◥ ツChapter ツ 6◤
(ملاحظة: فضلا وليس أمراً؛ من أجل أن يستمر شغفي في كتابة الرواية لا تنسوا أعزائي الضغط على النجمة ✳ الموجودة في الأسفل)
༊෴✿لا تنسوا ذكـــر ﷲ✿〄࿐
"استغفروا الله"
.
.
.
في قريـــة الرمال
"في منزل الفراج"
في بيت كبير و عتيق، يحيطه سور شاهق الارتفاع، يلتف حوله نبات الجهنمية المتسلق، ذو الازهار الوردية و البنفسجية، و التي أعطتـــه مظهراً خلاب يسحر عين الناظر إليه.
تتوسط باحته نافورة على شكل قِــربة من الماء، يتدلــى منها المــاء العذب على استحياء، كأنه فتاةً عذراء!
اما حديقته فهي حكاية! يعجز افضلُ القصاصين أن يصفوا مدى روعة و جمالها الخلاب؛ أشجار النخيل المثمرة ارتصت بجانب بعضها البعض، بمنظر مهيب، تظلل على تلك الأرجوحة التي احتلت فروعها القوية... و أزهار الصبار اتخذت من نفسها درع حماية لبركـــة الأسماك التي تتوسط الحديقة...
َ في إحدى غرف هذا البيت الكبير، يجلس على حافة السرير ناكساً رأسه بإنكســار، بعيون ذابلـة، كساها الحزن؛ كأن هموم الدنيا كلها على أكتافه.
دلفت زوجته بهدوء إلى الغرفة، اقتربت منه بخطوات ثقيلة، جلست بجانبه بحزن لم تستطع إخفاءه؛ من كثرة شروده في الفراغ، لم يشعــر بيد زوجته التي استكانت على كتفه، نادت عليه بنبرة حنونة طغى عليه الحزن:
ة
_"عبد العزيز"!... عبد العزيز!
رفع أنظاره الحزينة بإتجاهها، عندما دغدغ صوتها الحنون قلبه الذي أثقلــه ألم الفــراق، تحدث بعد ثواني بنبرة مزقت نياط قلبها عليه:
_ل.. لقد رحل أخي يا "زينب"، لم يعد لي إخوة... لقد انكسر ظهري!
ثم أكمل بصوت متحشرج، مشيراً إلى نفسه بأصابع مرتعشة:
_أنا.. أنا لم أعتقد أنني سأقف يوماً اتلقى عزاءه... راضياً بقضاء الله وقدره... لكن تمنيت أن استقبله هو، لا عزاءه!
ثم انخرط في بكاء مرير، الام فؤادها عليه؛ احتضنته بقوة، غرس رأسه أكثر في حضنها، كطفل تاءه وجد أمانه أخيراً في حضن والدته!
بكى كمن لم يبكي من قبل! بكى على فقدان اخ تمنى أن يلتم شملهم يوماً ما! بكى فقدان سند في الحــياة!
بكــى! و يا ليت البكاء يرجعوا الراحلين!
.
.
.
.
.
"في منــزل يحي الزيدان"
وقفت امام الخزانة، تتطلع بحزن عميق إلى ذلك الصندوق القديم القابع بين يديها، تحركت ببطء نحو الاريكة الصغيرة الموجودة في غرفتها، جلست عليها بفتور، و يداها تتفقد محتوياته
وضعته على تلك الطاولة الصغيرة، بعد أن أخرجت منه صورة قديمــة تجمــع بينها و بين اختها و تؤامها، التي وافتها المنية؛ مررت عليهـــا أصابعها، التي بدأت آثار الزمن تظهر عليها، اطبقت جفنيها بغصة ألم انهكت روحها.
انحدرت دموعها بقوة تحاكي مدى الهموم التي أثقلت كاهلها، قائلة بنبرة مبحوحة:
_آه يا "راضية"! لقد مات من كان لك منبع الأمان! لقد مــات و لم يعلم بوجود ابنته! بسبب ذلك الوعد الذي قطعته على والدي في لحظة ضعف، لم استطع حتى الآن قول الحقيقة لابنتك! لا أعلم ماذا سيحدث عندما تعرف الحقيقة... أخاف أن تقاطعني إلى الأبد...! و زاد خوفي عندما سمعت خبر وفاته... أسأل الله أن يحله من عنده، فالأمر خرج من سيطرتي!
