"
- صدق يا "رياض"! أنا مثلك تفاجأت في البداية، لكن عندما فكرت في الأمر تراءت لي العديد من المواقف التي جعلتني اتأكد من صحة ما سمعته! من بينها خلافه مع جدي، الذي حتى الآن مازال سببه مجهولاً بالنسبة لي!
حك "رياض" ذقنه بقلة حيلة:
- أعتقد أن جواب جميع تلك الأسئلة التي تجسم على عقلك، ستجده عند جدك "عبد الرحمن"
- اجل هذا ما أنا واثق فيه
- و ماذا عن الوصية؟ اقصد هل ستقوم بتنفيذها؟
نظر أمامه بملامح مبهمة، يفكر في القادم، و المفاجأت التي سيحملها معه، متناسياً من ينتظر إجابته بفارغ الصبر
- الو! ألو! "يوسف" أين ذهبت؟!
حمحم "يوسف" بخفوت، عندما ادرك أنه ترك " رياض" ينتظر على سماعة الهاتف، قائلاً بأسف:
-احم.. آسف! لقد سرحت قليلاً
تفهم "رياض" حالة صديقه، فقال مواسياً:
- لا تقلق! كل شيء سيكون بخير، فقط ضع ثقتك في الله!
- و نعم المولى
نطق بها "يوسف" بخشوع، سائلاً الله أن يوفقه لما هو قادم عليه
.
.
.
.
.
.
في وكر الشياطين
قام ذلك السيد المجهول بالإتصال برقم خارج الوطن، لم يمضي وقت حتى أجاب الطرف الثاني بلكنة عربية مميزة
تحدث الرجل المجهول بنبرة باردة كالثلج، و هو يطعم حيوانه الاليف:
- هل حدث شيء يستدعي إتصالك يا هذا؟
أجاب عليه الآخر بنفس النبرة لكن أقل برودة، وهو يحمل بين اصبعه سيجارة كعادته:
-فقط أردت تذكيرك بالصفقة القادمة التي سنعقدها مع اليابانيين؛ و أردت سؤالك إذا كان هناك أطراف أخرى ستشارك؟
رد عليه الرجل المجهول بغموض:
- اممم ألم تعلم أنني قررت إلغائها حتى إشعاراً آخر
صدم الآخر بهذا القرار الذي لم يكن في الحسبان قائلاً بنبرة تحمل الغضب:
- ماذا؟! كيف تقوم بإلغائها إنها تقدر بالملايين!
قاطعه الرجل الغامض و عيناه قد تحولت إلى كتلة حمراء من الغضب قائلاً:
- لا تنسى نفسك يا هذا! أنا من صنعتك و منحتك هذه المكانة، التي لم تحلم بها في حياتك، لولاي لكنت الآن مرمياً خلف قضبان السجن بسبب طليقتــك!
حاول الآخر كبت غضبه قائلا ً بنبرة تأسف مصطنعة:
- آسف سيدي لنفعالي هذا، و لكن أنت تعرف مدى حاجتنا لهذه الصفقة في هذا الوقت
تكلم الرجل الغامض قائلاً:
- حبك للمال بهذا الجشع سيدمرك يا "أمجد"! إنك لا تركز في مدى الخطر الذي يلاحقنا و يترصد لنا! طمعك هذا سيقضي عليك أولاً!
- و أكمل كلامه، و هو يطعم حيوانه الاليف قائلاً بوجهاً قاتم:
- - تلك الصفقة ما كانت إلا خدعة! لكي اعرف الخائن الذي يعمل معنا و يقوم بإيصال أخبارنا إلى الإنتربول! و ايضاً من خلال تلك الخدعة تمكنت من معرفته لكن مازال رأيسه مجهول الهوية
صدم من كلام الرجل الغامض، قائلاً بتسائل:
- و من هو هذا الخائن؟
أجابه ببرود قائلاً:
- لا داعي لأن تعرفه فهذا ليس من شأنك، و ايضاً بسبب طمعك و حبك اللامتناهي للمال، توقع نفسك في أخطاء لا حصر لها، و هذا بالطبع سوف يؤثر على عملنا بالمقابل!