.
.
.
.
.
.
.
في اليوم التالي، وصل "يوسف" مع "حمزة" إلى أمريكا، اتصل بمدبرة منزل عمه ليستعلم عن اسم المستشفى التي نقلوا إليها جثمان عمه و امرأة عمه.
وصلوا إلى المستشفى التي أخبرتهم بها "ماتيلدا"، توجهوا مباشرة إلى مكتب الاستعلامات، وقف "يوسف" أمام المكتب، سألها بصوت رجولي خشن، تلك الفتاة الشقراء التي سلب صوته قلبها، و جعلها تحدق به لثواني عديدة، كأنه قادم من عالم آخر:
_صباح الخير يا آنسة!
أعاد عليها التحية مرة أخرى، لكنها لم ترد عليه، لاحظ تحديقها بوجه، و علامات البلاهة مرتسمة على وجهها بشكل يدعو للضحك؛ غمز له "حمزة" بشقاوة، هامساً له في أذنه بصوت لم يصل إلى مسامع تلك الهائمة:
_لم يمر حتى نصف ساعة من تواجدنا في أمريكا، و ها أنت ذا تطيح بقلوب العذارى...
و كركر في آخر كلامه بصوت عالي، ايقظ تلك المسكين من حالتها، تنحنحت بخجل من تصرفها المشين، نظرت مرة أخرى إلى "يوسف"، وجدت ملامحه واجمة و باردة، تخفي خلفها بركان من الغيظ:
_احم احم... أعتذر يا سيد (ضغطت على "سيد" برقة، كأنها تقول له بطريقة غير مباشرة أخبرني باسمك)
_"يوسف"! اسمي سيد" يوسف الفراج"
_اوه! أنت مسلم؟
_أجل، هل هناك مشكلة؟
_لا، لا يوجد
ثم تساءلت بنبرة عملية:
_كيف يمكنني مساعدتك سيد" يوسف"؟
_لقد أخبروني أن عمي و زوجته تم نقلهم إلى مشفاكم اثر حادث وقع لهم أمس
لم يرد أن يخبرها بأنهم متوفيين، فمازال هناك بصيص امل ينبض في قلبه، يخبره أن كل ما يحدث مجرد إشاعة، و سيجد عمه و زوجته بخير
_ممكن أن تخبرني بالإسم الكامل له
_"ناصر عبد الرحمن الفراج "
كتبت الاسم في جاهز الكمبيوتر الموضوع أمامها، ظهر لها اسم عمه و بجانبه زوجته" سارة"، لكن و للأسف كان اسمهما من ضمن الحالات التــي توفيــت أثناء إجراء العملية لإنقاذهما..
حدقت فيه موظفة الاستقبال- المدعوة ب"ريتا" - بأســف، قائلــــة بنبرة طغت عليها الشفقة:
_أعتذر لأخبارك بهذا، لكنهما قد توفيا أثناء القيام الأطباء بانقاذ حياتهما، و أيضاً....
َرغم الضجيج الذي خلفه وقع الكلمة على قلبه، إلا أنه سألها بثبات و هدوء يحسد عليه:
_هل هناك مشكلة؟
نظرت "ريتا" إلى شاشة الكمبيوتر بحيرة:
_مسجل لدي أنه تم إستلام جثمانهما..
تبادل "يوسف" و "حمزة" النظرات المصدومة، فاق "يوسف" من حالة الدهشة التي اعترته، سألها بنبرة تحمل الحِدة:
_تم استلامها؟ من قام بذلك؟
و قبل ان تجيبه، وصل الى مسامعه صوت رجولي غليظ:
"انا من استلمت جثة السيد " ناصر".."
.
.
.
"في منزل يوسف الفراج"
تحسنت حالة " بشرى" كثيراً عن الأمس، فقد تجاوبت مع " زهراء" و "نجاة" أثناء حديثهما معها، رغم الكلمات القليلة التي ترد بها، لكن هذا بالنسبة لهما افضل من حالة الصمت التي كانت عليها مساء أمس، فقد رفضت الكلام مع أي أحد، عدا جدها "عبد الرحمن"، الذي كانت كلماته الحنونة و المؤمنة بقضاء الله وقدره سبب - بعد الله سبحانه وتعالى - في إخراجها من دوامة الحزن.
سألت شقيقتها عن "يوسف" فاخبرتها أنه سافر إلى أمريكا؛ لم تشأ "زهراء" أخبارها بتفاصيل اكثر، كي لا تنتكس مرة أخرى، فهي مازالت لا تصدق أنها بدأت تعود إلى حالتها الطبيعية!
.
.
.
.
.
.
.
أدار "يوسف" رأسه ببطء، تطلع بأعين تشع من الغضب، إلى ذلك الشاب الفارع الطول، قــوي البنية، ذو ملامح رجولية تنبض بالخبث، و عيون زرقاء حادة كأعيون الصقر، و تزين وجهه بتلك اللحية التي إلتفــت حول ذقنه كالحصن المنيع؛ كانت تحيطه هالة من الهيبة.
تقدم بخطوات ثابتة قوية نحو "يوسف" و "حمزة"، وقف امامهما بكل برودة
و قبل أن يفتــح فمه، سحبه "يوسف" من ياقة بدلته بقوة، هاتفاً في وجهه بشراسة و غضب أعمى:
_هذا أنت؟ أيها الح**ر من سمح لك بالتدخل في شيء لا يعنيك؟ كيف تجرأت و فعلت ذلك؟
صـــرخ في آخر سؤاله بصوت مرتفع جذب أنظار المارة إليه، لاحظ " حمزة" نظراتهم المصوبــة نحو صديقه و الرجل المجهول، فحاول فض هذا الشباك بينهما، قبل أن يتطور الأمر و يحضر رجال الأمن الخاصين بالمستشفى.
هو أكثر من يعرف عصبية صديقه، و حالــة الجنون التي تتلبسه عندما يغضب؛ فرغم برودة الأعصاب التي يعامل بها أغلب الناس، إلا أنه عند الغضب يصبح كالثور الهائج، لا ينظر أمامه!
سحب يد صديقه التي تقبض على ملابس ذلك الغريب بقوة، قائلاً بحــدة و نبرة قلقة من أن عصبية صديقه:
_توقف يا "يوسف"! نحن لسنا في بلادنا؛ دعنا نفهم أكثر ما يقصده هذا الرجل
قرر اخيراً - الرجل المجهول - قطع صمته، مردفاً بنبرة مستفزة، و هو يهندم ملابسه:
_أواه أيها الشرقي! لقد أفســدت لي بدلتي... امضيت الليل كله و أنا اكويها... همجي لع**!
استفز بروده و لامبالاته "يوسف"، و قبل أن يهجم عليه مرة أخرى، أمسكه "حمزة" بقوة، موجهاً سؤاله هذه المرة إلى الواقف أمامه:
_من أنت يا هذا؟ و كيف تعطي لنفسك الحق بالتصرف بجثمان السيد "ناصر" و زوجته؟
اعتدل بكل غرور و نرجسية، كأنه يملك العالم، واضعاً يداه في جيب سرواله، تطلع إليهما باعين حادة قبل أن يقول بلغة عربية متقنة:
_أنا "مايكل"، "مايكل ميلر"، المحامي الخاص بالسيد "ناصر"... ثم أكمل بثقة:
_و إبنه...
"يا إلهي! يبدو أن هذا اليوم هو يوم الصدمات..!!"
هذا ما حدث به "حمزة" نفسه، محاولاً استيعاب ما قاله هذا المغرور، حدق في "يوسف" ينتظـــر منه نفي الأمر، لكن من جمود وجهه، أدرك أن ما ألقاه على مسامعهم صحيح بدون شك
اما المسكينة "ريتا" فظلت تنظر إليهم بأعيون متسعة إلى آخرها، و هي ترى تلك الأجساد الشبيهة بالثيران تتصـــارع أمامها، كأنهم في حلبــة، و ليس مستشفى!
قطع "يوسف" حرب النظرات بينهم، سائلاً اياه بنبرة باردة تسبق العاصفة:
_أين عمي و زوجته؟
_دفنتهما!