صمت هنية، يستمع إلى أنفاس الآخر العالية من شدة غضبه، لم يبالي به، و تابع حديثه بنبرة غامضة:
-أتعرف لماذا لا أحب الكلاب؟!
أستغرب "أمجد" سؤاله قائلاً:
- لإنك تفضل النمور!!
ضحك بصوتاً عالٍ على إجابته التافهة من وجهة نظره، قائلاً بسخرية:.
- فقط لأني أربي نمر خيل لك أنني أفضلها! إجابتك خاطئة! أن اكره الكلاب لأنها تقضي حياتها كاملةً، و هي تلهث و لا تشبع مثلك تماماً!
أراد الصراخ بغضب على نعته له بالكلب إلا أنه تحكم في غضبه في آخر لحظة، فلم يأتي بعد وقت الحساب!
تابع الرجل الغامض كلامه:
- رغم وفاء الكلاب إلا أنني أجد صعوبة في تقبلها، فهي تخضع لسيدها بكل سهولة؛ بالنسبه لي من يخضع لي بكل سهولة ما هو إلا شخصاً ذو شخصية ضعيفة! لهذا أفضل النمور لأنها قوية و لا تخضع أبداً بسهولة. إلى اللقاء يا..سيد "أمجد"
رمى أمجد الهاتف على الأرض بكل قوة حتى تحطم إلى قطع صغيرة، زفر بغضب قائلاً في نفسه:
" أنتظر فقط! سأجعلك تندم على كل كلمة قلتها يا سيد " مارتن" أقسم بشرفي انني سانتقم منك أشد إنتقام
شرف! و هل أمثالك يعرفون الشرف! تقتلون الأبرياء بكل دمٍ بارد، ثم تأتي بكل برود و تقسم بشرفك، الذي لا يجوز لك القسم به و لا بغيره من دون الله! حقاً عندما يغيب الضمير عن ساحة الإنسانية، يعيث الشيطان فساداً فيها!
.
.
.
.
.
.
"في أمريكا"
تجهز "يوسف" و "حمزة" للعودة لأرض الوطن بصحبة "مايكل" ،الذي أصر على مرافقتهما، و كذلك فعلت "ماتيلدا"
لم يشأ "يوسف" الدخول معه في جادل عقيم، لهذا رضخ لأمر سفره معهم بكل برود، رغم أنه في داخله يشعر بالغليان منه، و من تصرفاته المستفزة!
.
.
.
.
في اليوم التالي
عندما انهت "نجاة" و "بشرى" محاضراتهما في الجامعة، عادتا الى منزل "بشرى"، و قبل ان تطأ قدم "نجاة" أعتاب البيت، فوجئت بشخص يجذبها من ذراعها بقوة، و قبل أن تصرخ فيه، صدمت بالشخص الواقف أمامها، والذي لم يكن سوى والدها السيد "عبد الفتاح"
تحدث والدها بغضب:
-لقد صبرت عليك كثيراً يا" نجاة"! زواجك سيتم على ابن الجيران، بعد اسبوعين من الآن، فجهزي نفسك
-ثم تابع بنبرة باردة:
-- قومي أيضاً بسحب اوراقك من الجامعة، لان زوجك المستقبلي غير مواقف على إتمامك الدراسة، و أنا أوافقه الرأي فمكان الفتاة الاساسي هو بيتها فقط و مطبخها!
كانت كل كلمة يلقيها والدها، تنغرز في قلبها كالسكين، لازالت لا تصدق أن والدها الذي من المفترض ان يشجعها على دراستها هو من يمنعها عنها! حقاً الحياة غريبة تفاجئنا دائما بما لا نتوقعه، مع هذا يجب ان نثق في اختيار الله لنا
"عسى ان يكون خيراً"
تمتمت بها نجاة و هي تستمع الى صراخ والدها الذي خرجت "زهراء" من المنزل على أثره
-اتركها حالاً! من أنت؟ و كيف تتجرأ أن تمسكها بهذا الشكل؟!
-اردفت بها زهراء بثبات، و عيناها تجوب الواقف أمامها بملامح غاضبة
-.
-.
-.
-.
-.
--#يتبــــــــــــــــع