قذف بها هكذا، بكل برود، كأنه لم يفعل مصيبة، قد تكون سبب في سلب روحه المغرورة!
#يتبع
༊෴✿لا تنسوا ذكـــر ﷲ✿〄࿐
"استغفروا الله"
.
.
.
في قريـــة الرمال
"في منزل الفراج"
في بيت كبير و عتيق، يحيطه سور شاهق الارتفاع، يلتف حوله نبات الجهنمية المتسلق، ذو الازهار الوردية و البنفسجية، و التي أعطتـــه مظهراً خلاب يسحر عين الناظر إليه.
تتوسط باحته نافورة على شكل قِــربة من الماء، يتدلــى منها المــاء العذب على استحياء، كأنه فتاةً عذراء!
اما حديقته فهي حكاية! يعجز افضلُ القصاصين أن يصفوا مدى روعة و جمالها الخلاب؛ أشجار النخيل المثمرة ارتصت بجانب بعضها البعض، بمنظر مهيب، تظلل على تلك الأرجوحة التي احتلت فروعها القوية... و أزهار الصبار اتخذت من نفسها درع حماية لبركـــة الأسماك التي تتوسط الحديقة...
َ في إحدى غرف هذا البيت الكبير، يجلس على حافة السرير ناكساً رأسه بإنكســار، بعيون ذابلـة، كساها الحزن؛ كأن هموم الدنيا كلها على أكتافه.
دلفت زوجته بهدوء إلى الغرفة، اقتربت منه بخطوات ثقيلة، جلست بجانبه بحزن لم تستطع إخفاءه؛ من كثرة شروده في الفراغ، لم يشعــر بيد زوجته التي استكانت على كتفه، نادت عليه بنبرة حنونة طغى عليه الحزن:
ة
_"عبد العزيز"!... عبد العزيز!
رفع أنظاره الحزينة بإتجاهها، عندما دغدغ صوتها الحنون قلبه الذي أثقلــه ألم الفــراق، تحدث بعد ثواني بنبرة مزقت نياط قلبها عليه:
_ل.. لقد رحل أخي يا "زينب"، لم يعد لي إخوة... لقد انكسر ظهري!
ثم أكمل بصوت متحشرج، مشيراً إلى نفسه بأصابع مرتعشة:
_أنا.. أنا لم أعتقد أنني سأقف يوماً اتلقى عزاءه... راضياً بقضاء الله وقدره... لكن تمنيت أن استقبله هو، لا عزاءه!
ثم انخرط في بكاء مرير، الام فؤادها عليه؛ احتضنته بقوة، غرس رأسه أكثر في حضنها، كطفل تاءه وجد أمانه أخيراً في حضن والدته!
بكى كمن لم يبكي من قبل! بكى على فقدان اخ تمنى أن يلتم شملهم يوماً ما! بكى فقدان سند في الحــياة!
بكــى! و يا ليت البكاء يرجعوا الراحلين!
.
.
.
.
.
"في منــزل يحي الزيدان"
وقفت امام الخزانة، تتطلع بحزن عميق إلى ذلك الصندوق القديم القابع بين يديها، تحركت ببطء نحو الاريكة الصغيرة الموجودة في غرفتها، جلست عليها بفتور، و يداها تتفقد محتوياته
وضعته على تلك الطاولة الصغيرة، بعد أن أخرجت منه صورة قديمــة تجمــع بينها و بين اختها و تؤامها، التي وافتها المنية؛ مررت عليهـــا أصابعها، التي بدأت آثار الزمن تظهر عليها، اطبقت جفنيها بغصة ألم انهكت روحها.
انحدرت دموعها بقوة تحاكي مدى الهموم التي أثقلت كاهلها، قائلة بنبرة مبحوحة:
_آه يا "راضية"! لقد مات من كان لك منبع الأمان! لقد مــات و لم يعلم بوجود ابنته! بسبب ذلك الوعد الذي قطعته على والدي في لحظة ضعف، لم استطع حتى الآن قول الحقيقة لابنتك! لا أعلم ماذا سيحدث عندما تعرف الحقيقة... أخاف أن تقاطعني إلى الأبد...! و زاد خوفي عندما سمعت خبر وفاته... أسأل الله أن يحله من عنده، فالأمر خرج من سيطرتي!
.
.
.
.
.
.
.
في اليوم التالي، وصل "يوسف" مع "حمزة" إلى أمريكا، اتصل بمدبرة منزل عمه ليستعلم عن اسم المستشفى التي نقلوا إليها جثمان عمه و امرأة عمه.
وصلوا إلى المستشفى التي أخبرتهم بها "ماتيلدا"، توجهوا مباشرة إلى مكتب الاستعلامات، وقف "يوسف" أمام المكتب، سألها بصوت رجولي خشن، تلك الفتاة الشقراء التي سلب صوته قلبها، و جعلها تحدق به لثواني عديدة، كأنه قادم من عالم آخر:
_صباح الخير يا آنسة!
أعاد عليها التحية مرة أخرى، لكنها لم ترد عليه، لاحظ تحديقها بوجه، و علامات البلاهة مرتسمة على وجهها بشكل يدعو للضحك؛ غمز له "حمزة" بشقاوة، هامساً له في أذنه بصوت لم يصل إلى مسامع تلك الهائمة:
_لم يمر حتى نصف ساعة من تواجدنا في أمريكا، و ها أنت ذا تطيح بقلوب العذارى...
و كركر في آخر كلامه بصوت عالي، ايقظ تلك المسكين من حالتها، تنحنحت بخجل من تصرفها المشين، نظرت مرة أخرى إلى "يوسف"، وجدت ملامحه واجمة و باردة، تخفي خلفها بركان من الغيظ:
_احم احم... أعتذر يا سيد (ضغطت على "سيد" برقة، كأنها تقول له بطريقة غير مباشرة أخبرني باسمك)
_"يوسف"! اسمي سيد" يوسف الفراج"
_اوه! أنت مسلم؟
_أجل، هل هناك مشكلة؟
_لا، لا يوجد
ثم تساءلت بنبرة عملية:
_كيف يمكنني مساعدتك سيد" يوسف"؟
_لقد أخبروني أن عمي و زوجته تم نقلهم إلى مشفاكم اثر حادث وقع لهم أمس
لم يرد أن يخبرها بأنهم متوفيين، فمازال هناك بصيص امل ينبض في قلبه، يخبره أن كل ما يحدث مجرد إشاعة، و سيجد عمه و زوجته بخير
_ممكن أن تخبرني بالإسم الكامل له
_"ناصر عبد الرحمن الفراج "
كتبت الاسم في جاهز الكمبيوتر الموضوع أمامها، ظهر لها اسم عمه و بجانبه زوجته" سارة"، لكن و للأسف كان اسمهما من ضمن الحالات التــي توفيــت أثناء إجراء العملية لإنقاذهما..
حدقت فيه موظفة الاستقبال- المدعوة ب"ريتا" - بأســف، قائلــــة بنبرة طغت عليها الشفقة:
_أعتذر لأخبارك بهذا، لكنهما قد توفيا أثناء القيام الأطباء بانقاذ حياتهما، و أيضاً....
َرغم الضجيج الذي خلفه وقع الكلمة على قلبه، إلا أنه سألها بثبات و هدوء يحسد عليه:
_هل هناك مشكلة؟
نظرت "ريتا" إلى شاشة الكمبيوتر بحيرة:
_مسجل لدي أنه تم إستلام جثمانهما..
تبادل "يوسف" و "حمزة" النظرات المصدومة، فاق "يوسف" من حالة الدهشة التي اعترته، سألها بنبرة تحمل الحِدة:
_تم استلامها؟ من قام بذلك؟
و قبل ان تجيبه، وصل الى مسامعه صوت رجولي غليظ:
"انا من استلمت جثة السيد " ناصر".."
.
.
.
"في منزل يوسف الفراج"
تحسنت حالة " بشرى" كثيراً عن الأمس، فقد تجاوبت مع " زهراء" و "نجاة" أثناء حديثهما معها، رغم الكلمات القليلة التي ترد بها، لكن هذا بالنسبة لهما افضل من حالة الصمت التي كانت عليها مساء أمس، فقد رفضت الكلام مع أي أحد، عدا جدها "عبد الرحمن"، الذي كانت كلماته الحنونة و المؤمنة بقضاء الله وقدره سبب - بعد الله سبحانه وتعالى - في إخراجها من دوامة الحزن.
سألت شقيقتها عن "يوسف" فاخبرتها أنه سافر إلى أمريكا؛ لم تشأ "زهراء" أخبارها بتفاصيل اكثر، كي لا تنتكس مرة أخرى، فهي مازالت لا تصدق أنها بدأت تعود إلى حالتها الطبيعية!
.
.
.
.
.
.
.
أدار "يوسف" رأسه ببطء، تطلع بأعين تشع من الغضب، إلى ذلك الشاب الفارع الطول، قــوي البنية، ذو ملامح رجولية تنبض بالخبث، و عيون زرقاء حادة كأعيون الصقر، و تزين وجهه بتلك اللحية التي إلتفــت حول ذقنه كالحصن المنيع؛ كانت تحيطه هالة من الهيبة.
تقدم بخطوات ثابتة قوية نحو "يوسف" و "حمزة"، وقف امامهما بكل برودة
و قبل أن يفتــح فمه، سحبه "يوسف" من ياقة بدلته بقوة، هاتفاً في وجهه بشراسة و غضب أعمى:
_هذا أنت؟ أيها الح**ر من سمح لك بالتدخل في شيء لا يعنيك؟ كيف تجرأت و فعلت ذلك؟
صـــرخ في آخر سؤاله بصوت مرتفع جذب أنظار المارة إليه، لاحظ " حمزة" نظراتهم المصوبــة نحو صديقه و الرجل المجهول، فحاول فض هذا الشباك بينهما، قبل أن يتطور الأمر و يحضر رجال الأمن الخاصين بالمستشفى.
هو أكثر من يعرف عصبية صديقه، و حالــة الجنون التي تتلبسه عندما يغضب؛ فرغم برودة الأعصاب التي يعامل بها أغلب الناس، إلا أنه عند الغضب يصبح كالثور الهائج، لا ينظر أمامه!
سحب يد صديقه التي تقبض على ملابس ذلك الغريب بقوة، قائلاً بحــدة و نبرة قلقة من أن عصبية صديقه:
_توقف يا "يوسف"! نحن لسنا في بلادنا؛ دعنا نفهم أكثر ما يقصده هذا الرجل
قرر اخيراً - الرجل المجهول - قطع صمته، مردفاً بنبرة مستفزة، و هو يهندم ملابسه:
_أواه أيها الشرقي! لقد أفســدت لي بدلتي... امضيت الليل كله و أنا اكويها... همجي لع**!
استفز بروده و لامبالاته "يوسف"، و قبل أن يهجم عليه مرة أخرى، أمسكه "حمزة" بقوة، موجهاً سؤاله هذه المرة إلى الواقف أمامه:
_من أنت يا هذا؟ و كيف تعطي لنفسك الحق بالتصرف بجثمان السيد "ناصر" و زوجته؟
اعتدل بكل غرور و نرجسية، كأنه يملك العالم، واضعاً يداه في جيب سرواله، تطلع إليهما باعين حادة قبل أن يقول بلغة عربية متقنة:
_أنا "مايكل"، "مايكل ميلر"، المحامي الخاص بالسيد "ناصر"... ثم أكمل بثقة:
_و إبنه...
"يا إلهي! يبدو أن هذا اليوم هو يوم الصدمات..!!"
هذا ما حدث به "حمزة" نفسه، محاولاً استيعاب ما قاله هذا المغرور، حدق في "يوسف" ينتظـــر منه نفي الأمر، لكن من جمود وجهه، أدرك أن ما ألقاه على مسامعهم صحيح بدون شك
اما المسكينة "ريتا" فظلت تنظر إليهم بأعيون متسعة إلى آخرها، و هي ترى تلك الأجساد الشبيهة بالثيران تتصـــارع أمامها، كأنهم في حلبــة، و ليس مستشفى!
قطع "يوسف" حرب النظرات بينهم، سائلاً اياه بنبرة باردة تسبق العاصفة:
_أين عمي و زوجته؟
_دفنتهما!
قذف بها هكذا، بكل برود، كأنه لم يفعل مصيبة، قد تكون سبب في سلب روحه المغرورة!
#يتبع